القول في نزول الملائكة يوم بدر و محاربتها المشركين
اختلف المسلمون في ذلك- فقال الجمهور منهم نزلت الملائكة حقيقة- كما ينزل الحيوان و الحجر- من الموضع العالي إلى الموضع السافل- . و قال قوم من أصحاب المعاني غير ذلك- . و اختلف أرباب القول الأول- فقال الأكثرون نزلت و حاربت- و قال قوم منهم نزلت و لم تحارب- و روى كل قوم في نصرة قولهم روايات- . فقال الواقدي في كتاب المغازي- حدثني عمر بن عقبة عن شعبة مولى ابن عباس- قال سمعت ابن عباس يقول- لما تواقف الناس أغمي على رسول الله ص ساعة- ثم كشف عنه فبشر المؤمنين بجبرائيل- في جند من الملائكة في ميمنة الناس- و ميكائيل في جند آخر في ميسرة الناس- و إسرافيل في جند آخر في ألف- و كان إبليس قد تصور للمشركين- في صورة سراقة بن جعشم المدلجي يذمر المشركين- و يخبرهم أنه لا غالب لهم من الناس- فلما أبصر عدو الله الملائكة نكص على عقبيه- و قال إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ- فتشبث به الحارث بن هشام- و هو يرى أنه سراقة لما سمع من كلامه- فضرب في صدر الحارث فسقط الحارث- و انطلق إبليس لا يرى حتى وقع في البحر- و رفع يديه قائلا- يا رب موعدك الذي وعدتني- و أقبل أبو جهل على أصحابه يحضهم على القتال- و قال لا يغرنكم خذلان سراقة بن جعشم إياكم- فإنما كان على ميعاد من محمد و أصحابه- سيعلم إذا رجعنا إلى قديد ما نصنع بقومه- و لا يهولنكم مقتل عتبة و شيبة و الوليد- فإنهم عجلوا و بطروا حين قاتلوا- و ايم الله لا نرجع اليوم- حتى نقرن محمدا و أصحابه في الجبال- فلا ألفين أحدا منكم قتل منهم أحدا- و لكن خذوهم أخذا نعرفهم بالذي صنعوا- لمفارقتهم دينكم و رغبتهم عما كان يعبد آباؤهم- .
قال الواقدي و حدثني عتبة بن يحيى- عن معاذ بن رفاعة بن رافع عن أبيه- قال إن كنا لنسمع لإبليس يومئذ- خوارا و دعاء بالثبور و الويل- و تصور في صورة سراقة بن جعشم حتى هرب- فاقتحم البحر و رفع يديه مادا لهما- يقول يا رب ما وعدتني- و لقد كانت قريش بعد ذلك تعير سراقة بما صنع يومئذ- فيقول و الله ما صنعت شيئا- .
قال الواقدي فحدثني أبو إسحاق الأسلمي- عن الحسن بن عبيد الله مولى بني العباس- عن عمارة الليثي قال حدثني شيخ صياد من الحي- و كان يومئذ على ساحل البحر- قال سمعت صياحا يا ويلاه يا ويلاه- قد ملأ الوادي يا حرباه يا حرباه- فنظرت فإذا سراقة بن جعشم فدنوت منه- فقلت ما لك فداك أبي و أمي- فلم يرجع إلي شيئا- ثم أراه اقتحم البحر و رفع يديه مادا- يقول يا رب ما وعدتني- فقلت في نفسي جن و بيت الله سراقة- و ذلك حين زاغت الشمس- و ذلك عند انهزامهم يوم بدر- .
قال الواقدي- قالوا كانت سيماء الملائكة عمائم- قد أرخوها بين أكتافهم- خضراء و صفراء و حمراء من نور- و الصوف في نواصي خيلهم- . قال الواقدي- حدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر- عن محمود بن لبيد قال- قال رسول الله ص يوم بدر- إن الملائكة قد سومت فسوموا- فأعلم المسلمون بالصوف في مغافرهم و قلانسهم قال الواقدي حدثني محمد بن صالح- قال كان أربعة من أصحاب محمد ص- يعلمون في الزحوف- حمزة بن عبد المطلب كان يوم بدر معلما بريشة نعامة- و كان علي ع معلما بصوفة بيضاء- و كان الزبير معلما بعصابة صفراء- و كان أبو دجانة يعلم بعصابة حمراء- و كان الزبير يحدث أن الملائكة نزلت يوم بدر- على خيل بلق عليها عمائم صفر- فكانت على صورة الزبير- . قال الواقدي- فروي عن سهيل بن عمرو- قال لقد رأيت يوم بدر رجالا بيضا- على خيل بلق بين السماء و الأرض- معلمين يقبلون و يأسرون- .
قال الواقدي- و كان أبو أسد الساعدي- يحدث بعد أن ذهب بصره و يقول- لو كنت معكم الآن ببدر و معي بصري- لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة- لا أشك فيه و لا أمتري- قال و كان أسيد يحدث عن رجل من بني غفار حدثه- قال أقبلت أنا و ابن عم لي يوم بدر- حتى صعدنا على جبل- و نحن يومئذ على الشرك ننظر الوقعة- و على من تكون الدبرة- فننتهب مع من ينتهب- إذ رأيت سحابة دنت منا- فسمعت منها همهمة الخيل و قعقعة الحديد- و سمعت قائلا يقول أقدم حيزوم- فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات- و أما أنا فكدت أهلك- فتماسكت و أتبعت بصري حيث تذهب السحابة- فجاءت إلى النبي ص و أصحابه- ثم رجعت و ليس فيها شيء مما كنت أسمع- .
قال الواقدي و حدثني خارجة بن إبراهيم بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه قال سأل رسول الله ص جبرائيل- من القائل يوم بدر أقبل حيزوم- فقال جبرائيل يا محمد- ما كل أهل السماء أعرف قال الواقدي- و حدثني عبد الرحمن بن الحارث عن أبيه- عن جده عبيدة بن أبي عبيدة- عن أبي رهم الغفاري عن ابن عم له- قال بينا أنا و ابن عم لي على ماء بدر- فلما رأينا قلة من مع محمد و كثرة قريش- قلنا إذا التقت الفئتان- عمدنا إلى عسكر محمد و أصحابه فانتهبناه- فانطلقنا نحو المجنبة اليسرى من أصحاب محمد- و نحن نقول هؤلاء ربع قريش- فبينا نحن نمشي في الميسرة- إذ جاءت سحابة فغشيتنا- فرفعنا أبصارنا لها فسمعنا أصوات الرجال و السلاح- و سمعنا قائلا يقول لفرسه أقدم حيزوم- و سمعناهم يقولون رويدا تتاءم أخراكم- فنزلوا على ميمنة رسول الله ص- ثم جاءت أخرى مثل تلك- فكانت مع النبي ص- فنظرنا إلى أصحاب محمد و إذا هم على الضعف من قريش- فمات ابن عمي و أما أنا فتماسكت- و أخبرت النبي ص بذلك و أسلمت- .
قال الواقدي و قد روي عن رسول الله ص أنه قال ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر و لا أحقر- و لا أدحر و لا أغضب منه في يوم عرفة- و ما ذاك إلا لما رأى من نزول الرحمة- و تجاوز الله تعالى عن الذنوب العظام- إلا ما رأى يوم بدر- قيل و ما رأى يا رسول الله يوم بدر- قال أما إنه رأى جبريل يوزع الملائكة قال و قد روي عن رسول الله ص أنه قال يومئذ هذا جبرائيل يسوق بريح كأنه دحية الكلبي- إني نصرت بالصبا و أهلكت عاد بالدبور – .
قال الواقدي- و كان عبد الرحمن بن عوف يقول- رأيت يوم بدر رجلين- أحدهما عن يمين النبي ص- و الآخر عن يساره يقاتلان أشد القتال- ثم ثلثهما ثالث من خلفه- ثم ربعهما رابع أمامه- . قال و قد روى سعد بن أبي وقاص مثل ذلك- قال رأيت رجلين يوم بدر- يقاتلان عن النبي ص- أحدهما عن يمينه و الآخر عن يساره- و إني لأراه ينظر إلى ذا مرة- و إلى ذا مرة سرورا بما فتحه الله تعالى- .
قال الواقدي- و حدثني إسحاق بن يحيى- عن حمزة بن صهيب عن أبيه- قال ما أدري كم يد مقطوعة و ضربة جائفة- لم يدم كلمها يوم بدر قد رأيتها- . قال الواقدي و روى أبو بردة بن نيار- قال جئت يوم بدر بثلاثة رءوس- فوضعتها بين يدي رسول الله ص- فقلت يا رسول الله أما اثنان فقتلتهما- و أما الثالث فإني رأيت رجلا طويلا أبيض- ضربه فتدهده أمامه- فأخذت رأسه- فقال رسول الله ص- ذاك فلان من الملائكة- .
قال الواقدي و كان ابن عباس رحمه الله يقول لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر – .قال و حدثني ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال كان الملك يتصور في صورة من يعرفه المسلمون- من الناس ليثبتهم فيقول- إني قد دنوت من المشركين فسمعتهم يقولون- لو حملوا علينا ما ثبتنا لهم و ليسوا بشيء فاحملوا عليهم- و ذلك قول الله عز و جل- إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا الآية – .
قال الواقدي و حدثني موسى بن محمد عن أبيه- قال كان السائب بن أبي حبيش الأسدي- يحدث في زمن عمر بن الخطاب فيقول- و الله ما أسرني يوم بدر أحد من الناس فيقال فمن- فيقول لما انهزمت قريش انهزمت معها- فيدركني رجل أبيض طويل- على فرس أبلق بين السماء و الأرض- فأوثقني رباطا- و جاء عبد الرحمن بن عوف فوجدني مربوطا- و كان عبد الرحمن ينادي في العسكر- من أسر هذا فليس أحد يزعم أنه أسرني- حتى انتهى بي إلى رسول الله ص- فقال لي رسول الله يا ابن أبي حبيش من أسرك- قلت لا أعرفه- و كرهت أن أخبره بالذي رأيت- فقال رسول الله ص- أسره ملك من الملائكة كريم- اذهب يا ابن عوف بأسيرك- فذهب بي عبد الرحمن- قال السائب و ما زالت تلك الكلمة أحفظها- و تأخر إسلامي حتى كان من إسلامي ما كان- .
قال الواقدي و كان حكيم بن حزام يقول- لقد رأيتنا يوم بدر- و قد وقع بوادي خلص بجاد من السماء قد سد الأفق- قال و وادي خلص ناحية الرويثة- قال فإذا الوادي يسيل نملا- فوقع في نفسي أن هذا شيء من السماء- أيد به محمد- فما كانت إلا الهزيمة و هي الملائكة- .
قال الواقدي- و قد قالوا إنه لما التحم القتال- و رسول الله ص رافع يديه- يسأل الله النصر و ما وعده- و يقول اللهم إن ظهرت علي هذه العصابة- ظهر الشرك و لا يقوم لك دين- و أبو بكر يقول- و الله لينصرنك الله و ليبيضن وجهك- فأنزل الله تعالى ألفا من الملائكة مردفين- عند أكتاف العدو- فقال رسول الله ص- يا أبا بكر أبشر هذا جبرائيل معتجر بعمامة صفراء- آخذ بعنان فرسه بين السماء و الأرض- ثم قال إنه لما نزل الأرض تغيب عني ساعة- ثم طلع على ثناياه النقع- يقول أتاك النصر من الله إذ دعوته- .
قال الواقدي- و حدثني موسى بن يعقوب عن عمه- قال سمعت أبا بكر بن سليمان بن أبي خيثمة يقول- سمعت مروان بن الحكم- يسأل حكيم بن حزام عن يوم بدر- فجعل الشيخ يكره ذلك حتى ألح عليه- فقال حكيم التقينا فاقتتلنا- فسمعت صوتا وقع من السماء إلى الأرض- مثل وقع الحصاة في الطست- و قبض النبي ص القبضة فرمى بها فانهزمنا- .
قال الواقدي- و قد روى عبد الله بن ثعلبة بن صغير- قال سمعت نوفل بن معاوية الدؤلي يقول- انهزمنا يوم بدر- و نحن نسمع كوقع الحصى في الطساس- بين أيدينا و من خلفنا- فكان ذلك أشد الرعب علينا فأما الذين قالوا نزلت الملائكة و لم تقاتل- فذكر الزمخشري في كتابه في تفسير القرآن- المعروف بالكشاف- أن قوما أنكروا قتال الملائكة يوم بدر- و قالوا لو قاتل واحد من الملائكة جميع البشر- لم يثبتوا له و لاستأصلهم بأجمعهم ببعض قوته- فإن جبرائيل ع رفع مدائن قوم لوط- كما جاء في الخبر- على خافقة من جناحه حتى بلغ بها إلى السماء- ثم قلبها فجعل عاليها سافلها- فما عسى أن يبلغ قوة ألف رجل من قريش- ليحتاج في مقاومتها و حربها- إلى ألف ملك من ملائكة السماء- مضافين إلى ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا من بني آدم- و جعل هؤلاء قوله تعالى- فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ- أمرا للمسلمين لا أمرا للملائكة- .
و رووا في نصرة قولهم روايات- قالوا و إنما كان نزول الملائكة- ليكثروا سواد المسلمين في أعين المشركين- فإنهم كانوا يرونهم في مبدأ الحال- قليلين في أعينهم- كما قال تعالى وَ يُقَلِّلُكُمْ- ليطمع المشركون فيهم و يجترءوا على حربهم- فلما نشبت الحرب كثرهم الله تعالى بالملائكة- في أعين المشركين ليفروا و لا يثبتوا- و أيضا فإن الملائكة نزلت- و تصورت بصور البشر الذين يعرفهم المسلمون- و قالوا لهم ما جرت العادة أن يقال مثله- من تثبيت القلوب يوم الحرب- نحو قولهم ليس المشركون بشيء- لا قوة عندهم لا قلوب لهم- لو حملتم عليهم لهزمتموهم و أمثال ذلك- .
و لقائل أن يقول إذا كان قادرا- على أن يقلل ثلاثمائة إنسان في أعين قريش- حتى يظنوهم مائة- فهو قادر على أن يكثرهم في أعين قريش- بعد التقاء حلقتي البطان- فيظنوهم ألفين و أكثر- من غير حاجة إلى إنزال الملائكة- . فإن قلت لعل في إنزالهم لطفا للمكلفين- قلت و لعل في محاربتهم لطفا للمكلفين- و أما أصحاب المعاني فإنهم لم يحملوا الكلام على ظاهره- و لهم في تأويله قول ليس هذا موضع ذكره
القول فيما جرى في الغنيمة و الأسارى بعد هزيمة قريش و رجوعها إلى مكة
قال الواقدي لما تصاف المشركون و المسلمون- قال النبي ص- من قتل قتيلا فله كذا و كذا- و من أسر أسيرا فله كذا و كذا- فلما انهزم المشركون كان الناس ثلاث فرق- فرقة قامت عند خيمة رسول الله ص- و كان أبو بكر معه في الخيمة- و فرقة أغارت على النهب تنتهب- و فرقة طلبت العدو فأسروا و غنموا- فتكلم سعد بن معاذ- و كان ممن أقام على خيمة رسول الله ص- فقال يا رسول الله- ما منعنا أن نطلب العدو زهادة في الأجر- و لا جبن عن العدو- و لكنا خفنا أن نعري موضعك- فيميل عليك خيل من خيل المشركين- و رجال من رجالهم- و قد أقام عند خيمتك- وجوه الناس من المهاجرين و الأنصار- و الناس كثير- و متى تعط هؤلاء لا يبقى لأصحابك شيء- و القتلى و الأسرى كثير و الغنيمة قليلة- فاختلفوا فأنزل الله عز و جل- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ الآية- فرجع المسلمون و ليس لهم من الغنيمة شيء- ثم أنزل الله فيما بعد- وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ- فقسمه عليهم بينهم- .
قال الواقدي- و قد روى عبادة بن الوليد بن عبادة- عن جده عبادة بن الصامت قال- سلمنا الأنفال يوم بدر لله و للرسول- و لم يخمس رسول الله ص بدرا- و نزلت بعد وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ- فاستقبل رسول الله ص بالمسلمين الخمس- فيما كان من أول غنيمة بعد بدر- . قال الواقدي و قد روي عن أبي أسيد الساعدي مثله- .
و روى عكرمة قال اختلف الناس في الغنائم يوم بدر- فأمر رسول الله ص بالغنائم أن ترد في المقسم- فلم يبق منها شيء إلا رد- و ظن أهل الشجاعة أنه ص يخصهم بها- دون غيرهم من أهل الضعف- ثم أمر رسول الله ص أن تقسم بينهم على سواء- فقال سعد بن أبي وقاص- يا رسول الله تعطي فارس القوم الذي يحميهم- مثل ما تعطي الضعيف- فقال ص- ثكلتك أمك و هل تنصرون إلا بضعفائكم- .
قال الواقدي فروى محمد بن سهل بن خيثمة- قال أمر رسول الله ص- أن ترد الأسرى و الأسلاب و ما أخذوا من المغنم- ثم أقرع بينهم في الأسرى- و قسم أسلاب المقتولين- الذين يعرف قاتلوهم بين قاتليهم- و قسم ما وجده في العسكر بين جميع المسلمين عن فراق- . قال الواقدي و حدثني عبد الحميد بن جعفر- قال سألت موسى بن سعد بن زيد بن ثابت- كيف فعل النبي ص يوم بدر- في الأسرى و الأسلاب و الأنفال- فقال نادى مناديه يومئذ- من قتل قتيلا فله سلبه- و من أسر أسيرا فهو له- و أمر بما وجد في العسكر و ما أخذ بغير قتال- فقسمه بينهم عن فراق- فقلت لعبد الحميد فلمن أعطى سلب أبي جهل- فقال قد قيل- إنه أعطاه معاذ بن عمرو بن الجموح- و قيل أعطاه ابن مسعود- . قال و أخذ علي ع درع الوليد بن عتبة- و بيضته و مغفره- و أخذ حمزة سلاح عتبة- و أخذ عبيدة بن الحارث سلاح شيبة- ثم صار إلى ورثته- .
قال الواقدي- فكانت القسمة على ثلاثمائة و سبعة عشر سهما- لأن الرجال كانت ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا- و كان معهم فرسان لهما أربعة أسهم- و قسم أيضا فوق ذلك لثمانية أسهم- لم يحضروا- ضرب لهم بسهامهم و أجورهم- ثلاثة من المهاجرين لا خلاف فيهم- و هم عثمان بن عفان- خلفه رسول الله ص على ابنته رقية- و ماتت يوم قدم زيد بن حارثة بالبشارة إلى المدينة- و طلحة بن عبيد الله- و سعد بن زيد بن عمرو بن نفيل- بعثهما رسول الله ص يتجسسان خبر العير- و خمسة من الأنصار هم أبو لبابة بن عبد المنذر- خلفه على المدينة- و عاصم بن عدي خلفه على قباء و أهل العالية- و الحارث بن حاطب أمره بأمر في بني عمرو بن عوف- و خوات بن جبير كسر بالروحاء- و الحارث بن الصمة مثله- فلا اختلاف في هؤلاء و اختلف في أربعة غيرهم- فروي أنه ضرب لسعد بن عبادة بسهمه و أجره- و قال لئن لم يشهدها لقد كان فيها راغبا- و ذلك أنه كان يحض الناس على الخروج إلى بدر- فنهش فمنعه ذلك من الخروج- .
و روي أنه ضرب لسعد بن مالك الساعدي- بسهمه و أجره- و كان تجهز إلى بدر فمرض بالمدينة- فمات خلاف رسول الله ص- و أوصى إليه ع- . و روي أنه ضرب لرجلين آخرين من الأنصار- و لم يسمهما الواقدي- و قال هؤلاء الأربعة غير مجمع عليهم- كإجماعهم على الثمانية- . قال و قد اختلف- هل ضرب بسهم في الغنيمة لقتلى بدر- فقال الأكثرون لم يضرب لهم- و قال بعضهم بل ضرب لهم- حدثني ابن أبي سبرة- عن يعقوب بن زيد عن أبيه- أن رسول الله ص- ضرب لشهداء بدر أربعة عشر رجلا- قال و قد قال عبد الله ابن سعد بن خيثمة- أخذنا سهم أبي الذي ضرب له رسول الله ص- حين قسم الغنائم- و حمله إلينا عويمر بن ساعدة- قال و قد روى السائب بن أبي لبابة- أن رسول الله ص أسهم لمبشر بن عبد المنذر- قال و قد قدم بسهمه علينا معن بن عدي- .
قال الواقدي- و كانت الإبل التي أصابوا يومئذ مائة و خمسين بعيرا- و كان معه أدم كثير- حملوه للتجارة فمنعه المسلمون يومئذ- و كان فيما أصابوا قطيفة حمراء- فقال بعضهم ما لنا لا نرى القطيفة- ما نرى رسول الله ص إلا أخذها- فأنزل الله تعالى وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ- و جاء رجل إلى رسول الله ص- و قال يا رسول الله إن فلانا غل قطيفة- فسأل رسول الله ص الرجل- فقال لم أفعل- فقال الدال يا رسول الله احفروا هاهنا- فحفرنا فاستخرجت القطيفة- فقال قائل يا رسول الله- استغفر لفلان مرتين أو مرارا- فقال ع دعونا من أبي حر- .
قال الواقدي- و أصاب المسلمون من خيولهم عشرة أفراس- و كان جمل أبي جهل فيما غنموه- فأخذه النبي ص- فلم يزل عنده يضرب في إبله و يغزو عليه- حتى ساقه في هدي الحديبية- فسأله يومئذ المشركون الجمل بمائة بعير- فقال لو لا أنا سميناه في الهدي لفعلنا قال الواقدي- و كان لرسول الله ص صفي من الغنيمة قبل القسمة- فتنفل سيفه ذا الفقار يومئذ كان لمنبه بن الحجاج- و كان رسول الله ص قد غزا إلى بدر- بسيف وهبه له سعد بن عبادة يقال له العضب- .
قال و سمعت ابن أبي سبرة يقول- سمعت صالح بن كيسان يقول- خرج رسول الله ص يوم بدر و ما معه سيف- و كان أول سيف قلده- سيف منبه بن الحجاج غنمه يوم بدر- . و قال البلاذري- كان ذو الفقار للعاص بن منبه بن الحجاج- و يقال لمنبه و يقال لشيبة- و الثبت عندنا أنه كان للعاص بن منبه- .
قال الواقدي و كان أبو أسيد الساعدي- إذا ذكر الأرقم بن أبي الأرقم يقول- ما يومي منه بواحد فيقال ما هذا هو- فيقول أمر رسول الله ص المسلمين- أن يردوا يوم بدر ما في أيديهم من المغنم- فرددت سيف أبي عائذ المخزومي و اسم السيف المرزبان- و كان له قيمة و قدر و أنا أطمع أن يرد إلي- فكلم الأرقم رسول الله ص فيه- و كان رسول الله ص لا يمنع شيئا يسأله- فأعطاه السيف- و خرج بني له يفعة فاحتمله الغول- فذهبت به متوركة ظهرا- فقيل لأبي أسيد- و كانت الغيلان في ذلك الزمان- فقال نعم و لكنها قد هلكت- فلقي بني الأرقم بن أبي الأرقم- فبهش إليه باكيا مستجيرا به- فقال من أنت فأخبره- فقالت الغول أنا حاضنته- فلها عنه و الصبي يكذبها- فلم يعرج عليه حتى الساعة- فخرج من داري فرس لي فقطع رسنه- فلقيه الأرقم بالغابة فركبه- حتى إذا دنا من المدينة أفلت منه- فتعذر إلي أنه أفلت مني- فلم أقدر عليه حتى الساعة- .
قال و روى عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه- أنه سأل رسول الله ص يوم بدر- سيف العاص بن منبه فأعطاه- قال و أخذ ع مماليك حضروا بدرا- و لم يسهم لهم و هم ثلاثة أعبد- غلام لحاطب بن أبي بلتعة- و غلام لعبد الرحمن بن عوف و غلام لسعد بن معاذ- و استعمل ص شقران غلامه على الأسرى- فأخذوا من كل أسير ما لو كان حرا ما أصابه في المقسم- .
و روى عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه- قال رميت سهيل بن عمرو يوم بدر فقطعت نساءه- فاتبعت أثر الدم- حتى وجدته قد أخذه مالك بن الدخشم- و هو ممسك بناصيته فقلت أسيري رميته- فقال أسيري أخذته- فأتينا رسول الله فأخذه منا جميعا- و أفلت سهل الروحاء فصاح ع بالناس- فخرجوا في طلبه- فقال ص من وجده فليقتله- فوجده هو ص فلم يقتله- . قال الواقدي- و أصاب أبو بردة بن نيار أسيرا من المشركين- يقال له معبد بن وهب من بني سعد بن ليث- فلقيه عمر بن الخطاب و كان عمر يحض على قتل الأسرى- لا يرى أحدا في يديه أسيرا إلا أمر بقتله- و ذلك قبل أن يتفرق الناس- فلقيه معبد و هو أسير مع أبي بردة- فقال أ ترون يا عمر أنكم قد غلبتم- كلا و اللات و العزى- فقال عمر عباد الله المسلمين- أ تتكلم و أنت أسير في أيدينا- ثم أخذه من أبي بردة فضرب عنقه- و يقال إن أبا بردة قتله- .
قال الواقدي- و روى أبو بكر بن إسماعيل عن أبيه- عن عامر بن سعد قال- قال النبي ص يومئذ- لا تخبروا سعدا بقتل أخيه- فيقتل كل أسير في أيديكم- . قال الواقدي- و لما جيء بالأسرى كره ذلك سعد بن معاذ- فقال له رسول الله ص- كأنه شق عليك أن يؤسروا- قال نعم يا رسول الله- كانت أول وقعة التقينا فيها بالمشركين- فأحببت أن يذلهم الله و أن يثخن فيهم القتل- .
قال الواقدي- و كان النضر بن الحارث أسره المقداد يومئذ- فلما خرج رسول الله ص من بدر- فكان الأثيل عرض عليه الأسرى- فنظر إلى النضر بن الحارث فأبده البصر- فقال لرجل إلى جنبه محمد و الله قاتلي- لقد نظر إلي بعينين فيهما الموت- فقال الذي إلى جنبه- و الله ما هذا منك إلا رعب- فقال النضر لمصعب بن عمير- يا مصعب أنت أقرب من هاهنا بي رحما- كلم صاحبك أن يجعلني كرجل من أصحابي- هو و الله قاتلي إن لم تفعل- قال مصعب إنك كنت تقول في كتاب الله كذا و كذا- و تقول في نبيه كذا و كذا- قال يا مصعب فليجعلني كأحد أصحابي- إن قتلوا قتلت و إن من عليهم من علي- قال مصعب إنك كنت تعذب أصحابه- قال أما و الله لو أسرتك قريش- ما قتلت أبدا و أنا حي- قال مصعب و الله إني لأراك صادقا- و لكن لست مثلك قطع الإسلام العهود- . قال الواقدي- و عرضت الأسرى على رسول الله ص- فرأى النضر بن الحارث فقال اضربوا عنقه- فقال المقداد أسيري يا رسول الله- فقال اللهم أغن المقداد من فضلك- قم يا علي فاضرب عنقه- فقام علي فضرب عنقه بالسيف صبرا- و ذلك بالأثيل فقالت أخته-
يا راكبا إن الأثيل مظنة
من صبح خامسة و أنت موفق
بلغ به ميتا فإن تحية
ما إن تزال بها الركائب تخفق
مني إليه و عبرة مسفوحة
جادت لمائحها و أخرى تخنق
فليسمعن النضر إن ناديته
إن كان يسمع ميت أو ينطق
ظلت سيوف بني أبيه تنوشه
لله أرحام هناك تمزق
صبرا يقاد إلى المدينة راغما
رسف المقيد و هو عان موثق
أ محمد و لأنت نجل نجيبة
في قومها و الفحل فحل معرق
ما كان ضرك لو مننت و ربما
من الفتى و هو المغيظ المحنق
و النضر أقرب من قتلت وسيلة
و أحقهم إن كان عتق يعتق
قال الواقدي- و روي أن النبي ص لما وصل إليه شعرها رق له- و قال لو كنت سمعت شعرها قبل أن أقتله لما قتلته- . قال الواقدي و لما أسر سهيل بن عمرو- قال عمر بن الخطاب يا رسول الله- انزع ثنيتيه يدلع لسانه- فلا يقوم عليك خطيبا أبدا- فقال رسول الله ص- لا أمثل به فيمثل الله بي و إن كنت نبيا- و لعله يقوم مقاما لا تكرهه- فقام سهيل بن عمرو بمكة- حين جاءه وفاة النبي ص- بخطبة أبي بكر بالمدينة- كأنه كان يسمعها- فقال عمر حين بلغه كلام سهيل- أشهد أنك رسول الله- يريد قوله ص لعله يقوم مقاما لا تكرهه- .
قال الواقدي و كان علي ع يحدث- فيقول أتى جبريل النبي ص يوم بدر- فخيره في الأسرى أن يضرب أعناقهم- أو يأخذ منهم الفداء- و يستشهد من المسلمين في قابل عدتهم- فدعا رسول الله ص أصحابه- و قال هذا جبريل يخيركم في الأسرى- بين أن تضرب أعناقهم أو تؤخذ منهم الفدية- و يستشهد منكم قابلا عدتهم- قالوا بل نأخذ الفدية و نستعين بها- و يستشهد منا من يدخل الجنة فقبل منهم الفداء- و قتل من المسلمين قابلا عدتهم بأحد- . قلت لو كان هذا الحديث صحيحا لما عوتبوا- فقيل لهم- ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ- تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَ اللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ- ثم قال لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ- لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ- لأنه إذا كان خيرهم- فقد أباحهم أخذ الفداء و أخبرهم أنه حسن- فلا يجوز فيما بعد أن ينكره عليهم و يقول إنه قبيح
قال الواقدي لما حبس الأسرى- و جعل عليهم شقران مولى رسول الله ص- طمعوا في الحياة- فقالوا لو بعثنا إلى أبي بكر- فإنه أوصل قريش لأرحامنا- فبعثوا إلى أبي بكر فأتاهم فقالوا يا أبا بكر- إن فينا الآباء و الأبناء و الإخوان- و العمومة و بني العم و أبعدنا قريب- كلم صاحبك فليمن علينا و يفادنا- فقال نعم إن شاء الله لا آلوكم خيرا- ثم انصرف إلى رسول الله ص- قالوا و ابعثوا إلى عمر بن الخطاب- فإنه من قد علمتم- و لا يؤمن أن يفسد عليكم لعله يكف عنكم- فأرسلوا إليه فجاءهم- فقالوا له مثل ما قالوا لأبي بكر فقال لا آلوكم شرا- ثم انصرف إلى النبي ص- فوجد أبا بكر عنده و الناس حوله- و أبو بكر يلينه و يغشاه- و يقول يا رسول الله بأبي أنت و أمي- قومك فيهم الآباء و الأبناء و العمومة و الإخوان و بنو العم- و أبعدهم عنك قريب فامنن عليهم- من الله عليك أو فادهم قوة للمسلمين- فلعل الله يقبل بقلوبهم إليك ثم قام فتنحى ناحية- و سكت رسول الله ص فلم يجبه- فجاء عمر فجلس مجلس أبي بكر- فقال يا رسول الله هم أعداء الله- كذبوك و قاتلوك و أخرجوك اضرب رقابهم- فهم رءوس الكفر و أئمة الضلالة- يوطئ الله بهم الإسلام و يذل بهم الشرك- فسكت رسول الله ص و لم يجبه- و عاد أبو بكر إلى مقعده الأول- فقال بأبي أنت و أمي قومك فيهم الآباء و الأبناء- و العمومة و الإخوان و بنو العم- و أبعدهم منك قريب فامنن عليهم أو فادهم- هم عشيرتك و قومك لا تكن أول من يستأصلهم- و أن يهديهم الله خير من أن يهلكهم- فسكت ص عنه فلم يرد عليه شيئا و قام ناحية- فقام عمر فجلس مجلسه فقال يا رسول الله ما تنتظر بهم- اضرب أعناقهم يوطئ الله بهم الإسلام- و يذل أهل الشرك هم أعداء الله- كذبوك و أخرجوك يا رسول الله اشف صدور المؤمنين- لو قدروا منا على مثل هذا ما أقالونا أبدا- فسكت رسول الله ص فلم يجبه- فقام ناحية فجلس و عاد أبو بكر- فكلمه مثل كلامه الأول فلم يجبه ثم تنحى- فجاء عمر فكلمه بمثل كلامه الأول فلم يجبه- ثم قام رسول الله ص فدخل قبته- فمكث فيها ساعة ثم خرج- و الناس يخوضون في شأنهم- يقول بعضهم القول ما قال أبو بكر- و آخرون يقولون القول ما قال عمر- فلما خرج قال للناس ما تقولون في صاحبيكم هذين- دعوهما فإن لهما مثلا- مثل أبي بكر في الملائكة كميكائيل- ينزل برضا الله و عفوه على عباده- و مثله في الأنبياء كمثل إبراهيم- كان ألين على قومه من العسل- أوقد له قومه النار فطرحوه فيها- فما زاد على أن قال- أُفٍّ لَكُمْ وَ لِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ- و قال فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَ مَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ- و كعيسى إذ يقول- إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ- وَ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ- و مثل عمر في الملائكة كمثل جبريل- ينزل بالسخط من الله و النقمة على أعداء الله- و مثله في الأنبياء كمثل نوح- كان أشد على قومه من الحجارة إذ يقول- رَبِّ لا تَذَرْ عَلَىالْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً- فدعا عليهم دعوة أغرق الله بها الأرض جميعا- و مثل موسى إذ يقول- رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَ اشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ- فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ- و إن بكم عيلة- فلا يفوتنكم رجل من هؤلاء إلا بفداء أو ضربة عنق- فقال عبد الله بن مسعود- يا رسول الله إلا سهيل بن بيضاء- .
قال الواقدي- هكذا روى ابن أبي حبيبة و هذا وهم- سهيل بن بيضاء مسلم من مهاجرة الحبشة و شهد بدرا- و إنما هو أخ له و يقال له سهيل- قال قال عبد الله بن مسعود- فإني رأيته يظهر الإسلام بمكة- قال فسكت النبي ص- قال عبد الله فما مرت علي ساعة قط- كانت أشد علي من تلك الساعة- جعلت أنظر إلى السماء- أتخوف أن تسقط علي الحجارة- لتقدمي بين يدي الله و رسوله بالكلام- فرفع رسول الله ص رأسه- فقال إلا سهيل بن بيضاء- قال فما مرت علي ساعة أقر لعيني منها- إذ قالها رسول الله ص- ثم قال إن الله عز و جل ليشدد القلب- حتى يكون أشد من الحجارة- و إنه ليلين القلب حتى يكون ألين من الزبد – فقبل الفداء ثم قال بعد- لو نزل عذاب يوم بدر لما نجا منه إلا عمر- كان يقول اقتل و لا تأخذ الفداء- و كان سعد بن معاذ يقول- اقتل و لا تأخذ الفداء- .
قلت عندي في هذا كلام أما في أصل الحديث- فلأن فيه أن رسول الله ص قال و مثله كعيسى إذ قال- إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ- وَ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ- و هذه الآية من المائدة و المائدة أنزلت في آخر عمره- و لم ينزل بعدها إلا سورة براءة- و بدر كانت في السنة الثانية من الهجرة- فكيف هذا اللهم إلا أن يكون قوله تعالى- وَ إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ- أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ الآيات- قد كانت أنزلت أما بمكة أو بالمدينة قبل بدر-فلما جمع عثمان القرآن ضمها إلى سورة المائدة- فلعله قد كان ذلك- فينبغي أن ننظر في هذا فهو مشكل- .
و أما حديث سهيل بن بيضاء- فإنه يوهم مذهب موسى بن عمران- في أن النبي ص كان يحكم في الوقائع بما يشاء- لأنه قيل له احكم بما تشاء- فإنك لا تحكم إلا بالحق- و هو مذهب متروك إلا أنه يمكن أن يقال- لعله لما سكت ص عند ما قال ابن مسعود ذلك القول- نزل عليه في تلك السكتة الوحي- و قيل له إلا سهيل بن بيضاء- فقال حينئذ إلا سهيل بن بيضاء- كما أوحي إليه- . و أما الحديث الذي فيه- لو نزل عذاب لما نجا منه إلا عمر- فالواقدي و غيره من المحدثين- اتفقوا على أن سعد بن معاذ- كان يقول مثل ما قاله عمر- بل هو المتبدئ بذلك الرأي- و رسول الله ص بعد في العريش- و المشركون لم ينفض جمعهم كل ذلك الانفضاض- فكيف خص عمر بالنجاة وحده دون سعد- و يمكن أن يقال- إنه كان شديد التأليب و التحريض عليهم- و كثير الإلحاح على رسول الله ص في أمرهم- فنسب ذلك الرأي إليه لاشتهاره به- و إن شركه فيه غيره- .
قال الواقدي و حدثني معمر عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال قال رسول الله ص يوم بدر لو كان مطعم بن عدي حيا لوهبت له هؤلاء النتنى – قال و كانت لمطعم بن عدي عند النبي ص يد- أجاره حين رجع من الطائف- .
قال الواقدي و حدثني محمد بن عبد الله- عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال- أمن رسول الله ص من الأسرى يوم بدر- أبا عزة عمرو بن عبد الله بن عمير الجمحي و كان شاعرا- فأعتقه رسول الله ص و قال له- إن لي خمس بنات ليس لهن شيء- فتصدق بي عليهن يا محمد- ففعل رسول الله ص ذلك- و قال أبو عزة أعطيك موثقا ألا أقاتلك- و لا أكثر عليك أبدا- فأرسله رسول الله ص- فلما خرجت قريش إلى أحد- جاء صفوان بن أمية فقال اخرج معنا- قال إني قد أعطيت محمدا موثقا ألا أقاتله- و لا أكثر عليه أبدا- و قد من علي و لم يمن على غيري- حتى قتله أو أخذ منه الفداء- فضمن له صفوان أن يجعل بناته مع بناته إن قتل- و إن عاش أعطاه مالا كثيرا لا يأكله عياله- فخرج أبو عزة يدعو العرب و يحشرها- ثم خرج مع قريش يوم أحد- فأسر و لم يؤسر غيره من قريش- فقال يا محمد إنما خرجت كرها- و لي بنات فامنن علي- فقال رسول الله ص أين ما أعطيتني من العهد و الميثاق- لا و الله لا تمسح عارضيك بمكة- تقول سخرت بمحمد مرتين فقتله- .
قال و روى سعيد بن المسيب- أن رسول الله ص قال يومئذ- إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين- يا عاصم بن ثابت قدمه فاضرب عنقه- فقدمه عاصم فضرب عنقه- . قال الواقدي و أمر رسول الله ص يوم بدر- بالقلب أن تغور ثم أمر بالقتلى- فطرحوا فيها كلهم إلا أمية بن خلف- فإنه كان مسمنا انتفخ من يومه- فلما أرادوا أن يلقوه تزايل لحمه- فقال النبي ص اتركوهو قال ابن إسحاق- انتفخ أمية بن خلف في درعه حتى ملأها- فلما ذهبوا يحركونه تزايل- فأقروه و ألقوا عليه التراب و الحجارة ما غيبه- . قال الواقدي- و نظر رسول الله ص- إلى عتبة بن ربيعة يجر إلى القليب- و كان رجلا جسيما و في وجهه أثر الجدري- فتغير وجه ابنه أبي حذيفة بن عتبة- فقال له النبي ص- ما لك كأنك ساءك ما أصاب أباك- قال لا و الله يا رسول الله- و لكني رأيت لأبي عقلا و شرفا- كنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الإسلام- فلما أخطأه ذلك- و رأيت ما أصابه غاظني- فقال أبو بكر- كان و الله يا رسول الله أبقى في العشيرة من غيره- و لقد كان كارها لوجهه- و لكن الحين و مصارع السوء-
فقال رسول الله ص- الحمد لله الذي جعل خد أبي جهل الأسفل- و صرعه و شفانا منه- فلما توافوا في القليب- و قد كان رسول الله ص يطوف عليهم و هم مصرعون- جعل أبو بكر يخبره بهم رجلا رجلا- و رسول الله ص يحمد الله و يشكره و يقول- الحمد لله الذي أنجز لي ما وعدني- فقد وعدني إحدى الطائفتين- ثم وقف على أهل القليب فناداهم رجلا رجلا يا عتبة بن ربيعة و يا شيبة بن ربيعة- و يا أمية بن خلف و يا أبا جهل بن هشام- هل وجدتم ما وعد ربكم حقا- فإني وجدت ما وعدني ربي حقا- بئس القوم كنتم لنبيكم- كذبتموني و صدقني الناس- و أخرجتموني و آواني الناس- و قاتلتموني و نصرني الناس- فقالوا يا رسول الله أ تنادي قوما قد ماتوا- فقال لقد علموا أن ما وعدهم ربهم حق – . و قال ابن إسحاق في كتاب المغازي- إن عائشة كانت تروي هذا الخبر و تقول- فالناس يقولون إن رسول الله ص قال- لقد سمعوا ما قلت لهم- و ليس كذلك إنما قال- لقد علموا أن ما وعدهم ربهم حق- .
قال محمد بن إسحاق و حدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك قال لما ناداهم رسول الله ص قال له المسلمون- يا رسول الله أ تنادي قوما قد أنتنوا- فقال ما أنتم بأسمع لما أقول منهم- و لكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني – . قلت لقائل أن يقول لعائشة- إذا جاز أن يعلموا و هم موتى- جاز أن يسمعوا و هم موتى- فإن قالت ما أخبرت أن يعلموا و هم موتى- و لكن تعود الأرواح إلى أبدانهم- و هي في القليب و يرون العذاب- فيعلمون أن ما وعدهم به الرسول حق- قيل لها و لا مانع من أن تعود الأرواح إلى أبدانهم- و هي في القليب- فيسمعوا صوت رسول الله ص- فإذن لا وجه لإنكارها ما يقوله الناس- . و يمكن أن ينتصر لقول عائشة على وجه حكمي- و هو أن الأنفس بعد المفارقة تعلم و لا تسمع- لأن الإحساس إنما يكون بواسطة الآلة- و بعد الموت تفسد الآلة- فأما العلم فإنه لا يحتاج إلى الآلة- لأن النفس تعلم بجوهرها فقط- .
قال الواقدي- و كان انهزام قريش و توليها حين زالت الشمس- فأقام رسول الله ص ببدر- و أمر عبد الله بن كعب بقبض الغنائم و حملها- و أمر نفرا من أصحابه أن يعينوه- فصلى العصر ببدر- ثم راح فمر بالأثيل قبل غروب الشمس فنزل به- و بات به و بأصحابه جراح و ليست بالكثيرة- و قال من رجل يحفظنا الليلة- فأسكت القوم فقام رجل- فقال من أنت قال ذكوان بن عبد قيس- قال اجلس ثم أعاد القول الثانية- فقام رجل فقال من أنت- قال ابن عبد القيس فقال اجلس- ثم مكث ساعة و أعاد القول- فقام رجل فقال من أنت- قال أبو سبع فسكت- .
ثم مكث ساعة- و قال قوموا ثلاثتكم- فقام ذكوان بن عبد قيس وحده- فقال له و أين صاحباك- قال يا رسول الله أنا الذي كنت أجيبك الليلة- فقال رسول الله ص فحفظك الله- فبات ذكوان يحرس المسلمين تلك الليلة- حتى كان آخر الليل فارتحل- .
قال الواقدي- و روي أن رسول الله ص صلى العصر بالأثيل- فلما صلى ركعة تبسم فلما سلم سئل عن تبسمه- فقال مر بي ميكائيل و على جناحه النقع- فتبسم إلي و قال إني كنت في طلب القوم- و أتاني جبريل على فرس أنثى معقود الناصية- قد عم ثنيتيه الغبار- فقال يا محمد إن ربي بعثني إليك- و أمرني ألا أفارقك حتى ترضى- فهل رضيت فقلت نعم- .
قال الواقدي و أقبل رسول الله ص بالأسرى- حتى إذا كان بعرق الظبية- أمر عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح- أن يضرب عنق عقبة بن أبي معيط- بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس- و كان أسره عبد الله بن سلمة العجلاني- فجعل عقبة يقول يا ويلي- علام أقتل يا معشر قريش من بين من هاهنا- فقال رسول الله ص لعداوتك لله و لرسوله- فقال يا محمد منك أفضل- فاجعلني كرجل من قومي إن قتلتهم قتلتني- و إن مننت عليهم مننت علي- و إن أخذت منهم الفداء كنت كأحدهم- يا محمد من للصبية فقال النار- قدمه يا عاصم فاضرب عنقه- فقدمه عاصم فضرب عنقه- فقال النبي ص بئس الرجل كنت و الله- ما علمت كافرا بالله و برسوله و بكتابه مؤذيا لنبيه- فأحمد الله الذي قتلك و أقر عيني منك- .
قال محمد بن إسحاق- و روى عكرمة مولى ابن عباس عن أبي رافع- قال كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب- و كان الإسلام قد فشا فينا أهل البيت فأسلم العباس-و أسلمت أم الفضل زوجته- و كان العباس يهاب قومه و يكره خلافهم- فكان يكتم إسلامه- و كان ذا مال كثير متفرق في قومه- و كان عدو الله أبو لهب قد تخلف عن بدر- و بعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة- و كذلك كانوا صنعوا لم يتخلف رجل إلا بعث مكانه رجلا- فلما جاء الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش- كبته الله و أخزاه و وجدنا في أنفسنا قوة و عزا- .
قال و كنت رجلا ضعيفا- و كنت أعمل القداح أنحتها في حجرة زمزم- فو الله إني لجالس أنحت قداحي- و عندي أم الفضل جالسة- و قد سرنا ما جاءنا من الخبر- إذ أقبل الفاسق أبو لهب يجر رجليه بشر- حتى جلس إلى طنب الحجرة- فكان ظهره إلى ظهري- فبينا هو جالس إذ قال للناس- هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم- و كان شهد مع المشركين بدرا- فقال أبو لهب هلم يا ابن أخي فعندك و الله الخبر- قال فجلس إليه و الناس قيام حوله- فقال يا ابن أخي- أخبرني كيف كان أمر الناس- قال لا شيء- و الله إن هو إلا أن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا- فقتلونا كيف شاءوا و أسرونا كيف شاءوا- و ايم الله مع ذلك ما لمت الناس- لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء و الأرض- لا و الله ما تبقي شيئا و لا يقوم لها شيء- قال أبو رافع فرفعت طنب الحجرة- ثم قلت تلك و الله الملائكة- قال فرفع أبو لهب يده- فضرب بي الأرض ثم برك علي يضربني- و كنت رجلا ضعيفا- فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة- فأخذته فضربته على رأسه- فشجته شجة منكرة- و قالت استضعفته إذ غاب سيده- فقام موليا ذليلا- فو الله ما عاش إلا سبع ليال- حتى رماه الله بالعدسة فقتلته- . و لقد تركه ابناه ليلتين أو ثلاثا و ما يدفنانه- حتى أنتن في بيته- و كانت قريش تتقي العدسة و عدواها- كما يتقي الناس الطاعون- حتى قال لهما رجل من قريش- ويحكما أ لا تستحيان- أن أباكما قد أنتن في بيته لا تغيبانه- قالا إنا نخشى هذه القرحة- قال فانطلقا و أنا معكما- فو الله ما غسلوه إلا قذفا عليه بالماء من بعيد- ما يمسونه و أخرجوه فألقوه بأعلى مكة إلى كنان هناك- و قذفوا عليه بالحجارة حتى واروه- .
قال محمد بن إسحاق- فحضر العباس بدرا فأسر فيمن أسر- و كان الذي أسره أبو اليسر كعب بن عمرو- أحد بني سلمة- فلما أمسى القوم و الأسارى محبوسون في الوثاق- و بات رسول الله ص تلك الليلة ساهرا- فقال له أصحابه ما لك لا تنام يا رسول الله- قال سمعت أنين العباس من وثاقه- فقاموا إليه فأطلقوه- فنام رسول الله ص- .
قال و روى ابن عباس رحمه الله- قال كان أبو اليسر رجلا مجموعا- و كان العباس طويلا جسيما- فقال رسول الله ص يا أبا اليسر- كيف أسرت العباس- قال يا رسول الله لقد أعانني عليه رجل ما رأيته من قبل- من هيئته كذا قال ص- لقد أعانك عليه ملك كريم قال محمد بن إسحاق قد كان رسول الله ص في أول الوقعة فنهى أن يقتل أحد من بني هاشم قال حدثني بذلك الزهري عن عبد الله بن ثعلبة حليف بني زهرة قال و حدثني العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس عن بعض أهله عن عبد الله بن عباس رحمه الله قال و قال النبي ص لأصحابه إني قد عرفت أن رجالا من بني هاشم و غيرهم- قد أخرجوا كرها لا حاجة لنا بقتلهم- فمن لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله- و من لقي أبا البختري فلا يقتله- و من لقي العباس بن عبد المطلب عم رسول الله ص فلا يقتله- فإنه إنما خرج مستكرها فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة- أ نقتل آباءنا و إخواننا- و عشائرنا و نترك العباس- و الله لئن لقيته لألحمنه السيف- فسمعها رسول الله ص- فقال لعمر بن الخطاب يا أبا حفص- يقول عمر و الله إنه لأول يوم- كناني فيه رسول الله ص بأبي حفص- أ يضرب وجه عم رسول الله ص بالسيف- فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنقه بالسيف- فو الله لقد نافق- قال فكان أبو حذيفة يقول- و الله ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ- و لا أزال منها خائفا أبدا- إلا أن يكفرها الله عني بشهادة- فقتل يوم اليمامة شهيدا
قال محمد بن إسحاق- و كان رسول الله ص- لما استشار أبا بكر و عمر و سعد بن معاذ في أمر الأسارى- غلظ عمر عليهم غلظة شديدة- فقال يا رسول الله أطعني فيما أشير به عليك- فإني لا آلوك نصحا- قدم عمك العباس فاضرب عنقه بيدك- و قدم عقيلا إلى علي أخيه يضرب عنقه- و قدم كل أسير منهم إلى أقرب الناس إليه يقتله- قال فكره رسول الله ص ذلك و لم يعجبه- .
قال محمد بن إسحاق فلما قدم بالأسرى إلى المدينة قال رسول الله صافد نفسك يا عباس- و ابني أخويك عقيل بن أبي طالب- و نوفل بن الحارث بن عبد المطلب- و حليفك عقبة بن عمرو فإنك ذو مال- فقال العباس يا رسول الله إني كنت مسلما- و لكن القوم استكرهوني- فقال ص الله أعلم بإسلامك- إن يكن ما قلت حقا فإن الله يجزيك به- و أما ظاهر أمرك فقد كان علينا فافتد نفسك- و قد كان رسول الله ص أخذ منه عشرين أوقية من ذهب- أصابها معه حين أسر- فقال العباس يا رسول الله احسبها لي من فدائي- فقال ص ذاك شيء أعطانا الله منك- فقال يا رسول الله فإنه ليس لي مال- قال فأين المال الذي وضعته بمكة- حين خرجت عند أم الفضل بنت الحارث- و ليس معكما أحد- ثم قلت إن أصبت في سفري هذا فللفضل كذا و كذا- و لعبد الله كذا و كذا و لقثم كذا و كذا- فقال العباس و الذي بعثك بالحق يا رسول الله- ما علم بهذا أحد غيري و غيرها- و إني لأعلم أنك رسول الله ثم فدى نفسه و ابني أخويه و حليفه
قال الواقدي- قدم رسول الله ص من الأثيل- زيد بن حارثة و عبد الله بن رواحة- يبشران الناس بالمدينة- فجاء يوم الأحد في الضحى- و فارق عبد الله زيدا بالعقيق- فجعل عبد الله ينادي عوالي المدينة- يا معشر الأنصار أبشروا بسلامة رسول الله- و قتل المشركين و أسرهم- قتل ابنا ربيعة و ابنا الحجاج- و أبو جهل و زمعة بن الأسود- و أمية بن خلف- و أسر سهيل بن عمرو ذو الأنياب في أسرى كثير- قال عاصم بن عدي فقمت إليه فنحوته- فقلت أ حقا ما تقول يا ابن رواحة- قال إي و الله و غدا يقدم رسول الله إن شاء الله- و معه الأسرى مقرنين- ثم تتبع دور الأنصار بالعالية يبشرهم- دارا دارا و الصبيان يشتدون معه- و يقولون قتل أبو جهل الفاسق- حتى انتهوا إلى دور بني أمية بن زيد- و قدم زيد بن حارثة- على ناقة النبي ص القصواء يبشر أهل المدينة- فلما جاء المصلى صاح على راحلته- قتل عتبة و شيبة ابنا ربيعة- و ابنا الحجاج و أبو جهل- و أبو البختري و زمعة بن الأسود و أمية بن خلف- و أسر سهيل بن عمرو ذو الأنياب في أسرى كثيرة- فجعل الناس لا يصدقون زيد بن حارثة- و يقولون ما جاء زيد إلا فلا- حتى غاظ المسلمين ذلك و خافوا- قال و كان قدوم زيد- حين سووا على رقية بنت رسول الله ص التراب بالبقيع- فقال رجل من المنافقين لأسامة بن زيد- قتل صاحبكم و من معه- و قال رجل من المنافقين لأبي لبابة بن عبد المنذر- قد تفرق أصحابكم تفرقا لا يجتمعون معه أبدا- و قد قتل علية أصحابكم- و قتل محمد و هذه ناقته نعرفها- و هذا زيد بن حارثة لا يدري ما يقول من الرعب- و قد جاء فلا- فقال أبو لبابة كذب الله قولك- و قالت يهود ما جاء زيد إلا فلا- قال أسامة بن زيد فجئت حتى خلوت بأبي- فقلت يا أبت أ حق ما تقول- فقال إي و الله حقا يا بني- فقويت نفسي فرجعت إلى ذلك المنافق- فقلت أنت المرجف برسول الله و بالمسلمين- لنقدمنك إلى رسول الله ص إذا قدم- فليضربن عنقك فقال يا أبا محمد- إنما هو شيء سمعت الناس يقولونه- .
قال الواقدي فقدم بالأسرى و عليهم شقران- و هم تسعة و أربعون رجلا الذين أحصوا- و هم سبعون في الأصل مجمع عليه لا شك فيه- إلا أنهم لم يحص سائرهم- و لقي الناس رسول الله ص بالروحاء- يهنئونه بفتح الله عليه- فلقيه وجوه الخزرج- فقال سلمة بن سلامة بن وقش ما الذي تهنئونه- فو الله ما قتلنا إلا عجائز صلعا- فتبسم النبي ص- فقال يا ابن أخي أولئك الملأ- لو رأيتهم لهبتهم و لو أمروك لأطعتهم- و لو رأيت فعالك مع فعالهم لاحتقرتها- و بئس القوم كانوا على ذلك لنبيهم- فقال سلمة أعوذ بالله من غضبه و غضب رسوله- إنك يا رسول الله لم تزل عني معرضا- منذ كنا بالروحاء في بدأتنا- فقال ص أما ما قلت للأعرابي- وقعت على ناقتك فهي حبلى منك- ففحشت و قلت ما لا علم لك به- و أما ما قلت في القوم- فإنك عمدت إلى نعمة من نعم الله تزهدها- فقبل رسول الله ص معذرته- و كان من علية أصحابه- . قال الواقدي فروى الزهري- قال لقي أبو هند البياضي مولى فروة بن عمرو- رسول الله و معه حميت مملوء حيسا أهداه له- فقال رسول الله ص- إنما أبو هند رجل من الأنصار- فأنكحوه و أنكحوا إليه- .
قال الواقدي- و لقيه أسيد بن حضير فقال يا رسول الله- الحمد لله الذي ظفرك و أقر عينك- و الله يا رسول الله- ما كان تخلفي عن بدر و أنا أظن بك أنك تلقى عدوا- و لكني ظننت أنها العير- و لو ظننت أنه عدو لما تخلفت- فقال رسول الله صدقت- . قال و لقيه عبد الله بن قيس بتربان- فقال يا رسول الله الحمد لله على سلامتك و ظفرك- كنت يا رسول الله ليالي خرجت مورودا أي محموما- فلم تفارقني حتى كان بالأمس- فأقبلت إليك فقال آجرك الله- .
قال الواقدي و كان سهيل بن عمرو- لما كان بتنوكة بين السقيا و ملل- كان مع مالك بن الدخشم الذي أسره- فقال له خل سبيلي للغائط فقام معه- فقال سهيل إني أحتشم فاستأخر عنى- فاستأخر عنه فمضى سهيل على وجهه- انتزع يده من القرآن و مضى- فلما أبطأ سهيل على مالك بن الدخشم- أقبل فصاح في الناس فخرجوا في طلبه- و خرج النبي ص في طلبه بنفسه- و قال من وجده فليقتله- فوجده رسول الله ص بنفسه أخفى نفسه بين شجرات- فأمر به فربطت يداه إلى عنقه ثم قرنه إلى راحلته- فلم يركب سهيل خطوة حتى قدم المدينة- .
قال الواقدي- فحدثني إسحاق بن حازم بن عبد الله بن مقسم- عن جابر بن عبد الله الأنصاري- قال لقي رسول الله ص أسامة بن زيد- و رسول الله ص على ناقته القصوى- فأجلسه بين يديه و سهيل بن عمرو مجبوب- و يداه إلى عنقه- فلما نظر إلى سهيل قالوا يا رسول الله- أبو يزيد قال نعم- هذا الذي كان يطعم الخبز بمكة و قال البلاذري قال أسامة و هو يومئذ غلام- يا رسول الله هذا الذي كان يطعم الناس بمكة السريد- يعني الثريد- . قلت هذه لثغة مقلوبة- لأن الألثغ يبدل السين ثاء- و هذا أبدل الثاء سينا- و من الناس من يرويها- هذا الذي كان يطعم الناس بمكة الشريد- بالشين المعجمة- .
قال البلاذري- و حدثني مصعب بن عبد الله الزبيري- عن أشياخه أن أسامة رأى سهيلا يومئذ- فقال يا رسول الله- هذا الذي كان يطعم السريد بمكة- فقال رسول الله ص- هذا أبو يزيد الذي يطعم الطعام- و لكنه سعى في إطفاء نور الله فأمكن الله منه- . قال و فيه يقول أمية بن أبي الصلت الثقفي- يا با يزيد رأيت سيبك واسعا و سماء جودك تستهل فتمطر- .قال و فيه يقول مالك بن الدخشم- و هو الذي أسره يوم بدر-
أسرت سهيلا فلا أبتغي
به غيره من جميع الأمم
و خندف تعلم أن الفتى
سهيلا فتاها إذا تظلم
ضربت بذي الشفر حتى انثنى
و أكرهت نفسي على ذي العلم
أي على ذي العلم بسكون اللام- و لكنه حركه للضرورة- . و كان سهيل أعلم مشقوق الشفة العليا- فكانت أنيابه بادية- فلذلك قالوا ذو الأنياب- . قال الواقدي و لما قدم بالأسرى- كانت سودة بنت زمعة زوج النبي ص عند آل عفراء- في مناحتهم على عوف و معوذ- و ذلك قبل أن يضرب الحجاب- قالت سودة فأتينا فقيل لنا هؤلاء الأسرى قد أتي بهم- فخرجت إلى بيتي و رسول الله ص فيه- و إذا أبو يزيد مجموعة يداه إلى عنقه- في ناحية البيت- فو الله ما ملكت نفسي- حين رأيته مجموعة يداه إلى عنقه- أن قلت أبا يزيد أعطيتم بأيديكم- ألا متم كراما- فو الله ما راعني إلا قول رسول الله ص من البيت- يا سودة أ على الله و على رسوله- فقلت يا نبي الله- و الذي بعثك بالحق إني ما ملكت نفسي- حين رأيت أبا يزيد- مجموعة يداه إلى عنقه أن قلت ما قلت- .
قال الواقدي و حدثني خالد بن إلياس- قال حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي جهم- قال دخل يومئذ خالد بن هشام بن المغيرة- و أمية بن أبي حذيفة منزل أم سلمة- و أم سلمة في مناحة آل عفراء- فقيل لها أتي بالأسرى- فخرجت فدخلت عليهم فلم تكلمهم حتى رجعت- فتجد رسول الله ص في بيت عائشة- فقالت يا رسول الله- إن بني عمي طلبوا أن يدخل بهم علي فأضيفهم- و أدهن رءوسهم و ألم من شعثهم- و لم أحب أن أفعل شيئا من ذلك حتى أستأمرك- فقال ص لست أكره شيئا من ذلك- فافعلي من هذا ما بدا لك- قال الواقدي و حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري- قال قال أبو العاص بن الربيع- كنت مستأسرا مع رهط من الأنصار جزاهم الله خيرا- كنا إذا تعشينا أو تغدينا آثروني بالخبز- و أكلوا التمر- و الخبز عندهم قليل و التمر زادهم- حتى إن الرجل لتقع في يده الكسرة فيدفعها إلي- و كان الوليد بن الوليد بن المغيرة- يقول مثل ذلك و يزيد- قال و كانوا يحملوننا و يمشون- .
و قال محمد بن إسحاق في كتابه- كان أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس- ختن رسول الله ص زوج ابنته زينب- و كان أبو العاص من رجال مكة المعدودين مالا و أمانة و تجارة- و كان ابنا لهالة بنت خويلد- أخت خديجة بنت خويلد- و كان الربيع بن عبد العزى- بعل هذه فكانت خديجة خالته- فسألت خديجة رسول الله ص أن يزوجه زينب- و كان رسول الله ص لا يخالف خديجة- و ذلك قبل أن ينزل عليه الوحي- فزوجه إياها- فكان أبو العاص من خديجة بمنزلة ولدها- فلما أكرم الله رسوله بنبوته- آمنت به خديجة و بناته كلهن و صدقته- و شهدن أن ما جاء به حق و دن بدينه- و ثبت أبو العاص على شركه- و كان رسول الله ص قد زوج عتبة بن أبي- إحدى ابنتيه رقية أو أم كلثوم- و ذلك من قبل أن ينزل عليه- فلما أنزل عليه الوحي و نادى قومه بأمر الله باعدوه- فقال بعضهم لبعض- إنكم قد فرغتم محمد من همه- أخذتم عنه بناته و أخرجتموهن من عياله- فردوا عليه بناته فاشغلوه بهن- فمشوا إلى أبي العاص بن الربيع- فقالوا فارق صاحبتك بنت محمد- و نحن نزوجك أيامرأة شئت من قريش- فقال لا ها الله إذن لا أفارق صاحبتي- و ما أحب أن لي بها امرأة من قريش- فكان رسول الله ص إذا ذكره يثني عليه خيرا في صهره- ثم مشوا إلى الفاسق عتبة بن أبي لهب- فقالوا له طلق بنت محمد- و نحن ننكحك أي امرأة شئت من قريش- فقال إن أنتم زوجتموني ابنة أبان بن سعيد بن العاص- أو ابنة سعيد بن العاص فارقتها- فزوجوه ابنة سعيد بن العاص- ففارقها و لم يكن دخل بها- فأخرجها الله من يده كرامة لها و هوانا له- ثم خلف عليها عثمان بن عفان بعده- و كان رسول الله ص مغلوبا على أمره بمكة- لا يحل و لا يحرم- و كان الإسلام قد فرق بين زينب و أبي العاص- إلا أن رسول الله ص كان لا يقدر و هو بمكة- أن يفرق بينهما- فأقامت معه على إسلامها و هو على شركه- حتى هاجر رسول الله ص إلى المدينة- و بقيت زينب بمكة مع أبي العاص- فلما سارت قريش إلى بدر- سار أبو العاص معهم- فأصيب في الأسرى يوم بدر- فأتي به النبي ص فكان عنده مع الأسارى- فلما بعث أهل مكة في فداء أساراهم- بعثت زينب في فداء أبي العاص بعلها بمال- و كان فيما بعثت به قلادة- كانت خديجة أمها أدخلتها بها على أبي العاص- ليلة زفافها عليه- فلما رآها رسول الله ص رق لها رقة شديدة- و قال للمسلمين إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها- و تردوا عليها ما بعثت به من الفداء فافعلوا- فقالوا نعم يا رسول الله نفديك بأنفسنا و أموالنا- فردوا عليها ما بعثت به- و أطلقوا لها أبا العاص بغير فداء- .
قلت قرأت على النقيب أبي جعفر- يحيى بن أبي زيد البصري العلوي رحمه الله- هذا الخبر- فقال أ ترى أبا بكر و عمر لم يشهدا هذا المشهد- أ ما كان يقتضي التكريم و الإحسان-أن يطيب قلب فاطمة بفدك- و يستوهب لها من المسلمين- أ تقصر منزلتها عند رسول الله ص- عن منزله زينب أختها و هي سيدة نساء العالمين- هذا إذا لم يثبت لها حق- لا بالنحلة و لا بالإرث- فقلت له فدك بموجب الخبر- الذي رواه أبو بكر قد صار حقا من حقوق المسلمين- فلم يجز له أن يأخذه منهم- فقال و فداء أبي العاص بن الربيع- قد صار حقا من حقوق المسلمين- و قد أخذه رسول الله ص منهم- فقلت رسول الله ص صاحب الشريعة- و الحكم حكمه و ليس أبو بكر كذلك- فقال ما قلت هلا أخذه أبو بكر- من المسلمين قهرا فدفعه إلى فاطمة- و إنما قلت هلا استنزل المسلمين عنه- و استوهبه منهم لها- كما استوهب رسول الله ص المسلمين فداء أبي العاص- أ تراه لو قال هذه بنت نبيكم- قد حضرت تطلب هذه النخلات- أ فتطيبون عنها نفسا أ كانوا منعوها ذلك- فقلت له قد قال قاضي القضاة- أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد نحو هذا- قال إنهما لم يأتيا بحسن في شرع التكرم- و إن كان ما أتياه حسنا في الدين- .
قال محمد بن إسحاق- و كان رسول الله ص لما أطلق سبيل أبي العاص- أخذ عليه فيما نرى أو شرط عليه في إطلاقه- أو أن أبا العاص وعد رسول الله ص ابتداء- بأن يحمل زينب إليه إلى المدينة- و لم يظهر ذلك من أبي العاص- و لا من رسول الله ص إلا أنه لما خلي سبيله- و خرج إلى مكة- بعث رسول الله ص بعده- زيد بن حارثة و رجلا من الأنصار- فقال لهما كونا بمكان كذا- حتى تمر بكما زينب فتصحبانها حتى تأتياني بها- فخرجا نحو مكة و ذلك بعد بدر بشهر-أو شيعه فلما قدم أبو العاص مكة- أمرها باللحوق بأبيها فأخذت تتجهز قال محمد بن إسحاق- فحدثت عن زينب أنها قالت- بينا أنا أتجهز للحوق بأبي- لقيتني هند بنت عتبة فقالت- أ لم يبلغني يا بنت محمد- أنك تريدين اللحوق بأبيك- فقلت ما أردت ذلك- فقالت أي بنت عم لا تفعلي- إن كانت لك حاجة في متاع أو فيما يرفق بك في سفرك- أو مال تبلغين به إلى أبيك- فإن عندي حاجتك فلا تضطني مني- فإنه لا يدخل بين النساء ما يدخل بين الرجال- قالت و ايم الله إني لأظنها حينئذ صادقة- ما أظنها قالت حينئذ إلا لتفعل- و لكن خفتها فأنكرت أن أكون أريد ذلك- قالت و تجهزت حتى فرغت من جهازي- فحملني أخو بعلي و هو كنانة بن الربيع- .
قال محمد بن إسحاق- قدم لها كنانة بن الربيع بعيرا فركبته- و أخذ قوسه و كنانته و خرج بها نهارا- يقود بعيرها و هي في هودج لها- و تحدث بذلك الرجال من قريش و النساء- و تلاومت في ذلك و أشفقت- أن تخرج ابنة محمد من بينهم على تلك الحال- فخرجوا في طلبها سراعا حتى أدركوها بذي طوى- فكان أول من سبق إليها- هبار بن الأسود بن عبد المطلب بن أسد- بن عبد العزى بن قصي- و نافع بن عبد القيس الفهري- فروعها هبار بالرمح و هي في الهودج- و كانت حاملا فلما رجعت طرحت ما في بطنها- و قد كانت من خوفها رأت دما و هي في الهودج- فلذلك أباح رسول الله ص يوم فتح مكة- دم هبار بن الأسود- .
قلت و هذا الخبر أيضا- قرأته على النقيب أبي جعفر رحمه الله- فقال إذا كان رسول الله ص- أباح دم هبار بن الأسود- لأنه روع زينب فألقت ذا بطنها- فظهر الحال أنه لو كان حيا- لأباح دم من روع فاطمة حتى ألقت ذا بطنها- فقلت أروي عنك ما يقوله قوم- إن فاطمة روعت فألقت المحسن- فقال لا تروه عني و لا ترو عني بطلانه- فإني متوقف في هذا الموضع لتعارض الأخبار عندي فيه- . قال الواقدي فبرك حموها كنانة بن الربيع- و نثل كنانته بين يديه- ثم أخذ منها سهما فوضعه في كبد قوسه- و قال أحلف بالله لا يدنو اليوم منها رجل- إلا وضعت فيه سهما فتكر الناس عنه- .
قال و جاء أبو سفيان بن حرب في جلة من قريش- فقال أيها الرجل اكفف عنا نبلك حتى نكلمك فكف- فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه- فقال إنك لم تحسن و لم تصب- خرجت بالمرأة على رءوس الناس علانية جهارا- و قد عرفت مصيبتنا و نكبتنا- و ما دخل علينا من محمد أبيها- فيظن الناس إذا أنت خرجت بابنته إليه جهارا- أن ذلك عن ذل أصابنا- و أن ذلك منا وهن- و لعمري ما لنا في حبسها عن أبيها من حاجة- و ما فيها من ثأر- و لكن ارجع بالمرأة حتى إذا هدأت الأصوات- و تحدث الناس بردها سلها سلا خفيا- فألحقها بأبيها- فردها كنانة بن الربيع إلى مكة- فأقامت بها ليالي حتى إذا هدأ الصوت عنها حملها على بعيرها- و خرج بها ليلا حتى سلمها إلى زيد بن حارثة و صاحبه- فقدما بها على رسول الله ص- .
قال محمد بن إسحاق فروى سليمان بن يسار عن أبي إسحاق الدوسي عن أبي هريرة قال بعث رسول الله ص سرية أنا فيها إلى عير لقريش- فيها متاع لهم و ناس منهم- فقال إن ظفرتم بهبار بن الأسود- و نافع بن عبد قيس فحرقوهما بالنار- حتى إذا كان الغد بعث فقال لنا- إني كنت قد أمرتكم بتحريق الرجلين إن أخذتموهما- ثم رأيت أنه لا ينبغي لأحد- أن يعذب بالنار إلا الله تعالى- فإن ظفرتم بهما فاقتلوهما و لا تحرقوهما – .
قلت لقائل من المجبرة أن يقول- أ ليس هذا نسخ الشيء قبل تقضي وقت فعله- و أهل العدل لا يجيزون ذلك- و هذا السؤال مشكل و لا جواب عنه- إلا بدفع الخبر أما بتضعيف أحد من رواته- أو إبطال الاحتجاج به لكونه خبر واحد- أو بوجه آخر- و هو أن نجيز للنبي الاجتهاد في الأحكام الشرعية- كما يذهب إليه كثير من شيوخنا- و هو مذهب القاضي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة- و مثل هذا الخبر حديث براءة و إنفاذها مع أبي بكر- و بعث علي ع فأخذها منه في الطريق- و قرأها على أهل مكة- بعد أن كان أبو بكر هو المأمور بقراءتها عليهم- .
فأما البلاذري فإنه روى أن هبار بن الأسود- كان ممن عرض لزينب بنت رسول الله ص- حين حملت من مكة إلى المدينة- فكان رسول الله ص يأمر سراياه- إن ظفروا به أن يحرقوه بالنار- ثم قال لا يعذب بالنار إلا رب النار- و أمرهم إن ظفروا به- أن يقطعوا يديه و رجليه و يقتلوه- فلم يظفروا به حتى إذا كان يوم الفتح هرب هبار- ثم قدم على رسول الله ص بالمدينة- و يقال أتاه بالجعرانة حين فرغ من أمر حنين- فمثل بين يديه و هو يقول- أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله- فقبل إسلامه و أمر ألا يعرض له- و خرجت سلمى مولاة رسول الله ص-فقالت لا أنعم الله بك عينا- فقال رسول الله ص- مهلا فقد محا الإسلام ما قبله- . قال البلاذري فقال الزبير بن العوام- لقد رأيت رسول الله ص- بعد غلظته على هبار بن الأسود- يطأطئ رأسه استحياء منه- و هبار يعتذر إليه و هو يعتذر إلى هبار أيضا- .
قال محمد بن إسحاق- فأقام أبو العاص بمكة على شركه- و أقامت زينب عند أبيها ص بالمدينة- قد فرق بينهما الإسلام- حتى إذا كان قبل الفتح- خرج أبو العاص تاجرا إلى الشام بمال له- و أموال لقريش أبضعوا بها معه- و كان رجلا مأمونا- فلما فرغ من تجارته و أقبل قافلا- لقيته سرية لرسول الله ص- فأصابوا ما معه و أعجزهم هو هاربا- فخرجت السرية بما أصابت من ماله- حتى قدمت به على رسول الله ص- و خرج أبو العاص تحت الليل- حتى دخل على زينب ابنة رسول الله ص منزلها- فاستجار بها فأجارته- و إنما جاء في طلب ماله الذي أصابته تلك السرية- فلما كبر رسول الله ص في صلاة الصبح- و كبر الناس معه صرخت زينب من صفة النساء- أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع- فصلى رسول الله ص بالناس الصبح- فلما سلم من الصلاة أقبل عليهم- فقال أيها الناس هل سمعتم ما سمعت- قالوا نعم قال أما و الذي نفس محمد بيده- ما علمت بشيء مما كان حتى سمعتم- إنه يجير على الناس أدناهم- ثم انصرف و دخل على ابنته زينب- فقال أي بنية أكرمي مثواه- و أحسني قراه و لا يصلن إليك- فإنك لا تحلين له- ثم بعث إلى تلك السرية- الذين كانوا أصابوا مال أبي العاص- فقال لهم إن هذا الرجل منا بحيث علمتم- و قد أصبتم له مالا- فإن تحسنوا و تردوا عليه الذي له فإنا نحب ذلك- و إن أبيتم فهو فيء الله الذي أفاء عليكم- و أنتم أحق به- فقالوا يا رسول الله بل نرده عليه- فردوا عليه ماله و متاعه- حتى إن الرجل كان يأتي بالحبل- و يأتي الآخر بالشنة و يأتي الآخر بالإداوة- و الآخر بالشظاظ- حتى ردوا ماله و متاعه بأسره- من عند آخره و لم يفقد منه شيئا- ثم احتمل إلى مكة- فلما قدمها أدى إلى كل ذي مال من قريش ماله- ممن كان أبضع معه بشيء- حتى إذا فرغ من ذلك- قال لهم يا معشر قريش- هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه- قالوا لا فجزاك الله خيرا- لقد وجدناك وفيا كريما- قال فإني أشهد أن لا إله إلا الله- و أن محمدا رسول الله- و الله ما منعني من الإسلام- إلا تخوف أن تظنوا- أني أردت أن آكل أموالكم و أذهب بها- فإذ سلمها الله لكم و أداها إليكم- فإني أشهدكم أني قد أسلمت و اتبعت دين محمد- ثم خرج سريعا حتى قدم على رسول الله المدينة- .
قال محمد بن إسحاق- فحدثني داود بن الحصين عن عكرمة- عن ابن عباس أن رسول الله ص- رد زينب بعد ست سنين على أبي العاص- بالنكاح الأول لم يحدث شيئا قال الواقدي- فلما فرغ رسول الله ص من أمر الأسارى- و فرق الله عز و جل ببدر بين الكفر و الإيمان- أذل رقاب المشركين و المنافقين و اليهود- و لم يبق بالمدينة يهودي و لا منافق إلا خضعت عنقه- .
و قال قوم من المنافقين- ليتنا خرجنا معه حتى نصيب غنيمة- و قالت يهود فيما بينها- هو الذي نجد نعته في كتبنا- و الله لا ترفع له راية بعد اليوم إلا ظهرت- . و قال كعب بن الأشرف- بطن الأرض اليوم خير من ظهرها- هؤلاء أشراف الناس و ساداتهم- و ملوك العرب و أهل الحرم و الأمن قد أصيبوا- و خرج إلى مكة فنزل على أبي وداعة بن ضبيرة- و جعله يرسل هجاء المسلمين- و رثى قتلى بدر من المشركين فقال-
طحنت رحى بدر لمهلك أهله
و لمثل بدر يستهل و يدمع
قتلت سراة الناس حول حياضه
لا تبعدوا إن الملوك تصرع
و يقول أقوام أذل بعزهم
إن ابن أشرف ظل كعبا يجزع
صدقوا فليت الأرض ساعة قتلوا
ظلت تسيخ بأهلها و تصدع
نبئت أن الحارث بن هشامهم
في الناس يبني الصالحات و يجمع
ليزور يثرب بالجموع و إنما
يسعى على الحسب القديم الأروع
قال الواقدي- أملاها علي عبد الله بن جعفر- و محمد بن صالح و ابن أبي الزناد- فلما أرسل كعب هذه الأبيات- أخذها الناس بمكة عنه- و أظهروا المراثي و قد كانوا حرموها- كيلا يشمت المسلمون بهم- و جعل الصبيان و الجواري ينشدونها بمكة- فناحت بها قريش على قتلاها شهرا- و لم تبق دار بمكة إلا فيها النوح- و جز النساء شعورهن- و كان يؤتى براحلة الرجل منهم أو بفرسه- فتوقف بين أظهرهم فينوحون حولها- و خرجن إلى السكك- و ضربن الستور في الأزقة- و قطعن فخرجن إليها ينحن- و صدق أهل مكة رؤيا عاتكة و جهيم بن الصلت- . قال الواقدي- و كان الذين قدموا من قريش- في فداء الأسرى أربعة عشر رجلا- و قيل خمسة عشر رجلا- و كان أول من قدم المطلب بن أبي وداعة- ثم قدم الباقون بعده بثلاث ليال- .
قال فحدثني إسحاق بن يحيى- قال سألت نافع بن جبير- كيف كان الفداء قال- أرفعهم أربعة آلاف إلى ثلاثة آلاف- إلى ألفين إلى ألف- إلا قوما لا مال لهم من عليهم رسول الله ص- . قال الواقدي- و قال رسول الله ص في أبي وداعة- إن له بمكة ابنا كيسا له مال- و هو مغل فداءه- فلما قدم افتداه بأربعة آلاف- و كان أول أسير افتدي- و ذلك أن قريشا قالت لابنه المطلب بن أبي وداعة- و رأته يتجهز يخرج إليه لا تعجل- فإنا نخاف أن تفسد علينا في أسارانا- و يرى محمد تهالكنا فيغلي علينا الفدية- فإن كنت تجد فإن كل قومك لا يجدون من السعة ما تجد- فقال لا أخرج حتى تخرجوا- فخادعهم حتى إذا غفلوا خرج من الليل على راحلته- فسار أربعة ليال إلى المدينة فافتدى أباه بأربعة آلاف- فلامه قريش في ذلك- فقال ما كنت لأترك أبي أسيرا في أيدي القوم- و أنتم مضجعون- فقال أبو سفيان بن حرب- إن هذا غلام حدث يعجب بنفسه و برأيه- و هو مفسد عليكم- إني و الله غير مفتد عمرو بن أبي سفيان- و لو مكث سنة أو يرسله محمد- و الله ما أنا بأعوذكم- و لكني أكره أن أدخل عليكم ما يشق عليكم- و لكن يكون عمرو كأسوتكم- .
قال الواقدي- فأما أسماء القوم الذين قدموا في الأسرى- فإنه قدم من بني عبد شمس- الوليد بن عقبة بن أبي معيط- و عمرو بن الربيع أخو أبي العاص بن الربيع- و من بني نوفل بن عبد مناف جبير بن مطعم- و من بني عبد الدار بن قصي طلحة بن أبي طلحة- و من بني أسد بن عبد العزى بن قصي- عثمان بن أبي حبيش- و من بني مخزوم عبد الله بن أبي ربيعة- و خالد بن الوليد و هشام بن الوليد بن المغيرة- و فروة بن السائب و عكرمة بن أبي جهل- و من بني جمح أبي بن خلف و عمير بن وهب- و من بني سهم المطلب بن أبي وداعة- و عمرو بن قيس- و من بني مالك بن حسل- مكرز بن حفص بن الأحنف- كل هؤلاء قدموا المدينة في فداء أهلهم و عشائرهم- و كان جبير بن مطعم يقول- دخل الإسلام في قلبي منذ قدمت المدينة في الفداء- سمعت رسول الله ص يقرأ في صلاة المغرب- وَ الطُّورِ وَ كِتابٍ مَسْطُورٍ- فاستمعت قراءته- فدخل الإسلام في قلبي منذ ذلك اليوم
القول في تفصيل أسماء أسارى بدر و من أسرهم
قال الواقدي- أسر من بني هاشم العباس بن عبد المطلب- أسره أبو اليسر كعب بن عمرو- و عقيل بن أبي طالب- أسره عبيد بن أوس الظفري- و نوفل بن الحارث بن عبد المطلب- أسره جبار بن صخر- و أسر حليف لبني هاشم من بني فهر- اسمه عتبة فهؤلاء أربعة- .
و من بني المطلب بن عبد مناف السائب بن عبيد- و عبيد بن عمرو بن علقمة- رجلان أسرهما سلمة بن أسلم بن حريش الأشهلي- . قال الواقدي- حدثني بذلك ابن أبي حبيبة- قال و لم يقدم لهما أحد و كانا لا مال لهما- ففك رسول الله ص عنهما بغير فدية- .
و من بني عبد شمس بن عبد مناف- عقبة بن أبي معيط المقتول صبرا- على يد عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح بأمر رسول الله- أسره عبد الله بن أبي سلمة العجلاني- و الحارث بن أبي وحرة بن أبي عمرو بن أمية- أسره سعد بن أبي وقاص- فقدم في فدائه الوليد بن عقبة بن أبي معيط- فافتداه بأربعة آلاف- .
قال الواقدي- و قد كان الحارث هذا لما أمر النبي ص برد الأسارى- ثم أقرع بين أصحابه عليهم- وقع في سهم سعد بن أبي وقاص- الذي كان أسره أول مرة- و عمرو بن أبي سفيان- أسره علي بن أبي طالب ع- و صار بالقرعة في سهم رسول الله ص- فأطلقه بغير فدية- أطلقه بسعد بن النعمان بن أكال من بني معاوية- خرج معتمرا فحبس بمكة فلم يطلقه المشركون- حتى أطلق رسول الله ص عمرو بن أبي سفيان- .
و روى محمد بن إسحاق في كتاب المغازي- أن عمرو بن أبي سفيان أسره علي ع يوم بدر- و كانت أمه ابنة عقبة بن أبي معيط- فمكث في يد رسول الله ص- فقيل لأبي سفيان أ لا تفتدي ابنك عمرا- قال أ يجمع علي دمي و مالي- قتلوا حنظلة و أفتدي عمرا- دعوه في أيديهم فليمسكوه ما بدا لهم- فبينا هو محبوس بالمدينة- خرج سعد بن النعمان بن أكال- أخو بني عمرو بن عوف معتمرا- و معه امرأة له- و كان شيخا كبيرا لا يخشى ما صنع به أبو سفيان- و قد عهد قريشا ألا يعرض لحاج و لا معتمر- فعدا عليه أبو سفيان- فحبسه بمكة بابنه عمرو بن أبي سفيان- و أرسل إلى قوم بالمدينة هذا الشعر-
أ رهط ابن أكال أجيبوا دعاءه
تعاقدتم لا تسلموا السيد الكهلا
فإن بني عمرو لئام أذلة
لئن لم يفكوا عن أسيرهم الكبلا
فمشى بنو عمرو بن عوف حين بلغهم الخبر- إلى رسول الله ص فأخبروه بذلك- و سألوه أن يعطيهم عمرو بن أبي سفيان- ليفكوا به صاحبهم فأعطاهم إياه- فبعثوا به إلى أبي سفيان فخلى سبيل سعد- و قال حسان بن ثابت يجيب أبا سفيان-
و لو كان سعد يوم مكة مطلقا
لأكثر فيكم قبل أن يؤسر القتلى
بعضب حسام أو بصفراء نبعة
تحن إذا ما أنبضت تحفز التبلا
و أبو العاص بن الربيع أسره خراش بن الصمة- فقدم في فدائه عمرو بن أبي الربيع أخوه- و حليف لهم يقال له أبو ريشة- افتداه عمرو بن الربيع أيضا- و عمرو بن الأزرق افتكه عمرو بن الربيع أيضا- و كان قد صار في سهم تميم مولى خراش بن الصمة- و عقبة بن الحارث الحضرمي أسره عمارة بن حزم- فصار في القرعة لأبي بن كعب- افتداه عمرو بن أبي سفيان بن أمية- و أبو العاص بن نوفل بن عبد شمس- أسره عمار بن ياسر قدم في فدائه ابن عمه- فهؤلاء ثمانية- .
و من بني نوفل بن عبد مناف عدي بن الخيار- أسره خراش بن الصمة و عثمان بن عبد شمس- ابن أخي عتبة بن غزوان حليفهم- أسره حارثة بن النعمان و أبو ثور- أسره أبو مرثد الغنوي- فهؤلاء ثلاثة افتداهم جبير بن مطعم- . و من بني عبد الدار بن قصي- أبو عزيز بن عمير أسره أبو اليسر- ثم صار بالقرعة لمحرز بن نضلة- قال الواقدي- أبو عزيز هذا هو أخو مصعب بن عمير لأبيه و أمه- و قال مصعب لمحرز بن نضلة اشدد يديك به- فإن له أما بمكة كثيرة المال- فقال له أبو عزيز هذه وصاتك بي يا أخي- فقال مصعب إنه أخي دونك- فبعثت فيه أمه أربعة آلاف- و ذلك بعد أن سألت ما أغلى ما تفادي به قريش- فقيل لها أربعة آلاف- و الأسود بن عامر بن الحارث بن السباق- أسره حمزة بن عبد المطلب- فهذان اثنان قدم في فدائهما طلحة بن أبي طلحة و من بني أسد بن عبد العزى بن قصي- السائب بن أبي حبيش بن المطلب- بن أسد بن عبد العزى- أسره عبد الرحمن بن عوف- و عثمان بن الحويرث بن عثمان بن أسد بن عبد العزى- أسره حاطب بن أبي بلتعة- و سالم بن شماخ أسره سعد بن أبي وقاص- فهؤلاء ثلاثة قدم في فدائهم عثمان بن أبي حبيش- بأربعة آلاف لكل رجل منهم- . و من بني تميم بن مرة- مالك بن عبد الله بن عثمان- أسره قطبة بن عامر بن حديدة- فمات في المدينة أسيرا- .
و من بني مخزوم خالد بن هشام بن المغيرة- أسره سواد بن غزية- و أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة أسره بلال- و عثمان بن عبد الله بن المغيرة- و كان أفلت يوم نخلة- أسره واقد بن عبد الله التميمي يوم بدر- فقال له الحمد لله الذي أمكنني منك- فقد كنت أفلت يوم نخلة- و قدم في فداء هؤلاء الثلاثة عبد الله بن أبي ربيعة- افتدى كل واحد منهم بأربعة آلاف- و الوليد بن الوليد بن المغيرة- أسره عبد الله بن جحش-فقدم في فدائه أخواه- خالد بن الوليد و هشام بن الوليد- فتمنع عبد الله بن جحش حتى افتكاه بأربعة آلاف- فجعل هشام بن الوليد يريد ألا يبلغ ذلك- يريد ثلاثة آلاف فقال خالد لهشام- إنه ليس بابن أمك- و الله لو أبى فيه إلا كذا و كذا لفعلت- فلما افتدياه خرجا به حتى بلغا به ذا الحليفة- فأفلت فأتى النبي ص فأسلم- فقيل أ لا أسلمت قبل أن تفتدى- قال كرهت أن أسلم حتى أكون أسوة بقومي- .
قال الواقدي- و يقال إن الذي أسر الوليد بن الوليد- سليط بن قيس المازني- و قيس بن السائب أسره عبدة بن الحسحاس- فحبسه عنده حينا و هو يظن أن له مالا- ثم قدم في فدائه أخوه فروة بن السائب- فأقام أيضا حينا- ثم افتداه بأربعة آلاف فيها عروض- .
و من بني أبي رفاعة- صيفي بن أبي رفاعة بن عائذ- بن عبد الله بن عمير بن مخزوم- و كان لا مال له أسره رجل من المسلمين- فمكث عندهم ثم أرسله- و أبو المنذر بن أبي رفاعة بن عائذ- افتدي بألفين و لم يذكر الواقدي من أسره- و عبد الله و هو أبو عطاء بن السائب- بن عائذ بن عبد الله- افتدي بألف درهم- أسره سعد بن أبي وقاص- و المطلب بن حنظلة بن الحارث- بن عبيد بن عمير بن مخزوم- أسره أبو أيوب الأنصاري- و لم يكن له مال فأرسله بعد حين- و خالد بن الأعلم العقيلي- حليف لبني مخزوم و هو الذي يقول-
و لسنا على الأعقاب تدمى كلومنا
و لكن على أقدامنا تقطر الدما
و قال محمد بن إسحاق- روي أنه كان أول المنهزمين- أسره الخباب بن المنذر بن الجموح- و قدم في فدائه عكرمة بن أبي جهل- فهؤلاء عشرة- .
و من بني جمح عبد الله بن أبي بن خلف- أسره فروة بن أبي عمرو البياضي- قدم في فدائه أبوه أبي بن خلف- فتمنع به فروة حينا- و أبو غزة عمرو بن عبد الله بن وهب- أطلقه رسول الله ص بغير فدية- و كان شاعرا خبيث اللسان- ثم قتله يوم أحد بعد أن أسره- و لم يذكر الواقدي الذي أسره يوم بدر- و وهب بن عمير بن وهب- أسره رفاعة بن رافع الزرقي- و قدم أبوه عمير بن وهب في فدائه- فأسلم فأرسل النبي ص له ابنه بغير فداء- و ربيعة بن دراج بن العنبس بن وهبان- بن وهب بن حذافة بن جمح- و كان لا مال له فأخذ منه بشيء يسير- و أرسل به و لم يذكر الواقدي من أسره- و الفاكه مولى أمية بن خلف- أسره سعد بن أبي وقاص فهؤلاء خمسة- .
و من بني سهم بن عمرو أبو وداعة بن ضبيرة- و كان أول أسير افتدي- قدم في فدائه ابنه المطلب فافتداه بأربعة آلاف- و لم يذكر الواقدي من أسره- و فروة بن قيس بن عدي بن حذافة بن سعيد بن سهم- أسره ثابت بن أقزم- و قدم في فدائه عمرو بن قيس افتداه بأربعة آلاف- و حنظلة بن قبيصة بن حذاقة بن سعد- أسره عثمان بن مظعون- و الحجاج بن الحارث بن قيس بن سعد بن سهم- أسره عبد الرحمن بن عوف فأفلت- فأخذه أبو داود المازني فهؤلاء أربعة- .
و من بني مالك بن حسل- سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك- أسره مالك بن الدخشم- و قدم في فدائه مكرز بن حفص بن الأحنف- و انتهى في فدائه إلى إرضائهم بأربعة آلاف- فقالوا هات المال- فقال نعم اجعلوا رجلا مكان رجل-و قوم يروونها رجلا مكان رجل- فخلوا سبيل سهيل و حبسوا مكرز بن حفص عندهم- حتى بعث سهيل بالمال من مكة- و عبد الله بن زمعة بن قيس بن نصر بن مالك- أسره عمير بن عوف مولى سهيل بن عمرو- و عبد العزى بن مشنوء بن وقدان- بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود- سماه رسول الله ص بعد إسلامه عبد الرحمن- أسره النعمان بن مالك فهؤلاء ثلاثة- .
و من بني فهر الطفيل بن أبي قنيع- فهؤلاء ستة و أربعون أسيرا- . و في كتاب الواقدي- أنه كان الأسارى الذين أحصوا و عرفوا تسعة و أربعين- و لم نجد التفصيل يلحق هذه الجملة- . و روى الواقدي عن سعيد بن المسيب- قال كانت الأسارى سبعين- و أن القتلى كانت زيادة على سبعين- إلا أن المعروفين من الأسرى هم الذين ذكرناهم- و الباقون لم يذكر المؤرخون أسماءهم
القول في المطعمين في بدر من المشركين
قال الواقدي- المتفق عليه و لا خلاف بينهم فيه تسعة- فمن بني عبد مناف- الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف- و عتبة و شيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس- . و من بني أسد بن عبد العزى- زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد- و نوفل بن خويلد المعروف بابن العدوية- . و من بني مخزوم أبو جهل عمرو بن هشام بن المغيرة- . و من بني جمح أمية بن خلف- .
و من بني سهم نبيه و منبه ابنا الحجاج- . فهؤلاء تسعة- . قال الواقدي و كان سعيد بن المسيب يقول- ما أطعم أحد ببدر إلا قتل- . قال الواقدي- قد ذكروا عدة من المطعمين اختلف فيهم- كسهيل بن عمرو و أبي البختري و غيرهما- . قال حدثني إسماعيل بن إبراهيم- عن موسى بن عتبة- قال أول من نحر لهم أبو جهل بمر الظهران عشرا- ثم أمية بن خلف بعسفان تسعا- ثم سهيل بن عمرو بقديد عشرا- ثم مالوا إلى مياه من نحو البحر ضلوا الطريق- فأقاموا بها يوما- فنحر لهم شيبة بن ربيعة تسعا- ثم أصبحوا بالأبواء فنحر لهم قيس الجمحي تسعا- ثم نحر عتبة عشرا- و نحر لهم الحارث بن عمرو تسعا- ثم نحر لهم أبو البختري على ماء بدر عشرا- و نحر لهم مقيس بن ضبابة على ماء بدر تسعا- ثم شغلتهم الحرب- . قال الواقدي- و قد كان ابن أبي الزناد يقول- و الله ما أظن مقيسا كان يقدر على قلوص واحدة- . قال الواقدي- و أما أنا فلا أعرف قيسا الجمحي- قال و قد روت أم بكر- عن المسور بن مخرمة ابنها- قال كان النفر يشتركون في الإطعام- فينسب إلى الرجل الواحد و يسكت عن سائرهم- .
و روى محمد بن إسحاق- أن العباس بن عبد المطلب كان من المطعمين في بدر- و كذلك طعيمة بن عدي بن نوفل- كان يعتقب هو و حكيم و الحارث بن عامر بن نوفل- و كان أبو البختري يعتقب هو و حكيم بن حزام في الإطعام- و كان النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة- بن عبد مناف بن عبد الدار من المطعمين- قال و كان النبي ص يكره قتلالحارث بن عامر- قال يوم بدر- من ظفر به منكم فليتركه لأيتام بني نوفل- فقتل في المعركة
القول فيمن استشهد من المسلمين ببدر
قال الواقدي حدثني عبد الله بن جعفر- قال سألت الزهري كم استشهد من المسلمين ببدر- قال أربعة عشر- ستة من المهاجرين و ثمانية من الأنصار- . قال فمن بني المطلب بن عبد مناف- عبيدة بن الحارث قتله شيبة بن ربيعة- . و في رواية الواقدي قتله عتبة- فدفنه النبي ص بالصفراء- . و من بني زهرة عمير بن أبي وقاص- قتله عمرو بن عبد ود فارس الأحزاب- و عمير بن عبد ود ذو الشمالين- حليف لبني زهرة بن خزاعة- قتله أبو أسامة الجشمي- .
و من بني عدي بن كعب عاقل بن أبي البكير- حليف لهم من بني سعد بن بكر- قتله مالك بن زهير الجشمي- و مهجع مولى عمر بن الخطاب قتله عامر بن الحضرمي- و يقال إن مهجعا أول من قتل من المهاجرين- . و من بني الحارث بن فهر صفوان بن بيضاء- قتله طعيمة بن عدي- . و هؤلاء الستة من المهاجرين- . و من الأنصار ثم من بني عمرو بن عوف- مبشر بن عبد المنذر قتله أبو ثور- و سعد بن خيثمة قتله عمرو بن عبد ود- و يقال طعيمة بن عدي- و من بني عدي بن النجار حارثة بن سراقة- رماه حبان بن العرقة بسهم فأصاب حنجرته فقتله- . و من بني مالك بن النجار- عوف و معوذ ابنا عفراء- قتلهما أبو جهل- .
و من بني سلمة بن حرام- عمير بن الحمام بن الجموح- قتله خالد بن الأعلم العقيلي- و يقال إن عمير بن الحمام أول قتيل قتل من الأنصار- و قد روي أن أول قتيل منهم حارث بن سراقة- . و من بني زريق رافع بن المعلى- قتله عكرمة بن أبي جهل- . و من بني الحارث بن الخزرج- يزيد بن الحارث بن قسحم- قتله نوفل بن معاوية الديلي- . فهؤلاء الثمانية من الأنصار- .
قال الواقدي- و قد روي عن عكرمة عن ابن عباس- أن أنسة مولى النبي ص قتل ببدر- . و روي أن معاذ بن ماعص جرح ببدر- فمات من جراحته بالمدينة- و أن عبيد بن السكن جرح فاشتكى جرحه- فمات منه حين قدم
القول فيمن قتل ببدر من المشركين و أسماء قاتليهم
قال الواقدي- فمن بني عبد شمس بن عبد مناف- حنظلة بن أبي سفيان بن حرب- قتله علي بن أبي طالب ع- و الحارث بن الحضرمي قتله عمار بن ياسر- و عامر بن الحضرمي- قتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح- و عمير بن أبي عمير و ابنه موليان لهم- قتل سالم مولى أبي حذيفة منهم عمير بن أبي عمير- و لم يذكر الواقدي من قتل ابنه- و عبيدة بن سعيد بن العاص- قتله الزبير بن العوام- و العاص بن سعيد بن العاص- قتله علي بن أبي طالب ع- و عقبة بن أبي معيط- قتله عاصم بن ثابت صبرا بالسيف- بأمر رسول الله ص- .
و روى البلاذري- أن رسول الله ص صلبه بعد قتله- فكان أول مصلوب في الإسلام- قال و فيه يقول ضرار بن الخطاب- عين بكي لعقبة بن أبان فرع فهر و فارس الفرسان- . و عتبة بن ربيعة قتله حمزة بن عبد المطلب- و شيبة بن ربيعة قتله عبيدة بن الحارث- و حمزة و علي- الثلاثة اشتركوا في قتله- و الوليد بن عتبة بن ربيعة- قتله علي بن أبي طالب ع- و عامر بن عبد الله حليف لهم من أنمار- قتله علي بن أبي طالب ع- و قيل قتله سعد بن معاذ فهؤلاء اثنا عشر- .
و من بني نوفل بن عبد مناف الحارث بن نوفل- قتله خبيب بن يساف- و طعيمة بن عدي و يكنى أبا الريان- قتله حمزة بن عبد المطلب في رواية الواقدي- و قتله علي بن أبي طالب ع- في رواية محمد بن إسحاق- و روى البلاذري رواية غريبة- أن طعيمة بن عدي أسر يوم بدر- فقتله النبي ص صبرا على يد حمزة- فهؤلاء اثنان- . و من بني أسد بن عبد العزى- زمعة بن الأسود قتله أبو دجانة- و قيل قتله ثابت بن الجذع- و الحارث بن زمعة بن الأسود- قتله علي بن أبي طالب ع- و عقيل بن الأسود بن المطلب- قتله علي و حمزة شركا في قتله- .
قال الواقدي و حدثني أبو معشر- قال قتله علي بن أبي طالب ع وحده- و قيل قتله أبو داود المازني وحده- و أبو البختري و هو العاص بن هشام- قتله المجذر بن زياد- و قيل قتله أبو اليسر- و نوفل بن خويلد بن أسد بن عبد العزى- و هو ابن العدوية- قتله علي ع فهؤلاء خمسة- . و من بني عبد الدار بن قصي- النضر بن الحارث بن كلدة- قتله علي بن أبي طالب ع صبرا بالسيف- بأمر رسول الله ص- و كان الذي أسره المقداد بن عمرو- فوعد المقداد إن استنقذه بفداء جليل- فلما قدم ليقتل- قال المقداد يا رسول الله- إني ذو عيال و أحب الدين- فقال اللهم أغن المقداد من فضلك- يا علي قم فاضرب عنقه- و زيد بن مليص- مولى عمرو بن هاشم بن عبد مناف من عبد الدار- قتله علي بن أبي طالب ع- و قيل قتله بلال فهؤلاء اثنان- .
و من بني تيم بن مرة- عمير بن عثمان بن عمرو بن كعب- بن سعد بن تيم بن مرة- قتله علي بن أبي طالب ع- و عثمان بن مالك بن عبيد الله بن عثمان قتله صهيب- فهؤلاء اثنان- و لم يذكر البلاذري عثمان بن مالك- . و من بني مخزوم بن يقظة- ثم من بني المغيرة بن عبد الله بن عمير بن مخزوم- أبو جهل عمرو بن هشام بن المغيرة- ضربه معاذ بن عمرو بن الجموح- و معوذ و عوف ابنا عفراء- و ذفف عليه عبد الله بن مسعود- و العاص بن هاشم بن المغيرة خال عمر بن الخطاب- قتله عمرو بن يزيد بن تميم التميمي- حليف لهم قتله عمار بن ياسر- و قيل قتله علي ع- .
و من بني الوليد بن المغيرة- أبو قيس بن الوليد بن الوليد- أخو خالد بن الوليد- قتله علي بن أبي طالب ع- . و من بني الفاكه بن المغيرة- أبو قيس بن الفاكه بن المغيرة- قتله حمزة بن عبد المطلب- و قيل قتله الحباب بن المنذر- .
و من بني أمية بن المغيرة مسعود بن أبي أمية- قتله علي بن أبي طالب ع- .
و من بني عائذ بن عبد الله بن عمير بن مخزوم- ثم من بني رفاعة- أمية بن عائذ بن رفاعة بن أبي رفاعة- قتله سعد بن الربيع- و أبو المنذر بن أبي رفاعة- قتله معن بن عدي العجلاني- و عبد الله بن أبي رفاعة- قتله علي بن أبي طالب ع- و زهير بن أبي رفاعة قتله أبو أسيد الساعدي- و السائب بن أبي رفاعة قتله عبد الرحمن بن عوف- .
و من بني أبي السائب المخزومي- و هو صيفي بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم- السائب بن السائب قتله الزبير بن العوام- و الأسود بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم- قتله حمزة بن عبد المطلب- و حليف لهم من طيئ و هو عمرو بن شيبان- قتله يزيد بن قيس- و حليف آخر و هو جبار بن سفيان- أخو عمرو بن سفيان المقدم ذكره- قتله أبو بردة بن نيار- .
و من بني عمران بن مخزوم- حاجز بن السائب بن عويمر بن عائذ- قتله علي ع- . و روى البلاذري- أن حاجزا هذا و أخاه عويمر بن السائب بن عويمر- قتلهما علي بن أبي طالب ع- و عويمر بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم- قتله النعمان بن أبي مالك فهؤلاء تسعة عشر- . و من بني جمح بن عمرو بن هصيص أمية بن خلف- قتله خبيب بن يساف و بلال شركا فيه- .
قال الواقدي- و كان معاذ بن رفاعة بن رافع يقول- بل قتله أبو رفاعة بن رافع- .و علي بن أمية بن خلف قتله عمار بن ياسر- و أوس بن المغيرة بن لوذان- قتله علي ع و عثمان بن مظعون- شركا فيه فهؤلاء ثلاثة- .
و من بني سهم منبه بن الحجاج- قتله علي بن أبي طالب ع- و قيل قتله أبو أسيد الساعدي- و نبيه بن الحجاج قتله علي بن أبي طالب ع- و العاص بن منبه بن الحجاج قتله علي ع- و أبو العاص بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم- قتله أبو دجانة- قال الواقدي و حدثني أبو معشر عن أصحابه- قالوا قتله علي ع- و عاص بن أبي عوف بن صبيرة بن سعيد بن سعد- قتله أبو دجانة فهؤلاء خمسة و من بني عامر بن لؤي- ثم من بني مالك بن حسل- معاوية بن عبد قيس حليف لهم- قتله عكاشة بن محصن- و معبد بن وهب حليف لهم من كلب- قتله أبو دجانة فهؤلاء اثنان- .
فجميع من قتل ببدر- في رواية الواقدي من المشركين في الحرب صبرا- اثنان و خمسون رجلا- قتل علي ع منهم مع الذين شرك في قتلهم- أربعة و عشرين رجلا- و قد كثرت الرواية- أن المقتولين ببدر كانوا سبعين- و لكن الذين عرفوا و حفظت أسماؤهم من ذكرناه- و في رواية الشيعة أن زمعة بن الأسود بن المطلب- قتله علي- و الأشهر في الرواية أنه قتله الحارث بن زمعة- و أن زمعة قتله أبو دجانة
القول فيمن شهد بدرا من المسلمين
قال الواقدي كانوا ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا- مع القوم الذين ضرب لهم رسول الله ص- بسهامهم و هم غائبون و عدتهم ثمانية- قال و هذا هو الأغلب في الرواية-قال و لم يشهد بدرا من المسلمين- إلا قرشي أو حليف لقرشي- أو أنصاري أو حليف لأنصاري- أو مولى واحد منهما- و هكذا من جانب المشركين- فإنه لم يشهدها إلا قرشي أو حليف لقرشي أو مولى لهم- . قال فكانت قريش و مواليها و حلفاؤها- ستة و ثمانين رجلا- و كانت الأنصار و مواليها و حلفاؤها- مائتين و سبعة و عشرين رجلا- . فأما تفصيل أسماء من شهدها من المسلمين- فله موضع في كتب المحدثين- أملك به من هذا الموضع
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 14