خطبه 196 صبحی صالح
196- و من خطبة له ( عليه السلام )
بعثة النبي
بَعَثَهُ حِينَ لَا عَلَمٌ قَائِمٌ وَ لَا مَنَارٌ سَاطِعٌ وَ لَا مَنْهَجٌ وَاضِحٌ
العظة بالزهد
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَ أُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا دَارُ شُخُوصٍ وَ مَحَلَّةُ تَنْغِيصٍ سَاكِنُهَا ظَاعِنٌ وَ قَاطِنُهَا بَائِنٌ تَمِيدُ بِأَهْلِهَا مَيَدَانَ السَّفِينَةِ تَقْصِفُهَا الْعَوَاصِفُ فِي لُجَجِ الْبِحَارِ
فَمِنْهُمُ الْغَرِقُ الْوَبِقُ وَ مِنْهُمُ النَّاجِي عَلَى بُطُونِ الْأَمْوَاجِ تَحْفِزُهُ الرِّيَاحُ بِأَذْيَالِهَا وَ تَحْمِلُهُ عَلَى أَهْوَالِهَا فَمَا غَرِقَ مِنْهَا فَلَيْسَ بِمُسْتَدْرَكٍ وَ مَا نَجَا مِنْهَا فَإِلَى مَهْلَكٍ عِبَادَ اللَّهِ الْآنَ فَاعْلَمُوا وَ الْأَلْسُنُ مُطْلَقَةٌ وَ الْأَبْدَانُ صَحِيحَةٌ وَ الْأَعْضَاءُ لَدْنَةٌ وَ الْمُنْقَلَبُ فَسِيحٌ وَ الْمَجَالُ عَرِيضٌ قَبْلَ إِرْهَاقِ الْفَوْتِ وَ حُلُولِ الْمَوْتِ فَحَقِّقُوا عَلَيْكُمْ نُزُولَهُ وَ لَا تَنْتَظِرُوا قُدُومَهُ
شرح وترجمه میر حبیب الله خوئی ج12
و من كلام له عليه السّلام و هو المأة و الخامس و التسعون من المختار فى باب الخطب
بعثه حين لا علم قائم، و لا منار ساطع، و لا منهج واضح. أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه، و أحذّركم الدّنيا فإنّها دار شخوص، و محلّة تنغيص، ساكنها ظاعن، و قاطنها بائن، تميد بأهلها ميدان السّفينة بأهلها، تقصفها العواصف في لجج البحار، فمنهم الغرق الوبق، و منهم النّاجي على متون الأمواج، تحفزه الرّياح بأذيالها، و تحمله على أهوالها، فما غرق منها فليس بمستدرك، و ما نجى منها فإلى مهلك. عباد اللّه الان فاعملوا و الألسن مطلقة، و الأبدان صحيحة، و الأعضاء لدنة، و المنقلب فسيح، و المجال عريض، قبل إرهاق الفوت، و حلول الموت، فحقّقوا عليكم نزوله، و لا تنتظروا قدومه.
اللغة
(العلم) محرّكة ما ينصب فى الطريق ليهتدى به و يقال أيضا للجبل أو الجبل المرتفع و الجمع أعلام و (المنار) موضع النور و المسرجة كالمنارة و أصلها منورة و جمعه مناور و ذو المنار أبرهة تبّع بن الرّايش لأنّه أوّل من ضرب المنار على طريقه في مغازيه ليهتدى به إذا رجع.
و (سطع) الشيء من باب منع سطوعا ارتفع و (شخص) من باب منع أيضا شخوصا خرج من موضع إلى غيره و (نغص) الرّجل من باب فرح لم يتمّ مراده، و البعير لم يتمّ شربه و أنغص اللّه عليه العيش و نغّصه كدّره فتنغّصت معيشته تكدّرت.
و (قصفه) يقصفه قصفا كسره، و في بعض النّسخ تصفقها بدل تقصفها من الصّفق و هو الضّرب يسمع له صوت، و منه صفق يده على يده صفقا و صفقة أى ضرب يده على يده، و ذلك عند وجوب البيع.
و (اللّجج) جمع لجّة و هي معظم البحر و (غرق) غرقا من باب فرح فهو غرق و (وبق) من باب وعد و وجل و ورث و بوقا و موبقا هلك فهو وبق و (حفزه) يحفزه من باب ضرب دفعه من خلفه و بالرّمح طعنه و عن الأمر أزعجه و أعجله و حفز اللّيل النّهار ساقه و (اللّدن) و اللّدنة اللّين من كلّ شيء و الجمع لدان ولدن بالضمّ، و الفعل لدن من باب كرم لدانة ولدونة أى لان و (رهقه) من باب فرح غشيه و لحقه أو دنا منه سواء أخذه أو لم يأخذه، و الارهاق أن يحمل الانسان على ما لا يطيقه.
الاعراب
جملة تحفزه في محلّ النّصب على الحال من النّاجي، و قوله: فالى مهلكمتعلّق بمقدّر خبر ما، و قوله: الان، منصوب على الظّرف مقدّم على عامله و هو قوله: فاعلموا، و جملة: و الألسن مطلقة، مع الجملات الأربع التّالية في موضع النّصب حال من فاعل فاعملوا، و قوله: قبل ارهاق الفوت، يجوز تعلّقه بعريض و بقوله فاعلموا، و الأوّل أقرب لفظا، و الثاني أنسب معنا.
المعنى
اعلم أنّ هذه الخطبة مسوقة للوصيّة بالتّقوى و التنفير من الدّنيا بذكر معايبها المنفرة عنها و للأمر بالأعمال الصّالحة و المبادرة إليها قبل لحوق الفوت و نزول الموت، و قبل أن يشرع في الغرض افتتح بذكر بعثة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله لكونها أعظم ما منّ اللّه به على عباده حيث إنّها مبدء جميع الالاء و النّعماء في الاخرة، و منشأ السعادة الدّائمة فقال عليه السّلام: (بعثه حين لا علم) من أعلام الدّين (قائم) و استعاره للأنبياء و المرسلين لأنّه يستدلّ بهم في سلوك طريق الاخرة كما يستدلّ بالأعلام في طرق الدّنيا (و لا منار) للشّرع المبين (ساطع) استعاره لأولياء الدّين و قادة اليقين لأنّه يهتدى بهم و يقتبس من علومهم و أنوارهم في ظلمات الجهالة كما يهتدى بالمنار في ورطات الضلالة.
و أشار بعدم سطوع المنار و قيام العلم إلى خلوّ الأرض من الرّسل و الحجج و انقطاع الوحى حين بعثه صلّى اللّه عليه و آله، لأنّه كان زمان فترة كما قال عليه السّلام في الخطبة الثامنة و الثمانين: أرسله على حين فترة من الرّسل و طول هجعة من الامم «إلى قوله» و الدّنيا كاسفة النّور ظاهرة الغرور، و قد مضى في شرحها ما ينفعك المراجعة إليه في هذا المقام.
(و لا منهج) لليقين (واضح) و أشار به إلى اندراس نهج الحقّ و انطماس طريق السّلوك إلى اللّه و كون النّاس في خبط و ضلالة و غفلة و جهالة.
ثمّ شرع بالوصيّة بالتقوى و التّحذير من الدّنيا فقال (اوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه) فانّها اليوم الحرز و الجنّة و غدا الطريق إلى الجنّة (و أحذّركم الدّنيا فانّها) ظلّ زائل وضوء آفل و سناد مائل (دار شخوص) و ارتحال (و محلّة تنغيص) و تكدير لتكدّر عيشه بالالام و الأسقام (ساكنها ظاعن) مرتحل (و قاطنها بائن) مفترق يعني انّ السّاكن فيها ليس بساكن في الحقيقة، و المقيم بها منتقل عنها البتّة و ذلك لما بيّنا في تضاعيف شرح الخطب السّابقة أنها في الحقيقة سفر الاخرة و هى الوطن الأصلي للانسان فهو من أوّل يوم خرج من بطن امّه و وضع قدمه في هذه النشأة دائما في حركة و ازيال و ازداف و انتقال و ينقضي عمره شيئا فشيئا يبعد من المبدأ و يقرب من المنتهى فسكونها نفس زوالها، و اقامتها نفس ارتحالها، و بقاؤها عين انتقالها و وجودها حدوثها، و تجدّدها فناؤها، فانّها عند ذوى العقول كفىء الظل، بينا تراه سابغا حتّى قلص، و زايدا حتّى نقص.
ثمّ ضرب للدّنيا و أهلها مثلا عجيبا بقوله (تميد بأهلها ميدان السّفينة بأهلها) حال كونها (تقصفها) القواصف و تصفقها (العواصف) من الرّياح (في لجج البحار) الغامرات المتلاطمة التيّار المتراكمة الزّخار، و هو من تشبيه المركب بالمركب على حدّ قول الشاعر:
و كأنّ أجرام النجوم طوالعا درر نشرن على بساط أزرق
شبّه عليه السّلام الدّنيا بالسّفينة التّي في اللّجج حال كونها تضربها الرّياح الشديدة العاصفة و شبّه أهل الدّنيا بأهل السّفينة، و شبه تقلّباتها بأهلها بالهموم و الأحزان و الغموم و المحن بميدان السفينة و اضطرابها بأهلها، و شبّه الأمراض و الالام و العلل و الأسقام و نحوها من الابتلاءات الدّنيويّة الموجبة للهموم و الغموم بالرّياح العاصفة الموجبة لاضطراب السّفينة، و وجه الشّبه أنّ راكبى السّفينة في لجج البحار الغامرة عند هبوب الرّيح العاصفة و الزعزع القاصفة كما لا ينفكّون من علز القلق و غصص الجرض، فكذلك أهل الدّنيا لا ينفكّون من مقاسات الشدائد و ألم المضض.
و أيضا (ف) كما أنّ راكبى السّفينة بعد ما انكسرت بالقواصف على قسمين: قسم (منهم الغرق الوبق) الهالك في غمار البحر (و) قسم (منهم النّاجي) من الغرق على بعض أخشاب السّفينة و ألواحها (على متون الأمواج) المتلاطمة المتراكمة (تحفزه) و تدفعه (الرّياح) العاصفة و الزّعازع القاصفة (بأذيالها) من جنب إلى جنب (و تحمله على أهوالها) و تسوقه من رفع إلى خفض و من خفض إلى رفع.
فكذلك أهل الدّنيا ينقسم إلى قسمين: أحدهما الهالك عاجلا بغمرات الالام و طوارق الأوجاع و الأسقام، و الثّاني النّاجي من الهلاك بعد مكابدة تعب الأمراض و مقاساة مرارة العلل.
و أيضا (ف) كما أنّ (ما غرق منها) أى من السّفينة و أراد به الغريق من أهلها مجازا (فليس بمستدرك) أى ممكن التدارك (و ما نجى منها) أى النّاجي من أهلها (ف) عاقبته (إلى مهلك) أى إلى الهلاك و إن عاش يسيرا.
فكذلك أهل الدّنيا من مات منهم لا يتدارك و لا يعود، و من حصل له البرء و الشفاء من مرضه و نجا من الموت عاجلا فماله إليه لا محالة آجلا و إن تراخى أجله قليلا.
و الغرض من هذه التشبيهات كلّها التّنفير عن الدّنيا و التنبيه على قرب زوالها و تكدّر عيشها و مرارة حياتها ليرغب بذلك كلّه إلى العمل للدّار الاخرة، و لذلك فرّع عليه قوله: (عباد اللّه الان فاعملوا) أى بادروا العمل و استقربوا الأجل و لا يغرّنّكم طول الأمل (و الألسن مطلقة) متمكنة من التّكلم بما هو فرضها من القراءة و الذكر و الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و نحوها قبل ثقلها و اعتقالها بالمرض الحايل بينها و بين منطقها كما في حالة الاحتضار.
(و الأبدان صحيحة) مقتدرة على الاتيان بالتكاليف الشّرعيّة قبل سقمها و عجزها منها.
(و الأعضاء) و الجوارح (لدنة) لينة ببضاضة الشّباب و غضارة الصحّة قادرة علىالقيام بالطاعات و الحسنات قبل يبسها بنوازل السقم و عجزها بحوانى الهرم.
(و المنقلب فسيح) أى محلّ الانقلاب و التصرّف وسيع، لأنّ الخناق مهمل و الروح مرسل في راحة الاجساد و باحة الاحتشاد.
(و المجال عريض) لانفساح الحوبة و إمكان تدارك الذنوب بالتوبة قبل الضنك و الضيق و الرّوع و الزهوق.
و (قبل إرهاق الفوت) و قدوم الغائب المنتظر (و حلول الموت) و أخذة العزيز المقتدر.
(فحقّقوا عليكم نزوله) و لا تستبطئوه (و لا تنتظروا قدومه) و لا تسوّفوه، و هو أمر بالاستعداد للموت و المبادرة الى أخذ الزّاد له و لما بعده يقول: إنّ الموت قد أظلكم و أشرف عليكم فكأنّه قد أدرككم و نزل إلى ساحتكم فلا يغرّنكم الأمل و لا يطولنّ بكم الأمد، فبادروا إلى الصّالحات و استبقوا الخيرات و سارعوا إلى مغفرة من ربّكم و جنّة عرضها الأرض و السموات، نسأل اللّه سبحانه أن يجعلنا و إياكم ممّن لا يغرّه الامال، و لا تلهيه الامنيّات، انّه الموفّق و المعين.
الترجمة
از جمله كلام بلاغت نظام آن حضرتست در اشارت به بعثت و وصيّت بتقوى و تحذير از دنيا مى فرمايد: مبعوث فرمود حضرت پروردگار رسول مختار را در زمانى كه نبود هيچ علمى بر پا، و نه مناره بلند، و نه راهى روشن وصيّت مى كنم شما را أى بندگان خدا بتقوى و پرهيزكارى خدا، و مى ترسانم شما را از دنياى بيوفا، پس بدرستى كه آن دنيا خانه رحلت است و محلّه كدورت، ساكن او كوچ كننده است، و مقيم او جدا شونده، مضطرب مى شود بأهل خود مثل اضطراب كشتى در حالتى كه سخت بوزد به آن كشتى تند بادها در گردابهاى درياها، پس بعضى از اهل آن كشتى غرق و هلاك شونده باشد، و بعضى ديگر نجات يابنده بر بالاى موجها در حالتى كه براند او را بادها با دامنهاى خود، و بر دارد او را به جاهاى هولناك دريا، پس كسى كه غرق شده از آن كشتى درك نمىشود، و كسى كه نجات يافته از آن پس عاقبت كار او بهلاكت است.
اى بندگان خدا پس مواظب عمل باشيد اين زمان در حالتى كه زبانها سلامت است، و بدنها صحيح است، و عضوها تر و تازه، و مكان تصرّف وسيع است و مجال عبادت فراخ، پيش از احاطه وفات و حلول ممات، پس محقق انكاريد بخودتان حلول آن را، و منتظر نباشيد بقدم و آمدن آن.
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة(الخوئي)//میر حبیب الله خوئی«میرزا حبیب الله خوئی»