google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
220-240 خطبه شرح وترجمه میر حبیب الله خوئیخطبه ها شرح و ترجمه میر حبیب الله خوئی

نهج البلاغه خطبه ها خطبه شماره 221 شرح میر حبیب الله خوئی

خطبه 223 صبحی صالح

223- و من كلام له ( عليه ‏السلام  ) قاله عند تلاوته‏

 يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ‏

أَدْحَضُ مَسْئُولٍ حُجَّةً وَ أَقْطَعُ مُغْتَرٍّ مَعْذِرَةً لَقَدْ أَبْرَحَ جَهَالَةً بِنَفْسِهِ

يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا جَرَّأَكَ عَلَى ذَنْبِكَ وَ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ وَ مَا أَنَّسَكَ بِهَلَكَةِ نَفْسِكَ

أَ مَا مِنْ دَائِكَ بُلُولٌ أَمْ لَيْسَ مِنْ نَوْمَتِكَ يَقَظَةٌ أَ مَا تَرْحَمُ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَرْحَمُ مِنْ غَيْرِكَ

فَلَرُبَّمَا تَرَى الضَّاحِيَ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ فَتُظِلُّهُ أَوْ تَرَى الْمُبْتَلَى بِأَلَمٍ يُمِضُّ جَسَدَهُ فَتَبْكِي رَحْمَةً لَهُ فَمَا صَبَّرَكَ عَلَى دَائِكَ وَ جَلَّدَكَ عَلَى مُصَابِكَ وَ عَزَّاكَ عَنِ الْبُكَاءِ عَلَى نَفْسِكَ وَ هِيَ أَعَزُّ الْأَنْفُسِ عَلَيْكَ

وَ كَيْفَ لَا يُوقِظُكَ خَوْفُ بَيَاتِ نِقْمَةٍ وَ قَدْ تَوَرَّطْتَ بِمَعَاصِيهِ مَدَارِجَ سَطَوَاتِهِ فَتَدَاوَ مِنْ دَاءِ الْفَتْرَةِ فِي قَلْبِكَ بِعَزِيمَةٍ وَ مِنْ كَرَى الْغَفْلَةِ فِي نَاظِرِكَ بِيَقَظَةٍ

وَ كُنْ لِلَّهِ مُطِيعاً وَ بِذِكْرِهِ آنِساً وَ تَمَثَّلْ فِي حَالِ تَوَلِّيكَ عَنْهُ إِقْبَالَهُ عَلَيْكَ يَدْعُوكَ إِلَى عَفْوِهِ وَ يَتَغَمَّدُكَ بِفَضْلِهِ وَ أَنْتَ مُتَوَلٍّ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ

فَتَعَالَى مِنْ قَوِيٍّ مَا أَكْرَمَهُ وَ تَوَاضَعْتَ مِنْ ضَعِيفٍ مَا أَجْرَأَكَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَ أَنْتَ فِي كَنَفِ سِتْرِهِ‏ مُقِيمٌ وَ فِي سَعَةِ فَضْلِهِ مُتَقَلِّبٌ فَلَمْ يَمْنَعْكَ فَضْلَهُ وَ لَمْ يَهْتِكْ عَنْكَ سِتْرَهُ

بَلْ لَمْ تَخْلُ مِنْ لُطْفِهِ مَطْرَفَ عَيْنٍ فِي نِعْمَةٍ يُحْدِثُهَا لَكَ أَوْ سَيِّئَةٍ يَسْتُرُهَا عَلَيْكَ أَوْ بَلِيَّةٍ يَصْرِفُهَا عَنْكَ فَمَا ظَنُّكَ بِهِ لَوْ أَطَعْتَهُ

وَ ايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ كَانَتْ فِي مُتَّفِقَيْنِ فِي الْقُوَّةِ مُتَوَازِيَيْنِ فِي الْقُدْرَةِ لَكُنْتَ أَوَّلَ حَاكِمٍ عَلَى نَفْسِكَ بِذَمِيمِ الْأَخْلَاقِ وَ مَسَاوِئِ الْأَعْمَالِ

وَ حَقّاً أَقُولُ مَا الدُّنْيَا غَرَّتْكَ وَ لَكِنْ بِهَا اغْتَرَرْتَ وَ لَقَدْ كَاشَفَتْكَ الْعِظَاتِ وَ آذَنَتْكَ عَلَى سَوَاءٍ وَ لَهِيَ بِمَا تَعِدُكَ مِنْ نُزُولِ الْبَلَاءِ بِجِسْمِكَ وَ النَّقْصِ فِي قُوَّتِكَ أَصْدَقُ وَ أَوْفَى مِنْ أَنْ تَكْذِبَكَ أَوْ تَغُرَّكَ وَ لَرُبَّ نَاصِحٍ لَهَا عِنْدَكَ مُتَّهَمٌ وَ صَادِقٍ مِنْ خَبَرِهَا مُكَذَّبٌ

وَ لَئِنْ تَعَرَّفْتَهَا فِي الدِّيَارِ الْخَاوِيَةِ وَ الرُّبُوعِ الْخَالِيَةِ لَتَجِدَنَّهَا مِنْ حُسْنِ تَذْكِيرِكَ وَ بَلَاغِ مَوْعِظَتِكَ بِمَحَلَّةِ الشَّفِيقِ عَلَيْكَ وَ الشَّحِيحِ بِكَ

وَ لَنِعْمَ دَارُ مَنْ لَمْ يَرْضَ بِهَا دَاراً وَ مَحَلُّ مَنْ لَمْ يُوَطِّنْهَا مَحَلًّا وَ إِنَّ السُّعَدَاءَ بِالدُّنْيَا غَداً هُمُ الْهَارِبُونَ مِنْهَا الْيَوْمَ

إِذَا رَجَفَتِ الرَّاجِفَةُ وَ حَقَّتْ بِجَلَائِلِهَا الْقِيَامَةُ وَ لَحِقَ بِكُلِّ مَنْسَكٍ أَهْلُهُ وَ بِكُلِّ مَعْبُودٍ عَبَدَتُهُ وَ بِكُلِّ مُطَاعٍ أَهْلُ طَاعَتِهِ

فَلَمْ يُجْزَ فِي عَدْلِهِ وَ قِسْطِهِ يَوْمَئِذٍ خَرْقُ بَصَرٍ فِي الْهَوَاءِ وَ لَا هَمْسُ قَدَمٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا بِحَقِّهِ

فَكَمْ حُجَّةٍ يَوْمَ ذَاكَ دَاحِضَةٌ وَ عَلَائِقِ عُذْرٍ مُنْقَطِعَةٌ

فَتَحَرَّ مِنْ أَمْرِكَ مَا يَقُومُ بِهِ عُذْرُكَ وَ تَثْبُتُ بِهِ حُجَّتُكَ وَ خُذْ مَا يَبْقَى لَكَ مِمَّا لَا تَبْقَى لَهُ وَ تَيَسَّرْ لِسَفَرِكَ وَ شِمْ بَرْقَ النَّجَاةِ وَ ارْحَلْ مَطَايَا التَّشْمِيرِ

شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج14  

و من كلام له عليه السلام و هو المأتان و الحادى و العشرون من المختار فى باب الخطب‏

قاله عليه السلام عند تلاوته: يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم.

أدحض مسئول حجة، و أقطع مغتر معذرة، لقد أبرح جهالة بنفسه، يا أيها الإنسان ما جرأك على ذنبك، و ما غرك بربك، و ما آنسك بهلكة نفسك، أ ما من دائك بلول، أم ليس من نومتك يقظة، أ ما ترحم من نفسك ما ترحم من غيرك، فربما ترى الضاحي من حر الشمس فتظله، أو ترى المبتلى بألم يمض جسده فتبكي رحمة له، فما صبرك على دائك، و جلدك بمصابك، و عزاك عن البكاء على نفسك، و هي أعز الأنفس عليك، و كيف لا يوقظك خوف بيات نقمة و قد تورطت بمعاصيه مدارج سطواته، فتداو من داء الفترة في قلبك بعزيمة، و من كرى الغفلة في ناظرك بيقظة، و كن لله مطيعا، و بذكره آنسا، و تمثل في حال توليك عنه إقباله عليك، يدعوك إلى عفوه، و يتغمدك بفضله و أنت متول عنه إلى غيره.

فتعالى من قوي ما أكرمه، و تواضعت من ضعيف ما أجرأك على معصيته و أنت في كنف ستره مقيم، و في سعة فضله متقلب، فلم يمنعك فضله، و لم يهتك عنك ستره، بل لم تخل من لطفه مطرف عين في نعمة يحدثها لك، أو سيئة يسترها عليك، أو بلية يصرفها عنك، فما ظنك به لو أطعته، و أيم الله لو أن هذه الصفة كانت في‏ متفقين في القوة، متوازنين في القدرة لكنت أول حاكم على نفسك بذميم الأخلاق، و مساوي الأعمال.

و حقا أقول ما الدنيا غرتك، و لكن بها اغتررت، و قد كاشفتك العظات، و آذنتك على سواء، و لهي بما تعدك من نزول البلاء بجسمك و النقص في قوتك أصدق و أوفى من أن تكذبك أو تغرك، و لرب ناصح لها عندك متهم، و صادق من خبرها مكذب، و لئن تعرفتها في الديار الخاوية و الربوع الخالية لتجدنها من حسن تذكيرك و بلاغ موعظتك بمحلة الشفيق عليك، و الشحيح بك، و لنعم دار من لم يرض بها دارا، و محل من لم يوطنها محلا. و إن السعدآء بالدنيا غدا هم الهاربون منها اليوم، إذ رجفت الراجفة، و حقت بجلائلها القيامة، و لحق بكل منسك أهله، و بكل معبود عبدته، و بكل مطاع أهل طاعته، فلم يجز في عدله يومئذ خرق بصر في الهواء، و لا همس قدم في الأرض إلا بحقه، فكم حجة يوم ذاك داحضة، و علايق عذر منقطعة، فتحر من أمرك ما يقوم به عذرك، و تثبت به حجتك، و خذ ما يبقى لك مما لا تبقى له، و تيسر لسفرك، و شم برق النجاة، و ارحل مطايا التشمير.

اللغة

(دحضت) الحجة دحضا من باب منع بطلت و يتعدى بالهمزة فيقال أدحضها الله و دحض الرجل زلق و (برح) به الضرب اشتد و عظم و هذا أبرح من ذاك أى أشد و يقال لقد أبرح فلان جهالة و أبرح لوما و أبرح شجاعة، و قتلوه أبرح قتل أى أشده (و ما آنسك) من باب الافعال، و روى أنسك بالتشديد من باب التفعيل و (بل) من مرضه يبل من باب ضرب بلا و بللا و بلولا كقعود برء و حسنت حاله بعد الهزال.

و (الضاحى) لحر الشمس البارز يقال ضحى فلان مثل دعى أى برز للشمس و مثل رضى و سعى أيضا أى أصابته الشمس و (مضضت) الشي‏ء مضضا من باب تعب تألمت و يتعدى بالحركة و الهمزة فيقال مضه الجرح مضا و أمضه امضاضا أى آلمه.

و (الجلادة) القوة و الشدة و الصلابة، و جلدك بمصابك أى جعلك جلدا، و روى و جلدك على مصائبك بلفظة على و صيغة و الجمع و (بيات نقمة) طروقها و النقمة وزان كلمة و نعمة و قرحة المكافاة بالعقوبة و الجمع نقم ككلم و عنب و (التورط) الوقوع فى الورطة بسكون الراء و هى المهلكة و كل أرض مطمئنة لا طريق فيها و (عزم) على الشي‏ء و عزمه عزما من باب ضرب عقد ضميره على فعله و عزم عزيمة اجتهد و جد فى أمره و (الكرى) وزان عصا النعاس.

و (الكنف) محركة الجانب و الظل، و فلان فى كنف الله أى فى حرزه و (الستر) بالكسر الساتر و بالفتح المصدر و (طرف) البصر طرفا من باب ضرب تحرك، و طرف العين نظرها و الطرفة المرة منه و مطرف العين يحتمل المصدر و الزمان و (العظات) جمع العظة كالعذاب و هى الموعظة أى ما يلين القلب من ذكر الثواب و العقاب و الوعد و الوعيد و فى هذا (بلاغ) و بلغة و تبلغ أى كفاية.

و (حقت) بجلائلها أى ثبتت من حق الشي‏ء يحق أى ثبت و قال الفيومى:حقت القيامة يحق من باب قتل أى أحاطت بالخلايق فهى حاقة و قال ابن الأنبارى الحاقة الواجبة حق أى وجب يحق حقا و حقوقا فهو حاق و قال أمين الاسلام الطبرسى سميت القيامة الحاقة لأنها ذات الحواق من الأمور و هى الصادقة الواجبة الصدق لأن جميع أحكام القيامة واجبة الوقوع صادقة الوجود.

و (نسك) الله من باب قتل تطوع بقربة و النسك بضمتين اسم منه و المنسك بفتح السين و كسرها يكون زمانا و مصدرا و مكانا تذبح فيه النسيكة و هى الذبيحة و مناسك الحج عباداته و قيل مواضع العبادات و (العبدة) جمع عابد كمردة و مارد.

(فلم يجز فى عدله) قال الشارح المعتزلي قد اختلفت الرواة فى هذه اللفظة فرواها قوم فلم يجر و هو مضارع جرى تقول ما جرى اليوم فيقول من سألته قدم الأمير من السفر، و رواها قوم فلم يجز مضارع جاز يجوز، و رواها قوم فلم يجر من جار أى عدل عن الطريق.

و (الهمس) الصوت الخفى و قوله‏ (فتحر من أمرك) أمر من تحريت الشي‏ء قصدته و تحريت فى الأمر طلبت أحرى الأمرين و هو أولاهما و (شام) البرق يشيمه نظر اليه اين يقصد و أين يمطر و (رحلت) مطيتى شددت على ظهرها الرحل و (شمر) تشمير أمر جادا، و شمر الثوب دفعه و فى الأمر خف.

الاعراب‏

استفهام انكارى توبيخى- استفهام تقريرى قوله تعالى‏ ما غرك بربك‏ الاستفهام للانكار على سبيل التوبيخ و التقريع، و يجوز أن يكون للتقرير أى حمل المخاطب على الاعتراف و الاقرار بما يعرفه من جهة الاغترار و علته، و قوله عليه السلام: أدحض مسئول حجة خبر لمبتدأ محذوف أى هو أدحض مسئول، و الضمير راجع الى الانسان المغرور، و حجة منصوب على التميز، و كذلك معذرة و جهالة منصوبتان عليه أيضا.

و قوله: فلربما ترى، اللام للتوكيد و ما كافة لرب عن عمل الخبر و لذلك دخلت على الفعل كما فى قول الشاعر:

ربما اوفيت في علم‏ترفعن ثوبى شمالات‏

و قوله: الضاحى من حر الشمس، فى نسخة الشارحين المعتزلي و البحرانى لحر الشمس باللام بدل من و لعل الأول بناء على كون الضاحى بمعنى المصيب و الثانى على كونه بمعنى البارز، و قوله: و هى أعز الأنفس الجملة فى محل‏ النصب على الحال و كذلك جملة و قد تورطت، و انتصاب مدارج سطواته إما على المفعول به أو على المفعول فيه و حذف الخافض أى فى مدارج سطواته، و مطرف عين منصوب على الظرفية.

و قوله: يدعوك الى فضله استيناف بيانى و ليس حالا كما زعمه الشارح البحرانى، و جملة و أنت متول فى موضع النصب على الحال و قوله حقا أقول صفة لمصدر محذوف مقدم على فعله أى أقول قولا حقا، و قوله كاشفتك العظات بنصب العظات على أنها مفعول به، و كاشفت بمعنى كشف أى كشفت لك المواعظ أو مفعول بالواسطة أى كاشفتك بالعظات و تروى بالرفع على أنها فاعل كاشفت و متهم صفة لناصح و مكذب صفة لصادق.

و قوله: و لنعم داره المخصوص بالمدح محذوف و هو الضمير الراجع إلى الدنيا السابق ذكرها على حد قوله تعالى‏ إنا وجدناه صابرا نعم العبد أى هو و الضمير لأيوب على نبينا و عليه السلام السابق ذكره فى قوله‏ و اذكر عبدنا أيوب‏ و اضافة فاعل نعم إلى غير المعرف باللام على حد قول الشاعر: فنعم صاحب قوم لا سلاح لهم.

و دارا و محلا منصوبان على التميز، و الباء فى قوله بجلائلها تحتمل تعديه و المصاحبة و الضمير فيه راجع إلى القيامة لتقدمها رتبة و إن تأخرت لفظا و قوله:

خرق بصر، بالرفع فاعل يجز إن كان الفعل بصيغة المعلوم كما فى نسخة الشارح المعتزلي و نايب عن الفاعل إن كان بصيغة المجهول كما حكى عن القطب الراوندى.

و قوله: فكم حجة يوم ذاك داحضة كم خبرية بمعنى كثير اضيفت إلى تميزها و هى فى محل الرفع على الابتداء، و يوم ذاك خبرها و داحضة بالجر على ما فى النسخ التى عندنا صفة لحجة و لو كانت داحضة بالرفع كفاتت «كذا» هى الخبر و يكون يوم ذاك ظرف لغو متعلقا بها متقدما عليها و هذا أنسب لكن النسخ لا تساعد عليه و من فى قوله: مما لا تبقى له، يحتمل البدل كما فى قوله تعالى‏ أ رضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة و يحتمل النشوية أيضا.

المعنى‏

اعلم أن هذا الكلام‏ كما نبه الرضى قدس سره‏ (قاله) عليه السلام (عند تلاوته) الاية الشريفة فى سورة الانفطار يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم‏ و قبل الشروع فى شرح كلامه عليه السلام ينبغي أن نذكر ما قاله المفسرون فى تفسير الاية فأقول:

لهم فى تفسير قوله: يا أيها الانسان‏، قولان:

أحدهما أنه الكافر لقوله تعالى بعد ذلك‏ كلا بل تكذبون بالدين‏ قال عطا عن ابن عباس انها نزلت فى الوليد بن المغيرة.

و الثانى أنه عام لجميع العصات و هو الأقرب و قوله‏ ما غرك بربك‏ أى أى شي‏ء خدعك و سول لك الباطل حتى تركت الواجبات و أتيت بالمحرمات و عصيت خالقك و خالفته، و المراد ما الذى آمنك من عقابه يقال غره بفلان إذا آمنه المحذور من جهة مع أنه غير مأمون و هو كقوله‏ لا يغرنكم بالله الغرور*.

و اختلف في معنى الكريم، فقيل: هو المنعم الذى كل أفعاله إحسان و إنعام لا يجر به نفعا و لا يدفع به ضررا، و قيل: هو الذى يعطى ما عليه و ما ليس عليه و لا يطلب ماله، و قيل: هو الذى يقبل اليسير و يعطى الكثير، و قيل: إن من كرمه سبحانه أنه لم يرض بالعفو عن السيات حتى بدلها بالحسنات.

و اختلفوا في جهة تخصيص كريميته بالذكر دون ساير أسمائه و صفاته فقيل: لأنه كأنه لقنه الاجابة حتى يقول: غرني كرم الكريم، و قيل: للمنع عن المبالغة في الاغترار و الاشعار بما به يغره الشيطان فانه يقول له افعل ما شئت فان ربك الكريم لا يعذب أحدا و لا يعاجل بالعقوبة، و قيل: للدلالة على أن كثرة كرمه مستدعى الجد في طاعته لا الانهماك فى عصيانه اغترارا بكرمه.

و قال في الكشاف:

فان قلت: ما معنى قوله‏ ما غرك بربك الكريم‏ و كيف طابق الوصف بالكرم انكار الاغترار به و انما يغتر بالكريم.

قلت: معناه أن حق الانسان أن لا يغتر لكرم الله عليه حيث خلقه حيا لنفعه و بتفضله عليه بذلك حتى ينفع يطمع بعد ما مكنه و كلفه فعصى و كفر النعمة المتفضل بها أن يتفضل عليه بالثواب و طرح العقاب اغترارا ما لتفضل الأول فانه منكر خارج من حد الحكمة و لذا قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لما تلاها: غره جهله و قال الحسن: غره و الله شيطانه الخبيث أى زين له المعاصى و قال له: افعل ما شئت فربك الكريم الذى تفضل عليك بما تفضل به أولا و هو متفضل عليك آخرا حتى ورطه و قيل للفضيل بن عياض: إن أقامك الله يوم القيامة و قال لك:

ما غرك بربك الكريم ما ذا تقول؟ قال: أقول: غرنى ستورك المرخاة و هذا على سبيل الاعتراف بالخطاء فى الاغترار بالستر و ليس باعتذار كما يظنه الطماع و تظن قصاص الحشوية و يروون عن أئمتهم أنه إنما قال بربك الكريم دون ساير صفاته ليلقن عبده الجواب حتى يقول: غرني كرم الكريم، انتهى.

و قال الشارح المعتزلي:

لقائل أن يقول: لو قال: ما غرك بربك العزيز أو المنتقم أو نحو ذلك كان أولى لأن للانسان المعاتب أن يقول له غرني كرمك أو ما وصفت به نفسك.

و جواب هذا أن يقال: إن مجموع الصفات كشي‏ء واحد و هو الكريم الذى خلقك فسويك فعد لك في أى صورة ما شاء ركبك، و المعنى ما غرك برب هذه صفته و هذه شأنه و هو قادر على أن يجعلك في أى صورة شاء فما الذى يؤمنك من أن يمسخك في صورة القرد أو الخنازير و نحوها من الحيوانات العجم، و معنى الكريم ههنا الفياض على المواد بالصور، و من هذه صفته ينبغي أن يخاف منه تبديل الصورة.

إذا عرفت ذلك فلنشرع في شرح‏ كلامه عليه السلام‏ فأقول قوله‏ (أدحض مسئول حجة) أى الانسان المخاطب بخطاب يا أيها الانسان و المسئول المعاتب بعتاب ما غرك إن أراد الجواب عن ذلك الخطاب و الاحتجاج و الاستدلال في قبال ذلك السؤال و الاعتراض فحجته أبطل الحجج و أزيفها

و ذلك لأنه إن قال في مقام الجواب، غرنى كرمك فهو جواب سقيم لأن كثرة الكرم و التفضل و الاحسان تقتضى الجد و الاجتهاد في العبودية و العبادة و الشكر و الطاعة لا الاغترار و الكفران و التوانى و الخلاف و العصيان.

و إن قال: غرنى الشيطان فيقال له: ألم أعهد إليكم يا بنى آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين و أن اعبدونى هذا صراط مستقيم.

و إن قال: غرنى جهلى فيقال له: أفلم ارسل إليكم المرسلين مبشرين و منذرين و علمتكم الأحكام و التكاليف بما انزلت فى صحف الأولين و زبر الاخرين كيلا تقولوا إنا كنا عن هذا غافلين.

(و) بذلك ظهر أيضا أنه‏ (أقطع مغتر معذرة) يعنى أنه إن اعتذر عن اغتراره بعذر من المعاذير السابقة و ما ضاهاها فعذره أقطع الأعذار و أسقطها عن درجة الاعتبار كما قال عز من قائل‏ فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم و لا هم يستعتبون‏.

(لقد أبرح جهالة بنفسه) أى اشتد بنفسه‏ من حيث‏ الجهالة، قيل: الجهالة اختيار اللذة الفانية علي اللذة الباقية، و قيل: اجتمعت الصحابة على أن كل ما عصى الله به فهو جهالة و كل من عصى الله فهو جاهل استفهام توبيخى- استفهام انكارى‏ (يا أيها الانسان ما جراك على ذنبك و ما غرك بربك و ما آنسك بهلكة نفسك) هذه الاستفهامات الثلاثة واردة في معرض التوبيخ و الانكار على أسباب الجرءة و الاغترار و الانس بالقاء النفس في الهلكات و توريطها في الموبقات قال الشارح البحرانى و يحتمل أن يكون قوله:ما آنسك تعجبا.

(أما من دائك بلوى أم ليس من نومتك يقظة أما ترحم من نفسك ما ترحم من غيرك) هذه الاستفهامات كسابقتها أيضا واردة في مقام الانكار و التقريع لكنها لدخولها على النفى تفيد العرض و الطلب أى طلب البراءة من داء الذنوب و أسقام الاثام و الانتباه من نومة الغفلة و الجهالة و الترحم و العطوفة للنفس مثل الترحم و العطف للغير و حاصله أنه لا ينبغي لك عدم البراءة و اليقظة و الرحمة.

و أوضح ترحمه للغير بقوله‏ (فلربما ترى الضاحى من حر الشمس فتظله) أى‏ ترى‏ من أصابته حرارتها و تأذى بها فتظله بالظلال ترحما و تلطفا و دفعا للاذى عنه‏ (أو ترى المبتلى بألم يمض جسده) أى يولمه‏ (فتبكى رحمة له) و إذا كان هذا شأنك مع الغير فما بالك في نفسك حيث تركت نصحها و ملاحظتها.

(فما صبرك على دائك) الدوى‏ (و جلدك بمصابك) العظيم‏ (و عزاك) أى سلاك‏ (عن البكاء على نفسك و هى أعز الأنفس عليك) و أحبها إليك‏ (و كيف لا يوقظك) من نومك استعاره‏ (خوف بيات نقمة) و مفاجات عقوبة، و أصل البيات أن يقصده بالعدو في الليل من غير أن يشعر فيأخذه بغتة فاستعير لنزول العذاب فيها قال تعالى‏ أ فأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا و هم نائمون‏.

و قوله‏ (و قد تورطت بمعاصيه مدارج سطواته) أى وقعت باكتساب آثامه في في ورطاة الهلكات و صعدت‏ مدارج‏ السطوات و السخطات و التعبير بالمدارج‏ نظرا إلى اختلاف المعاصى و كون بعضها فوق بعض من حيث الصغر و الكبر الموجب لتفاوت مراتب السطوة و درجات السخطة من حيث الضعف و الشدة.

و يحتمل أن يكون المراد بالمدارج‏ الطرق نحو ما فى الحديث: إياكم و التعريس في بطون الأودية فانها مدارج السباع تأوى إليها، قال الطريحى هي جمع مدرج بفتح الميم الطريق و المعنى الأول ألطف.

(فتداو من داء الفترة في قلبك بعزيمة) أى عالج من مرض الفتور و الضعف و الانكسار الذى في قلبك بدواء الجد و العزم على العبودية و الطاعة (و من كرى الغفلة في ناظرك بيقظة) أى من نوم‏ الغفلة في ناظر بصيرتك عن الذكر و الفكر بالتنبيه و اليقظة.

(و كن لله مطيعا) و هى أعنى الطاعة نتيجة العزيمة (و بذكره آنسا) و هو أعنى الذكر ثمرة اليقظة (و تمثل في حال توليك عنه إقباله عليك) أى تصور إقباله‏ تعالى‏ عليك‏ بالفضل و الاحسان و الكرم و الامتنان في حال اعراضك عنه و المقابلة لذلك بالكفران و المخالفة و العصيان كما أوضحه بقوله‏ (يدعوك إلى عفوه) بما أنزله في كتابه من قوله‏ ادعوني أستجب لكم‏ و قوله‏ أجيب دعوة الداع إذا دعان‏ و نحوه‏ (و يتغمدك بفضله) و كرمه‏ (و أنت متول) و معرض‏ (عنه إلى غيره) تعالى و مقبل إلى الدنيا و راكن إليها و منهمك في لذاتها و شهواتها.

(فتعالى من قوى) و قادر على مؤاخذتك‏ (ما أكرمه) و أجزل إحسانه و في بعض النسخ ما أحلمه أى صفحه عنك‏ (و تواضعت من ضعيف) و حقير (ما أجرأك) و أعظم كفرانك و جار لك‏ (على معصيته) و مخالفته‏ (و أنت في كنف ستره مقيم) حيث ستر من شنايع أعمالك و قبايح ذنوبك ما لو كشف عن أدناها لافتضحت‏ (و في سعة فضله متقلب) حيث أسبغ عليك من نعمه الجسام و آلائه العظام ما لو شكرت على أقل قليلها لعجزت.

(فلم يمنعك فضله) بكفرانك‏ (و لم يهتك عنك ستره) بطغيانك‏ (بل لم تخل من لطفه) و بره‏ (مطرف عين) أى مقدار حركة البصر (في نعمة يحدثها لك أو سيئة يسترها عليك أو بلية يصرفها عنك) و هذا تفصيل ضروب ألطافه تعالى الخفية و الجلية.

و الغرض من قوله عليه السلام: فتمثل‏ إلى هنا تذكير المخاطبين بعوائد نعمه و موائد كرمه و جميل آلائه و جزيل نعمائه و عموم نواله في حقهم، مع ما هم عليه من الغفلة و الاعراض حثا لهم بذلك على المداومة بالذكر و الطاعة، و التنبه من نوم‏ الغفلة و الجهالة، و المواظبة على دعائه و مناجاته بنحو ما في دعاء الافتتاح:

فكم يا إلهي من كربة قد فرجتها، و هموم قد كشفتها، و عثرة قد أقلتها، و حلقة بلاء قد فككتها، اللهم إن عفوك عن ذنبى و تجاوزك عن خطيئتي و صفحك عن ظلمي و سترك على قبيح عملي و حلمك عن كثير جرمي عند ما كان من خطائى و عمدى أطمعنى فى أن أسألك ما لا أستوجبه منك، فلم أر مولا كريما أصبر على عبد لئيم منك على يا رب إنك تدعوني فأولى عنك و تتحبب إلى فأتبغض إليك و تتودد إلى فلا أقبل منك، كأن لى التطول عليك فلم يمنعك ذلك من الرحمة بي و الاحسان إلى و التفضل على بجودك و كرمك.

هذا كله فضله و لطفه و احسانه عليك مع عصيانك و طغيانك‏ (فما ظنك به لو أطعته) و كيف يؤيسك من كرمه مع طاعتك و قد قال‏ و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب‏ أم كيف يحرمك من نعمه مع توكلك عليه و قد قال‏ و من يتوكل على الله فهو حسبه‏ أم كيف ينقص عطائه و حبائه مع شكرك و ذكرك و قد قال‏ لئن شكرتم لأزيدنكم‏.

ثم أكد جذبهم إلى التعبد و الطاعة بأبلغ بيان و أحسن تقرير و عبارة فقال‏ (و أيم الله لو أن هذه الصفة) التي ذكرت من إقبال الله عليك و توليك عنه‏ (كانت في) متماثلين من الناس‏ (متفقين في القوة متوازنين في القدرة) متساويين في الدرجة و الرتبة و كنت أنت أحدهما (لكنت) لو أنصفت‏ (أول حاكم على نفسك بذميم الأخلاق و مساوى الأعمال) حيث إنه أقبل و توليت، و تحبب و تعاديت، و وصلك فقطعت، و تدانى فتباعدت فكيف إذا كان الطرف المقابل هو الله القاهر القادر مالك الملوك ربك و رب العالمين كلهم، فحكومتك على نفسك و تعزيرك عليها حينئذ أولى و أحجى.

ثم لما كان منشاء اغترار الغافلين العصات المخاطبين المسئولين بخطاب ما غرك بربك الكريم و علة إعراضهم عنه تعالى و توليهم عن ذكره عز و جل هو الاغترار بالدنيا و الافتتان بشهواتها و لذاتها و امنياتها حسبما يشهد به التجربة و الوجدان و نطق به القرآن فى قوله‏ و غرتكم الأماني حتى جاء أمر الله و غركم بالله الغرور و قوله‏ اتخذتم آيات الله هزوا و غرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها و لا هم يستعتبون‏ و غيره من الايات الكريمة.

نبه على وهن هذه العلة و ضعفها بقوله‏ (و حقا أقول ما الدنيا غرتك) يعنى انها ليست علة تامة قوية للاغترار (و لكن) علة مادية ضعيفة سخيفة بنقصان عقلك مجاز (بها اغتررت) كما اغتر بها كل ناقص العقل فاتصافك بالاغترار بها حقيقة و اتصافها بالغرور لك مجاز و إسناد الأول إليك أصدق و أجدر من إسناد الثاني إليها.

و أوضح عدم كونها سببا تاما للغرور بالتنبيه على اتصافها بضده من النصح‏ و الموعظة فقال‏ (و) ل (قد كاشفتك العظات) أى وعظتك جهارا بالمواعظ البالغة و النصايح الكاملة من تقلباتها و تصاريفها بأهلها و فنائها و زوالها و غيرها فلم يكن أحد منها في حبرة إلا أعقبته بعدها عبرة، و لم يلق من سرائها بطنا إلا منحته من ضرائها ظهرا، و إن جانب منها اعذوذب و أحلى أمر منها جانب فأوبى لا ينال امر من غضارتها رغبا إلا أرهقته من نوائبها تعبا، و لا يمسو منها في جناح أمن الا أصبح على قوادم خوف.

و حسبك من عظاتها النظر في السلف الماضين من الاخوان و الأقربين الذين أرهقتهم المنايا دون الامال، و شذبهم عنها تخرم الاجال، حملوا إلى و هدة القبور بعد سكنى القصور، و جعل من الصفيح أجنان، و من التراب أكفان و من الرفات جيران، جميع و هم آحاد، و جيرة و هم أبعاد. متدانون لا يتزاورون، و قريبون لا يتقاربون، إلى غير تلك مما لا حاجة إلى ذكرها.

(و آذنتك على سواء) اى أعلمتك مساويها و معايبها و مال أمرها على عدل و صدق و صواب من دون جيف و ميل و زيغ عن مستقيم طريق الصدق.

(و) اقسم بالله تعالى حقا (لهى بما تعدك من نزول البلاء بجسمك) و بسرعة الافة إلى جسدك‏ (و النقص في قوتك) و الضعف و الانحلال في قواك‏ (أصدق و أوفي) بوعدها (من أن تكذبك أو تغرك) و تخلف الميعاد (و لرب ناصح لها عندك متهم و صادق من خبرها مكذب) أى كم من ناصح و واعظ من عبرتها و عظاتها هو متهم‏ عندك‏ في نصحه فلا تقبل قوله و لا تلتفت إلى نصحه لكونه خلاف هوى نفسك، و كم من صادق من اخباراتها الصادقة هو مكذب‏ لديك أى تكذبه لكون خبره منافيا لرأيك مكروها لطبعك.

و حاصله أن العبر الدنيوية ترشدك إلى الخير و الصلاح و حسن العاقبة و أنت في غفلة منها أو متوجه إليها، و لكنك معرض عنها لاستكراه نفسك لها و مضادتها لشهواتك و امنياتك الحاضرة.

و نبه عليه السلام على خطاء المخاطب في الاتهام و التكذيب و أن خبرها على‏ وجه الصدق و الصواب و نصحها عن وجه الشفقة و الصداقة بقوله‏ (و لئن تعرفتها) أى طلبت معرفة حالها في الصدق و الكذب و استخبرت نصحها و غشها (في الديار الخاوية) اى الساقطة او الخالية من اسكانها (و الربوع الخالية) أى المنازل‏ الخالية من أهلها (لتجدنها من حسن تذكيرك و بلاغ موعظتك) أى موعظتها الكافية (بمحلة الشفيق عليك) العطوف الرءوف بك حيث لم تألوك نصحا و لم تكذب في تذكيرها و لم تغش في نصحها (و) بمنزلة (الشحيح بك) أى البخيل بأن تصيبك ما يسوؤك و يكون مال أمرك مال أمر الغافلين الهالكين من عذاب النار و سخط الجبار.(و لنعم دار من لم يرض بها دارا) بل جعلها ممرا لمقره‏ (و محل من لم يوطنها محلا) بل جعلها مجازا إلى مأواه.

و هؤلاء هم السعداء المتقون المنتفعون بما فيها من العبر المشار إليهم بقوله كنايه‏ (و إن السعداء بالدنيا غدا هم الهاربون منها اليوم) قال الشارح البحراني: وجه سعادتهم بها استثمارهم للكمالات المعدة في الاخرة منها و لن يحصل ذلك إلا بالهرب منها اليوم و كنى بالهرب منها عن الاعراض الحقيقى عن لذاتها و التباعد من اقتنائها لذاتها لاستلزام الهرب عن الشي‏ء التباعد عنه و الزهد فيه، و ظاهر أن التباعد منها بالقلوب إلا ما دعت الضرورة إليه و اتخاذها مع ذلك سببا إلى الاخرة من أسباب السعادة و مستلزماتها.

كما أشار إليه سيد المرسلين عليه السلام من حاله فيها بقوله: ما أنا و الدنيا إنما مثل فيها كمثل راكب سار في يوم صايف فرفعت له شجرة فنزل فقعد فى ظلها ساعة ثم راح فتركها، هذا.

و لما نبه عليه السلام على أن أهل السعادة غدا هم الهاربون منها اليوم فسر مراده بالغد بقوله اقتباس‏ (إذ رجفت الراجفة) أى تحركت بترديد و اضطراب و الرجفة الزلزلة العظيمة الشديدة و هو اقتباس من الاية الشريفة يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قال بعض المفسرين: معناها يوم تضطرب الأرض اضطرابا شديدا و تحرك تحركا عظيما يعنى يوم القيامة تتبعها الرادفة اى اضطرابة اخرى كاينة بعد الأولى في موضع الردف من الراكب.

(و حقت بجلائلها القيامة) أى أهاويلها الجليلة و دواهيها العظيمة الشديدة (و لحق بكل منسك أهله و بكل معبود عبدته و بكل مطاع أهل طاعته) أشار إلى لحوق كل نفس يوم القيامة بما و من تحبه و تهويه من عمل الصالح و السي‏ء و معبوده الحق و الباطل.

و اليه الاشارة في النبوي: يحشر المرء مع من أحب و لو أحب أحدكم حجرا لحشر معه، و في قوله تعالى‏ يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا و نسوق المجرمين إلى جهنم وردا.

فان كان عمل المرء في الدنيا لله و معبوده هو الله و هواه فى الله فحشره يوم القيامة مع أولياء الله الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون.

و ان كان عمله لغير الله و معبوده سوى الله و محبته لأعداء الله فحشره معهم و مع الشياطين كما قال تعالى‏ و من يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين و إنهم ليصدونهم عن السبيل و يحسبون أنهم مهتدون حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني و بينك بعد المشرقين فبئس القرين‏.

فان قيل: إذا كان يلتحق بكل معبود عبدته و بكل مطاع أهل طاعته فالتحاق النصارى إذا بعيسى و الغلاة بأمير المؤمنين عليه السلام و كذلك عبدة الملائكة فما تقول في ذلك.

قيل: معنى الالتحاق أن يؤمر الاتباع في الموقف بالتميز إلى الجهة التي فيها الرؤساء، ثم يقال للرؤساء أهؤلاء أتباعكم و عبدتكم فحينئذ يتبرؤن منهم فينجو الرؤساء و تهلك الاتباع كما قال سبحانه‏ و يوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أ هؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون‏.

أقول: و أوضح دلالة من هذه الاية قوله سبحانه في سورة الفرقان‏ و يوم يحشرهم و ما يعبدون من دون الله فيقول أ أنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل‏ قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء و لكن متعتهم و آباءهم حتى نسوا الذكر و كانوا قوما بورا فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا و لا نصرا.

قال أمين الاسلام الطبرسي فى تفسيرها أى يجمعهم و ما يعبدون يعنى عيسى و عزير و الملائكة «فيقول» لهؤلاء المعبودين «أ أنتم أضللتم عبادى أم هم ضلوا السبيل» أى طريق الجنة و النجاة «قالوا» يعنى المعبودين «سبحانك» يعنى تنزيها لك عن الشريك و عن أن يكون معبودا سواك «ما كان ينبغي لنا أن نتخذ» بضم النون و فتح الخاء في رواية الصادق عليه السلام و زيد بن على و أكثر القراء بفتح النون و كسر الخاء «من دونك من أولياء» أى ليس لنا أن نوالى أعداءك بل أنت ولينا من دونهم، و قيل: معناه ما كان يجوز لنا و للعابدين و ما كان يحق لنا أن نأمر أحدا بأن يعبدنا و لا يعبدك فانا لو أمرناهم بذلك لكنا و الينا هم و نحن لا نوالى من يكفر بك، و من قرء نتخذ فمعناه ما كان يحق لنا أن نعبد «و لكن متعتهم و آبائهم حتى نسوا الذكر» معناه و لكن طولت أعمارهم و أعمار آبائهم و متعتهم بالأموال و الأولاد بعد موت الرسل حتى نسوا الذكر المنزل على الأنبياء و تركوه «و كانوا قوما بورا» أى هلكى فاسدين.

هذا تمام الحكاية عن قول المعبودين من دون الله سبحانه فيقول الله سبحانه عند تبرء المعبودين من عبدتهم «فقد كذبوكم» أى كذبكم المعبودون أيها المشركون «بما تقولون» أى بقولكم إنهم آلهة شركاء لله «فما تستطيعون صرفا و لا نصرا» أى فما يستطيع المعبودين صرف العذاب عنكم و لا نصرا لكم بدفع العذاب عنكم، هذا.

و قوله‏ (فلم يجر في عدله يومئذ خرق بصر في الهواء و لا همس قدم في الأرض إلا بحقه) قد عرفت اختلاف الروايات في قوله فلم يجر.فعلي كونه مضارع جرى فمعناه فلم يكن و لم يتحدد في ديوان حسابه ذلك اليوم صغير و لا حقير إلا بالحق و الانصاف، و هذا مثل قوله تعالى‏ لا ظلم اليوم‏ إن الله قد حكم بين العباد.و على كونه مضارع جاز فالمعنى أنه لم يسغ و لا يرخص ذلك اليوم لأحد من المكلفين في حركة من الحركات المحقرات المستصغرات إلا إذا كانت قد فعلها بحق.

و على كونه مضارع جار بالراء المهملة فالمعنى أنه لم يذهب عنه سبحانه و لم يضل و لم يشذ عن حسابه شي‏ء من محقرات الامور إلا بحقه أى إلا ما لا فايدة في اثباته و المحاسبة عليه نحو الحركات المباحة هكذا في شرح المعتزلي.و يظهر من بعض الشروح رواية رابعة و هو كونه مضارع جزى بالزاء المعجمة بصيغة المجهول حيث قال: قوله‏ فلم يجز في عدله‏ آه أى لا يجزى أحد يومئذ و لا يكافئ إلا بما يستحقه من الثواب و العقاب.

و على هذه الرواية فيكون مساقه مساق قوله تعالى‏ فاليوم لا تظلم نفس شيئا و لا تجزون إلا ما كنتم تعملون‏ و على أى تقدير فالغرض الاخبار عن عموم عدله تعالى في مظالم الناس على أنفسهم و على غيرهم، و قد مضي في شرح الخطبة المأة و الخامسة و السبعين ما ينفعك ذكراه في هذا المقام.

(فكم حجة يوم ذاك داحضة) أى لم يبق للناس على الله‏ حجة بعد الرسل و إنما هلك من هلك عن بينة و حي من حي عن بينة (و علائق عذر منقطعة) فلا ينفع الذين ظلموا معذرتهم و لا هم يستعتبون.

(فتحر من أمرك ما يقوم به عذرك و تثبت به حجتك) أى اطلب و اعتمد من أمورك و أفعالك في الدنيا ما به قوام اعذارك المقبولة يوم القيامة و ما به ثبات حججك الصحيحة يومئذ و هو أمر بتحصيل الكمالات النفسانية و مواظبة التكاليف الشرعية و ملازمة سنن الشريعة، إذ الأعذار الشرعية مقبولة البتة و كذلك الحجج البرهانية الموافقة لأساس الشريعة.

(و خذ ما يبقى لك) و هو الاخرة و نعيمها الباقي‏ (مما لا تبقى له) و هو الدنيا

و نعيمها الفاني كما قال عليه الصلاة و السلام في الديوان:

فلا الدنيا بباقية لحى‏و لا حى على الدنيا بباق‏

و المراد أخذ الاخرة عوضا من الدنيا أو تحصيلها فيها فان الفوز بالسعادة الدائمة إنما يحصل بالقيام على التكاليف في دار الدنيا لأنها دار التكليف و الاخرة دار الجزاء، و هذه الفقرة نظير قوله عليه السلام في الكلام المأتين و الثاني: فخذوا من ممركم لمقركم‏.

و في الاتيان بالموصول من دون أن يقول و خذ الاخرة من الدنيا تأكيد للغرض المسوق له الكلام و حث على شدة الأخذ (و تيسر لسفرك) و هو أمر بتهية الزاد لسفر الاخرة و الاستعداد للمعاد و خير الزاد الزهد و التقوى‏ (و شم برق النجاة) أى انظر إلى لوامع الأنوار الالهية و بوارق‏ النجاة التي تنجيك من الظلمات و مهاوى الهلكات استعاره‏ (و ارحل مطايا التشمير) و الجد إلى الجهة التي أنت متوجه إليها و هو أمر بالاجتهاد في العمل لما بعد الموت، قال البحراني استعار لفظ المطايا لالات العمل و لفظ الارحال لاعمالها.

الترجمة

از جمله كلام نصايح انجام آن امام است كه فرمود آن را در وقت تلاوت كردن آيه شريفة يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم‏ يعنى اى فرزند آدم چه چيز مغرور ساخت تو را بپروردگار تو كه موصوفست بجود و كرم، آن حضرت بعد از تلاوت آيه كه انسان مخاطب بخطاب اين آيه است فرمود:

باطل ترين سؤال شدگانست از حيثيت حجت و دليل، و بريده‏ترين فريفته شدگان است از حيثيت عذرخواهى، هر آينه شدت نموده بنفس خود از حيثيت ناداني، اى انسان چه چيز جرى و جسور نمود تو را بر گناه خودت، و چه چيز مغرور ساخت تو را به پروردگار خودت، و چه چيز انس داد تو را به هلاكت نفس خودت آيا نيست از درد گناه تو بهبودى، آيا نيست از خواب غفلت تو بيدارى، آيا رحم‏ نمى‏ كنى بر نفس خود بقرارى كه رحم مي كنى بر غير خود[1] هر آينه بسيار است كه مى ‏بينى شخصى را در آفتاب پس بر او از رحمت سايه كنى، يا مى ‏بينى شخصى بألم مبتلا شده مثل زخمى و بثره كه در مى آورد و مى ‏سوزاند تن او را پس از ترحم بر او گريه كنى، پس چه چيز صابر ساخته است ترا بر درد و مرض تو، و قوى كرده است ترا بر مصيبتهاى تو، و خرسند كرده است ترا از گريستن بر نفس خود كه بچنين بلا گرفتار است و آن عزيزترين جانهاست بر تو و چگونه بيدار نمى‏ كند ترا ترس شبيخون خشمهاى خدا و حال آنكه در آمده بسبب معاصى در ورطه مسالك سطوات او تعالى.

پس دوا پذير از اين درد سستي كه در دل مرده دارى بجد و جهد و قوت عزمي و از خواب غفلت كه در چشم گران خواب دارى به بيدارى و هشيارئى، و باش خداى را فرمان برنده و بياد او انس گيرنده، و ممثل گردان پيش نظر خويش در حالى كه روى گردانيده از خداوند تعالى اقبال او را بر تو، مى‏ خواند ترا بعفو خود، و مى ‏پوشاند تو را بفضل خود، و تو روى گردانيده از او بسوى غير او و اقبال نمى‏ كنى بر او.

پس بلند است خداى توانا چه حليم است، و پستى بنده ضعيف چه دليرى بر معصيت خدا و حال آنكه در پناه عفو او اقامت كننده، و در فراخى فضل او گردنده و رونده، پس منع نكرد ترا با اين حال از فضل خود، و ندريد از تو پرده عفو خود را بلكه خالى نبودى از آثار لطف او يك چشم زدن در نعمتى كه احداث ميكند براى تو، يا بدئى كه مى‏پوشد بر تو، يا بلائي كه بازميگرداند از تو- با نافرمانى- پس چه گمان دارى بأو تعالى اگر اطاعت كنى او را.

و بخدا قسم اگر آنكه اين صفت در دو شخص موافق در قوت يكسان در قدرت مى‏ بود و اين معامله با مثل خود بشرى مى ‏كردى هر آينه بودى تو أول حكم كننده بر خود بأخلاق نكوهيده و أعمال ناپسنديده، و حق مى‏گويم نه دنيا تو را فريب‏ دارد بلكه تو بأو فريفته گشتى، و او هر آينه روشن كرد براى تو پندها و اعتبارها، و اعلام نمود براستى بيخلاف و جفا.

و اين دنيا باين وعدها كه ترا مى ‏دهد بنزول بلا بر جسمت و نقصان قوتت و شكستني بنيان جانب راستگوتر و وفا كننده‏ تر است از آن كه دروغ گويد با تو يا غدر كند و بفريبد ترا، و بسا ناصح مر دنيا را كه نزد تو متهم است و نصيحت او باور ندارى و خبر راست از او كه دروغ شمارى.

و اگر خبر بگيرى از دنيا در ديار او كه خراب مانده است، و منازل او كه از أهل آن خالى مانده است هر آينه مى‏يابى او را از راه موعظت نيكو و پند بليغ كه ترا داده است بمنزلت پدر مهربان است و بخيل است بتو، و خوب سرائيست دنيا براى كسى كه راضى نشود بان كه سراى خود داند، و خوب محلى است براى كسى كه آن را محل وطن نسازد.

و بدرستى نيكبختان بدنيا فردا ايشانند كه مى‏ گريزند امروز از دنيا، روزى كه بلرزد زمين و ثابت گردد بوقايع جليله قيامت، و ملحق شود بهر عبادت و دينى أهل آن و بهر معبودى عابدان آن- عابدان أصنام به أصنام و عابدان أنام به أنام و عابدان حق بمعبود خويش- و ملحق شود بهر طاعت برده شده طاعت بران او.

پس جزا داده نشود يا نگذرد يا جارى نگردد در عدل و داد خداوند عباد آن روز نفوذ نظرى در هوا، و نه نرم گذاشتن قدمى در زمين مگر بحق آن، پس بسا حجتها كه آن روز باطل گردد، و عذرها كه شخص بان در آويخته بود منقطع گردد.

پس طلب كن از كار خود براى مصلحت آن روز آنچه قائم شود بان عذر تو و ثابت گردد حجت تو، و فرا گير آنچه را باقي مى‏ماند براى تو از آنچه باقي نمى‏مانى تو براى آن، آماده و مهيا شو براى سفر خود، و نظر كن برق نجات از كجا مى‏زند و بكجا مى‏رود و بر كجا ميبارد، و بار بر نه شتران چالاك شدن و راه پيمودن را[2]

منهاج ‏البراعة في ‏شرح ‏نهج ‏البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی

___________________________________________________________

[1] ( 1)- چون تتمه ترجمه در أصل نسخه بياض بود لذا ما بقيه آنرا از شرح نهج البلاغه فاضل متبحر ملا صالح قزويني قدس الله روحه نقل كرديم.« مصحح».

[2] هاشمى خويى، ميرزا حبيب الله، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (خوئى) – تهران، چاپ: چهارم، 1400 ق.

Show More

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

Back to top button
-+=