خطبه 221 صبحی صالح
221- و من كلام له ( عليه السلام ) قاله بعد تلاوته
أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ
يَا لَهُ مَرَاماً مَا أَبْعَدَهُ وَ زَوْراً مَا أَغْفَلَهُ وَ خَطَراً مَا أَفْظَعَهُ لَقَدِ اسْتَخْلَوْا مِنْهُمْ أَيَّ مُدَّكِرٍ وَ تَنَاوَشُوهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ
أَ فَبِمَصَارِعِ آبَائِهِمْ يَفْخَرُونَ أَمْ بِعَدِيدِ الْهَلْكَى يَتَكَاثَرُونَ يَرْتَجِعُونَ مِنْهُمْ أَجْسَاداً خَوَتْ وَ حَرَكَاتٍ سَكَنَتْ
وَ لَأَنْ يَكُونُوا عِبَراً أَحَقُّ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مُفْتَخَراً وَ لَأَنْ يَهْبِطُوا بِهِمْ جَنَابَ ذِلَّةٍ أَحْجَى مِنْ أَنْ يَقُومُوا بِهِمْ مَقَامَ عِزَّةٍ لَقَدْ نَظَرُوا إِلَيْهِمْ بِأَبْصَارِ الْعَشْوَةِ وَ ضَرَبُوا مِنْهُمْ فِي غَمْرَةِ جَهَالَةٍ
وَ لَوِ اسْتَنْطَقُوا عَنْهُمْ عَرَصَاتِ تِلْكَ الدِّيَارِ الْخَاوِيَةِ وَ الرُّبُوعِ الْخَالِيَةِ لَقَالَتْ ذَهَبُوا فِي الْأَرْضِ ضُلَّالًا وَ ذَهَبْتُمْ فِي أَعْقَابِهِمْ جُهَّالًا
تَطَئُونَ فِي هَامِهِمْ وَ تَسْتَنْبِتُونَ فِي أَجْسَادِهِمْ وَ تَرْتَعُونَ فِيمَا لَفَظُوا وَ تَسْكُنُونَ فِيمَا خَرَّبُوا وَ إِنَّمَا الْأَيَّامُ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ بَوَاكٍ وَ نَوَائِحُ عَلَيْكُمْ
أُولَئِكُمْ سَلَفُ غَايَتِكُمْ وَ فُرَّاطُ مَنَاهِلِكُمْ الَّذِينَ كَانَتْ لَهُمْ مَقَاوِمُ الْعِزِّ وَ حَلَبَاتُ الْفَخْرِ مُلُوكاً وَ سُوَقاً
سَلَكُوا فِي بُطُونِ الْبَرْزَخِ سَبِيلًا سُلِّطَتِ الْأَرْضُ عَلَيْهِمْ فِيهِ فَأَكَلَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ وَ شَرِبَتْ مِنْ دِمَائِهِمْ
فَأَصْبَحُوا فِي فَجَوَاتِ قُبُورِهِمْ جَمَاداً لَا يَنْمُونَ وَ ضِمَاراً لَا يُوجَدُونَ
لَا يُفْزِعُهُمْ وُرُودُ الْأَهْوَالِ وَ لَا يَحْزُنُهُمْ تَنَكُّرُ الْأَحْوَالِ وَ لَا يَحْفِلُونَ بِالرَّوَاجِفِ وَ لَا يَأْذَنُونَ لِلْقَوَاصِفِ غُيَّباً لَا يُنْتَظَرُونَ وَ شُهُوداً لَا يَحْضُرُونَ وَ إِنَّمَا كَانُوا جَمِيعاً فَتَشَتَّتُوا وَ آلَافاً فَافْتَرَقُوا
وَ مَا عَنْ طُولِ عَهْدِهِمْ وَ لَا بُعْدِ مَحَلِّهِمْ عَمِيَتْ أَخْبَارُهُمْ وَ صَمَّتْ دِيَارُهُمْ وَ لَكِنَّهُمْ سُقُوا كَأْساً بَدَّلَتْهُمْ بِالنُّطْقِ خَرَساً وَ بِالسَّمْعِ صَمَماً وَ بِالْحَرَكَاتِ سُكُوناً فَكَأَنَّهُمْ فِي ارْتِجَالِ الصِّفَةِ صَرْعَى سُبَاتٍ
جِيرَانٌ لَا يَتَأَنَّسُونَ وَ أَحِبَّاءُ لَا يَتَزَاوَرُونَ بَلِيَتْ بَيْنَهُمْ عُرَا التَّعَارُفِ وَ انْقَطَعَتْ مِنْهُمْ أَسْبَابُ الْإِخَاءِ
فَكُلُّهُمْ وَحِيدٌ وَ هُمْ جَمِيعٌ وَ بِجَانِبِ الْهَجْرِ وَ هُمْ أَخِلَّاءُ لَا يَتَعَارَفُونَ لِلَيْلٍ صَبَاحاً وَ لَا لِنَهَارٍ مَسَاءً أَيُّ الْجَدِيدَيْنِ ظَعَنُوا فِيهِ كَانَ عَلَيْهِمْ سَرْمَداً
شَاهَدُوا مِنْ أَخْطَارِ دَارِهِمْ أَفْظَعَ مِمَّا خَافُوا وَ رَأَوْا مِنْ آيَاتِهَا أَعْظَمَ مِمَّا قَدَّرُوا فَكِلْتَا الْغَايَتَيْنِ مُدَّتْ لَهُمْ إِلَى مَبَاءَةٍ فَاتَتْ مَبَالِغَ الْخَوْفِ وَ الرَّجَاءِ فَلَوْ كَانُوا يَنْطِقُونَ بِهَا لَعَيُّوا بِصِفَةِ مَا شَاهَدُوا وَ مَا عَايَنُوا وَ لَئِنْ عَمِيَتْ آثَارُهُمْ وَ انْقَطَعَتْ أَخْبَارُهُمْ لَقَدْ رَجَعَتْ فِيهِمْ أَبْصَارُ الْعِبَرِ وَ سَمِعَتْ عَنْهُمْ آذَانُ الْعُقُولِ وَ تَكَلَّمُوا مِنْ غَيْرِ جِهَاتِ النُّطْقِ فَقَالُوا كَلَحَتِ الْوُجُوهُ النَّوَاضِرُ وَ خَوَتِ الْأَجْسَامُ النَّوَاعِمُ
وَ لَبِسْنَا أَهْدَامَ الْبِلَى وَ تَكَاءَدَنَا ضِيقُ الْمَضْجَعِ وَ تَوَارَثْنَا الْوَحْشَةَ
وَ تَهَكَّمَتْ عَلَيْنَا الرُّبُوعُ الصُّمُوتُ فَانْمَحَتْ مَحَاسِنُ أَجْسَادِنَا وَ تَنَكَّرَتْ مَعَارِفُ صُوَرِنَا وَ طَالَتْ فِي مَسَاكِنِ الْوَحْشَةِ إِقَامَتُنَا وَ لَمْ نَجِدْ مِنْ كَرْبٍ فَرَجاً وَ لَا مِنْ ضِيقٍ مُتَّسَعاً
فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ بِعَقْلِكَ أَوْ كُشِفَ عَنْهُمْ مَحْجُوبُ الْغِطَاءِ لَكَ وَ قَدِ ارْتَسَخَتْ أَسْمَاعُهُمْ بِالْهَوَامِّ فَاسْتَكَّتْ وَ اكْتَحَلَتْ أَبْصَارُهُمْ بِالتُّرَاب فَخَسَفَتْ
وَ تَقَطَّعَتِ الْأَلْسِنَةُ فِي أَفْوَاهِهِمْ بَعْدَ ذَلَاقَتِهَا وَ هَمَدَتِ الْقُلُوبُ فِي صُدُورِهِمْ بَعْدَ يَقَظَتِهَا وَ عَاثَ فِي كُلِّ جَارِحَةٍ مِنْهُمْ جَدِيدُ بِلًى سَمَّجَهَا وَ سَهَّلَ طُرُقَ الْآفَةِ إِلَيْهَا مُسْتَسْلِمَاتٍ فَلَا أَيْدٍ تَدْفَعُ وَ لَا قُلُوبٌ تَجْزَعُ
لَرَأَيْتَ أَشْجَانَ قُلُوبٍ وَ أَقْذَاءَ عُيُونٍ لَهُمْ فِي كُلِّ فَظَاعَةٍ صِفَةُ حَالٍ لَا تَنْتَقِلُ وَ غَمْرَةٌ لَا تَنْجَلِي
فَكَمْ أَكَلَتِ الْأَرْضُ مِنْ عَزِيزِ جَسَدٍ وَ أَنِيقِ لَوْنٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا غَذِيَّ تَرَفٍ وَ رَبِيبَ شَرَفٍ يَتَعَلَّلُ بِالسُّرُورِ فِي سَاعَةِ حُزْنِهِ وَ يَفْزَعُ إِلَى السَّلْوَةِ إِنْ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِهِ ضَنّاً بِغَضَارَةِ عَيْشِهِ وَ شَحَاحَةً بِلَهْوِهِ وَ لَعِبِهِ
فَبَيْنَا هُوَ يَضْحَكُ إِلَى الدُّنْيَا وَ تَضْحَكُ إِلَيْهِ فِي ظِلِّ عَيْشٍ غَفُولٍ إِذْ وَطِئَ الدَّهْرُ بِهِ حَسَكَهُ وَ نَقَضَتِ الْأَيَّامُ قُوَاهُ
وَ نَظَرَتْ إِلَيْهِ الْحُتُوفُ مِنْ كَثَبٍ فَخَالَطَهُ بَثٌّ لَا يَعْرِفُهُ وَ نَجِيُّ هَمٍّ مَا كَانَ يَجِدُهُ وَ تَوَلَّدَتْ فِيهِ فَتَرَاتُ عِلَلٍ آنَسَ مَا كَانَ بِصِحَّتِهِ
فَفَزِعَ إِلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ الْأَطِبَّاءُ مِنْ تَسْكِينِ الْحَارِّ بِالْقَارِّ وَ تَحْرِيكِ الْبَارِدِ بِالْحَارِّ فَلَمْ يُطْفِئْ بِبَارِدٍ إِلَّا ثَوَّرَ حَرَارَةً وَ لَا حَرَّكَ بِحَارٍّ إِلَّا هَيَّجَ بُرُودَةً وَ لَا اعْتَدَلَ بِمُمَازِجٍ لِتِلْكَ الطَّبَائِعِ إِلَّا أَمَدَّ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ دَاءٍ
حَتَّى فَتَرَ مُعَلِّلُهُ وَ ذَهَلَ مُمَرِّضُهُ وَ تَعَايَا أَهْلُهُ بِصِفَةِ دَائِهِ وَ خَرِسُوا عَنْ جَوَابِ السَّاِئِلينَ عَنْهُ وَ تَنَازَعُوا دُونَهُ شَجِيَّ خَبَرٍ يَكْتُمُونَهُ
فَقَائِلٌ يَقُولُ هُوَ لِمَا بِهِ وَ مُمَنٍّ لَهُمْ إِيَابَ عَافِيَتِهِ وَ مُصَبِّرٌ لَهُمْ عَلَى فَقْدِهِ يُذَكِّرُهُمْ أُسَى الْمَاضِينَ مِنْ قَبْلِهِ
فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ عَلَى جَنَاحٍ مِنْ فِرَاقِ الدُّنْيَا وَ تَرْكِ الْأَحِبَّةِ إِذْ عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ غُصَصِهِ فَتَحَيَّرَتْ نَوَافِذُ فِطْنَتِهِ وَ يَبِسَتْ رُطُوبَةُ لِسَانِهِ
فَكَمْ مِنْ مُهِمٍّ مِنْ جَوَابِهِ عَرَفَهُ فَعَيَّ عَنْ رَدِّهِ وَ دُعَاءٍ مُؤْلِمٍ بِقَلْبِهِ سَمِعَهُ فَتَصَامَّ عَنْهُ مِنْ كَبِيرٍ كَانَ يُعَظِّمُهُ أَوْ صَغِيرٍ كَانَ يَرْحَمُهُ
وَ إِنَّ لِلْمَوْتِ لَغَمَرَاتٍ هِيَ أَفْظَعُ مِنْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ بِصِفَةٍ أَوْ تَعْتَدِلَ عَلَى عُقُولِ أَهْلِ الدُّنْيَا
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج14
و من كلام له عليه السلام و هو المأتان و التاسع عشر من المختار فى باب الخطب
بعد تلاوة ألهيكم التكاثر حتى زرتم المقابر، و رواه في البحار من كتاب عيون الحكم و المواعظ لعلى بن محمد الواسطى مرسلا كما في المتن، و شرحه في فصول:
الفصل الاول
يا له مراما ما أبعده، و زورا ما أغفله، و خطرا ما أفظعه، لقد استخلوا منهم أي مذكر، و تناوشوهم من مكان بعيد، أ فبمصارع آبائهم يفخرون، أم بعديد الهلكى يتكاثرون، يرتجعون منهم أجسادا خوت، و حركات سكنت، و لأن يكونوا عبرا أحق من أن يكونوا مفتخرا، و لأن يهبطوا بهم جناب ذلة، أحجى من أن يقوموا بهم مقام عزة، لقد نظروا إليهم بأبصار العشوة، و ضربوا منهم في غمرة جهالة. و لو استنطقوا عنهم عرصات تلك الديار الخاوية، و الربوع الخالية، لقالت: ذهبوا في الأرض ضلالا، و ذهبتم في أعقابهم جهالا، تطئون
في هامهم، و تستنبتون في أجسادهم، و ترتعون فيما لفظوا، و تسكنون فيما خربوا، و إنما الأيام بينكم و بينهم بواك و نوائح عليكم، أولئكم سلف غايتكم، و فراط مناهلكم، الذين كانت لهم مقاوم العز و حلبات الفخر ملوكا و سوقا سلكوا في بطون البرزخ سبيلا، سلطت الأرض عليهم فيه، فأكلت من لحومهم، و شربت من دمائهم، فأصبحوا في فجوات قبورهم جمادا لا ينمون، و ضمارا لا يوجدون، لا يفزعهم ورود الأهوال، و لا يحزنهم تنكر الأحوال، و لا يحفلون بالرواجف، و لا يأذنون للقواصف، غيبا لا ينتظرون، و شهودا لا يحضرون، و إنما كانوا جميعا فتشتتوا، و آلافا فافترقوا، و ما عن طول عهدهم و بعد محلهم عميت أخبارهم، و صمت ديارهم، و لكنهم سقوا كأسا بدلتهم بالنطق خرسا، و بالسمع صمما، و بالحركات سكونا، فكأنهم في ارتجال الصفة صرعى سبات.
اللغة
(الزور) بفتح الزاء و سكون الواو اسم يطلق على الواحد و الجمع كالضيف فيراد به الزائر و الزائرون و كذلك الزور بضم الزاء و فتح الواو و (الخطر) محركة الأشراف على الهلاك و (أى مذكر) بصيغة اسم الفاعل من
التذكير و في بعض النسخ أى مدكر مصدر ميمى من الادكار و أصله مدتكر قلبت تاؤه دالا و ادغم و (خوت) الدار و خويت خيا و خواء و خواية تهدمت و خلت من أهلها، و أرض خاوية خالية من أهلها، و الخوا بالقصر و المد خلو الجوف من الطعام.
و (الجناب) بفتح الجيم الفناء و (الحجى) العقل و الفطنة و هو حجى كفتى أى جدير و (العشوة) كالعشا مقصورة و العشاوة سوء البصر بالليل و (ضرب) في الماء سبح و ضرب في الأرض سار قال تعالى إذا ضربتم في الأرض و (غمرة) الشيء شدته و معظمه و غمر الماء كثر و الغمر معظم البحر و (العرصة) كل بقعة من الدور واسعة ليس فيها بناء و الجمع عرصات و أعراص و عراص و (الربوع) جمع الربع و هي الدار حيث كانت و المحلة و المنزل و (الهام) جمع الهامة و هي الراس.
و (تستنبتون) بالنون من النبات و يروى بالثاء المثلثة بدل النون و (لفظه) رماه من فيه و (السلف) محركة كل من تقدمك من آبائك و أقوامك و غيرهم و الجمع أسلاف و سلاف و (الغاية) الحد الذى ينتهى إليه الشيء و (الفرط) محركة المتقدم إلى الماء يطلق على الواحد و الجمع و (المنهل) المشرب و الموضع الذى فيه المشرب و المنزل يكون بالمفازة.
و (المقاوم) المقامة كالمفاوز و المفازة و هي المجلس و قال الشارح المعتزلي جمع القوم و هى الخشبة التي يمسكها الحراث و (حلبات) جمع حلبة كعرصات و عرصة و هي الخيل تجمع للسباق من كل أوب لا تخرج من اصطبل واحد و (سوق) وزان صرد جمع سوقة بالضم الرعية و (الفجوات) جمع فجوة و هي الفرجة و ساحة الدار و (لا ينمون) بتخفيف الميم من نمى ينمى و ينمو نموا و نميا و نماء زاد و يروى بالتشديد من النميمة و (الضمار) وزان كتاب كل ما لا يرجى رجوعه من المال و الدين و غيره.
و (حقل) القوم حفلا كاحتفل و تحفل اجتمعوا و (اذن) إليه و له من باب علم استمع معجبا و (الاف) جمع آلف مثل زهاد و زاهد و (ارتجل) الكلام تكلم به من غير أن يهيأه و (صرعى) جمع صريع و هو المصروع من الصرع و هو الطرح على الأرض و (السبات) كغراب النوم.
الاعراب
قوله عليه السلام: يا له مراما ما أبعده، النداء للتعجب دخل على المتعجب منه فان هذا النداء إنما يستعمل في مقامين:
أحدهما أن يرى المتكلم أمرا عظيما عجيبا فينادى جنسه كقولهم يا للماء و للدواهى إذا تعجبوا من كثرتهما.
و الثاني أن يرى أمرا يستعظمه، فينادى من له نسبة إليه و مكنة فيه نحو يا للعلماء و غلب في المنادى المتعجب منه جره باللام كما في المنادى المستغاث و قد يستغنى عنها بالألف مثل يا عجبا.
و الضمير في له مبهم يفسره التميز بعده، و هذا من جملة المواضع التي جوزوا فيها عود الضمير على المتأخر لفظا و رتبة كما في نعم رجلا زيد، فان فاعل نعم ضمير يفسره رجلا و كذلك قوله تعالى ساء مثلا القوم و كبرت كلمة تخرج و قال الزمخشري في قوله تعالى إن هي إلا حياتنا الدنيا* هذا ضمير لا يعلم ما يعنى به إلا بما يتلوه، و أصله إن الحياة إلا حياتنا الدنيا، ثم وضع هي موضع الحياة لأن الخبر يدل عليها و يبينها.
و مراما منصوب على التميز كما أشرنا إليه و هو رافع للابهام عن الضمير مقدر في المعنى بمن أى ياله من مرام، و جملة ما أبعده صفة لمراما، و ما فيها للتعجب مبتدأ خبره أبعده كما في قولهم ما أحسن زيدا قال سيبويه: هى نكرة تامة بمعنى شيء لتضمنها معني التعجب و ما بعدها من الجملة الفعلية خبر و قال الفراء إنها استفهامية و هو المنقول عن الكوفيين و هو موافق لقولهم باسمية افعل لأن الاستفهام المشوب بالتعجب لا يليه إلا الأسماء نحو «ما أصحاب اليمين» و «مالى لا أرى الهدهد» قوله: و زورا ما أغفله، مأخوذ من فعل مفتوح العين من باب قعد و لكن بعد نقله إلى فعل مضموم العين لتصريح علماء الأدبية بأن فعل التعجب لا يبنى إلا من
فعل مضموم العين في أصل الوضع أو من المنقول إلى فعل إذا كان من غيره نحو ما اضرب و ما اقتل ليدل بذلك على أن التعجب منه صار كالغريزة لأن باب فعل موضوع لهذا المعنى.
و قوله: أى مذكر، بنصب أى لكونها حالا من ضمير منهم كما في قولك مررت بزيد أى رجل أى كاملا في الرجولية استفهام انكارى و قوله: أفى مصارع آبائهم الاستفهام للتوبيخ و الانكار، و قوله: يرتجعون منهم أجسادا الجملة لا محل لها من الاعراب لأنها استيناف بيانى.
و قوله: الذين كانت لهم مقاوم العز، الجملة في محل الرفع صفة لفراط و لهم خبر كانت قدم على الاسم للتوسع و قوله: ملوكا و سوقا منتصبان على الحال من لهم، و جمادا و ضمارا حالان من ضمير أصبحوا إن كانت تامة و إلا فخبران لها و قوله: طول عهدهم، متعلق بقوله: عميت، و قدم عليه للتوسع
المعنى
اعلم أن هذا الكلام مسوق في مقام الموعظة و النصيحة و ايقاظ المخاطبين من سبات الغفلة، و خصهم على الاعتبار بالماضين من الاباء و الأسلاف و الأقرباء و الالاف و الأوكار بأهل المقابر حيث نزلوا من معاقل العز و ذروة القصور إلى وهدة القبور فعميت عنهم الاثار و انقطعت عنهم الأخبار.
قاله عليه السلام بعد تلاوة قوله تعالى: ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر، أى شغلكم التفاخر في الكثرة و التغالب بها.
و ذكر المفسرون في تفسيره وجهين:
الأول أن المراد به التكاثر بالعدد روى ان بنى عبد مناف و بنى سهم بن عمر و تفاخروا و تعادوا و تكاثروا بالسادات و الأشراف، فقال كل من الفريقين:
نحن أكثر منكم سيدا و أعز عزيزا و أعظم نفرا، فكثرهم بنو عبد مناف فقال بنو سهم:
ان البغى أفنانا في الجاهلية فعدوا مجموع أحيائنا و أمواتنا مع مجموع أحيائكم و أمواتكم، ففعلوا فكثرهم، فنزلت الاية و المعنى أنكم تكاثرتم بالأحياء
حتى إذا استوعبتم عددهم صرتم إلى التفاخر و التكاثر بالأموات فعبر عن بلوغهم ذكر الموتى بزيارة القبور تهكما بهم، و قيل: كانوا يزورون المقابر فيقولون:
هذا قبر فلان و هذا قبر فلان يفتخرون بذلك.
الوجه الثاني كنايه [ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر] أن المراد به التكاثر بالمال، و المعنى ألهيكم التكاثر بالأموال و طلب تكثيرها و الحرص على جمعها إلى أن متم و قبرتم مضيعين أعماركم في طلب الدنيا معرضين عما يهمكم من السعى للاخرة فتكون زيارة القبور كناية عن الموت.
و على كلا الوجهين فالاية واردة في مقام التوبيخ و التقريع على التكاثر، و حذف متعلق ألهيكم ليذهب الوهم و الخيال فيه كل مذهب، فيعم جميع ما يحتمله المقام من الالهاء عن ذكر الله و عن الواجبات و المندوبات في المعرفة و الطاعة و التدبر و التفكر، و محصله إلهاء التكاثر بالأمور الدنيوية عن الأمور الدينية و الأخروية.
و ربما ايد الوجه الثاني بما روى عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه تلا هذه السورة فقال: يقول ابن آدم مالى مالى و مالك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت.
و يدل على الأول كلام أمير المؤمنين عليه السلام هنا لانكاره عليهم التكاثر بعديد الهلكى و التفاخر بمصارع الاباء و تعجبه من التكاثر و التفاخر مزيد التعجب بقوله (ياله مراما ما أبعده) و فيه من الدلالة على المبالغة في التعجب ما لا يخفى، حيث أتا بنداء التعجب أولا و بلام التعجب ثانيا، و بالضمير المبهم المفسر بما بعده لوقعه في النفوس ثالثا و بماء التعجب رابعا و بأفعل التعجب خامسا و المعنى يا عجبا من مرام هو من البعد بمكان، و بالغ في التعجب به غايته.
و المراد بالمرام هو ما كان مقصدهم من التفاخر من إثبات الفخر و المنقبة لأنفسهم و لو بعدد الأموات، فبين عليه السلام أن ذلك المرام بعيد جدا، لأن الفخر بالميت كالفخر بالجماد في جنب الانسان فحصوله به غير ممكن و طلبه تحصيل لما يتحصل، و ما شأنه ذلك فهو أحرى بأن يتعجب منه.
و بعد التنزل عن ذلك نقول: إن التفاخر إنما يكون باثبات الانسان نوعا من أنواع الكمال لنفسه و خيال الكمال ثلاثة: أحدها في النفس، و الثاني في البدن و الثالث فيما له ربط بالبدن من خارج أما الذى في النفس فهى العلوم و المعارف و الأخلاق الفاضلة التي بها تنال السعادة الأبدية.
و أما الذى في البدن فهي الصحة و الجمال.
و أما الذى له ربط بالبدن فقسمان: أحدهما ضرورى و هو المال و الجاه، و الاخر غير ضروري و هو القوم و الأقرباء، و هذا الذى عددناه في المرتبة الثالثة إنما يراد كله للبدن بدليل أنه إذا تألم عضو من أعضائه يجعل المال و الجاه فداء له، و أما الكمال البدنى من الصحة و السلامة من الافات فانما يريده العقلا للنيل به إلي الكمال النفساني فانه ما لم يكن صحيح البدن لا يتفرغ لاكتساب الكمال النفساني المحصل للسعادة الدائمة.
إذا عرفت ذلك فنقول: العاقل ينبغي أن يكون دائما نظره إلى الأهم و الأفضل و يقدمه على غيره، فالتفاخر بكثرة العدد و كذا بالمال و الجاه تفاخر بأحسن مراتب الكمال و مانع من تحصيل السعادة النفسانية بالعلم و العمل، فيكون ذلك ترجيحا لأحسن المراتب في الكمال على أشرفها و أفضلها و هو مورد التعجب.
و قوله (و زورا ما أغفله) و الكلام في إفادته للمبالغة كالكلام في سابقه.
و المراد بالزور الزائرون للمقابر المتفاخرون بهم و التعجب من غفلتهم لجعلهم الأموات التي هى محل الاعتبار مناطا للافتخار و موضع العبرة عددا للكثرة غافلين عن الصواب معرضين عما ينفعهم في الماب.
و فيه أيضا من الدلالة على تماديهم في الغفلة ما لا يخفى، لاشتراطهم في فعل التعجب أن لا يبني إلا مما وقع و استمر حتى يستحق أن يتعجب منه، و يضاف إلى ذلك ما قدمناه من اشتراطهم أيضا بنائه من فعل مضموم العين ليدل على أن المتعجب منه صار كالغريزة.
و قوله (و خطرا ما أفظعه) و الكلام فيه كما فى سابقيه.
و المراد بالخطر الهلاك هلاك من في المقابر المشار إليه بقوله تعالى زرتم المقابر و أشار عليه السلام بقوله: ما أفظعه إلى شدة شناعته و غاية قباحته، لأن كل شنيع حقير عند شناعة الموت، فان المرء عند الموت و حالة الاحتضار في سكرة ملهية و غمرة كارثة و أنه موجعة و جذبة مكربة و سوقة متعبة، و هو بين أهله لا ينطق بلسانه و لا يسمع بسمعه يردد طرفه بالنظر في وجوههم يرى حركات ألسنتهم و لا يسمع رجع كلامهم، ثم قبض بصره كما قبض سمعه و بعد ما خرج الروح من جسده صار جيفة بين أهله قد أوحشوا من جانبه و تباعدوا من قربه، ثم حمل إلى دار غربته و منقطع زورته، و ابتلى هنا لك ببهتة السؤال و عثرة الامتحان متقلبا بين أطوار الموتات و عقوبات الساعات و نزل الحميم و تصلية الجحيم، فأى شيء يكون أعظم فظاعة منه.
و لما نبه عليه السلام على عظم فظاعة هلاك المزورين تعريضا به على الزائرين حيث لم يعتبروا بهم مع كونهم محل العبرة أكده بقوله:
(لقد استخلوا منهم أى مذكر) أى استخلوا الديار، فالمفعول محذوف و المعنى أن الزائرين المتفاخرين بالأموات وجدوا الديار خالية منهم أى من المزورين حالكونهم كاملين في التذكير و الادكار و هذا المعنى أقرب و أنسب مما ذكره الشارح المعتزلي حيث قال: أراد باستخلوا ذكر من خلا من آبائهم أى من مضى، و المعنى أنه عليه السلام استعظم ما يوجبه حديثهم عما خلا و عمن خلا من أسلافهم و آثار أسلافهم من التذكير فقال أى مذكر و واعظ في ذلك.
(و تناوشوهم من مكان بعيد) أى تناولوهم من مكان بعيد بينهم و بينهم بعد المشرقين بل يزيد لبقاء المتناوشين في الدنيا و مصير الاخرين إلى الاخرة فكيف يمكن لمن في الدنيا تناول من في الاخرة و تفاخره به و كسب الفخر و الشرف منه لنفسه و قد قال تعالى في عكس ذلك «و أنى لهم التناوش من مكان بعيد» أى كيف يمكن لهم تناول الايمان في الاخرة و قد كفروا به في الدنيا، يعنى ما محله الدنيا لا يمكن أن يتناوله من هو فى الاخرة لغاية بعد الدارين و تباعد النشأتين.
و لما ذكر تناوشهم من مكان بعيد تعريضا به عليهم أردفه بقوله استفهام توبيخى- استفهام انكارى (أ فبمصارع آبائهم يفخرون) تقريعا و توبيخا، و أكد بقوله (أم بعديد الهلكى يتكاثرون) انكارا.
و لما كان هنا مقام أن يسأل عن علة إنكاره للتكاثر الهلكى وجهة تقريعه و توبيخه لهم به أجاب عن ذلك بقوله (يرتجعون منهم أجسادا) يعنى استحقاقهم للتوبيخ و الملام من جهة أنهم يطلبون من الهلكى رجوع أجسادهم إلى الدنيا و هو طلب غير عقلانى لأن تلك الأجساد قد (خوت) أى خلت من الأرواح و ارتفعت عليها الحياة فرجوعها إلى الدنيا محال و طالب المحال يعد في زمرة السفهاء و يستحق الطعن و التعزير و الانكار.
فان قلت: ما معنى ارتجاعهم للأجساد؟
قلت: إنهم حيث تكاثروا بالأموات و تفاخروا بهم فكأنهم طلبوا منهم أن يرجعوا إلى الدنيا و يدخلوا في حزبهم فيكثر بهم عددهم و يتم به فخرهم و شرفهم.
(و) يطلبون أيضا رجوع (حركات سكنت) أى يرتجعون من الأموات حركات أبدانهم ليتحركوا إليهم و يدخلوا في زمرتهم، و هو أيضا طلب للمحال لأن تلك الحركات قد فنت و نفدت و تبدلت بالسكون بطرو الموت عليها و ما هو كذلك فلا يطلبه العاقل.
ثم أكد التوبيخ بقوله (و لأن يكونوا عبرا أحق من أن يكونوا مفتخرا) لأن مقامهم مقام الاعتبار لا مقام الافتخار (و لأن يهبطوا بهم جناب ذلة أحجى) و أجدر (من أن يقوموا بهم مقام عزة) لأنهم بأنفسهم في بيت الوحدة و دار الوحشة على غاية الابتذال و الذلة صار و اعظاما نخرة و أجزاء متفتتة و جيفا منتنة يهرب منها الحيوان و يتنفر منها كل انسان و يكرهها لشدة الانتان بل صاروا أوراثا في أجواف الديدان، و من هذا حاله فينبغي أن يهرب منه و يتنفر لا أن يتعزز به و يفتخر، بل ينبغي أن يدفع قرابته و تنكر لأن النسبة إليه تورث الذلة و تبطل العزة بجلب الابتذال و الانكسار لا الشرف و الافتخار.
(لقد نظروا إليهم بأبصار العشوة) أى بأبصار مريضة و لذلك خفيت عليهم معايبهم (و ضربوا منهم في غمرة جهالة) أى خاضوا من ذكر هؤلاء الموتى في بحر الجهل و الغفلة و لذلك افتخروا بمصارعهم.
(و لو استنطقوا عنهم عرصات تلك الديار) أى ديارهم (الخاوية) منهم (و الربوع) أى منازلهم (الخالية) عنهم (لقالت) بلسان حالها (ذهبوا في الأرض ضلالا) هالكين (و ذهبتم في أعقابهم جهالا) غافلين (تطئون في هامهم) أى تمشون في رؤوسهم، و تخصيصها بالذكر لأنها أشرف الأعضاء و الوطئ عليها أبلغ في إظهار استهانتهم المنافية للمفاخرة بهم المسوق له الكلام، و قد أخذ أبو العلاء المعري هذا المعنى في نظمه قال:
خفف الوطئ ما أظن اديم | الأرض إلا من هذه الأجساد | |
رب لحد قد صار لحدا مرارا | ضاحك من تزاحم الأضداد | |
و دفين على بقايا دفين | من عهوده الاباء و الأجداد | |
صاح هذا قبورنا تملاء الأرض | فأين القبور من عهد عاد | |
سران استطعت في الهواء رويدا | لا اختيالا على رقاب العباد | |
(و تستنبتون في أجسادهم) أى تنبتون فيها النباتات و تزرعون الزراعات لأن أديم الأرض الظاهر إذا كان من أبدان الأموات يكون الزرع لا محالة في التراب المستحيل من أجزاء الحيوانات، و على رواية تستثبتون بالثاء فالمراد أنكم تنصبون في أجسادهم الأشياء المثبتة من الأوتاد و الدعائم و الأساطين و غيرها.
(و ترتعون فيما لفظوا) أى تأكلون مما تركوا كنايه (و تسكنون فيما خربوا) أى تسكنون في بيوت ارتحلوا عنها و فارقوها، فان البيوت إنما تكون عامرة بأهلها، فالتخريب كناية عن الارتحال أو المراد أنهم لم يعمروها بالعبادة و الطاعات و قد فسرت العمارة في قوله تعالى إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله بذلك قالوا: عمارتها شغلها بالعبادة و تجنب أعمال الدنيا و اللهو و إكثار زيارتها.
و قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: قال الله تعالى: «إن بيوتى في الأرض المساجد و إن زوارى فيها عمارها فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتى فحق على المزور أن يكرم زائره».
(و إنما الأيام بينكم و بينهم بواك و نوائح عليكم) يعنى الأيام و الليالى التي بينكم و بين الأموات و هى بقية زمان حياتكم و تحدوكم لالتحاقكم بهم تبكى و تنوح عليكم لمفارقتها إياكم.
(اولئكم سلف غايتكم) أى المتقدمون إلى الموت الذى هو غايتكم و غايتهم لانتهاء كل ذى روح إليها (و فراط مناهلكم) أى سابقوكم إلى مشارب الاخرة و منازلها و ردوا إليها فشربوا من كأس الموت المصبرة و تجرعوا من نغب سهام الاخرة و غصص أقداح البرزخ جرعة بعد جرعة.
(الذين كانت لهم مقاوم العز) أى مجالسه استعاره (و حلبات الفخر) أى خيل السباق و الصافنات الجياد التي يفتخر بها، و يحتمل أن تكون حلبات الفخر استعارة عن أسباب الفخر التي توجهت إليهم من كل جهة كما تجمع الحلبات من كل اوب (ملوكا و سوقا) أى بعضهم سلاطين و بعضهم رعايا.
(سلكوا في بطون البرزخ سبيلا) قال الشارح المعتزلي البرزخ الحاجز بين الشيئين و البرزخ ما بين الدنيا و الاخرة من وقت الموت إلى البعث فيجوز أن يكون البرزخ في هذا الموضع القبر لأنه حاجز بين الميت و بين أهل الدنيا، و يجوز أن يريد به الوقت الذى بين حال الموت إلى حال النشور، و الأول أقرب إلى مراده عليه السلام لأنه قال: في بطون البرزخ و لفظة البطون يدل على التفسير الأول، انتهى.
أقول أما أن البرزخ بمعنى الحاجز فعليه قوله تعالى بينهما برزخ لا يبغيان و أما أنه من حين الموت إلى وقت البعث فعليه قوله تعالي و من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون.
و أما كونه بمعنى القبر فيدل عليه ما في البحار عن علي بن الحسين عليهما السلام أنه تلا هذه الاية و قال: هو القبر، و ان لهم فيه لمعيشة ضنكا، و الله إن القبر لروضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران، و في مجمع البحرين في حديث الصادق عليه السلام البرزخ القبر و هو الثواب و العقاب و بين الدنيا و الاخرة.
و أما أن المراد بالبرزخ هنا القبر فيؤيده ما روى عن بعض النسخ من بطون القبور بدل بطون البرزخ.
و أما تأييد إرادته بلفظة البطون كما زعمه الشارح فلا، بل دلالتها علي المعنى الثاني أظهر، إذ لو أراد الأول لكان الأنسب أن يقال في بطن البرزخ بصيغة المفرد و إن كان يمكن تصحيحه بجعل اللام في البرزخ للجنس و لعل نظر الشارح إلى أن البرزخ بالمعنى الثاني ليس له بطن بخلاف القبر. و يدفعه أن بطن كل شيء جوفه و ما خفى منه فيراد ببطون البرزخ على المعنى الثاني ما خفى علينا و احتجب عنا نشاته و حالاته.
و كيف كان تشبيه [سلكوا في بطون البرزخ سبيلا] شبه مكثهم في البرزخ إلى حين البعث الذى هو غايتهم بمن سلك طريقا يسلك به إلى منزله، فاستعار عليه السلام له لفظ السلوك.
ثم أشار عليه السلام إلى بعض حالاتهم البرزخية فقال (سلطت الأرض عليهم فيه) أى في البرزخ استعاره (فأكلت لحومهم و شربت من دمائهم) نسبة الأكل و الشرب إلى الأرض من باب المجاز و الاستعارة، فان المأكول و المشروب يصيران جزء من بدن الاكل الشارب، فحيث إن أبدانهم في البرزخ تصير بعد البلى ترابا و تنقلب بالأجزاء الأرضية فكان الأرض كانت لهم آكلة شاربة.
(فأصبحوا في فجوات قبورهم جمادا لا ينمون) أى صاروا في فرج القبور بمنزلة الجماد الذى لا ينمو و لا يزيد لبطلان حياتهم بالموت، و النمو و الزيادة من توابع الحياة كنايه (و ضمارا لا يوجدون) كناية عن كونهم غيبا لا يرجى رجوعهم.
(لا يفزعهم ورود الأهوال) أى لا يخافون من توارد أهاويل الدنيا و أفزاعها عليهم لخروجهم منها و كونهم من أهل العالم الاخر (و لا يحزنهم تنكر الأحوال) أى تقلب الحالات الدنيوية و تغيراتها الموجبة لحزن أهلها.
كنايه (و لا يحفلون بالرواجف) أى لا يجتمعون بالزلازل و لا يبالون بها، و لعله كناية عن عدم مبالاتهم بالدواهى الدنيوية الموقعة في الاضطراب (و لا يأذنون للقواصف) أى لا يصغون إلى الأصوات الشديدة الهايلة كصوت الرعد و الأعاصير و غيرها.
(غيبا لا ينتظرون) أى لا ينتظر الناس عودهم (و شهودا لا يحضرون) أى شاهدين صورة حاضرين بالأبدان غير حاضرين حقيقة لغيابهم بالأرواح (و إنما كانوا جميعا فتشتتوا) و كانوا مجتمعين فتفرقوا (و الافا فافترقوا) أى مؤتلفين فافترقوا بالموت كما قال الشاعر:
و كنا باجتماع كالثريا | ففرقنا الزمان بنات نعش | |
(و ما عن طول عهدهم) و زمانهم (و) لا (بعد محلهم) و مكانهم (عميت) أى خفيت (أخبارهم مجاز و صمت ديارهم) إسناد الصمم إلى الديار من التوسع كما فى قولهم: سال الميزاب و جرى النهر.
و المراد أن خفاء أخبارهم عن الأحياء ليس من جهة طول العهد و بعد المكان بين الطرفين، و كذلك صمم ديارهم أي قبورهم و مزارهم حيث لا تجيب داعيا و لا تكلم مناديا ليس من جهة عدم وصول ندائهم و بلوغ أصواتهم إليها ببعد المسافة (و لكنهم سقوا كأسا) اليؤس للتفخيم أى كأسا و بيئة فيها سم ناقع شديد المرارة عظيم التأثير و هي كأس الموت (بدلتهم بالنطق خرسا) فلا يستطيعون أن يجيبوا داعيا و لا أن يخبروا عن حالهم و (بالسمع صمما) فلا يقدرون أن يستمعوا مناديا و يردوا جواب كلامه (و بالحركات سكونا) أى حركات الألسنة و الصماخ و ساير الأعضاء و الجوارح سكونها، فعجزوا عن التكلم و الاصغاء و عن الحركة و السعى إلى الاحياء و عن ايصال أحوالهم إليهم.
تشبيه (فكأنهم في ارتجال الصفة صرعى سبات) يعنى إذا وصفهم واصف مرتجلا بلا سبق تأمل و روية شبههم بمصروعى سبات أى يقول إنهم سقطوا في الأرض للنوم فان النوم و الموت أخوان و لا شيء أشد شباهة من النائم بالميت و لا من الميت بالنائم.
و قد أخذ الماتن الشريف أبو الحسن الرضى معنى الفقرات الأخيرة في نظمه حيث قال:
و لقد حفظت له فأين حفاظه | و لقد وفيت له فأين وفاؤه | |
أدعا الدعاء فلم يجبه قطيعة | أم ضل عنه من البعاد دعاؤه | |
هيهات أصبح سمعه و عيانه | في الترب قد حجبتهما اقذاؤه | |
يمسى و لين مهاده حصباؤه | فيه و مونس ليله ظلماؤه | |
قد قلبت أعيانه و تنكرت | أعلامه و تكشفت أضواؤه | |
معف و ليس للذة إعفاؤه | مغض و ليس لفكرة أغضاؤه | |
و البيت الأخير مأخوذ من آخر كلامه عليه السلام و هو قوله: صرعى سبات
الترجمة
از جمله كلام بلاغت و فصاحت نظام آن امام رفيع المقامست بعد از تلاوت آيه مباركه أليهكم التكاثر حتى زرتم المقابر.
مرويست از مقاتل و كلبى كه بنى عبد مناف و بنى سهم بر يكديگر تفاخر كردند بكثرت مردم قبيله و هر يكى گفتند كه مردمان ما بيشترند و سادات و أشراف در ميان ما زيادتر، چون تعداد مردمان يكديگر كردند و همه را شمردند بنى عبد مناف غالب آمدند، بنى سهم گفتند بسيارى از مردمان ما را در زمان جاهليت كشتند بايد مرده و زنده قبيله طرفين را بشماريم، چون بدين نوع شمردند بنى سهم زياد آمد، حق سبحانه و تعالى در مذمت ايشان سوره تكاثر را نازل ساخت، و فرمود ألهاكم التكاثر يعنى مشغول كرد شما را مفاخرت بر يكديگر به بسيارى قبيله حتى زرتم المقابر تا اين كه گورستانها را زيارت كرديد يعنى از زندگان گذشتيد و مردگان را بشمار آورديد حضرت أمير مؤمنان بعد از تلاوة اين آيه فرمودند.
أى بسا تعجب أز مقصودى كه چه قدر دور است آن، و از زيارت كننده قبورى كه چه اندازه با غفلتست آن، و از هلاكتى كه بسيار زشت و شنيع است آن، بتحقيق كه خالى يافتند شهرها را از ايشان در حالتى كه كامل ياد آورنده بودند و تناول كردند ايشان را از مكان دورى، پس آيا به مكانهاى افتادن و مردن پدران خود فخر مىكنند، يا بشماره هلاك شدگان اظهار كثرت مىنمايند، طلب برگشتن مىكنند از ايشان بدنهائى را كه افتادهاند بزمين، و حركاتى را كه مبدل شده بسكون، و هر آينه اگر شوند آن هلاك شدگان مايه عبرت ايشان سزاوارتر است از اين كه شوند مايه مفاخرت ايشان، و اگر نزول كنند بسبب ايشان در ناحيه حقارت خردمندانهتر است از اين كه بايستند بسبب ايشان در مقام عزت، بتحقيق كه نگاه كردند بسوى ايشان بديدهاى معيوب شب كور، و سير كردند از ايشان در درياى جهالت.
و اگر استنطاق نمايند از حال ايشان عرصه هاى اين شهرهاى خراب شده و منزلهاى خالى از سكنه را هر آينه مىگويند آن عرصهها بزبان حال كه رفتند ايشان در زير زمين در حالتى كه گمراهان بودند، و رفتيد شما در عقب ايشان در حالتى كه بوديد كام مى گذاريد در كله هاى سر ايشان، و نباتات مى رويانيد در جسدهاى ايشان، و چرا مى كنيد در چيزى كه ايشان انداختند، و ساكن مى شويد در مكانى كه ايشان خراب كردند، و جز اين نيست كه روزها ميان شما و ميان ايشان گريه كنندگان و نوحه كنندگانند بر شما، ايشان پيش روندگان مقصد شمايند و پيش رفتگان منزلگاه شما آن چنان اشخاصى كه بود از براى ايشان مقامها يا قائمه هاى عزت و اعتبار، و مايههاى مفاخرت و افتخار، در حالتى كه پادشاهان و رعايا بودند.
راه رفتند در شكمهاى عالم برزخ، مسلط كرديده شد زمين بر ايشان در آن برزخ قبر، پس خورد از گوشتهاى ايشان و آشاميد از خونهاى ايشان، پس صباح كردند در شكافهاى قبرهاى خودشان در حالتى كه جمادى بودند كه نمو نمى كردند، و غايبى بودند كه اميد مراجعت ايشان نبود، نمى ترساند ايشان را وارد شدن خوفهاى دنيا، و غمگين نمى سازد ايشان را تغير و انقلاب حالات دنيا، و مجتمع نمى شوند بسبب خوف زلزلها و گوش نمى دهند آوازهاى سخت و مهيب دنيا را، غايبانى باشند كه انتظار كشيده نمى شوند، و حاضرانى باشند كه حاضر نمى شوند.
و جز اين نيست كه بودند مجتمع با يكديگر پس متفرق شدند، و با الفت بودند پس جدا گشتند، و نه از جهت طول عهد و نه از جهت دورى مكان كور و پنهان گرديد خبرهاى ايشان و كر گرديد شهرهاى ايشان و ليكن آشاماندند بايشان جام مرگى را كه تبديل كرد گويائى ايشان را بلالى، و شنوائى ايشان را به كرى، و حركت را بسكون، پس گويا ايشان در ارتجال صفت افتادگان بي هوشيند، يعنى اگر كسى بخواهد بدون فكر و مقدمه بيان حال و صفت ايشان نمايد مى گويد كه افتاده و خوابيدهاند و بىهوشند.
الفصل الثاني
جيران لا يتأنسون، و أحباء لا يتزاورون، بليت بينهم عرى التعارف، و انقطعت منهم أسباب الإخاء، فكلهم وحيد و هم جميع، و بجانب الهجر و هم أخلاء، لا يتعارفون لليل صباحا، و لا لنهار مساء، أي الجديدين ظعنوا فيه كان عليهم سرمدا، شاهدوا من أخطار دارهم أفظع مما خافوا، و رأو من آياتها أعظم مما قدروا، فكلتا الغايتين مدت لهم إلى مباءة فاتت مبالغ الخوف و الرجاء، فلو كانوا ينطقون بها لعيوا بصفة ما شاهدوا و ما عاينوا، و لئن عميت آثارهم و انقطعت
أخبارهم لقد رجعت فيهم أبصار العبر، و سمعت عنهم آذان العقول، و تكلموا من غير جهات النطق، فقالوا: كلحت الوجوه النواضر، و خوت الأجساد النواعم، و لبسنا أهدام البلى، و تكائدنا ضيق المضجع، و توارثنا الوحشة، و تهكمت علينا الربوع الصموت، فانمحت محاسن أجسادنا، و تنكرت معارف صورنا، و طالت في مساكن الوحشة إقامتنا، و لم نجد من كرب فرجا، و لا من ضيق متسعا. فلو مثلتهم بعقلك، أو كشف عنهم محجوب الغطاء لك، و قد ارتسخت أسماعهم بالهوام فاستكت، و اكتحلت أبصارهم بالتراب فخسفت، و تقطعت الألسنة في أفواههم بعد ذلاقتها، و همدت القلوب في صدورهم بعد يقظتها، و عاث في كل جارحة منهم جديد بلى سمجها، و سهل طرق الافة إليها مستسلمات، فلا أيد تدفع، و لا قلوب تجزع، لرأيت أشجان قلوب، و أقذاء عيون، لهم من كل فظاعة صفة حال لا تنتقل، و غمرة لا تنجلي.
اللغة
(المباءة) بالمد و الفتح المنزل كالبيأة و الباءة و يقال: إن المباءة هو الموضع الذى تبوء أى ترجع إليه الابل ثم جعل عبارة عن المنزل و قوله (لعيوا) بتشديد الياء من عى بالأمر و عن حجته يعيى من باب تعب عيا عجز عنه، و قد يدغم في الماضى و يقال عى و عليه قوله: لعيوا، و في شرح المعتزلي و روى لعيوا بالتخفيف كما تقول حيوا قالوا: ذهب الياء الثانية لالتقاء الساكنين لأن الواو ساكنة و ضمت الياء الاولى لأجل الواو.
و (كلح) يكلح من باب منع كلوحا تكشر في عبوس و (نضر) نضارة حسن و (الأهدام) جمع الهدم بالكسر الثوب البالى و المرقع و (تكاءد) في الأمر و تكادنى من باب تفاعل و تفعل شق على، و عقبة كئود أى صعب و (التهكم) التهدم في البئر و نحوه، و في بعض النسخ تهدمت بدل تهكمت قال الشارح المعتزلي يقال تهدم فلان على فلان غضبا إذا اشتد غضبه، و يجوز أن يكون تهدمت أى تساقطت قال: و روى تهكمت بالكاف و هو كقولك تهدمت بالتفسيرين جميعا، و (رسخ) الغدير يرسخ من باب منع رسوخا نش ماؤه و نضب فذهب، و رسخ المطر نضب نداؤه في الأرض و (الهوام) بتشديد الميم جمع الهامة بالتشديد أيضا مثل دواب و دابة قال الأزهري: ماله سم يقتل كالحية، و قال الفيومى: و قد تطلق الهوام على ما لا يقتل كالحشرات، و لسان (ذلق) ذرب و ذلق السكين حدده و (الهمود) الموت و طفوء النار و ذهاب حرارتها و (عاثه) يعيثه من باب ضرب أفسده.
الاعراب
قوله: و هو جميع الجملة في محل النصب على الحال، و كذلك قوله:
و هم أخلاء، و قوله: أى الجديدين مبتدأ خبره كان، و قوله: و لئن عميت الواو للقسم و المقسم به محذوف و اللام موطئة عند سيبويه و زايدة عند غيره، و جواب القسم قوله: لقد رجعت و استغنى به عن جواب الشرط كما في قوله تعالى لئن أخرجوا لا يخرجون معهم و لئن قوتلوا لا ينصرونهم و هذه قاعدة مطردة، فان القسم و الشرط إذا اجتمعا في الكلام فالجواب للمتقدم منهما و يستغنى عن جواب الثاني لقيام جواب الأول مقامه، و القسم المقدر في حكم المقسم الملفوظ كما صرح به ابن الحاجب في الكافية و نجم الأئمة الرضى في شرحه و قوله: و قد ارتسخت، الجملة فى محل النصب على الحال من مفعول مثلتهم، و قوله: مستسلمات
حال من ضمير إليها و قوله: لرأيت أشجان قلوب جواب لو مثلتهم.
المعنى
اعلم أنه لما افتتح كلامه في الفصل السابق بالتوبيخ و التعريض على المتكاثرين بالأموات، و استطرد بشرح حال الموتى في البرزخ و ابانة فظايعهم اتبعه بهذا الفصل للتنبيه على بقية حالاتهم فقال:
(جيران لا يتأنسون و أحباء لا يتزاورون) يعنى أنهم جيران لقرب قبورهم و لكن لا يقدرون على الاستيناس، لأن الموانسة من صفات الأحياء، و أحباء لقرب أبدانهم فيها أو لمحابتهم في دار الدنيا و لكن لا يستطيعون التزاور لأن الزيارة من حالات المتصفين بالحس و الحياة و هو عبارة اخرى لقوله عليه السلام في بعض كلماته تدانوا في خططهم و قربوا فى مزارهم و بعدوا في لقائهم.
(بليت بينهم عرى التعارف و انقطعت منهم أسباب الاخاء) يعنى أنهم مع ما كانوا عليه في الدنيا من معرفة بعضهم بعضا و المحبة و المودة و الاخوة التي كانت بينهم، فقد بليت عراها يعنى وصلها و اندرست و انقطعت حبالها و انفصمت بحلول الموت و نزول الفناء و الفوت.
(فكلهم وحيدوهم جميع و بجانب الهجر و هم أخلاء) أى كل واحد منهم وحيد حقيقة و هم مع ذلك مجتمعون صورة لاجتماع مقابرهم، و كل منهم في جانب الهجر واقعا مع خلتهم ظاهرا بمقتضى قرب الجوار، أو المراد بالاجتماع و الخلة ما كانوا عليه في الدنيا من المودة و الصداقة و الأول أظهر، و قد أشار إليه الشريف الرضى في قوله:
بادون في صور الجميع و أنهم | متفردون تفرد الاحاد | |
قال الشارح المعتزلي: فان قلت: ما معنى قوله: بجانب الهجر، و أى فايدة في لفظة جانب في هذا الموضع؟
قلت: لأنهم يقولون: فلان في جانب الهجرة و في جانب القطيعة و لا يقولون في جانب الوصل و في جانب المصافاة، و ذلك أن لفظة جنب في الأصل موضوع للمباعدة و منه قولهم: الجار الجنب و هو جارك من قوم غرباء يقال: جنب الرجل
و أجنبته و تجنبته و تجانبته كلها بمعنى و رجل أجنبى و أجنب و جانب كله بمعنى (لا يتعارفون لليل صباحا و لا لنهار مساء) أى لا يعرفون لليل نهارا و لا للنهار ليلا، لأن اختلاف الليل و النهار و تبدل أحدهما بالاخر من الأوضاع الدنيوية و لا اختلاف لهما بالنسبة إلى أهل القبور لكونهم في بيت الظلمة و النشأة الاخرة بالنسبة إليهم سيان.
و يحتمل أن يكون المراد أنهم لا يتعارف بعضهم بعضا أى لا يجتمعون و لا يتكلمون في نهارهم للنظر في أمور ليلهم و لا في ليلهم للنظر في أمور نهارهم كما هو عادة أهل الدنيا يجتمعون في النهار لترتيب ما يفعلونه بالليل و في الليل لترتيب ما يفعلونه بالنهار، و الأول أظهر.
و يؤمى إليه قوله عليه السلام (أى الجديدين ظعنوا فيهم كان عليهم سرمدا) أراد بالجديدين الليل و النهار لتجددهما دائما أى أى واحد من الليل و النهار ارتحلوا فيه كان عليهم باقيا أبدا فان من مات ليلا لا يتبدل ليله بالنهار، و من مات نهارا لا ينقلب نهاره إلى ليل لخروجه من الدنيا التي فيها يتعاقب الليل و النهار و يتبدل أحدهما بالاخر.
و الظاهر أن ثبوت هذه الحالة للموتى كساير الحالات المتقدمة بالنسبة إلى أجسادهم المدفونة في القبور، و أما بالنسبة إلي أرواحهم المنتقلة إلى جنة الدنيا و نعيمها كأرواح السعداء أو المنتقلة إلى نار الدنيا و جحيمها كأرواح الأشقياء، فالمستفاد من أخبار أهل البيت عليهم السلام تعاور الليل و النهار عليهم، و يستفاد منها أيضا أن أهل الجنة من المؤمنين يجتمعون و يتزاورون و يتحدثون و يتأنسون.
و يدل عليه صريحا ما في البحار من تفسير على بن إبراهيم القمى في قوله تعالى و لهم رزقهم فيها بكرة و عشيا قال عليه السلام: ذلك في جنات الدنيا قبل القيامة و الدليل على ذلك قوله: بكرة و عشيا فالبكرة و العشا لا تكونان في الاخرة في جنان الخلد و إنما يكون الغدو و العشى في جنان الدنيا التي تنتقل إليها أرواح المؤمنين.
و فيه منه في قوله تعالى النار يعرضون عليها غدوا و عشيا قال عليه السلام:
ذلك في الدنيا قبل القيامة و ذلك إن فى القيامة لا يكون غدوا و لا عشيا، لأن الغدو و العشاء إنما يكونان في الشمس و القمر و ليس في جنان الخلد و نيرانها شمس و لا قمر قال و قال رجل لأبي عبد الله صلوات الله عليه: ما تقول في قول الله عز و جل النار يعرضون عليها غدوا و عشيا فقال أبو عبد الله عليه السلام: ما يقول الناس فيها؟
فقال: يقولون: إنها في نار الخلد و هم لا يعذبون فيما بين ذلك فقال عليه السلام: فهم من السعداء، فقيل له: جعلت فداك فكيف هذا؟ فقال: هذا في الدنيا فأما في نار الخلد فهو قوله تعالى و يوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب.
و فيه منه عن أبيه رفعه قال: سئل الصادق عليه السلام عن جنة آدم على نبينا و عليه السلام أمن جنان الدنيا كانت أم من جنان الاخرة؟ فقال عليه السلام: كانت من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس و القمر، و لو كانت من جنان الاخرة ما خرج منها.
و يدل على تأنسهم و تزاورهم ما قدمنا روايته في تذييلات شرح الفصل السابع من فصول الخطبة الثانية و الثمانين من الكافي باسناده عن حبة العرنى قال:
خرجت مع أمير المؤمنين عليه السلام إلى الظهر- أى ظهر الكوفة- فوقف بوادى السلام كأنه مخاطب لأقوام فقمت بقيامه حتى أعييت، ثم جلست حتى مللت، ثم قمت حتى نالنى مثل ما نالنى أولا، ثم جلست حتى مللت، ثم قمت و جمعت ردائى فقلت: يا أمير المؤمنين إنى قد أشفقت عليك من طول القيام فراحة ساعة، ثم طرحت الرداء ليجلس عليه، فقال عليه السلام لى: يا حبة إن هو إلا محادثة مؤمن أو مؤانسته، قال: قلت: يا أمير المؤمنين و إنهم لكذلك؟ قال عليه السلام: نعم و لو كشف لك لرأيتهم حلقا حلقا محتبين يتحادثون، فقلت: أجساد أم أرواح؟ فقال عليه السلام لى:
أرواح، و ما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض إلا قيل لروحه: ألحقى بوادى السلام، و انها لبقعة من جنة عدن.
و تقدم هناك أيضا في مرفوعة الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام في صفة
أرواح المؤمنين في وادي السلام: إنه عليه السلام قال: كأنى بهم حلق حلق قعود يتحدثون، هذا.
و قوله عليه السلام: (شاهدوا من اخطار دارهم أفظع مما خافوا و رأوا من آياتها أعظم مما قدروا) أى شاهد المجرمون من هلكات الدار الاخرة يعنى نقماتها و عقوباتها أشد مما كانوا يخافون منها و يحذرون في الدنيا، و رأى المتقون من آثار الفضل و الرحمة و علامات الثواب و الكرامة أعظم مما كانوا يقدرونها بحسناتهم و يرجون في الدنيا كما قال عز من قائل «فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون» و قال عليه السلام في الخطبة المأة و الثالثة عشر: انه ليس شيء بشر من الشر إلا عقابه و ليس شيء بخير من الخير إلا ثوابه، و كلشيء عمن الدنيا سماعه أعظم من عيانه، و كل شيء من الاخرة عيانه أعظم من سماعه.
مجاز (فكلتا الغايتين مدت لهم إلى مباءة فأنت مبالغ الخوف و الرجاء) المراد بالغايتين غايتا المجرمين و المتقين و أراد بالغاية الموت كما في الحديث الموت غاية المخلوقين، أو أجلهما كما في قوله عليه السلام في الخطبة الثالثة و الستين: و إن غاية تنقصها اللحظة و تهدمها الساعة لجديرة بقصر المدة، و على أي تقدير فنسبة مدت إلى الغاية من باب المجاز و التوسع، إذ بها يحصل الوصول إلى مباءة، و أراد بالمباءة منزل الفريقين من النار و الجنة.
فيكون محصل المعنى أن موت المجرمين و موت المتقين أو أجلهما استجرهم و جذبهم إلى منزل و مرجع تجاوز و كان هو فوق ما يبلغه خوف الخائف أو رجاء راج، فكنى بفوقه من مبالغ الخوف و الرجاء عن شدة هول النار و عظم خطر الجنة و تجاوزهما عن غاية غايات الخوف و الرجاء.
(فلو كانوا ينطقون بها لعيوا بصفة ما شاهدوا و ما عاينوا) أى لو كانت لهم قدرة النطق و الاخبار عن تلك المباءة لعجزوا عن وصف ما شاهدوا فيها من مولمات العقاب و كلت ألسنتهم عن شرح ما عاينوا فيها من مضاعفات الكرامة و الثواب.
(و لئن عميت آثارهم) أى خفيت عن أبصار الناظرين (و انقطعت أخبارهم)عن آذان المستمعين (لقد رجعت فيهم أبصار العبر و سمعت عنهم آذان العقول) هذا ناظر إلى طرف الأحياء (و تكلموا من غير جهات النطق) هذا ناظر إلى طرف الأموات.
و محصل المراد أن الأحياء و إن لم يمكن لهم إدراك حالات من القبور بطرق المشاعر الظاهرة و استطلاعها بالأبصار و الاذان، لكنهم تمكنوا من معرفتها بأبصار البصائر و العبر و الاطلاع عليها بطريق العقل، و كذلك الموتى و إن لم يكن لهم ايصال أخبارهم إلى الأحياء و إظهار حالاتهم بالنطق و لسان المقال، لكنهم أخبروهم و تكلموا بلسان الحال.
(فقالوا كلحت الوجوه النواضر) أى عبست الوجوه ذات الحسن و البياض و البهجة و النضارة قال تعالى هم فيها كالحون أى عابسون، و قيل: هو من الكلوح الذى قصرت شفته عن أسنانه كما تقلص رءوس الغنم إذا شيطت بالنار.
(و خوت الأجساد النواعم) و في بعض النسخ الأجسام النواعم أى سقطت الأجساد المنعمة بلذايذ الدنيا في وهدة القبور أو خلت الأبدان الناعمة اللينة من الأرواح فصارت جيفة منتنة أو المراد خلوها من الدم و الرطوبة و ذهاب طراوتها.
استعاره مرشحة- استعاره تبعية (و لبسنا أهدام البلى) قال الشارح البحراني استعار لفظ الأهدام للتغير و التقشف و التمزيق العارض لجسم الميت لمشابهتها العظم البالى، و يحتمل أن يريد بها الأكفان، انتهى.
أقول: يجوز أن يكون الكلام من قبيل التشبيه المرشح بأن يقدر تشبيه البلى المحيط بهم بالأهدام و الأثواب الممزقة البالية المحيطة بالبدن، فاضيف المشبه به إلى المشبه ثم قرن بما يلايم المشبه به و يناسبه و هو اللبس ترشيحا للتشبيه، و أن يكون من باب الاستعارة لا الاستعارة الأصلية كما توهمه الشارح لعدم انتظام معنى الكلام على ما ذكره إلا بتكلف، بل من الاستعارة التبعية بأن يستعار اللبس للشمول و الاحاطة فيكون محصل المعنى أحاط بنا و شملنا البلى و التمزيق إحاطة اللباس بالبدن فافهم.
(و تكاءدنا ضيق المضجع) أى شق علينا ضيق القبر استعاره (و توارثنا الوحشة) أى وحشة القبور و استعار لفظ التوارث لكون الوحشة منها لابائهم و أسلافهم قبلهم فحصلت لهم بعدهم مجاز عقلى- كنايه- استعاره (و تهكمت علينا الربوع الصموت) أى تساقطت علينا المنازل الصامتة و أراد بها القبور و وصفها بالصمت من المجاز العقلى و تساقطها كناية عن خرابها و انهدامها، و على كون التهكم بمعنى اشتداد الغضب فيكون استعارة لعذاب القبور و يختص بغير المؤمن لأن المؤمن مأمون منه.
كما يدل عليه ما رواه في الكافي عن يحيى عن محمد بن الحسين عن عبد الرحمن ابن أبي هاشم عن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما من موضع قبر إلا و هو ينطق كل يوم ثلاث مرات أنا بيت التراب، أنا بيت البلى، أنا بيت الدود قال عليه السلام: إذا دخله عبد مؤمن قال: مرحبا و أهلا أما و الله لقد كنت أحبك و أنت تمشى على ظهرى فكيف إذا دخلت بطنى فسترى ذلك، قال عليه السلام: فيفسح له مد البصر و يفتح له باب يرى مقعده من الجنة- إلى أن قال- فلا تزل نفحة من الجنة تصيب جسده و يجد لذتها و طيبها حتى يبعث.
قال عليه السلام: و إذا دخل الكافر قالت: لا مرحبا بك و لا أهلا و الله لقد كنت أبغضك و أنت تمشى على ظهرى فكيف إذا دخلت بطنى سترى ذلك، قال عليه السلام: فتضم عليه فتجعله رميما و يعاد كما كان و يفتح له باب إلى النار يرى مقعده من النار- إلى أن قال- ثم لم تزل نفحة من النار تصيب جسده فيجد ألمها و حرها في جسده إلى يوم يبعث الحديث.
و قد مر بتمامه مع أحاديث أخر و مطالب نافعة في التذييل الثالث من تذييلات شرح الفصل السابع من فصول الخطبة الثانية و الثمانين فليراجع هناك.
و يؤيد المعنى الأخير تفريع قوله (فانمحت محاسن أجسادنا) أى ذهب آثار المواضع الحسنة من أبداننا لشدة عذاب القبور و مزيد تاثير آلامها (و تنكرت معارف صورنا) أى تغيرت وجوهنا التي بها كنا نعرف في الدنيا بعظم تأثير أهاويل البرزخ (و طالت في مساكن الوحشة) أى القبور (إقامتنا و لم نجد من كرب) و هو الغم الذى يأخذ بالنفس (فرجا و لا من ضيق متسعا) أى من ضيق المضجع محلا ذا سعة يكون بدلا منه، أو مطلق الضيق أى لم نجد من ضيق الحال و ضنك المعيشة اتساعا أى رفاه حال و رغد عيش قال تعالى و من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا أى عيشا ضيقا، قال ابن مسعود و غيره: هو عذاب القبر.
(فلو مثلتهم بعقلك) أى تخيلت صورهم و مثالهم بقوتك المتخيلة (أو كشف عنهم محجوب الغطاء لك) أى ارتفع عنهم الغطاء الحاجب و تبين حالهم عندك فالمفعول بمعنى الفاعل كما فى حجابا مستورا و قال الشارح البحرانى، أى ما حجب بأغطية التراب و السواتر لأجسادهم عن بصرك، انتهى.
و على قوله: فالمحجوب وصف للميت لا للغطاء و يبعده لفظة عنهم كما لا يخفى.
و كيف كان فالمراد إنه لو شاهدتهم (و) الحال أنه (قد ارتسخت أسماعهم بالهواء فاستكت) أى ذهبت رطوبتها و نضبت نداوتها، بتسلط حشرات الأرض عليها فانسدت (و اكتحلت أبصارهم بالتراب فخسفت) أى فقئت (و تقطعت الألسنة فى أفواههم بعد ذلاقتها) و حدتها كنايه (و همدت القلوب في صدورهم بعد يقظتها) أى سكنت حركتها و ذهبت حرارتها بعد ما كانت متيقظة، و هو كناية عن موتها بعد حياتها (و عاث في كل جارحة منهم جديد بلى سمجها) أى أوقع الفساد في كل جارحة من جوارحهم بلى متجدد أوجب سماجتها و قبحها و سوء منظرها (و سهل طرق الافة إليها) لأن العنصر الترابى إذا استولى على الأعضاء قوى استعدادها للاستحالة من صورتها التي هي عليها إلى غيرها حال كونها (مستسلمات) منقادات غير ممتنعة من قبول الافة و الفساد (فلا أيد) أى قوة و قدرة و سلطان أو كف (تدفع) الالام و الافات عنها (و لا قلوب تجزع) و تحزن لما نزل بها.
(لرأيت) جواب لو أى لو تصورت حالاتهم بخيالك أو شاهدت فظايعهم بعينك على ما فصل لرأيت (أشجان قلوب و أقذاء عيون) أى شاهدت فيهم من الفظايع و الشنائع المفرطة المجاوزة عن الحد ما يورث حزن قلوب الناظرين و أذى عيونهم (لهم من كل فظاعة صفة حال لا تنتقل) قال الشارح المعتزلي أى لا تنتقل إلى حسن و صلاح و ليس يريد لا تنتقل مطلقا لأنها تنتقل إلى فساد و اضمحلال
(و) من كل شناعة (غمرة لا تنجلى) أى شدة لا تنكشف و قد مضى في شرح الخطبة الثانية و الثمانين مطالب مناسبة لهذا الفصل من أراد الاطلاع فليراجع ثمة.
الترجمة
فصل ثاني از اين كلام در ذكر شدايد برزخ و حالات أهل آنست مى فرمايد كه ايشان همسايگانى باشند با يكديگر انس نمى كنند، و دوستانى هستند كه زيارت يكديگر نمى نمايند، پوسيده شده در ميان ايشان علاقهاى شناسائى، و بريده شده از ايشان ريسمانهاى اخوت و برادرى، پس همه ايشان تنها باشند و حال آنكه در يكجا هستند، و بكنار هجران و دورى باشند و حال آنكه دوستان هستند، نمى شناسند از براى شب صبحى را، و نه از براى روز شبى را، هر يك از شب و روز را كه رحلت كنند در آن باشد برايشان هميشگى مشاهده كردند از هلاكتهاى خانه آخرت خودشان شديدتر از آن چيزى كه ترسيده بودند، و ديدند از علامتهاى آخرت بزرگتر از آن چيزى كه تصوير كرده بودند، پس هر دو غايب يعنى أجل سعدا و أجل أشقيا كشاند ايشان را بسوى منزلگاهي كه متجاوز شد از منتهاى مرتبه خوف خائفين و رجاء راجين، پس اگر بودند كه ناطق بشوند بان هر آينه عاجز مى شدند در بيان صفت آن چيزى كه مشاهده كردند و بچشم ديدند، و اگر مخفى شده أثرهاى ايشان و منقطع گرديده خبرهاى ايشان.
بتحقيق مراجعت كرده در ايشان ديدهاى عبرتها، و شنيده از ايشان گوشهاى عقلها، و سخن گفتند ايشان به زبان حال از غير جهت نطق بلسان، پس گفتند كه زشت گشت صورتهاى با آب و رنگ، و بخاك افتاد بدنهاى نرم و نازك، و پوشيديم ما لباسهاى پاره پاره كهنه را، و به مشقت انداخت ما را تنگى خوابگاه، و بارث برديم از يكديگر وحشت را، و منهدم شد بر ما منزلهاى خاموش قبرها، پس محو گشت نيكوئيهاى بدنهاى ما، و تغيير يافت معروفهاى صورتهاى ما، و طول يافت در مسكنهاى وحشت اقامت ما، و نيافتيم از شدت محنت فرجى، و از تنگى حالت وسعتى پس اگر تصور نمائى تو حالتهاى ايشان را بعقل خودت، پا برداشته شود از ايشان پرده پوشان از براى تو در حالتى كه فرو رفته باشد رطوبت گوشهاى ايشان بجهت تسلط حشرات الأرض پس كر شده باشد، و سرمه كشيده باشد چشمهاى ايشان بخاك پس فرو رفته باشد در استخوان سر، و پاره پاره گشته زبانها در دهنهاى ايشان بعد از تيزى و بلاغت آنها، و مرده و ساكن شود قلبها در سينهاى ايشان بعد از بيدارى آنها، و فساد كرده باشد در هر عضوى از ايشان پوسيدگى تازه كه زشت گردانيده باشد آنها را، و آسان كرده باشد طريق آفت به آنها در حالتى كه آنها گردن نهاده باشند بان آفتها، پس نباشد دستهائى كه دفع كنند آنها را و نه دلهائى كه جزع كنند از آنها هر آينه بعد از آن تصور عقل و كشف حجاب خواهى ديد اندوههاى قلبها و خونابه چكيدن چشمها را، از براى ايشان است از هر شناعت و رسوائى صفت حالتى كه منتقل نشود، و شدت و سختى كه منكشف نگردد و بر طرف نباشد.
الفصل الثالث
و كم أكلت الأرض من عزيز جسد، و أنيق لون، كان في الدنيا غذى ترف، و ربيب شرف، يتعلل بالسرور في ساعة حزنه، و يفزع إلى السلوة إن مصيبة نزلت به، ضنا بغضارة عيشه، و شحاحة بلهوه و لعبه. فبينا هو يضحك إلى الدنيا، و تضحك الدنيا إليه، في ظل عيش غفول، إذ وطئ الدهر به حسكه، و نقضت الأيام قواه، و نظرت إليه الحتوف من كثب، فخالطه بث لا يعرفه، و نجي هم ما كان يجده،
و تولدت فيه فترات علل انس ما كان بصحته. ففزع إلى ما كان عوده الأطباء من تسكين الحار بالقار، و تحريك البارد بالحار، فلم يطفئ ببارد إلا ثور حرارة، و لا حرك بحار إلا هيج برودة، و لا اعتدل بممازج لتلك الطبايع إلا أمد منها كل ذات داء، حتى فتر معلله، و ذهل ممرضه، و تعايا أهله بصفة دائه، و خرسوا عن جواب السائلين عنه، و تنازعوا دونه شجى خبر يكتمونه، فقائل هو لما به، و ممن لهم إياب عافيته، و مصبر لهم على فقده، يذكرهم أسى الماضين من قبله. فبينا هو كذلك على جناح من فراق الدنيا، و ترك الأحبة، إذ عرض له عارض من غصصه، فتحيرت نوافذ فطنته، و يبست رطوبة لسانه، فكم من مهم من جوابه عرفه فعي عن رده، و دعاء مولم لقلبه سمعه فتصام عنه، من كبير كان يعظمه، أو صغير كان يرحمه، و إن للموت لغمرات هي أفظع من أن تستغرق بصفة، أو تعتدل على قلوب أهل الدنيا.
اللغة
(ترف) ترفا من باب منع تنعم و أترفته النعمة أطغته و الترفة بالضم النعمة و الطعام الطيب و (رب) فلان الصبى يربه ربا رباه حتى أدرك و الربيب المربوب
قال تعالى و ربائبكم اللاتي في حجوركم و (السلوة) بفتح السين و ضمها اسم من سلى همه سلوا و سليا نسيه و (عيش غفول) و زان صبور كثير الغفلة و (الحسك) محركة نبات تعلق ثمرته بصوف الغنم و عند ورقه شوك ملزز صلب ذو ثلاث شعب.
و (الحتوف) بالضم جمع الحتف بالفتح و هو الموت و (الكثب) محركة القرب و هو يرى من كثب أى قرب و (النجى) فعيل من ناجاه مناجاة أى ساره و (القار) البارد من قر القدر إذا صب فيه ماء باردا و (الثور) الهيجان و (علل) الصبي بطعام و غيره شغله به و تعلل بالأمر تشاغل و (التمريض) حسن القيام على المريض و (عى) بالأمر و عيى و تعايا و استعيا لم يهتد لوجه مراده أو عجز منه و لم يطق احكامه و (خرس) خرسا من باب فرح انعقد لسانه عن الكلام و (الاسى) بالضم جمع الاسوة و هو ما يتأسى به الانسان و يتسلى.
الاعراب
قوله عليه السلام: و كم أكلت الأرض من عزيز جسد، لفظة كم خبرية بمعني كثير مبنية على السكون لشباهتها بكم الاستفهامية لفظا و معني من حيث ابهام كلتيهما، و هي منصوبة المحل لكونها مفعول أكلت قدمت عليه لأن لها صدر الكلام، و من عزيز جسد تميز رافع للابهام الذى فيها، أى أكلت الأرض كثيرا من عزيز جسد، و عزيز صفة لموصوف محذوف أى من ميت عزيز الجسد، و إضافة عزيز إلى جسد من إضافة الصفة إلى فاعله كما في قولك: مررت برجل حسن وجه أى حسن وجهه، و هذا القسم من اضافة الصفة المشبهة و إن استقبحه علماء الأدبية لأجل خلو الصفة من ضمير يعود إلى الموصوف لفظا إلا أنه يسوغه كثرة الاستعمال و وجود الضمير تقديرا، و جملة كان في الدنيا، في محل الخفض على أنها صفة لعزيز جسد، و جملة يتعلل، في محل النصب حال من اسم كان.
و قوله: ضنا مفعول لأجله، مجاز و عيش غفول في نسبة غفول إلى عيش توسع كما في عيشة راضية و قوله إذ وطئ الدهر، إذ للمفاجاة لوقوعها بعد بينا نص على
ذلك سيبويه، قال: إذا وقعت بعد بينا و بينما فهي للمفاجاة و مثال وقوعها بعد بينما قوله:
استقدر الله خيرا و ارضين به | فبينما العسر إذ دارت مياسير | |
و بينما المرء في الأحياء مغتبط | إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير | |
و الباء في وطيء به للتعدية أى أوطأه.
و قوله: عليه السلام آنس ما كان بصحته، آنس منصوب على الحال من ضمير فيه و العامل فيه تولدت، و ما نكرة موصوفة كما في مررت بما معجب لك، و كان تامة، و بصحته متعلق بانس و محصل المعنى تولدت فيه فترات و الحال أنه آنس شيء وجد أى آنس الأشياء بصحته، و يحتمل أن تكون ما مصدرية زمانية كما في قوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم و قوله ما دمت حيا أى مدة استطاعتكم و مدة دوامى حيا فيكون معناه آنس مدة كونه و وجوده بصحته أى آنس زمان عمره به، و قيل فيه معان اخر و ما قلته أظهر.
قوله: شجي خبر من اضافة الصفة إلى الموصوف أى خبر ذى شجي و غصة، و قوله فقائل، خبر لمبتدأ محذوف و الجملة معطوفة على جملة تنازعوا و تفصيل له، و اللام في قوله: لما به، بمعني على كما في قوله تعالى و يخرون للأذقان و قوله و تله للجبين و ليست بمعناها الأصلى كما توهم.
قوله: و دعاء مولم لقلبه، اللام للتقوية، و في بعض النسخ بقلبه بالباء بدل اللام و عليه فهى زايدة كما في قوله تعالى و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة و يجوز جعلها بمعني في على تضمين مولم معني مؤثر، و بهذا المعني جاء الباء في قوله تعالى و لقد نصركم الله ببدر أى فيها.
المعنى
اعلم أنه عليه السلام لما نبه في الفصلين السابقين على أهاويل البرزخ و فظايعه أردفهما بهذا الفصل استطرادا و تنبيها على غمرات الموت و شدايده و حالات الميت عند الاشراف على الموت و الاحتضار فقال:
استعاره بالكنايه- استعارة تبعية (و كم أكلت الأرض من عزيز جسد و أنيق لون) إما استعارة بالكناية تشبيها للأرض بالاكل و اثبات الاكل تخييلا، أو استعارة تبعية كما في نطقت الحال بكذا تشبيها لا فناء الأرض لأجزاء الميت و استحالتها لها بالتراب بأكلها لها، فاستعير الأكل للافناء و دل على الاستعارة بذكر الأرض، و المعني أفنت الأرض و أبلت كثيرا كثيرا من ميت طرى البدن معجب اللون لصفائه و بياضه و اشراقه.
(كان في الدنيا غذى ترف و ربيب شرف) أى غذى و تنعم بالتنعم الموجب لبطره و طغيانه، و ربي في عز و شرف و منعة.
(يتعلل بالسرور في ساعة حزنه) أى يتشاغل بما يسره و يتلهى به عما يحزنه (و يفزع إلى السلوة إن مصيبة نزلت به) أى يلتجى إلى ما يسلى همه و ينسيه إن أصابته مصيبة (ضنا بغضارة عيشه) أى لأجل بخله بسعة عيشه و طيبه (و شحاحة) و بخالة (بلهوه و لعبه) حتى لا يشوب لهما ما يكدرهما.
(فبينا هو يضحك إلى الدنيا) ابتهاجا بها و شعفا بحبها لجريانها على وفق مراده و تهيئتها لمقدمات عيشه و نشاطه (و تضحك الدنيا إليه) ابتهاجا به لكونه من أبنائها و الراغبين إليها و فرط محبتها إياه، و حاصله تضاحك كل منهما و اشتياقه إلى الاخر لمزيد المحابة و المعافاة بينهما (فى ظل عيش غفول) أى في دعة و راحة و سعة عيش متصف بكثرة الغفلة.
و المراد غفلة صاحبه به كما في عيشة راضية، و قال الشارح المعتزلي: عيش غفول قد غفل عن صاحبه، فهو مستغرق في العيش لم يتنبه له الدهر فيكدر عليه وقته قال الشاعر:
كأن المرء في غفلات عيش | كأن الدهر عنها في وثاق | |
– انتهى و لعل ما قلته أولى و دلالة الشعر عليه أظهر استعاره (إذ وطيء الدهر به حسكه) أى أوطاه حسكه أى أنشب شوكه فيه و استعار الحسك لالام الدهر و أسقامه و حوادثه الموجبة لأذاه كايجاب الحسك للأذى مجاز (و نقضت الأيام قواه) نسبة النقض إلى الأيام من التوسع و المراد به انحلال قواه النفسانية و ضعف جوارحه (و نظرت إليه الحتوف من كثب)أى من قرب، و تخصيصه بالذكر لأن تأثير النظر فيه أشد يعني أن ملاحظة المنية نحوه دانية، و جمع الحتوف باعتبار تعدد أسباب الموت.
(فخالطه بث لا يعرفه) أى مازج قلبه حزن لا يعرف علته (و نجي هم ما كان يجده) أى هم خفي لم يكن معهودا به (و تولدت فيه فترات علل آنس ما كان بصحته) قال الشارح المعتزلي: الفترات أوائل المرض انتهى و المراد أنه طرئ عليه و ظهر في مزاجه علل موجبة لفتور بدنه و ضعف جسمه، و الحال أنه في غاية الانس بصحته و كمال الركون إلى سلامته في لذات طربه و بدوات اربه لا يحتسب رزية و لا يحتمل بلية.
(ف) لما وجد في نفسه ذلك و أحس به استوحش منه و (فزع إلى ما كان عوده الأطباء) أى التجأ إلى ما جعلوه معتادا له من المداواة و المعالجات (من تسكين الحار بالقار و تحريك البارد بالحار) تخصيص التسكين بالقار و التحريك بالبارد لأن من شأن الحرارة التحريك و التهييج فاستعمل في قهرها بالبارد لفظ التسكين و من شأن البرودة التخدير و التجميد فاستعمل في قهرها بالحار لفظة التحريك.
(فلم يطفىء) الحار (ببارد إلا ثور) و هيج (حرارة) زايدة على حرارة الحار (و لا حرك) البارد (بحار إلا هيج) و ثور (برودة) زايدة على برودة البارد.
و محصله أنه لم ينفعه استعمال المسخن و المبرد إلا عكس المطلوب و أنتج له المسخن برودة و المبرد حرارة.
(و لا اعتدل بممازج لتلك الطبايع إلا أمد منها كل ذات داء) أى لم يقصد الاعتدال بما يمازج تلك الطبايع الحارة و الباردة المفرطة فيردها إلى الاعتدال إلا و أمد ذلك الممازج أو المريض و أعطى مددا و قوة و أعان من هذه الطبايع كل طبيعة ذات داء، أى صار مزج الممازج ممدا و معينا على الطبيعة التي هي منشأ المرض مع ماله من مضادة خاصية لخاصيتها.
و يوضح ما قاله عليه السلام على وجه البسط ما رواه في البحار من علل الشرائع بسنده عن وهب بن منبه أنه وجد في التوراة صفة خلقة آدم على نبينا و عليه السلام
حين خلقه الله عز و جل و ابتدعه، قال الله تبارك و تعالى:
اني خلقت و ركبت جسده من أربعة أشياء، ثم جعلتها وراثة في ولده تنمي في أجسادهم و ينمون عليها إلى يوم القيامة، و ركبت جسده حين خلقته من رطب و يابس و سخن و بارد، و ذلك أني خلقته من تراب و ماء ثم جعلت فيه نفسا و روحا فيبوسة كل جسد من قبل التراب، و رطوبته من قبل الماء، و حرارته من قبل النفس، و برودته من قبل الروح.
ثم خلقت فى الجسد بعد هذا الخلق الأول أربعة أنواع، و هن ملاك الجسد و قوامه بادنا لا يقوم الجسد إلا بهن و لا تقوم منهن واحدة إلا بالاخرى: منها المرة السوداء، و المرة الصفراء، و الدم، و البلغم ثم اسكن بعض هذا الخلق فى بعض، فجعل مسكن اليبوسة فى المرة السوداء، و مسكن الرطوبة فى المرة الصفراء، و مسكن الحرارة فى الدم، و مسكن البرودة فى البلغم.
فأيما جسد اعتدلت فيه هذه الأنواع الأربع التى جعلتها ملاكه و قوامه و كانت كل واحدة منهن أربعا لا تزيد و لا تنقص كملت صحته و اعتدل بنيانه، فان زاد منهن واحدة عليهن فقهرتهن و مالت بهن دخل على البدن السقم من ناحيتها بقدر ما زادت و إذا كانت ناقصة تقل عنهن حتى تضعف من طاقتهن و تعجز عن مقارنتهن «مقاومتهن» قال وهب: فالطبيب العالم بالداء و الدواء يعلم من حيث يأتي السقم من قبل زيادة تكون فى احدى هذه الفطرة الأربع أو نقصان منها، و يعلم الدواء الذى به يعالجهن فيزيد فى الناقصة منهن أو ينقص من الزايدة حتى يستقيم الجسد على فطرته و يعتدل الشيء بأقرانه.
إذا عرفت ذلك فنقول: إذا أراد الله أن يشفى المريض و يحصل له البرء من مرضه أصاب المعالج و اهتدى إلى معرفة ما به من الداء و نفع الدواء بالخاصية التى فيه و إذا قضى أجله أخطأ المعالج أو سقط الدواء من التأثير أو أمد ضد خاصيته المكمونة
(حتى) اشتد مرضه و (فتر معلله) أى من يشغله عن التوجه إلى مرضه و يمنيه العافية أو عما يضره من الأطعمة و الأشربة بالأدوية النافعة، و فتوره من جهة طول المرض و حصول اليأس، فان العادة جارية بأن أهل المريض فى أول مرضه يواظبون عليه و يجتمعون حوله و يعللونه حتى إذا طال المرض و اشتد و ظهر مخائل الموت يقل عزمهم و يفتر هممهم و يحصل لهم التوانى و الكسل.
(و ذهل ممرضه) أى من يواظب عليه و يقوم بأمرء فى دوائه و غذائه و غيره، و ذهوله و غفلته من أجل أنه فى بداية المرض يكون له جد أكيد و جهد جهيد فى التعهد و المواظبة بما له من رجاء الصحة و العافية، و بعد اشتداد المرض و ظهور أمارات الموت توانى و فتر، و تسرع اليه الغفلة على ما جرت عليه العادة.
(و تعايا أهله بصفة دائه) أى عجزوا بوصف دائه و شرح مرضه على ما هو عليه للطبيب و غيره، و هذه عادة المريض المثقل.
(و خرسوا عن جواب السائلين عنه) هذه الجملة كالتفسير لسابقتها، و المراد أن أهله إذا سئلوا عنه يجمجمون و لا يفصحون عن بيان حاله كالأخرس الذى ينعقد لسانه عن التكلم، و إنما يخرسون عن جوابهم لأنه بعد ظهور أمارات الموت عليه لا يسعهم الجواب بصحته لكونه خلاف الواقع، و لا يسوغهم الجواب بما هو الواقع من إشرافه على الموت لعدم طيب أنفسهم به و انطلاق لسانهم ببيانه.
(و تنازعوا دونه شجى خبر يكتمونه) أى اختلفوا عنده فى خبر ذى حزن و غصة يخفونه منه و يجيبون السائلين بالتناجى و المسارة كيلا يشعر به، و فصل كيفية التنازع و الاختلاف بقوله:
(فقائل) منهم (هو لما به) أى على الحال الذى كان عليه لا تفاوت فى مرضه و قيل: معناه هو الأمر الذى نزل به، أى قد أشفى على الموت، و ما قلناه أظهر و أولى.
(و) آخر (ممن لهم إياب عافيته) أى يمنيهم و يطمعهم عود عافيته بقوله: قد رأيت مثل هذا المريض و أشد مرضا منه ثم عوفى.
(و) ثالث (مصبر لهم على فقده) أى يحملهم على الصبر و التحمل على فقده و فراقه (يذكرهم اسى الماضين من قبله) بقوله: تلك الرزية مما لا اختصاص لهابكم و لا الموت مخصوصا بهذا المريض بل كل حي سالك سبيل و كل نفس ذائقة الموت، و قد مضى قبل هذا المريض عالم من الناس و بقي بعد الأسلاف الأخلاف فتعزوا بعزاء الله و تسلوا و اصبروا و لم يكن لهم علاج إلا أن قالوا: إنا لله و إنا إليه راجعون، فينبغي لكم التأسي بالماضين، فان لكم فيهم اسوة، و في هذا المعني قال الشاعر و لنعم ما قال:
و إن الاولى بالطف من آل هاشم | تأسوا فسنوا للكرام التأسيا | |
و قالت الخنساء:
و ما يبكون مثل أخي و لكن | اسلي النفس عنه بالتأسي | |
و قد قال أمير المؤمنين عليه السلام فى المختار المأتين و الواحد الذى قاله عند دفن الصديقة عليهما السلام: قل يا رسول الله عن صفيتك صبرى إلا أن لى فى التأسى بعظيم فرقتك و فادح مصيبتك موضع تعز.
(فبينا هو كذلك على جناح) أى على حركة سريعة فان الطيران بالجناح سبب سرعة الحركة فتجوز عنها (من فراق الدنيا و ترك الأحبة إذ) دهمته فجعات المنية و (عرض له عارض من غصصه) و اعترض فى حلقه و أخذ بخناقه.
(فتحيرت نوافذ فطنته) أى تاهت إدراكات جودته و ذكائه الثاقبة المتعلقة بمصالح النشأة الدنيوية و الاخروية، و فى بعض النسخ: فطنه، بصيغة الجمع، و المراد تبلد مشاعره و قواه الدراكة و قصورها عن الادراكات النظرية.
(و يبست رطوبة لسانه) و جف حيله- ريقه- و حيل بينه و بين منطقه فصار بين أهله ينظر وجوههم و يسمع رجع كلامهم و يرى حركات ألسنتهم و لا يستطيع التكلم معهم.
(فكم من مهم من جوابه عرفه فعى عن رده) أى جواب سائل سأله عن أمر مهم من وصيه و وصيته و دينه و مصارف ماله و قيم أطفاله و نحو ذلك فعجز عن رده.
(و دعاء مولم لقلبه سمعه فتصام عنه) أى نداء موجع لقلبه سمعه فأظهر الصمم لعدم قدرته على اجابة المنادى (من كبير كان يعظمه) كما إذا كان المنادى له والده و ولى النعمة له (أو صغير كان يرحمه) كما إذا كان المنادى ولده الصغير.
(و ان للموت لغمرات) و أهاويل و سكرات (هى أفظع من أن تستغرق بصفة) أى تستعاب بوصف و بيان (أو تعتدل) و تستقيم (على قلوب أهل الدنيا) لكونها خارجة عن حد الاحصاء متجاوزة عن طور الاستقصاء و كيف لا و هو هادم اللذات و قاطع الامنيات و جذبة من جذباته أهون عندها نشر المناشير و قرض المقاريض.
أعاننا الله عليه، و ثبتنا بالقول الثابت لديه، و وفقنا الله و أيدنا و هدانا الصراط المستقيم بفضله العميم، هذا.
و قد أشار بعض الشعراء إلى إجمال ما قاله عليه السلام فى هذا الفصل و قال:
بينا الفتى مرح الخطا فرحا بما | يسعى له إذ قيل قد مرض الفتى | |
إذ قيل بات بليلة ما نامها | إذ قيل أصبح مثقلا ما يرتجى | |
إذ قيل أمسى شاخصا و موجها | إذ قيل فارقهم و حل به الردى | |
و لله در المؤلف أبى الحسن الرضى قدس سره ما أعجب نظمه فى شرح حال الدنيا و أهلها و الهالكين منهم و وصف مضجعهم و برزخهم و ساير حالاتهم قال:
انظر إلى هذا الأنام بعبرة | لا يعجبنك خلقه و رواؤه | |
فتراه كالورق النضير تقصفت | أغصانه و تسلبت شجراته | |
انى محاباه المنون و إنما | خلقت مراعى للردى خضراؤه | |
أم كيف تأمل فلتة أجساده | من ذا الزمان و حشوها اوداؤه | |
لا تعجبن فما العجيب فناؤه | بيد المنون بل العجيب بقاؤه | |
إنا لنعجب كيف حم حمامه | عن صحة و يغيب عناد آؤه | |
من طاح فى سبل الردى آباؤه | فليسلكن طريقهم أبناؤه | |
و مؤمر نزلوا به فى سوقة | لا شكله فيهم و لا نظراؤه | |
قد كان يفرق ظله أقرانه | و يغض دون جلاله أكفاؤه | |
و محجب ضربت عليه مهابة | يغشى العيون بهاؤه و ضياؤه | |
نادته من خلف الحجاب منية | امم فكان جوابها حوباؤه | |
شقت إليه سيوفه و رماحه | و اميط عنه عبيده و إماؤه | |
لم يغنه من كان ود لو أنه | قبل المنون من المنون فداؤه | |
حرم عليه الذل إلا أنه | ابدا ليشهد بالجلال بناؤه | |
متخشع بعد الانيس جنائه | متضائل بعد القطين فناؤه | |
عريان تطرد كل ريح ترابه | و يطيع اول أمرها حصباؤه | |
و لقد مررت ببرزخ فسألته | أين الاولى ضممتهم ارجاؤه | |
مثل المطى بواركا أجداثه | يسقى على جنباتها بوغاؤه | |
ناديته فخفى على جوابه | بالقول إلا ما زقت أصداؤه | |
من ناظر مطروفة ألحاظه | أو خاطر مطلوبة سوداؤه | |
أو واجد مكظومة زفراته | أو حاقد منسية شحناؤه | |
و مسندين على الجنوب كأنهم | شرب تخاذل بالطلى أعضاؤه | |
تحت الصعيد لغير إشفاق إلى | يوم المعاد يضمهم أحشاؤه | |
أكلتهم الارض التي ولدتهم | أكل الضروس حلت له اواؤه | |
الترجمة
فصل سيم از اين كلام در اشارة بحالات مرض موت و شدايد مرگست مى فرمايد:
چه بسيار خورده زمين از بدن تازه و صاحب آب و رنگ خوش آينده را كه بود در دنيا پرورده نعمت و پرورش يافته شرف و عزت، در حالتى كه تعلل مى ورزيد و بهانه مي كرد بشادى در حالت حزن و پريشانى، و پناه مى برد به تسلى خواطر اگر مصيبتى نازل مى شد باو از جهت بخل ورزيدن و ضايع نساختن خوش گذرانى خود، و از جهت خساست و هدر نكردن لهو و لعب خود.
پس در اين اثنا كه او خنده ميكرد و فرحناك بود بر دنيا و خنده ميكرد و فرحناك بود دنيا بأو در سايه خوش گذرانى كه باعث زيادت غفلت او بود ناگاه
لگد كوب كرد او را زمانه خار خود را، و شكاند روزگار قوت او را، و نگاه كرد بسوى او مرگها از نزديكى، پس آميخت بأو حزن و اندوهى كه نمىشناخت او را، و غصه پنهانى كه نيافته بود او را، و متولد شد در او سستيهاى مرضها در حالت غايت انس او بصحت خود.
پس ملتحى شد بسوى آن چيزى كه عادت داده بودند او را بان طبيبها از فرو نشاندن مايه حرارت بدواهاى بارد، و حركت دادن مايه برودت بدواهاى حار، پس فرو ننشاند باستعمال دواى بارد مگر اين كه حركت داد حرارت را، و حركت نداد بدواء حار مگر بهيجان آورد برودت را، و معتدل نساخت بچيزى كه مخلوط نمود بان طبيعتهاى حاره و بارده مگر اين كه مدد نمود از اين كه طبيعتها هر ماده كه منشإ درد بود.
تا اين كه سست شد پرستار او و غافل گرديد مواظب مرض او و درمانده گرديدند اهل و عيال او در صفت ناخوشى او و لال گرديدند از جواب پرسندگان أحوال او، و اختلاف كردند در نزد او در غمناك چيزى كه پنهان مىكردند آن را، پس از ايشان يكى مىگفت او بهمين حالتست كه هست، و يكى ديگر تطميع مىكرد أهل او را برجوع كردن صحت او، و ديگرى تسلى مىداد ايشان را بر مرگ او در حالتى كه يادآورى ايشان مىكرد پيروى گذشتگان پيش از او را.
پس در اين أثنا كه او بر اين حالت بود بر جناح حركت از دنيا و ترك كردن أحبا ناگاه عارض شد او را عارضه از غصههاى او، پس متحير گرديد زيركيهاى نافذه او، و خشك شد رطوبت زبان او، پس چه بسيار مهمى از جوابش بود كه شناخت او را پس عاجز از رد آن شد، و چه بسيار از ندا كردن درد آوردنده قلب او بود كه شنيد او را پس خود را به كرى زد بجهت عدم قدرت بر جواب، آن ندا از بزرگى بود كه هميشه تعظيم مىكرد او را مثل پدر، يا از كوچكى بود كه هميشه مهربانى مىكرد بأو مثل أولاد، و بدرستى كه مرگ ر است سختيهائى كه دشوارترند از اين كه استيعاب وصف آنها شود، يا اين كه راست آيد شرح آنها بعقلهاى أهل دنيا
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی