و من كتاب له عليه السّلام إلى بعض أمراء جيشه
فَإِنْ عَادُوا إِلَى ظِلِّ الطَّاعَةِ فَذَاكَ الَّذِي نُحِبُّ- وَ إِنْ تَوَافَتِ الْأُمُورُ بِالْقَوْمِ إِلَى الشِّقَاقِ وَ الْعِصْيَانِ- فَانْهَدْ بِمَنْ أَطَاعَكَ إِلَى مَنْ عَصَاكَ- وَ اسْتَعْنِ بِمَنِ انْقَادَ مَعَكَ عَمَّنْ تَقَاعَسَ عَنْكَ- فَإِنَّ الْمُتَكَارِهَ مَغِيبُهُ خَيْرٌ مِنْ مَشْهَدِهِ- وَ قُعُودُهُ أَغْنَى مِنْ نُهُوضِهِ
أقول: روى أنّ الأمير الّذي كتب إليه هو عثمان بن حنيف عامله على البصرة، و ذلك حين انتهت أصحاب الجمل إليها و عزموا على الحرب فكتب عثمان إليه يخبره بحالهم فكتب عليه السّلام إليه كتابا فيه الفصل المذكور.
اللغة
و قوله: انهد: أى انهض. و التقاعس: التأخّر و القعود.
المعنى
و استعار لفظ الظلّ لما يستلزمه الطاعة من السلامة و الراحة عن حرارة الحرب و متاعبها الّتي هي ثمرات الشقاق كما يستلزم الظلّ الراحة من حرّ الشمس.
و قوله: و إن توافت الامور بالقوم [بهم الامور خ]. أى تتابعت بهم المقادير و أسباب الشقاق و العصيان إليهما.
و اعلم أنّه لمّا كان مقصوده عليه السّلام ليس إلّا اجتماع الخلق على طاعته ليسلك بهم سبل الحقّ كما هو مقصود الشارع صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نبّه على ذلك بقوله: فإن عادوا.
إلى قوله: نحبّ. و قوله: فذاك. يعود إلى المصدر الّذي دلّ عليه عادوا، و يفهم قوله: فذاك الّذي نحبّ. حصر محبوبه في عودهم: أى لا نحبّ إلّا ذلك، و لذلك أمره بمحاربة العصاة و الاستعانة بمن أطاعه عليهم على تقدير مشاقّتهم و عصيانهم، و علّل تعيين النهوض بالمطيعين دون المتكارهين، و بالمنقادين دون المتقاعسين بأنّ المتكاره في ذلك مغيبه خير من مشهده و قعوده أغنى من نهوضه و ذلك لما يقع بسبب المتكاره من تخاذل الناس عند رؤيته كذلك و اقتدائهم بحاله حتّى ربّما لا يكتفى بعدم منفعته بل بذكر المفاسد في الحرب و ما يستلزمه من هلاك المسلمين، و كون ذلك منه و نحوه كما وقف بسببه كثير من الصحابة و التابعين عن وقايع الجمل و صفّين و النهروان فيكون في حضوره عدم المنفعة و مفسدة هي تخاذل الناس بسببه بخلاف مغيبه. إذ ليس فيه إلّا عدم الانتفاع به، و روى: خير من شهوده. و كلاهما مصدر. و باللّه التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحرانی) ، ج 4 ، صفحهى 350