خطبه 212 صبحی صالح
212- و من خطبة له ( عليه السلام ) كان يستنهض بها أصحابه إلى جهاد أهل الشام في زمانه
اللَّهُمَّ أَيُّمَا عَبْدٍ مِنْ عِبَادِكَ سَمِعَ مَقَالَتَنَا الْعَادِلَةَ غَيْرَ الْجَائِرَةِ وَ الْمُصْلِحَةَ غَيْرَ الْمُفْسِدَةِ فِي الدِّينِ وَ الدُّنْيَا فَأَبَى بَعْدَ سَمْعِهِ لَهَا إِلَّا النُّكُوصَ عَنْ نُصْرَتِكَ وَ الْإِبْطَاءَ عَنْ إِعْزَازِ دِينِكَ فَإِنَّا نَسْتَشْهِدُكَ عَلَيْهِ يَا أَكْبَرَ الشَّاهِدِينَ شَهَادَةً وَ نَسْتَشْهِدُ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَا أَسْكَنْتَهُ أَرْضَكَ وَ سمَاوَاتِكَ ثُمَّ أَنْتَ بَعْدُ الْمُغْنِي عَنْ نَصْرِهِ وَ الْآخِذُ لَهُ بِذَنْبِهِ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج14
و من خطبة له عليه السلام و هى المأتان و الحادية عشر من المختار فى باب الخطب
أللهم أيما عبد من عبادك سمع مقالتنا العادلة غير الجائرة، و المصلحة غير المفسدة، في الدين و الدنيا، فأبى بعد سمعه لها إلا النكوص عن نصرتك، و الإبطاء عن إعزاز دينك، فإنا نستشهدك عليه يا أكبر الشاهدين، و نستشهد عليه جميع من أسكنته أرضك و سماواتك، ثم أنت البعد المغني عن نصره و الاخذ له بذنبه.
اللغة
(المصلحة) بضم الميم اسم فاعل من باب الافعال و كذلك المفسدة و (نكص)عن الأمر نكصا و نكوصا تكاء كأ عنه و جبن و أحجم، و على عقبيه رجع عما كان عليه من خير قال الفيروز آبادى خاص بالرجوع عن الخير، و وهم الجوهرى في اطلاقه أو في الشر نادرا
الاعراب
ما في أيما زايدة للتاكيد، و غير منصوب على الحالية أو الوصفية، و قوله:في الدين، متعلق بالمصلحة، و قوله: إلا النكوص، استثناء مفرغ
المعنى
اعلم أن هذه الخطبة كما نبه عليه الشارح البحراني ملتقطة من خطبة كان يستنهض بها أصحابه إلى جهاد أهل الشام.
قال بعد تقاعد أكثرهم عن صوته مناديا لله عز و جل مجاز (اللهم أيما عبد من عبادك سمع مقالتنا العادلة) أي قولنا المتصف بالعدل، و في وصفه به توسع، و قال الشارح البحرانى العادلة المستقيمة التي هي طريق الله العايدة للناس إلى الرشاد في دينهم و دنياهم، و ما قلناه أولى.
و انما وصفه عليه السلام بالعدل، لأن استنهاضه إلى جهاد أهل الشام إنما كان من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مع فيه من الامتثال لنص قوله تعالى «فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفىء إلى أمر الله» و قد كان عليه السلام متصفا بالعدل في جميع أقواله و أفعاله كما يشهد به قوله تعالى و كذلك جعلناكم أمة وسطا أى أئمة عدلا على ما ورد في تفسير أهل البيت عليهم السلام و قوله تعالى و ممن خلقنا أمة يهدون بالحق و به يعدلون.
روى في البحار عن العياشي عن حمران عن أبى جعفر عليه السلام فى هذه الاية قال عليه السلام: هم الأئمة عليهم السلام.
و فيه من الكافى عن الحسين بن محمد عن المعلى عن الوشا عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز و جل و ممن خلقنا أمة الاية قال: هم الأئمة صلوات الله عليهم.
و يشهد به أيضا ما فى البحار من تفسير على بن إبراهيم فى قوله «ضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء و هو كل على مولاه أينما يوجهه لا يات بخير هل يستوى هو و من يأمر بالعدل و هو على صراط مستقيم» قال عليه السلام كيف يستوى هذا و هذا الذى يأمر بالعدل يعنى أمير المؤمنين و الأئمة عليه و عليهم السلام، هذا احتراس و انما عقب بقوله (غير الجائرة) إما تاكيدا أو من باب الاحتراس الذى تقدم فى ديباجة الشرح فى ضمن المحاسن البديعية، فانه لما وصف مقالته بالعدل و كان هنا مظنة أن يتوهم أن عدالتها إنما يتصور فى حق أهل الكوفة و أما فى حق أهل الشام فلا، لأن الاستنهاض إلى حربهم و سفك دمائهم جور فى حقهم و ظلم عليهم فكيف يكون عدلا، فدفع ذلك التوهم بقوله: غير الجائرة، تنبيها على أن محاربتهم من باب النهى عن المنكر و الردع لهم عن متابعة معاوية و منعهم عن الايتمام بالامام الباطل و ردعه عن ظلمه و طغيانه و دعويه الخلافة من غير استحقاق، و هذا فرض شرعا فلا يكون جورا بل عين العدل و اللطف، هذا.
مضافا إلى ما فيه من التعريض على معاوية حيث إن حضه لأهل الشام على حرب أهل الكوفة و حربه عليه السلام محض الجور و العدوان، لأنه من باب الأمر بالمنكر و النهى عن المعروف، و أى جور أعظم من ذلك.
أما فى حق أهل الشام فلأنه يدعوهم بذلك التحضيض إلى النار.
و أما فى حق أهل الكوفة فلردعهم عن الايتمام بالامام الحق و إرادة دفعه عن مقامه الذى يستحقه و ايهام أن الحق معه لمطالبته بدم عثمان المظلوم كما قال تعالى و إذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا و الله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أ تقولون على الله ما لا تعلمون.
روى فى البحار من كتاب الغيبة للنغمانى عن الكليني باسناده عن محمد بن منصور قال: سألته يعنى أبا عبد الله عليه السلام عن هذه الاية قال عليه السلام فهل رأيت أحدا زعم أن الله أمر بالزنا و شرب الخمر أو شيء من هذه المحارم؟ قلت: لا، قال عليه السلام: فما هذه الفاحشة التي يدعون ان الله أمرهم بها؟ قلت: الله أعلم و وليه، قال عليه السلام: فان هذا فى أولياء أئمة الجور ادعوا أن الله أمرهم بالايتمام بهم فرد الله ذلك عليهم
و أخبرهم أنهم قالوا عليه الكذب و سمى ذلك منهم فاحشة و فيه من تفسير على بن إبراهيم بسنده عن طلحة بن زيد عن جعفر بن محمد عليهما السلام عن أبيه قال: الأئمة فى كتاب الله إمامان قال الله و جعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لا بأمر الناس يقدمون أمر الله قبل أمرهم و حكم الله قبل حكمهم، قال: «و جعلناهم أئمة يدعون إلى النار» يقدمون أمرهم قبل أمر الله و حكمهم قبل حكم الله، و يأخذون بأهوائهم خلافا لما فى كتاب الله.
و الحاصل انه عليه السلام بمقتضى ملكة العصمة التي فيه إنما يأمر بالعدل و الاحسان و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغى تبعا لأمر الله، لأنه و الأئمة من صلبه عليهم السلام محال مشية الله و ما يشاءون إلا أن يشاء الله و هم بأمره يعملون.
و قوله عليه السلام (و المصلحة غير المفسدة فى الدين و الدنيا) أى فيها صلاح حال السامعين فى الدارين و انتظام امورهم فى النشأتين.
أما فى الاخرة فلأن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه و هو لباس التقوى و درع الله الحصينة و جنته الوثيقة، حسبما عرفته فى الخطبة السابعة و العشرين، ففى نهوضهم إلى قتال القاسطين عقيب استنهاضه عليه السلام امتثال لأمر الله، إعزاز الدين الله، تحصيل لرضوان الله تعالى شأنه، و فى تقاعدهم عنه سخط عظيم و عذاب أليم.
و أما فى الدنيا فلأن مبارزة الأقران من عادة الأبطال و الشجعان و المنع من الذمار من آثار الفتوة و شعار المروة و المجاهد فى سبيل الله ينتظر من الله إحدى الحسنيين إما الظفر و الغنيمة أو الشهادة الموجبة للذكر الجميل و الثناء الباقى، و النكوص عن الجهاد محصل للخذلان معقب للهوان و عار فى الأعقاب و نار يوم الحساب، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل و شمله البلاء و ديث بالصغار و القماء هذا و تعقيب المصلحة بغير المفسدة إما من باب التأكيد أيضا أو تعريضا على الطرف المقابل أعنى معاوية اللعين الذى كان يستنهضهم إلى حربه، فان نظر ذلك اللعين فى جميع مقالاته و كلماته لم يكن إلا إلى شق عصا الاسلام و إفساد حال المسلمين و هدم
أركان الدين، و لذلك قال: عليه الصلاة و السلام فى الخطبة الثانية و التسعين: ألا إن أخوف الفتن عندى عليكم فتنة بنى امية فانها فتنة عمياء مظلمة، إلى آخر ما مر هناك.
و قوله عليه الصلاة و السلام (فأبى بعد سمعه لها إلا النكوص عن نصرتك و الابطاء عن اعزاز دينك) لا يخفى ما فى هذا الكلام من بديع البيان و حسن التقرير و عجيب التعبير، حيث لم يقل فأبى بعد سمعه لها عن قبولها أو اجابتها، بل عدل عنه إلى قوله: إلا النكوص آه للطافة معناه و بعد غوره و غزارة فحواه.
و ذلك لأن في التعبير بهذه من التنبيه على عظيم خطاء الممتنعين المتقاعدين عن قبول أمره عليه السلام و مزيد تقصيرهم و كبير ذنبهم ما لا يخفى على الفطن الخبير بمحسنات البيان.
أما أولا فلما مر من أن النكوص مخصوص بالرجوع عن الخير أو نادر الاستعمال في الرجوع عن الشر و على التقديرين ففيه دلالة على أنهم بتقاعدهم قد فوتوا على أنفسهم الخير الكثير الذى كان لهم عاجلا و آجلا.
و أما ثانيا فإن في قوله: عن نصرتك دلالة على أنهم بقتال القاسطين ناصرون لله سبحانه كما أنهم بترك القتال ناكصون عن نصرته، و الله سبحانه يقول إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم و قال و لينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز فلم يكن استنصاره من ضعف و ذل بل استنصرهم و له جنود السماوات و الأرض ليبلوهم أيهم أحسن عملا و ليعلم الله من ينصره و رسله بالغيب فيستوجب بالقتال ثواب الامتثال.
ثم في اضافة النصرة إلى كاف الخطاب إشارة إلى أن نصرته عليه السلام هو نصرة الله، لأن إطاعة الرسول و إطاعة ولي الأمر هو إطاعة الله، لكونهم مبلغين عن الله و الامر و الناهى فى الحقيقة هو الله، و لذلك قرن الله طاعتهم بطاعته فى قوله: أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم بل جعل طاعتهم عين طاعته فى قوله من يطع الرسول فقد أطاع الله و من تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا.
روى فى الصافى عن العياشى عن الباقر عليه السلام قال: ذروة الأمر و سنامه و مفتاحه و باب الأشياء و رضى الرحمن الطاعة للامام بعد معرفته، ثم قال: إن الله تبارك و تعالى يقول من يطع الرسول فقد أطاع الله.
فان استشهاد الامام عليه السلام لوجوب طاعة الامام بالاية مفيد لكون طاعته طاعة الرسول كما أن طاعته طاعة الله.
و أما ثالثا فان قوله: و الابطاء عن إعزاز دينك تقريع شديد على المتقاعدين لافادته انهم بتقاعدهم مذلون للدين مضيعون لمسالك الشرع المبين، فقد ظهر بما ذكرنا كله أن فى قوله عليه الصلاة و السلام تحذيرا عظيما للمتقاعدين.
و اكد ذلك الغرض بقوله عليه السلام (فانا نستشهدك عليه) حيث خالف أمرك و ترك نصرتك و أهان دينك (يا أكبر الشاهدين) الذى لا يعزب عنه شيء فى السماء و الأرض و هو على كل شيء شهيد.
(و نستشهد عليه جميع من أسكنته أرضك و سماواتك) من الملائكة و الانس و الجن ليشهدوا يوم الدين بأنى ما قصرت و لا فرطت فى تبليغ أمرك إلى المتخاذلين و لكنهم تولوا عنه معرضين (ثم أنت البعد) أى بعد تلك الشهادة (المغنى) لنا (عن نصره) إذ بيدك جنود السماوات و الأرض و أنت لما تشاء قدير و فى هذه الفقرة تعظيم لرب العالمين و استحقار للمتخاذلين (و الاخذ له بذنبه) و فيه تحذير عظيم لهم و تهديد شديد من سخطه و عقابه لكونه عز و جل شديد العقاب و أشد بأسا و أشد تنكيلا، لا يعجزه من طلب، و لا يفوته من هرب، نعوذ بالله من سخطه و غضبه.
الترجمة
از جمله خطب شريفه آن امام أنام عليه السلام است كه گفته.
بار الها هر كدام بنده از بندگان تو كه شنيد گفتار با عدالت ما را كه ظلم كننده نيست و گفتار اصلاح كننده ما را كه افساد كننده نيست در دين و دنيا، پس امتناع كرد بعد از شنيدن او مر آنرا مگر از برگشتن از يارى تو، و تأخير نمودن از اعزاز دين تو، پس بدرستى كه ما شاهد مى گيريم تو را بر آن شخص أى بزرگترين شاهدها و شاهد مى گيريم تو را و جميع كسانى را كه ساكن فرموده ايشان را در زمين خود و آسمانهاى خود، پس تو بعد از آن شهادت غنى كننده از يارى او، و مؤاخذه كننده او را بگناه و معصيت او، و الله الهادي.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی