و من كتاب له عليه السّلام إلى زياد بن أبيه
و هو خليفة عامله عبد اللّه بن عباس على البصرة، و عبد اللّه خليفة أمير المؤمنين على البصرة و الأهواز و فارس و كرمان وَ إِنِّي أُقْسِمُ بِاللَّهِ قَسَماً صَادِقاً- لَئِنْ بَلَغَنِي أَنَّكَ خُنْتَ مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئاً صَغِيراً أَوْ كَبِيراً- لَأَشُدَّنَّ عَلَيْكَ شَدَّةً تَدَعُكَ قَلِيلَ الْوَفْرِ- ثَقِيلَ الظَّهْرِ ضَئِيلَ الْأَمْرِ وَ السَّلَامُ أقول: زياد هذا هو زياد بن سميّة امّ أبي بكره، دعىّ أبي سفيان، قد يعدّ في أولاده من غير صريح بنوّة، و روي أنّ أوّل من دعاه ابن أبيه عايشه حين سئلت لمن يدعى. و كان كاتبا لمغيرة بن شعبة ثمّ كتب لأبي موسى ثمّ كتب لابن عامر ثمّ كتب لابن عبّاس. و كان مع علىّ عليه السّلام فولّاه فارس. فكتب إليه معاوية يهدّده.
فكتب إليه: أتوعّدنى و بينى و بينك ابن أبي طالب أما و اللّه لئن وصلت إلىّ لتجدنى أحمز ضرابا بالسيف. ثمّ ادّعاه معاوية أخا له و ولّاه بعد علىّ عليه السّلام البصرة و أعمالها و جمع له بعد المغيرة بن شعبة العراقين. و كان أوّل من جمعا له.
اللغة
و الشدّة: الحملة. و الوفر: المال. و الضئيل: الحقير.
المعنى
و حاصل الفصل تحذير زياد من خيانة مايليه من مال المسلمين و وعيده إن وقعت منه بالعقوبة عليها. و كنّى عنها بالشدّة و وصف شدّة تلك الشدّة باستلزامها امورا ثلاثة فيها سلب الكمالات الدنيويّة و الاخرويّة:
أحدها: نقصان ماله و قلّته.
و الثاني: نقصان جاهه. و كنّى عنه بقوله: ضئيل الأمر. و هما سالبان للكمال الدنيويّ.
الثالث: ثقل ظهره بالأوزار و التبعات. و هو دالّ على سلب كماله الاخروىّ. فإن قلت: كيف يريد ثقل الظهر بالأوزار و ليس ذلك بسبب شدّته عليه السّلام و إنّما الأوزار من اكتساب نفسه.
قلت: إنّ مجموع هذه الامور الثلاثة و هى سلب ماله و جاهه مع ثقل الظهر بالأوزار حالة يدعه عليها و هي حالة مخوفة مكروهة خوّفه بها. و لا شكّ أنّ تلك الحالة من فعله و إن لم يكن بعض أجزائها من فعله، أو نقول: الثلاثة أحوال متعدّدة و الحال لا يلزم أن تكون من فعل ذى الحال، و يحتمل أن يكون ثقل الظهر كناية عن التضعّف و عدم النهوض بما يحتاج إليه و يهمّه: أى يدعك ضعيف الحركة في الامور، و اللّه أعلم.
شرح نهج البلاغة (ابن ميثم بحراني)، ج 4 ، صفحهى 400