خطبه 225 صبحی صالح
225- و من دعاء له ( عليهالسلام ) يلتجئ إلى اللّه أن يغنيه
اللَّهُمَّ صُنْ وَجْهِي بِالْيَسَارِ وَ لَا تَبْذُلْ جَاهِيَ بِالْإِقْتَارِ فَأَسْتَرْزِقَ طَالِبِي رِزْقِكَ وَ أَسْتَعْطِفَ شِرَارَ خَلْقِكَ وَ أُبْتَلَى بِحَمْدِ مَنْ أَعْطَانِي وَ أُفْتَتَنَ بِذَمِّ مَنْ مَنَعَنِي
وَ أَنْتَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلِيُّ الْإِعْطَاءِ وَ الْمَنْعِ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
و من دعاء له عليه السلام و هو المأتان و الثالث و العشرون من المختار فى باب الخطب
اللهم صن وجهي باليسار، و لا تبذل جاهي بالإقتار، فأسترزق طالبي رزقك، و أستعطف شرار خلقك، و ابتلى بحمد من أعطاني، و أفتتن بذم من منعني، و أنت من وراء ذلك كله ولى الإعطاء و المنع، إنك على كل شيء قدير.
اللغة
(صانه) صونا و صيانا و صيانة حفظه فهو مصون و (الوجه) هنا بمعنى الجاه و منه كان لعلي عليه السلام وجه من الناس حياة فاطمة أى جاه و عز قاله ابن الأثير و (البذل) كالابتذال ضد الصيانة، و المبتذل بالكسر لابس البذلة و هو الثوب الخلق و ما لا يصان من الثياب و (القتر) و التقتير الرمقة من العيش و قلة النفقة و أقتر على عياله ضيق في النفقة .
الاعراب
قوله عليه السلام: فأسترزق، منصوب بأن مضمرة وجوبا لوقوعه في جواب الدعاء و قوله: و أنت آه الجملة في محل النصب على الحال و أنت مبتدأ و الظرف خبره و ولي خبر بعد خبر و يجوز كون ولي خبره و الظرف متعلقا به متقدما عليه للتوسع فيكون ظرف لغو.
المعنى
اعلم أن مقصوده بهذا الدعاء طلب الغنى و عدم الابتلاء بالفقر و لوازمه فقوله (اللهم صن وجهي باليسار) أى اجعل جاهى محفوظا بالغنى و السعة حتى أستغنى عن مسألة المخلوقين، و مراده عليه السلام به الكفاف و هو ما يكف عن المسألة و يستغنى به فيكون مساوقا لما ورد في الدعاء النبوي صلى الله عليه و آله و سلم المروى في الكافي: اللهم ارزق محمدا و آل محمد الكفاف، و هو بالفتح ما لا يحتاج معه و لا يفضل عن الحاجة فهو متوسط بين الفقر و الغنى و خير الامور أوسطها و إنما سمي بذلك لأنه يكف عن الناس و يغنى عنهم.
و فى الكافى أيضا عن النوفلى عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: اللهم ارزق محمدا و آل محمد و من أحب محمدا و آل محمد العفاف و الكفاف و ارزق من أبغض محمدا و آل محمد المال و الولد.
قال بعض شراح الحديث: العفاف بالفتح عفة البطن و الفرج عن الطغيان أو العفة من السؤال عن الانسان أو الجميع، و قال: لما كان شيء من المال ضروريا في البقاء و العبادة و هو الكفاف الواقع بين الطرفين طرف الفقر الذى فيه رائحة الكفر و العصيان، و طرف الغنى الذى فيه شايبة التكبر و الطغيان، طلبه صلى الله عليه و آله و سلم لنفسه و لمحبيه، و طلب لمن أبغضهم طرف الغنى و الكثرة لأن مفاسده أكثر و أعظم و فتنته أشد و أفحم من مفاسد الفقر و فتنته كما قال عز و جل إنما أموالكم و أولادكم فتنة و قال إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى.و بالجملة لما كان حصول الكفاف مانعا من دواعى طرفى التفريط و الافراط و كان العبد معه مستقيم الأحوال على سواء الصراط طلبه لنفسه و لمحبيه.
قال الشارح: و اعلم أن الأحاديث مختلفة ففى بعضها طلب الغنى و اليسار و في بعضها طلب الكفاف، و في بعضها طلب الفقر، و في بعضها الاستعاذة من الفقر، و وجه الجمع بينها أن يقال: المراد بطلب الغنى طلب الكفاف لأن الكفاف هو المطلوب عند أهل العصمة، و ليس المراد به ما هو المتعارف عن أبناء الدنيا من جمع المال و اذخاره و الاتساع به فوق الحاجة، فان ذلك مناف لما هو المعهود من حالهم من طلاق الدنيا و الزهد فيها و قد قال أمير المؤمنين عليه السلام:
علل النفس بالكفاف و إلا | طلبت منك فوق ما يكفيها | |
ما لما قد مضى و لا للذى لم | يأت من لذة لمستحليها | |
إنما أنت طول مدة ما | عمرت كالساعة التي أنت فيها | |
و رواه في البحار من كتاب مطالب السؤول لمحمد بن طلحة، و قال أيضا من نظمه عليه السلام
دليلك أن الفقر خير من الغنى | و أن قليل المال خير من المثرى | |
لقاؤك مخلوقا عصى الله بالغنى | و لم تر مخلوقا عصى الله بالفقر | |
و هذا هو الذى أراد النبي صلى الله عليه و آله و سلم بقوله: نعم المال الصالح للعبد الصالح و المراد بطلب الفقر طلب قدر الحاجه و الكفاف لأن الكفاف فقر عند أهل الدنيا و إن كان يسارا عندهم عليهم السلام و المراد بالاستعاذة من الفقر الاستعاذة مما دون الكفاف و هو الفقر عندهم عليهم السلام و أقوى أفراده عند أهل الدنيا هذا.
و قال المحدث العلامة المجلسى قدس سره: سؤال الفقر لم يرو فى الأدعية بل ورد فى أكثرها الاستعاذة من الفقر الذى يشقى به و عن الغنى الذى يسير سببا لطغيانه انتهى.
و كيف كان فقد ظهر بذلك كله أن غرضه عليه السلام بالسؤال صون جاهه و عزه باليسار لاستلزام الغنى احترام صاحبه عند عامة الناس كاستلزام الفقر لمهانة المبتلى به عندهم.
و لذلك عقبه بقوله (و لا تبذل جاهى بالاقتار) أى لا تجعل مروتى و حرمتى ساقطة عند الناس بضيق المعيشة و قلة النفقة، فان الاقتار يوجب الاستهانة و الاحتقار و استخفاف الناس بالمتصف به.و من هنا قال الصادق عليه السلام: لا تدعوا التجارة فتهونوا.
و في بعض الاثار أحسنوا تعهد المال فانه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاث خصال: رقة فى دينه، و ضعف فى عقله، و ذهاب من مروته، و الرابعة هى العظمى و هى استخفاف الناس به.
و فى وصايا لقمان: يا بنى اكلت الحنظل و ذقت الصبر فلم يكن أمر من الفقر، فان افتقرت فلا تحدث الناس كيلا ينتقصوك.
و ترك ابن المبارك دنانير و قال: اللهم إنك تعلم أنى لم أجمعها إلا لأصون بها حسبى و دينى.
و قالت الحكماء: المال يرفع صاحبه و إن كان وضيع النسب قليل الأدب و ينصره و إن كان جبانا، و ينبسط لسانه و إن كان عيابة، يظهر المروة و يتم الرياسة يصلك إذا قطعك الناس، و ينصرك إذ اخذ لك الأقربون، و لولاه ما مدح كريم و لا صين حريم.
و كان بعضهم يقول: الناس لصاحب المال ألزم من الشعاع للشمس، و من الذئب للمصر، و من الحكم للمقر، و هو عندهم أرفع من السماء و أعذب من الماء و أحلى من الشهد و أزكى من الورد، خطاؤه صواب، و سيئته حسنة و قوله مقبول، و حديثه مغسول، يغشى مجلسه و لا يمل صحبته، و المفلس عند الناس أكذب من لمعان السراب، و من سحاب تموز لا يسأل منه إن تخلف، و لا يسلم عليه إن قدم إذا غاب شتموه و إن حضر طردوه و إذا غضب ضعفوه، مصافحته تنقض الوضوء، و قراءته تقطع الصلاة أثقل من الامانة و أبغض من المبرم الملحف.
و قد أكثر الشعراء في نظمهم من هذا المعنى قال بعضهم:
فصاحة سحبان و خط ابن مقلة | و حكمة لقمان و زهد ابن أدهم | |
إذا اجتمعت للمرء و المرء مفلس | فليس له قدر بمقدار درهم | |
و قال آخر:
و زيني للغني أسعى فاني | رأيت الناس شرهم الفقير | |
و أبعدهم و أهونهم عليهم | و إن أمسى له حسب و خير | |
و يكرهه الندى و تزدريه | خليلته و ينهره الصغير | |
و يلقى ذو الغنى و له جلال | يكاد فؤاد صاحبه يطير | |
قليل ذنبه و الذنب جم | و لكن الغني رب غفور | |
و قال آخر:
و لم أر بعد الدين خيرا من الغني | و لم أر بعد الكفر شرا من الفقر | |
و قال الزمخشرى:
لا تلمني إذا رقيت الأواقي | فالأواقي لماء وجهى اراقى | |
ثم المراد بالجاه أيضا الذى سأل عليه السلام صونه باليسار و عدم ابتذاله بالاقتار ليس ما يقصد به الفخر و الترأس كما هو شأن أهل الدنيا بل ما يستعان به على القيام بطاعة الله و عبادته و أداء حقوقه اللازمة و الذى من هو الله سبحانه به على الأنبياء و اشير إليه في قوله تعالى يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا و الآخرة.
و فى الحديث النبوى صلى الله عليه و آله و سلم اذا كان يوم القيامة دعى الله بعبد من عباده فيتوقف بين يديه فيسأله عن جاهه كما يسأله عن ماله و قوله عليه السلام (فأسترزق طالبى رزقك) الفاء للسببية أى فيسبب ابتذال جاهى بالاقتار أن أسترزق طالبى رزقك الذين من شأنهم أن يطلبوا منك الرزق لا أن يطلب منهم.
(و أستعطف شرار خلقك) أى أطلب العاطفة و الافضال من شرار خلقك الذين ليسوا بأهل الاستعطاف، و في بيانه لهذين السببين تأكيد للالتجاء بالله تعالى في صيانته من الفقر و اعاذته من الابتذال اذ فى استرزاق الخلق و استعطافهم من الذل و الخضوغ و التملق و المهانة للمسئول منه ما يجب أن يتضرع إلى الله عز و جل في الوقاية منه.
و قد تواترت الأخبار و الاثار و تطابقت الأشعار على ذم السؤال و كراهة بذل الوجه في الطلب من الخلق خصوصا ممن لم يكن معروفا بالمعروف.فمن ذلك ما في الكافي عن عبد الأعلى بن أعين قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: طلب الحوائج إلى الناس استلاب للعز مذهبة للحياء و اليأس مما في أيدى الناس عز للمؤمن في دينه و الطمع هو الفقر الحاضر.
و فيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إن الله تبارك و تعالى أحب شيئا لنفسه و أبغضه لخلقه أبغض لخلقه المسألة و أحب لنفسه أن يسأل و ليس شيء أحب إلى الله عز و جل من أن يسأل فلا يستحى أحدكم أن يسأل الله عز و جل من فضله و لو شسع نعله.
و روى عنه عليه السلام اياكم و سؤال الناس فانه ذل في الدنيا و فقر تعجلونه و حساب طويل يوم القيامة.و عن أبي جعفر عليه السلام لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا، و لو يعلم المعطى ما في العطية ما رد أحد أحدا.
و فى البحار عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: قال الله عز و جل ما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني إلا قطعت أسباب السماوات و أسباب الأرض من دونه فان سألني لم اعطه و إن دعاني لما اجبه، و ما من مخلوق يعتصم بي دون خلقي إلا ضمنت السماوات و الأرض رزقه فان دعاني أجبته و إن سألنى أعطيته و إن استغفرنى غفرت له.
و قال بعض السلف: من سأل حاجة فقد عرض نفسه على الرث، فان قضاها المسئول استعبده بها و إن رده عنها رجع حرا و هما ذليلان هذا بذل اللؤم و ذلك بذل الرد، و من الشعر المنسوب إلى الحسين عليه السلام:
أغن عن الخلق بالخالق | تغن عن الكاذب بالصادق | |
و استرزق الرحمة من فضله | فليس غير الله من رازق | |
و قال محمود الوراق:
ساو الملوك قصورهم و تحصنوا | من كل طالب حاجة أو راغب | |
فارغب إلى تلك الملوك و لا تكن | بادى الضراعة طالبا من طالب | |
و قال آخر:
لموت الفتى خير من البخل للفتى | و للبخل خير من سؤال فقير | |
لعمرك ما شيء لوجهك قيمة | فلا تلق إنسانا بوجه ذليل | |
ثم الظاهر أن مراده عليه السلام بشرار الخلق فى قوله: و أستعطف شرار خلقك من لم يكن أهلا للمعروف و من هو باللوم موصوف، فان طلب العاطفة و البر منهم أمر على ذوى الوجوه من طعم الحنظل و العلقم و أدهى و أضر من إدخال اليد فى فم الأرقم.
قال شارح الصحيفة السجادية: قد روى أن فى زبور داود عليه السلام إن كنت تسأل عبادى فاسأل معادن الخير ترجع مغبوطا مسرورا، و لا تسأل معادن الشر ترجع ملوما محسورا.
و روى المحدث الجزايرى عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قلت: اللهم لا تحوجنى الى أحد من خلقك، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لا تقولن هكذا فليس من أحد إلا و هو محتاج إلى الناس، قال: فكيف أقول يا رسول الله؟ قال: قل: اللهم لا تحوجنى إلى شرار خلقك، قال: قلت: يا رسول الله و من شرار خلقه؟ قال: الذين إذا اعطوا منوا و إذا منعوا عابوا.
و فى الأثر أن الله تعالى أوحى إلى موسى على نبينا و عليه السلام لأن تدخل يدك فى فم التنين إلى المرفق خير من أن تبسطها إلى غنى نشأ فى الفقر.
و فى كلامهم: لا شيء أوجع للأحرار من الرجوع إلى الأشرار.
و قيل لأعرابي: ما السقم الذى لا يبرء و الجرح الذى لا يندمل؟ قال حاجة الكريم إلى اللئيم.
و أوصى بعضهم ابنه فقال: لا تدنس عرضك و لا تبذلن وجهك بالطلب إلى من ردك كان رده عليك عيبا و ان قضى حاجتك جعلها عليك منا، و احتمل الفقر بالتنزه عما فى أيدى الناس و الزم القناعة بما قد قسم لك.
و قال رجل لابنه: اياك أن تريق ماء وجهك عند من لا ماء فى وجهه رأى الاصمعى كناسا يكنس كنيفا و هو ينشد:
و اكرم نفسى اننى ان أهنتها | و حقك لم تكرم على أحد بعدى | |
و قال: فقلت له: يا هذا إنك و الله لم تترك من الهوان شيئا إلا و قد فعلته بنفسك مع هذه الحرفة، فقال: بلى و الله إننى صنتها عما هو أعظم من هذا من الهوان فقلت و اى شيء هو؟ قال: سؤال مثلك، قال: فانصرفت عنه و أنا من أخزى الناس.
و قال عمر بن أحمد الباهلى:
من يطلب المعروف من غير أهله | يجد مطلب المعروف غير يسير | |
إذا أنت لم تجعل لعرضك جنة | من الذل سار الذل كل مسير | |
و قال آخر:
و إذا بليت ببذل ماء وجهك سائلا | فابذله للمتكرم المفضال | |
إن الجواد إذا حباك بموعد | أعطاكه سلسا بغير مطال | |
ما اعتاض باذل وجهه بمطاله | عوضا و لو نال المنى بسؤال | |
و إذا السؤال مع النوال قرنته | رجح السؤال و خف كل نوال | |
و قال آخر:
اسأل العرف إن سألت جوادا | لم يزل يعرف الغنى و اليسارا | |
فاذا لم تجد من الذل بدا | فالق بالذل إن لقيت الكبارا | |
ليس إجلالك الكبير بذل | إنما الذل أن تجل الصغارا | |
و قال آخر:
إن الغنى عن لئام الناس مكرمة | و عن كرامهم أدنى إلى الكرم | |
و فى البحار من الكافي عن بكر الارقط أو ابن شبيب عن أبي عبد الله عليه السلام انه دخل عليه واحد فقال له: أصلحك الله اني رجل منقطع اليكم بمودتى و قد أصابتنى حاجة شديدة و قد تقربت بذلك إلى أهل بيتي و قومي فلم يزدني بذلك منهم الا بعدا، قال عليه السلام: فما أتاك الله خير مما أخذ منك، قال: جعلت فداك ادع الله أن يغنيني من خلقه، قال عليه السلام إن الله تعالى قسم رزق من شاء على يدي من شاء، و لكن اسأل الله أن يغنيك عن الحاجة التي تضطرك إلى لئام خلقه.
قال العلامة المجلسي قدس سره: اللئام جمع اللئيم يقال للشحيح الدنى النفس و المهين و نحوهم، لأن اللؤم ضد الكرم، و يؤمى الحديث إلى أن الفقر المذموم ما يصير سببا كذلك و غير ممدوح و ذمه لأن اللئيم لا يقضى حاجة و ربما يلومه في رفع الحاجة إليه و إذا قضاه لا يخلو من منه، و يمكن أن يشمل الظالم و الفاسق المعلن بفسقه.
و في كثير من الأدعية: اللهم لا تجعل لظالم و لا فاسق على يدا و لا منة و ذلك لأن القلب مجبول بحب من أحسن إليه و في حب الظالم معاصى كثيرة كما في قوله تعالى و لا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار هذا.
و في عطف قوله عليه السلام (و ابتلى بحمد من أعطاني و افتتن بذم من منعنى) على ما سبق تاكيد آخر للاعاذة من الاقتار الموجب لاسترزاق طالبى الرزق و استعطاف شرار الخلق المستلزمين للابتلاء بثناء المعطى و الافتتان بازراء المانع أى الميل إلى تعييبه دونه و الطعن عليه لكون النفوس مجبولة مفتونة بذلك بشهادة العيان و التجربة.
و يشير إليه أيضا قوله تعالى و منهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا و إن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون.
و إنما أكد عليه السلام التجاءه إلى الله تعالى بذكر هذين اللازمين لأن ابتلاء
العبد و افتتانه بحمد المخلوق و ذمه معطيا و ما نعا يوجبان انصرافه عن الخالق و عنايته بالمخلوق و هما خلاف وظيفة العبودية.
و قوله عليه السلام (و أنت من وراء ذلك كله ولى الاعطاء و المنع) قد قلنا إن الجملة حالية أى لا تبذل جاهى بالاقتار فيلحقني بسببه ما يلحقني من المكاره المعدودة و الحال انك من وراء ذلك الخلق كله القيم بالاعطاء و المنع و القاهر القادر على التيسير و التقتير، لأن أزمة الامور كلها بيد قدرتك.
و المراد بكونه من وراء الخلق سلطانه عليهم و احاطته بهم كما قال تعالى:
بل الذين كفروا في تكذيب و الله من ورائهم محيط قال أمين الاسلام قدس سره: معناه أنهم فى قبضة الله و سلطانه لا يفوتونه كالمحاصر المحاط به من جوابه لا يمكنه الفوات و الهرب و هذا من بلاغة القرآن.
و قوله عليه السلام (انك على كل شيء قدير) مسوق في معرض التعليل لكونه عز و جل ولي الاعطاء و المنع، أى أنت وليهما بمقتضى عموم قدرتك على جميع الأشياء.
تبصرة
هذا الدعاء الذى نسبه الرضي قدس سره إلى أمير المؤمنين عليه السلام قد روى عن على بن الحسين عليهما السلام فى ضمن أدعية الصحيفة الكاملة فى فقرات دعائه عليه السلام فى مكارم الأخلاق باختلاف يسير و هو قوله عليه السلام: اللهم صل على محمد و آل محمد و صن وجهى باليسار و لا تبتذل جاهى بالاقتار فأسترزق أهل رزقك و أستعطى شرار خلقك، فافتتن بحمد من أعطانى و ابتلى بذم من منعنى و أنت من دونهم ولى الاعطاء و المنع، هكذا وجدته.
تذييل
قد تقدم في شرح الكلام السادس و الأربعين فصل مبسوط في فضل الدعاء و الترغيب عليه و مطلوبيته من طريق العقل و النقل و مطالب نفيسة ينفعك مراجعتها في هذا المقام، و أحببت أن اورد هنا بعض الأدعية الواردة في طلب الرزق فأقول و بالله التوفيق:روى في البحار من العيون عن الرضا عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:من أنعم الله عز و جل عليه نعمة فليحمد الله، و من استبطأ الرزق فليستغفر الله، و من حزنه أمر فليقل لا حول و لا قوة إلا بالله.
و فيه من الخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: الاستغفار يزيد في الرزق.و فيه من الكتاب العتيق الغروى دعاء اللهم كما صنت وجهى عن السجود إلا لك فصنه عن طلب الرزق إلا منك، اللهم قوني على ما خلقتنى له و لا تشغلنى بما تكلفت «تكفلت ظ» لي به و اعصمني مما تعاقبني عليه.
و منه أيضا دعاء فى سجدة الشكر لطلب الرزق: اللهم يا من لا يزيد ملكه حسناتي و لا تشينه سيئاتي و لا ينقص خزائنه غناى و لا يزيد فيها فقرى صل على محمد و آل محمد و أثبت رجاءك في قلبي و اقطع رجائي عمن سواك حتى لا أرجو إلا إياك و لا أخاف إلا منك و لا أثق إلا بك و لا أتكل إلا عليك، و أجرني من تحويل ما أنعمت به على في الدين و الدنيا و الاخرة أيام الدنيا برحمتك يا أرحم الراحمين و فيه من علل الشرائع عن سليمان بن مقبل قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام: لأى علة يستحب للانسان إذا سمع الأذان أن يقول كما يقول المؤذن و إن كان على البول و الغايط؟ قال عليه السلام: إن ذلك يزيد في الرزق.
و من الأمالى عن أحمد بن عامر عن الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: من قال في كل يوم مأئة مرة لا إله إلا الله الحق المبين، استجلب به الغنى و استدفع به الفقر و سد عنه باب النار و استفتح له باب الجنة.
و من ثواب الأعمال عن محمد بن عمر رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: من كتب على خاتمه ما شاء الله لا قوة إلا بالله استغفر الله، أمن من الفقر المدقع.
و من المحاسن عن النوفلى عن السكونى عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: من ألح عليه الفقر فليكثر لا حول و لا قوة إلا بالله ينفى الله عنه الفقر.
و من تفسير العياشى عن النوفلى عن السكونى عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال: إن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: فقد رجلا فقال ما بطأ بك عنا؟ فقال: السقم و العيال فقال صلى الله عليه و آله و سلم: ألا أعلمك بكلمات تدعو بهن يذهب الله عنك السقم و ينفى عنك الفقر لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم توكلت على الحي الذى لا يموت الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا و لم يكن له شريك في الملك و لم يكن له ولي من الذل و كبره تكبيرا.
و رواه في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام نحوه و زاد في آخره فقال الرجل: فو الله ما قلته إلا ثلاثة أيام حتى ذهب عني الفقر و السقم، و قد تقدم تمامه بهذا الطريق في شرح الخطبة المأتين و الثالثة عشر و فى البحار أيضا من عدة الداعي عن الصادق عليه السلام لطلب الرزق: يا الله يا الله يا الله أسألك بحق من حقه عليك عظيم أن تصلي على محمد و آل محمد و أن ترزقني العمل بما علمتني من معرفة حقك و أن تبسط علي ما حظرت من رزقك و من الاختصاص عن القسم بن بريد عن أبيه قال دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت: جعلت فداك قد كان الحال حسنا و أن الأشياء اليوم متغيرة، فقال عليه السلام:
إذا قدمت الكوفة فاطلب عشرة دراهم فان لم تصبها فبع و سادة من وسائدك بعشرة دراهم ثم ادع عشرة من أصحابك و اصنع لهم طعاما فاذا أكلوا فاسألهم فيدعوا الله لك، قال: فقدمت الكوفة فطلبت عشرة دراهم فلم أقدر عليها حتى بعت و سادتا لي بعشرة دراهم كما قال عليه الصلاة و السلام و جعلت لهم طعاما و دعوت أصحابي عشرة فلما اكلوا سألتهم أن يدعوا الله تعالى فما مكثت حتى مالت على الدنيا، هذا.
و الأخبار في هذا المعنى كثيرة مروية في كتب أصحابنا منقولة عن أئمتنا عليهم صلوات الله الملك المنان المبين، و لنقتصر على ما أوردنا و الله الموفق و هو الرزاق ذو القوة المتين.
الترجمة
از جمله دعاى آن امام است بار الها حفظ بفرما قدر و منزلت مرا با غنا و وسعت معيشت، و مبتذل مكن جاه و مرتبه مرا با فقر و تنگي روزى تا اين كه محتاج شوم بطلب كردن روزى از طالبان روزى تو، و طلب كردن عاطفت و احسان از شريران خلق تو، و مبتلا شوم بتعريف و توصيف كسى كه بمن ريزش نمايد، و مايل شوم بمذمت آن كسى كه از من مضايقه كند، و حال آنكه تو از پشت همه اين خلق متولي إعطاء و منع هستى، بدرستى كه تو بر همه چيز قادر و قاهرى.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی