63 و من كتاب له ع إلى أبي موسى الأشعري
و هو عامله على الكوفة- و قد بلغه عنه تثبيطه الناس عن الخروج إليه- لما ندبهم لحرب أصحاب الجمل- مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ- أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ قَوْلٌ هُوَ لَكَ وَ عَلَيْكَ- فَإِذَا قَدِمَ عَلَيْكَ رَسُولِي فَارْفَعْ ذَيْلَكَ- وَ اشْدُدْ مِئْزَرَكَ وَ اخْرُجْ مِنْ جُحْرِكَ وَ انْدُبْ مَنْ مَعَكَ- فَإِنْ حَقَّقْتَ فَانْفُذْ وَ إِنْ تَفَشَّلْتَ فَابْعُدْ- وَ ايْمُ اللَّهِ لَتُؤْتَيَنَّ مِنْ حَيْثُ أَنْتَ- وَ لَا تُتْرَكُ حَتَّى يُخْلَطَ زُبْدُكَ بِخَاثِرِكَ- وَ ذَائِبُكَ بِجَامِدِكَ- وَ حَتَّى تُعْجَلُ عَنْ قِعْدَتِكَ- وَ تَحْذَرَ مِنْ أَمَامِكَ كَحَذَرِكَ مِنْ خَلْفِكَ- وَ مَا هِيَ بِالْهُوَيْنَى الَّتِي تَرْجُو- وَ لَكِنَّهَا الدَّاهِيَةُ الْكُبْرَى- يُرْكَبُ جَمَلُهَا وَ يُذَلُّ صَعْبُهَا وَ يُسَهَّلُ جَبَلُهَا- فَاعْقِلْ عَقْلَكَ وَ امْلِكْ أَمْرَكَ وَ خُذْ نَصِيبَكَ وَ حَظَّكَ- فَإِنْ كَرِهْتَ فَتَنَحَّ إِلَى غَيْرِ رَحْبٍ وَ لَا فِي نَجَاةٍ- فَبِالْحَرِيِّ لَتُكْفَيَنَّ وَ أَنْتَ نَائِمٌ حَتَّى لَا يُقَالَ أَيْنَ فُلَانٌ- وَ اللَّهِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مَعَ مُحِقٍّ وَ مَا يُبَالِي مَا صَنَعَ الْمُلْحِدُونَ- وَ السَّلَامُ المراد بقوله قول هو لك و عليك- أن أبا موسى كان يقول لأهل الكوفة- إن عليا إمام هدى و بيعته صحيحة- ألا إنه لا يجوز القتال معه لأهل القبلة- و هذا القول بعضه حق و بعضه باطل- .
و قوله فارفع ذيلك- أي شمر للنهوض معي و اللحاق بي- لنشهد حرب أهل البصرة- و كذلك قوله و اشدد مئزرك- و كلتاهما كنايتان عن الجد و التشمير في الأمر- . قال و اخرج من جحرك- أمر له بالخروج من منزله للحاق به- و هي كناية فيها غض من أبي موسى و استهانة به- لأنه لو أراد إعظامه لقال و اخرج من خيسك- أو من غيلك كما يقال للأسد- و لكنه جعله ثعلبا أو ضبا- .
قال و اندب من معك- أي و اندب رعيتك من أهل الكوفة- إلى الخروج معي و اللحاق بي- . ثم قال و إن تحققت فانفذ- أي أمرك مبني على الشك- و كلامك في طاعتي كالمتناقض- فإن حققت لزوم طاعتي لك فانفذ- أي سر حتى تقدم علي- و إن أقمت على الشك فاعتزل العمل فقد عزلتك- . قوله و ايم الله لتؤتين- معناه إن أقمت على الشك و الاسترابة- و تثبيط أهل الكوفة عن الخروج إلي و قولك لهم- لا يحل لكم سل السيف لا مع علي و لا مع طلحة- و الزموا بيوتكم و اكسروا سيوفكم ليأتينكم- و أنتم في منازلكم بالكوفة أهل البصرة مع طلحة- و نأتينكم نحن بأهل المدينة و الحجاز- فيجتمع عليكم سيفان من أمامكم و من خلفكم- فتكون ذلك الداهية الكبرى التي لا شواة لها- .
قوله و لا تترك حتى يخلط زبدك بخاثرك- تقول للرجل إذا ضربته حتى أثخنته- لقد ضربته حتى خلطت زبده بخاثره- و كذلك حتى خلطت ذائبه بجامده- و الخاثر اللبن الغيظ و الزبد خلاصة اللبن و صفوته- فإذا أثخنت الإنسان ضربا كنت كأنك خلطت ما رق- و لطف من أخلاطه بما كثف و غلظ منها- و هذا مثل و معناه لتفسدن حالك و لتخلطن- و ليضربن ما هو الآن منتظم من أمرك- . قوله و حتى تعجل عن قعدتك- القعدة بالكسر هيئة القعود كالجلسة و الركبة- أي و ليعجلنك الأمر عن هيئة قعودك- يصف شدة الأمر و صعوبته- .
قوله و تحذر من أمامك كحذرك من خلفك- يعني يأتيك من خلفك- إن أقمت على منع الناس عن الحرب معنا- و معهم أهل البصرة و أهل المدينة- فتكون كما قال الله تعالى- إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ- . قوله و ما هي بالهوينى التي ترجو- الهوينى تصغير الهونى التي هي أنثى أهون- أي ليست هذه الداهية و الجائحة- التي أذكرها لك بالشيء الهين- الذي ترجو اندفاعه و سهولته- . ثم قال بل هي الداهية الكبرى ستفعل لا محالة- إن استمررت على ما أنت عليه- و كنى عن قوله ستفعل لا محالة- بقوله يركب جملها و ما بعده- و ذلك لأنها إذا ركب جملها- و ذلل صعبها و سهل وعرها فقد فعلت- أي لا تقل هذا أمر عظيم صعب المرام- أي قصد الجيوش من كلا الجانبين الكوفة- فإنه إن دام الأمر على ما أشرت إلى أهل الكوفة- من التخاذل و الجلوس في البيوت- و قولك لهم كن عبد الله المقتول- لنقعن بموجب ما ذكرته لك- و ليرتكبن أهل الحجاز و أهل البصرة- هذا الأمر المستصعب- لأنا نحن نطلب أن نملك الكوفة- و أهل البصرة كذلك- فيجتمع عليها الفريقان- .
ثم عاد إلى أمره بالخروج إليه فقال له- فاعقل عقلك و املك أمرك و خذ نصيبك و حظك- أي من الطاعة و اتباع الإمام الذي لزمتك بيعته- فإن كرهت ذلك فتنح عن العمل فقد عزلتك- و ابعد عنا لا في رحب أي لا في سعة- و هذا ضد قولهم مرحبا- . ثم قال فجدير أن تكفى ما كلفته- من حضور الحرب و أنت نائم- أي لست معدودا عندنا و لا عند الناس من الرجال- الذين تفتقر الحروب و التدبيرات إليهم- فسيغني الله عنك و لا يقال أين فلان- . ثم أقسم إنه لحق أي إني في حرب هؤلاء لعلى حق- و إن من أطاعني مع إمام محق ليس يبالي ما صنع الملحدون- و هذا إشارة إلى قول النبي ص اللهم أدر الحق معه حيثما دار
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 17