google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
220-240 خطبه شرح وترجمه میر حبیب الله خوئیخطبه ها شرح و ترجمه میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 224 شرح میر حبیب الله خوئی(دنیا)

خطبه 226 صبحی صالح

226- و من خطبة له ( عليه‏السلام  ) في التنفير من الدنيا

دَارٌ بِالْبَلَاءِ مَحْفُوفَةٌ وَ بِالْغَدْرِ مَعْرُوفَةٌ لَا تَدُومُ أَحْوَالُهَا وَ لَا يَسْلَمُ نُزَّالُهَا أَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ وَ تَارَاتٌ مُتَصَرِّفَةٌ الْعَيْشُ فِيهَا مَذْمُومٌ وَ الْأَمَانُ مِنْهَا مَعْدُومٌ

وَ إِنَّمَا أَهْلُهَا فِيهَا أَغْرَاضٌ مُسْتَهْدَفَةٌ تَرْمِيهِمْ بِسِهَامِهَا وَ تُفْنِيهِمْ بِحِمَامِهَا

وَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّكُمْ وَ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا عَلَى سَبِيلِ مَنْ قَدْ مَضَى قَبْلَكُمْ مِمَّنْ كَانَ أَطْوَلَ مِنْكُمْ أَعْمَاراً وَ أَعْمَرَ دِيَاراً وَ أَبْعَدَ آثَاراً

أَصْبَحَتْ أَصْوَاتُهُمْ هَامِدَةً وَ رِيَاحُهُمْ رَاكِدَةً وَ أَجْسَادُهُمْ بَالِيَةً وَ دِيَارُهُمْ خَالِيَةً وَ آثَارُهُمْ عَافِيَةً

فَاسْتَبْدَلُوا بِالْقُصُورِ الْمَشَيَّدَةِ وَ النَّمَارِقِ الْمُمَهَّدَةِ الصُّخُورَ وَ الْأَحْجَارَ الْمُسَنَّدَةَ وَ الْقُبُورَ اللَّاطِئَةَ الْمُلْحَدَةَ الَّتِي قَدْ بُنِيَ عَلَى‏

الْخَرَابِ فِنَاؤُهَا وَ شُيِّدَ بِالتُّرَابِ بِنَاؤُهَا فَمَحَلُّهَا مُقْتَرِبٌ وَ سَاكِنُهَا مُغْتَرِبٌ

بَيْنَ أَهْلِ مَحَلَّةٍ مُوحِشِينَ وَ أَهْلِ فَرَاغٍ مُتَشَاغِلِينَ لَا يَسْتَأْنِسُونَ بِالْأَوْطَانِ وَ لَا يَتَوَاصَلُونَ تَوَاصُلَ الْجِيرَانِ عَلَى مَا بَيْنَهُمْ مِنْ قُرْبِ الْجِوَارِ وَ دُنُوِّ الدَّارِ

وَ كَيْفَ يَكُونُ بَيْنَهُمْ تَزَاوُرٌ وَ قَدْ طَحَنَهُمْ بِكَلْكَلِهِ الْبِلَى وَ أَكَلَتْهُمُ الْجَنَادِلُ وَ الثَّرَى

وَ كَأَنْ قَدْ صِرْتُمْ إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ وَ ارْتَهَنَكُمْ ذَلِكَ الْمَضْجَعُ وَ ضَمَّكُمْ ذَلِكَ الْمُسْتَوْدَعُ

فَكَيْفَ بِكُمْ لَوْ تَنَاهَتْ بِكُمُ الْأُمُورُ وَ بُعْثِرَتِ الْقُبُورُ هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج14  

و من خطبة له عليه السلام و هى المأتان و الرابعة و العشرون من المختار فى باب الخطب‏

و هي مروية في البحار من كتاب عيون الحكمة و المواعظ باختلاف و زيادة كثيرة تقف عليها إنشاء الله بعد الفراغ من شرح ما أورده السيد في المتن، و هو قوله عليه السلام:

دار بالبلاء محفوفة، و بالغدر معروفة، لا تدوم أحوالها، و لا تسلم نزالها، أحوال مختلفة، و تارات متصرفة، العيش فيها مذموم، و الأمان منها معدوم، و إنما أهلها فيها أغراض مستهدفة، ترميهم بسهامها، و تفنيهم بحمامها.

و اعلموا عباد الله أنكم و ما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى قبلكم ممن كان أطول منكم أعمارا، و أعمر ديارا، و أبعد آثارا، أصبحت أصواتهم هامدة، و رياحهم راكدة، و أجسادهم بالية، و ديارهم خالية، و آثارهم عافية، فاستبدلوا بالقصور المشيدة، و النمارق الممهدة، الصخور و الأحجار المسندة، و القبور اللاطئة الملحدة، التي قد بني بالخراب فناءها، و شيد بالتراب بنائها، فمحلها مقترب، و ساكنها مغترب، بين أهل محلة موحشين، و أهل فراغ متشاغلين، لا يستأنسون بالأوطان، و لا يتواصلون تواصل الجيران، على ما بينهم من قرب الجوار، و دنو الدار.

و كيف يكون بينهم تزاور و قد طحنهم بكلكله البلى، و أكلتهم الجنادل و الثرى، و كأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه، و ارتهنكم ذلك المضجع، و ضمكم ذلك المستودع، فكيف بكم لو تناهت بكم الامور، و بعثرت القبور، هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت و ردوا إلى الله موليهم الحق و ضل عنهم ما كانوا يفترون‏.

اللغة

(سلم) المسافر يسلم من باب تعب نجا و خلص من الافات و (تارات)جمع تارة و هى مرة واحدة و (الأغراض) جمع الغرض و هى الهدف الذى يرمى إليه السهام و (المستهدفة) بصيغة الفاعل أى منتصبة للرمى إليها، و في بعض النسخ بصيغة المفعول أى جعلت هدفا و (همد) النار همودا من باب قعد ذهب حرها و لم يبق منها شي‏ء و همدت الريح سكنت.

و (المشيدة) بضم الميم و تشديد الياء و فتحها كما في قوله تعالى‏ و لو كنتم في بروج مشيدة أى قصور مصونة و قيل: مجصصة و قيل: مزينة، و في بعض النسخ المشيدة بفتح الميم و تخفيف الياء كما في قوله تعالى‏ و قصر مشيد أى المعمول بالشيد و الجص يقال: شدت البيت من باب باع أى بنيته بالجص و شاده شيدا أى جصصه.

و (النمرق) و النمرقة بتثليث النون و ضم الراء الوسادة و هى المتكاء، و الجمع نمارق قال تعالى‏ و نمارق مصفوفة و (المسندة) بتشديد النون و تخفيفها من سند إلى الشي‏ء من باب قعد و تعب اعتمد عليه كاستند إليه و يعدى بالهمزة و التضعيف يقال اسندته إلى الشي‏ء و سندته فسند هو و (اللطأ) بالأرض من باب منع و فرح لصق و (لحد) القبر و ألحده عمل به لحدا و (فناء) البيت بالكسر ما امتد من جوانبه.

و (موحشين) في بعض النسخ بصيغة الفاعل من أوحش المكان و توحش خلا من الانس و أوحش الناس أى انقطع و بعد قلوبهم عن المودة و الالفة و في بعضها بصيغة المفعول من أوحش الأرض وجدها وحشة خالية من الانس كلها مأخوذة من الوحش و هو ما لا يستأنس من دواب البر و يقال إذا أقبل الليل: استأنس كل و حشى و استوحش كل انسى.

و (الكلكل) و زان جعفر الصدر و (الجندل) و زان جعفر أيضا ما يقله الرجل من الحجارة و قد تكسر الدال و (بعثرات القبور) أى قلبت ترابها و أخرج موتاها من بعثرت الشي‏ء و بعثرته إذا استخرجته و كشفته‏.

الاعراب‏

قوله عليه السلام: دار، خبر لمبتدأ محذوف أى الدنيا دار، و قوله: أحوال مختلفة أيضا خبر محذوف المبتدأ أى أحوالها أحوال مختلفة، و قوله: الأمان منها معدوم، في نسخة الشارح المعتزلي و كذا البحراني بدل منها فيها، و قوله: ترميهم بسهامها الباء للتعدية إلى المفعول الثاني أى ترمى إليهم سهامها، و قوله: تفنيهم بحمامها الباء للالة، و قوله: إنكم و ما أنتم فيه، الواو بمعنى مع، و قوله: فاستبدلوا بالقصور، الباء للمقابلة، و قوله: قد بنى بالخراب، الباء بمعنى على، و يؤيده ما في بعض النسخ على الخراب بدله و هى للاستعلاء المجازى.

و قوله: بين أهل، متعلق بقوله: مغترب، و على في قوله: على ما بينهم، بمعنى مع كما في قوله تعالى‏ و آتى المال على حبه‏ و قوله: إن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم‏ و قوله: و قد طحنهم، الجملة في محل النصب على الحال، و البلى فاعل طحن، و قوله: و كأن قد صرتم، مخفف كأن المشبهة و الاسم محذوف أى كأنكم، و يحتمل أن يكون ضمير شأن أى كأنه قد صرتم و على التقديرين فكأن هنا مفيدة للتقريب لأن شباهة الأحوال بعضها ببعض تفيد قرب بعضها من بعض، و قوله: فكيف بكم، الفاء فصيحة و كيف اسم استفهام في محل الرفع خبر لمبتدأ محذوف أى فكيف الحال بكم‏.

المعنى‏

اعلم أن الغرض من هذه الخطبة الشريفة التنفير عن‏ الدنيا و التحذير منها و التنبيه على مساويها و مخازيها الموجبة للنفرة و الحذر، قال عليه السلام‏ (دار بالبلاء محفوفة) أى حفت بالمكاره و البليات و أحاطت بها من كل جانب الالام و الافات و في نسبة محفوفة إلى‏ الدار توسع و المراد كون أهلها محفوفة بها.

استعاره‏ (و بالغدر معروفة) قال الشارح البحراني: استعار لفظ الغدر عما يتوهم الانسان دوامها عليها من أحوالها المعجبة له كالمال و الصحة و الشباب فكأنه في مدة بقاء تلك الأحوال قد أخذ منها عهدا فكأن التغير العارض لها المستلزم لزوال‏ تلك الأحوال أشبه شي‏ء بالغدر، انتهى.

أقول: مراده عليه السلام أنها مشهورة بالغدر و الخداع، معروفة بالمكر و الغرور غير مختفية حيلتها و مكيدتها على أهل البصيرة، لأنها بكونها حلوة خضرة محفوفة بالشهوات و مهياة للامال و الامنيات، أعجبت الناس بشهواتها العاجلة و تحببت إليهم بلذاتها الحاضرة، و تزينت بالغرور، فاغتر بها كل من كان غافلا عن مكيدتها و افتتن بحبها كل من كان جاهلا بحقيقتها، حتى إذا أوقعتهم في حبائل محبتها أبدت ما كان مضمرا في باطنها من مكرها و حيلتها، فلم يكن امرء منها في حبرة إلا أعقبته بعدها عبرة و لم يلق من سرائها بطنا إلا منحته من ضرائها ظهرا، و لم ينل أحد من غضارتها رغبا إلا أرهقته من نوائبها تعبا، فكم من واثق بها قد فجعته، و ذى طمأنينة قد صرعته، و ذى ابهة قد جعلته حقيرا، و ذى نخوة قد ردته ذليلا.

و كفى في ايضاح غدرها ما قاله بعض قدماء أهل الحقيقة و البصيرة من أنها الاخذة ما تعطى و المورثة بعد ذلك التبعة، السالبة لمن تكسو و المورثة بعد ذلك العرى، الواضعة لمن ترفع و المورثة بعد ذلك الجزع، التاركة لمن يعشقها و المورثة بعد ذلك الشقوة، المغوية لمن أطاعها الغدارة بمن أئتمنها، هي المحبوبة التي لا تحب أحدا، الملزومة التي لا تلزم أحدا يوف لها و تغدر، و يصدق لها و تكذب و ينجز لها فتخلف، هى المعوجة لمن استقام بها، و المتلاعبة بمن استمكنت منه بيناهى تطعمه إذ حولته مأكولا، و بيناهى تخدمه إذ جعلته خادما، و بيناهى تضحكه إذ ضحكت منه، و بيناهى تشتمه إذ شتمت منه، و بيناهى تبكيه إذ بكت عليه، و بيناهى قد بسطت يده بالعطية إذ بسطتها بالمسألة، و بينا هو فيها عزيز إذ أذلته، و بينا هو فيها مكرم إذ أهانته، و بينا هو فيها معظم إذ حقرته، و بينا هو فيها رفيع إذ وضعته، و بينا هى له مطيعة إذ عصته، و بينا هو فيها مسرور إذ أحزنته، و بينا هو فيها شبعان إذ أجاعته، و بينا هو فيها حى إذ أماتته.

فاف لها من دار هذه صفتها تضع التاج على رأسه غدوة، و تعفر خده بالتراب‏ عشية، و تحلى الأيدى بالأسورة عشية، و تجعلها في الأغلال غدوة، و تقعد الرجل على السرير غدوة، و ترمى به في السجن عشية، تفرش له الديباج عشية، و تفرش له التراب غدوة، و تجمع له الملاهى و المعازف غدوة، و تجمع عليه النوائح و النوادب عشية، تحبب إلى أهله قربه عشية، و تحبب إليهم بعده غدوة، تطيب ريحه غدوة، و تنتن ريحه عشية.

فهو في كل ساعة متوقع لسطوتها غير آمن غدرها و خديعتها، غير ناج من بلائها و فتنها، تمتع نفسه من أحاديثها، و عينه من أعاجيبها، و يده من جمعها، ثم يصبح باكى العينين، صفر اليدين، في أودية الندامة و الحسرة و الخذلان حيران.

و من ذلك كله علم أنها (لا تدوم أحوالها) بل يصير حياتها موتا و غناؤها فقرا و فرحها ترحا، و صحتها سقما، و قوتها ضعفا، و عزها ذلا، إلى غير هذه من حالاتها المتبدلة المتغيرة.

(و لا تسلم نزالها) أى‏ لا تسلم‏ النازل في تلك الدار من آلامها و آفاتها و صدماتها بل هو في كل آن مترقب لإصابة مكروه، و جل من كل بلاء.

فان كل ذى جسد فيها لا ينفك جسده من أن الحر يذيبه، و البرد يجمده و السموم يتخلله، و الماء يغرقه، و الشمس تحرقه، و الهواء يسقمه، و السباع يفترسه، و الطير تنقره، و الحديد يقطعه، و الصدم يحطمه.

ثم هو معجون بطينة من ألوان الأسقام و الأوجاع و الأمراض، فهو مرتهن بها مترصد لها دائما، لكونه مخلوقا من الأخلاط الأربعة التي لو غلب أحدها على الاخر أحدث أنواعا من المرض ألا ترى إن أصح الأخلاط و أقربها إلى الحياة هو الدم، فاذا خرج عن حد الاعتدال يموت صاحبه بموت الفجأة و الطاعون و الاكلة و السرسام.

هذا كله مع ماله من مقارنة الافات السبع التى لا يتخلص منها ذو جسد، و هى الجوع، و الظماء، و الحر، و البرد، و الخوف، و الجوع «و المرض ظ» و الموت.

أحوالها (أحوال مختلفة) إن جانب منها اعذوذب و احلولى أمر منها جانب فأوبى، لم تطل على أحد فيها ديمة رخاء إلا هتنت عليه مزنة بلاء، و لم يمس امرء منها في جناح أمن إلا أصبح على قوادم خوف.

(و تارات متصرفة) يعني أن حالاتها تتغير بأهلها تارة بعد اخرى، و مرة بعد مرة، فانها تنقل أقواما من الجدب إلى الخصب و من الرجلة إلى الركب، و من البؤس إلى النعمة، و من الشدة إلى الرخاء، و من الشقاء إلى الراحة، ثم تنقلب بهم فتسلبهم الخصب و تنزع منهم النعمة و الراحة.

و محصله أنها دار تصرف و انتقال و تقلب من حال إلى حال صحتها تتبدل بالسقم، و شبابها بالهرم، و غناها بالفقر، و فرحها بالترح، و سرورها بالحزن، و عزها بالذل، و أمنها بالخوف.

بينا ترى المرء فيها مغتبطا محبورا و ملكا مسرورا في خفض و دعة و نعمة و لذة و أمن وسعة، في بهجة من شبابه و حداثة من سنه، و بهاء من سلطانه، و صحة من بدنه إذا انقلبت به الدنيا أسر ما كان فيها قلبا، و أطيب ما كان فيها نفسا، و أقر ما كان فيها عينا، و ألذ ما كان فيها عيشا، فأخرجته من ملكها و غبطتها و خفضها و دعتها و بهجتها، فأبدلته بالعز ذلا، و بالسرور حزنا، و بالنعمة نقمة، و بالغنى فقرا، و بالسعة ضيقا، و بالشباب هرما، و بالشرف ضعة و بالحياة موتا.

ففارق الأحبة و فارقوه، و خذله إخوانه و تركوه، و صار ما جمع فيها مفرقا و ما عمل فيها متبرا، و ما شيد فيها خرابا و صار اسمه مجهولا، و ذكره منسيا، و حسبه خاملا، و جسده باليا، و شرفه وضيعا، و نعمته وبالا، و كسبه خسارا، و ورث أعداؤه سلطانه، و استذلوا عقبه، و استباحوا حريمه، و تملكوا أمواله، و نقضوا عهده و ملكوا جنوده، فاف و تف لدار حالها هذا، و شأن ساكنها ذلك، وفقنا الله تعالى للزهد فيها و الاعراض عنها.

و بما ذكرنا ظهر أن‏ (العيش فيها مذموم) و أراد بالعيش الترفه فيها و التنعم بلذاتها و الالتذاذ بشهواتها و إنما كان مذموما لكونه شاغلا عن التوجه‏

إلى الحق و عن الالتفات إلى الاخرة، و معقبا للندم و الحسرة الطويلة و العذاب الشديد يوم القيامة.

قد وقع ذمه في كتاب الله تعالى و على ألسنة الأنبياء و الرسل متجاوزا عن حد الاحصاء قال تعالى‏ اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب و لهو و زينة و تفاخر بينكم و تكاثر في الأموال و الأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما و في الآخرة عذاب شديد و قال أيضا من كان يريد الحياة الدنيا و زينتها نوف إليهم أعمالهم فيها و هم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار و حبط ما صنعوا فيها و باطل ما كانوا يعملون‏ و قد وقع تشبيه المتنعم باللذات الدنيوية و المتلذذ بشهواتها الملهية له عن التوجه إلى عاقبة أمره و الالتفات إلى مال حاله في كلام الحكماء برجل حمل عليه فيل مغتلم، فانطلق موليا هاربا، فاتبعه الفيل فغشيه حتى اضطره إلى بئر فتدلى فيها و تعلق بغصنين نابتين على شفير البئر، فاذا في أصلهما جرذان يقرضان الغصنين أحدهما أبيض و الاخر أسود، فلما نظر إلى تحت قدميه فاذا رءوس أربع أفاع قد طلعن من جحرهن، فلما نظر إلى قعر البئر إذا تنين فاغر فاه نحوه يريد التقامه، فلما رفع رأسه إلى أعلى الغصنين إذا عليهما شي‏ء من عسل النحل فألهاه ما طعم منه و ما نال من لذة العسل و حلاوته عن الفكر في أمر الأفاعي اللواتى لا يدرى متى يبادرونه، و ألهاه عن التنين الذي لا يدرى كيف مصيره بعد وقوعه في لهواته أما الفيل فهو الأجل، و أما البئر فالدنيا المملوة من الافات و البلايا و الشرور و أما الغصنان فالعمر، و أما الجرذان فالليل و النهار يسرعان في قطع العمر، و أما الأفاعي الأربعة فالأخلاط الأربعة التي هي السموم القاتلة من المرة و البلغم و الريح و الدم التي لا يدرى صاحبها متى تهيج به، و أما التنين الفاغر فاه ليلتقمه فالموت الراصد الطالب، و أما العسل الذى اغتر بأكله فما ينال الناس من عيش الدنيا و لذتها و شهوتها و نعيمها و دعتها من لذة الطعام و الشراب و اللباس و الشم و اللمس و البصر، هذا هو العيش المذموم‏.

و بقباله العيش الممدوح و هو العيش الهني‏ء الذي اشير إليه في الحديث القدسي المروي في البحار من إرشاد القلوب للديلمي عن أمير المؤمنين عليه السلام إن الله تعالى شأنه قال للنبي صلى الله عليه و آله و سلم ليلة المعراج في جملة مخاطباته: يا أحمد هل تدرى أى عيش أهني و أى حياة أبقى؟ قال: اللهم لا، قال: أما العيش الهني‏ء فهو الذى لا يفتر صاحبه عن ذكرى و لا ينسى نعمتي و لا يجهل حقى، يطلب رضائي في ليله و نهاره، و أما الحياة الباقية فهى التي تعمل لنفسه حتى تهون عليه الدنيا و تصغر في عينه و تعظم الاخرة عنده و يؤثر هواى على هواه، و يبتغى مرضاتي، و يعظم حق عظمتي، و يذكر عملي به، و يراقبني بالليل و النهار عند كل سيئة أو معصية، و ينقى قلبه عن كل ما أكره، و يبغض الشيطان و وساوسه، و لا يجعل لابليس على قلبه سلطانا و لا سبيلا، فاذا فعل ذلك أسكنت قلبه حبا حتى اجعل قلبه لي و فراغه و اشتغاله و همه و حديثه من النعمة التي أنعمت بها على أهل محبتي من خلقى و أفتح عين قلبه و سمعه حتى يسمع بقلبه و ينظر بقلبه إلى جلالي و عظمتي، و أضيق عليه الدنيا و أبغض إليه ما فيها من اللذات، و أحذره من الدنيا و ما فيها كما يحذر الراعى على غنمه مراتع الهلكة فاذا كان هكذا يفر من الناس فرارا، و ينقل من دار الفناء إلى دار البقاء، و من دار الشيطان إلى دار الرحمن، يا أحمد لأزيننه بالهيبة و العظمة، فهذا هو العيش الهنى‏ء و الحياة الباقية، و هذا مقام الراضين، الحديث‏ (و الأمان فيها معدوم) لأنها إذا كانت بالبلاء محفوفة و بالخديعة موصوفة مختلفة الحالات متصرفة التارات حسبما عرفت تفصيلا و توضيحا فكيف يؤمن من بوائقها و يطمئن من طوارقها، و كيف يسلم من فجعتها و يستراح من خدعتها، و يتخلص من غيلتها؟!.

فهى غرارة ضرارة حائلة زائلة نافذة بائدة أكالة غوالة حيها بعرض موت و صحيحها بعرض سقم، ملكها مسلوب، و مالها منهوب، و عزيزها مغلوب، و موفورها منكوب، كيف لا و قد رايتها تنكرها لمن أمن بها و دان لها و اطمئن إليها حتى ظعنوا عنها لفراق الأبد هل زودتهم إلا السغب، أو أحلتهم إلا الضنك،

أو نورت لهم إلا الظلمة، أو أعقبتهم الا الحسرة و الندامة، فبئست الدار لمن لم يتهمها و لم يكن فيها على وجل.

استعاره مرشحة- استعارة مكنية تخييلية ترشيحية (و انما أهلها فيها أغراض مستهدفة ترميهم بسهامها) قال الشارح البحراني استعار لفظ الأغراض و رشح بذكر الاستهداف و كذلك استعار لفظ الرمى لايقاع المصائب بهم و رشح بذكر السهام.

أقول: بل هو استعارة مكنية تخييلية ترشيحية فانه عليه الصلاة و السلام شبه الدنيا بنبال ينصب غرضا و يتخذ هدفا يرمى إليه بسهامه، فطوى عن ذكر المشبه به و ذكر المشبه كما هو شأن الاستعارة المكنية، و أثبت له ما هو من لوازم المشبه به تخييلا و هو الأغراض و السهام، و رشح بذكر ما هو من ملايمات المشبه به و هو الرمى و الاستهداف.

و محصل المراد أن الناس في الدنيا بمنزلة أغراض منصوبة للهدفية ترمى الدنيا إليهم بسهامها أى مصائبها و محنها و آلامها قال الشاعر:

رماني الدهر بالارزاء حتى‏ فؤادى في غشاء من نبال‏
فصرت إذا أصابتنى سهام‏ تكسرت النصال على ال‏نصال‏

و قوله عليه السلام‏ (و تفنيهم بحمامها) ترشح آخر أى تهلكهم بموتها.

ثم ذكرهم بالاعتبار بأحوال السلف الماضين و ما جرت عليهم من تقلبات الدنيا و تصاريفها و تنكر حالاتها و اغتيالها لهم و ما صار إليه عاقبة أمورهم ايضاحا بذلك لما قدمه سابقا من غدر الدنيا و عدم دوام أحوالها و سلامة نزالها و انتفاء الأمان فيها و إفنائها بحمامها و تنبيها به على أن الباقين فيها سيحلقون بالماضين و يحذون حذوهم و ينقلون من القصور إلى القبور، و يبدلون السرور بالويل و الثبور.

فقال عليه السلام‏ (و اعلموا عباد الله أنكم و ما أنتم فيه من هذه الدنيا) من متاعها و حطامها و زبرجها و زخارفها (على سبيل من قد مضى قبلكم) من أهل الديار الخالية و الربوع الخاوية (ممن كان أطول منكم أعمارا) منهم عوج بن عناق كان جبارا عدو الله و للاسلام، و له بسطة في الجسم و الخلق‏ و كان يضرب يده فيأخذ الحوت من أسفل البحر ثم يرفعه إلى السماء فيشويه في حر الشمس و كان عمره ثلاثة آلاف و ستمائة سنة.

و منهم عاد قوم هود فقد كانت بلادهم في البادية و كان لهم زرع و نخل كثير و لهم أعمار طويلة فعبدوا الأصنام و بعث الله إليهم هودا يدعوهم إلى الاسلام و خلع الأنداد فأبوا.

و منهم شداد بن عاد الذى بنى ارم ذات العماد في عدة ثلاثمأة سنة و كان عمره تسعمائة سنة قال في إكمال الدين: وجدت في كتب معمر أنه ذكر عن هشام بن سعيد الرحال، قال: إنا وجدنا حجرا بالاسكندرية مكتوبا فيه: أنا شداد بن عاد أنا شيدت إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد، و جندت الأجناد و شددت بساعدى الواد.

و منهم لقمان بن عاد و كان من بقية عاد الاولى فقد روى أنه عاش ثلاثة آلاف و خمسمائة سنة.

و منهم فرعون ذو الأوتاد قال في مجمع البيان: قال الضحاك: انه عاش أربعمائة سنة و كان قصيرا ذميما و هو أول من خضب بالسواد.

و منهم عمرو بن عامر الملقب بمزيقيا و ماء السماء ملك أرض سبا فقد عاش ثمانمائة سنة أربعمائة سنة سوقة في حياة أبيه و أربعمائة سنة ملكا و كان يلبس كل يوم حليتين في سنى ملكه فاذا كان بالعشى مزق الحليتين حتى لا يلبسهما أحد غيره سمى مزيقيا و سمى بماء السماء أيضا لأنه كان حياة أينما نزل كمثل ماء السماء.

و منهم أبو هبل بن عبد الله بن كنانة عاش ستمائة سنة.

و منهم جلهمة بن اود و يقال له طى و اليه تنسب قبيلة طى كلها، و كان له ابن أخ يقال له: بجابر بن ملك بن اود، و قد عاش كل منهما خمسمائة سنة.

و منهم عبيد بن الأبرص عاش ثلاثمأة سنة فقال:

فنيت و أفنانى الزمان و أصبحت‏ لدى بنو العشرون هن الفواقد

و منهم عزيز مصر الذى كان في زمن يوسف و أبوه و جده و هم الوليد بن‏ الريان بن ذوسع و كان عمر العزيز سبعمائة سنة و عمر الريان ألف و سبعمائة سنة و عمر ذوسع ثلاثة آلاف سنة.

و منهم الضحاك صاحب الحيتين عاش ألفا و مأتي سنة.

و منهم افريدون العادل عاش فوق ألف سنة.

و منهم الملك الذى أحدث المهرجان فقد زعمت الفرس انه عاش ألفى سنة و خمسمائة.

إلى غير هؤلاء من المعمرين الذين لا نطول بذكرهم، و انما ذكرنا هؤلاء تاييدا لما قاله أمير المؤمنين عليه السلام و ايضاحا له، لأن هؤلاء مع كونهم‏ أطول أعمارا قد كانوا (أعمر ديارا و أبعد آثارا) أيضا حسبما أشرنا إليه.

و المراد ببعد الاثار بعدها عن أن يقتدر على مثلها المخاطبون الذين خاطبهم عليه السلام بهذه الخطبة و كفى بذلك شاهدا بناء الهرمين بمصر، و هما إلى الان باقيان و قد بناهما عزيز مصر وليد بن الريان كما نقله تفصيلا الصدوق في كتاب اكمال الدين و قد اشير الى بعد آثار بعض من تقدم ذكرهم في قوله تعالى‏ أ لم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد و ثمود الذين جابوا الصخر بالواد و فرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط.

قال أمين الاسلام الطبرسي: الاية خطاب للنبى صلى الله عليه و آله و سلم و تنبيه للكفار على ما فعله سبحانه بالامم السالفة لما كفرت بالله و بأنبيائه و كانت‏ أطول أعمارا و أشد قوة و عاد قوم هود.

و اختلفوا في إرم على أقوال:

أحدها أنه اسم قبيلة و قيل إنه جد عاد و هو عاد بن عوص بن إرم بن سام ابن نوح.

و ثانيها أنه اسم بلد و هو دمشق و قيل: هو مدينة الاسكندرية و قيل مدينة شداد بن عاد فلما أتمها و أراد أن يدخلها أهلكه الله بصيحة نزلت من السماء

و ثالثها أنه لقب عاد و قوله «ذات العماد» معناه ذات الطول و الشدة و قيل: ذات الأبنية العظام المرتفعة، و قال ابن زيد ذات العماد في احكام البنيان «التي لم يخلق مثلها» أى مثل أبنيتها «في البلاد و ثمود الذين جابوا الصخر بالواد» أى قطعوا الصخر و نقبوها بالوادى الذين كانوا ينزلونه و هو وادى القرى.

قال ابن عباس: كانوا ينحتون الجبال فيجعلون منها بيوتا كما قال تعالى‏ و تنحتون من الجبال بيوتا فارهين‏ «و فرعون ذي الأوتاد» قال علي بن إبراهيم القمي عمل الاوتاد التي أراد أن يصعد بها إلى السماء.

و قال الطبرسي قيل في معناه أقوال:

أحدها أنه كانت له ملاعب من أوتاد يلعب له عليها.

و الثاني انه كان يعذب بالأوتاد و ذلك أنه إذا غضب على أحد و تد يديه و رجليه و رأسه على الأرض

و الثالث أن معناه ذو البنيان و البنيان أوتاد.

و الرابع أنه ذو الجموع و الجنود الكثيرة بمعنى أنهم يشددون ملكه و يقوون أمره كما يقوى الوتد الشي‏ء.

و الخامس أنه سمى ذو الأوتاد لكثرة جيوشه السائرة في الأرض و كثرة أوتاد خيامهم فعبر بكثرة الأوتاد عن كثرة الأجناد و كيف كان فقد ظهر بذلك كله أن السلف الماضين كانوا طويلة الأعمار عامرة الديار بعيدة الاثار من أن يصفها الواصفون أو يقوى على إتيان مثلها الغابرون و مع اتصافهم بهذه الابهة و العظمة و القوة و الجلال:

(أصبحت أصواتهم هامدة) و هذه الجملة استينافية بيانية فانه لما نبه المخاطبين على أنهم على سبيل من قد مضى قبلهم فكان لقائل أن يستفهم و يقول: كيف كان حال الماضين و مال أمرهم؟ أجاب عليه السلام بأن أصواتهم العالية الجهورية بالأمر و النهى و الحكم و الالزام صارت ساكتة ذاهبة الاثر بالمرة.

(و رياحهم راكدة) قال الشارح البحراني: ركود رياحهم‏ كناية عن سكون أحوالهم و خمول ذكرهم بعد العظمة في الصدور انتهى.

و الأظهر أن يراد أن أعاصيرهم العاصفة الشديدة الهبوب التي كانت تهب بالرتق و الفتق و السياسات صارت ساكنة.

(و أجسادهم بالية) بعد بضاضتها و نضارتها (و ديارهم خالية) من أهلها بعد عمارتها (و آثارهم عافية) مندرسة بعد عظمتها و جلالتها.

(فاستبدلوا بالقصور المشيدة) المجصصة الرفيعة البنيان المحكمة القواعد و الأركان‏ (و النمارق الممهدة) أى الوسائد المهيئة للمتكئين‏ (الصخور و الأحجار المسندة) اى‏ المستندة بعضها إلى بعض أو أنها كانت لهم سنادا (و القبور اللاطئة الملحدة) أى اللاصقة بالأرض المعمول لها اللحد كنايه‏ (التي قد بنى بالخراب فناؤها) أى على‏ الخراب‏، و المراد خراب‏ نفس القبور و تسرع انهدامها، و انما نسب البناء إلى الفناء و لم يقل قد بنيت بالخراب، لأنه من باب الكناية باقتضاء البلاغة و قد عرفت في ديباجة الشرح في مبحث الكناية أنهم يقصدون إثبات شي‏ء لشي‏ء فيتركون التصريح باثباته له و يثبتونه لمتعلقه كما في قول الشاعر:

إن المروة و السماحة و الندى‏ في قبة ضربت على ابن الحشرج‏

جعل الأوصاف الثلاثة في قبة الممدوح و كنى به عن ثبوتها له و قول الاخر في وصف الخمر

صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها لو مسها حجر مسته سراء

كنى عن نفى الحزن عنها بنفيها عن ساحتها و هو أبلغ من التصريح به و يحتمل أن يكون المراد خراب‏ الأبدان المدفونة فيها و فناؤها بالبلى‏ (و شيد بالتراب بناؤها) و في وصفها بذلك أى بكون شيدها التراب دون الجص ايماء إلى هوانها و هوان من دفن فيها.

(فمحلها مقترب و ساكنها مغترب) يحتمل أن يكون المراد أن محل القبور و مكانها قريب من الأحياء و لكن ساكنها غريب عنهم، و أن يكون المراد أن محل كل منها قريب من الاخر و لكن ساكنوها غرباء، يعني أنهم تدانوا في خططهم و قربوا في مزارهم و بعدوا في لقائهم.

(بين أهل محلة موحشين) أى ذوى وحشة ليس بينهم مودة و لا الفة و على كون‏ موحشين‏ بصيغة المفعول فالمعنى استيحاش الاحياء منهم، و حاصله أنهم لا يستأنسون بأحد و لا يستأنس بهم أحد لا من الأحياء و لا من الأموات‏ (و أهل فراغ متشاغلين) أى فراغ من الأمور الدنيوية متشاغلين بالامور البرزخية من السؤال و الجواب و الثواب و العقاب.

(لا يستأنسون بالأوطان) كاستيناس الاحياء بأوطانهم‏ (و لا يتواصلون تواصل الجيران) كتوصل أهل الدنيا بجيرانهم‏ (على ما بينهم من قرب الجوار و دنو الدار) و حاصله أنهم جيران لا يتأنسون و أحياء لا يتزاورون، بليت بينهم عرى التعارف، و انقطعت منهم أسباب التواصل، فكلهم و حيدوهم جميع، و بجانب الهجران و هم جيران‏ (و كيف يكون بينهم تزاور) و تأنس استعاره بالكنايه تخييلية ترشيحية (و قد طحنهم بكلكله البلى) استعارة بالكناية شبه‏ البلى‏ بالجمل الضروس الذى يرض و يدق ما يركب عليه بكلكله أى صدره فأثبت له الكلكل تخييلا، و الطحن ترشيحا، و الجامع أن البلى يجعل الأجساد أجزاء دقاقا مثل الدقيق و الطحين، و كذلك يجعل الضروس بكلكله ما برك عليه عند الصيال، و محصله استبعاد تزاورهم مع اضمحلال أجسامهم و انحلالها بالبلى و كونهم ممزقين كل ممزق استعاره تبعية (و أكلتهم الجنادل و الثرى) استعارة تبعية كما في قولهم: نطقت الحال، و المراد إفناؤها لهم، فاستعار لفظ الاكل للافناء أى‏ كيف يكون بينهم تزاور و قد أفنتهم الجنادل و التراب هذا.

و لا يخفى عليك أن إنكار التزاور و التأنس إما مخصوص بغير المؤمنين‏ أو محمول على‏ التزاور بالأجساد، و هو الأظهر، لأن المستفاد من الأخبار الكثيرة ثبوت التزاور بين أرواحهم، و قد مضت عدة منها في أواخر التذييل الثالث من شرح الفصل السابع من فصول الخطبة الثانية و الثمانين فليراجع ثمة.

و رويت هنا مضافا إلى ما سبق من البحار من المحاسن عن ابن محبوب عن إبراهيم بن إسحاق الجازى قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام أين أرواح المؤمنين؟

فقال: أرواح المؤمنين في حجرات الجنة يأكلون من طعامها و يشربون من شرابها و يتزاورون فيها و يقولون ربنا أقم لنا الساعة لتنجز لنا ما وعدتنا، قال: قلت:

فأين أرواح الكفار؟ فقال: في حجرات النار يأكلون من طعامها و يشربون من شرابها و يتزاورون فيها و يقولون: ربنا لا تقم لنا الساعة لتنجز لنا ما وعدتنا.

و من المحاسن أيضا عن ابن فضال عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ذكر الأرواح أرواح المؤمنين فقال: يلتقون، قلت: يلتقون؟ قال: نعم يتساءلون و يتعارفون حتى إذا رأيته قلت فلان.

و فيه من الكافي باسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام إن الأرواح في صفة الأجساد في شجر الجنة تعارف و تسائل، فاذا قدمت الروح على الأرواح تقول:دعوها فانها قد أقبلت من هول عظيم، ثم يسألونها ما فعل فلان و ما فعل فلان، فان قالت لهم: تركته حيا ارتجوه، و إن قالت لهم: قد هلك، قالوا: قد هوى هوى و الاخبار في هذا المعنى كثيرة و لا حاجة إلى الاطالة.

ثم إنه عليه السلام لما ذكر المخاطبين بشرح أحوال الماضين و عظم ما حل بهم من احوال القبر و دواهيه عقب عليه السلام ذلك بالتنبيه على قرب لحاقهم بهم فقال‏ (و كأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه) أى انتقلتم من ذروة القصور إلى وهدة القبور و بدلتم النمارق الممهدة بالأحجار المشيدة، و دار الانس و العيش و السعة ببيت الوحدة و الوحشة و الضيق و الغربة (و ارتهنكم ذلك المضجع) أى أخذكم أخذ المرتهن لرهنه‏ (و ضمكم ذلك المستودع) أى ضغطكم القبر الذى هو محل الاستيداع‏ قال الشارح البحراني: و اطلق عليه لفظ المستودع باعتبار كونهم سيخرجون منه يوم القيامة، انتهى.

و قد تقدم بيان ضغطة القبر تفصيلا و تحقيقا مع الأخبار الواردة فيها في التذييل الثالث من شرح الفصل السابع من الخطبة الثانية و الثمانين و لا حاجة إلى الاعادة.

ثم ذكرهم عليه السلام بدواهي القيامة و أفزاعها فقال‏ (فكيف بكم لو تناهت بكم الأمور) أى الامور البرزخية (و بعثرت القبور) أى قلب ترابها و بعث الموتى الذين فيها و جددوا بعد اخلاقهم و جمعوا بعد افتراقهم لنقاش الحساب و معاينة الجزاء و هذه اللفظة من ألفاظ الكتاب العزيز قال سبحانه‏ إذا السماء انفطرت و إذا الكواكب انتثرت و إذا البحار فجرت و إذا القبور بعثرت علمت نفس ما قدمت و أخرت‏ و قال أيضا أ فلا يعلم إذا بعثر ما في القبور و حصل ما في الصدور إن ربهم بهم يومئذ لخبير أى بحث عن الموتى فاخرجوا عنها يعني عند البعث.

اقتباس‏ (هنا لك تبلو كل نفس ما أسلفت و ردوا إلى الله موليهم الحق و ضل عنهم ما كانوا يفترون) اقتباس من الاية الشريفة في سورة يونس أى في ذلك المقام يعني مقام البعث تختبر كل نفس ما قدمت من عمل فتعاين نفعه و ضره، و قرء بعضهم تتلو أى تقرء من التلاوة أو تتبع من التلو، و ردوا إلى الله موليهم الحق أى إلى ربهم الصادق ربوبيته المتولي لأمرهم على الحقيقة لا ما اتخذوه مولى‏ و ضل عنهم ما كانوا يفترون‏، أى ضاع عنهم ما كانوا يدعونه أنهم شركاء الله و أنهم تشفع لهم روى فى البحار من كتاب مطالب السؤول عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال:

انظروا إلى الدنيا نظر الزاهدين فيها فانها و الله عن قليل تشقى المترف، و تحرك الساكن، و تزيل الثاوى، صفوها مشوب بالكدر، و سرورها منسوج بالحزن، و آخر حياتها مقترن بالضعف، فلا يعجبنكم ما يغرنكم منها فعن كثب تنقلون‏ عنها، و كل ما هو آت قريب، و هنا لك تبلو كل نفس مأ اسلفت و ردوا إلى الله موليهم الحق و ضل عنهم ما كانوا يفترون.

تكملة

هذه الخطبة رواها المحدث العلامة المجلسي قدس سره في المجلد السابع عشر من البحار من كتاب عيون الحكمة و المواعظ لعلي بن محمد الواسطي قال:

و من كلام له عليه السلام: إنكم مخلوقون اقتدارا، و مربوبون اقتسارا، و مضمنون أجداثا، و كائنون رفاتا، و مبعوثون افرادا، و مدينون جزاء، و مميزون حسابا، فرحم الله عبدا اقترف فاعترف، و وجل فعمل، و حاذر فبادر، و عبر فاعتبر، و حذر فازدجر، و أجاب فأناب، و راجع فتاب، و اقتدى فاحتذى، فأسرع طلبا، و نجا هربا فأفاد ذخيرة، و أطاب سريرة، و تأهب للمعاد، و استظهر بالزاد، ليوم رحيله، و وجه سبيله، و حال حاجته، و موطن فاقته، تقدم امامه لدار مقامه فمهدوا لأنفسكم في سلامة الأبدان، فهل ينتظر أهل غضارة الشباب إلا حوانى الهرم، و أهل بضاضة الصحة إلا نوازل السقم، و أهل مدة البقاء إلا مفاجاة الفناء، و اقتراب الفوت و دنو الموت، و ازوف الانتقال، و اشفاء الزوال، و حفى الأنين، و رشح الجبين، و امتداد العرنين، و علز القلق، و فيض الرمق، و ألم المضض، و غصص الجرض.

و اعلموا عباد الله أنكم و ما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كان أطول منكم أعمارا، و أشد بطشا، و أعمر ديارا، و أبعد آثارا، فأصبحت أصواتهم هامدة جامدة من بعد طول تقلبها، و أجسادهم بالية، و ديارهم خالية، و آثارهم عافية، و استبدلوا بالقصور المشيدة، و السرور و النمارق الممهدة، الصخور و الأحجار المسندة، في القبور اللاطئة الملحدة التي قد بين الخراب فنائها و شيد التراب بنائها، فمحلها مقترب و ساكنها مغترب، بين أهل عمارة موحشين، و أهل محلة متشاغلين، لا يستأنسون بالعمران، و لا يتواصلون الجيران و الاخوان على ما بينهم من قرب الجوار و دنو الدار.

و كيف يكون بينهم تواصل و قد طحنهم بكلكله البلى، فأكلهم الجنادل و الثرى، فأصبحوا بعد الحياة أمواتا، و بعد غضارة العيش رفاتا، فجع بهم الأحباب و سكنوا التراب، و ظعنوا فليس لهم اياب، هيهات هيهات «كلا إنها كلمة هو قائلها و من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون».

و كأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى و الوحدة فى دار الموت، و ارتهنتهم في ذلك المضجع، و ضمكم ذلك المستودع، فكيف بكم لو قد تناهت الامور، و بعثرت القبور و حصل ما في الصدور و وقعتم للتحصيل، بين يدي الملك الجليل، فطارت القلوب لاشفاقها من سلف الذنوب، هتكت منكم الحجب و الأستار، و ظهرت منكم العيوب و الأسرار «هنا لك تجزى كل نفس بما كسبت» إن الله يقول‏ ليجزي الذين أساؤا بما عملوا و يجزي الذين أحسنوا بالحسنى‏.

اغتنموا أيام الصحة قبل السقم، و أيام الشيبة قبل الهرم، و بادروا بالتوبة قبل الندم، و لا يحملنكم المهلة على طول الغفلة، فان الأجل يهدم الأمل، و الأيام موكلة بنقص المدة، و تفريق الأحبة.

فبادروا رحمكم الله بالتوبة قبل حضور النوبة، و بروز اللعبة التي لا ينتظر معه الأوبة و استعينوا على بعد المسافة بطول المخافة.

فكم من غافل وثق لغفلته، و تعلل بمهلته، فأمل بعيدا، و بنى مشيدا، فنقص بقرب أجله بعد أمله، فأجابه منيته، فصار بعد العز و المنعة و الشرف و الرفعة مرتهنا بموبقات عمله، قد غاب فما رجع، و ندم فما انتفع، و شقى بما جمع في يومه و سعد به غيره في غده، و بقى مرتهنا بكسب يده، زاهلا عن أهله و ولده، لا يغنى عنه ما ترك فتيلا، و لا يجد إلى مناص سبيلا فعلهم عباد الله التعرج و الدلج و إلى أين المفر و المهرب، و هذا الموت في الطلب يخترم الأول فالأول، لا يتحنن على ضعيف، و لا يعرج على شريف، و الجديد ان يحثان الأجل تحثيثا، و يسوقانه سوقا حثيثا، و كل ما هو آت فقريب، و من وراء ذلك العجب العجب فأعدوا الجواب يوم الحساب، و أكثروا الزاد ليوم المعاد، عصمنا الله و إياكم بطاعته، و أعاننا و اياكم‏ على ما يقرب إليه و يزلف لديه، فانما نحن به و له إن الله وقت لكم الاجال، و ضرب لكم الأمثال، و ألبسكم الرياش، و أرفع لكم المعاش، و آثركم بالنعم السوابغ، و تقدم إليكم بالحجج البوالغ، و أوسع لكم في الرفد الرافع، فتنهزوا فقد أحاط بكم الاحصاء، و ارتهن لكم الجزاء القلوب قاسية عن حظها، لاهية عن رشدها، اتقوا الله تقية من شمر تجريدا، و جد تشميرا و انكمش في مهل، و أشفق في وجل، و نظر في كرة الموئل، و عافية الصبر، و معية المرجع، و كفى بالله منتقما و نصيرا، و كفى بكتاب الله حجيجا و خصيما.

رحم الله عبدا استشعر الحزن، و تجلبب الخوف و أضمر اليقين، و عرى من الشك في توهم الزوال، فهو منه على وبال، فزهر مصباح الهدى في قلبه، و قرب على نفسه البعيد، و هون الشديد، فخرج من صفة العمى، و مشاركة الموتى و اجتاز من مفاتيح الهدى، و مغاليق أبواب الردى، و استفتح بما فتح العالم به أبوابه، و خاض بحاره، و قطع غماره، و وضحت له سبيله و مناره، و استمسك من العرى بأوثقها، و استعصم من الحبال بأمتنها، خواض غمرات، فتاح مبهمات، دافع معضلات امة و لا مطية إلا قصدها

تنبيه‏

قد تقدم أوائل فقرات هذا الكلام بهذه الرواية إلى قوله و غصص الجرض في ضمن فقرات الخطبة الثانية و الثمانين باختلاف أيضا فانظر ما ذا ترى و بما ذكرناه في شرح هذه الخطبة و الخطب المتقدمة يتضح لك قريب «غريب ظ» ما فى هذه الرواية و لا حاجة إلى الاعادة هذا.

و يستفاد من بعض الروايات كون هذه الخطبة مع الكلام الثاني و الأربعين ملتقطين من خطبة طويلة، و هو ما رواه أيضا في المجلد السابع عشر من البحار في موضع آخر من مناقب ابن الجوزى قال: خطبة و يعرف بالبالغة.

روى ابن أبي ذئب عن أبي صالح العجلي قال: شهدت أمير المؤمنين كرم الله وجهه و هو يخطب فقال بعد أن حمد الله تعالى و صلى على محمد رسوله صلى الله عليه و آله و سلم:

أيها الناس إن الله أرسل إليكم رسولا ليربح به عليكم، و يوقظ به غفلتكم و إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى و طول الأمل، أما اتباع الهوى فيصدكم عن الحق، و أما طول الأمل فينسيكم الاخرة، ألا و ان الدنيا قد ترحلت مدبرة، و إن الاخرة قد ترحلت مقبلة، و لكل واحد منهما بنون فكونوا من أبناء الاخرة و لا تكونوا من أبناء الدنيا، فان اليوم عمل و لا حساب و غدا حساب و لا عمل.

و اعلموا أنكم ميتون و مبعوثون من بعد الموت و محاسبون على أعمالكم و مجازون بها، فلا يغرنكم الحياة الدنيا و لا يغرنكم بالله الغرور.

فانها دار بالبلاء محفوفة، و بالعناء و الغدر موصوفة، و كل ما فيها إلى زوال، و هي بين أهلها دول و سجال، لا تدوم أحوالها، و لا يسلم من شرها نزالها، بينا أهلها في رخاء و سرور، إذا هم في بلاء و غرور، العيش فيها مذموم، و الرخاء فيها لا يدوم، أهلها فيها أغراض مستهدفة، كل حتفه فيها مقدور، و حظه من نوائبها موفور.

و أنتم عباد الله على محجة من قد مضى، و سبيل من كان ثم انقضى، ممن كان أطول منكم أعمارا و أشد بطشا، و أعمر ديارا، أصبحت أجسادهم بالية، و ديارهم خالية، فاستبدلوا بالقصور المشيدة، و النمارق الموسدة، بطون اللحود، و مجاورة الدود، في دار ساكنها مغترب، و محلها مقترب، بين قوم مستوحشين، متجاورين غير متزاورين، لا يستأنسون بالعمران، و لا يتواصلون تواصل الجيران، على ما بينهم من قرب الجوار، و دنو الدار.

و كيف يكون بينهم تواصل و قد طحنتهم البلى، و أظلتهم الجنادل و الثرى، فأصبحوا بعد الحياة أمواتا، و بعد غضارة العيش رفاتا، قد فجع بهم الأحباب، و اسكنوا التراب، و ظعنوا فليس لهم اياب، و تمنوا الرجوع فحيل بينهم و بين ما يشتهون‏ كلا إنها كلمة هو قائلها و من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون.

قال و قد أخرج أبو نعيم طرفا من هذه الخطبة في كتابه المعروف بالحلية.

الترجمة

از جمله خطب شريفه آن حضرتست در تنفير أز دنيا و تنبيه بسرعت زوال آن مى ‏فرمايد:

دنيا خانه‏ايست ببلا احاطه كرده شده، و با مكر و حيله اشتهار يافته، ثبات ندارد حالات آن، و سلامت نمى ‏ماند نازل شوندگان آن، حالهاى آن حالتهاى مختلف است، و مرات متغير و متبدل تعيش و التذاذ در آن مذموم است، و أيمنى در آن معدوم است، و جز اين نيست كه أهل دنيا در دنيا نشانگاهانى هستند كه نصب شده‏ اند بنشانگي مى‏ اندازد دنيا بايشان با تيرهاى خود، و فانى مى ‏سازد ايشان را با مرگ خود.

و بدانيد أى بندگان خدا بدرستى كه شما با چيزى كه هستيد در آن از متاع اين دنيا بر طريقه و روش كسانى هستيد كه گذشته ‏اند پيش از شما از أشخاصى كه درازتر بودند از شما از حيثيت عمرها، و معمورتر بودند از حيثيت خانها، و دورتر بودند از حيثيت أثرها، گرديد آوازهاى ايشان خاموش، و بادهاى غرور ايشان ساكن، و بدنهاى ايشان پوسيده، خانه‏ هاى ايشان خالى، و أثرهاى ايشان مندرس پس عوض كردند بقصرهاى محكم شده با گچ و متكاهاى مهيا شده، سنگها و حجرهاى تكيه كرده بهم قبرهاى هموار شده بزمين صاحب لحد را، چنان قبرهايى كه بنا كرده شده بر خرابى أطراف آنها، و بخاك محكم كرده شد بناى آنها، پس مكان آن قبرها نزديكست، و ساكن آنها غريبست در ميان أهل محله كه صاحبان وحشتند، و در ميان أهل فراغتى كه مشغولند بهول هاى برزخ، انس نمى ‏گيرند ايشان بوطنها، و وصلت نمى ‏كنند مثل وصلت كردن همسايها، با وجود اين كه در ميان ايشانست از قرب همسايگى و نزديكى خانه.

و چگونه مى ‏شود در ميان ايشان زيارت كردن يكديگر و حال آنكه مثل آرد كرده بدنهاى ايشان را پوسيدگى بسينه خود، و خورده است ايشان را خاكها و سنگها، و گويا گرديديد شما بسوى آنچه كه گرديدند ايشان بسوى آن و بگرو گرفت شما را آن خوابگاه قبر، و فشار داد شما را آن امانت گاه.

پس چگونه باشد حال شما اگر بپايان برسد بشما كارها، و بيرون آورده شود مردهاى قبرها، در آن زمان امتحان مى‏كند هر نفس آن چيزى را كه پيش فرستاده و رد كرده شوند بسوى خدا كه مولاى بحق ايشانست، و گم شود از ايشان آن چيزى كه افترا مى‏گفتند يعنى شريكى كه قرار مى‏دادند براى خدا.

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

نمایش بیشتر

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

دکمه بازگشت به بالا
-+=