و من كتاب له عليه السّلام إلى معاوية
إِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَ عُثْمَانَ- عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ- فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ- وَ لَا لِلْغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ- وَ إِنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ- فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وَ سَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذَلِكَ لِلَّهِ رِضًا- فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ- بِطَعْنٍ أَوْ بِدْعَةٍ رَدُّوهُ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ- فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ- وَ وَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى- وَ لَعَمْرِي يَا مُعَاوِيَةُ لَئِنْ نَظَرْتَ بِعَقْلِكَ دُونَ هَوَاكَ- لَتَجِدَنِّي أَبْرَأَ النَّاسِ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ- وَ لَتَعْلَمَنَّ أَنِّي كُنْتُ فِي عُزْلَةٍ عَنْهُ- إِلَّا أَنْ تَتَجَنَّى فَتَجَنَّ مَا بَدَا لَكَ وَ السَّلَامُ
أقول: هذا الفصل من كتاب كتبه إلى معاوية مع جرير بن عبد اللّه البجليّ حين نزعه من همدان. و صدره: أمّا بعد فإنّ بيعتى يا معاوية لزمتك و أنت بالشام لأنّه بايعنى القوم. ثمّ يتلو إلى قوله: و ولّاه اللّه ما تولّى. و يتّصل بها أن قال: و أنّ طلحة و الزبير بايعانى ثمّ نقضا بيعتى و كان نقضهما كردّتهما فجاهدتهما على ذلك حتّى جاء الحقّ و ظهر أمر اللّه و هم كارهون. فادخل يا معاوية فيما دخل فيه المسلمون فإنّ أحبّ الامور إلىّ فيك العافية إلّا أن تتعرّض للبلاء.
فإن تعرّضت له قاتلتك و استعنت اللّه عليك: و قد أكثرت في قتل عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس ثم حاكم القوم إنّى أحملك و إيّاهم على كتاب اللّه، و أمّا هاتيك الّتي تريدها فمن خدعة الصبىّ عن اللبن. ثمّ يتّصل به قوله: و لعمرى. إلى قوله: ما بدا لك. ثمّ يتّصل به: و اعلم أنّك من الطلقاء الّذين لا تحلّ لهم الخلافة و لا تعرض فيهم الشورى. و قد أرسلت إليك و إلى من قبلك جرير بن عبد اللّه و هو من أهل الايمان و الهجرة فبايع و لا قوّة إلّا باللّه.
اللغة
العزلة: الاسم من الاعتزال. و التجنّى أن يدّعى عليك ذنب لم تفعله.
المعنى
فقوله: أمّا بعد. إلى قوله: الشام.
صورة الدعوى.
و قوله: إنّه بايعنى. إلى قوله: عليه. صورة صغرى قياس ضمير من الشكل الأوّل يستنتج منه ملزوم تلك الدعوى لغاية صدقها بصدق ملزومها، و تقدير الكبرى: و كلّ من بايعه هؤلاء القوم فليس لمن شهد بيعتهم أن يختار غير من بايعوه و لا للغائب عنها أن يردّها ينتج أنّه ليس لأحد ممّن حضر أو غاب أن يردّ بيعتهم له، و ذلك يستلزم كونها لازمة لمن حضر أو غاب و هذه النتيجة هي قوله: فلم يكن. إلى قوله: يردّ. و قوله: و إنّما. إلى قوله: تولّى. تقرير لكبرى القياس و حصر للشورى و الإجماع في المهاجرين و الأنصار لأنّهم أهل الحلّ و العقد من امّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فإذا اتّفقت كلمتهم على حكم من الأحكام كاجتماعهم على بيعته و تسميته إماما كان ذلك إجماعا حقّا هو رضى اللّه: أى مرضىّ له، و سبيل المؤمنين الّذى يجب اتّباعه. فإن خالف أمرهم و خرج عنه بطعن فيهم أو فيمن أجمعوا عليه كخلاف معاوية و طعنه فيه عليه السّلام بقتل عثمان و نحوه، أو ببدعة كخلاف أصحاب الجمل و بدعتهم في نكث بيعته ردّوه إلى ما خرج عنه فإن أبى قاتلوه على اتّباعه غير سبيل المؤمنين حتّى يرجع إليه و ولّاه اللّه ما تولّى و أصلاه جهنّم و ساءت مصيرا. ثمّ أقسم أنّه على تقدير نظره بعقله دون هواه يجده أبرء الناس من دم عثمان و أنّه كان حين قتله في عزلة عنه. و الملازمة واضحة فإنّ القتل إمّا بفعل أو بقول و لم ينقل عن عليّ عليه السّلام في أمر عثمان إلّا أنّه لزم بيته و انعزل عنه بعد أن دافع عنه طويلا بيده و لسانه فلم يمكن الدفع. و قوله: إلّا أن تتجنّى. إلى آخره. استثناء منقطع: أي إلّا أن يدّعى علىّ ذنبا لم أفعله فادّع ما بدا لك: أي ما ظهر في خيالك من الذنوب و الجنايات فإنّ ذلك باب مفتوح لكلّ امّة [أحد خ] و محلّ- ما- النصب بالمفعوليّة و إنّما احتجّ عليهم بالإجماع و الاختيار هنا على حسب اعتقاد القوم أنّه المعتبر في نصب الإمام. إذ لم يكن عندهم أنّه منصوص عليه. و لو ادّعى ذلك لم يسلّم له. و باللّه التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحرانی)، ج 4 ، صفحهى 354