google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
220-240 خطبه شرح وترجمه میر حبیب الله خوئیخطبه ها شرح و ترجمه میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 236/2 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

خطبه 238 صبحی صالح

238- و من كلام له ( عليه‏ السلام  ) في شأن الحكمين و ذم أهل الشام‏

جُفَاةٌ طَغَامٌ وَ عَبِيدٌ أَقْزَامٌ جُمِعُوا مِنْ كُلِّ أَوْبٍ وَ تُلُقِّطُوا مِنْ كُلِّ شَوْبٍ مِمَّنْ يَنْبَغِي أَنْ يُفَقَّهَ وَ يُؤَدَّبَ وَ يُعَلَّمَ وَ يُدَرَّبَ وَ يُوَلَّى عَلَيْهِ وَ يُؤْخَذَ عَلَى يَدَيْهِ

لَيْسُوا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ وَ لَا مِنَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَ الْإِيمانَ‏ أَلَا وَ إِنَّ الْقَوْمَ اخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِمَّا تُحِبُّونَ وَ إِنَّكُمُ اخْتَرْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِمَّا تَكْرَهُونَ وَ إِنَّمَا عَهْدُكُمْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ بِالْأَمْسِ يَقُولُ إِنَّهَا فِتْنَةٌ فَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ وَ شِيمُوا سُيُوفَكُمْ

فَإِنْ كَانَ صَادِقاً فَقَدْ أَخْطَأَ بِمَسِيرِهِ غَيْرَ مُسْتَكْرَهٍ وَ إِنْ كَانَ كَاذِباً فَقَدْ لَزِمَتْهُ التُّهَمَةُ فَادْفَعُوا فِي صَدْرِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَ خُذُوا مَهَلَ الْأَيَّامِ وَ حُوطُوا قَوَاصِيَ الْإِسْلَامِ أَ لَا تَرَوْنَ إِلَى بِلَادِكُمْ تُغْزَى وَ إِلَى صَفَاتِكُمْ تُرْمَى

 

فائدة ادبية:

تكتب الف الوصل من «ابن» خطا فى سبعة مواضع الأول إذا اضيف إلى مضمر كقولك هذا ابنك. الثاني إذا نسب الى الاب الأعلى كقولك محمد ابن شهاب التابعى فشهاب جد جده. الثالث إذا اضيف إلى غير أبيه كقولك المقداد ابن الاسود، أبوه الحقيقى عمرو و الاسود جده و كقولك محمد ابن الحنفية فعلى عليه السلام أبوه و الحنفية امه على البيان الذي دريت الرابع إذا عدل به عن الصفة إلى الخبر كقولك اظن زيدا ابن عمرو. الخامس إذا عدل به عن الصفة إلى نحو الاستفهام كقولك هل تميم ابن عمرو. السادس إذ اثنى كقولك زيد و عمرو ابنا محمد. السابع إذا ذكرته دون اسم قبله كقولك جائنى ابن عبد الله.

و فى ما عداها تسقط الالف بين العلمين خطا كما تسقط لفظا مطلقا إلا ما اصطلح فى المطابع من انه إذا وقعت كلمة ابن أول السطر تكتب الفها مطلقا، فلنعد إلى القصة.

ثم ان عبيد الله بن عمر أرسل إلى ابن الحنفية أن اخرج إلى فقال نعم ثم خرج يمشى فبصر به أمير المؤمنين عليه السلام فقال من هذان المبارزان؟ فقيل ابن الحنفية و عبيد الله بن عمر فحرك دابته ثم نادى محمدا فوقف له فقال أمسك دابتي فامسكها ثم مشي اليه علي عليه السلام فقال أبرز لك هلم الي فقال ليست لي في مبارزتك حاجة فقال بلى فقال لا فرجع ابن عمر فاخذ ابن الحنفية يقول لأبيه يا أبت لم منعتنى من مبارزته فو الله لو تركتنى لرجوت أن أقتله فقال لو بارزته لرجوت أن تقتله و ما كنت آمن أن يقتلك فقال يا أبت أو تبرز لهذا الفاسق و الله لو أبوه سألك المبارزة لرغبت بك عنه فقال علي عليه السلام يا بنى لا تقل فيه إلا خيرا.

ثم إن الناس تجاجزوا و تراجعوا قال المسعودى: فاقتتلوا في ذلك اليوم و كانت على أهل الشام و نجا ابن عمر في آخر النهار هربا.

أقول إنما لحق عبيد الله بن عمر بمعاوية خوفا من علي عليه السلام أن يقيده بالهرمزان و ذلك أن ابا لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة قاتل عمر كان فى أرض العجم غلاما للهرمزان فلما قتل عمر شد عبيد الله على الهرمزان فقتله و كذلك قتل جفينة و ابنة أبي لؤلؤة و قال لا أترك بالمدينة فارسيا و لا في غيرها إلا قتلته و كان الهرمزان عليلا في الوقت الذي قتل فيه عمر فلما صارت الخلافة إلى على عليه السلام اراد قتل عبيد الله ابن عمر بالهرمزان لقتله إياه ظلما من غير سبب استحقه فلجأ إلى معاوية.

و فى تاريخ الطبرى لما بويع لعثمان بالخلافة دعا عبيد الله بن عمرو كان محبوسا في دار سعد بن أبي وقاص و هو الذي نزع السيف من يده بعد قتله جفينة و الهرمزان و ابنة أبي لؤلؤة و كان يقول و الله لأقتلن رجالا ممن شرك في دم أبي يعرض بالمهاجرين و الأنصار فقام اليه سعد فنزع السيف من يده و جذب شعره حتى أضجعه إلى الأرض و حبسه في داره حتى أخرجه عثمان اليه فقال عثمان لجماعة من المهاجرين و الأنصار أشيروا على فى هذا الذى فتق فى الأسلام ما فتق «يعنى به عبيد الله بن عمر» فقال علي عليه السلام أرى أن تقتله فقال بعض المهاجرين قتل عمر امس و يقتل ابنه اليوم فقال عمرو بن العاص يا أمير المؤمنين إن الله قد أعفاك أن يكون هذا الحدث كان و لك على المسلمين سلطان انما كان هذا الحدث و لا سلطان لك. قال عثمان أنا وليهم و قد جعلتها دية و احتملتها فى مالى.

و قال الطبرى باسناده إن عبد الرحمن بن أبى بكر قال غداة طعن عمر مررت على أبي لؤلؤة عشي أمس و معه جفينة و الهرمزان و هم نجى فلما رهقتهم ثاروا و سقط منهم خنجر له رأسان نصابه فى وسطه فانظروا بأي شي‏ء قتل و قد تخلل أهل المسجد و خرج في طلبه رجل من بني تميم فرجع إليهم التميمي و قد كان ألظ بأبي لؤلؤة منصرفه عن عمر حتي أخذه فقتله و جاء بالخنجر الذى وصف عبد الرحمن بن أبي بكر فسمع بذلك عبيد الله بن عمر فأمسك حتى مات عمر ثم اشتمل على السيف فأتى الهرمزان فقتله فلما عضه السيف قال لا إله إلا الله ثم مضى حتى أتى جفينة و كان نصرانيا من أهل الحيرة ظئرا لسعد بن مالك أقدمه إلى المدينة للصلح الذي بينه و بينهم و ليعلم بالمدينة الكتابة فلما علاه بالسيف صلب بين عينيه و بلغ ذلك صهيبا فبعث‏ إليه عمرو بن العاص فلم يزل به و عنه و يقول السيف بأبى و امى حتى ناوله إياه و ثاوره سعد فأخذ بشعره و جاءوا إلى صهيب.

و قال كتب إلى السرى عن شعيب عن سيف عن أبي منصور قال سمعت القماذبان يحدث عن قتل أبيه الهرمزان قال كانت العجم بالمدينة يستروح بعضها إلى بعض فمر فيروز «و هو أبو لؤلؤة» بأبى و معه خنجر له رأسان فتناوله منه و قال ما تصنع بهذا فى هذه البلاد فقال أبس به فرآه رجل فلما اصيب عمر قال رأيت هذا مع الهرمزان دفعه إلى فيروز فأقبل عبيد الله فقتله فلما ولى عثمان دعانى فأمكننى منه ثم قال يا بنى هذا قاتل أبيك و أنت اولى به منا فاذهب فاقتله فخرجت به و ما فى الأرض أحد إلا معى إلا أنهم يطلبون إلى فيه فقلت لهم ألى قتله؟ قالوا نعم و سبوا عبيد الله فقلت أفلكم أن تمنعوه؟ قالوا لا و سبوه فتركته لله و لهم فاحتملونى فو الله ما بلغت المنزل إلا على رءوس الرجال و أكفهم.

و فى البحار كما فى السفينة: عبيد الله بن عمر قتل هرمزان مولى على عليه السلام فأراد على عليه السلام قتله فامتنع عثمان من تسليمه فلما صارت الخلافة لعلى عليه السلام لحق عبيد الله بمعاوية و قتل بصفين.

و فيه أيضا قال ابن الأثير فى الكامل و ابن عبد البر فى الاستيعاب و صاحب روضة الأحباب و كثير من أرباب السير: قتل عبيد الله بن عمر بأبيه ابنة أبى لؤلؤة و قتل جفينة و الهرمزان و اشار على على عثمان بقتله بهم فأبى.

و قال ابن أبى جمهور الاحسائى فى المجلى: و من قوادح عثمان قصة قتل الهرمزان و ذلك ان الهرمزان كان من عظماء فارس و كان قد اسر فى بعض الغزوات و جي‏ء به إلى المدينة فأخذه على عليه السلام فاسلم على يديه فاعتقه على عليه السلام و كان عمر قد منعه من قسمة الفى‏ء فلم يعطه منه شي‏ء بسبب ميله الى على عليه السلام فلما ضرب عمر فى غلس الصبح و اشتبه الأمر فى ضاربه سمع ابنه عبيد الله قوم يقولون قتله العلج فظن أنهم يعنون الهرمزان فبادر عبيد الله اليه فقتله قبل أن يموت عمر فسمع عمر بما فعله ابنه فقال قد أخطأ عبيد الله إن الذى ضربنى أبو لؤلؤة و ان عشت لأقيدنه به فان عليا عليه السلام لا يقبل منه الدية و هو موليه.

فلما مات عمر و تولى عثمان طالبه على عليه السلام بقود عبيد الله و قال انه قتل مولاى ظلما و أنا وليه فقال عثمان قتل بالأمس عمرو اليوم تقتل ابنه حسب آل عمر مصابهم به و امتنع من تسليمه إلى على عليه السلام و منع عليا حقه ظلما و عدوانا و لهذا قال على عليه السلام لئن أمكننى الدهر منه يوما لأقتلنه به.

فلما ولى على عليه السلام هرب عبيد الله منه إلى الشام و التجأ إلى معاوية و خرج معه إلى حرب صفين فقتله على عليه السلام فى حرب صفين.

فانظر إلى عثمان كيف عطل حق على عليه السلام و خالف الكتاب و السنة برأيه و الله تعالى يقول‏ و من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا انتهى كلامه.

و لا يخفى على البصير في احكام خاتم النبيين و العارف بشريعة سيد المرسلين ان القصاص يجب أن يكون بمثل ما عمل من الجنس و المقدار و الصفة لانه دين عدل ليقوم الناس بالقسط فلا يجوز معاقبة أحد على وجه المجازاة بأكثر ما جنى. قال عز من قائل‏ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم‏ (البقرة الاية 192).

و قال عز من قائل: و إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به‏ (النحل الاية 128).

قال ابن هشام في السيرة في قتلي احد و تمثيل هند بنت عتبة زوج أبي سفيان بحمزة بن عبد المطلب اسد الله و اسد رسوله رضوان الله عليه:

إن هندا و النسوة اللاتي معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله يجد عن الاذان و الانف حتى اتخذت هند من آذان الرجال و انفهم خدما و قلائد و اعطت خدمها و قلائدها و قرطها وحشيا غلام جبير بن مطعم قاتل حمزة رضوان الله عليه و بقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها، إلى أن قال:

و خرج رسول الله صلى الله عليه و آله يلتمس حمزة بن عبد المطلب فوجده ببطن الوادى قد بقر بطنه عن كبده و مثل به فجدع أنفه و اذناه، إلى أن قال:

قال رسول الله صلى الله عليه و آله حين رأى ما رأى و لئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لامثلن بثلاثين رجلا منهم فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه و آله و غيظه على من فعل بعمه ما فعل قالوا و الله لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلن‏ بهم مثلة لم يمثلها احد من العرب، إلى أن قال:إن الله عز و جل أنزل في ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه و آله و قول أصحابه‏ و إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به و لئن صبرتم لهو خير للصابرين و اصبر و ما صبرك إلا بالله و لا تحزن عليهم و لا تك في ضيق مما يمكرون‏ فعفا رسول الله صلى الله عليه و آله و صبر و نهى عن المثلة.

و في مجمع البيان: قال المسلمون لئن أمكننا الله منهم لنمثلن بالأحياء فضلا عن الأموات فنزلت الاية. و قيل إن الاية عامة في كل ظلم كغصب أو نحوه فانما يجازى بمثل ما عمل.

و في تفسير الصافى للفيض (ره) و عن النبي صلى الله عليه و آله انه قال يوم احد من له علم بعمى حمزة فقال الحرث الصمت أنا أعرف موضعه فجاء حتى وقف على حمزة فكره أن يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه و آله فيخبره فقال رسول الله صلى الله عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السلام يا على اطلب عمك فجاء على عليه السلام فوقف على حمزة فكره أن يرجع إليه فجاء رسول الله صلى الله عليه و آله حتى وقف عليه فلما رأى ما فعل به بكى ثم قال ما وقفت موقفا قط اغيظ على من هذا المكان لئن أمكننى الله من قريش لامثلن سبعين رجلا منهم فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال و ان عاقبتم الاية.

و العياشى عن الصادق عليه السلام لما رأي رسول الله صلى الله عليه و آله ما صنع بحمزة بن عبد المطلب قال اللهم لك الحمد و اليك المشتكى و انك المستعان على ما نرى ثم قال لئن ظفرت لامثلن و امثلن قال فانزل الله و إن عاقبتم الاية.

و بالجملة و عبيد الله بن عمر لم يكن في قتل الهرمزان و جفينة و ابنة أبي لؤلؤة بمصاب و ما عمله إلا التجاوز عن النهج القويم و المخالف عن الكتاب الكريم و عليه أن يعاقب أبا لؤلؤة بمثل ما عوقب به فقط مع أن فيروز أبا لؤلؤة لما طعن عمر نحر نفسه وقتئذ أيضا كما قال المسعودى في مروج الذهب: أخذ خنجرا فاشتمل عليه ثم قعد لعمر في زاوية من زوايا المسجد في الغلس و كان عمر يخرج في السحر فيوقظ الناس فمر به فثار إليه فطعنه ثلاث طعنات إحداهن تحت سرته و هي‏ التي قتلته و طعن إثنى عشر رجلا من أهل المسجد فمات منهم ستة و بقي ستة و نحر نفسه بخنجره فمات فأني لابن عمر أن يقتل غير واحد من الناس.

قال الطبرى: و كان رجل من الأنصار يقال له زياد بن لبيد البياضي إذا رأى عبيد الله بن عمر قال:

الا يا عبيد الله مالك مهرب‏و لا ملجأ من ابن أروى و لا خفر
اصبت دما و الله في غير حله‏حراما و قتل الهرمزان له خطر
على غير شي‏ء غير أن قال قائل‏أ تتهمون الهرمزان على عمر
فقال سفيه و الحوادث جمةنعم أتهمه قد أشار و قد أمر
و كان سلاح العبد في جوب بيته‏يقلبها و الأمر بالأمر يعتبر

فشكا عبيد الله بن عمر إلى عثمان زياد بن لبيد و شعره فدعا عثمان زياد بن لبيد فنهاه فأنشأ زياد يقول في عثمان:

أبا عمرو عبيد الله رهن‏فلا تشكك بقتل الهرمزان‏
فانك إن غفرت الجرم عنه‏و أسباب الخطا فرسا رهان‏
أ تعفو إذ عفوت بغير حق‏فمالك بالذي تحكى يدان‏

فدعا عثمان زياد بن لبيد فنهاه و شذبه.

ثم إن الهرمزان كان ملك فارس و فى تاريخ الطبرى كان الهرمزان أحد البيوتات السبعة في أهل فارس و كانت أمته مهر جان قذق و كور الأهواز فهولاء بيوتات دون سائر أهل فارس، و الهرمزان انهزم في خلافة عمر من المسلمين غير مرة و نقض العهد كل مرة و حارب المسلمين إلى أن حاصره و جنده المسلمون في قلعة بتستر فأخذوه و شدوه وثاقا على التفصيل الذى ذكر في السير و التواريخ فاتوا به في المدينة عند عمر و قال له عمر ما عذرك و حجتك في انتقاضك مرة بعد مرة فقال أخاف أن تقتلني قبل أن اخبرك. قال: لا تخف ذلك و استسقى ماء فاتى به في قدح غليظ فقال لومت عطشا لم أستطع أن أشرب في مثل هذا فاتى به في إناء يرضاه فجعلت يده ترجف و قال إني أخاف أن اقتل و أنا أشرب الماء. فقال عمر لا بأس عليك حتى تشربه فأكفاه‏ فقال عمر أعيدوا عليه و لا تجمعوا عليه القتل و العطش فقال لا حاجة لي في الماء إنما اردت أن أستأمن به فقال له عمر إني قاتلك قد آمنتني. قال خدعتني إن للمخدوع في الحرب حكمه لا و الله لا او منك حتى تسلم فايقن أنه القتل أو الاسلام فأسلم ففرض له على الفين و أنزله المدينة.

و فى البحار نقلا عن المناقب كما فى سفينة البحار: أن عمر اراد قتل الهرمزان فاستسقى فاتى بقدح فجعل ترعديده فقال له فى ذلك فقال إنى خائف أن تقتلنى قبل أن أشربه فقال اشرب و لا بأس عليك فرمى القدح من يده فكسره فقال ما كنت لأشربه أبدا و قد أمنتنى فقال قاتلك الله لقد أخذت أمانا و لم اشعر به.

ثم قال و فى روايتنا أنه شكى ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام فدعا الله تعالى فصار القدح صحيحا مملوا من الماء فلما رأى الهرمزان المعجز أسلم.

و أبو لؤلؤة كان اسمه فيروز و لقبه بابا شجاع الدين و كان النهاوندى الأصل و المولد و تنوزع فى مذهبه.

قال المسعودى فى مروج الذهب: و كان عمر لا يترك احدا من العجم يدخل المدينة فكتب اليه المغيرة بن شعبة أن عندى غلاما نقاشا نجارا حدادا فيه منافع لأهل المدينة فان رأيت أن تأذن لى فى الارسال به فعلت فأذن له و قد كان المغيرة جعل عليه كل يوم درهمين و كان يدعى أبا لؤلؤة و كان مجوسيا من أهل نهاوند فلبث ما شاء الله ثم أتى عمر يشكو إليه ثقل خراجه فقال له عمر و ما تحسن من الاعمال؟

قال نقاش نجار حداد فقال له عمر ما خراجك بكثير فى كنه ما تحسن من الأعمال فمضى عنه و هو مدبر قال ثم مر بعمر يوما آخر و هو قاعد فقال له عمر ألم احدث عنك أنك تقول لو شئت أن أصنع رحا تطحن بالريح لفعلت؟ فقال أبو لؤلؤة لأصنعن لك رحا يتحدث الناس بها و مضى أبو لؤلؤة. فقال أما العلج فقد توعدنى آنفا فلما أزمع بالذى أوعد به أخذ خنجرا فاشتمل عليه ثم قعد لعمر فى زاوية من زوايا المسجد إلى آخر ما نقلناه عنه آنفا.

و في سفينة البحار: الذي رأيت في بعض الكتب أن أبا لؤلؤة كان غلام المغيرة ابن شعبة اسمه الفيروز الفارسى اصله من نهاوند فأسرته الروم و اسره المسلمون من الروم و لذلك لما قدم سبى نهاوند إلى المدينة فى السنة الحادية و العشرين كان أبو لؤلؤة لا يلقى منهم صغيرا إلا مسح رأسه و بكى و قال له اكل رمع كبدى و ذلك لأن الرجل «يعنى به عمر» وضع عليه من الخراج كل يوم درهمين فثقل عليه الامر فأتى إليه فقال له الرجل «اى عمر» ليس بكثير في حقك فاني سمعت عنك أنك لواردت أن تدير الرحى بالريح لقدرت على ذلك فقال أبو لؤلؤة لاديرن لك رحى لا تسكن إلى يوم القيامة، فقال إن العبد قد أوعد و لو كنت اقتل أحدا بالتهمة لقتلته و في خبر آخر قال له أبو لؤلؤة لأعملن لك رحي يتحدث بها من بالمشرق و المغرب ثم انه قتله بعد ذلك.

ثم نقل عن بعض الاعلام: أن فيروز هذا قد كان من أكابر المسلمين و المجاهدين بل من خلص اتباع أمير المؤمنين عليه السلام و كان أخا لذكوان و هو أبو أبي الزناد عبد الله ابن ذكوان عالم أهل المدينة بالحساب و الفرائض و النحو و الشعر و الحديث و الفقه فراجع الاستيعاب.

و قال الذهبي في كتابه المختصر في الرجال: عبد الله بن ذكوان أبو عبد الرحمن هو الامام أبو الزناد المدني مولى بني امية و ذكوان هو أخو أبي لؤلؤة قاتل عمر ثقة ثبت روى عنه مالك و السفيانان مات فجأة في شهر رمضان في السنة الحادية و الثلاثين بعد المأة. ثم قال قال صاحب الرياض و هذا أجلي دليل على كون فيروز المذكور من الشيعة و حينئذ فلا اعتماد بما قاله الذهبي من أن أبا لؤلؤة كان عبدا نصرانيا لمغيرة ابن شعبة و كذا لا اعتداد بما قاله السيوطي في تاريخ الخلفاء من أن أبا لؤلؤة كان عبدا لمغيرة و يصنع الأرحاء ثم روى عن ابن عباس أن أبا لؤلؤة كان مجوسيا.

ثم إن في المقام كلام آخر و هو أن النبي صلى الله عليه و آله قد أمر باخراج مطلق الكفار من مكة و المدينة فضلا عن مسجدهما و العامة قد نقلوا ذلك و أذعنوا بصحة الخبر الوارد في ذلك الباب فاذا كان أبو لؤلؤة نصرانيا مجوسيا كيف رخصه عمر في أيام خلافته أن يدخل مدينة رسول الله صلى الله عليه و آله من غير مضايقة و لا نكير فضلا عن مسجده‏ و هذا منه إما يدل على عدم مبالاته في الدين او على عدم صحة ما نسبوه اليه و لو تنزلنا عن ذلك نقول كان أول أمره من الكفار و من مجوس بلاد نهاوند ثم تشرف بعد بدين الاسلام انتهى ما أردنا نقله من السفينة.

و هذا جملة الأقوال في قتل عبيد الله بن عمر الهرمزان و مذهب أبي لؤلؤة و سبب قتله عمرو علة لحوق عبيد الله بمعاوية.

و سيأتي ان عليا عليه السلام في الصفين نادى عبيد الله بن عمر و قال له ويحك يا ابن عمر علام تقتلني و الله لو كان أبوك حيا ما قاتلني قال اطلب بدم عثمان، قال عليه السلام أنت تطلب بدم عثمان و الله يطلب بدم الهرمزان، و لنعد إلى القصة.

اليوم الخامس‏

و اخرج علي عليه السلام في اليوم الخامس من صفر و هو يوم الاحد عبد الله بن عباس فاخرج إليه معاوية الوليد بن عقبة بن أبي معيط فاقتتلوا قتالا شديدا، و دنا ابن عباس من الوليد بن عقبة فاخذ الوليد يسب بني عبد المطلب و اخذ يقول يا ابن عباس قطعتم أرحامكم و قتلتم إمامكم «يعني به عثمان بن عفان» فكيف رأيتم الله صنع بكم لم تعطوا ما طلبتم و لم تدركوا ما أملتم و الله إن شاء الله مهلككم و ناصر عليكم، فأرسل إليه ابن عباس أن ابرز لي يا صفوان و كان صفوان لقب الوليد فأبى و قاتل ابن عباس يومئذ قتالا شديدا و غشى الناس بنفسه و كانت الغلبة لابن عباس و كان يوما صعبا.

 اليوم السادس‏

و اخرج على عليه السلام في اليوم السادس من صفر و هو يوم الاثنين سعيد بن قيس الهمداني و هو سيد همدان يومئذ فاخرج إليه معاوية ذا الكلاع فاقتتلا قتالا شديدا و كانت بينهما إلى آخر النهار و اسفرت عن قتلى و انصرف الفريقان جميعا.

اليوم السابع‏

و أخرج علي عليه السلام في اليوم السابع و هو يوم الثلاثاء الاشتر رضوان الله عليه في النخع و غيرهم فاخرج إليه معاوية حبيب بن مسلمة الفهري فكانت بينهم سجالا و صبر كلا الفريقين و تكاثروا و توافقوا للحرب و اسفرت عن قتلي منهما و الجراح في أهل الشام اعم و قال الطبرى انصرفا عند الظهر و كل غير غالب.

قال الطبري قال أبو مخنف: حدثني مالك بن أعين الجهني عن زيد بن وهب أن عليا عليه السلام قال حتى متى لا نناهض هؤلاء القوم بأجمعنا فقام في الناس عشية الثلاثاء ليلة الاربعاء بعد العصر فقال: الحمد لله الذي لا يبرم ما نقض و ما أبرم لا ينقضه الناقضون لو شاء ما اختلف إثنان من خلقه و لا تنازعت الامة في شي‏ء من أمره و لا جحد المفضول ذا الفضل فضله و قد ساقتنا و هؤلاء القوم الاقدار فلفت بيننا في هذا المكان فنحن من ربنا بمرأى و مسمع و لو شاء عجل النقمة و كان منه التغيير حتى يكذب الله الظالم و يعلم الحق أين مصيره و لكنه جعل الدنيا دار الاعمال و جعل الاخرة عنده هى دار القرار ليجزى الذين أساؤا بما عملوا و يجزى الذين أحسنوا بالحسنى ألا إنكم لاقوا القوم غدا فأطيلوا الليلة القيام و أكثروا تلاوة القرآن و سلوا الله عز و جل النصر و الصبر و القوهم بالجد و الحزم و كونوا صادقين.

ثم انصرف و وثب الناس إلى سيوفهم و رماحهم و نبالهم يصلحونها و مر بهم كعب بن جعيل التغلبي و هو يقول:

أصبحت الامة في أمر عجب‏و الملك مجموع غدا لمن غلب‏
فقلت قولا صادقا غير كذب‏إن غدا تهلك أعلام العرب‏

أقول: لما بلغت إلى قول ولي الله الأعظم و مظهره الاكمل الاتم أمير المؤمنين علي عليه السلام روحى له الفداء و نفسى له الوقاء: «فاطيلوا القيام و اكثروا تلاوة القرآن» اذكرنى قول من ربى في حجره و نشأ من عنده و الولد سر أبيه مولانا أبي عبد الله الحسين بن علي سلام الله عليه و على اعوانه و انصاره و الارواح التي حلت بفنائه: و هو كما ذكره أبو جعفر الطبرى في تاريخه و الشيخ الجليل محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفيد رحمه الله في إرشاده و غيرهما من علماء الفريقين في كتبهم مع اختلاف يسير في بعض الالفاظ:

ان عشية الخميس لتسع مضين من المحرم 61 من الهجرة نادى عمر بن‏ عمر بن سعد يا خيل الله اركبي و أبشري فركب في الناس ثم زحف نحوهم بعد صلاة العصر و حسين جالس أمام بيته محتبيا بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه و سمعت اخته زينب الصيحة فدنت من أخيها فقالت يا أخي أما تسمع الاصوات قد اقتربت فرفع الحسين عليه السلام رأسه فقال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله الساعة في المنام فقال لي إنك تروح إلينا قال فلطمت اخته وجهها و قالت يا ويلتا فقال ليس لك الويل يا اخيتي اسكنى رحمك الرحمن، ثم قال له العباس بن علي عليه السلام يا أخى أتاك القوم فنهض ثم قال يا عباس اركب بنفسي أنت يا أخى حتى تلقاهم فتقول لهم مالكم و ما بدا لكم و تسألهم عما جاء بهم فاتاهم العباس فاستقبلهم في نحو من عشرين فارسا فيهم زهير بن القين و حبيب بن مظاهر فقال لهم العباس ما بدا لكم و ما تريدون قالوا قد جاء أمر الامير بأن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو ننازلكم قال فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد الله عليه السلام فأعرض عليه ما ذكرتم فوقفوا ثم قالوا ألقه فأعلمه ذلك ثم القنا بما يقول فانصرف العباس راجعا يركض إلى الحسين عليه السلام يخبره بالخبر و وقف أصحابه يخاطبون القوم و يعظونهم و يكفونهم عن قتال الحسين عليه السلام فجاء العباس إلى الحسين عليه السلام فأخبره بما قال القوم، فقال عليه السلام ارجع إليهم فان استطعت أن تؤخرهم إلى غدوة و تدفعهم عنا العشية لعلنا نصلى لربنا الليلة و ندعوه و نستغفره فهو يعلم أنى قد كنت احب الصلاة له و تلاوة كتابه و كثرة الدعاء و الاستغفار.

و انظر ايها الاخ الكريم إلى سيرة اولياء الله كيف يلجئون إلى الله و يفزعون إليه و يدعونه و يسجدون له و يعبدونه و يستغفرونه حتى فى هزائز الامور و شدائد الاحوال، ألا بذكر الله تطمئن القلوب فهؤلاء الموحدون المتألهون الفانون فى الله شأنهم اجل و قدرهم أعظم عن أن يقاتلوا فى غير الله او ان يعملوا عملا لغير رضا الله و بذلك فليعمل العاملون و ييقظ النائمون و لنعد إلى القصة:

فلما كان من الليل خرج على عليه السلام فعبى الناس ليلته كلها حتى إذا أصبح زحف بالناس و خرج إليه معاوية فى أهل الشام فاخذ على عليه السلام يقول من هذه‏ القبيلة و من هذه القبيلة؟ فنسبت له قبائل أهل الشام حتى إذا عرفهم و رأى مراكزهم قال للازد اكفونى الازد و قال لخثعم اكفوني خثعم و أمر كل قبيلة من أهل العراق أن تكفيه اختها من أهل الشام إلا ان تكون قبيلة ليس منها بالشام أحد فيصرفها إلى قبيلة اخرى تكون بالشام ليس منهم بالعراق واحد مثل بجيلة لم يكن منهم بالشام الاعدد قليل فصرفهم إلى لخم ثم تناهض الناس يوم الاربعاء و هو اليوم الثامن من صفر فاقتتلوا قتالا شديدا نهارهم كله ثم انصرفوا عند المساء و كل غير غالب‏.

 اليوم الثامن‏

في مروج الذهب للمسعودي: و خرج في اليوم الثامن و هو يوم الأربعاء علي عليه السلام بنفسه في الصحابة من البدريين و غيرهم من المهاجرين و الانصار و ربيعة و همدان، و قال ابن عباس رأيت في هذا اليوم عليا و عليه عمامة بيضاء و كان عيينه سراجا سليط و هو يقف على طوائف الناس في مراتبهم يحثهم و يحرضهم حتى انتهى الى و أنا في كثيف من الناس فقال عليه السلام يا معشر المسلمين عموا الاصوات و اكملوا اللامة و استشعروا الخشية و اقلقوا السيوف في الاجفان قبل السلة و الحظوا الشزر و اطعنوا الهبر و نافحوا الصبا و صلوا السيف بالخطاء و النبال بالرماح و طيبوا عن أنفسكم أنفسنا فانكم بعين الله و مع ابن عم رسول الله صلى الله عليه و آله عاودوا الكر و استقبحوا الفر فانه عار في الاحقاب و نار يوم الحساب و دونكم هذا السواد الأعظم و الرواق المطنب فاضربوا نهجه فان الشيطان راكب صعيده معترض ذراعيه قد قدم للوثبة يدا و اخر للنكوص رجلا فصبرا جميلا حتى تنجلى عن وجه الحق و أنتم الأعلون و الله معكم و لن يتركم اعمالكم، و تقدم علي عليه السلام للحرب على بغلة رسول الله صلى الله عليه و آله الشهباء و خرج معاوية في عدد أهل الشام فانصرفوا عند المساء و كل غير ظافر.

أقول كلامه عليه السلام هذا مذكور في نهج البلاغة في باب الخطب مع اختلاف في بعض العبارات و الجمل و أوله في نهج البلاغة: معاشر المسلمين استشعروا الخشية و تجلببوا السكينة و عضوا على النواجذ إلى آخره و لنعد إلى القصة:

و في تاريخ الطبرى قال أبو مخنف حدثني مالك بن أعين عن زيد بن وهب الجهنى أن عليا عليه السلام خرج إليهم غداة الاربعاء فاستقبلهم فقال:

اللهم رب السقف المرفوع المحفوظ المكفوف الذي جعلته مغيضا لليل و النهار و جعلت فيه مجرى الشمس و القمر و منازل النجوم و جعلت سكانه سبطا من الملائكة لا يسأمون العبادة و رب هذه الأرض التي جعلتها قرارا للأنام و الهوام و الانعام و ما لا يحصى مما لا يرى و مما يرى من خلقك العظيم و رب الفلك التي تجرى فى البحر بما ينفع الناس و رب السحاب المسخر بين السماء و الأرض و رب البحر المسجور المحيط بالعالم و رب الجبال الرواسى التي جعلتها للأرض أوتادا و للخلق متاعا إن أظهرتنا على عدونا فجنبنا البغى و سددنا للحق و إن أظهرتهم علينا فارزقنى الشهادة و اعصم بقية أصحابى من الفتنة.

و ازدلف الناس يوم الاربعاء فاقتتلوا كأشد القتال يومهم حتى الليل لا ينصرف بعضهم عن بعض إلا للصلاة و كثرت القتلى بينهم و تحاجزوا عند الليل و كل غير غالب.

أقول: كلامه عليه السلام هذا مذكور أيضا في نهج البلاغة فى باب الخطب مع تفاوت يسير أوله: اللهم رب السقف المرفوع و الجو المكفوف الذي جعلته مغيضا لليل و النهار و مجرى للشمس و القمر إلى آخره، و لنعد إلى القصة:

اليوم التاسع‏

قال الطبري فاصبحوا من الغد غداة الخميس و هو اليوم التاسع فصلى بهم على عليه السلام غداة الخميس فغلس بالصلاة اشد التغليس، و قال أبو مخنف حدثنى عبد الرحمن ابن جندب الازدي عن أبيه قال ما رأيت عليا عليه السلام غلس بالصلاة أشد من تغليسه يومئذ.

أقول: الغلس محركة كفرس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح و فى النهاية الاثيرية انه صلى الله عليه و آله كان يصلى الصبح بغلس و التغليس: السير بغلس يقال غلسنا الماء أي وردناه بغلس و منه حديث الافاضة كنا نغلس من جمع‏ إلى منى أى نسير إليها ذلك الوقت كما في النهاية و غلسنا الصلاة إذا فعلناها بغلس فالمراد أن أمير المؤمنين عليا عليه السلام صلى بهم صلاة الصبح في ذلك اليوم فى وقت كان اقدم من سائر أيامه الماضية، فلنعد إلى القصة.

ثم بدأ أهل الشام بالخروج فلما رأى على عليه السلام و جنوده انهم اقبلوا اليهم، خرجوا اليهم بوجوههم و على ميمنتهم عبد الله بن بديل و على ميسرتهم عبد الله بن عباس و قراء أهل العراق مع ثلاثة نفر مع عمار بن ياسر و مع قيس بن سعد و مع عبد الله بن بديل و الناس على راياتهم و مراكزهم و على عليه السلام فى القلب فى أهل المدينة بين أهل الكوفة و أهل البصرة و عظم من معه من أهل المدينة الانصار و معه من خزاعة عدد حسن و من كنانة و غيرهم من أهل المدينة ثم زحف اليهم بالناس.

و رفع معاوية قبة عظيمة قد ألقى عليها الكرابيس و بايعه عظم الناس من أهل الشام على الموت و بعث خيل أهل دمشق فاحتاطت بقبته و زحف عبد الله بن بديل في الميمنة نحو حبيب بن مسلمة فلم يزل يحوزه و يكشف خيله من الميسرة حتى اضطرهم إلى قبة معاوية عند الظهر.

قال أبو مخنف حدثني مالك بن اعين عن زيد بن وهب الجهنى أن ابن بديل قام في أصحابه فقال: ألا إن معاوية ادعى ما ليس أهله و نازع هذا الأمر من ليس مثله و جادل بالباطل ليدحض به الحق وصال عليكم بالاعراب و الأحزاب قد زين لهم الضلالة و زرع في قلوبهم حب الفتنة و لبس عليهم الأمر و زادهم رجسا إلى رجسهم و أنتم على نور من ربكم و برهان مبين فقاتلوا الطغاة الجفاة و لا تخشوهم فكيف تخشونهم و فى أيديكم كتاب الله عز و جل طاهرا مبرورا أ تخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم و يخزهم و ينصركم عليهم و يشف صدور قوم مؤمنين‏ و قد قاتلناهم مع النبي صلى الله عليه و آله مرة و هذه ثانية و الله ما هم في هذه بأتقى و لا ازكى و لا أرشد قوموا إلى عدوكم بارك الله عليكم فقاتل قتالا شديدا هو و أصحابه.

قال أبو مخنف حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصارى عن أبيه و مولى له أن عليا عليه السلام حرض الناس يوم صفين فقال إن الله عز و جل قد دلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم تشفى بكم على الخير الايمان بالله عز و جل و برسوله صلى الله عليه و آله و الجهاد في سبيل الله تعالى ذكره و جعل ثوابه مغفرة الذنب و مساكن طيبة في جنات عدن ثم أخبركم أنه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص فسووا صفوفكم كالبيان المرصوص و قدموا الدارع و أخر و الحاسر و عضوا على الأضراس فانه أبنا للسيوف عن الهام و التووا في اطراف الرماح فانه اصون للأسنة و غضوا الابصار فانه اربط للجاش و اسكن للقلوب و اميتوا الأصوات فانه اطرد للفشل و اولى بالوقار، راياتكم فلا تميلوها و لا تزيلوها و لا تجعلوها إلا بايدى شجعانكم فان المانع للذمار و الصابر عند نزول الحقائق هم أهل الحفاظ الذين يحفون براياتهم و يكنفونها يضربون حفافيها خلفها و امامها و لا يضعونها اجزأ امرؤ و قد قرنه رحمكم الله و آسى أخاه بنفسه و لم يكل قرنه إلى أخيه فيكسب بذلك لائمة و يأتي به دناءة و أني لا يكون هذا هكذا و هذا يقاتل اثنين و هذا ممسك بيده يدخل قرنه على اخيه هاربا منه او قائما ينظر اليه من يفعل هذا يمقته الله عز و جل فلا تعرضوا لمقت الله سبحانه فانما مردكم الى الله قال الله عز من قائل لقوم «لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت او القتل و إذا لا تمتعون إلا قليلا» و ايم الله لئن سئلتم «سلمتم ظ» من سيف العاجلة لا تسلمون من سيف الاخرة استعينوا بالصدق و الصبر فان بعد الصبر ينزل الله النصر.

أقول كلامه عليه السلام هذا مذكور في نهج البلاغة في باب الخطب مع اختلاف في الكم و بعض الالفاظ و الجمل و اوله: فقدموا الدارع و أخروا الحاسر و عضوا على الاضراس فانه ابنا للسيوف إلى آخره و لنعد إلى القصة:

قال المسعودى في مروج الذهب: و خرج في اليوم التاسع على و هوم يوم الخميس و خرج معاوية فاقتتلوا إلى ضحوة من النهار و برز أمام الناس عبيد الله بن عمر ابن الخطاب في أربعة آلاف من الحضرية معممين بشق الحرير الاخضر متقدمين للموت يطلبون بدم عثمان و ابن عمر يقدمهم و هو يقول:

أنا عبيد الله ينميني عمرخير قريش من مضي و من غبر
غير نبي الله و الشيخ الأغرقد أبطأت في نصر عثمان مضر
و الربعيون فلا أسقوا المطر

فناداه على ويحك يا ابن عمر علام تقاتلنى و الله لو كان أبوك حيا ما قاتلني.

قال: أطلب بدم عثمان. قال عليه السلام أنت تطلب بدم عثمان و الله يطلبك بدم الهرمزان.

و أمر على عليه السلام الأشتر النخعي بالخروج اليه فخرج الاشتر اليه و هو يقول:

إني أنا الأشتر معروف السيرإنى أنا الأفعى العراقى الذكر
لست من الحى ربيع او مضرلكننى من مذحج البيض الغرر

فانصرف عنه عبيد الله و لم يبارزه و كثرت القتلى يومئذ قال الطبرى: قال أبو مخنف حدثنى أبو روق الهمدانى أن يزيد بن قيس الأرحبى حرض الناس فقال إن المسلم السليم من سلم دينه و رأيه و إن هولاء القوم و الله إن يقاتلوننا على إقامة دين رأونا ضيعناه و إحياء حق رأونا أمتناه و إن يقاتلوننا إلا على هذه الدنيا ليكونوا جبابرة فيها ملوكا فلو ظهروا عليكم لا أراهم الله ظهورا و لا سرورا لزموكم بمثل سعيد و الوليد و عبد الله بن عامر السفيه الضال يجيز أحدهم في مجلسه بمثل ديته و دية ابيه و جده يقول هذا لى و لا إثم على كأنما اعطى تراثه عن أبيه و امه و إنما هو مال الله عز و جل أفاءه علينا بأسيافنا و أرماحنا فقاتلوا عباد الله القوم الظالمين الحاكمين بغير ما أنزل الله و لا يأخذكم فى جهادهم لوم لائم فانهم إن يظهروا عليكم يفسدوا عليكم دينكم و دنياكم و هم من قد عرفتم و خبرتم و أيم الله ما ازدادوا إلى يومهم هذا إلا شرا.

و قاتلهم عبد الله بن بديل فى الميمنة قتالا شديدا حتى انتهى إلى قبة معاوية.

ثم إن الذين تبايعوا معاوية على الموت اقبلوا إلى معاوية فامرهم أن يصمدوا لابن بديل فى الميمنة و بعث معاوية إلى حبيب بن مسلمة الفهرى فى الميسرة فحمل بهم و بمن كان معه على ميمنة الناس فهزمهم و انكشف أهل العراق من قبل الميمنة حتى لم يبق منهم إلا ابن بديل فى مأتين أو ثلاثمأة من القراء قد أسند بعضهم ظهره إلى‏ بعض و انجفل الناس فأمر على عليه السلام سهل بن حنيف فاستقدم فيمن كان معه من أهل المدينة فاستقبلهم جموع لأهل الشام عظيمة فاحتملتهم حتى ألحقتهم بالميمنة و كان فى الميمنة إلى موقف على عليه السلام فى القلب أهل اليمن فلما كشفوا انتهت الهزيمة إلى على عليه السلام فانصرف يتمشى نحو الميسرة فانكشفت عنه مضر من الميسرة و ثبتت ربيعة.

قال أبو مخنف حدثنى مالك بن أعين الجهنى عن زيد بن وهب الجهنى قال مر على عليه السلام معه بنوه نحو الميسرة و إنى لأرى النبل يمر بين عاتقه و منكبه و ما من بنيه أحد إلا يقيه بنفسه فيتقدم فيحول بين أهل الشام و بينه فيأخذه بيده إذا فعل ذلك فيلقيه بين يديه او من ورائه فبصر به أحمر مولى أبى سفيان او عثمان أو بعض بنى امية فقال و رب الكعبة قتلنى الله إن لم أقتلك أو تقتلنى فأقبل نحوه فخرج اليه كيسان مولى على عليه السلام فاختلفا ضربتين فقتله مولى بنى امية، و ينتهزه على عليه السلام فيقع بيده فى جيب درعه فيجذبه ثم حمله على عاتقه فكأنى أنظر إلى رجيلتيه تختلفان على عنق على عليه السلام ثم ضرب به الأرض فكسر منكبه و عضديه و شدا ابنا على عليه السلام عليه حسين عليه السلام و محمد فضرباه بأسيافهما فكأنى أنظر إلى على عليه السلام قائما و إلى شبيله يضربان الرجل حتى إذا قتلاه و اقبلا إلى أبيهما و الحسن عليه السلام قائما، قال له يا بني ما منعك أن تفعل كما فعل أخواك؟ قال كفيانى يا أمير المؤمنين.

ثم إن أهل الشام دنوا منه و والله ما يزيده قربهم منه سرعة في مشيه فقال له الحسن عليه السلام ما ضرك لو سعيت حتى تنتهى إلى هؤلاء الذين قد صبروا لعدوك من أصحابك؟ فقال يا بني إن لأبيك يوما لن يعدوه و لا يبطى‏ء به عنه السعي و لا يعجل به إليه المشي إن أباك و الله ما يبالي أوقع على الموت أو وقع الموت عليه.

قال أبو مخنف حدثني فضيل بن خديج السكندي عن مولى للأشتر قال لما انهزمت ميمنة العراق و أقبل علي عليه السلام نحو الميسرة مر به الأشتر يركض نحو الفزع قبل الميمنة. فقال له علي عليه السلام يا مالك قال لبيك قال ائت هؤلاء القوم فقل لهم أين فراركم من الموت الذى لن تعجزوه إلى الحياة التي لن تبقي لكم فمضي فاستقبل الناس منهزمين فقال لهم هذه الكلمات التي قالها له علي عليه السلام.

و قال إلي أيها الناس أنا مالك بن الحارث أنا مالك بن الحارث، ثم ظن أنه بالأشتر أعرف في الناس فقال أنا الأشتر إلى أيها الناس فأقبلت إليه طائفة و ذهبت عنه طائفة فنادى أيها الناس عضضتم بهن آباءكم ما أقبح ما قاتلتم منذ اليوم أيها الناس أخلصوا إلى مذحجا فاقبلت إليه مذحج فقال عضضتم بصم الجندل ما أرضيتم ربكم و لا نصحتم له في عدوكم و كيف بذلك و أنتم أبناء الحروب و أصحاب الغارات و فتيان الصباح و فرسان الطراد و حتوف الاقران و مذحج الطعان الذين لم يكونوا يسبقون بثارهم و لا تطل دماؤهم و لا يعرفون في موطن بخسف و أنتم حد أهل مصركم و أعد حي في قومكم و ما تفعلوا في هذا اليوم فانه مأثور بعد اليوم فاتقوا مأثور بعد اليوم فاتقوا مأثور الأحاديث في غد و اصدقوا عدوكم اللقاء فإن الله مع الصادقين و الذي نفس مالك بيده ما من هؤلاء- و أشار بيده إلى أهل الشام- رجل على مثال جناح بعوضة من محمد صلى الله عليه و آله أنتم ما أحسنتم القراع اجلوا سواد وجهي يرجع في وجهي دمي عليكم بهذا السواد الاعظم فإن الله عز و جل لو قد فضه تبعه من بجانبيه كما يتبع مؤخر السيل مقدمه قالوا خذ بنا حيث احببت و صمد نحو عظمهم فيما يلي الميمنة فأخذ يزحف إليهم و يردهم و يستقبله شباب من همدان و كانوا ثمانمائة مقاتل يومئذ و قد انهزموا آخر الناس و كانوا قد صبروا في الميمنة حتى اصيب منهم ثمانون و مأئة رجل و قتل منهم أحد عشر رئيسا كلما قتل منهم رجل أخذ الراية آخر فكان الأول كريب بن شريح ثم شرحبيل ابن شريح ثم مرثد بن شريح ثم هبيرة بن شريح ثم يريم بن شريح ثم سمير بن شريح فقتل هؤلاء الاخوة الستة جميعا ثم أخذ الراية سفيان بن زيد ثم عبد بن زيد ثم كريم بن زيد فقتل هؤلاء الاخوة الثلاثة جميعا ثم أخذ الراية عمير بن بشير ثم الحارث بن بشير فقتلا ثم أخذ الراية وهب بن كريب أخو القلوص فأراد أن يستقبل فقال له رجل من قومه انصرف بهذه الراية رحمك الله فقد قتل أشراف قومك حولها فلا تقتل نفسك و لا من بقي من قومك فانصرفوا و هم يقولون ليت لنا عدتنا من العرب يحالفوننا على الموت ثم نستقدم نحن و هم فلا ننصرف حتى نقتل أو نظفر فمروا بالأشتر و هم يقولون هذا القول فقال لهم الأشتر إلى أنا احالفكم و اعاقدكم‏ على أن لا نرجع أبدا حتى نظفر أو نهلك فأتوه فوقفوا معه.

و زحف الأشتر نحو الميمنة و ثاب اليه ناس تراجعوا من أهل الصبر و الحياء و الوفاء فأخذ لا يصمد لكتيبة إلا كشفها و لا لجمع الاحازه و رده فانه لذلك إذ مر بزياد بن النضر يحمل إلى العسكر فقال من هذا فقيل زياد بن النضر استلحم عبد الله ابن بديل و أصحابه في الميمنة فتقدم زياد فرفع لأهل الميمنة رايته فصبروا و قاتل حتى صرع ثم لم يمكثوا إلا كلا شي‏ء حتى مر بيزيد بن قيس الأرحبى محمولا نحو العسكر فقال الأشتر من هذا فقالوا يزيد بن قيس لما صرع زياد بن النضر رفع لأهل الميمنة رايته فقاتل حتى صرع فقال الأشتر هذا و الله الصبر الجميل و الفعل الكريم ألا يستحى الرجل أن ينصرف لا يقتل و لا يقتل او يشفي به على القتل.

قال أبو مخنف حدثني أبو جناب الكلبي عن الحر بن الصياح النخعي أن الأشتر يومئذ كان يقاتل على فرس له في يده صفيحة يمانية إذا طأطأها خلت فيها ماء منصبا و إذا رفعها كاد يغشى البصر شعاعها و جعل يضرب بسيفه و يقول: الغمرات ثم ينجلينا. قال فبصر به الحارث بن جمهان الجعفي و الأشتر متقنع فى الحديد فلم يعرفه فدنا منه فقال له جزاك الله خيرا منذ اليوم عن أمير المؤمنين و جماعة المسلمين فعرفه الأشتر فقال ابن جمهان فعرفه فكان من اعظم الرجال و أطوله و كان في لحيته حفها قليلا فقال جعلت فداك لا و الله ما علمت بمكانك إلا الساعة و لا افارقك حتى اموت. قال و رآه منقذ و حمير ابنا قيس الناعطيان فقال منقذ لحمير ما فى العرب مثل هذا إن كان ما أرى من قتاله فقال له حمير و هل النية إلا ما تراه يصنع قال إني اخاف أن يكون يحاول ملكا.

قال أبو مخنف حدثني فضيل بن خديج عن مولى للأشتر أنه لما اجتمع اليه عظم من كان انهزم عن الميمنة حرضهم ثم قال عضوا على النواجذ من الأضراس و استقبلوا القوم بهامكم و شدوا شدة قوم موتورين ثأرا بابائهم و إخوانهم حناقا على عدوهم قد وطنوا على الموت انفسهم كيلا يسبقوا بوتر و لا يلحقوا في الدنيا عارا و أيم الله ما وتر قوم قط بشى‏ء أشد عليهم من أن يوتروا دينهم و إن هؤلاء القوم لا يقاتلونكم‏ إلا عن دينكم ليميتوا السنة و يحيوا البدعة و يعيدوكم في ضلالة قد أخرجكم الله عز و جل منها بحسن البصيرة فطيبوا عباد الله أنفسا بدمائكم دون دينكم فإن ثوابكم على الله و الله عنده جنات النعيم و إن الفرار من الزحف فيه السلب للعز و الغلبة على الفى‏ء و ذل المحيا و الممات و عار الدنيا و الاخرة و حمل عليهم حتى كشفهم فألحقهم بصفوف معاوية بين صلاة العصر و المغرب و انتهى إلى عبد الله بن بديل و هو فى عصبة من القراء بين المأتين و الثلاثمأة و قد لصقوا بالأرض كأنهم جثا فكشف عنهم أهل الشام فأبصروا إخوانهم قد دنوا منهم فقالوا ما فعل أمير المؤمنين قالوا حى صالح فى الميسرة يقاتل الناس أمامه، فقالوا الحمد لله قد كنا ظننا أن قد هلك و هلكتم.

و قال عبد الله بن بديل لأصحابه استقدموا بنا فأرسل الأشتر اليه أن لا تفعل اثبت مع الناس فقاتل فانه خير لهم و أبقى لك و لاصحابك فأبى فمضى كما هو نحو معاوية و حوله كأمثال الجبال و فى يده سيفان و قد خرج فهو امام أصحابه فأخذ كلما دنا منه رجل ضربه فقتله حتى قتل سبعة و دنا من معاوية فنهض اليه الناس من كل جانب و احيط به و بطائفة من أصحابه فقاتل حتى قتل و قتل ناس من أصحابه و رجعت طائفة قد خرجوا منهزمين فبعث الأشتر ابن جمهان الجعفى فحمل على أهل الشام الذين يتبعون من نجا من أصحاب ابن بديل حتى نفسوا عنهم و انتهوا إلى الأشتر فقال لهم ألم يكن رأيى لكم خير من رأيكم لأنفسكم ألم آمركم أن تثبتوا مع الناس و كان معاوية قال لابن بديل و هو يضرب قدما أ ترونه كبش القوم فلما قتل أرسل اليه فقال انظروا من هو فنظر اليه ناس من أهل الشام فقالوا لا نعرفه فأقبل اليه حتى وقف عليه فقال بلى هذا عبد الله بن بديل و الله لو استطاعت نساء خزاعة أن تقاتلنا فضلا على رجالها لفعلت مدوه فمدوه فقال هذا و الله كما قال الشاعر:

أخو الحرب إن عضت به الحرب عضهاو إن شمرت يوما به الحرب شمرا

و البيت لحاتم طيى‏ء، و أن الأشتر زحف اليهم فاستقبله معاوية بعك و الأشعرين فقال الأشتر لمذجح اكفونا عكا و وقف فى همدان و قال لكندة اكفونا الأشعرين فاقتتلوا قتالا شديدا و أخذ يخرج إلى قومه فيقول إنما هم عك فاحملوا عليهم فيجثون‏ على الركب و يرتجزون:

يا ويل ام مذحج من عك‏هاتيك ام مذحج تبكى‏

فقاتلوهم حتى المساء ثم إنه قاتلهم فى همدان و ناس من طوائف الناس فحمل عليهم فأزالهم عن مواقفهم حتى ألحقهم بالصفوف الخمسة المعقلة بالعمائم حول معاوية ثم شد عليهم شدة اخرى فصرع الصفوف الأربعة و كانوا معقلين بالعمائم حتى انتهوا إلى الخامس الذى حول معاوية و دعا معاوية بفرس فركب و كان يقول أردت أن أنهزم فذكرت قول ابن الأطنابة من الأنصار كان جاهليا و الأطنابة امرأة من بلقين.

أبت لى عفتى و حياء نفسى‏و إقدامى على البطل المشيح‏
و إعطائى على المكروه مالى‏و أخذى الحمد بالثمن الربيح‏
و قولى كلما جشأت و جاشت‏مكانك تحمدى او تستريحى‏

فمنعنى هذا القول من الفرار.

قال أبو مخنف حدثنى مالك بن أعين الجهنى عن زيد بن وهب أن عليا عليه السلام لما رأى ميمنته قد عادت إلى مواقفهم و مراكزهم أقبل حتى انتهى إليهم. فقال إنى قد رأيت جولتكم و انحيازكم عن صفوفكم يحوزكم الطغاة الجفاة و أعراب أهل الشام و أنتم لها ميم العرب و السنام الاعظم و عمار الليل بتلاوة القرآن و أهل دعوة الحق إذ ضل الخاطئون فلولا إقبالكم بعد إدباركم و كركم بعد انحيازكم وجب عليكم ما وجب على المولى يوم الزحف دبره و كنتم من الهالكين، و لكن هون وجدى و شفى بعض أحاح نفسى أنى رأيتكم بأخرة حزتموهم كما حازوكم و أزلتموهم عن مصافهم كما أزالوكم تحسونهم بالسيوف تركب اولاهم اخراهم كالابل المطردة فالان فاصبروا نزلت عليكم السكينة و ثبتكم الله عز و جل باليقين ليعلم المنهزم أنه مسخط ربه و موبق نفسه إن فى الفرار موجدة الله عز و جل عليه و الذل اللازم و العار الباقى و اعتصار الفى‏ء من يده و فساد العيش عليه و أن الفار منه لا يزيد في عمره و لا يرضى ربه فموت المرء محقا قبل إتيان هذه الخصال خير من الرضا بالتأنيس لها و الاقرار عليها.

قال الطبري: قال أبو مخنف حدثنا عبد السلام بن عبد الله بن جابر الأحمسى‏ أن راية بجيلة بصفين كانت في أحمس بن الغوث بن أنما رمع أبى شداد و هو قيس بن مكشوح بن هلال بن الحارث بن عمرو بن جابر بن علي بن اسلم بن احمس بن الغوث و قال له بجيلة خذ رايتنا فقال غيرى لكم منى قالوا ما نريد غيرك قال و الله لئن أعطيتمونيها لا أنتهى بكم دون صاحب الترس المذهب قالوا اصنع ما شئت فاخذها ثم زحف حتى انتهى بهم إلى صاحب الترس المذهب و كان فى جماعة عظيمة من أصحاب معاوية و ذكروا أنه عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومى فاقتتل الناس هنالك قتالا شديدا فشد بسيفه نحو صاحب الترس فتعرض له رومى مولى لمعاوية فيضرب قدم أبى شداد فيقطها و يضربه أبو شداد فيقتله و اشرعت اليه الأسنة فقتل و أخذ الراية عبد الله بن قلع الاحمسى و هو يقول:

لا يبعد الله أبا شدادحيث أجاب دعوة المنادى‏
و شد بالسيف على الأعادى‏نعم الفتى كان لدى الطراد
و فى طعان الرجل و الجلاد

فقاتل حتى قتل فأخذ الراية أخوه عبد الرحمن بن قلع فقاتل حتى قتل ثم أخذها عفيف بن إياس فلم تزل فى يده حتى تحاجز الناس و قتل حازم بن أبى حازم الأحمسى أخو قيس بن أبى حازم يومئذ و قتل نعيم بن صهيب بن العلية البجلى يومئذ فأتى ابن عمه و سميه نعيم بن الحارث ابن العلية معاوية و كان معه فقال إن هذا القتيل ابن عمى فهبه لى أدفنه فقال لا تدفنه فليسوا لذلك أهلا و الله ما قدرنا على دفن ابن عفان إلا سرا. قال و الله لتأذنن فى دفنه أولا لحقن بهم و لا دعنك. قال معاوية أ ترى أشياخ العرب قد أحالتهم امورهم فأنت تسألنى فى دفن ابن عمك ادفنه إن شئت او دع فدفنه.

قال أبو مخنف حدثنى الحارث بن حصيرة الأزدى عن أشياخ من النمر من الأزد أن مخنف بن سليم لما ندبت الازد للأزد حمد الله و أثنى عليه ثم قال ان من الخطأ الجليل و البلاء العظيم أنا صرفنا إلى قومنا و صرفوا إلينا و الله ما هى إلا أيدينا نقطعها بأيدينا و ما هى إلا اجنحتنا نجدها باسيافنا فان نحن لم نواس جماعتنا و لم نناصح صاحبنا كفرنا و إن نحن فعلنا فعزنا أبحنا و نارنا أخمدنا فقال له جندب بن‏ زهير و الله لو كنا آباءهم و ولدناهم أو كنا أبناءهم و ولدونا ثم خرجوا من جماعتنا و طعنوا على إمامنا و إذا هم الحاكمون بالجور على أهل ملتنا و ذمتنا ما افترقنا بعد أن اجتمعنا حتى يرجعوا عماهم عليه و يدخلوا فيما ندعوهم او تكثر القتلى بيننا و بينهم.

فقال له مخنف و كان ابن خالته عز الله بك النية أما و الله ما علمت صغيرا و كبيرا إلا مشئوما و الله ما ميلنا الرأى قط أيهما نأتي أو أيهما ندع في الجاهلية و لا بعد أن أسلمنا إلا اخترت أعسرهما و أنكدهما اللهم إن تعافى أحب الينا من أن تبتلى فاعط كل امرى‏ء منا ما يسألك و قال أبو بريدة بن عوف اللهم احكم بيننا بما هو أرضى لك يا قوم إنكم تبصرون بما يصنع الناس و إن لنا الاسوة بما عليه الجماعة إن كنا على حق و إن يكونوا صادقين فان اسوة في الشر و الله ما علمنا ضرر فى المحيا و الممات.

و تقدم جندب بن زهير فبارز رأس أزد الشام فقتله الشامي و قتل من رهطه عجل و سعد ابنا عبد الله من بني ثعلبة و قتل مع مخنف من رهطه عبد الله و خالد ابنا ثاجد و عمرو و عامر ابنا عويف و عبد الله بن الحجاج و جندب بن زهير و أبو زينب بن عوف بن الحارث و خرج عبد الله بن أبي الحصين الأزدى في القراء الذين مع عمار بن ياسر فاصيب معه.

قال أبو مخنف و حدثني الحارث بن حصيرة عن أشياخ النمر أن عقبة بن حديد النمرى قال يوم صفين ألا إن مرعي الدنيا أصبح هشيما و أصبح شجرها خضيدا و جديدها سملا و حلوها مر المذاق ألا و إني انبئكم نبأ امرى‏ء صادق إني قد سئمت الدنيا و عزفت نفسي عنها و قد كنت أتمني الشهادة و أتعرض لها في كل جيش و غارة فأبى الله عز و جل إلا أن يبلغني هذا اليوم ألا و إني متعرض لها من ساعتي هذه قد طمعت ألا احرمها فما تنتظرون عباد الله بجهاد من عادى الله خوفا من الموت القادم عليكم الذاهب بأنفسكم لا محالة أو من ضربة كف بالسيف تستبدلون الدنيا بالنظر في وجه الله عز و جل و موافقة النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين في دار القرار ما هذا بالرأى السديد.

ثم مضي فقال يا إخوتي قد بعت هذه الدار بالتي أمامها و هذا وجهى إليها لا تبرح وجوهكم و لا يقطع الله عز و جل رجاءكم فتبعه إخوته عبيد الله و عوف و مالك و قالوا لا نطلب رزق الدنيا بعدك فقبح الله العيش بعدك اللهم إنا نحتسب أنفسنا عندك‏ فاستقدموا فقاتلوا حتى قتلوا.

قال أبو مخنف حدثني ملة بن زهير النهدى عن أبي مسلم بن عبد الله الضبابي قال شهدت صفين مع الحى و معنا شمر بن ذى الجوشن الضبابي فبارزه أدهم بن محرز الباهلي فضرب أدهم وجه الشمر بالسيف و ضربه شمر ضربة لم تضرره فرجع شمر إلى رحله فشرب شربة و كان قد ظمئ ثم أخذ الرمح فأقبل و هو يقول:

إني زعيم لأخي بأهله‏بطعنة إن لم أصب عاجله‏
أو ضربة تحت القنا و الوغى‏شبيهة بالقتل أو قاتله‏

ثم حمل على أدهم فصرعه ثم قال هذه بتلك.

قال أبو مخنف حدثنى عمرو بن عوف بن مالك الجشمى أن بشر بن عصمة المزنى كان لحق بمعاوية فلما اقتتل الناس بصفين بصر بشر بن عصمة بمالك العقدية و هو مالك بن الجلاح الجشمى و لكن العقدية غلبت عليه فرآه بشر و هو يفرى في أهل الشام فريا عجيبا و كان رجلا مسلما شجاعا فغاظ بشر ما رأى منه فحمل عليه فطعنه فصرعه ثم انصرف فندم لطعنته إياه جبارا فقال:

و إنى لأرجو من مليكى تجاوزاو من صاحب الموسوم فى الصدر هاجس‏
دلفت له تحت الغبار بطعنةعلى ساعة فيها الطعان تخالس‏

فبلغت مقالته ابن العقدية فقال:

ألا أبلغا بشر بن عصمة أنني‏شغلت و ألهاني الذين امارس‏
فصادفت مني غرة و أصبتهاكذلك و الأبطال ماض و خالس‏

ثم حمل عبد الله بن الطفيل البكائي على جمع لأهل الشام فلما انصرف حمل عليه رجل من بني تميم يقال له قيس بن قرة ممن لحق بمعاوية من أهل العراق فيضع الرمح بين كتفى عبد الله بن الطفيل و يعترضه يزيد بن معاوية ابن عم عبد الله ابن الطفيل فيضع الرمح بين كتفى التميمي فقال و الله لئن طعنته لأطعننك فقال عليك عهد الله و ميثاقه لئن رفعت السنان عن ظهر صاحبك لترفعن سنانك عنى فقال له نعم لك بذلك عهد الله فرفع السنان عن ابن الطفيل و رفع يزيد السنان عن التميمي‏ فقال ممن أنت قال من بني عامر فقال له جعلنى الله فداكم أبتما إلفكم الفكم كراما و إنى لحادى عشر رجلا من أهل بيتى و رهطى قتلتموهم اليوم و أنا كنت آخرهم فلما رجع الناس إلى الكوفة عتب على يزيد بن الطفيل في بعض ما يعتب فيه الرجل على ابن عمه فقال:

ألم ترني حاميت عنك مناصحابصفين إذ خلاك كل حميم‏
و نهنهت عنك الحنظلي و قد أتى‏على سابح ذى ميعة و هزيم‏

قال أبو مخنف حدثنى فضيل بن خديج قال خرج رجل من أهل الشام يدعو إلى المبارزة فخرج إليه عبد الرحمن بن محرز الكندي ثم الطحمى فتجا و لا ساعة ثم إن عبد الرحمن حمل على الشامي فطعنه في ثغرة نحره فصرعه ثم نزل إليه فسلبه درعه و سلاحه فإذا هو حبشي فقال إنا لله لمن اخطرت نفسى لعبد أسود و خرج رجل من عك يسأل المبارزة فخرج إليه قيس بن فهدان الكناني ثم البدني فحمل عليه العكى فضربه و احتمله أصحابه فقال قيس بن فهدان:

لقد علمت عك بصفين أنناإذا التقت الخيلان نطعنها شزرا
و نحمل رايات الطعان بحقهافنوردها بيضا و نصدرها حمرا

قال أبو مخنف و حدثني فضيل بن خديج أن قيس بن فهدان كان يحرض أصحابه فيقول شدوا إذا شددتم جميعا و إذا انصرفتم فاقبلوا معا و غضوا الأبصار و أقلوا اللفظ و اعتوروا الاقران و لا يؤتين من قبلكم العرب، قال و قتل نهيك بن عزيز من بني الحارث بن عدى و عمرو بن يزيد من بني ذهل و سعيد بن عمرو و خرج قيس بن يزيد و هو ممن فر إلى معاوية من على فدعا إلى المبارزة فخرج إليه أخوه أبو العمرصة بن يزيد فتعارفا فتواقفا و انصرفا إلى الناس فأخبر كل واحد منهما أنه لقى أخاه.

قال أبو مخنف حدثني جعفر بن حذيفة من آل عامر بن جوين الطائى أن طيئا يوم صفين قاتلت قتالا شديدا فعبيت لهم جموع كثيرة فجاءهم حمزة بن مالك الهمداني فقال ممن أنتم لله أنتم؟ فقال عبد الله بن خليفة البولاني و كان شيعيا شاعرا خطيبا نحن طيى‏ء السهل و طيى‏ء الرمل و طيى‏ء الجبل الممنوع ذي النخل نحن حماة الجبلين إلى ما بين العذيب و العين نحن طيى‏ء الرماح و طيى‏ء النطاح و فرسان الصباح.

فقال حمزة بن مالك بخ بخ إنك لحسن الثناء على قومك فقال:

إن كنت لم تشعر بنجدة معشرفاقدم علينا و يب غيرك تشعر

ثم اقتتل الناس أشد القتال فأخذ يناديهم و يقول يا معشر طيى فدى لكم طار في و تالدى قاتلوا على الأحساب و أخذ يقول‏

أنا الذي كنت إذ الداعى دعامصمما بالسيف ندبا أروعا
فأنزل المستلئم المقنعاو أقتل المبالط السميدعا

و قال بشر بن العسوس الطائى ثم الملقطى:

يا طيى‏ء السهول و الأجبال‏ألا انهدوا بالبيض و الموالي‏
و بالكماة منكم الابطال‏فقارعوا أئمة الجهال‏
السالكين سبل الضلال‏

ففقئت يومئذ عين أبي العسوس فقال في ذلك:

ألا ليت عيني هذه مثل هذه‏فلم أمش في الأناس إلا بقائد
و يا ليتني لم أبق بعد مطرف‏و سعد و بعد المستنيرين خالد
فوارس لم تغذ الحواضن مثلهم‏إذا الحرب أبدت عن خدام الخرائد
و يا ليت رجلى ثم طنت بنصفهاو يا ليت كفى ثم طاحت بساعدى‏

قال أبو مخنف حدثني أبو الصلت التيمى قال حدثني أشياخ محارب أنه كان منهم رجل يقال له خنثر بن عبيدة بن خالد و كان من اشجع الناس فلما اقتتل الناس يوم صفين جعل يرى أصحابه منهزمين فأخذ ينادى يا معشر قيس إطاعة الشيطان آثر عندكم من طاعة الرحمن الفرار فيه معصية الله سبحانه و سخطه و الصبر فيه طاعة الله عز و جل و رضوانه فتختارون سخط الله تعالى على رضوانه و معصيته على طاعته فانما الراحة بعد الموت لمن مات محاسبا لنفسه و قال:

لا و ألت نفس امرى‏ء ولى الدبرانا الذي لا ينثني و لا يفر
و لا يرى مع المعازيل الغدر

فقاتل حتى ارتث ثم إنه خرج مع الخمسمائة الذين كانوا اعتزلوا مع فروة ابن نوفل الأشجعي فنزلوا بالدسكرة و البندنيجين فقاتلت النخع يومئذ قتالا شديدا فاصيب منهم يومئذ بكر بن هوذة و حيان بن هوذة و شعيب بن نعيم من بني بكر النخع و ربيعة بن مالك بن و هبيل و أبي بن قيس أخو علقمة بن قيس الفقيه و قطعت رجل علقمة يومئذ فكان يقول ما احب أن رجلى أصح ما كانت و إنها لمما أرجو به حسن الثواب من ربى عز و جل و قال لقد كنت احب أن أرى فى نومى أخى أو بعض إخوانى فرأيت أخى فى النوم فقلت يا أخى ما ذا قدمتم عليه؟ فقال لى إنا التقينا نحن و القوم فاحتججنا عند الله عز و جل فحججناهم فما سررت منذ عقلت سروري بتلك الرؤيا.

قال أبو مخنف حدثنى سويد بن حية الأسدى عن الحضين بن المنذر أن اناسا كانوا اتوا عليا عليه السلام قبل الوقعة فقالوا له إنا لا نرى خالد بن المعمر إلا قد كاتب معاوية و قد خشينا أن يتابعه فبعث إليه علي عليه السلام و إلى رجال من أشرافنا، فحمد الله و أثنى عليه ثم قال:أما بعد يا معشر ربيعة فأنتم أنصارى و مجيبو دعوتى و من أوثق حى فى العرب فى نفسى و قد بلغنى أن معاوية قد كاتب صاحبكم خالد بن المعمر و قد أتيت به و جمعتكم لأشهدكم عليه و لتسمعوا أيضا ما أقوله.

ثم أقبل عليه فقال عليه السلام يا خالد بن المعمر إن كان ما بلغنى حقا فإنى اشهد الله و من حضرنى من المسلمين انك آمن حتى تلحق بأرض العراق أو الحجاز أو أرض لا سلطان لمعاوية فيها و إن كنت مكذوبا عليك فان صدورنا تطمئن إليك فحلف بالله ما فعل و قال رجال منا كثير لو كنا نعلم أنه فعل أمثلناه.

فقال شقيق بن ثور السدوسى ما وفق خالد بن المعمر إن نصر معاوية و أهل الشام على علي عليه السلام و ربيعة فقال زياد بن خصفة التيمى يا أمير المؤمنين استوثق من ابن المعمر بالأيمان لا يغدرنك فاستوثق منه ثم انصرفنا.

فلما كان يوم الخميس «و هو اليوم التاسع من صفر» انهزم الناس من قبل الميمنة فجاءنا على عليه السلام حتى انتهى إلينا و معه بنوه فنادى بصوت عال جهير كغير المكترث لما فيه الناس: لمن هذه الرايات؟ قلنا رايات ربيعة فقال بل هى رايات الله عز و جل عصم الله اهلها فصبرهم و ثبت اقدامهم، ثم قال لى يافتى ألا تدنى رايتك هذه ذراعا؟ قلت: نعم و الله و عشر أذرع، فقمت بها فأدنيتها حتى قال إن حسبك مكانك فثبت حيث أمرنى و اجتمع أصحابى.

قال أبو مخنف حدثنا أبو الصلت التيمى قال سمعت أشياخ الحى من تيم الله ابن ثعلبة يقولون إن راية ربيعة أهل كوفتها و بصرتها كانت مع خالد بن المعمر من أهل البصرة قال و سمعتهم يقولون إن خالد بن المعمر و سفيان بن ثور اصطلحا على أن وليا راية بكر بن وائل من أهل البصرة الحضين بن المنذر الذهلى و تنافسا فى الراية و قالا هذا فتى مناله حسب نجعلها له حتى نرى من رأينا.

ثم إن عليا ولى خالد بن المعمر بعد راية ربيعة كلها و ضرب معاوية لحمير بسهمهم على ثلاث قبائل لم تكن لأهل العراق قبائل أكثر عددا منها يومئذ على ربيعة و همدان و مذحج فوقع سهم حمير على ربيعة فقال ذو الكلاع قبحك الله من سهم كرهت الضراب فاقبل ذو الكلاع في حمير و من تعلقها و معهم عبيد الله بن عمر بن الخطاب في أربعة آلاف من قراء أهل الشام و على ميمنتهم ذو الكلاع فحملوا على ربيعة و هم ميسرة أهل العراق و فيهم ابن عباس و هو على الميسرة فحمل عليهم ذو الكلاع و عبيد الله بن عمر حملة شديدة بخيلهم و رجلهم فتضعضعت رايات ربيعة الا قليلا من الأخيار و الأبدال.

ثم إن أهل الشام انصرفوا فلم يمكثوا الا قليلا حتى كروا و عبيد الله بن عمر يقول يا أهل الشام إن هذا الحى من أهل العراق قتلة عثمان بن عفان و انصار علي بن أبي طالب و إن هزمتم هذه القبيلة أدركتم ثاركم في عثمان و هلك علي بن أبي طالب و أهل العراق فشدوا على الناس شدة فثبتت لهم ربيعة و صبروا صبرا حسنا إلا قليلا من الضعفاء و الفشلة و ثبت أهل الرايات و أهل الصبر منهم و الحفاظ فلم‏ يزولوا و قاتلوا قتالا شديدا.

فلما رأى خالد بن المعمر ناسا من قومه انصرفوا انصرف فلما رأى أصحاب الرايات قد ثبتوا و رأى قومه قد صبروا رجع و صاح بمن انهزم و أمرهم بالرجوع فقال من أراد من قومه أن يتهمه اراد الانصراف فلما رآنا قد ثبتنا رجع إلينا و قال هو لما رأيت رجالا منا انهزموا رأيت أن أستقبلهم و أردهم إليكم و اقبلت إليكم فيمن أطاعنى منهم فجاء بأمر مشبه.

قال أبو مخنف حدثنى رجل من بكر بن وائل عن محرز بن عبد الرحمن العجلى أن خالدا قال يومئذ يا معشر ربيعة إن الله عز و جل قد أتى بكل رجل منكم من منبته و مسقط رأسه فجمعكم في هذا المكان جمعا لم يجمعكم مثله منذ نشركم في الأرض فإن تمسكوا بايديكم و تنكلوا عن عدوكم و تزولوا عن مصافكم لا يرضى الله فعلكم و لا تقدموا من الناس صغيرا أو كبيرا الا يقول فضحت ربيعة الذمار و حاصت عن القتال و اتيت من قبلها العرب فإياكم أن تتشأم بكم العرب و المسلمون اليوم و انكم إن تمضوا مقبلين مقدمين و تصيروا محتسبين فإن الاقدام لكم عادة و الصبر منكم سجية و اصبروا و نيتكم أن توجروا فإن ثواب من نوى ما عند الله شرف الدنيا و كرامة الاخرة و لن يضيع الله أجر من أحسن عملا.

فقام رجل فقال ضاع و الله أمر ربيعة حين جعلت إليك امورها تأمرنا ألا نزول و لا نحول حتى تقتل أنفسنا و تسفك دماءنا ألا ترى الناس قد انصرف جلهم.

فقام إليه رجال من قومه فنهروه و تناولوه بألسنتهم فقال لهم خالد أخرجوا هذا من بينكم فان هذا إن بقى فيكم ضركم و إن خرج منكم لم ينقصكم هذا الذى لا ينقص العدد و لا يملا البلد برحك الله من خطيب قوم كرام كيف جنبت السداد.

و اشتد قتال ربيعة و حمير و عبيد الله بن عمر حتى كثرت بينهم القتلى فقتل سمير ابن الريان بن الحارث العجلى و كان من أشد الناس بأسا.

قال أبو مخنف حدثنى جعفر بن أبي القاسم العبدى عن يزيد بن علقمة عن زيد بن بدر العبدى أن زياد بن خصفة أتى عبد القيس يوم صفين و قد عبيت قبائل حمير مع ذى الكلاع و فيهم عبيد الله بن عمر بن الخطاب لبكر بن وائل فقوتلوا قتالا شديدا خافوا فيه الهلاك فقال زياد بن خصفة يا عبد القيس لا بكر بعد اليوم فركبنا الخيول ثم مضينا فواقفنا.

فما لبثنا إلا قليلا حتى اصيب ذو الكلاع و قتل عبيد الله بن عمر فقالت همدان قتله هانى‏ء بن خطاب الارحبى و قالت حضر موت قتله مالك بن عمرو التنعى و قالت بكر بن وائل قتله محرز بن الصحصح من بني عائش بن مالك بن تيم الله بن ثعلبة و أخذ سيفه ذا الوشاح فأخذ به معاوية بالكوفة بكر بن وائل فقالوا إنما قتله رجل منا من أهل البصرة يقال له محرز بن الصحصح فبعث إليه بالبصرة فأخذ منه السيف و كان رأس النمر بن قاسط عبد الله بن عمرو من بني تميم.

قال هشام بن محمد الذي قتل عبيد الله بن عمر محرز بن الصحصح و أخذ سيفه ذا الوشاح سيف عمرو في ذلك قول كعب بن جعيل التغلبي:

ألا إنما تبكى العيون لفارس‏بصفين أجلت خيله و هو واقف‏
يبدل من اسماء أسياف وائل‏و كان فتى لو أخطأته المتالف‏
تركن عبيد الله بالقاع مسنداتمج دم الخرق العروق الذوارف‏

أقول: ان اسماء في البيت الثاني هى زوجة عبيد الله بن عمر كما سيأتي عنقريب و لنعد إلى القصة.

و قتل منهم يومئذ بشر بن مرة بن شرحبيل و الحارث بن شرحبيل و كانت اسماء ابنة عطارد بن حاجب التميمي تحت عبيد الله بن عمر ثم خلف عليها الحسن بن علي عليهما السلام.

قال أبو مخنف حدثنى ابن أخي غياث بن لفيط البكرى أن عليا عليه السلام حيث انتهى إلى ربيعة تبارت ربيعة بينها فقالوا إن اصيب على فيكم و قد لجأ إلى رايتكم افتضحتم و قال لهم شقيق بن ثور يا معشر ربيعة لا عذر لكم في العرب إن وصل إلى علي عليه السلام فيكم و فيكم رجل حى و إن منعتموه فمجد الحياة اكتسبتموه فقاتلوا قتالا شديدا حين جاءهم علي عليه السلام لم يكونوا قاتلوا مثله ففي ذلك قال علي عليه السلام.

لمن راية سوداء يخفق ظلهاإذا قيل قدمها حضين تقدما
يقدمها في الموت حتى يزيرهاحياض المنايا تقطر الموت و الدما
أذقنا ابن حرب طعننا و ضرابنابأسيافنا حتى تولى و أحجما
جزى الله قوما صابروا في لقائهم‏لدا الموت قوما ما أعف و اكرما
و اطيب أحبارا و أكرم شيمةإذا كان أصوات الرجال تغمغما
ربيعة اعني انهم أهل نجدةو بأس إذا لاقوا جشيما عرمرما

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

نمایش بیشتر

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

دکمه بازگشت به بالا
-+=