خطبه 239 صبحی صالح
239- و من خطبة له ( عليه السلام ) يذكر فيها آل محمد ( صلى الله عليه وآله )
هُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ وَ مَوْتُ الْجَهْلِ يُخْبِرُكُمْ حِلْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ وَ ظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ وَ صَمْتُهُمْ عَنْ حِكَمِ مَنْطِقِهِمْ
لَا يُخَالِفُونَ الْحَقَّ وَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَ هُمْ دَعَائِمُ الْإِسْلَامِ وَ وَلَائِجُ الِاعْتِصَامِ بِهِمْ عَادَ الْحَقُّ إِلَى نِصَابِهِ وَ انْزَاحَ الْبَاطِلُ عَنْ مُقَامِهِ وَ انْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ مَنْبِتِهِ.
«الإمام الأول أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام»
و اعلم أن تلك الأوصاف المذكورة في الخطب لا تصدق حقيقة إلا على آل محمد صلى الله عليه و آله و المراد باله ليس مطلق من صحبه أو عاصره أو عاش معه لأن الضرورة قاضية على خلافه فانا لو نظرنا في صحابة الرسول صلى الله عليه و آله و سبرناهم لوجدنا بعد
النبي صلى الله عليه و آله من كان وجوده حياة العلم و حياته دعامة الاسلام و من ازاح الباطل و ابطل المناكير و أعاد الحق إلى حده و مستقره، هو أمير المؤمنين علي عليه السلام لا غير فان الكل متفق على أنه عليه السلام كان أفضل الصحابة في جميع الكمالات النفسانية و البدنية و ما طعن أحد في حكمه و فعله و قوله و علمه و صدرت من غيره عليه السلام ما لو لا علي عليه السلام لمحق الدين و هلك الناس كما اذعن الجميع بها و نقلها رواة السنة في جوامعهم و كان المسلمون عند حدوث معضل يضربون به المثل بقولهم:قضية لا أبا حسن لها.
قال القاضي العضد الايجي الشافعي في مبحث الإمامة من المواقف: على اعلم الصحابة لأنه كان في غاية الذكاء و الحرص على التعلم و محمد صلى الله عليه و آله اعلم الناس و أحرصهم على ارشاده و كان في صغره في حجره و في كبره ختنا له يدخل عليه كل وقت و ذلك يقتضى بلوغه في العلم كل مبلغ، و أما أبو بكر فاتصل بخدمته في كبره و كان يصل إليه في اليوم مرة أو مرتين و لقوله صلى الله عليه و آله: أقضاكم على، و القضاء يحتاج إلى جميع العلوم و لقوله تعالى و تعيها أذن واعية و أكثر المفسرين على أنه على و لأنه نهى عمر عن رجم من ولدت لستة أشهر و عن رجم الحاملة فقال عمر: لو لا علي لهلك عمر، و لقول علي عليه السلام لو كسرت لي الوسادة ثم جلست عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم و بين أهل الإنجيل بانجليهم و بين أهل الزبور بزبورهم و بين أهل الفرقان بفرقانهم، و قوله عليه السلام و الله ما من آية نزلت في بر أو بحر أو سهل أو جبل أو سماء أو أرض أو ليل أو نهار إلا أنا أعلم فيمن نزلت و في أي شيء نزلت، و لأن عليا عليه السلام ذكر في خطبه من أسرار التوحيد و العدل و النبوة و القضاء و القدر ما لم يقع مثله في كلام الصحابة، و لأن جميع الفرق ينتسبون إليه في الاصول و الفروع و كذا المتصوفة في علم تصفية الباطن و ابن عباس رئيس المفسرين تلميذه و كان في الفقه و الفصاحة في الدرجة القصوى، و علم النحو انما ظهر منه و هو الذي أمرأ بالأسود الدئلي بتدوينه و كذا علم الشجاعة و ممارسة الأسلحة و كذا علم الفتوة و الأخلاق. إلى آخر ما قال فراجع ..
و في الكافي بإسناده إلى أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي في ذيل خطبة نقل صدرها الرضي رضوان الله عليه في نهج البلاغة (الخطبة 208) و وعدنا نقل الذيل قبيل هذا، عنه عليه السلام: و قد كنت أدخل على رسول الله صلى الله عليه و آله كل يوم دخلة و كل ليلة دخلة فيخليني فيها أدور معه حيث دار و قد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله انه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري فربما كان في بيتي يأتيني رسول الله صلى الله عليه و آله أكثر ذلك في بيتي و كنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني و أقام عني نساءه فلا يبقى عنده غيري و إذا أتاني للخلوة معى في منزلي لم يقم عنى فاطمة و لا أحدا من بني و كنت إذا سألته أجابني و إذا سكت عنه و فنيت مسائلي ابتدأني فما نزلت على رسول الله آية من القرآن إلا أقرأنيها أو أملاها على فكتبتها بخطي و علمني تأويلها و تفسيرها و ناسخها و منسوخها و محكمها و متشابهها و خاصها و عامها و دعى الله أن يعطيني فهمها و حفظها فما نسيت آية من كتاب الله تعالى و لا علما املاها على و كتبته منذ دعا الله لي بما دعا و ما ترك شيئا علمه الله من حلال و لا حرام و لا أمر و لا نهي كان أو يكون و لا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علمنيه و حفظته فلم أنس حرفا واحدا ثم وضع يده على صدرى و دعى الله لي أن يملأ قلبي علما و فهما و حكما و نورا فقلت يا رسول الله بأبي أنت و أمي منذ دعوت الله لى بما دعوت لم أنس شيئا و لم يفتني شيئا لم أكتبه. أ فتتخوف على النسيان فيما بعد؟ فقال: لا لست أتخوف عليك النسيان و الجهل.
و أيضا كتبه و رسائله و خطبه و حكمه من أوضح البراهين على ذلك و قد تحيرت في بعضها العقول و خضعت له افكار الفحول لاشتمالها على اللطائف الحكمية و المباحث العقلية و المسائل الالهية في توحيد الله و صفاته عز اسمه و لم ينقل لأحد من كبار الصحابة و فصحائهم و لا من العرفاء الشامخين و الحكماء المتألهين نحو خطبة واحدة منها لا لفظا و لا معنى بل كلهم عيال له و كفى ببطل العلم فخرا ان يتناول من مأدبته و يرتوى من مشرع فصاحته.
و هذا هو عبد الحميد الذي قال فيه ابن خلكان في وفيات الأعيان: أو غالب عبد الحميد بن يحيى بن سعيد الكاتب البليغ المشهور كان كاتب مروان بن الحكم الأموي آخر ملوك بني امية و به يضرب المثل في البلاغة حتى قيل فتحت الرسائل بعبد الحميد و ختمت بابن العميد و كان في الكتابة و في كل فن من العلم و الأدب إماما و عنه أخذ المترسلون و لطريقته لزموا و لاثاره اقتفوا و هو الذى سهل سبيل البلاغة في الترسل و مجموع رسائله مقدار ألف ورقة و هو أول من اطال الرسائل و استعمل التحميدات في فصول الكتاب فاستعمل الناس ذلك بعده- قال: حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع ففاضت ثم فاضت، و يعني بالأصلع أمير المؤمنين عليا عليه السلام.
و هذا هو ابن نباتة قائل الخطبة المنامية- الذي قال فيه ابن خلكان:أبو يحيى عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباتة صاحب الخطب المشهورة كان إماما في علوم الأدب و رزق السعادة في خطبه التي وقع الاجماع على أنه ما عمل مثلها و فيها دلالة على غزارة علمه و جودة قريحته- قال: حفظت من الخطابة كنزا لا يزيده الانفاق الا سعة و كثرة حفظت مأئة فصل من مواعظ علي بن أبى طالب.
و هذا هو الحكيم البارع الالهي المولى صدرا قدس سره تمسك في الفصل الثالث من الموقف الثاني من المجلد الثالث من الأسفار الأربعة المعنون بقوله في تحقيق القول بعينية الصفات الكمالية للذات الأحدية- بقوله عليه السلام في نفى المعاني و الصفات الزائدة عن ذاته تعالى، فقال:
و قد وقع في كلام مولانا و إمامنا مولى العارفين و إمام الموحدين ما يدل على نفى زيادة صفات الله تعالى بأبلغ وجه و آكد حيث قال عليه السلام في خطبة من خطبة المشهورة: أول الدين معرفته، و كمال المعرفة التصديق به، و كمال التصديق به توحيده و كمال التوحيد الاخلاص له، و كمال الاخلاص له نفى الصفات عنه بشهادة كل صفة أنها غير الموصوف و شهادة كل موصوف انه غير الصفة فمن وصفه سبحانه فقد قرنه و من قرنه فقد ثناه، و من ثناه فقد جزاه، و من جزاه فقد جهله، و من أشارإليه فقد حده، و من حده فقد عده، و من قال فيم فقد ضمنه، و من قال عليم فقد أخلى عنه.
انتهى كلامه المقدس على نبينا و عليه و آله السلام و الاكرام و هذا الكلام الشريف مع وجازته متضمن لأكثر المسائل الالهية ببراهينها و لنشر إلى نبذ من بيان أسراره و أنموذج من كنوز أنواره. ثم نشرحه في ذلك الفصل بما تيسر له من فهم أسرار كلماته عليه السلام.
و لله در من قال: ان كلامه عليه السلام دون كلام الخالق و فوق كلام المخلوقين و كأن روح القدس نفث في روع الشريف الرضي رضى الله عنه أن سمى ما جمعه من كلامه عليه السلام بنهج البلاغة.
و هذا هو خصمه الناصب و محاربه المعاند الجاحد و عدوه و مبغضه الذي يجتهد في وصمه و يلعنه على المنابر و أمر الناس بلعنه امام الفئة الباغية معاوية بن أبي سفيان قال لعبد الله بن أبي محجن الثقفي لما قال له اني أتيتك من عند الغبي الجبان البخيل ابن أبي طالب، فقال معاوية: لله أنت! أ تدري ما قلت؟ أما قولك: الغبي، فو الله لو أن ألسن الناس جمعت فجعلت لسانا واحدا لكفاها لسان علي؛ و أما قولك: إنه جبان، فثكلتك امك، هل رأيت أحدا قط بارزه إلا قتله؟ و أما قولك: إنه بخيل فو الله لو كان له بيتان أحدهما من تبر و الاخر من تبن لأنفد تبره قبل تبنه. فقال الثقفي. فعلام تقاتله إذا؟ قال: على دم عثمان، و على هذا الخاتم الذي من جعله في يده جازت طينته و اطعم عياله و ادخر لأهله. فضحك الثقفي ثم لحق بعلي فقال: يا أمير المؤمنين هب لي يدي بجرمى لا دنيا أصبت و لا آخرة. فضحك علي عليه السلام ثم قال: أنت منها على رأس امرك و إنما يأخذ الله العباد بأحد الأمرين «نقله ابن قتيبة الدينوري في الإمامة و السياسة».
و قال ابن حجر في صواعقه: أخرج أحمد أن رجلا سأل معاوية عن مسألة فقال: سل عنها عليا فهو أعلم، قال: جوابك فيها أحب إلي من جواب علي قال:بئس ما قلت لقد كرهت رجلا كان رسول الله يغره بالعلم غرا و لقد قال له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي و كان عمر إذا أشكل عليه شيءأخذ منه- إلى آخر ما قال.
ثم إن قولنا و ما طعن فيه أحد مما شهد له المخالف و الموالف و إن كان الخصم ربما يشتمه و يسبه كشتم الوطواط الشمس. و من الشواهد في ذلك ما كتبه المورخون و الرواة و المحدثون خلفا عن سلف ان اناسا لما اجتمعوا و تبادروا إلى ولاية الأمر و اتفق لأبي بكر ما اتفق و بدر الطلقاء بالعقد للرجل خوفا من إدراك علي عليه السلام الأمر لم يجدوا فيه عليه السلام مطعنا و لا مغمزا إلا عابوه بالدعابة فاستمسكوا بها في منعه عليه السلام عن الخلافة و ممن أتى بما قلنا الفاضل الشارح ابن أبي الحديد المعتزلي في الموضعين من مقدمة شرحه على نهج البلاغة حيث قال في سجاحة اخلاقه عليه السلام (ص 6 ج 1 طبع الطهران 1304): و أما سجاحة الأخلاق و بشر الوجه و طلاقة المحيا و التبسم فهو المضروب به المثل فيه حتى عابه بذلك اعداؤه قال عمرو بن العاص لأهل الشام: انه ذو دعابة و قال علي عليه السلام في ذاك: عجبا لابن النابغة يزعم لأهل الشام ان في دعابة و اني امرؤ تلعابة اعافس و امارس، و عمرو بن العاص انما أخذها عن عمر بن الخطاب لقوله لما عزم لاستخلافه: لله أبوك لو لا دعابة فيك، إلا ان عمر اقتصر عليها و عمرا زاد فيها و سمجها.
ثم قال (ص 11 منه): و أمير المؤمنين عليه السلام كان أشجع الناس و أعظمهم اراقة للدم و أزهدهم و أبعد الناس عن ملاذ الدنيا و أكثرهم وعظا و تذكيرا بأيام الله و مثلاته و أشدهم اجتهادا في العبادة و ادابا لنفسه في المعاملة و كان مع ذلك ألطف العالم أخلاقا و أسفرهم وجها و أكثرهم بشرا و أوفاهم هشاشة و بشاشة و أبعدهم عن انقباض موحش أو خلق نافر أو تجهم مباعد أو غلظة و فظاظة تنفر معهما نفس أو يتكدر معهما قلب حتى عيب بالدعابة و لما لم يجدوا فيه مغمزا و لا مطعنا تعلقوا بها و اعتمدوا في التنفير عليها. مصراع: و تلك شكاة طاهر عنك عارها. انتهى ما اردنا من نقل كلامه.
الاحاديث و الايات في على عليه السلام
بعد الصفح عن الاثار الباقية عن علي عليه السلام الدالة على علو رتبته و رفعة منزلته بحيث لم يسبقه الأولون و لا يدركه الاخرون علما و حكمة و زهدا و معرفة بالله، نجد روايات متواترة متظافرة عن النبي صلى الله عليه و آله منقولة من جوامع الفريقين مما لا تحصى كثرة و كذا آيات كثيرة قرآنية في أنه عليه السلام خليفة رسول الله بلا فصل و وصيه و أخوه و انه أفضل من غيره و اعلم الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و باب مدينة العلم و أنه من رسول الله بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعده و أنه قاضي دينه صلى الله عليه و آله «بكسر الدال» و أنه ولي كل مؤمن و مؤمنة من بعده صلى الله عليه و آله و انه نفس رسول الله و أن الله أذهب عنه الرجس و طهره تطهيرا و غيرها مما دونت لها و لضبط طرقها و اسانيدها كتب مفصلة عليحدة ملأت الافاق فهو عليه السلام عيش العلم و دعامة الاسلام
الإمام الثاني و الثالث
سبطا رسول الله صلى الله عليه و آله و ريحانتاه و سيدا شباب أهل الجنة الحسن و الحسين سلام الله عليهما. قال ابن الأثير في اسد الغابة في معرفة الصحابة و كذا في كثير من كتب جوامع الفريقين و التفاسير العديدة بالأسانيد الكثيرة و الطرق المتظافرة: نزلت هذه الاية على النبي صلى الله عليه و آله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا في بيت ام سلمة فدعا النبي صلى الله عليه و آله فاطمة و حسنا و حسينا فجللهم بكساء و علي خلف ظهره ثم قال: هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا قالت ام سلمة: و أنا معهم يا رسول الله؟ قال: أنت على مكانك أنت إلى خير.
ثم قال ابن الأثير: بإسناده عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أحدهما أعظم من الاخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي و لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما.
و فيه عن البراء قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله واضعا الحسن بن علي على عاتقه و هو يقول: اللهم إني احبه فأحبه.
و فيه عن يعلي بن مرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: حسين مني و أنا من حسين أحب الله من أحب حسينا حسين سبط من الأسباط.
و فيه ان رسول الله صلى الله عليه و آله سمي الحسن و الحسين و المحسن بأسماء ولد هارون شبر و شبير و مشبر.
أقول: في هذا الحديث إشارة إلى قوله صلى الله عليه و آله فيه عليه السلام أنت مني بمنزلة هارون من موسى.
و روى الشيعة عنه صلى الله عليه و آله متواترا: انه قال للحسين عليه السلام: هذا ابني إمام ابن امام أخو إمام أبو أئمة تسعة تاسعهم قائمهم.
و الأحاديث المنقولة عن النبي صلى الله عليه و آله من الفريقين مشتركة فيهما و منفردة في كل واحد منها الدالة على امامتها و فضلهما على غيرهما و انهما على الحق حيث دارا و دار مما لا تحصى كثرة.
الإمام الرابع
هو سيد الساجدين و زين العابدين و قدوة السالكين و الزاهدين امام الثقلين ذو الثفنات أبو الحسن علي بن الحسين صلوات الله عليهما خلف عليه السلام كتابا جذب عقول الحكماء المتألهين إلى دقائق حقائقه و شحذ افكار العلماء الشامخين في درك أسرار لطائفه فغاصوا في بحار معانيه لاقتناء درره و شمروا عن ساق الهمة لاجتناء ثمره فنالتهم العائدة من تلك المائدة الالهية بقدر الوسع و القابلية ألا و هو زبور آل محمد و انجيل أهل البيت الصحيفة الكاملة السجادية. أ رأيت هل تيسر لأحد من العلماء المتبحرين في الفنون العديدة أن يحذو حذوه عليه السلام في أداء تلك المعاني الجزيلة بتلك العبارات الوجيزة الجميلة و هل تجد لأسلافنا الماضين من غير بيت الال من نسج المعاني بالألفاظ على ذلك المنوال؟ و لعمرى و ما عمرى علي بهين لو أعيد عبد الحميد و عوضد بابن العميد على أن يأتي بمثل دعاء منها لرأيت أنه لا يلوم إلا نفسه و لا يروم إلا رمسه.
و لله در الحكيم البارع و العالم الجامع المتضلع في الفنون العلمية صاحب الكتب القيمة صدر الدين المدني علي بن أحمد نظام الدين الحسيني الحسني حيث قال في مقدمة شرحه على صحيفة سيد الساجدين الموسوم برياض السالكين:
و اعلم أن هذه الصحيفة الشريفة عليها مسحة من العلم الالهي و فيها عبقة من الكلام النبوي كيف لا و هي قبس من نور مشكاة الرسالة و نفحة من شميم رياض الإمامة حتى قال بعض العارفين: إنها تجري مجري التنزيلات السماوية و تسير مسير الصحف اللوحية و العرشية لما اشتملت عليه من أنوار حقائق المعرفة و ثمار حدائق الحكمة و كان اخيار العلماء وجها بذ القدماء من السلف الصالح يلقبونها بزبور آل محمد و انجيل أهل البيت، قال الشيخ الجليل محمد بن علي بن شهر آشوب في معالم العلماء في ترجمة المتوكل بن عمير: روى عن يحيى بن زيد بن علي عليه السلام دعاء الصحيفة و تلقب بزبور آل محمد. ثم قال: و أما بلاغة بيانها فعندها تسجد سحرة الكلام و تذعن بالعجز عنها مدارة الأعلام و تعترف بأن النبوة غير الكهانة و لا يستوى الحق و الباطل في المكانة و من حام حول سمائها بغاسق فكره الواقب رمي من رجوم الخذلان بشهاب ثاقب حكى ابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب عليه السلام ان بعض البلغاء بالبصرة ذكرت عنده الصحيفة الكاملة فقال: خذوا عني حتى املى عليكم مثلها فأخذ القلم و أطرق رأسه فما رفعه حتى مات، و لعمرى لقد رام شططا فنال سخطا. انتهى ما اردنا من نقل كلامه.
«كلام طنطاوى صاحب التفسير في الصحيفة السجادية»
قال بعض علمائنا المعاصرين في مقدمته على صحيفة سيد الساجدين (ص كح طبع طهران عاصمة ايران 1361 ه): و إنى في سنة 1353 ه بعثت نسخة من الصحيفة الشريفة إلى العلامة المعاصر الشيخ جوهرى طنطاوى صاحب التفسير المعروف مفتى الاسكندرية ليطالعها فكتب إلى من القاهرة وصول الصحيفة و شكر لى على هذه الهدية السنية و أطرى في مدحها و الثناء عليها- إلى أن قال: و من الشقاء انا إلى الان لم نقف على هذا الأثر القيم الخالد من مواريث النبوة و أهل البيت و إني كلما تأملتها رأيتها فوق كلام المخلوق و دون كلام الخالق- إلى آخر ما قال:
ثم سأل عنى هل شرحها أحد من علماء الاسلام فكتبت اليه أسامى من شرحه ممن كنت أعلم به و قدمت لسماحته رياض السالكين للسيد عليخان و كتب في جواب وصوله إنى مصمم و مشمر الذيل على أن أكتب شرحا على هذه الصحيفة العزيزة.انتهى.
«كلام محيى الدين الاعرابى (او المغربى) فيه عليه السلام»
قال في المناقب: صلوات الله و ملائكته و حملة عرشه و جميع خلقه من أرضه و سمائه على آدم أهل البيت، المنزه عن كيت و ما كيت، روح جسد الإمامة، شمس الشهامة، مضمون كتاب الابداع، حل تعمية الاختراع سر الله في الوجود، إنسان عين الشهود، خازن كنوز الغيب مطلع نور الإيمان كاشف مستور العرفان، الحجة القاطعة، و الدرة اللامعة، ثمرة شجرة طوبى القدسية، ازل الغيب و أبد الشهادة، السر الكل في سر العبادة، وتد الأوتاد و زين العباد، إمام العالمين، و مجمع البحرين، زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام.
«كلام محمد بن طلحة الشافعي فيه عليه السلام»
هذا زين العابدين و قدوة الزاهدين و سيد المتقين و امام المؤمنين، شمته يشهد له انه من سلالة رسول الله، و سمته يثبت مقام قربة من الله زلفى، و ثفناته يسجل بكثرة صلاته و تهجده، و اعراضه عن متاع الدنيا ينطق بزهده، درت له أخلاق التقوى فيعوقها، و اشرقت لربه أنوار التاييد فاهتدى بها، و ألقته أوراد العبادة فانس بصحبتها، و خالفته وظائف الطاعة فتحلى بحليتها، طالما اتخذ الليل مطية ركبها لقطع طريق الاخرة، و ظماء هواء حر دليلا استرشد به في مفازة المسافرة، و له من الكرامات و خوارق العادات ما شوهد بالأعين الباصرة، و ثبت بالاثار المتواترة، و شهد له أنه من ملوك الاخرة.
قال أحمد بن خلكان في وفيات الأعيان و أنباء أبناء الزمان في ترجمته عليه السلام:أبو الحسن على بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام المعروف بزين العابدين و يقال له: على الأصغر و ليس للحسين عقب إلا من ولد زين العابدين هذا و هو أحد الأئمة الاثنا عشر و من سادات التابعين، قال الزهرى: ما رأيت قرشيا أفضل منه، و كان يقال لزين العابدين عليه السلام ابن الخيرتين لقوله صلى الله عليه و آله: لله تعالى من عباده خيرتان فخيرته من العرب قريش و من العجم فارس. و ذكر أبو القاسم الزمخشرى في كتاب ربيع الأبرار أن الصحابة لما أتوا المدينة بسبى فارس في خلافة عمر بن الخطاب كان فيهم ثلاث بنات ليزدجرد أيضا فباعوا السبايا و أمر عمر ببيع بنات يزدجرد فقال له علي بن أبي طالب عليه السلام: ان بنات الملوك لا يعاملن معاملة كغيرهن من بنات السوقة، فقال: كيف الطريق إلى العمل معهن؟ قال: يقومن و مهما بلغ من ثمنهن قام به من يختارهن فقومن فأخذهن علي بن أبي طالب عليه السلام فدفع واحدة لعبد الله بن عمر و الأخرى لولده الحسين و الأخرى لمحمد بن أبي بكر فأولد عبد الله أمته ولده سالما و أولد الحسين أمته زين العابدين عليه السلام و اولد محمد أمته القاسم فهؤلاء الثلاثة بنو خالة و امهاتهم بنات يزدجرد.
ثم قال: و حكى المبرد في كتاب الكامل ما مثاله يروى عن رجل من قريش لم يسم لنا قال: كنت أجالس سعيد بن المسيب فقال لي يوما: من أخوالك؟
فقلت: امي فتاة فكأني نقصت في عينه فامهلت حتى دخل سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فلما خرج من عنده قلت: يا عم من هذا؟ فقال: يا سبحان الله العظيم أتجهل مثل هذا هذا من قومك هذا سالم بن عبد الله بن عمر، قلت: فمن امه؟
فقال فتاة، قال: ثم أتاه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق فجلس عنده ثم نهض قلت: يا عم من هذا؟ قال: أتجهل من أهلك مثله ما أعجب هذا هذا القاسم بن محمد ابن أبي بكر قلت: فمن امه قال: فتاة فامهلت شيئا حتى جاءه علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام فسلم عليه ثم نهض قلت: يا عم من هذا فقال: هذا الذى لا يسع مسلما أن يجهله هذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فقلت:
من امه؟ فقال: فتاة فقلت: يا عم رأيتني نقصت من عينك حين قلت لك: امي فتاة أ فما بالي بهؤلاء اسوة قال فجللت في عينه جدا.
ثم قال: و كان زين العابدين كثير البر بامه حتى قيل له: إنك من أبر الناس بامك و لسنا نراك تأكل معها في صحفة فقال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت اليه عينها فأكون قد عققتها. إلى أن قال: و فضائل زين العابدين و مناقبه أكثر من أن تحصر. و كانت ولادته يوم الجمعة في بعض شهور سنة 38 للهجرة و توفي سنة 94 و قيل 99 و قيل 92 للهجرة بالمدينة و دفن في البقيع في قبر عمه الحسن بن علي عليهما السلام في القبة التي فيها قبر العباس رضي الله عنه.
ثم إن لفارس ميدان الشعر سحبان عصره أبي فراس همام بن غالب بن الصعصعة الملقب بالفرزدق التميمي المجاشعي رحمة الله عليه في مدحه عليه السلام قصيدة غراء بلغت في جودة ألفاظها و عذوبة معانيها غاية تستشهد بأبياتها الأدباء و الحري فيها أن يقال: إن من الشعر لحكمة و ان من الكلام لسحرا، أشار فيها إلى طائفة من علو رتبته عليه السلام و سمو درجته و شر ذمة من منزلة شأنه و مكانة أمره في واقعة اقتضت ذلك كما نشير إليها، و أتى ببعض ابياتها أبو تمام حبيب بن اوس الطائي في كتابه المعروف بالحماسة (الحماسة 708) التي دلت على غزارة فضله و اتقان معرفته بحسن اختياره معنونا بقوله: و قال الفرزدق يمدح علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم، مبتدأ بقول الفرزدق: إذا رأته قريش قال قائلها، و بعده: هذا الذي تعرف البطحاء، و بعده: يكاد يمسكه، و بعده: أى القبائل ليست، و بعده:
بكفه خيزران، و بعده يغضى حياء، و ختم به. و كذا أتى بعشرين بيتا منها أبو الفرج الاصبهاني في الأغاني في ترجمة الفرزدق (الجزء التاسع عشر ص 40 طبع ساسى) و كذا أتى بعدة أبيات منها الشريف المرتضى علم الهدى في أماليه المعروف بغرر الفوائد و درر القلائد، و كذا ذكر سبعا و عشرين منها أحمد بن خلكان في وفيات الأعيان عند ترجمة الفرزدق، و كذا غيرهم من كبار المؤلفين و اعاظم المورخين و لا حاجة إلى ذكرهم لأن القضية بلغت في وضوحها كالشمس في رابعة النهار و يعد من متواترات الأخبار و الاثار.
و أما تلك الواقعة الموعودة فقال أبو الفرج الاصبهاني في الأغاني: اخبرنا عبد الله بن علي بن الحسن الهاشمي عن حيان بن علي العنزي عن مجالد عن
الشعبي قال: حج الفرزدق بعد ما كبر و قد أتت له سبعون سنة و كان هشام بن عبد الملك قد حج في ذلك العام فرأى على بن الحسين في غمار الناس في الطواف فقال: من هذا الشاب الذي تبرق أسرة وجهه كأنه مرآة صينية تتراءى فيها عذارى الحى وجوهها؟ فقالوا: هذا على بن الحسين بن على بن أبى طالب صلوات الله عليهم فقال الفرزدق: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته: إلى آخر ما أتى بها، و قال بعد نقل القصيدة: فغضب هشام فحبسه بين مكة و المدينة فقال:
أ تحبسنى بين المدينة و التى | إليها قلوب الناس يهوى منيبها | |
تقلب رأسا لم يكن رأس سيد | و عينا له حولاء باد عيوبها | |
فبلغ شعره هشاما فوجه فأطلقه. و قال في ينابيع المودة: و كان هشام أحول.
و قال ابن خلكان في وفيات الأعيان في ترجمة الفرزدق: و تنسب إليه مكرمة يرجى له بها الجنة و هى أنه لما حج هشام بن عبد الملك في أيام أبيه فطاف و جهد أن يصل إلى الحجر ليستلمه فلم يقدر لكثرة الزحام فنصب له منبر و جلس عليه ينظر إلى الناس و معه جماعة من أعيان أهل الشام فبينما هو كذلك إذا أقبل زين العابدين على بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم و كان من أحسن الناس وجها و أطيبهم أرجا فطاف بالبيت فلما انتهى إلى الحجر تنحى له الناس حتى استلم، فقال رجل من أهل الشام: من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة؟ فقال هشام: لا أعرفه مخافة أن يرغب فيه أهل الشام فيملكون، و كان الفرزدق حاضرا فقال: أنا أعرفه، فقال الشامى: من هو يا أبا فراس؟ فقال:هذا الذي تعرف البطحاء- إلى آخر ما ذكر من ابيات تلك القصيدة.
و نحن نذكر القصيدة بتمامها تيمنا بها و نشرح بعض ما يحتاج إليه بالتفسير و السؤال:
يا سائلى أين حل الجود و الكرم | عندى بيان إذا طلا به قدموا | |
هذا الذى تعرف البطحاء وطأته | و البيت يعرفه و الحل و الحرم[1] هذا ابن خير عباد الله كلهم | |
هذا التقى النقى الطاهر العلم | هذا الذي أحمد المختار والده | |
صلى عليه إلهى ما جرى القلم[2] لو يعلم الركن من ذا جاء يلثمه | لخر يلثم منه ما وطى القدم[3] هذا على رسول الله والده | |
أمست بنور هداه تهتدى الأمم[4] هذا الذى عمه الطيار جعفر و | المقتول حمزة ليث حبه قسم | |
هذا ابن سيدة النسوان فاطمة | و ابن الوصى الذي في سيفه سقم[5] إذا رأته قريش قال قائلها | |
إلى مكارم هذا ينتهى الكرم[6] |
ينمى إلى ذروة العز التي قصرت | عن نيلها عرب الاسلام و العجم[7] يكاد يمسكه عرفان راحته | |
ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم |
و ليس قولك: من هذا؟ بضائره[9] | العرب تعرف من انكرت و العجم | |
يغضى حياء و يغضى من مهابته | فما يكلم إلا حين يبتسم[10] في كفه خيزران ريحه عبق | |
من كف أروع في عرنينه شمم |
ينشق ثوب الدجى عن نور غرته | كالشمس تنجاب عن اشراقها الظلم[12] ما قال لا قط إلا في تشهده | |
لو لا التشهد كانت لاؤه نعم | مشتقة من رسول الله نبعته | |
طابت مغارسه و الخيم و الشيم[13] حمال أثقال أقوام إذا فدحوا | حلو الشمائل تحلو عنده نعم[14] إن قال قال بما تهوى جميعهم | |
و إن تكلم يوما زانه الكلم |
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله | بجده أنبياء الله قد ختموا | |
الله شرفه قدما و عظمه | جرى بذاك له في لوحه القلم[16] من جده دان فضل الأنبياء له | |
و فضل امته دانت له الأمم | عم البرية بالاحسان و انقشعت | |
عنها العماية و الإملاق و الظلم | كلتا يديه غياث عم نفعهما | |
يستو كفان و لا يعروهما عدم | سهل الخليقة لا تخشى بوادره | |
يزينه خصلتان الحلم و الكرم[17] لا يخلف الوعد ميمون نقيبته | رحب الفناء أريب حين يعترم[18] من معشر حبهم دين و بغضهم | |
كفر، و قربهم منجى و معتصم | يستدفع السوء و البلوى بحبهم | |
و يستزاد به الاحسان و النعم[19] مقدم بعد ذكر الله ذكرهم | في كل بدء و مختوم به الكلم[20] إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم | |
أو قيل من خير أهل الأرض؟ قيل هم[21] لا يستطيع جواد بعد جودهم | و لا يدانيهم قوم و إن كرموا[22] هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت | |
و الأسد أسد الشرى و البأس محتدم |
يأبي لهم أن يحل الذم ساحتهم | خيم كريم و أيد بالندى ديم[24] لا يقبض العسر بسطا من أكفهم | |
سيان ذلك إن أثروا و إن عدموا[25] أي القبائل ليست في رقابهم | لأولية هذا أوله نعم[26] من يعرف الله يعرف أوليته | |
فالدين من بيت هذا ناله الأمم[27] بيوتهم في قريش يستضاء بها | في النائبات و عند الحكم إن حكموا | |
فجده من قريش في ارومتها | محمد و علي بعده علم | |
بدر له شاهد و الشعب من احد | و الخندقان و يوم الفتح قد علموا[28] و خيبر و حنين يشهدان له | |
و في قريظة يوم صيلم قتم | مواطن قد علت في كل نائبة | |
على الصحابة لم اكتم كما كتموا |
و قال ابن خلكان: لما سمع هشام هذه القصيدة غضب و حبس الفرزدق و أنفذ له زين العابدين عليه السلام اثنى عشر الف درهما فردها و قال: مدحته لله تعالى لا للعطاء فقال: إنا أهل بيت إذا وهبنا شيئا لا نستعيده فقبلها.
و في البحار نقلا عن الاختصاص بإسناده: علي بن الحسن بن يوسف عن محمد بن جعفر العلوى، عن الحسن بن محمد بن جمهور، عن أبي عثمان المازني، عن كيسان، عن جويرية بن أسماء عن هشام بن عبد الأعلى، عن فرعان و كان من رواة الفرزدق قال: حججت سنة مع عبد الملك بن مروان فنظر إلى علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام فاراد أن يصغر منه فقال: من هو؟ فقال الفرزدق:
فقلت على البديهة القصيدة المعروفة: هذا ابن خير عباد الله كلهم، هذا التقي النقي الطاهر العلم، حتى أتمها و كان عبد الملك يصله في كل سنة بألف دينار فحرمه تلك السنة فشكى ذلك إلى علي بن الحسين عليهما السلام و سأله أن يكلمه فقال: أنا أصلك من مالي بمثل الذي كان يصلك به عبد الملك وصني عن كلامه، فقال: و الله يا ابن رسول الله لا رزأتك شيئا و ثواب الله عز و جل في الاجل أحب إلى من ثواب الدنيا في العاجل، فاتصل ذلك بمعاوية بن عبد الله بن جعفر الطيار و كان أحد سمحاء بني هاشم لفضل عنصره و أحد ادبائها و ظرفائها فقال له: يا أبا فراس كم تقدر الذي بقي من عمرك؟ قال: قدر عشرين سنة قال: فهذه عشرون ألف دينار اعطيتكها من مالي و اعف أبا محمد أعزه الله عن المسألة في أمرك فقال: لقد لقيت أبا محمد و بذل لي ماله فأعلمته أني أخرت ثواب ذلك لأجر الاخرة. انتهى.
بيان كان علي بن الحسين عليه السلام يكنى بأبي محمد أيضا. ثم إن البقر تشابه على الراوى حيث أخذ عبد الملك بن مروان مكان هشام بن عبد الملك.
«الإمام الخامس»
أبو جعفر محمد بن زين العابدين الملقب بالباقر. قال ابن خلكان في تاريخه و كان الباقر عالما سيدا كبيرا و انما قيل له الباقر لأنه تبقر في العلم أى توسع
و التبقر التوسع و فيه يقول الشاعر:
يا باقر العلم لأهل التقى | و خير من لبي على الأجبل | |
أقول: ذلك الشاعر القرظى.
و قال ابن الحجر في الصواعق المحرقة: أبو جعفر محمد الباقر سمى بذلك من بقر الأرض أى شقها و أثار مخبئاتها و مكامنها فلذلك هو أظهر من مخبئات كنوز المعارف و حقائق الأحكام و اللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة أو فاسد الطوية و السريرة و من ثم قيل: هو باقر العلم و جامعه و شاهر علمه و رافعه صفا قلبه و زكى علمه و عمله و طهرت نفسه و شرفت خلقه و عمرت أوقاته بطاعة الله و له من الرسوخ في مقامات العارفين ما يكل عنه ألسنة الواصفين و له كلمات كثيرة في السلوك و المعارف لا تحتملها هذه العجالة.
قال المفيد في الارشاد: و لم يظهر عن أحد من ولد الحسن و الحسين عليهما السلام من علم الدين و الاثار و السنة و علم القرآن و السيرة و فنون الاداب ما ظهر عن أبي جعفر عليه السلام و روى عنه معالم الدين بقايا الصحابة و وجوه التابعين و رؤساء فقهاء المسلمين و صار بالفضل به علما لأهله تضرب به الأمثال و تسير بوصفه الاثار و الاشعار و فيه يقول القرظي: يا باقر العلم، البيت. و قال مالك بن أعين الجهني يمدحه عليه السلام.
إذا طلب الناس علم القرآن | كانت قريش عليه عيالا | |
و إن قيل أين ابن بنت النبي | نلت بداك فروعا طوالا | |
نجوم تهلل للمدلجين | جبال تورث علما جبالا | |
و روى بإسناده عن الشريف أبي محمد الحسن بن محمد قال: حدثني جدي قال حدثنا محمد بن القاسم الشيباني قال: حدثنا عبد الرحمن صالح الأزدي عن أبي مالك الجهني عن عبد الله بن عطاء المكي قال: ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم
عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام و لقد رأيت الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم بين يديه كأنه صبى بين يدي معلمه و كان جابر بن يزيد الجعفي إذا روى عن محمد بن علي عليهما السلام شيئا قال: حدثني وصى الأوصياء و وارث علوم الأنبياء محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام.
قال فيه: و روى مخول بن إبراهيم عن قيس بن الربيع قال: سألت أبا إسحاق السبيعي عن المسح على الخفين فقال: أدركت الناس يمسحون حتى لقيت رجلا من بني هاشم لم أر مثله قط محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام فسألته عن المسح فنهانى عنه و قال: لم يكن على أمير المؤمنين عليه السلام يمسح و كان يقول: سبق الكتاب المسح على الخفين قال أبو إسحاق: فما مسحت منذ نهانى عنه قال قيس بن الربيع و ما مسحت أنا منذ سمعت أبا إسحاق.
إلى أن قال: و كان مع ما وصفناه من الفضل في العلم و السودد و الرياسة و الإمامة ظاهر الجود في الخاصة و العامة مشهود الكرم في الكافة معروفا بالفضل و الاحسان مع كثرة عياله و توسط حاله.
و قد روى أبو جعفر عليه السلام أخبار المبتدأ و أخبار الأنبياء و كتب عنه المغازى و أثروا عنه السنن و اعتمدوا عليه في مناسك الحج التي رواها عن رسول الله صلى الله عليه و آله و كتبوا عنه تفسير القرآن و روت عنه الخاصة و العامة الأخبار و ناظر من كان يرد عليه من أهل الاراء و حفظ عنه الناس كثيرا من علم الكلام و ألف عليه السلام كتابا في تفسير القرآن رواه عنه أبو الجارود زياد بن المنذر رئيس الجارودية الزيدية كذا نقل ابن النديم في الفهرست.
و بالجملة مناقبه و معجزاته و مكارم اخلاقه و الروايات المنقولة عنه و الروات الاخذون منه من الصحابة و التابعين و تلامذته و معالي اموره و غرائب شأنه و أحوال أصحابه و مناظراته و القصائد في مدحه عليه السلام أكثر و أشهر من أن يخفى على أحد نقلها الفريقان في تصانيفهم و لو أثبتناها ههنا لكثر الخطب.
«الإمام السادس»
كشاف أسرار العلوم و بحر الحقائق أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق صلوات الله عليه. قد تحيرت العقول دونه و أخرست الألسن فيه كيف لا و هو شمس سماء العلم و المعرفة و التوحيد قد استنار الكل من نور وجوده و استفادوا من رشحات فيضه و استمطروا سحاب علمه و استدروا سماء جوده و اغترفوا من بحر معارفه و استضاءوا من مشكاة حقائقه، أشرقت أضواء علومه عالم الانسانية و أثمرت شجرة عنصره الطيبة ما ملأت الافاق من الأصول الكلية الحكمية و العلوم الغريبة المكنونة القيمة و القواعد الرصينة الفقهية و المطالب النورية لتزكية الباطن و تهذيب النفس و المسائل الجامعة الاجتماعية لحفظ نظام الحوزة البشرية حتى بلغ عدد الاخذين عنه عليه السلام و المتعلمين من حضرته إلى أربعة آلاف رجل من أهل الحجاز و الشام و العراق و الخراسان و الفارس و غيرها، و دونت في مجلسه الشريف أربعمائة مصنف في العلوم هي المسماة بالاصول الأربعمائة فراجع اصول الكافي و كتاب التوحيد للصدوق و الاحتجاج للطبرسي و غيرها من الكتب الحاوية للحقائق الصادرة عنه عليه السلام حتى يتضح لك انه عليه السلام كيف أسس قواعد التوحيد و شيد أركانه و قلع الشبهات الناشئة من الاراء السخيفة المعوجة و أظهر اسرار الايات القرآنية و بطونها مما كلت عندها الألسن و الهت لديها الأحلام فهو عليه السلام عيش العلم و موت الجهل و دعامة الاسلام.
هر بوى كه از مشك و قرنفل شنوى | از دولت آن زلف چو سنبل شنوى | |
«كلام المفيد فيه عليه السلام»
قال رحمه الله في الارشاد: و كان الصادق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام من بين اخوته خليفة أبيه محمد بن علي عليهما السلام و وصيه القائم بالإمامة من بعده و برز على جماعتهم بالفضل و كان أنبههم ذكرا و أعظمهم قدرا و أجلهم في العامة و الخاصة
و نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان و انتشر ذكره في البلدان و لم ينقل عن أحد من أهل بيته العلماء ما نقل عنه و لا لقي أحد منهم من أهل الاثار و نقلة الأخبار و لا نقلوا عنهم كما نقلوا عن أبي عبد الله عليه السلام فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الروات عنه من الثقات على اختلافهم في الاراء و المقالات فكانوا أربعة آلاف رجل و كان له عليه السلام من الدلائل الواضحة في امامته ما بهرت القلوب و أخرست المخالف عن الطعن فيها بالشبهات. إلى أن قال: و الأخبار فيما حفظ عنه عليه السلام من العلم و الحكمة و البيان و الحجة و الزهد و الموعظة و فنون العلم كله أكثر من أن تحصى بالخطاب أو تحوى بالكتاب.
«كلام كمال الدين محمد بن طلحة الشافعى» «فيه عليه السلام»
قال في كتابه: جعفر بن محمد الصادق ابن أبي محمد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب هو من عظماء أهل البيت و ساداتهم عليهم السلام ذو علوم جمة و عبادة موفورة و أوراد مواصلة و زهادة بينة و تلاوة كثيرة تتبع معاني القرآن الكريم و استخرج من بحر جواهره و استنتج عجائبه و قسم أوقاته على انواع الطاعات بحيث يحاسب عليه انفسه، رؤيته تذكرة الاخرة، و استماع كلامه تزهد في الدنيا، و الاقتداء بهديه يورث الجنة، نور قسماته شاهد أنه من سلالة النبوة، و طهارة أفعاله تصدع بأنه من ذرية الرسالة، نقل الحديث و استفاد منه العلم جماعة من أعيان الأئمة و أعلامهم مثل يحيى بن سعيد الأنصارى، و ابن جريح، و مالك بن أنس، و الثورى، و ابن عيينة، و أبي حنيفة، و شعبة، و أيوب السجستاني و غيرهم و عدوا أخذهم عنه عليه السلام منقبة شرفوا بها، و فضيلة اكتسبوها.
«كلام القاضى عبد الرحمن بن أحمد العضد الايجى» «الشافعي فيه عليه السلام»
قال في مبحث الإمامة من المواقف: الثامن اختصاصه (يعني عليا عليه السلام)
بصاحبه كفاطمة و ولدين كالحسن و الحسين و هما سيدا شباب أهل الجنة ثم اولاد اولاده ممن اتفق الأنام على فضلهم على العالمين حتى كان أبو يزيد سقاء في دار جعفر الصادق رضي الله عنه و معروف الكرخي بواب دار علي بن موسى الرضا.
«كلام الشيخ العارف محيى الدين الأعرابى او المغربى» «فيه عليه السلام»
قال في المناقب: صلوات الله و ملائكته و حملة عرشه و جميع خلقه من أرضه و سمائه على استاذ العالم و سند الوجود مرتقى المعارج و منتهى الصعود، البحر المواج الأزلي، و السراج الوهاج الأبدي ناقد خزائن المعارف و العلوم، محتد العقول و نهاية الفهوم، عالم الأسماء، دليل طرق السماء، الكون الجامع الحقيقي، و العروة الوثقى الوثيقي، برزخ البرازخ، و جامع الأضداد، نور الله بالهداية و الارشاد، المستمع القرآن من قائله، الكاشف لأسراره و مسائله، مطلع شمس الأبد جعفر بن محمد عليه صلوات الله الملك الأحد.
«كلام أبي يزيد البسطامى فيه عليه السلام»
قال القاضي الشهيد نور الله مرقده في المجلس السادس من مجالس المؤمنين: قال المولى نور الدين جعفر البدخشي رحمه الله في كتاب الأحباب: إن السلطان طيفور المعروف بأبي يزيد البسطامي قدس سره قد صحب كثيرا من المشايخ ثم جاء إلى حضرة امام الصادق و صحبه مستفيضا من الصادق فقال: لو لم أصل إلى الصادق لمت كافرا مع انه كان بين الأولياء كجبرئيل بين الملائكة، و كانت هدايته نهاية السالكين.
«ما قال مؤلف تعقيب التقريب»
قال الأمير علي من علماء العامة صاحب تعقيب التقريب اى تقريب التهذيب لابن حجر العسقلاني: روى عن جعفر الصادق الأئمة و خلق لا يحصون. «ما قال فيه عليه السلام القاضى أحمد بن خلكان» «الاربلى الشافعى الاشعرى»
قال في وفيات الأعيان المعروف بتاريخ ابن خلكان: أبو عبد الله جعفر الصادق ابن محمد الباقر أحد الأئمة الاثنى عشر على مذهب الإمامية كان من سادات أهل البيت و لقب بالصادق لصدقه في مقالته و فضله أشهر من أن يذكر و له كلام في صنعة الكيميا و الزجر و الفال و كان تلميذه أبو موسى جابر بن حيان الصوفي الطرطوسى قد ألف كتابا يشتمل على ألف ورقة يتضمن رسائل جعفر الصادق و هي خمسمائة رسالة.
ثم بعد نبذة من ذكر كرامته عليه السلام لما اراد المنصور إشخاصه إلى العراق معه عند مسيره إلى المدينة قال: و حكى كشاجم في كتاب المصائد و المطارد أنه عليه السلام سأل أبا حنيفة فقال عليه السلام: ما تقول في محرم كسر رباعية ظبي؟ فقال: يا ابن رسول الله صلى الله عليه و آله ما أعلم ما فيه. فقال عليه السلام له: أنت تتداهي و لا تعلم أن الظبي لا يكون له رباعية و هو ثنى أبدا. انتهى.
أقول: انه عليه السلام و إن كان صادقا في مقالته لكن المروي عن أئمتنا و المسلم عندنا الإمامية ان النبي صلى الله عليه و آله سماه الصادق ليتميز من المدعي للإمامة بغير حقها جعفر الكذاب.
«كلام ابن قتيبة في علمه (ع) بالجفر»
قال عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري المتوفى 272 ه صاحب التصانيف الكثيرة كما في الفهرست لابن النديم، في كتاب ادب الكاتب: و كتاب الجفر كتبه الإمام جعفر الصادق ابن محمد الباقر فيه كل ما يحتاجون إلى علمه إلى يوم القيامة.
قال الشيخ العلامة البهائي في شرح الأربعين: قد تظافرت الأخبار بأن النبي صلى الله عليه و آله أملى على أمير المؤمنين عليه السلام كتابي الجفر و الجامعة و أن فيهما علم ما كان و ما يكون إلى يوم القيامة.
و قد مر في البحث عن القياس الخبر المروي من الكافي عن أبي شيبة قال:سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ضل علم ابن شبرمة عند الجامعة املاء رسول الله صلى الله عليه و آله و خط علي عليه السلام بيده ان الجامعة لم تدع لأحد كلاما فيها علم الحلال و الحرام الحديث (ص 58 م 1 من الوافي).
و في الكافي و الارشاد و ينابيع المودة للشيخ سليمان (ص 162 الطبع الناصرى) عن أبي عبد الله عليه السلام انه كان يقول: علمنا غابر و مزبور و نكت في القلوب و نقر في الاسماع و أن عندنا الجفر الأحمر و الجفر الأبيض و مصحف فاطمة عليها السلام و أن عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج.
فسئل عن تفسير هذا الكلام فقال: أما الغابر فالعلم بما يكون، و أما المزبور فالعلم بما كان، و أما النكت في القلوب فهو الالهام، و النقر في الاسماع حديث الملائكة نسمع كلامهم و لا نرى أشخاصهم، و أما الجفر الأحمر فوعاء فيه سلاح رسول الله صلى الله عليه و آله و لن يخرج حتى يقوم قائمنا أهل البيت، و أما الجفر الأبيض فوعاء فيه توراة موسى و انجيل عيسى و زبور داود و كتب الله الأولى، و أما مصحف فاطمة عليها السلام ففيه ما يكون من حادث و اسماء كل من يملك إلى أن تقوم الساعة، و أما الجامعة فهي كتاب طوله سبعون ذراعا املاء رسول الله صلى الله عليه و آله من فلق فيه و خط علي بن أبي طالب عليه السلام بيده فيه و الله جميع ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة حتى أن فيه أرش الخدش و الجلدة و نصف الجلدة.
و قد عنون جعفر الصادق عليه السلام الشيخ أحمد علي البوني في كتابه الموسوم بشمس المعارف الكبرى من ص 306 إلى ص 316 طبع مصر و سيأتي طائفة من قوله و قول المحقق الشريف في شرح المواقف و شعر أبي العلاء المعرى فيه في الإمام الثامن عليه السلام.
«ذكر عدة ممن أخذوا عنه عليه السلام»
قد ذكرنا أن المستضيئين من نبراس وجوده و المغترفين من بحر جوده بلغوا إلى أربعة آلاف رجل و صنف ابن عقدة كتاب الرجال لأبي عبد الله عليه السلام عددهم فيه. و نحن نذكر ههنا عدة من الاعلام الذين أخذوا عنه و ندع ترجمتهم خوفا للإطالة.
فمنهم: أبو حنيفة النعمان بن ثابت أحد أئمة المذاهب الأربعة عند أهل السنة و في المناقب عن مسند أبي حنيفة قال الحسن بن زياد سمعت أبا حنيفة و قد سئل من أفقه من رأيت؟ قال: جعفر بن محمد، لما أقدمه المنصور بعث إلى فقال يا أبا حنيفة إن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيىء له من مسائلك الشداد فهيأت له أربعين مسألة ثم بعث إلى أبو جعفر (يعني المنصور) و هو بالحيرة فأتيته فدخلت عليه و جعفر عليه السلام جالس عن يمينه فلما بصرت به دخلني من الهيبة لجعفر عليه السلام ما لم يدخلني لأبي جعفر فسلمت عليه فأومى إلى فجلست ثم التفت إليه فقال:
يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة قال: نعم أعرفه ثم التفت إلى فقال يا با حنيفة ألق على أبي عبد الله من مسائلك فجعلت ألقى عليه فيجيبني فيقول: أنتم تقولون كذا و أهل المدينة يقولون كذا و نحن نقول كذا فربما تابعنا و ربما تابعهم و ربما خالفنا جميعا حتى أتيت على الأربعين مسألة فما أخل منها بشيء ثم قال أبو حنيفة:
أليس ان أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس؟.
قال السيد الشبلنجي الشافعي في نور الأبصار في أحوال الصادق عليه السلام:
و مناقبه كثيرة تكاد تفوت عند الحاسب و يحار في أنواعها فهم اليقظ الكاتب روى عنه جماعة من أعيان الأئمة و أعلامهم كيحيى بن سعيد و ابن جريح و مالك ابن أنس و الثورى و ابن عيينة و أبي حنيفة و أبي أيوب السجستاني و غيرهم.
و في الخصال للشيخ الصدوق (العدد 190 من الخصال الثلاث) مالك بن أنس فقيه المدينة يقول: كنت أدخل على الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام فيقدم لى مخدة و يعرف لي قدرا و يقول: يا مالك اني احبك فكنت أسر بذلك و أحمد الله عليه و كان عليه السلام لا يخلو من إحدى ثلاث خصال: إما صائما و إما قائما و إما ذاكرا و كان من عظماء العباد و أكابر الزهاد الذين يخشون الله عز و جل و كان كثير الحديث طيب المجالسة كثير الفوائد فاذا قال: قال رسول الله اخضر مرة و اصفر اخرى حتى ينكره من يعرفه و لقد حججت معه سنة فلما استوت راحلته عند الاحرام كان كلما هم بالتلبية انقطع الصوت في حلقه و كاد يخر من راحلته فقلت: قل يا ابن رسول الله فلا بد لك أن تقول فقال: يا ابن أبي عامر كيف أجسر أن أقول لبيك اللهم لبيك و أخشى أن يقول عز و جل لا لبيك و لا سعديك.
و قال مالك بن أنس: ما رأت عين و لا سمعت اذن و لا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق عليه السلام فضلا و علما و عبادة و ورعا. و كان مالك كثيرا ما يدعى سماعه و ربما قال: حدثني الثقة يعنيه عليه السلام.
و منهم: شعبة بن الحجاج، و عبد الله بن عمرو و روح بن القاسم و سليمان بن بلال و إسماعيل بن جعفر و حاتم بن إسماعيل و عبد العزيز بن المختار و وهيب بن خالد و إبراهيم بن طهمان و الحسن الصالح و عمر بن دينار و أحمد بن حنبل و محمد بن الحسن. و كان أبو يزيد البسطامي طيفور السقاء خدمه و سقاه ثلاث عشرة سنة و قال أبو جعفر الطوسي: كان إبراهيم بن أدهم و مالك بن دينار من غلمانه.
قال أبو حاتم: جعفر الصادق ثقة لا يسأل عن مثله. و دخل إليه عليه السلام سفيان الثوري يوما فسمع منه كلاما أعجبه فقال: هذا و الله يا ابن رسول الله الجوهر، فقال له: بل هذا خير من الجوهر و هل الجوهر إلا الحجر.
و منهم أبو سعيد يحيى بن سعيد القطان و محمد بن إسحاق صاحب المغازى و السير و غيرهم المذكور في كتب الفريقين كفهرست الشيخ الطوسي و نور الأبصار للشبلنجى و الصواعق لابن حجر و ينابيع المودة للشيخ سليمان و الخلاصة للعلامة و غيرها.
و منهم من كان من أصحابه عليه السلام و أخذ عنه و فاز فوزا عظيما و أفاد غيره أيضا كأبان بن تغلب و اسحاق بن عمار الصيرفي و بريد بن معاوية العجلي و أبي حمزة الثمالي و حريز بن عبد الله السجستاني و حمران بن أعين الشيباني و أخيه زرارة و صفوان بن مهران الجمال و عبد الله بن أبي يعفور و عمران بن عبد الله القمى و فضيل ابن يسار البصري و فيض بن المختار الكوفي و ليث بن البختري و محمد بن مسلم و معاذ بن كثير و معلى بن خنيس و أبى المنذر هشام بن محمد السائب الكلبي و يونس الظبيان الكوفي و مؤمن الطاق.
في الفهرست لابن النديم: أبو جعفر محمد بن النعمان الأحول هو من أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام و كان حسن الاعتقاد و الهدى حاذقا في صناعة الكلام سريع الحاضر و الجواب و له مع أبي حنيفة مناظرات:منها لما مات جعفر الصادق عليه السلام قال أبو حنيفة لمؤمن الطاق: قد مات إمامك. قال: لكن إمامك لا يموت إلى يوم القيامة (و في بعض النسخ: قال لكن إمامك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم) يعنى إبليس.
و قال له أبو حنيفة: ما تقول في المتعة؟ قال حلال. قال: أ فيسرك أن تكون أخواتك و بناتك يمتع بهن؟ قال: شيء قد أحله الله تعالى ان كرهته مما خبلني و لكن ما تقول أنت في النبيذ؟ قال: حلال. قال: أ فيسرك أن تكون أخواتك و بناتك نباذات هن؟
و قال له أبو حنيفة يوما: أ لسنا صديقين؟ قال: بلى. قال: و أنت تقول بالرجعة؟
قال: إى و أيم الله. قال: فانى شديد الحاجة و أنت متمكن فلو أنك أقرضتنى خمسمائة درهم أتسع بها و أردها عليك في الرجعة كنت قد قضيت حقى و وصلت إلى غفل، قال: أنا لأقول إن الناس يرجعون.
و في البحار عن كتاب مقتضب الأثر لابن عياش عن عبد الله بن محمد المسعودى عن الحسن بن محمد الوهبي عن على بن قادم عن عيسى بن داب قال: لما حمل أبو عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام عن سريره و أخرج إلى البقع ليدفن قال أبو هريرة الشاعر العجلى:
أقول و قد راحوا به يحملونه | على كاهل من حامليه و عاتق | |
أ تدرون ما ذا تحملون إلى الثرى | ثبيرا ثوى من رأس علياء شاهق | |
غداة حثا الحاثون فوق ضريحه | ترابا و أولى كان فوق المفارق | |
أيا صادق بن الصادقين الية | بابائك الأطهار حلفة صادق | |
لحقا بكم ذو العرش أقسم في الورى | فقال تعالى رب المشارق | |
نجوم هى اثنا عشرة كن سبقا | إلى الله في علم من الله سابق | |
«الإمام السابع»
أبو إبراهيم موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام. كلت الألسنة دون كلماته القاهرة و حارت العقول لدى معجزاته الباهرة. ادعيته تذيب الصم الصلاب، و مناظراته حجة لأولى الألباب، وجوده اكسير فلزات العرفاء و معيار نقود الأصفياء. قد علم الخافقان انه باب الحوائج إلى الله، و اذعن الفرقتان انه كاشف اسرار كتابه تعالى.
«ما قال الخطيب في تاريخ بغداد فيه عليه السلام»
في تاريخ ابن خلكان: قال الخطيب في تاريخ بغداد: كان موسى يدعي العبد الصالح من عبادته و اجتهاده. روي انه دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله فسجد سجدة في أول الليل و سمع و هو يقول في سجوده: عظم الذنب عندي فليحسن العفو من عندك يا أهل التقوى و يا أهل المغفرة فجعل يرددها حتى أصبح و كان سخيا كريما و كان يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث اليه بصرة فيها ألف دينار- إلى أن قال: و ذكر أيضا أن هارون الرشيد حج فأتي قبر النبي صلى الله عليه و آله زائرا و حوله قريش و افناء القبائل و معه موسى بن جعفر فقال: السلام على يا رسول الله يا ابن عم افتخارا على من حوله، فقال موسى: السلام عليك يا أبت، فتغير وجه هارون الرشيد و قال: هذا هو الفخر يا أبا الحسن حقا. إلى آخر ما قال و ذكر بعض معجزاته عليه السلام فراجع.
«ما قال كمال الدين أبو سالم محمد بن طلحة الشافعى» «فيه عليه السلام»
قال: أبو الحسن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام هو الإمام الكبير القدر، العظيم الشأن، الكثير التهجد، الجاد في الاجتهاد، المشهود له بالكرامات، المشهور بالعبادة و ظهور خوارق العادات، المواظب على الطاعات، يبيت الليل ساجدا و قائما، و يقطع النهار متصدقا و صائما و لفرط علمه و تجاوزه عن المعتدين عليه دعى كاظما، كان يجازى المسيء بالاحسان و عن الجاني بالبر و العفو و الاحسان، و لكثرة عبادته ليلا و نهارا كان يسمى العبد الصالح، و يعرف في العراق باب الحوائج إلى الله لإنجاح مطالب المتوسلين به إلى الله و كراماته تحار فيه العقول، و تقضى بأن له عند الله قدم صدق لا يزول.
«ما قال على بن عيسى الاربلى صاحب كشف الغمة» «فيه عليه السلام»
مناقب الكاظم و فضائله و معجزاته الظاهرة و دلائله و صفاته الباهرة و مكارمه تشهد أنه بلغ قمة الشرف و علاها، و سمي إلى أوج المزايا فبلغ اعلاها، طالت اصوله فسمت إلى أعلى رتب الجلال، و طابت فروعه فعلت إلى حيث لا تنال، يأتيه المجد من كل أطرافه و يكاد الشرف يقطر من أعطافه، السحاب الماطر قطرة من كرمه، و العباب الزاخر نعمة من نعمه، و اللباب الفاخر عبد من عبيده و خدمه، الاباء عظام، و الأبناء كرام عنصره من أكرم العناصر، و آباؤه بدور بواهر، و امهاته عقيلات عباهر، و هو أحد النجوم الزواهر، كم له من فضيلة جليلة و منقبة بعلو شأنه كفيلة، اليه ينسب العلماء و عنه يأخذ العظماء و منه يتعلم الكرماء، هم الهداة إلى الله و هم الأمناء على اسرار الغيب، و هم المطهرون من الرجس و العيب، هم النجوم الزواهر في الظلام و هم الشموس المشرقة في الأيام، هم الذين أوضحوا شعائر الاسلام، و عرفوا الحلال و الحرام، فلهم كرم الأبوة و النبوة، و هم معادن الفتوة و المروة، السماح في طبائعهم غريزة، الأقوال و إن طالت في مدائحهم وجيزة قليلة، بحور علم لا ينزف، و أقمار عز لا يخسف، و شموس مجد لا يكسف.
يا آل طه ان ودى لكم | باق على حبكم اللازم. | |
«كلام المحقق العلامة الخواجه نصير الدين الطوسى» «فيه عليه السلام»
قيل له رحمه الله في مرض موته في بغداد (كما في مجالس المؤمنين للقاضي و روضات الجنات للخوانسارى): ألا توصي على حمل جسدك إلى مشهد النجف الأشرف الأطهر؟ فقال: لا بل استحيى من وجه سيدى الإمام الهمام موسى بن جعفر عليهما السلام أن آمر بنقل جسدى من أرضه المقدسة إلى موضع آخر. و قد نقلوا نظير هذه الواقعة للشيخ المفيد أيضا.
و بالجملة الروايات العلمية الحكمية و الفقهية و الأخلاقية و الاجتماعية و الكرامات العالية الأقدار الخارقة العوائد من هذا الولي الأعظم بلغت إلى حد لا يعد و لا يحصى و نعم ما قال ابن طلحة الشافعي المقدم ذكره فيه عليه السلام أيضا:و لا يؤتوها إلا من أفاضت عليه العناية الربانية أنوار التأييد، و درت له أخلاف التوفيق و ازلفته من مقام التقديس و التطهير و ما يلقيها إلا الذين صبروا و ما يلقيها إلا ذو حظ عظيم.
«الإمام الثامن»
أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال ابن خلكان الشافعي الأشعري في تاريخه: و كان المأمون زوجه ابنته ام حبيب في سنة اثنتين و مأتين و جعله ولي عهده و ضرب اسمه على الدينار و الدرهم و كان السبب في ذلك انه استحضر اولاد العباس الرجال منهم و النساء و هو بمدينة مرو فكان عددهم ثلاثة و ثلاثين ألفا ما بين الكبار و الصغار و استدعى عليا المذكور فأنزله أحسن منزلة و جمع له خواص الأولياء و أخبرهم أنه نظر في أولاد العباس و أولاد علي بن أبي طالب عليه السلام فلم يجد في وقته أحدا أفضل و لا أحق بالأمر من علي الرضا فبايع له بولاية عهده و أمر بازالة السواد من اللباس و الاعلام و لبس الخضرة- إلى أن قال: و فيه يقول أبو نواس:
قيل لي أنت أحسن الناس طرا | في فنون من المقال النبيه | |
لك من جيد القريض مديح | يثمر الدر في يدي مجتنيه | |
فعلي ما تركت مدح ابن موسى | و الخصال التي تجمعن فيه | |
قلت لا أستطيع مدح امام | كان جبريل خادما لأبيه | |
و كان سبب قوله هذه الأبيات أن بعض أصحابه قال له: ما رأيت أوقح منك ما تركت خمرا و لا طردا و لا معني إلا قلت فيه شيئا و هذا علي بن موسى الرضا في عصرك لم تقل فيه شيئا، فقال: و الله ما تركت ذلك إلا إعظاما له و ليس قدر مثلى أن يقول في مثله ثم أنشد بعد ساعة هذه الأبيات.
ثم قال ابن خلكان: و فيه يقول أبو نواس أيضا و له ذكر في شذور العقود في سنة احدى و مأتين او سنة اثنتين و مأتين:
مطهرون نقيات جيوبهم | تجرى الصلاة عليهم أينما ذكروا | |
من لم يكن علويا حين تنسبه | فما له في قديم الدهر مفتخر | |
الله لما برا خلقا فأتقنهم | صفاكم و اصطفاكم أيها البشر | |
فانتم الملأ الأعلى و عندكم | علم الكتاب و ما جاءت به السور | |
و قال الفخر الرازي: إن أبا يزيد البسطامي كان يفتخر بأنه يستقي الماء لدار جعفر بن محمد الصادق عليه السلام و كان معروف الكرخي أسلم على يد أبي الحسن الرضا علي بن موسى و كان بواب داره إلى أن مات.
روى المفيد في الارشاد باسناده إلى معاوية بن حكيم عن نعيم القابوسي عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: إن ابني علي أكبر ولدي و آثرهم عندي و أحبهم إلي و هو ينظر معي في الجفر و لم ينظر فيه إلا نبي او وصي نبي.
و قال المحقق الشريف في شرح المواقف في مبحث تعلق العلم الواحد بمعلومين: إن الجفر و الجامعة كتابان لعلي كرم الله وجهه و قد ذكر فيهما على طريق علم الحروف الحوادث التي تحدث إلى انقراض العالم و كان الأئمة المعروفون من أولاده يعرفونهما و يحكمون بهما. و في كتاب قبول العهد الذي كتبه علي بن موسى الرضا إلى المأمون: انك قد عرفت من حقوقنا ما لم يعرف آباؤك فقبلت منك عهدك إلا أن الجفر و الجامعة يدلان على أنه لا يتم. و لمشايخ
المغاربة نصيب من علم الحروف ينتسبون فيها إلى أهل البيت و رأيت بالشام نظما اشير اليه بالرموز إلى أحوال ملوك مصر و سمعت أنه مستخرج من ذينك الكتابين.انتهى.
و روى ثقة الاسلام الكليني في الكافي و المفيد في الارشاد و كثير من اعاظم المحدثين عن الإمام الصادق عليه السلام أحاديث كثيرة في أن الجفر و الجامعة كانا عنده عليه السلام و انهما لا يزالان عند الأئمة يتوارثونهما واحدا بعد واحد.
و قال العلامة التفتازاني الشافعي في شرح المقاصد في مبحث الإمامة بعد ما قال في المحقق العلامة الخواجة نصير الدين الطوسي ما قال، قال: و العظماء من عترة النبي و أولاد الوصي الموسومون بالدراية المعصومون في الرواية لم يكن معهم هذه الأحقاد و التعصبات و لم يذكروا من الصحابة إلا الكمالات و لم يسلكوا مع رؤساء المذهب من علماء الاسلام إلا طريق الإجلال و الإعظام و ها هو الإمام علي بن موسى الرضا مع جلالة قدره و نباهة ذكره و كمال علمه و هداه و ورعه و تقواه قد كتب على ظهر كتاب عهد المأمون له ما ينبىء عن وفور حمده و قبول عهده و التزام ما شرط عليه و أن كتب في آخره: و الجامعة و الجفر يدلان على ضد ذلك- إلى أن قال: و هذا العهد بخطهما موجود الان في المشهد الرضوى بخراسان.
«اشعار أبي العلاء المعرى في جفر أهل البيت»
قال ابن خلكان في تاريخه في ذيل ترجمة عبد المؤمن بن علي القيسي:قال ابن قتيبة: هو جلد جفر ادعوا أنه كتب لهم فيه الإمام كلما يحتاجون إلى علمه و كلما يكون إلى يوم القيامة. ثم قال ابن خلكان: قلت و قولهم: الإمام يريدون به جعفر الصادق عليه السلام و إلى هذا الجفر اشار أبو العلاء المعرى بقوله:
لقد عجبوا لأهل البيت لما | أتاهم علمهم في مسك جفر | |
و مرآة المنجم و هي صغرى | ارته كل عامرة و قفر | |
و قوله في مسك جفر، المسك بفتح الميم و سكون السين المهملة الجلد.
و الجفر بفتح الجيم و سكون الفاء و بعدها راء من أولاد المعز ما بلغ أربعة أشهر
و جفر جنباه و فصل عن امه و الأنثى جفرة. و كانت عادتهم أنهم في ذلك الزمان يكتبون في الجلود و العظام و الخزف و ما شاكل ذلك و الله سبحانه و تعالى يعلم.
انتهى كلام ابن خلكان.
أقول: المراد من قوله «مرآة المنجم» هو الاسطرلاب و هو اسم لالة مشتملة على حجرة و عضادة و صفحة عنكبوت و صفائح مرسوم فيها خطوط مستقيمة و مستديرة تامة و ناقصة متوازية و غير متوازية يعرف بها كثير من أحوال الفلكيات و الأرضيات و الزمانيات حتى أن العلامة الفلكي عبد الرحمن بن عمر الصوفي المتوفي سنة 376 ه صنف كتابا في العمل بالاسطرلاب أنهاه إلى 386 أبواب كل باب في معرفة شيء من الأحوال المذكورة.
و كلمة اسطرلاب على ما ذهب اليه حمزة الاصبهاني (كما نقل العلامة أبو ريحان البيروني في رسالته الموسومة بافراد المقال و كذا في كتابه الموسوم بالتفهيم) معربة استارهياب، أى مدرك النجوم.
و قال البيروني: و ممكن أن يكون معربا من اليونانية فان اسمه باليونانية اسطرلبون و اسطر هو النجم بدليل أن علم الهيئة يسمى عندهم اسطرونوميا.
(افراد المقال ص 69 طبع حيدر آباد الدكن 1367 ه).
و قال في التفهيم: اسطرلاب چيست؟ اين آلتي است يونانيان را، نامش اسطرلابون اى آيينه نجوم. و حمزة اسپاهانى او را از پارسى بيرون آورده كه نامش ستارهياب است.
و الصواب ما ذهب اليه البيروني كما اختاره المعرى في البيت حيث قال مرآة المنجم و يوافقه ما في اللغة الفرنسية أن كلمة الاسطرلاب باليونانية مركبة منertsA اي الكوكب وnienabmaL اي المرآة أو الميزان و لذا فسره كوشيار بميزان الشمس كما نقل عنه الفاضل البيرجندي في شرحه على رسالة الاسطرلاب للخواجه نصير الدين الطوسي. و كان الصحيح ان يفسره بميزان الكوكب لأن كلمةertsA لا تفيد معني الشمس و لم يذكر في المعاجم أن الشمس أحد معانيها ثم إن في أحاديثنا فسر الجفر بانه جلد ثور لا أنه من جلد اولاد المعز كما فسره ابن خلكان ففي الكافي لثقة الاسلام الكليني (الوافي ص 135 م 2) باسناده إلى ابن رئاب عن الحذاء قال: سأل أبا عبد الله عليه السلام بعض أصحابنا عن الجفر؟
فقال عليه السلام: هو جلد ثور مملو علما. الحديث.
«الإمام التاسع»
أبو جعفر محمد بن علي بن موسى الملقب بالجواد و التقى صلوات الله و سلامه عليه قال ابن خلكان في ترجمته عليه السلام: و كان يروى مسندا عن آبائه إلى علي بن أبي طالب عليهم السلام انه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه و آله إلى اليمن فقال لي و هو يوصيني:
يا علي ما خاب من استخار، و لا ندم من استشار. يا علي عليك بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار، يا علي أعذ باسم الله فان الله بارك لأمتي في بكورها و كان يقول: من استفاد أخا في الله فقد استفاد بيتا في الجنة. و قال جعفر بن محمد بن مزيد: كنت ببغداد فقال لي محمد بن منده بن مهريزد: هل لك أدخلك علي محمد بن علي الرضا؟ فقلت: نعم، قال: فادخلني عليه فسلمنا و جلسنا فقال: حديث رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إن فاطمة عليها السلام أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار قال: ذلك خاص بالحسن و الحسين عليهما السلام و له حكايات و أخبار كثيرة.
انتهى ما أردنا من نقل كلام ابن خلكان
أقول: و من تلك الأخبار و الحكايات الدالة على وفور علمه و تبريزه على كافة أهل الفضل و العلم مع صغر سنه احتجاجه على يحيى بن اكثم قاضي زمانه في مجلس المأمون عند جم غفير من أهل العلم و الفضل رواه الشيخ المفيد في الارشاد و الشيخ الجليل الطبرسي في الاحتجاج و أتى به المجلسي في المجلد الرابع من البحار و غيرهم من أعاظم العلماء الأخيار في جوامعهم المحتوية من أخبار الأئمة الأطهار. قال في الارشاد: و كان المأمون قد شعف بأبي جعفر عليه السلام لما رأى من فضله مع صغر سنه و بلوغه في العلم و الحكمة و الأدب و كمال العقل ما لم يساوه فيه أحد من مشايخ أهل الزمان فزوجه ابنته ام الفضل و حملها معه إلى المدينة و كان متوفرا على إكرامه و تعظيمه و إجلال قدره.
قال: و روى الحسن بن محمد بن سليمان عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه، عن الريان بن شبيب قال: لما أراد المأمون أن يزوج ابنته ام الفضل أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم و استكبروه و خافوا أن ينتهى الأمر معه إلى ما انتهى إليه مع الرضا عليه السلام فخاضوا في ذلك و اجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه فقالوا: ننشدك الله يا أمير المؤمنين أن تقيم على هذا الأمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا فإنا نخاف أن تخرج به عنا أمرا قد ملكناه الله و تنزع منا عزا قد ألبسناه، فقد عرفت ما بيننا و بين هؤلاء القوم قديما و حديثا و ما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم و التصغير بهم و قد كنا في وهلة من عملك مع الرضا ما عملت حتى كفانا الله المهم من ذلك فالله الله أن تردنا إلى غم قد انحسر عنا و اصرف رأيك عن ابن الرضا عليه السلام و اعدل إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره.
فقال لهم المأمون: أما ما بينكم و بين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه و لو انصفتم القوم لكانوا أولى بكم، و أما ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان به قاطعا للرحم و أعوذ بالله من ذلك و الله ما ندمت على ما كان مني من استخلاف الرضا و لقد سألته أن يقوم بالأمر و أنزعه عن نفسي فأبي و كان أمر الله قدرا مقدورا، و أما أبو جعفر محمد ابن علي قد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم و الفضل مع صغر سنه و الاعجوبة فيه بذلك و أنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه فيعلموا أن الرأى ما رأيت فيه.
فقالوا: إن هذا الفتي و إن راقك منه هديه فإنه صبي لا معرفة له و لا فقه فأمهله ليتأدب و يتفقه في الدين ثم اصنع ما تراه بعد ذلك.
فقال لهم: ويحكم إني أعرف بهذا الفتى منكم و أن هذا من أهل بيت علمهم من الله و مواده و إلهامه لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين و الأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبين لكم به ما وصفت من حاله.
قالوا له: قد رضينا لك يا أمير المؤمنين و لأنفسنا بامتحانه فخل بيننا و بينه ننصب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشريعة فإن أصاب الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره و ظهر للخاصة و العامة سديد رأى أمير المؤمنين، و إن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه.
فقال لهم المأمون: شأنكم و ذاك متى أردتم. فخرجوا من عنده و اجتمع رأيهم على مسألة يحيى بن اكثم و هو يومئذ قاضي الزمان على أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها و وعدوه بأموال نفيسة على ذلك و عادوا إلى المأمون فسألوه أن يختار لهم يوما للاجتماع، فأجابهم إلى ذلك فاجتمعوا في اليوم الذى اتفقوا عليه و حضر معهم يحيى بن اكثم فأمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر عليه السلام دست و يجعل له فيه مسورتان ففعل ذلك و خرج أبو جعفر عليه السلام و هو يومئذ ابن تسع سنين و أشهر فجلس بين المسورتين و جلس يحيى بن أكثم بين يديه و قام الناس في مراتبهم و المأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر عليه السلام.
فقال يحيى بن أكثم للمأمون: أ تأذن لي يا أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر؟
فقال له المأمون: استأذنه في ذلك. فأقبل عليه يحيى بن أكثم فقال: أ تأذن لي جعلت فداك في مسألة؟ قال له أبو جعفر عليه السلام: سل إن شئت.
قال يحيى: ما تقول جعلني الله فداك في محرم قتل صيدا؟
فقال له أبو جعفر عليه السلام: قتله في حل أو حرم، عالما كان المحرم أم جاهلا، قتله عمدا أو خطئا، حرا كان المحرم أم عبدا، صغيرا كان أو كبيرا، مبتدئا بالقتل أم معيدا، من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها، من صغار الصيد كان أم من كباره، مصرا على ما فعل أو نادما، في الليل كان قتله للصيد أم نهارا، محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرما؟
فتحير يحيى بن أكثم و بان في وجهه العجز و الانقطاع و لجلج حتى عرف جماعة أهل المجلس أمره. فقال المأمون: الحمد لله على هذه النعمة و التوفيق لي في الرأي. ثم نظر إلى أهل بيته و قال لهم: أعرفتم الان ما كنتم تنكرونه؟
ثم أقبل على أبي جعفر عليه السلام فقال له: أتخطب يا أبا جعفر؟ قال: نعم، يا أمير المؤمنين. فقال له المأمون: اخطب جعلت فداك لنفسك فقد رضيتك لنفسي و أنا مزوجك ام الفضل ابنتي و إن رغم قوم لذلك.
فقال أبو جعفر عليه السلام: الحمد لله إقرارا بنعمته و لا إله إلا الله إخلاصا لوحدانيته و صلى الله على محمد سيد بريته و الأصفياء من عترته أما بعد فقد كان من فضل الله على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام فقال سبحانه: و أنكحوا الأيامى منكم و الصالحين من عبادكم و إمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله و الله واسع عليم ثم إن محمد بن علي بن موسى يخطب ام الفضل بنت عبد الله المأمون و قد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد صلى الله عليه و آله و هو خمسمائة درهم جيادا، فهل زوجته يا أمير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور؟ قال المأمون: نعم، قد زوجتك يا أبا جعفر ام الفضل ابنتي على الصداق المذكور فهل قبلت النكاح؟
فقال أبو جعفر عليه السلام: قد قبلت ذلك و رضيت به.
فأمر المأمون: أن يقعد الناس على مراتبهم في الخاصة و العامة.
قال الريان: و لم نلبث أن سمعنا أصواتا تشتبه أصوات الملاحين في محاوراتهم فاذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من الفضة مشدودة بالحبال من الإبريسم على عجل مملوة من الغالية فأمر المأمون أن يخضب لحاء الخاصة من تلك الغالية ثم مدت إلى دار العامة فطيبوا منها و وضعت الموائد فأكل الناس و خرجت الجوائز إلى كل قوم على قدرهم.
فلما تفرق الناس و بقي من الخاصة من بقي قال المأمون لأبي جعفر عليه السلام:
إن رأيت جعلت فداك أن تذكر الفقه فيما فصلته من وجوه قتل المحرم الصيد لنعلمه و نستفيده؟
فقال أبو جعفر عليه السلام: نعم إن المحرم إذا قتل صيدا في الحل و كان الصيد من ذوات الطير و كان من كبارها فعليه شاة، فان أصابه في الحرم فعليه الجزاء
مضاعفا، فاذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن، و إذا قتله في الحرم فعليه الحمل و قيمة الفرخ، و إن كان من الوحش و كان حمار وحش فعليه بقرة، و إن كان نعامة فعليه بدنة، و إن كان ظبيا فعليه شاة، فان قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة، و إذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدى فيه و كان إحرامه بالحج نحره بمنى، و إن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكة، و جزاء الصيد على العالم و الجاهل سواء، و في العمد له المأثم و هو موضوع عنه في الخطاء، و الكفارة على الحر في نفسه، و على السيد في عبده، و الصغير لا كفارة عليه، و هي على الكبير واجبة، و النادم يسقط بندمه عنه عقاب الاخرة، و المصر يجب عليه العقاب في الاخرة.
فقال له المأمون: أحسنت يا أبا جعفر أحسن الله إليك، فان رأيت أن تسأل يحيى عن مسألة كما سألك؟ فقال أبو جعفر عليه السلام ليحيى: أسألك؟ قال: ذلك إليك جعلت فداك فان عرفت جواب ما تسألنى عنه و إلا استفدته منك.
فقال أبو جعفر عليه السلام: أخبرنى عن رجل نظر إلى امرأة في أول النهار فكان نظره إليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار حلت له، فلما زالت الشمس حرمت عليه، فلما كان وقت العصر حلت له؛ فلما غربت الشمس حرمت عليه، فلما دخل عليه وقت عشاء الاخرة حلت له، فلما كان انتصاف الليل حرمت عليه، فلما طلع الفجر حلت له، ما حال هذه المرأة و بما ذا حلت له و حرمت عليه؟
فقال له يحيى بن أكثم: و الله ما اهتدى لى جواب هذا السؤال و لا أعرف الوجه فيه، فان رأيت أن تفيدناه؟
فقال أبو جعفر عليه السلام: هذه أمة لرجل من الناس نظر إليها أجنبى في أول النهار فكان نظره إليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت له، فلما كان عند الظهر أعتقها فحرمت عليه، فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له، فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه، فلما كان وقت العشاء الاخرة كفر عن الظهار فحلت له، فلما كان في نصف الليل طلقها واحدة فحرمت عليه،
فلما كان عند الفجر راجعها فحلت له.
قال: فأقبل المأمون على من حضره من أهل بيته فقال لهم: هل فيكم أحد يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب أو يطرف القول فيما تقدم من السؤال؟
قالوا: لا و الله إن أمير المؤمنين أعلم بما رأى.
فقال لهم: ويحكم إن أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل و إن صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال، أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه و آله افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و هو ابن عشر سنين و قبل منه الإسلام و حكم له به و لم يدع أحدا في سنه غيره، و بايع الحسن و الحسين عليهما السلام و هما ابنا دون ست سنين و لم يبايع صبيا غيرهما؟ أفلا تعلمون الان ما اختص الله به هؤلاء القوم و أنهم ذرية بعضها من بعض يجري لاخرهم ما يجرى لأولهم؟ قالوا: صدقت يا أمير المؤمنين.
ثم نهض القوم فلما كان من الغد حضر الناس و حضر أبو جعفر عليه السلام و صار القواد و الحجاب و الخاصة و العامة لتهنئة المأمون و أبي جعفر عليه السلام فاخرجت ثلاثة أطباق من الفضة فيها بنادق مسك و زعفران معجون في أجواف تلك البنادق رقاع مكتوبة بأموال جزيلة و عطايا سنية و أقطاعات فأمر المأمون بنثرها على القوم في خاصته فكان كل من وقع في يده بندقة أخرج الرقعة التي فيها و التمسه فاطلق له و وضعت البدر فنثر ما فيها على القواد و غيرهم و انصرف الناس و هم أغنياء بالجوائز و العطايا و تقدم المأمون بالصدقة على كافة المساكين و لم يزل مكرما لأبي جعفر عليه السلام معظما لقدره مدة حياته يؤثره على ولده و جماعة أهل بيته.
بيان: المراد بابن الرضا هو أبو جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام، راقك منه أي عجبه و سره، الهدى بالفتح ثم السكون: السيرة و الهيئة و الطريقة و هو فاعل لقولهم راقك، على مسألة يحيى بن أكثم أى أن يستدعوا منه. و الدست بالفتح ثم السكون: الوسادة و يقال بالفارسية تشك. المسورة كمكنسة المتكأ من أدم. لجلج أى تردد. اخطب جعلت فداك لنفسك: جعلت فداك معترضة
وقعت في البين و لنفسك متعلق بقوله: اخطب. جيادا جمع الجيد، و هو ضد الردى.
و الإبريسم معرب أبريشم. العجل كالأجل: الالة التي تحمل عليها الأثقال و يقال بالفارسية: گارى. الغالية: الطيب. ظاهر منها: أى قال لها: ظهرك علي كظهر امي كما بين في الفقه.
«الإمام العاشر»
أبو الحسن علي الهادي النقي ابن محمد الجواد ابن علي الرضا عليهم السلام و يعرف بالعسكرى أيضا كما أن ابنه الإمام الحادى عشر معروف بهذا القلب و سيأتي وجهه. قال ابن خلكان في تاريخه في ترجمته عليه السلام و المسعودى في مروج الذهب في ذكر خلافة المتوكل باسناده إلى محمد بن يزيد المبرد قالا: و قد كان سعى به إلى المتوكل و قيل إن في منزله سلاحا و كتبا و غيرها من شيعته و أوهموه أنه يطلب الأمر لنفسه فوجه إليه بعدة من الأتراك ليلا فهجموا عليه في منزله على غفلة فوجدوه وحده في بيت مغلق و عليه مدرعة من شعر و على رأسه ملحفة من صوف و هو مستقبل القبلة يترنم بايات من القرآن الكريم في الوعد و الوعيد و ليس بينه و بين الأرض بساط إلا الرمل و الحصا فأخذ على الصورة التي وجد عليها و حمل إلى المتوكل في جوف الليل فمثل بين يديه و المتوكل يستعمل الشراب و في يده كأس فلما رآه أعظمه و أجلسه إلى جانبه و لم يكن في منزله شيء مما قيل عنه و لا حجة يتعلل عليه بها فناوله المتوكل الكأس الذي كان بيده فقال: يا أمير المؤمنين ما خامر لحمى و دمى قط فاعفني منه فأعفاه. و قال: أنشدني شعرا أستحسنه فقال: إني لقليل الرواية في الشعر، فقال: لا بد أن تنشدني شيئا فأنشده:
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم | غلب الرجال فما أغنتهم القلل | |
و استنزلوا بعد عز من منازلهم[1] | فاودعوا حفرا يابئس ما نزلوا | |
ناداهم صارخ من بعد ما قبروا | أين الأسرة و التيجان و الحلل؟ | |
أين الوجوه التي كانت منعمة | من دونها تضرب الأستار و الكلل | |
فأفصح القبر عنهم حين ساء لهم | تلك الوجوه عليها الدود تنتقل[2] | |
قد طالما أكلوا دهرا و ما شربوا | فأصبحوا بعد طول الأكل قد اكلوا | |
و طالما عمروا دورا لتحصنهم | ففارقوا الدور و الأهلين و انتقلوا | |
و طالما كنزوا الأموال و ادخروا | فخلفوها على الأعداء و ارتحلوا | |
أضحت منازلهم قفرا معطلة | و ساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا | |
قال: فأشفق من حضر على علي عليه السلام و ظنوا أن بادرة تبدر منه إليه قال: و الله لقد بكى المتوكل بكاء طويلا حتى بلت دموعه لحيته و بكى من حضره ثم أمر برفع الشراب ثم قال له: يا أبا الحسن أ عليك دين؟ قال: نعم، أربعة آلاف دينار فأمر بدفعها اليه و رده إلى منزله من ساعته مكرما.
و نقل القصة ثقة الاسلام الكليني في الكافي و الفيض (ره) في الوافي (ص 195 م 2) و الشيخ الجليل المفيد في الارشاد أعجب ما نقله ابن خلكان، قال المفيد: أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن ابن النعيم ابن محمد الطاهرى قال: مرض المتوكل من خراج خرج به فأشرف منه على الموت فلم يجسر أحد أن يمسه بحديدة فنذرت امه إن عوفي أن تحمل إلى أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام مالا جليلا من مالها و قال له الفتح بن خاقان: لو بعثت إلى هذا الرجل يعني أبا الحسن عليه السلام فسألته فانه ربما كان عنده صفة شيء يفرج الله به عنك فقال: ابعثوا اليه فمضى الرسول و رجع فقال: خذوا كسب الغنم فديفوه بماء الورد وضعوه على الخراج فانه نافع باذن الله، فجعل من يحضر المتوكل يهزأ من قوله فقال لهم الفتح: و ما يضر من تجربة ما قال فو الله إني لأرجو الصلاح به فأحضر الكسب و ديف بماء الورد و وضع على الخراج فانفتح و خرج ما كان فيه و بشرت ام المتوكل بعافية فحملت إلى أبي الحسن عليه السلام عشرة آلاف دينار تحت ختمها و استقل المتوكل فلما كان بعد أيام سعى البطحائي بأبي الحسن عليه السلام إلى المتوكل و قال: عنده أموال و سلاح فتقدم المتوكل إلى سعيد الحاجب أن يهجم عليه ليلا و يأخذ ما يجده عنده من الأموال و السلاح و يحمل إليه، قال إبراهيم بن محمد:
قال لي سعيد الحاجب: صرت إلى دار أبي الحسن عليه السلام بالليل و معي سلم فصعدت منه إلى السطح و نزلت من الدرجة إلى بعضها في الظلمة فلم أدر كيف أصل إلى الدار فناداني أبو الحسن عليه السلام من الدار يا سعيد مكانك حتى يأتوك بشمعة فلم ألبث أن أتوني بشمعة فنزلت فوجدت عليه جبة صوف و قلنسوة منها و سجادته على حصير بين يديه و هو مقبل على القبلة فقال لي: دونك البيوت فدخلتها و فتشتها فلم أجد فيها شيئا و وجدت البدرة مختومة بخاتم ام المتوكل و كيسا مختوما معها.
فقال لي أبو الحسن عليه السلام دونك المصلى فرفعته فوجدت سيفا في جفن ملبوس فأخذت ذلك و صرت إليه فلما نظر إلى خاتم امه على البدرة بعث إليها فخرجت إليه فسألها عن البدرة فأخبر بعض خدم الخاصة أنها قالت: كنت نذرت في علتك إن عوفيت أن أحمل إليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه و هذا خاتمي على الكيس ما حركه و فتح الكيس الاخر فاذا فيه أربعمائة دينار فأمر أن يضم إلى البدرة بدرة اخرى و قال لي: احمل ذلك إلى أبي الحسن عليه السلام و اردد عليه السيف و الكيس بما فيه فحملت ذلك إليه و استحييت منه فقلت له: يا سيدى عز علي دخولى دارك بغير اذنك و لكني مأمور فقال لى: و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
بيان: الخراج بالضم ما يخرج في البدن من القروح كالدمل و شبهه. و في الصحاح: الكسب بالضم عصارة الدهن و قال بعض أهل اللغة: هو ما تلبد من أبعار الشاة و لهذا اضيف الكسب إلى الغنم و جاء في الكافي كسب الشاة مكان كسب الغنم.
دافه بالشيء أى خلطه. ضعوه فعل أمر. استقل المتوكل اى رفع علته و برأ.
عز على أى اشتد و صعب على دخولى دارك بغير إذنك. و في الكافي: سعى إليه البطحائى العلوى.
أقول: تلك الأبيات مذكورة في الديوان المنسوب إلى جده و سميه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام و تنتهى إلى خمسة و عشرين بيتا، و فضائله و مناقبه و معجزاته و احتجاجاته في التوحيد و سائر العلوم الدينية و الدنياوية على المخالف و المؤالف حجة قاطعة على اولى الدراية و النهى في سمو مقامه و تكامل فضله و وفور علمه و امامته و خلافته.
في الاحتجاج: سئل أبو الحسن عليه السلام عن التوحيد فقيل له: لم يزل الله وحده لا شيء معه ثم خلق الأسماء بديعا و اختار لنفسه الأسماء و لم تزل الأسماء و الحروف معه قديمة. فكتب عليه السلام: لم يزل الله موجودا ثم كون ما أراد لا راد لقضائه و لا معقب لحكمه تاهت أوهام المتوهمين و قصر طرف الطارفين و تلاشت أوصاف الواصفين و اضمحلت أقاويل المبطلين عن الدرك لعجيب (لعظيم- خ ل) شانه أو الوقوع بالبلوغ على علو مكانه فهو بالموضع الذى لا يتناهى و بالمكان الذي لم تقع عليه فيه عيون باشارة و لا عبارة هيهات هيهات.
و فيه أيضا: قدم إلى المتوكل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة فأراد أن يقيم الحد عليه فأسلم فقال يحيى بن أكثم: قد هدم إيمانه شركه و فعله و قال بعضهم يضرب ثلاثة حدود و قال بعضهم: يفعل به كذا و كذا فأمر المتوكل بالكتاب إلى أبي الحسن العسكرى عليه السلام و سؤاله عن ذلك فلما قرأ الكتاب كتب: يضرب حتى يموت، فأنكر يحيى و أنكر فقهاء العسكر ذلك فقالوا: يا أمير المؤمنين سل عن هذا فانه شيء لم ينطق به كتاب و لم تجيء به سنة فكتب اليه: إن فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا و قالوا: لم تجيء به سنة و لم ينطق به كتاب فبين لنا لم أوجبت عليه الضرب حتى يموت؟ فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده و كفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا الاية. فأمر به المتوكل فضرب حتى مات.
و كذا غيرها من الاحتجاجات الانيقة العلمية رواها ثقات المحدثين. و بالجملة و قد اجتمعت فيه خصال الإمامة و تكامل علومه و فضله و جميع خصال الخير فيه و كانت أخلاقه كلها خارقة للعادة كاخلاق آبائه عليهم السلام و لو ذكرنا جميع محاسنه الكريمة و آثاره العلمية لطال الكتاب بها.
«الإمام الحادي عشر»
أبو محمد الحسن العسكري ابن علي الهادي عليهما السلام. قال ابن خلكان في تاريخه:
هو أحد الأئمة الاثنى عشر على اعتقاد الإمامية و هو والد المنتظر صاحب السرداب و يعرف بالعسكري و أبوه على يعرف بهذه النسبة- إلى أن قال: و العسكري بفتح العين المهملة و سكون السين المهملة و فتح الكاف و بعدها راء هذه النسبة إلى
سر من رأى و لما بناها المعتصم و انتقل إليها بعسكره قيل لها العسكر و انما نسب الحسن المذكور إليها لأن المتوكل أشخص أباه عليا إليها و اقام بها عشرين سنة و تسعة أشهر فنسب هو و ولده هذا اليها. انتهى كلامه.
و في الخرائج و الجرائح للراوندي: كانت أخلاقه كاخلاق رسول الله صلى الله عليه و آله و كان رجلا أسمر حسن القامة جميل الوجه جيد البدن حدث السن له جلالة و هيبة و هيئة حسنة تعظمه العامة و الخاصة اضطرارا يعظمونه لفضله و يفدونه لعفافه و صيانته و زهده و عبادته و صلاحه و اصلاحه و كان جليلا نبيلا فاضلا كريما يحمل الأثقال و لا يتضعضع للنواكب أخلاقه خارقة للعادة على طريقة واحدة.
و في الاحتجاج للطبرسي بإسناده إلى أبي يعقوب يوسف بن محمد بن زياد و أبي الحسن علي بن محمد بن سيار أنهما قالا: قلنا للحسن أبي القائم: إن قوما عندنا يزعمون أن هاروت و ماروت ملكان اختارتهما الملائكة لما كثر عصيان بني آدم و أنزلهما الله مع ثالث لهما إلى الدنيا و أنهما افتتنا بالزهرة و ارادا الزنا بها و شربا الخمر و قتلا النفس المحرمة و أن الله يعذبهما ببابل و أن السحرة منهما يتعلمون السحر و أن الله مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الذي هو الزهرة؟
فقال الإمام عليه السلام: معاذ الله من ذلك إن ملائكة الله معصومون محفوظون من الكفر و القبائح بألطاف الله فقال عز و جل لهم لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون و قال و له من في السماوات و الأرض و من عنده- يعني الملائكة- لا يستكبرون عن عبادته و لا يستحسرون يسبحون الليل و النهار لا يفترون و قال في الملائكة. بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون- إلى قوله: مشفقون كان الله قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاءه في الأرض و كانوا كالأنبياء في الدنيا و كالأئمة أ فيكون من الأئمة قتل النفس و الزنا؟!.
ثم قال عليه السلام: أو لست تعلم أن الله لم يخل الدنيا من نبي أو إمام من البشر؟
أ و ليس الله تعالى يقول و ما أرسلنا من قبلك- يعني إلى الخلق- إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى فأخبر أنه لم يبعث الملائكة إلى الأرض ليكونوا أئمة و حكاما و إنما ارسلوا إلى أنبياء الله.
قالا: قلنا له عليه السلام: فعلى هذا لم يكن إبليس أيضا ملكا. فقال عليه السلام: لا بل كان من الجن أما تسمع أن الله تعالى يقول: و إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن فاخبر انه كان من الجن و هو الذي قال الله تعالى و الجان خلقناه من قبل من نار السموم.
و قال الإمام عليه السلام: حدثني أبي عن جدي عن الرضا عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه و آله: إن الله اختارنا معاشر آل محمد و اختار النبيين و اختار الملائكة المقربين و ما اختارهم إلا على علم منه بهم أنهم لا يواقعون ما يخرجون به عن ولايته و ينقطعون به عن عصمته و ينصمون به إلى المستحقين لعذابه و نقمته.
قالا: قلنا: فقد روى لنا إن عليا صلوات الله عليه لما نص عليه رسول الله صلى الله عليه و آله بالإمامة عرض الله ولايته على فئام و فئام من الملائكة فأبوها فمسخهم الله ضفادع، فقال عليه السلام: معاذ الله هؤلاء المتكذبون علينا، الملائكة هم رسل الله كسائر أنبياء الله إلى الخلق أ فيكون منهم الكفر بالله؟ قلنا: لا. قال: فكذلك الملائكة إن شأن الملائكة عظيم و إن خطبهم لجليل. انتهى.
و بالجملة ان فضائله و مناقبه و معجزاته و احتجاجاته و شيمه و علومه و زهده و كمال عقله و عصمته و شجاعته و كرمه و كثرة اعماله المقربة إلى الله تعالى و اجتماع خلال الفضل فيه تنادى بأعلى صوتها تقدمه على كافة أهل عصره و إمامته الرياسة الالهية على جميع من سواه و أعرضنا عن تفصيلها روما للاختصار.
«كلام محيى الدين الاعرابى أو المغربى فيه (ع)»
قال في المناقب: صلوات الله و ملائكته و حملة عرشه و جميع خلقه من أرضه و سمائه على البحر الزاخر، زين المفاخر، الشاهد لأرباب الشهود، الحجة على ذوى الجحود، معرف حدود حقائق الربانية، منوع أجناس العالم السبحانية، عنقاء قاف القدم، العالي عن مرقاة الهمم، وعاء الأمانة، محيط الإمامة، مطلع الأنوارالمصطفوي، الحسن بن علي العسكري عليه صلوات الله الملك الأكبر.
«الإمام الثاني عشر»
المسمى باسم رسول الله صلى الله عليه و آله و المكنى بكنيته الذي بيمنه رزق الورى و ببقائه بقيت الدنيا خاتم الأوصياء و شرف الأرض و السماء بقية الله في أرضه و المنتقم من أعدائه الحجة من آل محمد صاحب الزمان و خليفة الرحمن إمامنا و مولانا ابن الحسن العسكري عجل الله تعالى فرجه كان سنه عند وفاة أبيه خمس سنين آتاه الله فيها الحكمة و فصل الخطاب و جعله آية للعالمين و آتاه الحكمة كما آتاها يحيى صبيا و جعله إماما في حال طفوليته كما جعل عيسى في المهد نبيا هو المعصوم من الزلات و المقوم للعصاة سيرته سيرة آبائه عليه و عليهم السلام خارقة للعادة، و كان الخبر بغيبته ثابتا قبل وجوده و بدولته مستفيضا قبل غيبته و هو صاحب السيف من أئمة الهدى عليهم السلام و القائم بالحق المنتظر لدولة الإيمان الذي يملأ الله به الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.
و الأخبار من رسول الله صلى الله عليه و آله بأسانيد كثيرة و طرق عديدة من الفريقين في أن المهدي عليه السلام من ولده صلى الله عليه و آله يواطي اسمه اسمه و يبلغ سلطانه المشرق و المغرب و يملأ الله به الأرض قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا، بلغت إلى حد التواتر حتى أن الشيخ الحافظ أبا عبد الله محمد بن يوسف بن محمد الكنجى الشافعي المتوفى سنة 658 ه صاحب كتاب كفاية الطالب صنع كتابا على خمسة و عشرين بابا كله من طرق علماء السنة و رواتهم عاريا عن أحاديث الشيعة في أخبار صاحب الزمان عليه السلام سماه كتاب البيان في أخبار صاحب الزمان و هذا الكتاب طبع بايران سنة 1324 ه في ذيل كتاب الغيبة لشيخ الطائفة الامامية الشيخ محمد بن حسن الطوسي. و قال في مقدمة الكتاب:
و سميته بالبيان في أخبار صاحب الزمان و عريته عن طرق الشيعة تعرية تركيب الحجة إذ كل ما تلقته الشيعة بالقبول و إن كان صحيح النقل فإنما هو خريت منارهم و خدارية زمارهم فكان الاحتجاج بغيره آكد و فيه أبواب:
الباب الأول في ذكر خروجه عليه السلام في آخر الزمان.
الباب الثاني في قوله صلى الله عليه و آله المهدي من عترتي من ولد فاطمة.
الباب الثالث في ذكر المهدي من سادات أهل الجنة.
الباب الرابع في أمر النبي صلى الله عليه و آله بمبايعة المهدي عليه السلام.
الباب الخامس في ذكر نصرة أهل المشرق للمهدي عليه السلام.
الباب السادس في مقدار ملكه بعد ظهوره عليه السلام.
الباب السابع في بيان انه يصلى بعيسى عليه السلام.
الباب الثامن في تحلية النبي صلى الله عليه و آله المهدي عليه السلام.
الباب التاسع في تصريح النبي صلى الله عليه و آله بأن المهدي من ولد الحسين عليه السلام.
الباب العاشر في ذكر كرم المهدي عليه السلام.
الباب الحادى عشر في الرد على من زعم ان المهدي عليه السلام هو المسيح بن مريم الباب الثاني عشر في قوله صلى الله عليه و آله لن تهلك امة أنا في أولها و عيسى في آخرها و المهدي في وسطها.
الباب الثالث عشر في ذكر كنيته و انه يشبه النبي صلى الله عليه و آله في خلقه.
الباب الرابع عشر في ذكر اسم القرية التي يكون فيها خروج المهدي عليه السلام.
الباب الخامس عشر في ذكر الغمامة التي تظل المهدي عليه السلام.[3] الباب السابع عشر في ذكر صفة المهدي عليه السلام و لونه و جسمه.[4] الباب التاسع عشر في ذكر كيفية اسنان المهدي عليه السلام.
الباب العشرون في ذكر فتح المهدي عليه السلام القسطنطنية.
الباب الحادي و العشرون في ذكر خروج المهدي عليه السلام بعد ملك الجبابرة.
الباب الثاني و العشرون في قوله صلى الله عليه و آله المهدي عليه السلام إمام صالح.
الباب الثالث و العشرون في ذكر تنعم الأمة زمن المهدي عليه السلام.
الباب الرابع و العشرون في أخبار رسول الله صلى الله عليه و آله أن المهدي خليفة الله.
الباب الخامس و العشرون في الدلالة على جواز كون المهدي عليه السلام حيا
باقيا مذ غيبته. ثم أخذ في نقل الاحاديث المنقولة من كتب الصحاح الستة و غيرها من كتب العامة لكل باب.
و إن ساعدنا التوفيق نأتي بطائفة من المطالب العلمية الاخر قمعا لبعض الشبهات الموهومة الموهونة في المقام في ضمن كلامه عليه السلام لكميل بن زياد النخعي:
(اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا لئلا تبطل حجج الله و بيناته- إلخ) و نسأل الله و نرجو من رحمته الله الواسعة ان يوفقنا لذلك فانه ولى التوفيق.
و اعلم أن ما حررنا و نقلناه في المقام قطرة من بحار علمهم و رشحة من سماء فيضهم و كفى لطالب الحق العالم البصير شاهدا ان المستضيئين من أنوار علومهم لا يعدون و لا يحصون كثرة و ما تفوه أحد بأنهم عليهم السلام أخذوا تلك المعارف الالهية من غيرهم و اشتغلوا بالدراسة لدى عالم بل اتفق محققو الامة و منصفوها بأن كل واحد منهم عليهم السلام أفضل عصره في جميع الكمالات و الفضائل و المحامد و الخصائل فتنبه و تيقن بأن علومهم لدنية و انهم حجج الله تعالى المنصوبون من عنده و المعصون مما لا يليق لهم.
قال المؤلف الشارح الفقير المفتاق إلى رحمة ربه و المشتاق إلى حضرة جنابه نجم الدين الحسن بن عبد الله الطبري الاملي: أشهد أن هؤلاء أئمتي و سادتي و قادتي أئمة الهدى و مصابيح الدجى و ينابيع الحسنى من فاضل طينتهم خلقت، و بحبهم ولدت، و بحبهم أعيش و بحبهم أموت و بحبهم ابعث حيا إنشاء الله تعالى و بهم أتولى و من أعدائهم أتبرأ. قد افلح من استمسك بذيل ولايتهم و فاز من دخل في حصن أمنهم و شرفهم و اغترف من قاموس علمهم و ارتوى من بحر جودهم و من اعرض عنهم فان له معيشة ضنكا و هو في الاخرة من الخاسرين. لأنهم عليهم السلام شهداء الله على خلقه و خلفاؤه في أرضه و أبواب رحمته و انهم نور الله و ولاة أمره و خزنة علمه و عيبة وحيه و بهم عرف الصواب و علم الكتاب فمن أطاعهم فقد أطاع الله و من عصاهم فقد عصاه هم العروة الوثقى و الوسيلة إلى الله جل و علا. صدق ولي الله الأعظم أبو عبد الله الصادق عليه السلام حيث قال لخيثمة (الكافي. و في الوافي ص 128 م 2): يا خيثمة نحن شجرة النبوة و بيت الرحمة و مفاتيح الحكمة و معدن العلم و موضع الرسالة و مختلف الملائكة و موضع سر الله و نحن وديعة الله في عباده و نحن حرم الله الأكبر و نحن ذمة الله و نحن عهد الله فمن وفى بعهدنا فقد وفى بعهد الله و من خفرها فقد خفر ذمة الله و عهده.
الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدى لو لا أن هدانا الله. فلنعد إلى شرح جمل الخطبة الشريفة بعون الله تعالى فنقول:
انه عليه السلام ذكر فيها لال محمد عليهم السلام أوصافا و هذه الأوصاف على الكمال و التمام لا يليق الا بهم و لا يصدق الا عليهم فانه لا يتصف بمجموعها إلا من كان مؤيدا من الله و منصوبا من عنده و بالجملة على من جعله الله تعالى خليفة له و اماما للناس قوله عليه السلام: (هم عيش العلم) أى هم حياة العلم و نفسه يدور معهم حيث داروا و متى كان الإمام كان العلم و سائر الصفات الكمالية الانسانية و بالجملة ان العلم حى بهم فكانما العلم ذو جسد روحه آل محمد عليهم السلام و من تتبع الكتب العلمية يجد أن أنوار علوم الأئمة اشرقت الأرض و انارت القلوب و أضاءت النفوس فعليك بنهج البلاغة و الصحيفة الكاملة و مجلدات الكافي و التهذيب و الاستبصار و من لا يحضره الفقيه و روايات مجلدات البحار و تفاسير علماء الإمامية و غيرها مما لا تحصى كثرة بل في تاليف العامة أيضا حتى ترى بعين اليقين ان الكل عيالهم عليهم السلام في حقائق الأصول و دقائق الفروع.
«كلام ابن الجوزى في على أمير المؤمنين و على» «زين العابدين عليهما السلام»
المنقول عن ابن الجوزي في خصائص الأئمة، فانه قال: لو لا أمير المؤمنين علي عليه السلام لما كمل توحيد المسلمين و عقائدهم إذا النبي صلى الله عليه و آله لم تحصل له الفرصة إلا بقدر أداء امهات العقائد و الفروع و أما دقائقها من كون الصفات مثلا قسمين:ذاتية و فعلية و أن أيها عين ذاته تعالى و أيها ليست بعينها و غيرها من دقائق المطالب و رقائقها فان المسلمين عيال على أمير المؤمنين متعلمون منه.- إلى أن قال في حق مولانا سيد الساجدين ما محصله: ان علي بن الحسين زين العابدين له حق التعليم في الاملاء و الإنشاء و كيفية المكالمة و المخاطبة و عرض الحوائج إلى الله تعالى فانه لولاه لم يعلم المسلمون كيف يتكلمون و يتفوهون سبحانه في حوائجهم فان هذا الإمام عليه السلام علمهم بأنه متى ما استغفرت فقل كذا و متى ما استسقيت فقل كذا و متى ما خفت من عدو فقل كذا- إلخ- و قد روى عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام فقهاء العامة من العلوم ما لا تحصى كثرة و حفظ عنه من المواعظ و الأدعية و فضائل القرآن و الحلال و الحرام و المغازي و الأيام ما هو مشهور بين العلماء.
و هذا هو الصادق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين استضاء من مشكاة وجوده و ارتوى من بحر جوده أربعة آلاف رجل مما تلوناه عليك و بعض آثارهم و أقوالهم في حق استاذهم الصادق عليه السلام.
قوله عليه السلام: (و موت الجهل) أى هم موت الجهل يعني أن الجهل يموت بوجودهم عليهم السلام و ذلك كما باشراق النور الحسي كنور الشمس مثلا تزول الظلمة و تموت و لا يجتمعان كذلك بنور العلم تموت ظلمة الجهل فلما كان آل محمد صلى الله عليه و آله شموس سماء العلم و المعرفة و ارواح اجساد العلوم و الحقائق و عيش العلم فلا محالة تعدم ظلمة الجهل بهم.
قوله عليه السلام: (يخبركم حلمهم عن علمهم). الحلم هو طمأنينة النفس بحيث لا يحركها الغضب بسهولة و لا يزعجه المكروه بسرعة فهو ضد الغضب، و الحلم من اشرف الكمالات النفسية بعد العلم و لذا ترى كلما يسأل عن العلم أو يمدح يقارن بالحلم قال رسول الله صلى الله عليه و آله: اللهم أغننى بالعلم و زيني بالحلم.
و قال أمير المؤمنين علي عليه السلام «كما يأتي في باب المختار من حكمه»:
ليس الخير أن يكثر مالك و ولدك و لكن الخير أن يكثر علمك و يعظم حلمك.
و في باب صفة العلماء من الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام: اطلبوا العلم و تزينوا معه بالحلم و الوقار- الحديث.
و فيه عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه و آله: نعم وزير الإيمان العلم و نعم وزير العلم الحلم و نعم وزير الحلم الرفق و نعم وزير الرفق الصبر.
و انما كان حلمهم عليهم السلام يخبركم عن علمهم لأن الحلم يلازم العلم بمواقع الحلم.
و في الارشاد للمفيد: روى إسحاق بن منصور السلولي قال: سمعت الحسن ابن صالح يقول: سمعت أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام يقول: ما شيب شيء بشيء أحسن من حلم بعلم.
و في البحار و غيره من كتب الأخبار: لما مات الحسن بن علي عليهما السلام و أخرجوا جنازته حمل مروان سريره فقال له الحسين عليه السلام: أتحمل سريره؟ أما و الله لقد كنت تجرعه الغيظ فقال مروان: إنى كنت أفعل ذلك بمن يوازي (يوازن- خ ل) حلمه الجبال.
ثم جاء في بعض النسخ كما في شرح المعتزلي و ينابيع المودة بعد قوله هذا قوله: (و ظاهرهم عن باطنهم) فان الظاهر عنوان الباطن فالأفعال الحسنة الصادرة عنهم و الأخلاق الكريمة البارزة منهم تدل على حسن سريرتهم و اخلاصهم لأن بدن الانسان بمنزلة مدينة مدبره و سلطانه هو القلب اعنى العقل و سائر القوى عماله و جنوده فاذا سلم القلب لا يصدر منه إلا الخير فان القوى حينئذ كانت باسرها تحت اشارة العقل و تدبيرها و وقعت مصالحة و مسالمة بينها و العقل تستعملها في المواضع اللائقة بها على ما ينبغي لها قال عز من قائل قد أفلح من زكاها. كما أن العقل إذا صار مغلوب القوى غلبت على الانسان الشرور و لا يبرز منه إلا الأفعال الحيوانية و الاثار الشيطانية فيسقط في مهاوي المهلكة كما قال تعالى و قد خاب من دساها و عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: في الانسان مضغة إذا هي سلمت و صحت سلم بها سائر الجسد فاذا سقمت سقم بها سائر الجسد و فسد و هي القلب و نعم ما قال العارف المعروف مجدود بن آدم السنائي في الحديقة:
دل آن كس كه گشت بر تن شاه | بود آسوده ملك از او و سپاه | |
بد بود تن چه دل تباه بود | ظلم لشكر ز ضعف شاه بود | |
اين چنين پر خلل دلى كه ترا است | دد و ديوند با تو زين دل راست | |
پاره گوشت نام دل كردى | دل تحقيق را بحل كردى | |
اين كه دل نام كردهاى بمجاز | رو به پيش سگان كوى انداز | |
از تن و نفس و عقل و جان بگذر | در ره او دلى بدست آور | |
آن چنان دل كه وقت پيچاپيچ | اندر او جز خدا نيابى هيچ | |
دل يكى منظرى است ربانى | خانه ديو را چه دل خوانى | |
از در نفس تا بكعبه دل | عاشقان را هزار و يك منزل | |
و لقد تكلمنا في ذلك و أتينا ببعض الاشعار و الامثال في شرح الخطبة 231 عند قوله عليه السلام ألا إن اللسان بضعة من الانسان فراجع.
قوله عليه السلام: (و صمتهم عن حكم منطقهم) لا يخفى أن الصمت في موقع الكلام قبيح كالكلام في موقع الصمت و سيأتي في باب المختار من حكمه عليه السلام، الحكمة 282 قوله عليه السلام: لا خير في الصمت عن الحكم كما أنه لا خير في القول بالجهل. و ما اجاد كلام الشيخ السعدي:
دو چيز طيره عقلست دم فرو بستن | بوقت گفتن و گفتن بوقت خاموشى | |
و العارف بمواقع السكوت يكون عارفا بمواقع الكلام أيضا فصمته في موقعه يدل على أن منطقه يكون على حكمة و صواب فمن لم يعلم مواقع السكوت يتكلم بما لا يعنيه و يسكت عن ما يعنيه. فصمتهم عليهم السلام عن ما لا يعنيهم، يخبركم على أن منطقهم يكون على حكمة و واقعا في محله.
ثم انه سئل السجاد علي بن الحسين عليهما السلام عن الكلام و السكوت أيهما أفضل فقال: لكل واحد منهما آفات فاذا سلما من الافات فالكلام أفضل من السكوت قيل: كيف ذلك يا ابن رسول الله؟ قال: لأن الله عز و جل ما بعث الأنبياء و الأوصياء بالسكوت انما بعثهم بالكلام و لا استحقت الجنة بالسكوت و لا استوجبت ولاية الله بالسكوت و لا توقيت النار بالسكوت و ما كنت لأعدل القمر بالشمس انك تصف فضل السكوت بالكلام و لست تصف فضل الكلام بالسكوت.
ثم إن في بعض النسخ جاءت العبارة هكذا: (و صمتهم عن منطقهم) و في بعض النسخ كما اخترناه و على هذا يمكن أن يقرأ الحكم بضم الحاء و سكون الثاني أي صمتهم يخبركم عن حكم منطقهم يعني أن حكم منطقهم صواب و حقيقة كما تقول: ذلك الشيء يكون حكمه كذا، و يمكن أن يقرأ بكسر الحاء و فتح الثاني جمع الحكمة كما علم.
قوله عليه السلام: (لا يخالفون الحق) فان الحق في كل شيء هو العدل المحض الذي وسط الافراط و التفريط و آل محمد صلوات الله عليهم هم الأئمة المهديون من الله يهدون بأمر الله و ينظرون بنور الله و قد دريت مما قدمنا ان الحجج الالهية لمكان عصمتهم لا يعدلون عن الحق طرفة عين أبدا و هم الموازين القسط و المعايير الحق و المناهج الصدق و على بينة من ربهم. قال الله تعالى و بالحق أنزلناه و بالحق نزل (الكهف- 107) و قال رسول الله صلى الله عليه و آله: علي مع القرآن و القرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا على الحوض[5]. فعلي عليه السلام يكون مع الحق إلى يوم القيامة كما نص به رسول الله صلى الله عليه و آله الحق مع علي حيث دار و الأخبار في ذلك المعنى من طرق الفريقين لا تحصى كثرة. و كذا الكلام في باقي الأئمة الاحد عشر الحق معهم حيث داروا لعصمتهم. و في الكافي بإسناده عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام قال:كتاب الله فيه نبا ما قبلكم و خبر ما بعدكم و فصل ما بينكم و نحن نعلمه.
قوله عليه السلام: (و لا يختلفون فيه) فان كثرة الأقوال من واحد في مسألة واحدة او اختلاف الاثنين أو أكثر فيها انما يكون بجهلهم عن الحق لأن الحق لا يكون إلا واحدا و لا يتكثر و لا يتغير.
ففي التهذيب لشيخ الطائفة قدس سره بإسناده عن أبي مريم عن أبي جعفر عليه السلام (ص 60 م 1 من الوافي) قال: قال علي صلوات الله عليه: لو قضيت بين رجلين بقضية ثم عادا إلى من قابل لم ازدهما على القول الأول لأن الحق لا يتغير.
و حيث إن الحق مع آل محمد حيث دار فلا يتطرق الاختلاف في أقوالهم و آرائهم لأن علومهم من معدن واحد و عين واحدة و ذواتهم عليهم السلام من نور واحد كما صرحوا به في كثير من الأخبار و في بعضها خلقنا واحد و علمنا واحد و فضلنا واحد و كلنا واحد عند الله و في رواية: و نحن شيء واحد.
و في الكافي بإسناده إلى حماد بن عيسى و غيره قالوا سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول:حديثى حديث أبي و حديث أبي حديث جدي و حديث جدي حديث الحسين و حديث الحسين حديث الحسن و حديث الحسن حديث أمير المؤمنين و حديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه و آله و حديث رسول الله صلى الله عليه و آله قول الله تعالى.
و فيه باسناده عن أبي بصير قال: قلت لأبى عبد الله عليه السلام: الحديث اسمعه منك أرويه عن أبيك أو أسمعه من أبيك أرويه عنك؟ قال: سواء إلا أنك ترويه عن أبي أحب إلى. و قال أبو عبد الله عليه السلام لجميل: ما سمعت مني فاروه عن أبى.
و في الكافي أيضا في حديث طويل (الوافي ص 14 م 2) عن أبي جعفر عليه السلام فقد مكن ولاة الأمر بعد محمد صلى الله عليه و آله بالعلم و نحن هم فاسألونا فان صدقناكم فأقروا و ما أنتم بفاعلين أما علمنا فظاهر، أما أبان أجلنا الذي يظهر فيه الدين مناحتى لا يكون بين الناس اختلاف فان له أجلا من ممر الليالي و الأيام إذا أتى ظهر و كان الأمر واحدا، و أيم الله لقد قضى الأمر أن لا يكون بين المؤمنين اختلاف و لذلك جعلهم شهداء على الناس ليشهد محمد علينا و لنشهد على شيعتنا و ليشهد شيعتنا على الناس، أبى الله تعالى أن يكون في حكمه اختلاف أو بين أهل علمه تناقض، الحديث تشبيه قوله عليه السلام: (هم دعائم الاسلام) شبه الدين بالبيت أو الفسطاط مثلا و آل محمد صلى الله عليه و آله بدعائمه و كما أن البيت قائم بالدعائم و الأركان كذلك الاسلام بال محمد و ذلك لما دريت آنفا ان الله تعالى انزل القرآن تبيانا لكل شيء و ما فرط في الكتاب من شيء و كذا علمت انه ما من أمر يختلف فيه اثنان الا و له أصل في كتاب الله و لكن لا تبلغه عقول الرجال، فلابد للقرآن من قيم مؤيد بتأييدات سماوية حافظ للدين و مبين للكتاب المبين و ذلك القيم المبين في كل عصر لابد أن يكون خازن علم الله و عيبة وحيه و أن تكون أفعاله معهودة من الله حتى يحفظ الدين به و آل محمد صلى الله عليه و آله ولاة أمر الله و خزنة علمه.
في الكافى باسناده عن الحسن بن موسى عن على عن عمه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: نحن ولاة امر الله و خزنة علم الله و عيبة وحى الله.
و فيه عن سدير عن أبي جعفر عليه السلام قال له: جعلت فداك ما أنتم؟ قال: نحن خزان علم الله و نحن تراجمة وحى الله نحن الحجة البالغة على من دون السماء و من فوق الأرض.
قوله عليه السلام: (و ولائج الاعتصام) أى هم أهل أن يعتمد الورى عليهم و يتخذوهم ولائج و يتمسكوا بهم، فانهم منار الهدى و اعتصام الورى، قال رسول الله صلى الله عليه و آله مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجى و من تخلف عنها هوى.
و في المجلس السادس و التسعين من أمالي الصدوق باسناده إلى الحكم بن الصلت عن أبي جعفر محمد بن علي عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: خذوا بحجزة هذا الأنزع يعني عليا عليه السلام فانه الصديق الأكبر و هو الفاروق يفرق بين الحق و الباطل من أحبه هداه الله و من أبغضه أبغضه الله و من تخلف عنه محقه الله و منه سبطا امتى الحسن و الحسين و هما ابناى و من الحسين أئمة الهدى اعطاهم الله علمى و فهمى فتولوهم و لا تتخذوا وليجة من دونهم فيحل عليكم غضب من ربكم و من يحلل عليه غضب من ربه فقد هوى و ما الحيوة الدنيا إلا متاع الغرور.
قوله عليه السلام: (بهم عاد الحق في نصابه) أى بوجودهم أو بتصرفهم و ولايتهم رجع الحق إلى حده و مستقره و أصله و قد علم مما قدمنا في هذه الخطبة أن الحجج الالهية هم الموازين القسط و انهم يهدون بأمر الله و لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون و أن الرياسة إذا كانت بيدهم كان الزمان نورانيا لأنهم يحكمون بالعدل و ينطقون بالقسط و يعملون بالحق و بعد الحق ليس إلا الضلال فلو كانت الرياسة بيد غيرهم كانت الظلمات غالبة و الأباطيل رائجة و أحكام الله معطلة و يسد الباطل مسد الحق فانظر إلى الذين تولوا امور المسلمين ممن لم يكونوا من بيت آل العصمة كالأمويين و العباسيين و غيرهم كيف شوهوا الدين و لعبوا به و روجوا الباطل و عنوا به و ردوا الأمة على أدبارهم القهقرى و أخذوا مال المسلمين طعمة لهم و لو لا سبل الهدى آل محمد صلوات الله عليهم في قبالهم لانمحت اعلام الهدى فانظر إلى سيرة أمير المؤمنين علي عليه السلام بعد من تقمصوا الخلافة كيف خلص الدين من المهالك و بين الحق على أوضح المسالك و لله در محمد بن الحبيب الضبي قائلا:
لو لا الأئمة واحدا عن واحد | درس الهدى و استسلم الاسلام | |
كل يقوم مقام صاحبه إلى | أن ينتهى بالقائم الأيام | |
قوله عليه السلام: (و انزاح الباطل عن مقامه) أى بهم زال الباطل و ذهب عن مقام الحق فان زمن ولاية أمراء الجور اقيم الباطل مقام الحق هذا ان ارجعنا الضمير إلى الحق و إن ارجعناه إلى الباطل فالمعنى أن الباطل لما عمل به صار في قبال الحق ذا محل و مقام، فبال محمد صلى الله عليه و آله زهق الباطل و اجتثت شجرته الخبيثة من أصله.
استعاره- كنايه قوله عليه السلام: (و انقطع لسانه عن منبته) استعار للباطل لسانا و الضمير في منبته كمقامه يحتمل الوجهين فالمعنى على الأول أن الباطل في منبت الحق كشوك نبت في ترعة أو كبقل مر نبت في زرع مزرعة فال محمد جثوا نبات الباطل من روضة الحق و انقطاع لسان الباطل كناية عن اضمحلاله أو عن سكوته لأن قطع اللسان كثيرا ما يجعل كناية عن السكوت.
و في كلمتي لو لا و لو ما من باب الحروف من شرح أنموذج الزمخشري قيل:ان سائلا دخل على النبي صلى الله عليه و آله و أنشد بيتا فقال النبي صلى الله عليه و آله لبعض الصحابة: اقطع لسانه فاذهبه ذلك البعض ليقطع لسانه فلقاه علي عليه السلام فقال له: ما تريد بهذا الرجل؟
فقال: أقطع لسانه، فقال علي عليه السلام: أحسن إليه فان الإحسان يقطع اللسان فرجعا إلى النبي صلى الله عليه و آله فقالا له: أى شيء تعنى بالقطع يا رسول الله؟ فقال: الإحسان.
و أما على الوجه الثاني فظاهر معناه و لا يبعد أن يجعل كلمة «لسانه» كناية عن النبات كما أن لسان الحمل و لسان الثور و لسان الكلب و لسان العصافير و غيرها مما هي مذكورة في الكتب الطبية كالتحفة و غيره أسام لنباتات، كما يحتمل أن يكون المراد من لسان الباطل لسان من ينطق به و ينصره.
قوله عليه السلام: (عقلوا الدين عقل وعاء و رعاية لا عقل سماع و رواية فان روات العلم كثير و رعاته قليل) يأتي منه عليه السلام في باب المختار من حكمه (كلمة الحكمة 98) قوله: اعقلوا الخير إذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية فإن روات العلم كثير و رعاته قليل.
و في اصول الكافي (ص 45 م 1 من الوافي) بإسناده إلى طلحة بن زيد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن روات الكتاب كثير و إن رعاته قليل و كم من مستنصح للحديث مستغش للكتاب فالعلماء يحزنهم ترك الرعاية و الجهلاء يحزنهم
حفظ الرواية فراع يرعى حياته و راع يرعى هلكته فعند ذلك اختلف الراعيان و تغاير الفريقان.
و في الروضة منه (ص 24 م 14) من قول أبي جعفر عليه السلام في رسالته إلى سعد الخير: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فانى أوصيك بتقوى الله- إلى أن قال:و كل امة قد رفع الله عنهم علم الكتاب حين نبذوه و ولاهم عدوهم حين تولوه و كان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه و حرفوا حدوده فهم يروونه و لا يرعونه و الجهال يعجبهم حفظهم للرواية و العلماء يحزنهم تركهم للرعاية. الحديث بطوله.
و في اصول الكافي بإسناده عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام (في آخر الحديث): ألا لا خير في علم ليس فيه تفهم، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفكر.
و اعلم أن النيل إلى درك حقائق ما في الكتاب و السنة و الفوز إلى فهم أسرارهما و التعقل و التدبر في معانيهما إنما يتأتى للأوحدى من الناس الذي تنزه عن الهواجس النفسانية و تخلص عن الوساوس النفسانية فرزق القوة العقلية الوقادة و قدس القلب و تلطيف السر لأن الوصول إلى العلوم اليقينية ثمرة التقوى و التوجه التام إلى الله تعالى و بالتقوى يتقرب العبد إلى عالم النور و يصير من سنخه فاذا تحصل له ملكة صالحة و استعداد تام و سعة وجودية فيتيسر له استكشاف حقائق ما أوحى إلى سفراء الله و استعلام ما اريد به و استنباط الأحكام الالهية منه قال عز من قائل: و اتقوا الله و يعلمكم الله و قال تعالى: و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا (آخر العنكبوت).
و قال تعالى: و أن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا (الجن- 17) و قال في المجمع: و في تفسير أهل البيت عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام قول الله إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا* قال:هو و الله ما أنتم عليه و أن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا. و عن بريد العجلي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: معناه لأفدناهم علما كثيرا يتعلمونه من الأئمة انتهى ما في المجمع من تفسير الاية.
و المروي عن جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام كما في أمالي الصدوق قال عليه السلام ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان أو مدينة حصينة و المدينة الحصينة هي القلب المجتمع، كما مر آنفا.
و في نهج البلاغة (الخطبة 187) قال عليه السلام: إن أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان و لا يعى حديثنا إلا صدور أمينة و أحلام رزينة. و نعم ما قال محمد بن محمود الاملي صاحب نفائس الفنون بالفارسية:
بهوس راست نيايد بتمني نشود | اندر اين راه بسى خون جگر بايد خورد | |
و لا ريب أن الفائز بهذه النعمة العظمى و النائل بهذه السعادة الكبرى لا يكون إلا قليلا من المخلصين و نعم ما قال افلاطن الحكيم (ص 8 رسالة زينون الكبير اليوناني طبع حيدر آباد الدكن 1349 ه): إن شاهق المعرفة أشمخ من أن يطير إليه كل طائر و سرادق البصيرة أحجب من أن يحوم حوله كل سائر و كأن الشيخ الرئيس أخذ منه حيث قال في آخر النمط التاسع من الاشارات:
جل جناب الحق عن أن يكون شريعة لكل وارد أو يطلع عليه إلا واحدا بعد واحد و لذا يكون رعات العلم قليل. و أما حفظ ألفاظ الكتاب و السنة و نقلهما و تصحيحهما و تجويد قراءتهما و ضبط اصطلاحات العلوم و نحوها فلا يحتاج إلى كثير تجشم و تحمل مشقة و عناء و لذا يكون رواتها كثير.
ثم إن اسلوب الكلام يقتضي أن يقال: فان روات الدين كثير و رعاته قليل و انما عدل من الدين إلى العلم اشارة إلى أن الدين هو العلم و ما يحتويه الكتاب و السنة علم ليس إلا قال الله تعالى: الذين يتبعون الرسول النبي الأمي- إلى قوله: فالذين آمنوا به و عزروه و نصروه و اتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون (الأعراف: 157) و قال تعالى كذا: العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء.
و قال تعالى: هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور (الحديد: 9) فما انزل معه علم ليخرج الناس من ظلمات الجهل إلى نور العلم.
في الكافي عن أبي البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن العلماء ورثة الأنبياء و ذاك إن الأنبياء لم يورثوا درهما و لا دينارا و إنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظا وافرا- الحديث. و الحمد لله رب العالمين.
الترجمة
اين يكى از خطبه هاى ولي الله أعظم است كه در آن آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين را بأوصافى نام مى برد:
آل محمد زندگى دانش و مرگ نادانى اند (بوجودشان دانش زنده است و نادانى مرده) بردباريشان از دانششان آگاهى مى دهد، و خاموشيشان از حكمت (يا- از حكم) گفتارشان. (بردبارى بجا حاكى از پختگى عقل و علم است و خاموشى بجا دليل بر صواب گفتار كه آن گفتار نيز بجا و صواب است) نه با حق مخالفت كنند و نه در آن اختلاف. ايشان ستون خانه اسلاماند و معتمد و راز دار كسى كه چنگ بذيل عنايتشان در زند، بوجود ايشان حق بجاى خود آمد و باطل از جايش بر كنده و زبانش از رستنگاهش بريده شد. دين را در دل نگاشته و حرمت آن را نگاهداشتهاند نه چون كسى كه فقط آنرا شنيده و روايت كرده (كه بحقيقت آن نرسيده و واقع آنرا نيافته است) چه راويان علم بسيارند و پاس داران آن كم.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی
__________________________________________________________
[1] ( 1)( عن معاقلهم- خ ل)
[2] ( 2)( تقتتل- خ)
[3] ( 1) هذه الصفحة مطابقة للأصل و قد سقط منها الباب السادس عشر و الباب الثامن عشر و لم يتيسر لي تحصيل المصدر حتى أراجعه فأثبته على ما هو عليه.« المصحح»
[4] ( 2) هذه الصفحة مطابقة للأصل و قد سقط منها الباب السادس عشر و الباب الثامن عشر و لم يتيسر لي تحصيل المصدر حتى أراجعه فأثبته على ما هو عليه.« المصحح»
[5] ( 1) هذه الرواية رواها كثير من نقلة الأحاديث و حملة الأخبار في جوامعهم منهم الشيخ الاجل المفيد قدس سره في كتاب الجمل( ص 209 طبع نجف) قال: روى المسعودى عن هاشم بن الوليد عن ابن سعيد التميمى عن أبى ثابت مولى أبى ذر قال: شهدت مع أمير المؤمنين على عليه السلام الجمل فلما رأيت عائشة واقفة بين الصفين و معها طلحة و الزبير، قلت: ام المؤمنين و زوجة الرسول( ص) و حوارى الرسول و صاحبه باحد فدخلنى ما يدخل الناس من الشك حتى كان عند صلاة الظهر كشف الله ذلك عن قلبى و قلت: على أمير المؤمنين و أخو سيد المرسلين و أولهم اسلاما لم يكن بالذى يقدم على شبهة فقاتلت معه قتالا شديدا فلما انقضى الحرب أتيت المدينة فسرت الى بيت ام سلمة فاستأذنت عليها فقيل من هذا؟ فقلت: سائل، فقالت:
أطعموا السائل؛ فقلت: انى و الله لم أسأل طعاما و لكنى مولى أبى ذر رجعت أسأل عن دينى فقالت مرحبا بك فقصصت عليها قصتى؛ فقالت: أين كنت حين طارت القلوب مطائرها؟ فقلت انى بينما احس ذلك اذ كشف الله عن قلبى فقاتلت مع أمير المؤمنين( ع) حتى فرغ، فقالت احسنت انى سمعت رسول الله( ص) يقول: ان عليا مع القرآن و القرآن مع على لا يفترقان حتى يردا الحوض.
و كذا اخرج الطبرانى في الأوسط عن ام سلمة قالت ام سلمة قال سمعت رسول الله( ص) يقول على مع القرآن و القرآن مع على لا يفترقان حتى يردا على الحوض.( منه)
[6] هاشمى خويى، ميرزا حبيب الله، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى) – تهران، چاپ: چهارم، 1400 ق.
[1] ( 2) قال المرزوقى في شرحه:« هذا» يعني على بن الحسين بن على صلوات الله عليه« الذى تعرف البطحاء وطأته» من بين وطات الناس إذا مشوا عليها و فيها. و البطحاء:
أرض مكة المنبطحة، و كذلك الأبطح و بيوت مكة التي هى للأشراف بالأبطح، و التي هى في الروابى و الجبال للغرباء و أوساط الناس. انتهى و البيت بيت الله زاده الله شرفا. و الحرم حرمه و في كتاب الحج من التهذيب للشيخ الطوسى باسناده عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: حرم الله حرمه بريدا في بريد. و الحل ما جاوز الحرم.
[2] ( 4) لم يأت بهذا البيت أبو الفرج في الأغانى و ابن خلكان في وفيات الأعيان و كذا لم يذكر في كثير من النسخ و انما أتى به المجلسى في البحار و يوجد في بعض النسخ أيضا و هو قريب من البيت السادس الذى يوجد في النسخ غالبا فلا بعد أن يكون ملحقا بالقصيدة
[3] ( 5) و في نسخة: من قد جاء يلثمه. لثمه من بابى ضرب و علم: قبله. خر:
انكب على الأرض.
[4] ( 6) الامم فاعل كلا الفعلين على سبيل التنازع. و في نسخة مجالس المؤمنين للقاضي تهتدى الظلم. اى امست الامم أو الظلم تهتدى بنور هداه.
[5] ( 8) في نسخة: في سيفه نقم.
[6] ( 9) قال المرزوقي في شرحه على الحماسة: فائدة إلى في قوله« إلى مكارم هذا» الانتهاء، و الجملة في موضع المفعول لقال و المعنى ان الكريم إذا انتهى إلى درجة مكارم هذا وقف، لانها الغاية السامية و المرتبة التي لا متجاوز منها إلى ما هو أعلى.
[7] ( 10) في نسخة الاغانى:
\s\iُ ينمى إلى ذروة الدين التي قصرت\z عنها الاكف و عن ادراكها القدم\z\E\E ينمى على صيغة المجهول يائى اى ينسب و يسند إلى ذروة العز. و الذروة بالضم و الكسر: اعلى الشيء. عرب فاعل لقصرت و العجم عطف عليها. و تستعمل العرب مؤنثة على تأويل الأمة و القبيلة و الطائفة و نحوها كما يقال العرب العرباء و العاربة و العرب المستعربة و المتعربة. و العجم كالعرب.
[8] ( 11) ركن الحطيم مرفوع على انه فاعل يمسكه. و عرفان مضاف منصوب على انه مفعول له اى يكاد يمسكه ركن الحطيم لان عرف راحته. و الراحة هنا الكف جمعها الراح قال ابن جنى في التنبيه: يجوز في البيت اوجه: احدها نصب العرفان على انه مفعول له و رفع ركن الحطيم على انه فاعل يكاد، أو فاعل يمسكه عرفان راحته لركن البيت و يجوز رفعهما جميعا أى يكاد يمسكه أن عرف راحته ركن الحطيم فيرفع العرفان بيكاد أو يمسكه و يرفع ركن الحطيم بانه العارف و إذا نصبت عرفان راحته على انه مفعول له كنت مخيرا في نصبه ان شئت بيكاد و ان شئت بيمسكه و لا يجوز نصب العرفان و الركن جميعا لئلا يبقى الفعل بلا فاعل.
و الاستلام: تناول الحجر مشتق من السلام بالكسر اى الحجر. و استلم الحجر لمسه اما بالقبلة أو باليد و لا يهمز لانه مأخوذ من السلام و هو الحجر كما تقول استنوق الجمل و بعضهم يهمزه كما قال الجوهرى في الصحاح. و الحطيم: كعليم قال المرزوقى: الجدار الذى عليه ميزاب الكعبة فكانه حطم بعض حجره.
أقول: هذا سهو من المرزوقى و الصواب أن الحطيم هو ما بين الحجر الأسود و باب الكعبة زادها الله شرفا و عظمة. و لا يخفى ان الاستلام هو لمس الحجر الأسود كما دريت و بين ذلك الركن الذى فيه الحجر الأسود و بين الجدار الذى عليه ميزاب الكعبة بون بعيد فالقول بان من جاء للاستلام يكاد يمسكه الجدار الذى عليه ميزاب الكعبة مع كثرة البعد ………. بينهما و اختلاف جهتهما و عدم المناسبة بينهما ظاهر التهافت فبأى وجه يصح حمل الشعر عليه؟ و لعل منشأ سهوه ظاهر عبارة الجوهرى في الصحاح حيث قال: قال ابن عباس:الحطيم الجدر يعنى جدار حجر الكعبة.
و الحطيم و ان جاء في تفسيره و تعيينه من البيت وجوه و لكن أهل البيت أدرى بما في البيت ففي الكافى لثقة الاسلام الكليني قدس سره باسناده عن الحسن بن الجهم قال:سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن افضل موضع في المسجد يصلى فيه؟ قال: الحطيم ما بين الحجر و باب البيت: قلت و الذى يلي ذلك في الفضل؛ فذكر انه عند مقام إبراهيم صلى الله عليه. الحديث.
و في من لا يحضره الفقيه للصدوق رضوان الله عليه: قال الصادق عليه السلام: ان تهيأ لك أن تصلى صلواتك كلها الفرائض و غيرها عند الحطيم فافعل فانه أفضل بقعة على وجه الأرض و الحطيم ما بين باب البيت و الحجر الأسود و هو الموضع الذى فيه تاب الله على آدم. الحديث.
و في النهاية الأثيرية: يحطمكم الناس أى يدوسونكم و يزدحمون عليكم و منه سمى حطيم مكة و هو ما بين الركن و الباب.
فالمراد من البيت انه عليه السلام ابن رسول الله( ص) الذى شرف به هذه المواضع فهى عارفة به و إذا جاء الى المستلم يكاد يتمسك به الركن تمييزا لراحته عن راحة غيره.
و في البحار نقلا عن الخرائج: روى أن الحجاج بن يوسف لما خرب الكعبة بسبب مقاتلة عبد الله بن الزبير ثم عمروها فلما اعيد البيت و أرادوا أن ينصبوا الحجر الأسود فكلما نصبه عالم من علمائهم أوقاض من قضاتهم أو زاهد من زهادهم يتزلزل و يضطرب و لا يستقر الحجر في مكانه فجاءه على بن الحسين عليهما السلام و أخذه من أيديهم و سمى الله ثم نصبه فاستقر في مكانه و كبر الناس و لقد الهم الفرزدق في قوله:
\s\iُ يكاد يمسكه عرفان راحته\z ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم\z\E\E
[9] ( 12) و ليس قولك من هذا؟ كما في الرواية الاتية المنقولة في البحار عن الاختصاص لما أراد هشام أن يصغر منه قال: من هو؟ بضائره اى بضاره. و في الصحاح: ضاره يضوره ………. و يضيره ضيرا و ضورا أى ضره، قال الكسائي سمعت بعضهم يقول لا ينفعني و لا يضورنى.
العرب بضم الأول و سكون الثاني و العرب بفتحهما واحد و كذا العجم و العجم.
[10] ( 13) هذا البيت مذكور أيضا في جامع الشواهد، يغضى الأولى على صيغة المعلوم و الثاني على المجهول من الاغضاء يقال: فلان أغضى عينه إذا طبق جفنيها حتى لا يبصر.
قال المرزوقى: قوله« يغضى حياء» اى لحيائه يغض طرفه فهو في ملكته و كالمنخرل له، و« يغضى من مهابته» اى و يغضى معه مهابة له، فمن مهابته في موضع المفعول له، كما أن قوله« حياء» انتصب لمثل ذلك و المفعول له لا يقام مقام الفاعل كما أن الحال و التمييز لا يقام واحد منهما مقام الفاعل، ثم قال: فان قيل: إذا كان الأمر على هذا فأين الذى يرتفع بيغضى؟ قلت: يقوم مقام فاعله المصدر كأنه قال: و يغضى الاغضاء من مهابته.
و الدال على الاغضاء يغضى، كما أنك إذا قلت: سير بزيد يومين لك أن تجعل القائم مقام الفاعل المصدر كأنه قيل: سير السير بزيد يومين و هو أحد الوجوه التي فيه فاعلمه. انتهى ما اردنا من نقل كلامه. و كذا في جامع الشواهد قال: يغضى بصيغة المجهول و نائب فاعله ضمير المصدر أى الاغضاء.
أقول: لما كان الإغضاء ادناء الجفون فيغضى يدل في كلا الموضعين على مفعوله اعنى الطرف و لما كان من مهابته لا يقوم مقام نائب الفاعل لعدم صحة المعنى حينئذ فيدل هو أيضا على أن نائب الفاعل محذوف و لا يكون ذلك الطرف الأول لانه لا يصح أن يقال فلان أغضى طرفه من مهابته بل يغضى طرف غيره من مهابته. و الفاء في فما و يروى مكانه فلا للتعليل أيضا و يكلم بصيغة المجهول و ضميره يرجع اليه عليه السلام فمعنى البيت هو عليه السلام يغضى طرفه من حيائه و يغضى طرف الناس من مهابته و لاجل مهابته لا يقدر أحد ان يتكلم معه( ع) إلا حين يبتسم.
[11] ( 14) خيزران بفتح أوله و ضم ثالثه قال في الصحاح: اسم شجر و هو عروق القناة و الجمع الخيازر و الخيزران القصب. قال المرزوقى في شرح الحماسة: يعنى به المخصرة ……….يمسكها الملوك بأيديهم يتعبثون بها.
في البحار: نقل كلام يناسب المقام فيه غرابة، قال الزمخشرى في الفائق: على بن الحسين( ع) مدحه الفرزدق فقال:\s\iُ في كفه جهنى ريحه عبق\z، من كف اروع في عرنينه شمم\z\E\E. قال القتيبى: الجهنى: الخيزران و معرفتى هذه الكلمة عجيبة و ذلك ان رجلا من أصحاب الغريب سألنى عنه فلم أعرفه فلما أخذت من الليل مضجعى أتانى آت في المنام ألا أخبرته عن الجهنى قلت: لم أعرفه قال: هو الخيزران فسألته شاهدا فقال: هدية طريفة في طبق مجنة فهببت و أنا أكثر التعجب فلم ألبث إلا يسيرا حتى سمعت من ينشد: في كفه جهنى، و كنت أعرفه في كفه خيزران، انتهى.
قال المرزوقى: قوله« ريحه عبق» إذا فتح الباء فمخرجه مخرج المصادر كأنه نفس الشيء؛ أو على حذف المضاف، و الأصل ذات عبق، و إذا كسرت فهو اسم الفاعل و معناه اللاصق بالشيء لا يفارقه. يريد ان رائحته تبقى فهى تشم الدهر من كف اروع، و هو الجميل الوجه.
ثم قال: و الشمم: الطول. و العرنين: الأنف و ما ارتفع من الأرض و أول الشيء و تجعل العرنين كناية عن الأشراف و السادة و إذا قرن الشمم بالعرنين او الأنف فالقصد إلى الكرم. لذلك قال حسان بن ثابت:
\s\iُ بيض الوجوه كريمة أحسابهم\z شم الانوف من الطراز الأول\z\E\E انتهى ما قاله المرزوقى في شرح هذا البيت.
أقول: جعل العرانين كناية عن الاشراف و السادة مما لا كلام فيه قال الشاعر:\s\iُ ان العرانين تلقاها محسدة\z و لا ترى للئام الناس حسادا\z\E\E و لكن الظاهر من قول الفرزدق« في عرنينه شمم» انه يصفه عليه السلام بانه جميل الوجه، حسن المحيا، صحيح الخلقة أشم الانف اى أقنى الانف ضيق المنخرين ليس بأفطس فان الفطسة عيب و عاهة و الحجج الالهية سليمة عن العيوب و العاهات خلقا و دينا كما اشرنا اليه قبل. قال الجوهرى: الفطس بالتحريك: تطامن قصبة الأنف و انتشارها و الرجل أفطس و الاسم الفطسة لانه كالعاهة. و الشمم ارتفاع قصبة الأنف مع حسنها و استواء اعلاها و انتصاب ………. الارنبة او ورود الأرنبة و حسن استواء القصبة و ارتفاعها او أن يطول الأنف و يدق و تسيل روثته فان ورود الأرنبة و شم العرنين دليل النجابة و هذا مراد من قال: العرب انما ينجح بالشمم نفيا عن انفهم الفطس الذى يكون في الزنج.
و جاء في وصف شمائل رسول الله صلى الله عليه و آله كما في السيرة الحلبية( ص 371 ج 3 طبع مصر) رواية انه( ص) دقيق العرنين له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله اشم و فسر الأشم في السيرة بقوله اى مرتفعا.
و في الكافى لثقة الاسلام الكليني باسناده عن جابر قال: قلت لابى جعفر عليه السلام:صف لى نبى الله صلى الله عليه و آله و سلم، قال عليه السلام: كان نبى الله( ص) ابيض مشرب بالحمرة- إلى أن قال-: يكاد أنفه إذا شرب أن يرد الماء، الحديث و كنى باشراف أنفه ورود الماء عند شربه عن ستر رأسه المنخرين و ميله إلى قدام( كما في الوافي ص 160 ج 2) و عن عدم كونه كانف الزنج.
و في البحار للمجلسي رحمه الله( ص 107 ج 11 الكمپانى) نقلا عن مناقب ابن شهر آشوب في شمائل جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام: كان الصادق عليه السلام ربع القامة أزهر الوجه حالك الشعر جعدا أشم الأنف.
و في كتاب سر الأدب في مجارى كلام العرب المعروف بفقه اللغة تأليف أبى منصور عبد الملك بن محمد الثعالبى النيسابورى في الفصل السابع عشر في اوصاف الأنوف المحمودة و المذمومة: الشمم: ارتفاع قصبة الأنف مع استواء أعلاها. القنا: طول الأنف و دقة ارنبته و حدب في وسطه. الفطس: تطامن قصبته مع ضخم ارنبته. إلى آخر ما قال.
و أما ما استشهد به المرزوقي من بيت الحسان فهو ما جوزه الشريف علم الهدى في أماليه( في باب المعمرين في ترجمة ذى الاصبع العدوانى) بعد ما احتمل ذلك المعنى الذى اخترناه.
على ان الشم في بيت الحسان جمع اشم و الاشم كما في المعاجم: السيد ذو الانفة، و لأحد أن يدعى ان الشم إذا قرن بالانف فالقصد إلى الكرم لا الشمم بالعرنين و ذلك لان الانف نسب اليه الحمية و الغضب و العزة و الذلة حتى قال الشاعر كما في مفردات الراغب:\s\iُ إذا غضبت تلك الأنوف لم أرضها\z و لم اطلب العتبى و لكن أزيدها\z\E\E و لذا قيل شمخ فلان بأنفه للمتكبر، و ترب أنفه للذليل، و أنف فلان من كذا بمعنى استنكف حتى قيل الانفة الحمية و لم ينقلوا للعرنين هذه المعاني مع أن مادته لا يحتملها فتأمل.
[12] ( 15) في كثير من النسخ:\s\iُ ينشق نور الهدى عن نور غرته\Z\E\E. و في البحار: ينجاب نور الهدى، و ما اخترناه مطابق الاغانى يقال: انجاب الثوب إذا انشق و انجابت السحابة إذا انكشفت و كذلك الظلم في البيت.
[13] ( 17) نبعته اى أصله، يقال فلان من نبعة كريمة اى من أصل كريم. و في عدة النسخ:
طابت عناصره. و المختار موافق للأغانى و المغارس واحد المغرس كالمجلس اى موضع الغرس. و الخيم بالكسر و سكون الثاني: الطبيعة و السجية. و الشيم بكسر الأول و فتح الثاني جمع الشيمة بالكسر فالسكون: الطبيعة و الخلق أيضا.
[14] ( 18) في الكافى كما في ص 176 من الجزء الثاني من الوافى عن أبي عبد الله عليه السلام- إلى أن قال-: و كان على بن الحسين عليهما السلام يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب فيها الصرر من الدنانير و الدراهم حتى يأتي بابا بابا فيقرعه ثم ينيل من يخرج اليه فلما مات على بن الحسين عليهما السلام فقدوا ذاك فعلموا أن عليا عليه السلام كان يفعله و في الأغانى: انه كان على بن الحسين يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به. و الروايات في ذلك أكثر من أن تحصى.
[15] ( 19) في بعض النسخ: بما يحوى جميعهم.
[16] ( 21) في نسخة:\s\iُ الله فضله قدما و شرفه\Z\E\E.
[17] ( 25) في وفيات الأعيان: يزينه اثنان حسن الخلق و الشيم.
[18] ( 26) في وفيات الأعيان: مأمون نقيبته. و هذا من تصحيف النساخ و الصواب ما اخترناه و في صحاح اللغة للجوهرى: النقيبة: النفس يقال فلان ميمون النقيبة إذا كان مبارك النفس. انتهى. و قال آخر:\s\iُ و انى لميمون النقيبة منجح\z و ان كان مطلوبى سنا الشمس في البعد\z\E\E
[19] ( 28) في الاغانى:\s\iُ يستدفع الشر و البلوى بحبهم\z و يسترب به الاحسان\z\E\E. و في نسخة و يسترق به الاحسان.
[20] ( 29) في نسخة: في كل بر، و في اخرى: في كل فرض و المختار مطابق الاغانى و الوفيات.
[21] ( 30) في نسخة: من خير خلق الله.
[22] ( 31) في نسخ: بعد غايتهم.
[23] ( 32) الأزمة بالفتح: الشدة و الضيقة و القحط.
[24] ( 33) الديم كالشيم جمع الديمة كالشيمة: و هى مطر تدوم أياما. و في نسخة:بالندى هضم.
[25] ( 34) أثروا: مشتقة من الثروة.
[26] ( 35) في بعض النسخ: أى الخلائق ليست، لاولوية هذا. أتى بهذا البيت في الحماسة و قال المرزوقي في شرحه: يريد أن طوائف الناس مغمورون بنعمه أو نعم سلفه يعنى النبي و الوصى عليهما السلام لانهم اهتدوا بدعائهم و فارقوا الهلك و الضلالة بارشادهم و دلالتهم فلا قبيل إلا و رقابهم قد شغلت بما قدمت من مننهم، و ذممهم قد رهنت بما حملت من عوارفهم.
[27] ( 36) في نسخة: أولوية ذا، و في أخرى: و الدين.
[28] ( 39) ذكر ابن هشام في السيرة اشعارا من الذين قالوا في غزوة الخندق على هيئة التثنية و الجمع منها قوله( ص 254 ج 2 طبع 1375 ه): و قال ضرار بن الخطاب بن مرداس في يوم الخندق:
\s\iُ كانهم إذا صالوا وصلنا\z بباب الخندقين مصافحونا\z\E\E و هذا البيت في قصيدة له. و منها ما قاله كعب في الرد على ضرار في قصيدة هذا البيت منها( ص 256):
\s\iُ بباب الخندقين كأن أسدا\z شوابكهن يحمين العرينا\z\E\E و منها ما قال ابن الزبعرى من قصيدة آخرها( ص 258): ……….
\s\iُ لو لا الخنادق غادروا من جمعهم\z قتلى لطير سغب و ذئاب\z\E\E و لا يخفى أن المراد بالخندقين و الخنادق في اشعار السيرة الخندق و التثنية و الجمع باعتبار جهتى الباب و الاطراف. و كذا مراد الفرزدق في البيت نعم لو لم يكن في البيت التالى قوله: و في قريظة يوم، لامكن أن يقال ان المراد بالخندقين غزوة الخندق و غزوة بنى قريظة لان بعد غزوة الخندق اقبل غزوة بنى قريظة بلا تراخ و ان المسلمين لما ظفروا عليهم و حاصروهم كما في السيرة الهشامية( ص 240 ج 2) حبسهم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بالمدينة في دار بنت الحارث امرأة من بنى النجار ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلى سوق المدينة فخندق بها خنادق ثم بعث اليهم فضرب اعناقهم في تلك الخنادق يخرج بهم اليه أرسالا و انزل الله تعالى( ص 245) في أمر الخندق و أمر بنى قريظة من القرآن القصة في سورة الاحزاب:\i يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا و جنودا لم تروها\E الاية و الجنود قريش و غطفان و بنو قريظة و كانت الجنود التي أرسل الله عليهم مع الريح الملائكة. يقول الله\i إذ جاؤكم من فوقكم و من أسفل منكم\E. الاية. فالذين جاءوهم من فوقهم بنو قريظة و الذين جاءوهم من اسفل منهم قريش و غطفان إلى آخر ما قال. فليتأمل.
ثم ان العارف الجامى نظم تلك الواقعة و ترجم تلك القصيدة في الدفتر الأول من سلسلة الذهب بالفارسية و أجاد. و بعض تلك الأبيات:
\s\iُ پور عبد الملك بنام هشام\z در حرم بود با اهالى شام\z مىزد اندر طواف كعبه قدم\z ليكن از ازدحام أهل حرم\z استلام حجر ندادش دست\z بهر نظاره گوشه بنشست\z ناگهان نخبه نبى و ولى\z زين عباد بن حسين على\z در كساء بها و حله نور\z بر حريم حرم فكند عبور\z هر طرف مىگذشت بهر طواف\z در صف خلق مىفتاد شكاف\z زد قدم بهر استلام حجر\z گشت خالى ز خلق راه و گذر\z شامئى كرد از هشام سؤال\z كيست اين با چنين جمال و جلال؟\z از جهالت در آن تعلل كرد\z وز شناسائيش تجاهل كرد\z\E\E ……….
\s\iُ گفت نشناسمش ندانم كيست\z مدنى يا يمانى يا مكى است\z بو فراس آن سخنور نادر\z بود در جمع شاميان حاضر\z گفت من ميشناسمش نيكو\z زو چه پرسى بسوى من كن رو\z آن كس است اين كه مكه و بطحا\z زمزم و بو قبيس و خيف و منا\z حرم و حل و بيت و ركن حطيم\z ناودان و مقام ابراهيم\z مروه مسعى صفا حجر عرفات\z طيبه و كوفه كربلا و فرات\z هر يك آمد بقدر او عارف\z بر علو مقام او واقف\z قرة العين سيد الشهدا است\z غنچه شاخ دوحه زهرا است\z ميوه باغ احمد مختار\z لاله راغ حيدر كرار\z\E\E إلى أن قال:
\s\iُ چون هشام آن قصيده غرا\z كه فرزدق همى نمود انشا\z كرد از آغاز تا باخر گوش\z خونش اندر رگ از غضب زد جوش\z بر فرزدق گرفت حالى دق\z همچو بر مرغ خوش نوا عقعق\z ساخت بر چشم شاميان خوارش\z حبس فرمود بهر آن كارش\z اگرش چشم راست بين بودى\z راست كردار و راست دين بودى\z دست بيداد ظلم نگشادى\z جاى آن حبس خلعتش دادى\z اى بسا راست بين كه شد مبدل\z از حسد حس او شده أحول\z آنكه احول بود ز اول كار\z چون شود حالش از حسد هشدار\z\E\E أقول: في البيت الأخير و الذى قبله بسطرين اشارة إلى أن هشام كان أحول كما قلنا آنفا.
ثم أخذ في نظم ما أهدى السجاد عليه السلام إلى فرزدق و ما جرى بينهما ثم أردفه بمدح فرزدق و ختم القصيدة به فقال:
\s\iُ مستعد شد رضاى رحمان را\z مستحق شد رياض رضوان را\z ز آنكه نزديك حاكم جائر\z كرد حق را براى حق ظاهر\z\E\E أقول: البيت الأخير اشارة إلى الخبر المروى عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: أفضل الأعمال كلمة حق يقولها بين يدي امام جائر.