55 و من كتاب له ع إلى معاوية
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الدُّنْيَا لِمَا بَعْدَهَا- وَ ابْتَلَى فِيهَا أَهْلَهَا لِيَعْلَمَ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا- وَ لَسْنَا لِلدُّنْيَا خُلِقْنَا وَ لَا بِالسَّعْيِ فِيهَا أُمِرْنَا- وَ إِنَّمَا وُضِعْنَا فِيهَا لِنُبْتَلَي بِهَا- وَ قَدِ ابْتَلَانِي اللَّهُ بِكَ وَ ابْتَلَاكَ بِي- فَجَعَلَ أَحَدُنَا حُجَّةً عَلَى الآْخَرِ- فَعَدَوْتَ عَلَى طَلَبِ الدُّنْيَا بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ- وَ طَلَبْتَنِي بِمَا لَمْ تَجْنِ يَدِي وَ لَا لِسَانِي- وَ عَصَبْتَهُ أَنْتَ وَ أَهْلُ الشَّامِ بِي- وَ أَلَّبَ عَالِمُكُمْ جَاهِلَكُمْ وَ قَائِمُكُمْ قَاعِدَكُمْ- فَاتَّقِ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ وَ نَازِعِ الشَّيْطَانَ قِيَادَكَ- وَ اصْرِفْ إِلَى الآْخِرَةِ وَجْهَكَ- فَهِيَ طَرِيقُنَا وَ طَرِيقُكَ- وَ احْذَرْ أَنْ يُصِيبَكَ اللَّهُ مِنْهُ بِعَاجِلِ قَارِعَةٍ- تَمَسُّ الْأَصْلَ وَ تَقْطَعُ الدَّابِرَ- فَإِنِّي أُولِي لَكَ بِاللَّهِ أَلِيَّهً غَيْرَ فَاجِرَةٍ- لَئِنْ جَمَعَتْنِي وَ إِيَّاكَ جَوَامِعُ الْأَقْدَارِ لَا أَزَالُ بِبَاحَتِكَ- حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَ هُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ قال ع إن الله قد جعل الدنيا لما بعدها- أي جعلها طريقا إلى الآخرة- . و من الكلمات الحكمية- الدنيا قنطرة فاعبروها و لا تعمروها- و ابتلي فيها أهلها أي اختبرهم ليعلم أيهم أحسن عملا- و هذا من ألفاظ القرآن العزيز- و المراد ليعلم خلقهأو ليعلم ملائكته و رسله- فحذف المضاف- و قد سبق ذكر شيء يناسب ذلك فيما تقدم- قال و لسنا للدنيا خلقنا أي لم نخلق للدنيا فقط- .
قال و لا بالسعي فيها أمرنا- أي لم نؤمر بالسعي فيها لها- بل أمرنا بالسعي فيها لغيرها- . ثم ذكر أن كل واحد منه و من معاوية مبتلى بصاحبه- و ذلك كابتلاء آدم بإبليس و إبليس بآدم- . قال فغدوت على طلب الدنيا بتأويل القرآن- أي تعديت و ظلمت- و على هاهنا متعلقة بمحذوف دل عليه الكلام- تقديره مثابرا على طلب الدنيا أو مصرا على طلب الدنيا- و تأويل القرآن ما كان معاوية يموه به على أهل الشام- فيقول لهم أنا ولي عثمان و قد قال الله تعالى- وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً- . ثم يعدهم الظفر و الدولة على أهل العراق بقوله تعالى- فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً- . قوله و عصبته أنت و أهل الشام- أي ألزمتنيه كما تلزم العصابة الرأس- و ألب عالمكم جاهلكم أي حرض- . و القياد حبل تقاد به الدابة- . قوله و احذر أن يصيبك الله منه بعاجل قارعة- الضمير في منه راجع إلى الله تعالى- و من لابتداء الغاية- .
و قال الراوندي منه أي من البهتان الذي أتيته- أي من أجله و من للتعليل- و هذا بعيد و خلاف الظاهر- . قوله تمس الأصل أي تقطعه- و منه ماء ممسوس أي يقطع الغلة- و يقطع الدابر أي العقب و النسل- . و الألية اليمين- و باحة الدار وسطها و كذلك ساحتها- و روي بناحيتك- . قوله بعاجل قارعة و جوامع الأقدار- من باب إضافة الصفة إلى الموصوف للتأكيد- كقوله تعالى وَ إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 17