google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
220-240 خطبه شرح وترجمه میر حبیب الله خوئیخطبه ها شرح و ترجمه میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 236/1 شرح میر حبیب الله خوئی(به قلم علامه حسن زاده آملی )

خطبه 238 صبحی صالح

238- و من كلام له ( عليه‏ السلام  ) في شأن الحكمين و ذم أهل الشام‏

جُفَاةٌ طَغَامٌ وَ عَبِيدٌ أَقْزَامٌ جُمِعُوا مِنْ كُلِّ أَوْبٍ وَ تُلُقِّطُوا مِنْ كُلِّ شَوْبٍ مِمَّنْ يَنْبَغِي أَنْ يُفَقَّهَ وَ يُؤَدَّبَ وَ يُعَلَّمَ وَ يُدَرَّبَ وَ يُوَلَّى عَلَيْهِ وَ يُؤْخَذَ عَلَى يَدَيْهِ

لَيْسُوا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ وَ لَا مِنَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَ الْإِيمانَ‏

أَلَا وَ إِنَّ الْقَوْمَ اخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِمَّا تُحِبُّونَ وَ إِنَّكُمُ اخْتَرْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِمَّا تَكْرَهُونَ وَ إِنَّمَا عَهْدُكُمْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ بِالْأَمْسِ يَقُولُ إِنَّهَا فِتْنَةٌ فَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ وَ شِيمُوا سُيُوفَكُمْ

فَإِنْ كَانَ صَادِقاً فَقَدْ أَخْطَأَ بِمَسِيرِهِ غَيْرَ مُسْتَكْرَهٍ وَ إِنْ كَانَ كَاذِباً فَقَدْ لَزِمَتْهُ التُّهَمَةُ فَادْفَعُوا فِي صَدْرِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَ خُذُوا مَهَلَ الْأَيَّامِ وَ حُوطُوا قَوَاصِيَ الْإِسْلَامِ

أَ لَا تَرَوْنَ إِلَى بِلَادِكُمْ تُغْزَى وَ إِلَى صَفَاتِكُمْ تُرْمَى

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج15  

الخطبة السادسة و الثلاثون و المأتان و من خطبة له عليه السلام فى شأن الحكمين و ذم أهل الشام‏:

جفاة طغام، عبيد قزام، جمعوا من كل أوب، و تلقطوا من كل شوب، ممن ينبغي أن يفقه و يؤدب، و يعلم و يدرب، و يولى عليه و يؤخذ على يديه، ليسوا من المهاجرين و الأنصار، و لا من الذين تبوأو الدار، ألا و إن القوم اختاروا لأنفسهم أقرب القوم مما يحبون، و إنكم اخترتم لأنفسكم أقرب القوم مما تكرهون، و إنما عهدكم بعبد الله بن قيس بالأمس يقول: «إنها فتنة فقطعوا أوتاركم و شيموا سيوفكم» فإن كان صادقا فقد أخطأ بمسيره غير مستكره، و إن كان كاذبا فقد لزمته التهمة، فادفعوا في صدر عمرو بن العاص بعبد الله بن العباس، و خذوا مهل الأيام، و حوطوا قواصي الإسلام، أ لا ترون إلى بلادكم تغزى، و إلى صفاتكم ترمى‏.

اللغة

(جفاة) جمع جاف كقضاة جمع قاض و طغاة جمع طاغ من قولك جفوت الرجل أجفوه جفاء و قيل أصله من جفا الثوب يجفو اذا غلظ فهو جاف و منه جفاء البدو و هو غلظتهم و فظاظتهم.

أقول: و يمكن أن يكون الجفاء مهموز اللام و هو ما يعلو السيل و يحتمله من سقط الارض قال الله تعالى‏ فأما الزبد فيذهب جفاء و قال الشاعر (الحماسة 75):

حميت على العهار أطهار امه‏ و بعض الرجال المدعين جفاء

فيكون المراد أنهم رذال الناس و سفلتهم.

(طغام) بالطاء المشالة المهملة المفتوحة كطعام، قال في الصحاح الطغام أوغاد الناس «الاوغاد جمع الوغد بسكون الغين كوفد و أوفاد، و الوغد الرجل الدنى الذي يخدم بطعام بطنه» و انشد ابو العباس: فما فضل اللبيب على الطغام الواحد و الجمع سواء، و الطغام أيضا رذال الطير الواحدة طغامة للذكر و الانثى مثل نعامة و نعام و لا ينطق منه بفعل و لا يعرف له اشتقاق، فالطغام: أراذل الناس و دنيهم و خسيسهم.

(عبيد) جمع العبد ككلب و كليب يقال: عبد و أعبد و عباد و عبيد و عبدى و عبداء و عبدان و عبدان و معبوداء و معبدة و عبد، فبعض هذه الاسماء مما صيغ للجمع و بعضها جمع في الحقيقة.

و العبد في أصل اللغة خلاف الحر و هم يكنون كثيرا عن اللئام و إن كانوا احرارا بالعبيد و العبدان، و بالقزم و القزمان كما صرح به المرزوقي في شرح‏

الحماسة قال معدان بن عبيد (الحماسة 613).

عجبت لعبدان هجوني سفاهة أن اصطحبوا من شأنهم و تقيلوا
بجاد و ريسان و فهر و غالب‏ و عون و هدم و ابن صفوة أخيل‏

فسمى هؤلاء الست عبدانا مع انهم احرار تخضيعا و تشنيعا لهم.

(قزام) في الصحاح: القزم محركة رذال الناس و سفلتهم قال زياد بن منقذ.[2]

و هم إذا الخيل حالوا في كواثبها فوارس الخيل لا ميل و لا قزم‏

يقال رجل قزم و الذكر و الانثى و الواحد و الجمع فيه سواء لأنه في الاصل مصدر، و القزام: اللئام، و في أكثر النسخ المتداولة «عبيد اقزام» و لكن لم يذكر المعاجم المتداولة هذا الجمع و لذا اخترنا رواية قزام و رجحناه على اقزام، لان القزام قد ذكرت في المعاجم قال الشاعر:

احصنوا امهم من عبدهم‏ تلك أفعال القزام الوكعة

على ان في الجمع بين الطغام و القزام موازنة بديعة أولى من الطغام و الاقزام و ذكر المرزوقي في شرحه على الحماسة كما مر آنفا القزم و القزمان كسبحان على هيئة الجمع، و قال بعض المحشين لم تذكر المعاجم المتداولة هذا الجمع و المعروف أقزام و قزامي و قزم بضمتين.

(أوب) يقال جاءوا من كل أوب أى من كل ناحية.

(تلقطوا) في الصحاح تلقط فلان التمر أى التقطه من هاهنا و هاهنا.

(شوب) الشوب: الخلط، يقال شبت الشي‏ء اشوبه فهو مشوب أى مخلوط، و فى المثل هو يشوب و يروب يضرب لمن يخلط في القول أو العمل.

(يدرب) أى يؤدب و يعود بالعادات الجميلة و يمرن بمحاسن الافعال، يقال دربته الشدائد حتى قوى و مرن عليها و دربت البازى على الصيد أى ضريته‏

و روى مكان يدرب، يذرب بالذال المعجمة من ذريت معدته إذا فسدت و التذريب (تبوئت) منزلا أى اتخذته و المبائة المنزل.

و (العهد): اللقاء و المعرفة، و عهدته بمكان كذا أى لقيته، و عهدى به قريب أى لقائي و هو قريب العهد بكذا أي قريب العلم و الحال، و عهدت إلى فلان أي أوصيته.

(أوتار) جمع الوتر بالتحريك و هو شرعة القوس و يقال بالفارسي «زه» فالمراد من أوتاركم أوتار قسيكم حذف المضاف و اقيم المضاف إليه مقامه.

(شيموا سيوفكم) تقول شمت السيف كبعت إذا اغمدته و منه المشيمة أى الغرس و الشيام أى الكناس لا نشيامه فيه و دخوله و أيضا تقول شمت السيف إذا سللته و هو من الاضداد.

(مهل الايام) المهل بالتحريك: التوءدة، و مهل الايام: فسحتها، يقال أمهله إذا انظره.

(قواصي) جمع قاصية كنواحي جمع ناحية لفظا و معنى يقال كنت منه في قاصيته أي في ناحيته.

(تغزى) من الغزو أى الحرب، تغزي بلادكم أى تقاتل لها و يمكن أن يكون بمعنى القصد يقال عرفت ما يغزي من هذا الكلام أى يراد و مغزى الكلام مقصده فالمعنى تراد و تقصد بلادكم أى يطمع العدو فيها.

(صفاتكم) الصفاة: الصخرة الملساء لا يؤثر فيها السهام و لا يرميها الرامي الابعدان مهل غيرها يقال قد رمى فلان صفاة فلان إذا دهاه بداهية قال الشاعر

و الدهر موتر قوسه‏ يرمى صفاتك بالمعابل‏

الاعراب‏

(جفاة طغام عبيد قزام) أخبار لمبتدأ محذوف أى هم جفاة و العرب يأتون لمبتدأ واحد باخبار كثيرة قال ابن مالك:

و اخبروا باثنين أو باكثرا لواحد كهم سراة شعرا

جملتا جمعوا و تلقطوا في محل رفع صفة لهم، و كلمة من في ممن ينبغي، للتبيين و من موصولة أى هم هؤلاء و الظرف مستقر صفة لهم و لا يجوز أن تكون حالا لهم لانها محفوفة بالجمل التي كلها صفات لهم اعنى جمل جمعوا و تلقطوا و ليسوا من المهاجرين إلخ.

و قال المعربون الجمل بعد النكرات صفات و بعد المعارف أحوال فالجمل ههنا صفات فلو كان ذلك الظرف غير الوصف للزم خروج الكلام عن اسلوبه المنساق له.

و (يفقه) و الافعال الخمسة الاخر منصوبة بان الناصبة تأولها إلى مصادرها فاعلا لينبغي و من المهاجرين ظرف مستقر منصوب محله خبر ليس، و قوله عليه السلام و لا من الذين عطف عليه و الجار للتبعيض لا مكان سد بعض مسده.

كلمة الجار في مما يحبون و مما تكرهون متعلقة بقرب لان صلته تكون من قال الله تعالى‏ إن رحمت الله قريب من المحسنين‏ و كلمة ما في الموضعين موصوفة أو موصولة و العائد محذوف أى مما يحبونه و تكرهونه، و قوله عليه السلام لانفسكم في كلا الموضعين متعلق بيحبون و تكرهون أى يحبون لانفسكم و تكرهون لانفسكم قدم الظرف على عامله توسعا للظروف و يمكن أن يكونا صلة لاخترتم (بالامس) متعلق بقوله عليه السلام عهدكم و الجار للظرف بمعنى في، و الجار في إلى بلادكم و صفاتكم متعلق بقوله ترون لا بقوله عليه السلام تغزى و ترمى.

المعنى‏

الحكمان هما عمرو بن العاص و أبو موسى الأشعرى المسمى بعبد الله بن عباس و نذكر ترجمتهما بعد المعني.

قال الطبري في تاريخه: بايع عمرو بن العاص معاوية في سنة ست و ثلاثين و وافقه على محاربة على.

و كان السبب في ذلك أنه لما احيط بعثمان خرج عمرو بن العاص من المدينة متوجها نحو الشام و قال و الله يا أهل المدينة ما يقيم بها احد فيدركه قتل هذا الرجل‏ إلا ضربه الله عز و جل بذل و من لم يستطع نصره فليهرب، فسار و سار معه ابناه عبد الله و محمد و خرج بعده حسان بن ثابت و تتابع على ذلك ما شاء الله.

فبينا عمرو بن العاص جالس بعجلان و معه ابناه إذ مر بهم راكب فقالوا من أين قال من المدينة فقال عمرو ما اسمك قال حصيرة قال عمرو حصر الرجل‏[3] قال فما الخبر قال تركت الرجل محصورا قال عمرو يقتل.

ثم مكثوا أياما فمر بهم راكب فقالوا من أين قال من المدينة قال عمرو ما اسمك قال قتال قال عمرو قتل الرجل فما الخبر قال قتل الرجل ثم لم يكن الا ذلك إلى ان خرجت.

ثم مكثوا أياما فمر بهم راكب فقالوا من أين قال من المدينة قال عمرو ما اسمك قال حرب قال عمرو يكون حرب فما الخبر قال قتل عثمان بن عفان و بويع لعلي بن أبي طالب قال عمرو أنا أبو عبد الله يكون حرب من حك فيها قرحة نكأها رحم الله عثمان و رضي الله عنه و غفر له فقال سلامة بن زنباع الجذامي يا معشر قريش انه و الله قد كان بينكم و بين العرب باب فاتخذوا بابا إذا كسرت الباب فقال عمرو و ذاك الذى نريد و لا يصلح الباب إلا أشاف تخرج الحق من حافرة البأس و يكون الناس في العدل سواء ثم تمثل عمرو في بعض ذلك.

يا لهف نفسي على مالك‏ و هل يصرف اللهف حفظ القدر
أنزع من الحر أودى بهم‏ فاعذرهم أم بقومى سكر

ثم ارتحل راجلا يبكى كما تبكى المرأة و يقول و اعثماناه أنعى الحياء و الدين حتى قدم دمشق و قد كان سقط اليه من الذى يكون علم فعمل عليه.

ثم نقل عن الواقدى: لما بلغ عمرا قتل عثمان قال أنا عبد الله (أنا أبو عبد الله ظ) قتلته و أنا بوادى السباع من يلي هذا الأمر من بعده إن يله طلحة فهو فتى العرب سيبا، و إن يله ابن أبي طالب فلا أراه إلا سيسينظف الحق و هو اكره من يليه الى.

قال فبلغه ان عليا قد بويع له فاشتد عليه و تربص أياما ينظر ما يصنع الناس‏

فبلغه مسير طلحة و الزبير و عائشة و قال استأني و أنظر ما يصنعون فأتاه الخبر أن طلحة و الزبير قد قتلا فارتج عليه أمره.

فقال له قائل ان معاوية بالشام لا يريد يبايع لعلي فلو قارنت معاوية فكانت معاوية احب اليه من علي بن أبي طالب و قيل له ان معاوية يعظم شأن قتل عثمان بن عفان و يحرض على الطلب بدمه فقال عمرو ادعوا لى محمدا و عبد الله فدعيا له فقال قد كان ما قد بلغكما من قتل عثمان و بيعة الناس لعلي و ما يرصد معاوية من مخالفة علي و قال ما تريان أما علي فلا خير عنده و هو رجل يدل بسابقته و هو غير مشركي في شي‏ء من أمره.

فقال عبد الله بن عمرو توفى النبي صلى الله عليه و آله و هو عنك راض و توفى أبو بكر و هو عنك راض و توفى عمر و هو عنك راض أرى أن تكف يدك و تجلس فى بيتك حتى يجتمع الناس على إمام فتبايعه. و قال محمد بن عمرو أنت ناب من انياب العرب فلا أرى أن يجتمع هذا الأمر و ليس لك فيه صوت و لا ذكر.

قال عمرو أما أنت يا عبد الله فأمرتنى بالذى هو خير لى فى آخرتى و أسلم فى دينى. و أما انت يا محمد فأمرتنى بالذى أنبه لى فى دنياى و أشر لى فى آخرتى.

ثم خرج عمرو بن العاص و معه ابناه حتى قدم على معاوية فوجد أهل الشام يحضون معاوية على الطلب بدم عثمان فقال عمرو بن العاص أنتم على الحق اطلبوا بدم الخليفة المظلوم و معاوية لا يلتفت إلى قول عمرو فقال ابنا عمرو لعمرو الا ترى إلى معاوية لا يلتفت إلى قولك انصرف إلى غيره فدخل عمرو على معاوية فقال و الله لعجب لك إنى أرفدك بما أرفدك و أنت معرض عنى أما و الله إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة إن فى النفس من ذلك ما فيها حيث نقاتل من تعلم سابقته و فضله و قرابته و لكنا إنما أردنا هذه الدنيا فصالحه معاوية و عطف عليه.

و يأتي في ذلك كتاب أمير المؤمنين علي عليه السلام إلى عمرو بن العاص في باب المختار من كتبه عليه السلام و هو الكتاب التاسع و الثلاثون حيث يقول عليه السلام:فانك جعلت دينك تبعا لدنيا امرء ظاهر غيه مهتوك ستره يشين الكريم بمجلسه و يسفه الحليم بخلطته فاتبعت اثره و طلبت فضله اتباع الكلب للضرغام يلوذ إلى‏ مخالبه و ينتظر ما يلقى اليه من فضل فريسته إلى آخر ما قال عليه السلام‏.

«حكم الحكمين و اجتماعهما و ما جرى فى ذلك»

و اعلم ان التحكيم كان برأى عمرو بن العاص حين رأى ان دلائل الفتح و النصر لأهل العراق أعنى عسكر على عليه السلام ظهرت و دلائل الخذلان و الادبار على أهل الشام و هم عسكر معاوية قد وضحت و كان ذلك عقيب ليلة الهرير و هى ليلة عظيمة يضرب بها المثل فرفع أهل الشام برأى عمرو مصاحف اعتصاما من سيوف أهل العراق حين رأوا ان عسكر العراق غلبوا عليهم.

فلا بد لنا الا ان نذكر ما جرى بينهما فى الصفين لأن عدة من كتبه عليه السلام يأتي فى ذلك من بعد ما مضت عدة من الخطب فى ذلك من قبل و سنشير إلى مواضعها و مداركها إنشاء الله تعالى و نحن نذكر ما اورده فى ذلك أبو جعفر الطبرى فى تاريخه و نصر بن مزاحم فى كتاب الصفين و المسعودى فى مروج الذهب حتى يتبين شأن الحكمين و خديعة عمرو بن العاص لابى موسى الأشعرى و غير ذلك مما تسمعه.

فى تاريخ أبى جعفر محمد بن الجرير الطبرى: و في هذه السنة يعنى السنة السادسة و الثلاثين وجه على عليه السلام عند منصرفه من البصرة إلى الكوفة و فراغه من الجمل جرير بن عبد الله البجلى إلى معاوية يدعوه إلى بيعته، و كان جرير حين خرج على إلى البصرة لقتال من قاتله بها بهمدان عاملا عليها كان عثمان استعمله عليها فلما قدم على الكوفة منصرفا اليها من البصرة كتب اليهما يأمرهما بأخذ البيعة له على من قبلهما من الناس و الانصراف اليه ففعلا ذلك و انصرفا اليه.

فلما أراد على توجيه الرسول إلى معاوية قال جرير بن عبد الله ابعثنى اليه فانه لى ود حتى آتيه فأدعوه إلى الدخول فى طاعتك فقال الاشتر لعلى لا تبعثه فو الله إنى لأظن هواه معه فقال على دعه حتى ننظر ما الذى يرجع به الينا فبعثه اليه و كتب معه كتابا يعلمه اجتماع المهاجرين و الانصار على بيعته و نكث طلحة و الزبير و ما كان من حربه اياهما و يدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه المهاجرون و الانصار من طاعته.

فشخص اليه جرير فلما قدم عليه ماطله و استنظره و دعا عمرا[4] فاستشاره فيما كتب به اليه فأشار عليه أن يرسل إلى وجوه الشام و يلزم عليا دم عثمان و يقاتله بهم ففعل ذلك معاوية و كان أهل الشام لما قدم عليهم النعمان بن بشير بقميص عثمان الذى قتل فيه مخضبا بدمه و باصابع نائلة زوجته‏[5] مقطوعة بالبراجم اصبعان منها و شي‏ء من الكف و اصبعان مقطوعتان من اصولهما و نصف الابهام، وضع معاوية القميص على المنبر و كتب بالخبر إلى الاجناد و ثاب اليه الناس و بكوا سنة و هو على المنبر و الاصابع معلقه فيه.

و آلى الرجال من أهل الشام ألا يأتوا النساء و لا يمسهم الماء للغسل إلا من احتلام و لا يناموا على الفرش حتى يقتلوا قتلة عثمان و من عرض دونهم بشى‏ء او تفنى ارواحهم فمكثوا حول القميص سنة و القميص يوضع كل يوم على المنبر و يجلله احيانا فيلبسه و علق فى اردانه اصابع نائلة.

فلما قدم جرير بن عبد الله على على فاخبره خبر معاوية و اجتماع أهل الشام معه على قتاله و انهم يبكون على عثمان و يقولون ان عليا قتله و آوى قتلته و انهم لا ينتهون عنه حتى يقتلهم او يقتلوه.

فقال الاشتر لعلى قد كنت نهيتك ان تبعث جريرا و اخبرتك بعداوته و غشه و لو كنت بعثتنى كان خيرا من هذا الذى اقام عنده حتى لم يدع بابا يرجو فتحه الافتحه و لا بابا يخاف منه إلا اغلقه.

فقال جرير لو كنت ثم لقتلوك لقد ذكروا انك من قتلة عثمان. فقال الاشتر لو أتيتهم و الله يا جرير لم يعيني جوابهم و لحملت معاوية على خطة اعجله فيها عن الفكر و لو اطاعنى فيك أمير المؤمنين لحبسك و اشباهك فى محبس لا تخرجون منه حتى‏ تستقيم هذه الامور فخرج جرير بن عبد الله إلى قرقيساء و كتب إلى معاوية فكتب اليه يأمره بالقدوم عليه و خرج أمير المؤمنين على عليه السلام فعسكر بالنخيلة و قدم عليه عبد الله بن عباس بمن نهض معه من أهل البصرة.

و استخلف عبد الله بن عباس على البصرة ثم سار منها إلى الكوفة فتهيأ فيها إلى صفين فاستشار الناس فى ذلك فاشار عليه قوم ان يبعث الجنود و يقيم و اشار آخرون بالمسير فأبى إلا المباشرة فجهز الناس.

و قال المسعودى فى مروج الذهب و كان سير على عليه السلام من الكوفة الى صفين لخمس خلون من شوال سنة ست و ثلاثين و استخلف على الكوفة أبا مسعود عقبة بن عامر الانصارى.

فبلغ ذلك معاوية فدعا عمرو بن العاص فاستشاره فقال أما إذ بلغك انه يسير فسر بنفسك و لا تغب عنه برأيك و مكيدتك. قال أما إذا يا أبا عبد الله فجهز الناس فجاء عمرو فحضض الناس و ضعف عليا و أصحابه و قال: إن أهل العراق قد فرقوا جمعهم و اوهنوا شوكتهم و فلوا احدهم ثم إن أهل البصرة مخالفون لعلي قد وترهم و قللهم و قد تفانت صناديدهم و صناديد أهل الكوفة يوم الجمل و إنما سار في شرذمة قليلة منهم من قد قتل خليفتكم فالله الله في حقكم ان تضيعوه و في دمكم ان تبطلوه و كتب في اجناد أهل الشام و عقد لواءه لعمرو فعقد لوردان غلامه فيمن عقد و لابنيه عبد الله و محمد و عقد علي لغلامه قنبر ثم قال عمرو:

هل يغنين وردان عنى قنبرا و تغني السكون عنى حميرا
إذا الكماة لبسوا السنورا

فبلغ ذلك عليا عليه السلام فقال:

لأصبحن العاصى بن العاصى‏ سبعين ألفا عاقدى النواصى‏
مجننين الخيل بالقلاص‏ مستحقين حلق الدلاص‏

فلما سمع ذلك معاوية قال ما أرى ابن أبى طالب إلا قد وفى لك فجاء معاوية يتأنى فى مسيره و كتب إلى كل من كان يرى أنه يخاف عليا او طعن عليه و من‏

اعظم دم عثمان و استعواهم اليه.

فبعث على زياد بن النضر الحارثى طليعة فى ثمانية آلاف و بعث معه شريح ابن هانى فى أربعة آلاف و خرج على من النخيلة بمن معه فلما دخل المدائن شخص معه من فيها من المقاتلة و ولى على المدائن سعد بن مسعود الثقفى عم المختار بن أبى عبيد و وجه على من المدائن معقل بن قيس فى ثلاثة آلاف و أمره أن يأخذ على الموصل حتى يوافيه.

قال المسعودى فى مروج الذهب و قد تنوزع فى مقدار ما كان مع على عليه السلام من الجيش فمكثر و مقلل و المتفق عليه من قول الجميع تسعون ألفا و قال رجل من أصحاب على عليه السلام لما استقروا مما يلى الشام من ابيات كتب بها إلى معاوية.

اثبت معاوى قد اتاك الحافل‏ تسعون ألفا كلهم مقاتل‏
عما قليل يضمحل الباطل‏

و سار معاوية من الشام و قد تنوزع فى مقدار من كان معه فمكثر و مقلل و المتفق عليه من قول الجميع خمس و ثمانون ألفا.

«ما أمر به على بن أبي طالب من عمل الجسر على الفرات»

فلما انتهى على عليه السلام إلى الرقة قال لأهل الرقة اجسروا لى جسرا حتى اعبر من هذا المكان إلى الشام فابوا و قد كانوا ضموا اليهم السفن فنهض من عندهم ليعبر من جسر منبج و خلف عليهم الأشتر و ذهب ليمضى بالناس كيما يعبر بهم على جسر منبج فنادى هم الأشتر فقال يا أهل هذا الحصن ألا انى اقسم لكم بالله عز و جل لئن مضى أمير المؤمنين و لم تجسروا له عند مدينتكم جسرا حتى يعبر لأجردن فيكم السيف ثم لأقتلن الرجال و لأخربن الأرض و لاخذن الأموال فلقى بعضهم بعضا فقالوا البس الاشتر يفي بما حلف عليه او يأتي بشر منه قالوا نعم فبعثوا اليه انا ناصبون لكم جسرا فاقبلوا و جاء على فنصبوا له الجسر فعبر عليه بالاثقال و الرجال ثم أمر على الأشتر فوقف فى ثلاثة آلاف فارس حتى لم يبق من الناس احد إلا عبر ثم انه عبر آخر الناس رجلا قال أبو جعفر الطبرى: قال أبو مخنف فحدثني خالد بن قطن الحارثى ان:

عليا لما قطع الفرات دعا زياد بن النضر و شريح بن هانى فسرحهما امامه نحو معاوية على حالهما التي كانا خرجا عليه من الكوفة قال و قد كانا حيث سرحهما من الكوفة أخذا على شاطى‏ء الفرات من قبل البر مما يلي الكوفة حتى بلغا عانات فبلغهما اخذ على على طريق الجزيرة و بلغهما ان معاوية قد اقبل من دمشق في جنود أهل الشام لاستقبال على عليه السلام فقالا لا و الله ما هذا لنا برأى ان نسير و بيننا و بين المسلمين و أمير المؤمنين هذا البحر و ما لنا خير في ان نلقى جنود أهل الشام بقلة من معنا منقطعين من العدد و المدد فذهبوا ليعبروا من عانات فمنعهم أهل عانات و حبسوا عنهم السفن فأقبلوا راجعين حتى عبروا من هيت ثم لحقوا عليا بقرية دون قرقيسياء و قد ارادوا أهل عانات فتحصنوا و فروا و لما لحقت المقدمة عليا قال مقدمتى تأتينى من ورائى.

فتقدم اليه زياد بن النضر الحارثى و شريح بن هانى فأخبراه بالذى رأيا حين بلغهما من الأمر ما بلغهما فقال سددتما.

ثم مضى علي عليه السلام فلما عبر الفرات قدمهما امامه نحو معاوية فلما انتهيا إلى سور الروم لقيهما أبو الاعور السلمي عمرو بن سفيان في جند من أهل الشام فأرسلا إلى علي عليه السلام أنا قد لقينا أبا الاعور السلمي في جند من أهل الشام و قد دعوناهم فلم يجبنا منهم أحد فمرنا بامرك.

فارسل علي عليه السلام إلى الاشتر فقال يا مالك ان زيادا و شريحا ارسلا إلى يعلماني انهما لقيا أبا الاعور السلمي في جمع من أهل الشام و انبأني الرسول انه تركهم متواقفين فالنجاء إلى أصحابك النجاء فاذا قدمت عليهم فأنت عليهم و إياك ان تبدء القوم بقتال إلا أن يبدءوك حتى تلقاهم فتدعوهم و تسمع و لا يجرمنكم شنانهم على قتالهم قبل دعائهم و الاعذار إليهم مرة بعد مرة، و اجعل على ميمنتك زيادا و على ميسرتك شريحا وقف من أصحابك وسطا و لا تدنو منهم دنو من يريد أن ينشب الحرب و لا تباعد منهم بعد من يهاب الناس حتى اقدم عليك فاني حثيث السير فى اثرك إن شاء الله.

قال و كان الرسول الحارث بن جمهان الجعفي فكتب علي عليه السلام إلى زياد و شريح‏ أما بعد فاني قد أمرت عليكما مالكا فاسمعا له و اطيعا فانه مما لا يخاف رهقه و لا سقاطه و لا بطؤه عما الاسراع إليه احزم و لا الاسراع إلى ما البطاء عنه امثل و قد امرته بمثل الذي كنت امرتكما به ألا يبدأ القوم حتى يلقاهم فيدعوهم و يعذر إليهم.

أقول: قال نصر في كتاب صفين باسناده عن عبد الله بن جندب عن أبيه، و كذا الطبري في تاريخه باسناده عن عبد الرحمن بن جندب الازدي عن أبيه: أن عليا عليه السلام كان يأمرنا في كل موطن لقينا معه عدوه يقول:

لا تقاتلوا القوم حتى يبدؤكم فانكم بحمد الله على حجة و ترككم إياهم حتى يبدؤكم حجة اخرى لكم عليهم فاذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا و لا تجهزوا على جريح و لا تكشفوا عورة و لا تمثلوا بقتيل فاذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا و لا تدخلوا دارا إلا باذن و لا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم و لا تهيجوا امرأة بأذى و إن شتمن أعراضكم و تناولن امراءكم و صلحاءكم فانهن ضعاف القوى و الانفس و لقد كنا و انا لنؤمر بالكف عنهن و انهن لمشركات و إن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالهراوة أو الحديد فيعير بها عقبه من بعده.

أقول: يأتي شرح كلامه عليه السلام هذا في باب المختار من كتبه و رسائله بعون الملك الوهاب. و قال الرضي رضي الله عنه قال عليه السلام لعسكره قبل العدو بصفين.

قال نصر باسناده عن الحضرمي قال سمعت عليا عليه السلام عرض في الناس في ثلاثة مواطن: في يوم الجمل و يوم صفين و يوم النهروان فقال: عباد الله اتقوا الله عز و جل و غضوا الأبصار و اخفضوا الاصوات و اقلوا الكلام و وطنوا أنفسكم على المنازلة و المجاولة و المبارزة و المعانقة و المكارمة و اثبتوا و اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم و اصبروا إن الله مع الصابرين اللهم ألهمهم الصبر و أنزل عليهم النصر و أعظم لهم الأجر. و لنعد إلى قول الطبري:و خرج الاشتر حتى قدم على القوم فاتبع ما أمره علي عليه السلام و كف عن القتال فلم يزالوا متواقفين حتى إذا كان عند المساء حمل عليهم أبو الاعور السلمى‏ فثبتوا له و اضطربوا ساعة ثم إن أهل الشام انصرفوا ثم خرج إليهم من الغد هاشم ابن عتبة الزهري في خيل و رجال حسن عددها و عدتها و خرج إليه أبو الأعور فاقتتلوا يومهم ذلك تحمل الخيل على الخيل و الرجال على الرجال و صبر القوم بعضهم لبعض ثم انصرفوا و حمل عليهم الاشتر فقتل عبد الله بن المنذر التنوخي قتله يومئذ ظبيان بن عمار التميمي و ما هو إلا فتى حدث و إن كان التنوخي لفارس أهل الشام.

و أخذ الاشتر يقول و يحكم أرونى أبا الاعور. ثم ان أبا الاعور دعا لناس فرجوا نحوه.فوقف من وراء المكان الذي كان فيه أول مرة و جاء الاشتر حتى صف أصحابه في المكان الذي كان فيه أبو الاعور فقال الاشتر لسنان بن مالك النخعي انطلق إلى أبي الاعور فادعه إلى المبارزة فقال إلى مبارزتي أو مبارزتك فقال له الاشتر لو امرتك بمبارزته فعلت قال نعم و الله لو امرتني ان اعترض صفهم بسيفي ما رجعت أبدا حتى اضرب بسيفي في صفهم قال له الاشتر يا ابن اخي اطال الله بقاءك قد و الله ازددت رغبة فيك لا أمرتك بمبارزته انما امرتك ان تدعوه إلى مبارزتي انه لا يبرز ان كان ذلك من شأنه إلا لذوي الاسنان و الكفاءة و الشرف و أنت لربك الحمد من أهل الكفاءة و الشرف غير أنك فتى حدث السن فليس بمبارز الاحداث و لكن ادعه إلى مبارزتي، فأتاه فنادى آمنونى فاني رسول فاومن فجاء حتى انتهى إلى أبي الأعور قال أبو مخنف فحدثني النضر بن صالح أبو زهير العبسى قال حدثني سنان قال فدنوت منه فقلت ان الاشتر يدعوك إلى مبارزته قال فسكت عنى طويلا ثم قال إن خفة الاشتر و سوء رأيه هو حمله على اجلاء عمال ابن عفان من العراق و انتزائه عليه بقبح محاسنه، و من خفة الاشتر و سوء رأيه أن سار إلى ابن عفان في داره و قراره حتى قتله فيمن قتله فاصبح متبعا بدمه ألا لا حاجة لي في مبارزته.

قال قلت انك قد تكلمت فاسمع حتى اجيبك فقال لا حاجة لي في الاستماع منك و لا في جوابك اذهب عنى فصاح بي أصحابه فانصرفت عنه و لو سمع إلى لأخبرته بعذر صاحبي و لحجته.

فرجعت إلى الاشتر فأخبرته انه قد أبي المبارزة فقال لنفسه نظر. فوافقناهم حتى حجز الليل بيننا و بينهم و بتنا متحارسين فلما اصبحنا نظرنا فاذا القوم قد انصرفوا من تحت ليلتهم و يصبحنا علي بن أبي طالب غدوة فقدم الاشتر فيمن كان معه في تلك المقدمة حتى انتهى إلى معاوية فوافقه و جاء على في اثره فلحق بالأشتر سريعا فوقف و تواقفوا طويلا.

ثم ان عليا عليه السلام طلب موضعا لعسكره فلما وجده امر الناس فوضعوا الأثقال فلما فعلوا ذهب شباب الناس و غلمتهم يستقون فمنعهم أهل الشام فاقتتل الناس على الماء و قد كان الاشتر قال له قبل ذلك إن القوم قد سبقوا إلى الشريعة و إلى سهولة الارض و سعة المنزل فان رأيت سرنا نجوزهم إلى القرية التي خرجوا منها فانهم يشخصون في اثرنا فاذاهم لحقونا نزلنا فكنا نحن و هم على السواء فكره ذلك علي عليه السلام و قال ليس كل الناس يقوى على المسير فنزل بهم.

«القتال على الماء»

قال الطبري قال أبو مخنف و حدثني تميم بن الحارث الأزدى عن جندب بن عبد الله قال إنا لما انتهينا إلى معاوية وجدناه قد عسكر في موضع سهل افيح قد اختاره قبل قدومنا إلى جانب شريعة في الفرات ليس في ذلك الصقع شريعة غيرها و جعلها في حيزة و بعث عليها أبا الاعور يمنعها و يحميها فارتفعنا على الفرات رجاء أن نجد شريعة غيرها نستغني بها عن شريعتهم فلم نجدها فأتينا عليا عليه السلام فاخبرناه بعطش الناس و أنا لا نجد غير شريعة القوم قال فقاتلوهم عليها فجاءه الاشعث بن قيس الكندي فقال أنا اسير إليهم فقال له علي عليه السلام فسر إليهم فسار و سرنا معه حتى إذا دنونا من الماء ثاروا في وجوهنا ينضحوننا بالنبل و رشقناهم و الله بالنبل ساعة ثم اطعنا و الله بالرماح طويلا ثم صرنا آخر ذلك نحن و القوم إلى السيوف فاجتلدنا بها ساعة.

ثم ان القوم اتاهم يزيد بن أسد البجلي ممدا في الخيل و الرجال فأقبلوا نحونا فقلت في نفسى فأمير المؤمنين لا يبعث إلينا بمن يغني عنا هؤلاء فذهبت و التفت فاذاعدة القوم أو اكثر قد سرحهم إلينا ليغنوا عنا يزيد بن اسد و أصحابه عليهم شبث بن ربعي الرياحى فو الله ما ازداد القتال الاشدة و خرج إلينا عمرو بن العاص من عسكر معاوية في جند كثير فاخذ يمد أبا الاعور و يزيد بن اسد و خرج الاشتر من قبل علي عليه السلام في جمع عظيم فلما رأى الأشتر عمرو بن العاص يمد أبا الاعور و يزيد بن أسد امد الاشعث ابن قيس و شبث بن ربعي فاشتد قتالنا و قتالهم فما أنسى قول عبد الله بن عوف بن الأحمر الأزدى:

خلوا لنا ماء الفرات الجاري‏ أو اثبتوا لجحفل جرار
لكل قرم مستميت شاري‏ مطاعن برمحه كرار
ضراب‏ها مات العدى مغوار

قال أبو مخنف و حدثني رجل من آل خارجة بن التميمي أن ظبيان بن عمارة جعل يومئذ يقاتل و هو يقول:

هل لك يا ظبيان من بقاء فى ساكن الأرض بغير ماء
لا و إله الأرض و السماء فاضرب وجوه الغدر الأعداء
بالسيف عند حمس الوغاء حتى يجيبوك إلى السواء

قال ظبيان فضربناهم و الله حتى خلونا و اياه و قال محمد بن محنف بن سليم فقاتلناهم فما أمسينا حتى رأينا سقاتنا و سقاتهم يزدحمون على الشريعة و ما يؤذي انسان انسانا، و قال أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي في مروج الذهب: و علي عليه السلام بدور في عسكره بالليل فسمع قائلا و هو يقول:

أ يمنعنا القوم ماء الفرات‏ و فينا الرماح و فينا الحجف‏
و فينا علي عليه السلام له صولة إذا خوفوه الردى لم يخف‏
و نحن غداة لقينا الزبير و طلحة خضنا غمار التلف‏
فما بالنا الامس اسد العرين‏ و ما بالنا اليوم شاء النجف‏

قال أبو مخنف و حدثنى يوسف بن يزيد عن عبد الله بن عوف بن الأحمر قال لما قدمنا على معاوية و أهل الشام بصفين وجدناهم قد نزلوا منزلا اختاروه مستويا بساطا واسعا أخذوا الشريعة فهى في أيديهم.

و قال المسعودي في مروج الذهب و عسكر معاوية في موضع سهل افيح اختاره قبل قدوم علي عليه السلام على شريعة لم يكن على الفرات في ذلك الموضع اسهل منها للوارد إلى الماء و ما عداها اخراق عالية و مواضع إلى الماء وعرة و وكل أبا الاعور السلمي بالشريعة مع أربعين ألفا و كان على مقدمته.

و قال أبو مخنف و قد صف أبو الاعور السلمي عليها الخيل و الرجال و قد قدم المرامية امام من معه و صف صفا معهم من الرماح و الدرق و على رؤوسهم البيض و قد اجمعوا على أن يمنعونا الماء ففزعنا إلى امير المؤمنين فخبرناه بذلك فدعا صعصعة ابن صوحان فقال له ائت معاوية و قل له انا سرنا مسيرنا هذا إليكم و نحن نكره قتالكم قبل الاعذار إليكم و إنك قدمت إلينا خيلك و رجالك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك و بدأتنا بالقتال و نحن من رأينا الكف عنك حتى ندعوك و نحتج عليك و هذه اخرى قد فعلتموها قد حلتم بين الناس و بين الماء و الناس غير منتهين أو يشربوا فابعث إلى أصحابك فليخلوا بين الناس و بين الماء و يكفوا حتى ننظر فيما بيننا و بينكم و فيما قدمنا له و قدمتم له و إن كان أعجب إليك أن نترك ما جئنا له و نترك الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا.

فقال معاوية لأصحابه ما ترون فقال الوليد بن عقبة امنعهم الماء كما منعوه عثمان بن عفان حصروه أربعين صباحا يمنعونه برد الماء و لين الطعام، اقتلهم عطشا قتلهم الله عطشا، فقال له عمرو بن العاص خل بينهم و بين الماء فان القوم لن يعطشوا و أنت ريان و لكن بغير الماء فانظر ما بينك و بينهم فاعاد الوليد بن عقبة مقالته.

و قال المسعودي: و وكل معاوية أبا الاعور السلمي بالشريعة مع أربعين ألفا و كان على مقدمته و بات علي عليه السلام و جيشه في البر عطاشا قد حيل بينهم و بين الورود إلى الماء فقال عمرو بن العاص لمعاوية ان عليا لا يموت عطشا هو و تسعون الفا من أهل العراق و سيوفهم على عواتقهم و لكن دعهم يشربون و نشرب فقال معاوية لا و الله‏ أو يموتوا عطشا كما مات عثمان.

و قال عبد الله بن أبي سرح امنعهم الماء إلى الليل فانهم ان لم يقدروا عليه رجعوا و لو قد رجعوا كان رجوعهم فلا امنعهم الماء منعهم الله يوم القيامة.

فقال صعصعة انما يمنعه الله عز و جل يوم القيامة الكفرة الفسقة و شربة الخمر ضربك و ضرب هذا الفاسق يعنى الوليد بن عقبة قال فتواثبوا اليه يشتمونه و يتهددونه فقال معاوية كفوا عن الرجل فانه رسول.

قال أبو مخنف و حدثني يوسف بن يزيد عن عبد الله بن عوف بن الأحمر أن صعصعة رجع الينا فحدثنا عما قال لمعاوية و ما كان منه و ما رد فقلنا فما رد عليك فقال لما اردت الانصراف من عنده قلت ما ترد على؟ قال معاوية سيأتيكم رأيي فو الله ما راعنا إلا تسريته الخيل إلى أبى الاعور ليكفهم عن الماء قال فأبرزنا علي عليه السلام إليهم فارتمينا ثم اطعنا ثم اضطربنا بالسيوف فنصرنا عليهم فصار الماء في ايدينا فقلنا لا و الله لا نسقيهموه فأرسل إلينا علي أن خذوا من الماء حاجتكم و ارجعوا إلى عسكركم و خلوا عنهم فان الله عز و جل قد نصركم عليهم بظلمهم و بغيهم.

و قال المسعودى في مروج الذهب: قال معاوية لعمرو بن العاص يا أبا عبد الله ما ظنك بالرجل (يعني بالرجل عليا عليه السلام) أ تراه يمنعنا الماء لمنعنا اياه و قد انحاز بأهل الشام إلى ناحية في البر نائيا عن الماء فقال له عمرو لا ان الرجل جاء لغير هذا و انه لا يرضى حتى تدخل في طاعته او يقطع حبال عاتقك فارسل اليه معاوية يستأذنه في وروده مشرعته و استقاء الناس من طريقه و دخل رسله عسكره فأباحه على كل ما سأل و طلب منه.

أقول انظر إلى سيرة ولي الله الأعظم أمير المؤمنين علي عليه السلام مع الناس حتى مع الاعداء بعين المعرفة و البصيرة و إلى دأب معاوية أيضا حتى يتبين لك الفرق بين رجل الهي و بين الذي استحوذ عليه الشيطان و تردى في هواه، حيث ترى ان معاوية قدم أولا و اختار منزلا مستويا بساطا واسعا و اخذ الشريعة و منع عليا عليه السلام و أصحابه الماء مع أن النبي صلى الله عليه و آله جعل الناس في الماء و الكلاء و النار شرعا سواء و لما غلب علي عليه السلام و عسكره عليهم خلوا بينهم و بين الماء ثم وعظ علي عسكره بان الظالم و الباغي منكوب و مغلوب لا محالة و إن كان له جولان في برهة من الزمان حيث قال عليه السلام فان الله عز و جل قد نصركم عليهم بظلمهم و بغيهم.

و أما منع الناس عثمان من الطعام و الشراب و حصرهم اياه أربعين صباحا او أكثر فيأتي كلامنا فيه في المباحث الاتية مع أن أمير المؤمنين علي عليه السلام قد انكر منع الماء و الطعام على عثمان و أنفذ من مكن من حمل ذلك لانه كان فى الدار من الحرم و النسوان و الصبيان من لا يحل منعه من الطعام و الشراب.

و قال ابن قتيبة الدينورى فى كتابه الامامة و السياسة المعروف بتاريخ الخلفاء:و بعث عثمان إلى على عليه السلام يخبره انه منع الماء و يستغيث به فبعث اليه على عليه السلام ثلاث قرب مملوءة ماء فما كادت تصل اليه، فقال طلحة ما أنت و هذا؟.

و العجب من هؤلاء الطغام كيف تمسكوا بالاباطيل و الاضاليل فخدعوا أتباعهم و من تتبع فى الاثار و الأخبار يرى بعين اليقين أن معاوية لم يلف شيئا يستضل و يستغوى به الناس إلا أن يتمسك بتلك الأقوال كما استمسك بها سخلته يزيد لما اراد أن يحرض الناس فى قتل حسين بن على عليهما السلام و العجب أن معاوية منع أمير المؤمنين عليا عليه السلام و أصحابه من الماء و لما استولى عليه السلام عليهم خلى بينهم و بين الماء و يزيد بن معاوية منع حسين بن على و اشياعه من الماء و هم سقوا قومه و ارووهم من الماء حتى رشفوا خيلهم حذو النعل بالنعل.

قال الطبرى فى حديث اقبال الحسين بن على عليهما السلام إلى كربلاء و مجي‏ء الحر مع قومه اليه فى أثناء الطريق باسناده عن عبد الله بن سليم و المذرى المشمعل الأسديين قالا اقبل الحسين عليه السلام حتى نزل شراف فلما كان فى السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا ثم ساروا منها فرسموا صدر يومهم حتى انتصف النهار ثم إن رجلا قال الله اكبر فقال الحسين عليه السلام الله أكبر ما كبرت؟ قال رأيت النخل فقال له الاسديان إن هذا المكان ما رأينا به نخلة قط قالا فقال لنا الحسين عليه السلام فما تريانه رأى؟ قلنا نراه رأى هوادى الخيل فقال و أنا و الله أرى ذلك. فقال الحسين عليه السلام‏ أمالنا ملجأ نلجأ اليه نجعله فى ظهورنا و نستقبل القوم من وجه واحد؟ فقلنا له بلى هذا ذو حسم إلى جنبك تميل إليه عن يسارك فإن سبقت القوم إليه فهو كما تريد.

قال فأخذ إليه ذات اليسار قال و ملنا معه فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادى الخيل فتبيناها و عدلنا فلما رأونا و قد عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كأن أسنتهم اليعاسيب و كان راياتهم أجنحة الطير. قال فاستبقنا إلى ذى حسم فسبقناهم إليه فنزل الحسين عليه السلام فأمر بأبنيته فضربت و جاء القوم و هم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي اليربوعي حتى وقف هو و خيله مقابل الحسين عليه السلام في حر الظهيرة و الحسين و أصحابه معتمون متقلدوا أسيافهم. فقال الحسين عليه السلام لفتيانه اسقوا القوم و ارووهم من الماء و رشفوا الخيل نر شيفا فقام فتيانه فرشفوا الخيل ترشيفا فقام فتية و سقوا القوم من الماء حتى أرووهم و اقبلوا يملئون القصاع و الأتوار و الطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس فاذا عب فيه ثلاثا أو أربعا او خمسا عزلت عنه و سقوا آخر حتى سقوا الخيل كلها.

ثم قال: قال على بن الطعان المحاربى كنت مع الحر بن يزيد فجئت فى آخر من جاء من أصحابه فلما رأى الحسين عليه السلام ما بى و بفرسى من العطش قال أنخ الراوية و الراوية عندى السقاء ثم قال يا ابن أخى أنخ الجمل فأنخته فقال اشرب فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء فقال الحسين عليه السلام اخنث السقاء اى اعطفه قال فجعلت لا أدرى كيف أفعل قال فقام الحسين عليه السلام فخنثه فشربت و سقيت فرسى.

إلى أن قال الطبرى باسناده عن حميد بن مسلم الازدى قال:جاء من عبيد الله بن زياد كتاب إلى عمر بن سعد: أما بعد فحل بين الحسين و أصحابه و بين الماء و لا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقى الزكى المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان. قال فبعث عمر بن سعد عمرو بن الحجاج على خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة و حالوا بين حسين و أصحابه و بين الماء أن يسقوا منه قطرة و ذلك قبل قتل الحسين بثلاث. قال و نازله عبد الله بن أبى حصين الأزدى و عداده في بجيلة فقال يا حسين ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء و الله لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا، فقال حسين عليه السلام اللهم اقتله عطشا و لا تغفر له أبدا. قال حميد بن مسلم و الله لعدته بعد ذلك فى مرضه فو الله الذي لا إله إلا هو لقد رأيته يشرب حتى بغر ثم‏ يقي‏ء ثم يعود فيشرب حتى يبغر فما يروى فما زال ذلك دأبه حتى لفظ غصته يعنى نفسه.

و أقول لا يخفى على الباحث فى السير و الاثار أن دأب بنى هاشم كان على تأليف قلوب الناس و الاخذ بايديهم و ايصال الخير اليهم و افشاء المعروف فيهم و كانوا من بيت علم و حلم و كرم و سخاوة بحيث يؤثرون الناس فى شدائد الاحوال على انفسهم و خصال صفاتهم لا يحصى و أن شيمة بنى امية كانت على ضد ما كان فى بنى هاشم و كانوا عبيد الدنيا و اسرة الهوى. و لنعد إلى القصة.

 «دعاء على عليه السلام معاوية الى الطاعة و الجماعة»

قال الطبرى: قال أبو مخنف حدثنى عبد الملك بن أبى حرة الحنفى أن عليا قال هذا يوم نصرتم فيه بالحمية و جاء الناس حتى أتوا عسكرهم فمكث على عليه السلام يومين لا يرسل إلى معاوية أحدا و لا يرسل اليه معاوية.

ثم إن عليا عليه السلام دعا بشير بن عمرو بن محصن الأنصارى و سعيد بن قيس الهمدانى و شبث بن ربعى التميمى فقال ائتوا هذا الرجل فادعوه إلى الله و إلى الطاعة و الجماعة فقال له شبث بن ربعى يا أمير المؤمنين ألا تطمعه فى سلطان توليه إياه و منزلة يكون له بها أثرة عندك إن هو بايعك؟ فقال علي عليه السلام ائتوه فالقوه و احتجوا عليه و انظروا ما رأيه و هذا في أول ذى الحجة فأتوه و دخلوا عليه فحمد الله و اثنى عليه أبو عمرة بشير ابن عمرو و قال يا معاوية إن الدنيا عنك زائلة و إنك راجع إلى الاخرة و إن الله عز و جل محاسبك بعملك و جازيك بما قدمت يداك و إني انشدك الله عز و جل أن تفرق جماعة هذه الامة و أن تسفك دماءها بينها فقطع عليه الكلام و قال هلا أوصيت بذلك صاحبك؟ فقال أبو عمرة إن صاحبى ليس مثلك إن صاحبى احق البرية كلها بهذا الأمر فى الفضل و الدين و السابقة في الإسلام و القرابة من الرسول صلى الله عليه و آله قال:

فيقول ما ذا؟ قال يأمرك بتقوى الله عز و جل و إجابة ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحق فانه اسلم لك في دنياك و خير لك في عاقبة أمرك.

قال معاوية: و نطل دم عثمان لا و الله لا أفعل ذلك أبدا. فذهب سعيد بن قيس‏

يتكلم فبادره شبث بن ربعى فتكلم فحمد الله و اثنى عليه و قال يا معاوية إني قد فهمت ما رددت على ابن محصن انه و الله لا يخفى علينا ما تغزو و ما تطلب إنك لم تجد شيئا تستغوى به الناس و تستميل به أهوائهم و تستخلص به طاعتهم إلا قولك قتل إمامكم مظلوما فنحن نطلب بدمه فاستجاب له سفهاء طغام و قد علمنا أن قد أبطأت عنه بالنصر و احببت له القتل لهذه المنزلة التي أصبحت تطلب و رب متمنى أمر و طالبه، الله عز و جل يحول دونه بقدرته و ربما اوتى المتمنى امنيته و فوق امنيته و والله مالك فى واحدة منهما خير لئن أخطات ما ترجو انك لشر العرب حالا فى ذلك و لئن أصبت ما تمنى لا تصيبه حتى تستحق من ربك صلي النار فاتق الله يا معاوية ودع ما أنت عليه و لا تنازع الأمر أهله.

فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فان أول ما عرفت فيه سفهك و خفة حلمك قطعك على هذا الحسيب الشريف سيد قومه منطقه ثم عنيت بعد فيما لا علم لك به فقد كذبت و لومت أيها الأعرابي الجلف الجافى فى كل ما ذكرت و وصفت انصرفوا من عندى فانه ليس بيني و بينكم إلا السيف و غضب.

و خرج القوم و شبث يقول أفعلينا تهول بالسيف اقسم بالله ليعجلن بها إليك فأتوا عليا و أخبروه بالذى كان من قوله و ذلك في ذى الحجة.

فاخذ علي عليه السلام يأمر الرجل ذا الشرف فيخرج معه جماعة و يخرج إليه من أصحاب معاوية آخر معه جماعة فيقتلان في خيلهما و رجالهما ثم ينصرفان و أخذوا يكرهون أن يلقوا بجمع أهل العراق أهل الشام لما يتخوفون أن يكون في ذلك من الاستئصال و الهلاك فكان على عليه السلام يخرج مرة الأشتر و مرة حجر بن عدى الكندى و مرة شبث بن ربعي و مرة خالد بن المعمر و مرة زياد بن النضر الحارثي و مرة زياد بن خصفة التيمى و مرة سعيد بن قيس و مرة معقل بن قيس الرياحى و مرة قيس بن سعد و كان أكثر القوم خروجا اليهم الأشتر.

و كان معاوية يخرج اليهم عبد الرحمن بن خالد المخزومى و أبا الاعور السلمي و مرة حبيب بن مسلمة الفهرى و مرة ابن ذى الكلاع الحميرى و مرة عبيد الله بن‏ عمر بن الخطاب و مرة شرحبيل بن السمط الكندى و مرة حمزة بن مالك الهمدانى فاقتتلوا من ذى الحجة كلها و ربما اقتتلوا فى اليوم الواحد مرتين اوله و آخره.

قال أبو مخنف: حدثنى عبد الله بن عامر الفائشى قال حدثنى رجل من قومى أن الأشتر خرج يوما يقاتل بصفين في رجال من القراء و رجال من فرسان العرب فاشتد قتالهم فخرج علينا رجل و الله لقل ما رأيت رجلا قط هو اطول و لا أعظم منه فدعا إلى المبارزة فلم يخرج اليه احد إلا الأشتر فاختلفا ضربتين فضربه الأشتر فقتله و ايم الله لقد كنا اشفقنا عليه و سألناه ألا يخرج اليه فلما قتله الأشتر نادى مناد من أصحابه.

يا سهم سهم ابن أبى العيزار يا خير من نعلمه من زار

و زاره حى من الازد و قال اقسم بالله لأقتلن قاتلك او ليقتلنى فخرج فحمل على الأشتر و عطف عليه الأشتر فضربه فاذا هو بين يدي فرسه و حمل عليه أصحابه فاستنقذوه جريحا فقال أبو رفيقة الفهمى هذا كان نارا فصادف إعصارا و اقتتل الناس ذا الحجة كلها فلما انقضى ذو الحجة تداعى الناس إلى أن يكف بعضهم عن بعض المحرم لعل الله أن يجرى صلحا او اجتماعا فكف بعضهم عن بعض. و حج بالناس في هذه السنة عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بأمر على عليه السلام اياه بذلك.

ثم دخلت سنة سبع و ثلاثين فكان في أول شهر منها و هو المحرم موادعة الحرب بين على عليه السلام و معاوية قدتوا دعا على ترك الحرب فيه إلى انقضائه طمعا في الصلح.

قال المسعودى في مروج الذهب: و لما كان أول يوم من ذى الحجة بعد نزول على عليه السلام هذا الموضع بيومين بعث إلى معاوية يدعوه إلى اتحاد الكلمة و الدخول في جماعة المسلمين و طالت المراسلة بينهما فاتفقوا على الموادعة إلى آخر المحرم في سنة سبع و ثلاثين و امتنع المسلمون عن الغزو في البحر و البر لشغلهم بالحروب و قد كان معاوية صالح ملك الروم على مال يحمله اليه لشغله بعلى عليه السلام و لم يتم بين على و معاوية صلح على غير ما اتفقا عليه من الموادعة في المحرم و عزم القوم على الحرب‏ بعد انقضاء المحرم ففي ذلك يقول حابس بن سعد الطائي صاحب راية معاوية:

فما دون المنايا غير سبع‏ بقين من المحرم او ثمان‏

و قال أبو جعفر الطبرى: فذكر هشام بن محمد عن أبي مخنف الازدى قال حدثني سعد ابو المجاهد الطائي عن المحل بن خليفة الطائي قال لما توادع علي عليه السلام و معاوية يوم صفين اختلف فيما بينهما الرسل رجاء الصلح فبعث على عليه السلام عدي بن حاتم و يزيد بن قيس الارحبى و شبث بن ربعى و زياد بن خصفة إلى معاوية فلما دخلوا حمد الله عدي بن حاتم ثم قال أما بعد فإنا أتيناك ندعوك إلى أمر يجمع الله عز و جل به كلمتنا و امتنا و يحقن به الدماء و يأمن به السبل و يصلح به ذات البين إن ابن عمك سيد المسلمين أفضلها سابقة و أحسنها فى الأسلام أثرا و قد استجمع له الناس و قد أرشدهم الله عز و جل بالذى رأوا فلم يبق احد غيرك و غير من معك فانته يا معاوية لا يصبك الله و أصحابك بيوم مثل يوم الجمل.

فقال معاوية كأنك إنما جئت متهددا لم تأت مصلحا هيهات يا عدي كلا و الله إنى لابن حرب ما يقعقع لى بالشنان أما و الله إنك لمن المجلبين على ابن عفان و إنك لمن قتلته و إني لأرجو أن تكون ممن يقتل الله عز و جل به هيهات يا عدى ابن حاتم قد حلبت بالساعد الاشد.

فقال له شبث بن ربعى و زياد بن خصفة و تنازعا جوابا واحدا أتيناك فيما يصلحنا و إياك فأقبلت تضرب لنا الامثال دع ما لا ينتفع به من القول و الفعل واجبنا فيما يعمنا و إياك نفعه.

و تكلم يزيد بن قيس فقال إنا لم نأتك إلا لنبلغك ما بعثنا به إليك و لنؤدى عنك ما سمعنا منك و نحن على ذلك لم ندع أن ننصح لك و أن نذكر ما ظننا أن لنا عليك حجة و أنك راجع به إلى الالفة و الجماعة إن صاحبنا من قد عرفت و عرف المسلمون فضله و لا أظنه يخفى عليك إن أهل الدين و الفضل لن يعدلوا بعلى عليه السلام و لن يميلوا بينك و بينه فاتق الله يا معاوية و لا تخالف عليا عليه السلام فانا و الله ما رأينا رجلا قط اعمل بالتقوى و لا ازهد فى الدنيا و لا اجمع لخصال الخير كلها منه.

فحمد الله معاوية و أثنى عليه ثم قال: أما بعد فانكم دعوتم إلى الطاعة و الجماعة فأما الجماعة التي دعوتم إليها فمعنا هى و أما الطاعة لصاحبكم فانا لا نراها إن صاحبكم قتل خليفتنا و فرق جماعتنا و آوى ثأرنا و قتلتنا و صاحبكم يزعم انه لم يقتله فنحن لا نرد ذلك عليه أرايتم قتلة صاحبنا ألستم تعلمون انهم أصحاب صاحبكم فليدفعهم الينا فلنقتلهم به ثم نحن نجيبكم إلى الطاعة و الجماعة.

فقال له شبث أيسرك يا معاوية أنك أمكنت من عمار تقتله؟ فقال معاوية و ما يمنعني من ذلك و الله لو أمكنت من ابن سمية ما قتلته بعثمان و لكن كنت قاتله بناتل مولى عثمان.

أقول: عمار هذا هو أبو اليقظان عمار بن ياسر رضى الله عنه و هو من خيار أصحاب النبي صلى الله عليه و آله الذي قال رسول الله صلى الله عليه و آله فيه: ان عمارا ملى‏ء إيمانا من قرنه إلى قدمه و اختلط الايمان بلحمه و دمه. و جلالة قدره و كثرة ثباته و استقامته في الدين مما لا يخفى على احد.

و سمية «على التصغير» رضي الله عنها كانت امه و هي ممن عذب في الله بل ذكر بقلة الاثار إن أول شهيد استشهد فى الاسلام ام عمار سمية طعنها أبو جهل بطعنة في قبلها او قلبها. و إنما قال شبث لمعاوية أيسرك أنك امكنت من عمار تقتله، لأن النبي صلى الله عليه و آله قال فيه إنما تقتلك الفئة الباغية. و هذا هو المنقول عن الفريقين بلا كلام فكانما شبث قال لمعاوية أنت تعلم ان رسول الله صلى الله عليه و آله قال فيه كذا أ فترضى أن تكون أنت و قومك الفئة الباغية و تحب ان تكونوا منهم و قاتل عمار بنص رسول الله صلى الله عليه و آله الفئة الباغيه.

فاجابه معاوية بقوله لو امكنت من ابن سمية يعنى عمارا ما قتلته بدل عثمان بل كنت قاتله بدل ناتل مولى عثمان يعنى ان عمارا لا يليق ان يقتل بدل عثمان بل بدل مولاه.

فانظر ايها البصير في الامور في قساوة معاوية و تجريه و هتكه و فظاظته كيف يعترف ببغيه و عناده على رسول الله صلى الله عليه و آله و مع ذلك ينسبه إلى الدين و يعرفه خليفة المسلمين و أمير المؤمنين.

و البصير في السير يعلم أن عليا عليه السلام لم يكن في قتل عثمان شريكا بل كان ناهيا عن ذلك و قال غير واحد من نقلة الاثار من الفريقين إنه عليه السلام كان ينهى الناس عن قتله و سيجي‏ء الكلام فيه في محله و إنما معاوية لم يجد شيئا يستغوى به الناس و يستميل به اهوائهم و تستخلص به طاعتهم إلا قوله: قتل إمامكم عثمان مظلوما فنحن نطلب بدمه.

و سيأتى من عمار رحمه الله كما فى تاريخ الطبرى حيث يقول عمار لقوم معاوية في صفين: و لم يكن للقوم سابقة في الاسلام يستحقون بها طاعة الناس و الولاية عليهم فخدعوا أتباعهم أن قالوا إمامنا قتل مظلوما ليكونوا بذلك جبابرة ملوكا و تلك مكيدة بلغوا بها ما ترون و لو لا هى ما تبعهم من الناس رجلان.و يأتي ترجمة عمار و أبوه ياسر و امه سمية و نسبه و قتله في سبيل الله عن قريب فلنعد إلى القصة.

فقال له شبث و إله الأرض و إله السماء اما عدلت معتدلا لا و الذى لا إله إلا هو لا تصل إلى عمار حتى تندر الهام عن كواهل الأقوام و تضيق الأرض الفضاء عليك برحبها.

فقال له معاوية انه لو قد كان ذلك كانت الأرض عليك اضيق. و تفرق القوم عن معاوية فلما انصرفوا بعث معاوية إلى زياد بن خصفة التيمى فخلا به فحمد الله و اثنى عليه و قال أما بعد يا أخا ربيعة فإن عليا قطع ارحامنا و آوى قتلة صاحبنا «يعنى بالصاحب عثمان» و إنى أسألك النصر عليه باسرتك و عشيرتك ثم لك عهد الله جل و عز و ميثاقه أن اوليك إذا ظهرت «اى غلبت» اى المصرين احببت.

قال الطبرى قال أبو مخنف فحدثنى سعد أبو المجاهد عن المحل بن خليفة قال سمعت زياد بن خصفة يحدث بهذا الحديث قال فلما قضى معاوية كلامه حمدت الله عز و جل و اثنيت عليه ثم قلت: أما بعد فانى على بينة من ربي و بما انعم على فلن اكون ظهيرا للمجرمين ثم قمت.

فقال معاوية لعمرو بن العاص و كان إلى جنبه جالسا يكلم رجل منا رجلامنهم فيجيب إلى خير مالهم عضبهم الله بشر ما قلوبهم إلا كقلب رجل واحد.

قال الطبرى قال أبو مخنف فحدثنى سليمان بن راشد الأزدى عن عبد الرحمن ابن عبيد أبى الكنود أن معاوية بعث إلى على عليه السلام حبيب بن مسلمة الفهرى و شرحبيل ابن السمط و معن بن يزيد بن الأخنس فدخلوا عليه و أنا عنده فحمد الله حبيب و أثنى عليه ثم قال أما بعد فان عثمان بن عفان كان خليفة مهديا يعمل بكتاب الله عز و جل و ينيب إلى أمر الله تعالى فاستثقلتم حياته و استبطأتم وفاته فعدوتم عليه فقتلتموه فادفع الينا قتلة عثمان إن زعمت أنك لم تقتله نقتلهم به ثم اعتزل أمر الناس فيكون امرهم شورى بينهم يولى الناس امرهم من اجمع عليه رأيهم.

فقال له على بن أبي طالب عليه السلام و ما أنت لا ام لك و العزل و هذا الأمر اسكت فإنك لست هناك و لا بأهل له.

فقام و قال له و الله لترينى بحيث تكره.

فقال علي عليه السلام و ما أنت و لو اجلبت بخيلك و رجلك لا أبقى الله عليك إن أبقيت على أحقره و سوءا اذهب فصوب و صعد ما بدا لك.

و قال شرحبيل بن السمط إني إن كلمتك فلعمرى ما كلامى إلا مثل كلام صاحبى قبل فهل عندك جواب غير الذي أجبته به؟.

فحمد الله و أثنى عليه ثم قال: أما بعد فان الله جل ثناؤه بعث محمدا صلى الله عليه و آله بالحق فانقذ به من الضلالة و انتاش به من الهلكة و جمع به من الفرقة ثم قبضه الله اليه و قد أدى ما عليه صلى الله عليه و آله ثم استخلف الناس أبا بكر و استخلف أبو بكر عمر فأحسنا السيرة و عدلا في الامة و قد وجدنا عليهما أن توليا علينا و نحن آل رسول الله صلى الله عليه و آله فغفرنا ذلك لهما و ولي عثمان فعمل بأشياء عابها الناس عليه فساروا اليه فقتلوه ثم أتاني الناس و أنا معتزل امورهم فقالوا لي بايع فأبيت عليهم فقالوا لى بايع فان الامة لا ترضى إلا بك و إنا نخاف إن لم تفعل أن يفترق الناس فبايعتهم فلم يرعنى إلا شقاق رجلين قد بايعانى و خلاف معاوية الذي لم يجعل الله عز و جل له سابقة في الدين و لا سلف صدق فى الاسلام طليق ابن طليق حزب من هذه الاحزاب لم يزل لله عز و جل‏ و لرسوله صلى الله عليه و آله و للمسلمين عدو هو و ابوه حتى دخلا فى الاسلام كارهين فلا غرو إلا خلافكم معه و انقيادكم له و تدعون آل نبيكم صلى الله عليه و آله الذين لا ينبغي لكم شقاقهم و لا خلافهم و لا أن تعدلوا بهم من الناس أحدا ألا أني أدعوكم إلى كتاب الله عز و جل و سنة نبيه صلى الله عليه و آله و إماتة الباطل و إحياء معالم الدين أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم و لكل مؤمن و مؤمنة و مسلم و مسلمة.

أقول كلامه عليه السلام هذا ليس في نهج البلاغة و كم له عليه السلام من كلام لم يأت به الرضي رضوان الله عليه في النهج و لم يعثر عليه و هو (ره) معترف بذلك حيث يقول في مقدمته على النهج: مفضلا فيه اوراقا لتكون مقدمة لاستدراك ما عساه يشذ عني عاجلا و يقع إلي آجلا. و لنعد إلى القصة:

فقال شرحبيل أ تشهد أن عثمان قتل مظلوما؟ فقال عليه السلام لهما لا اقول انه قتل مظلوما و لا انه قتل ظالما قالا فمن لم يزعم أن عثمان قتل مظلوما فنحن منه برآء ثم قاما فانصرفا فقال على عليه السلام: «إنك لا تسمع الموتى و لا تسمع الصم الدعاء إذا و لوا مدبرين. و ما أنت بهادى العمى عن ضلالهم إن تسمع إلا من يؤمن باياتنا فهم مسلمون».ثم أقبل على عليه السلام على أصحابه فقال لا يكون هؤلاء أولى بالجد في ضلالهم منكم بالجد في حقكم و طاعة ربكم‏.

 «تكتيب الكتائب و تعبية الناس للقتال»

و مكث الناس حتى إذا دنا انسلاخ المحرم أمر على عليه السلام مرثد بن الحارث الجشمي فنادى أهل الشام عند غروب الشمس ألا إن أمير المؤمنين يقول لكم إني قد استدمتكم لتراجعوا الحق و تنيبوا اليه و احتججت عليكم بكتاب الله عز و جل فدعوتكم إليه فلم تناهوا عن طغيان و لم تجيبوا إلى حق و إني قد نبذت إليكم على سواء إن الله لا يحب الخائنين.

ففزع أهل الشام إلى امرائهم و رؤسائهم و خرج معاوية و عمرو بن العاص في‏ الناس يكتبان الكتائب و يعبيان الناس و اوقدوا النيران و بات على عليه السلام ليلته كلها يعبى الناس و يكتب الكتائب و يدور في الناس يحرضهم.

قال الطبرى قال أبو مخنف و حدثني إسماعيل بن يزيد عن أبي صادق عن الحضرمي قال سمعت عليا يحرض الناس في ثلاثة مواطن يحرض الناس يوم صفين و يوم الجمل و يوم النهر، يقول: عباد الله اتقوا الله و غضوا الابصار و اخفضوا الأصوات و اقلوا الكلام و وطنوا أنفسكم على المنازلة و المجاولة و المبارزة و المناضلة و المبالدة و المعانقة و المكارمة الملازمة فاثبتوا و اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم و اصبروا إن الله مع الصابرين اللهم الهمهم الصبر و انزل عليهم النصر و أعظم لهم الأجر فاصبح علي عليه السلام من الغد فبعث على الميمنة و الميسرة و الرجالة و الخيل.

قال أبو مخنف فحدثني فضيل بن خديج الكندي أن عليا بعث على خيل أهل الكوفة الأشتر و على خيل أهل البصرة سهل بن حنيف و على رجالة أهل الكوفة عمار بن ياسر و على رجالة أهل البصرة قيس بن سعد و هاشم بن عتبة معه رايته و مسعر ابن فدكى التميمي على قراء أهل البصرة و صار أهل الكوفة إلى عبد الله بن بديل و عمار بن ياسر.

قال أبو مخنف و حدثني عبد الله بن يزيد بن جابر الازدي عن القاسم مولى يزيد ابن معاوية أن معاوية بعث على ميمنته ابن ذي الكلاع الحميري، و على ميسرته حبيب بن مسلمة الفهري، و على مقدمته يوم اقبل من دمشق أبا الاعور السلمي و كان على خيل أهل دمشق، و عمرو بن العاص على خيول أهل الشام كلها، و مسلم بن عقبة المري على رجالة أهل دمشق، و الضحاك بن قيس على رجالة الناس كلها و بايع رجال من أهل الشام على الموت فعقلوا أنفسهم بالعمائم فكان المعقلون خمسة صفوف و كانوا يخرجون و يصفون عشرة صفوف و يخرج أهل العراق أحد عشر صفا فخرجوا أول يوم من صفر[6] فاقتتلوا و على من خرج يومئذ من أهل الكوفة الاشتر و على أهل الشام حبيب بن مسلمة الفهري و ذلك يوم الاربعاء فاقتتلوا قتالا شديدا جل النهار ثم تراجعوا و قد انتصف بعضهم من بعض.

«اليوم الثاني»

فلما كان يوم الخميس و هو اليوم الثاني من صفر، أخرج علي عليه السلام هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري المرقال في خيل و رجال حسن عددها و عدتها و هو ابن أخي سد بن أبي وقاص و انما سمى المر قال لانه كان يرقل في الحرب و كان أعور ذهبت عينه يوم اليرموك و كان من شيعة علي عليه السلام، فاخرج إليه معاوية أبا الاعور السلمي و هو سفيان بن عوف و كان من شيعة معاوية و المنحرفين عن علي عليه السلام و كان بينهم الحرب سجالا يحمل الخيل على الخيل و الرجال على الرجال و انصرفوا في آخر يومهم عن قتلي كثير.

«اليوم الثالث»

و أخرج علي عليه السلام في اليوم الثالث من صفر و هو يوم الجمعة أبا اليقظان عمار بن ياسر رضوان الله عليه في عدة من البدريين و غيرهم من المهاجرين و الأنصار فيمن شرع معهم من الناس، و أخرج إليه معاوية عمرو بن العاص في تنوخ و نهر و غيرهما من أهل الشام فاقتتل الناس كأشد القتال و أخذ عمار يقول: يا أهل العراق أ تريدون أن تنظروا إلى من عادى الله و رسوله و جاهدهما و بغى على المسلمين و ظاهر المشركين فلما رأى الله عز و جل يعز دينه و يظهر رسوله أتى النبي صلى الله عليه و آله فاسلم و هو فيما نرى راهب غير راغب ثم قبض الله عز و جل رسوله صلى الله عليه و آله فو الله إن زال بعده معروفا بعداوة المسلم و هوادة المجرم فأثبتوا له و قاتلوه فإنه يطفى‏ء نور الله و يظاهر اعداء الله عز و جل.

أقول: الظاهر ان كلمه إن في قوله إن زال نافية اى ما زال، ثم نقول قد مضى الكلام منا عن رسول الله صلى الله عليه و آله في حق عمار انه ملى‏ء ايمانا من قرنه إلى قدمه الحديث فهو صادق مصدق في قوله ان معاوية كان كذا و كذا و ان اسلامه لم يكن عن رغبة بل عن رهبة لانه لما رأى الله عز و جل يعز دينه و يظهر رسوله اتى النبي صلى الله عليه و آله فأسلم و لما آخى رسول الله صلى الله عليه و آله بين نفر من أصحابه من المهاجرين آخى بين معاوية بن أبي سفيان و الحتات بن يزيد المجاشعي فمات الحتات عند معاوية في جلافته فأخذ معاوية ما ترك وارثة بهذه الاخوة فقال الفرزدق لمعاوية.

أبوك و عمى يا معاوى أورثا تراثا فيحتاز التراث أقاربه‏
فما بال ميراث الحتات أكلته‏ و ميراث حرب جامد لك ذائبه‏

و كذا كان اسلام أبيه أبي سفيان عن رهبة من المسلمين و لم يؤمن واقعا و ما نقلنا من عمار في معاوية نقله أبو جعفر الطبري في تاريخه و غير واحد من حملة الاخبار و نقلة الاثار.

فالعجب من شرذمة من المسلمين قائلين بانا نتوقف في معاوية و لا نقول فيه شيئا بل نرى عن قوم بله فى تصانيفهم يترحمون له و يذكرونه بالخير و الرحمة، نعم من لم يجعل الله له نورا فماله من نور، و سيأتي من عمار رحمه الله فى هؤلاء السفهاء كلام آخر، فلنعد إلى القصة.

فكان مع عمار زياد بن النضر على الخيل فامره أن يحمل فى الخيل فحمل و قاتله الناس و صبروا له و شد عمار فى الرجال فازال عمرو بن العاص عن موقفه و بارز يومئذ زياد بن النضر أخا له لامه يقال له عمرو بن معاوية المنتفق بن عامر بن عقيل و كانت امهما امرأة من بنى يزيد فلما التقيا تعارفا فتوافقا ثم انصرف كل واحد منهما عن صاحبه و تراجع الناس.

«اليوم الرابع»

و أخرج على عليه السلام فى اليوم الرابع من صفر و هو يوم السبت، ابنه محمد ابن‏ الحنفية فى همدان و غيرها ممن خف معه من الناس فأخرج إليه معاوية عبيد الله بن عمر بن الخطاب فى حمير و لخم و جذام فاقتتلوا كأشد القتال.

أقول: انما اشتهر محمد بن على عليه السلام بابن الحنفية لان امه كانت خولة الحنفية و حنيفة كان جدها الاعلى و هى خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن على بن بكر ابن وائل.

و قال الشارح المعتزلي في الجزء الأول من شرحه: و اختلف في امر خولة فقال قوم انها سبية من سبايا الردة قوتل أهلها على يد خالد بن الوليد في أيام أبى بكر لما منع كثير من العرب الزكاة و ارتدت بنو حنيفة و ادعت نبوة مسيلمة و ان أبا بكر دفعها إلى علي عليه السلام من سهمه في المغنم.

و قال قوم منهم أبو الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني هي سبية في أيام رسول الله صلى الله عليه و آله قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام إلى اليمن فاصاب خولة في بني زبيد و قد ارتدوا مع عمر بن معدى كرب و كانت زبيد سبتها من بني حنيفة في غارة لهم عليهم فصارت في سهم علي عليه السلام فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله ان ولدت منك غلاما فسمه باسمى و كنه بكنيتي فولدت له بعد موت فاطمة عليها السلام محمدا فكناه أبا القاسم.

و قال قوم و هم المحققون و قولهم الاظهر ان بني اسد أغارت على بني حنيفة في خلافة أبي بكر فسبوا خولة بنت جعفر و قدموا بها المدينة فباعوها من على عليه السلام و بلغ قومها خبرها فقدموا المدينة على علي عليه السلام فعرفوها و اخبروه بموضعها منهم فاعتقها و مهرها و تزوجها فولدت له محمد فكناه أبا القاسم و هذا القول هو اختيار أحمد ابن يحيى البلاذرى في كتابه المعروف بتاريخ الأشراف.

دفع أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل رايته إلى ابنه محمد ابن الحنفية و قد استوت الصفوف و قال له احمل فتوقف قليلا فقال له احمل فقال يا أمير المؤمنين أما ترى السهام كانها شابيب المطر فدفع في صدره فقال ادركك عرق من امك ثم أخذ الراية فهزها ثم قال:

اطعن بها طعن أبيك تحمد لا خير في الحرب إذا كم توقد
بالمشر في و القنا المسدد

و في مادة «حنف» من سفينة البحار: و قريب منه ما في المجلي لابن أبى جمهور الاحسائى لما حضرت السبى و قد ادخلت الحنفية فيمن ادخل عدلت إلى تربة رسول الله صلى الله عليه و آله فرنت رنة و زفرت زفرة و اعلنت بالبكاء و النحيب تشكو اليها ذل الاسر.

و قالت يا رسول الله نشكو اليك افعال هؤلاء القوم سبونا من غير ذنب و نحن مسلمون.

ثم قالت أيها الناس لم سبيتمونا و نحن نشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله؟

فقال أبو بكر منعتم الزكاة فقال ليس الأمر على ما زعمت وهب الرجال منعوكم الزكاة فما بال النساء المسلمات تسبين.

ثم ذهب اليها طلحة و خالد يرميان بالتزويج إليها ثوبين فقالت لست بعريانة فتكسونى قيل انهما يريدان ان يتزايدا عليك فايهما زاد على صاحبه اخذك من السبى قالت هيهات و الله لا يكون ذلك ابدا و لا يملكني و لا يكون لى ببعل إلا من يخبرني بالكلام الذي قتله ساعة خرجت من بطن امى فسكت الناس ينظر بعضهم إلى بعض و أخذ طلحة و خالد ثوبيهما و جلست الحنفية ناحية من القوم فدخل على ابن أبي طالب عليه السلام فذكروا له حالها فقال هى صادقة فيما قالت و كان حالها و قصتها كيت و كيت فى حال ولادتها و كل ذلك مكتوب على لوح معها فرمت باللوح اليهم لما سمعت كلامه عليه السلام فقراوها على ما حكى أمير المؤمنين عليه السلام لا يزيد حرفا و لا ينقص فقال أبو بكر خذها يا أبا الحسن بارك الله لك فيها فبعث على عليه السلام خولة إلى أسما بنت عميس قال لها خذى هذه المرأة و اكرمى مثواها فلم تزل خولة عندها إلى ان قدم اخوها فتزوجها أمير المؤمنين عليه السلام. انتهى و القصة بالتفصيل مذكورة فى المجلى فراجع. و لا يخفى ان فى صحة هذا النقل الاخير كلاما و لو سلمنا و لا يبعدان يقال ان فيه بعض‏ زيادات كتكلمها حين ولادتها و يمكن أن يكون فيها علامات ذكرها على عليه السلام فحرف إلى هذه الصورة و الله تعالى اعلم.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

نمایش بیشتر

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

دکمه بازگشت به بالا
-+=