google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
50 نامه ها شرح ابن میثمنامه ها شرح ابن میثم(متن عربی)

نامه 52 شرح ابن میثم بحرانی

و من عهد له عليه السّلام كتبه للأشتر النخعي رحمه اللّه، لما ولاه على مصر و اعمالها حين اضطراب أمر محمد بن أبى بكر،

و هو أطول عهد و أجمع كتبه للمحاسن أقول: هو مالك بن الحرث الأشتر النخعيّ من اليمن، و كان من أكابر أصحابه عليه السّلام ذوى النجدة، و الشجاعة الّذين عليهم عمدته في الحروب، و روى أنّ الطرمّاح لمّا دخل على معاوية قال له: قل لابن أبي طالب: إنّى جمعت من العساكر بعدد حبّ جاورس الكوفة و ها أنا قاصده. فقال له الطرمّاح: إنّ لعليّ عليه السّلام ديكا أشتر يلتقط جميع ذلك. فأنكسر معاوية من قوله. و في العهد فصول:

الفصل الأوّل

قوله: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ- هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ- مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ- حِينَ وَلَّاهُ مِصْرَ جِبَايَةَ خَرَاجِهَا وَ جِهَادَ عَدُوِّهَا- وَ اسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا وَ عِمَارَةَ بِلَادِهَا- أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ وَ إِيْثَارِ طَاعَتِهِ- وَ اتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ‏ وَ سُنَنِهِ- الَّتِي لَا يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلَّا بِاتِّبَاعِهَا- وَ لَا يَشْقَى إِلَّا مَعَ جُحُودِهَا وَ إِضَاعَتِهَا- وَ أَنْ يَنْصُرَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِقَلْبِهِ وَ يَدِهِ وَ لِسَانِهِ- فَإِنَّهُ جَلَّ اسْمُهُ قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ وَ إِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ- وَ أَمَرَهُ أَنْ يَكْسِرَ نَفْسَهُ مِنَ الشَّهَوَاتِ- وَ يَزَعَهَا عِنْدَ الْجَمَحَاتِ- فَإِنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ اللَّهُ

اللغة
أقول: يزعها: يكفّها.

المعنى
و صدّر عليه السّلام هذا العهد بذكر امور هي غرض الولاية
و بها يكون نظام الأمر فمنها ما يعود إلى منفعة الوالى و هو جبوة الخراج، و منها ما يعود إلى الرعيّة و هي جهاد عدوّهم و استصلاحهم بالسياسة و حسن الرعى، و منها ما يعود إليهما و هو عمارة البلاد و لو احقها.
ثمّ أمره بأوامر خمسة يعود إلى إصلاح نفسه أوّلا:

أحدها: تقوى اللّه
و خشيته، و قد سبق بيان كونها أصلا لكلّ فضيلة.

الثاني: اتّباع أوامره في كتابه من فرائضه و سننه.
و رغّب في ذلك بقوله: لا يسعد. إلى قوله: إضاعتها. و تكرّر بيان ذلك.

الثالث: أن ينصر اللّه سبحانه بيده و قلبه و لسانه
في جهاد العدوّ. و إنكار المنكرات. و رغّب في ذلك بقوله: قد تكفّل. إلى قوله: أعزّه. كقوله تعالى إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ«».

الرابع، أن يكسر من نفسه عند الشهوات.
و هو أمر بفضيلة العفّة.

الخامس: أن يكفّها و يقاومها عند الجمحات.
و هو أمر بفضيلة الصبر عن اتّباع الهوى و هو فضيلة تحت العفّة، و حذّر من النفس بقوله: فإنّ النفس. إلى‏ آخره، و هو من قوله تعالى إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ«» الآية. و- ما- بمعنى- من- و هى نصب على الاستثناء: أي إلّا نفسا رحمها اللّه.

الفصل الثاني: في أوامره و وصاياه بالأعمال الصالحة المتعلّقة بأحوال الولاية و تدبير الملك و المدينة

و ذلك قوله: ثُمَّ اعْلَمْ يَا مَالِكُ- أَنِّي قَدْ وَجَّهْتُكَ إِلَى بِلَادٍ قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ- مِنْ عَدْلٍ وَ جَوْرٍ- وَ أَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ- فِي مِثْلِ مَا كُنْتَ تَنْظُرُ فِيهِ مِنْ أُمُورِ الْوُلَاةِ قَبْلَكَ- وَ يَقُولُونَ فِيكَ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِيهِمْ- وَ إِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحِينَ- بِمَا يُجْرِي اللَّهُ لَهُمْ عَلَى أَلْسُنِ عِبَادِهِ- فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ- فَامْلِكْ هَوَاكَ وَ شُحَّ بِنَفْسِكَ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَكَ- فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الْإِنْصَافُ مِنْهَا فِيمَا أَحَبَّتْ أَوْ كَرِهَتْ وَ أَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ- وَ الْمَحَبَّةَ لَهُمْ وَ اللُّطْفَ بِهِمْ- وَ لَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ- فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ- وَ إِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ- يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ وَ تَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ- وَ يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الْعَمْدِ وَ الْخَطَإِ- فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَ صَفْحِكَ- مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وَ تَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَ صَفْحِهِ- فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ وَ وَالِي الْأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ- وَ اللَّهُ فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ- وَ قَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ وَ ابْتَلَاكَ بِهِمْ- وَ لَا تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللَّهِ- فَإِنَّهُ لَا يَدَيْ لَكَ بِنِقْمَتِهِ- وَ لَا غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَ رَحْمَتِهِ- وَ لَا تَنْدَمَنَّ عَلَى عَفْوٍ وَ لَا تَبْجَحَنَّ بِعُقُوبَةٍ- وَ لَا تُسْرِعَنَّ إِلَى بَادِرَةٍ وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً- وَ لَا تَقُولَنَّ إِنِّي مُؤَمَّرٌ آمُرُ فَأُطَاعُ- فَإِنَّ ذَلِكَ إِدْغَالٌ فِي الْقَلْبِ- وَ مَنْهَكَةٌ لِلدِّينِ وَ تَقَرُّبٌ مِنَ الْغِيَرِ- وَ إِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَةً أَوْ مَخِيلَةً- فَانْظُرْ إِلَى عِظَمِ مُلْكِ اللَّهِ فَوْقَكَ- وَ قُدْرَتِهِ مِنْكَ عَلَى مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِكَ- فَإِنَّ ذَلِكَ يُطَامِنُ إِلَيْكَ مِنْ طِمَاحِكَ- وَ يَكُفُّ عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ- وَ يَفِي‏ءُ إِلَيْكَ بِمَا عَزَبَ عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ- إِيَّاكَ وَ مُسَامَاةَ اللَّهِ فِي عَظَمَتِهِ وَ التَّشَبُّهَ بِهِ فِي جَبَرُوتِهِ- فَإِنَّ اللَّهَ يُذِلُّ كُلَّ جَبَّارٍ وَ يُهِينُ كُلَّ مُخْتَالٍ أَنْصِفِ اللَّهَ وَ أَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ- وَ مِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ- وَ مَنْ لَكَ فِيهِ هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ- فَإِنَّكَ إِلَّا تَفْعَلْ تَظْلِمْ- وَ مَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ كَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ- وَ مَنْ خَاصَمَهُ اللَّهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ- وَ كَانَ لِلَّهِ حَرْباً حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ- وَ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّهِ وَ تَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ- مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ- فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ- وَ هُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ- وَ لْيَكُنْ أَحَبَّ الْأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ- وَ أَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ وَ أَجْمَعُهَا لِرِضَا الرَّعِيَّةِ- فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَا الْخَاصَّةِ- وَ إِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَا الْعَامَّةِ- وَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَئُونَةً فِي الرَّخَاءِ- وَ أَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلَاءِ- وَ أَكْرَهَ لِلْإِنْصَافِ وَ أَسْأَلَ بِالْإِلْحَافِ- وَ أَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الْإِعْطَاءِ وَ أَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ- وَ أَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ- مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ- وَ إِنَّمَا عِمَادُ الدِّينِ وَ جِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ- وَ الْعُدَّةُ لِلْأَعْدَاءِ الْعَامَّةُ مِنَ الْأُمَّةِ- فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ وَ مَيْلُكَ مَعَهُمْ وَ لْيَكُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ وَ أَشْنَأَهُمْ عِنْدَكَ- أَطْلَبُهُمْ لِمَعَايِبِ النَّاسِ- فَإِنَّ فِي النَّاسِ عُيُوباً الْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا- فَلَا تَكْشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنْكَ مِنْهَا- فَإِنَّمَا عَلَيْكَ تَطْهِيرُ مَا ظَهَرَ لَكَ- وَ اللَّهُ يَحْكُمُ عَلَى مَا غَابَ عَنْكَ- فَاسْتُرِ الْعَوْرَةَ مَا اسْتَطَعْتَ- يَسْتُرِ اللَّهُ مِنْكَ مَا تُحِبُّ سَتْرَهُ مِنْ رَعِيَّتِكَ- أَطْلِقْ عَنِ النَّاسِ عُقْدَةَ كُلِّ حِقْدٍ- وَ اقْطَعْ عَنْكَ سَبَبَ كُلِّ وِتْرٍ- وَ تَغَابَ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَضِحُ لَكَ- وَ لَا تَعْجَلَنَّ إِلَى تَصْدِيقِ سَاعٍ- فَإِنَّ السَّاعِيَ غَاشٌّ وَ إِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ- وَ لَا تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلًا يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ- وَ يَعِدُكَ الْفَقْرَ- وَ لَا جَبَاناً يُضْعِفُكَ عَنِ الْأُمُورِ- وَ لَا حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَهَ بِالْجَوْرِ- فَإِنَّ الْبُخْلَ وَ الْجُبْنَ وَ الْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى- يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ‏ إِنَّ شَرَّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلْأَشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً- وَ مَنْ شَرِكَهُمْ فِي الْآثَامِ فَلَا يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً- فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الْأَثَمَةِ وَ إِخْوَانُ الظَّلَمَةِ- وَ أَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ- مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَ نَفَاذِهِمْ- وَ لَيْسَ عَلَيْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ وَ أَوْزَارِهِمْ وَ آثَامِهِمْ- مِمَّنْ لَمْ يُعَاوِنْ ظَالِماً عَلَى ظُلْمِهِ وَ لَا آثِماً عَلَى إِثْمِهِ- أُولَئِكَ أَخَفُّ عَلَيْكَ مَئُونَةً وَ أَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً- وَ أَحْنَى عَلَيْكَ عَطْفاً وَ أَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلْفاً- فَاتَّخِذْ أُولَئِكَ خَاصَّةً لِخَلَوَاتِكَ وَ حَفَلَاتِكَ- ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ- وَ أَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيمَا يَكُونُ مِنْكَ مِمَّا كَرِهَ اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ- وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ هَوَاكَ حَيْثُ وَقَعَ وَ الْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ وَ الصِّدْقِ- ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَى أَلَّا يُطْرُوكَ- وَ لَا يَبْجَحُوكَ بِبَاطِلٍ لَمْ تَفْعَلْهُ- فَإِنَّ كَثْرَةَ الْإِطْرَاءِ تُحْدِثُ الزَّهْوَ وَ تُدْنِي مِنَ الْعِزَّةِ- وَ لَا يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ وَ الْمُسِي‏ءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ- فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَزْهِيداً لِأَهْلِ الْإِحْسَانِ فِي الْإِحْسَانِ- وَ تَدْرِيباً لِأَهْلِ الْإِسَاءَةِ عَلَى الْإِسَاءَةِ- وَ أَلْزِمْ كُلًّا مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ وَ اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ بِأَدْعَى- إِلَى حُسْنِ ظَنِّ رَاعٍ بِرَعِيَّتِهِ- مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ وَ تَخْفِيفِهِ الْمَئُونَاتِ عَلَيْهِمْ- وَ تَرْكِ اسْتِكْرَاهِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا لَيْسَ لَهُ قِبَلَهُمْ- فَلْيَكُنْ مِنْكَ فِي ذَلِكَ أَمْرٌ- يَجْتَمِعُ لَكَ بِهِ حُسْنُ الظَّنِّ بِرَعِيَّتِكَ- فَإِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ يَقْطَعُ عَنْكَ نَصَباً طَوِيلًا- وَ إِنَّ أَحَقَّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ حَسُنَ بَلَاؤُكَ عِنْدَهُ- وَ إِنَّ أَحَقَّ مَنْ سَاءَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ سَاءَ بَلَاؤُكَ عِنْدَهُ- وَ لَا تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هَذِهِ الْأُمَّةِ- وَ اجْتَمَعَتْ بِهَا الْأُلْفَةُ وَ صَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ- وَ لَا تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ- فَيَكُونَ الْأَجْرُ لِمَنْ سَنَّهَا- وَ الْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا- وَ أَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ وَ مُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ- فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلَادِكَ- وَ إِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ

اللغة

أقول: الضاري: المعتاد للصيد، الجرى‏ء عليه. و الصفح: الإعراض عن الذنب. و البجح- بسكون الجيم- : الفرح و السرور. و البادرة: الحدّة. و المندوحة: السعة. و الإدغال: إدخال الفساد في الأمر. و النهك: الضعف. و الأبّهة، و المخيلة: الكبر و يطا من. يسكن: و طماح النفس: جماحها. و طمح البصر: ارتفع. و غرب الفرس: حدّته، و أوّل جريه، و المساماة: مفاعلة من السموّ. و الجبروت: الكبر العظيم. و أدحض حجّته: أبطلها. و ينزع: يرجع. و أجحف به: ذهب به. و الإلحاف: شدّة السؤال. و ملمّات الدهر: ما يلمّ من خطوبه. و جماع المسلمين: جمعهم. و الصغوة: الميل. و أشنأهم: أبغضهم و الوتر: الحقد. و التغابي: التجاهل و التغافل و بطانة الرجل: خاصّته و الآصار: الآثام. و حفلاتك: أى جلساتك في المحافل و المجامع. و الإطراء: المدح البالغ. و الزهو: الكبر. و التدريب: التعويد. و المنافثة: المحادثة.

المعنى

و اعلم أنّ مدار هذا الفصل لمّا كان على أمره بالعمل الصالح في البلاد و العباد نبّهه أوّلا على بعض العلل الغائيّة من ذلك، و هو الذكر الجميل في العقبى و الكون من الصالحين ليعمل له، و ذلك بقوله: إنّي قد وجهّتك. إلى قوله: تقول فيهم. و هو في قوّة صغرى ضمير تقديرها: إنّك موجّه إلى بلدة حالها كذا و كذا و حال الناس في فعلك بها كذا، و تقدير الكبرى: و كلّ من كان وجّه إلى بلدة كذلك و كان الناس ينظرون من أمره مثل ما كان ينظر قبله من أمر الولاة و يقولون فيه مثل ما كان يقول فيهم فيجب عليه أن يكون أحبّ الامور إليه العمل الصالح ليحصل منه الذكر الجميل بين الناس الدالّ على كون المذكور عند اللّه من الصالحين، و نبّه على تلك الدلالة بقوله: و إنّما يستدلّ على الصالحين بما يجرى اللّه لهم على ألسن عباده. و في نسبة إجراء القول إلى اللّه ترغيب عظيم في تحصيل الذكر الجميل.

ثمّ أعقب ذلك بأمره أن يجعل العمل الصالح أحبّ الذخائر إليه، و استعار له لفظ الذخيرة باعتبار أن يحصله في الدنيا لغاية الانتفاع به في العقبى كالذخيرة.
و لمّا أمره بالعمل الصالح إجمالا شرع في تفصيله و ذكر أنواعا:

أحدها: أن يملك هواه في شهوته و غضبه فلا يتّبعهما
و يشحّ بنفسه عمّا لا يحلّ لها من المحرّمات.
و قوله: فإنّ الشحّ. إلى قوله: كرهت. تفسير لذلك الشحّ بما يلازمه و هو الانصاف و الوقوف على حدّ العدل في المحبوب فلا يقوده شهوته إلى حدّ الإفراط فيقع في رذيلة الفجور، و في دفع المكروه فلا يقوده غضبه إلى طرف الإفراط من فضيلة العدل فيقع في رذيلة الظلم و التهوّر.
و ظاهر أنّ ذلك شحّ بالنفس و بخل بها عن إلقائها في مهاوى الهلاك.

الثاني: أن يشعر قلبه الرحمة للرعيّة و المحبّة و اللطف بهم.
و هي فضائل تحت ملكة العفّة: أى اجعل هذه الفضائل شعارا لقلبك. و لفظا الشعار و السبع مستعاران. و أشار إلى وجه استعارة السبع بقوله: تغتنم أكلهم.

الثالث: أن يعفو و يصفح عنهم،
و هو فضيلة تحت الشجاعة. و قوله: فإنّهم. إلى قوله: في الخلق.

بيان لسببين من أسباب الرحمة لهم و اللطف بهم. و قوله: يفرط منهم الزلل. إلى قوله: و الخطاء. تفسير للمثليّة و هي السبب الثاني، و الكلام في قوّة صغرى ضمير في حسن العفو و الصفح، و أراد بالعلل الّتي تعرض لهم الامور المشغلة الصارفة لهم عمّا ينبغي من إجراء أوامر الوالي على وجوهها. و قوله: و يؤتى على أيديهم. كناية عن كونهم غير معصومين بل هم ممّن يؤتون من قبل العمد و الخطاء، و تأتي على أيديهم أوامر الولاة و المؤاخذات فيما يقع منهم من عمد أو خطاء، و تقدير الكبرى: و كلّ من كان كذلك فينبغي أن يرحم و يشمل بالمحبّة ذو اللطف به و يقابل خطأه بالعفو و الصفح. و في أمره بإعطاء العفو مثل الّذي يجب أن يعطيه اللّه من عفوه أتمّ ترغيب في العفو و أقوى جاذب إليه، و كذلك قوله: فإنّك فوقهم.
إلى قوله: و ابتلاك بهم. تخويف من اللّه في معرض الأمر بالعفو و اللطف، و هو صغرى ضمير آخر في ذلك.

الرابع: نهاه أن ينصب نفسه لحرب اللّه.
و كنّى بحربه عن الغلظة على عباده و ظلمهم و مبارزته تعالى فيهم بالمعصية. و قوله: فإنّه لا يدي لك. إلى قوله: و رحمته. صغرى ضمير نبّه به على أنّه لا يجوز ظلم عباد اللّه و محاربته، و كنّى بعدم اليدين عن عدم القدرة. يقال: مالى بهذا الأمر يد. إذا كان ممّا لا يطاق. و حذف النون من يدين لمضارعة المضاف، و قيل: لكثرة الاستعمال، و تقدير الكبرى: و كلّ من كان كذلك فلا يجوز أن ينصب لحرب اللّه بظلم عباده.

الخامس: نهاه عن الندم على العفو. و عن التبجّح بعقوبة الغير و التسرّع إلى الغضب الّذي يجد منه مندوحة
فإنّ ذلك كلّه من لوازم إعطاء القوّة الغضبيّة قيادها. و قد علمت أنّها شيطان تقود إلى النار.

السادس: نهاه أن يأمر بما لا ينبغي الأمر به و يخالف الدين
و نهى عن ما عساه‏ يعرض في النفس من وجوب طاعة الخلق لامرته فإنّ عليهم أن يسمعوا و عليه أن يأمر فإنّ ذلك فساد في القلب و الدين، و أشار إلى ذلك الفساد بقوله: فإنّه إدغال إلى قوله: الغير. و هو من وجوه ثلاثة: أحدها: أنّه إدغال في القلب و صرف له عن دين اللّه، و هو معنى إفساده. الثاني: أنّ ذلك منهكة للدين و إضعاف له. الثالث: أنّه مقرّب من الغير لكون الظلم من أقوى الأسباب المعدّة باجتماع همم الخلق على زواله، و إليه الإشارة بقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ«» و الكلام في قوّة ثلاث صغريات لثلاثة ضماير، و تقدير الكبريات فيها: و كلّ ما كان كذلك فلا يجوز ارتكابه.

السابع: أرشده إلى دواء داء الابّهة و الكبر
الّذي عساه يعرض له في سلطانه و ولايته، و ذلك. أن ينظر إلى عظمة اللّه تعالى فوقه و قدرته على ما لا يملكه من نفسه و لا يستطيعه جلبا لها أو دفعا عنها فإنّ ذلك يسكّن داء الكبر الّذي يحدث له فيطفيه و يكسر حدّة غضبه و يردّه إليه ما قهرته قوّته الغضبيّة من عقله فغرب عند جماحها، و هذه أيضا صغريات ثلاث لثلاثة ضمائر نبّه فيها على وجوب فعل ما أرشده إليه من الدواء، و تقدير الكبريات فيه: و كلّما كان كذلك فيجب عليك فعله.

الثامن: حذّره عن التعظيم و التجبّر
و نفّر عن ذلك بكونهما مساماة و تشبّها به، و بأنّ التكبّر يستلزم أن يذلّ اللّه صاحبه و يهينه. و تقدير الاحتجاج: فإنّك إن تجبّرت و اختلت يذلّك اللّه و يهينك و هو في قوّة صغرى ضمير أيضا، و تقدير كبراه: و كلّ من كان كذلك فيجب أن يحذر من اللّه بترك التجبّر.

التاسع: أمره بإنصاف اللّه و إنصاف الناس من نفسه و أهل هواه من رعيّته.
فإنصاف اللّه العمل بأوامره و الانتهاء عن زواجره مقابلا بذلك نعمه، و إنصاف الناس العدل فيهم و الخروج إليهم من حقوقهم اللازمة لنفسه و لأهل خاصّته. و احتجّ على.

وجوب ذلك الإنصاف بقياس مفصول صغرى الأوّل قوله: فإنّك إن لا تفعل تظلم: أى تظلم عباد اللّه. و كبراه و من ظلم عباد اللّه كان اللّه خصمه دون عباده. و تقدير نتيجته: فإنّك إن لا تفعل كان اللّه خصمك دون عباده و هي صغرى لقياس آخر كبراه قوله: و من خاصمه اللّه. إلى قوله: و يتوب. و تقدير نتيجته: فإنّك إن لا تفعل أدحض اللّه حجّتك عند مخاصمته و كنت له حربا إلى أن تنزع و تتوب من ظلمك. و قوله: و ليس شي‏ء. إلى قوله: على ظلم. تنبيه على لازم آخر لعدم الإنصاف أو الإقامة على الظلم، و هي كونه أدعى إلى تغيير نعم اللّه و تعجيل نقمته من كلّ شي‏ء.
و قوله: فإنّ اللّه. إلى قوله: بالمرصاد. بيان للزوم اللازم المذكور، و ذلك أنّ اللّه سبحانه إذا كان يسمع دعوة المظلوم و يطّلع على فعل الظالم فإنّه يسرع إلى تغيير نعمته إذ استعدّ لذلك.

العاشرة: أمره أن يكون أحبّ الأمور إليه أقربها إلى حاقّ الوسط
من طرفى الإفراط و التفريط و هو الحقّ، و أعمّها للعدل، و أجمعها لرضاء الرعيّة فإنّ العدل قد يوقع على وجه لا يعمّ العامّة بل يتّبع فيه رضاء الخاصّة. و نبّه على لزوم العدل العامّ للرعيّة و حفظ قلوب العامّة و طلب رضاهم بوجهين: أحدهما: أنّ سخط العامّة لكثرتهم لا يقاومه رضاء الخاصّة لقلّتهم، بل يجحف به و لا ينتفع برضاهم عند سخط العامّة، و ذلك يؤدّي إلى وهن الدين و ضعفه أمّا سخط الخاصّه فإنّه مغتفر و مستور عند رضاء العامّة فكان رضاهم أولى. الثاني: أنّه وصف الخاصّة بصفات مذمومة تستلزم قلّة الاهتمام بهم بالنسبة إلى العامّة، و وصف العامّة بصفات محمودة توجب العناية بهم. أمّا صفات الخاصّة: فأحدها: كونهم أثقل مئونة على الوالي في الرخاء لتكلّفه لهم ما لا يتكلّفه لغيرهم. الثاني: كونهم أقلّ معونة له في البلاء لمحبّتهم الدنيا و عزّة جانبهم. الثالث: كونهم أكره للانصاف لزياده أطماعهم في الدنيا على العامّة. الرابع: و كونهم أسأل بالإحاف لأنّهم عند الحاجة إلى السؤال أشدّ جرأة على الوالي و أطمع في إلانة جانبه. الخامس: كونهم أقلّ شكرا عند الإعطاء لاعتقادهم زيادة فضلهم على العامّة و أنّهم أحقّ بما يعطونه، و اعتقادهم حاجة الوالي إليهم و تخوّفه منهم. السادس: كونهم أبطأ عذرا للوالي إن منعهم: أي أنّهم أقلّ مسامحة له إن اعتذر إليهم في أمر لاعتقادهم فضيلة أنفسهم و كونهم واجبي قضاء الحقوق. السابع: كونهم أضعف صبرا عند ملمّات الدهر لتعوّدهم الترفّة، و جزعهم على ما في أيديهم من الدنيا. و أمّا صفات العامّة: فأحدها: كونهم عمود الدين، و استعار لهم لفظ العمود باعتبار قيام الدين بهم كقيام البيت بعموده. الثاني: كونهم جماع المسلمين لكونهم الأغلب و الأكثر و السواد الأعظم. الثالث: كونهم العدّة للأعداء لكثرتهم أيضا و لأنّهم كانوا أهل الحرب في ذلك الزمان. و هذه الصفات للفريقين يستلزم وجوب حفظ قلوب العامّة، و تقديمه على حفظ قلوب الخاصّة. و لذلك أمره أن يكون صغوه و ميله إلى العامّة.

الحادي عشر: أمر بأن يكون أبعد رعيّته منه و أبغضهم إليه أطلبهم لمعايب الناس،
و نبّهه على وجوب ذلك بقوله: فإنّ فى الناس إلى قوله: سترها. و إذا كان الوالي أحقّ من سترها لزمه أن لا يكشف عمّا غاب عنه منها، و ذلك بقمع أهل النميمة و إبعادهم، و أن يلزم ما يجب عليه و هو تطهير الخلق ممّا ظهر له من ذنوبهم دون ما غاب عنه، و أكّد ذلك بالأمر بستر العورة من الغير بقدر الاستطاعة فإنّ كلّ عيب عورة، و نبّه على الرغبة في ذلك بما يستلزمه من إعداده لستر اللّه منه ما يحبّ أن يستره هو بستره على رعيّته من الذنوب و العيوب.

الثاني عشر: أمره بنزع الحقد و عقد ما عقده في قلبه منه لكونه من الرذائل الموبقة
و أن يقطع أسبابه من قبول السعاية و أهل النميمة،

الثالث عشر، أن يتغافل عن كلّ أمر لا يتّضح له
و لا يقوم به برهان، و نهاه أن‏ يعجل إلى تصديق من سعى به، و نبّه على ذلك بضمير صغراه: قوله: فإنّ الساعي: إلى قوله: الناصحين. و وجه غشّه كونه مثير الأحقاد و الضغائن بين الناس و يذيع الفاحشة و الفساد في الأرض، و تقدير كبراه: و كلّ من كان غاشّا وجب أن لا يلتفت إليه.

الرابع عشر: نهاه أن يدخل في مشورته ثلاثة البخيل و الجبان و الحريص،
و نبّه على وجه المفسدة في استشارة كلّ أحد من الثلاثة بضمير صغرى الأوّل: قوله: يعدل بك. إلى قوله: الفقر. و ذلك أنّ البخيل لا يشير إلّا بما يراه مصلحة عنده و هو البخل و ما يستلزمه من التخويف بالفقر، و هو يعدل بالمستشير عن الفضل.
و صغرى الثاني قوله: ليضّعفك عن الأمور. لأنّ الجبان لا يشير إلّا بوجوب حفظ النفس و التخويف من العدوّ و هو المصلحة الّتي يراها، و كلّ ذلك مضعّف عن الحرب و مقاومة العدوّ. و صغرى الثالث: قوله: يزيّن لك الشره بالجور. و ذلك أنّ المصلحة عنده جمع المال و حفظه و هو مستلزم للجور عن فضيلة العدل و القصد. و تقدير الكبرى في الثلاثة: و كلّ من كان كذلك فلا يجوز استشارته. ثمّ نفّر عن الثلاثة بضمير آخر نبّه بصغراه على مبدء رذائلهم الثلاث و هي البخل و الجبن و الحرص لتعرف فتجتنب و تنفر عن عن أهلها فذكر أنّها غرائز: أي أخلاق متفرّقة يحصل للنفس عن أصل واحد ينتهى إليه و هو سوء الظنّ باللّه، و بيان ذلك أنّ مبدء سوء الظنّ باللّه عدم معرفته تعالى فالجاهل به لا يعرفه من جهة ما هو جواد فيّاض بالخيرات لمن استعدّ بطاعته لها فيسوء ظنّه به، و بأنّه لا يخلف عليه عوض ما يبذله فيمنعه ذلك مع ملاحظة الفقر من [عند] البذل و تلزمه رذيلة البخل، و كذا الجبان جاهل به تعالى من جهة لطفه بعباده و عنايته بوجودهم و غير عالم بسرّ قدره فيسوء ظنّه بأنّه لا يحفظه من التلف و يتصوّر الهلاك فيمنعه ذلك عن الإقدام في الحرب و نحوها فيلزمه رذيلة الجبن، و كذلك الحريص يجهله تعالى من الوجهين المذكورين فيسوء ظنّه به و يعتقد أنّه إذا لم يحرص الحرص المذموم لم يوصل إليه تعالى ما يصلح حاله ممّا يسعى فيه و يحرص عليه فيبعثه ذلك على الحرص. و كذلك النفس. فكانت هذه الأخلاق الثلاثة المذمومة راجعة إلى ما ذكره عليه السّلام.

الخامس عشر: لمّا كان من الأعمال الصالحة اختيار الوزراء و الأعوان
نبّهه على من لا ينبغي استصلاحه لذلك ليجتنبه و من ينبغي ليرغب فيه. فمن لا ينبغي هو من كان للأشرار من الولاة قبله وزيرا و مشاركا لهم في الآثام، و نهاه عن اتّخاذه بطانة و خاصّة له، و نفّر عنهم بضمير صغراه قوله: فإنّهم: إلى قوله: الخلف. و تقدير كبراه: و كلّ من كان كذلك فلا تتّخذه بطانة. و قوله: ممّن له مثل آرائهم. تميز لمن هو خير الخلف من الأشرار و هم الّذين ينبغي أن يستعان بهم، و بيان لوجه خيريّتهم بالنسبة إلى الأشرار، و هو أن يكون لهم مثل آرائهم و نفاذهم في الأمور و ليس عليهم مثل آصارهم و لم يعاون ظالما على ظلمه. ثمّ رغّب في اتّخاذ هؤلاء أعوانا بضمير صغراه قوله: اولئك أخفّ. إلى قوله: إلفا. أمّا أنّهم أخفّ مئونة فلأنّ لهم رادعا من أنفسهم عمّا لا ينبغي لهم من مال أو حال فلا يحتاج في إرضائهم أو ردعهم ممّا لا ينبغي إلى مزيد كلفة بخلاف الأشرار و الطامعين فيما لا ينبغي. و بحسب قربهم إلى الحقّ و مجانبتهم للأشرار كانوا أحسن معونة و أثبت عنده قلوبا و أشدّ حنوّا عليه و عطفا و أقلّ لغيره إلفا، و تقدير كبراه: و كلّ من كان كذلك فينبغي أن يتّخذ عونا و وزيرا و لذلك قال: فاتّخذ اولئك خاصّة لخلوتك و حفلاتك. ثمّ ميّز من ينبغي أن يكون أقرب هؤلاء إليه و أقواهم في الاعتماد عليه بأوصاف أخصّ: أحدها: أن يكون أقولهم بمرّ الحقّ له. الثاني: أن يكون أقلّهم مساعدة له فيما يكون منه و يقع من الامور الّتي يكرهها اللّه لأوليائه. و انتصب قوله: واقعا على الحال: أي في حال وقوع ذلك القول منه و النصيحة و قلّة المساعدة حيث وقع من هواك سواء كان في هوى عظيم أو يسير، أو حيث وقع هواك: أى سواء كان ما تهواه عظيما أو ليس، و يحتمل أن يريد واقعا عظيما أو ليس، و يحتمل أن يريد واقعا ذلك الناصح من هواك و محبّتك حيث وقع:

أى يجب أن يكون له من هواك موقعا. ثمّ أمره في اعتبارهم و اختيارهم بأوامر: أحدها: أن يلازم أهل الورع منهم و الأعمال الجميلة و أهل الصدق. و هما فضيلتان تحت العفّة. الثاني: أن يروضهم و يؤدّبهم بالنهي عن الإطراء له، أو يوجبوا له سرورا بقول ينسبونه فيه إلى فعل ما لم يفعله فيدخلونه في ذمّ قوله تعالى وَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا«» و نفّره عن كثرة الإطراء بضمير صغراه قوله: فإن كثرة الإطراء إلى قوله: الغرّة. و استلزام الإطراء للرذيلتين المذكورتين ظاهر، و تقدير الكبرى: و كلّما كان كذلك فيجب اجتنابه. الثاني: نهاه أن يكون المحسن و المسي‏ء عنده بمنزلة سواء، و نفّر عن ذلك ببيان وجه المفسدة في ضمير صغراه قوله: فإنّ ذلك. إلى قوله: الإساءة. و سرّه أنّ أكثر فعل الإحسان إنّما يكون طلبا للمجازاة بمثله خصوصا من الولاة و طلبا لزيادة الرتبة على الغير و زيادة الذكر الجميل مع أنواع من الكلفة في ذلك. فإذا رأى المحسن مساواة منزلته لمنزلته المسى‏ء كان ذلك صارفا عن الإحسان و داعيا إلى الراحة من تكلّفه، و كذلك أكثر التاركين للإساءة إنّما يتركون خوفا من الولاة و إشفاقا من نقصان الرتبة عن النظر. فإذا رأى المسى‏ء مساواة مرتبته مع مرتبة المحسنين كان التقصير به أولى: و تقدير الكبرى: و كلّ ما كان فيه تزهيد للإحسان و تدريب على الإساءة فينبغي أن يجتنب. ثمّ أكّد ذلك بأمره أن يلزم كلّا من أهل الإحسان و الإساءة بما ألزم به نفسه من الاستعداد بالإحسان و الإساءة لهما فيلزم المحسن منزلة الإحسان و يلزم المسى‏ء منزلة الإساءة.

السادس عشر: نبّهه على الإحسان إلى رعيّته
و تخفيف المئونات عنهم و ترك استكراههم على ما ليس له قبلهم بما يستلزمه ذلك من حسن ظنّه بهم المستلزم لقطع النصب عنه من قبلهم و الاستراحة إليهم، و ذلك أنّ الوالي إذا أحسن إلى رعيّته قويت رغبتهم فيه و أقبلوا بطباعهم على محبّته و طاعته، و ذلك يستلزم حسن ظنّه بهم‏ فلا يحتاج معهم إلى كلفة في جمع أهوائهم و الاحتراس من شرورهم، و أكّد ذلك بقوله: و إنّ أحقّ من يحسن ظنّك به. إلى قوله: عنده.

السابع عشر: نهاه أن ينقض سنّة صالحة عمل بها السلف الصالح
من صدور هذه الامّة و اجتمعت بها الالفة و صلاح الرعيّة، و ذلك مفسدة ظاهرة في الدين.

الثامن عشر: نهاه أن يحدث سنّة تضرّ بشي‏ء من ماضي السنن.
و أشار إلى وجه الفساد فيها بضمير صغراه قوله: فيكون. إلى قوله: سنّها. و الضمير في منها يعود إلى السنن الّتي دخل عليها الضرر فيكون الأجر لمن سنّ السنّة الماضية الّتي أضرّت بها سنّتك الحادثة و الوزر عليك بما نقضت منها، و تقدير كبراه: فكلّ ما كان كذلك فينبغي أن يجتنب و ينفر عنه.

التاسع عشر: أمره أن يكثر مدارسة العلماء.
أي بأحكام الشريعة و قوانين الدين، و منافثة الحكماء: أي العارفين باللّه و بأسراره في عباده و بلاده العاملين بالقوانين الحكمية العمليّة التجربيّة و الاعتباريّة، و يتصفّح أنواع الأخبار في تثبّت القواعد و القوانين الّتي يصلح عليها أمر بلاده، و إقامة ما استقام به الناس قبله منها. و باللّه التوفيق.

الفصل الثالث: في التنبيه على طبقات الناس الّذين ينتظم بهم أمر المدينة

و وضع كلّ على حدّه و طبقته الّتي يقتضي الحكمة النبويّة وضعه فيها، و الإشارة إلى تعلّق كلّ طبقة بالأخرى حيث لا صلاح لبعضهم إلّا بالبعض و بذلك يكون قوام المدينة، ثمّ بالإشارة إلى من يستصلح من كلّ صنف و طبقه يكون أهلا لتلك المرتبة، و الوصيّة في كلّ ما يليق به. و ذلك قوله: وَ اعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ- لَا يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ- وَ لَا غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ- فَمِنْهَا جُنُودُ اللَّهِ وَ مِنْهَا كُتَّابُ الْعَامَّةِ وَ الْخَاصَّةِ- وَ مِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ وَ مِنْهَا عُمَّالُ الْإِنْصَافِ وَ الرِّفْقِ- وَ مِنْهَا أَهْلُ الْجِزْيَةِ وَ الْخَرَاجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَ مُسْلِمَةِ النَّاسِ- وَ مِنْهَا التُّجَّارُ وَ أَهْلُ الصِّنَاعَاتِ- وَ مِنْهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَ الْمَسْكَنَةِ- وَ كُلٌّ قَدْ سَمَّى اللَّهُ لَهُ سَهْمَهُ- وَ وَضَعَ عَلَى حَدِّهِ فَرِيضَةً فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ ص عَهْداً- مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظاً- فَالْجُنُودُ بِإِذْنِ اللَّهِ حُصُونُ الرَّعِيَّةِ وَ زَيْنُ الْوُلَاةِ- وَ عِزُّ الدِّينِ وَ سُبُلُ الْأَمْنِ- وَ لَيْسَ تَقُومُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِهِمْ- ثُمَّ لَا قِوَامَ لِلْجُنُودِ- إِلَّا بِمَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْخَرَاجِ- الَّذِي يَقْوَوْنَ بِهِ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِمْ- وَ يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ فِيمَا يُصْلِحُهُمْ- وَ يَكُونُ مِنْ وَرَاءِ حَاجَتِهِمْ- ثُمَّ لَا قِوَامَ لِهَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ إِلَّا بِالصِّنْفِ الثَّالِثِ- مِنَ الْقُضَاةِ وَ الْعُمَّالِ وَ الْكُتَّابِ- لِمَا يُحْكِمُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ وَ يَجْمَعُونَ مِنَ الْمَنَافِعِ- وَ يُؤْتَمَنُونَ عَلَيْهِ مِنْ خَوَاصِّ الْأُمُورِ وَ عَوَامِّهَا- وَ لَا قِوَامَ لَهُمْ جَمِيعاً إِلَّا بِالتُّجَّارِ وَ ذَوِي الصِّنَاعَاتِ- فِيمَا يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَرَافِقِهِمْ- وَ يُقِيمُونَهُ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ- وَ يَكْفُونَهُمْ مِنَ التَّرَفُّقِ بِأَيْدِيهِمْ- مَا لَا يَبْلُغُهُ رِفْقُ غَيْرِهِمْ- ثُمَّ الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَ الْمَسْكَنَةِ- الَّذِينَ يَحِقُّ رِفْدُهُمْ وَ مَعُونَتُهُمْ- وَ فِي اللَّهِ لِكُلٍّ سَعَةٌ- وَ لِكُلٍّ عَلَى الْوَالِي حَقٌّ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ- فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ- أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِإِمَامِكَ- وَ أَنْقَاهُمْ جَيْباً وَ أَفْضَلَهُمْ حِلْماً- مِمَّنْ يُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ وَ يَسْتَرِيحُ إِلَى الْعُذْرِ- وَ يَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ وَ يَنْبُو عَلَى الْأَقْوِيَاءِ- وَ مِمَّنْ لَا يُثِيرُهُ الْعُنْفُ وَ لَا يَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ- ثُمَّ الْصَقْ بِذَوِي الْمُرُوءَاتِ وَ الْأَحْسَابِ- وَ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَ السَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ- ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَ الشَّجَاعَةِ وَ السَّخَاءِ وَ السَّمَاحَةِ- فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْكَرَمِ وَ شُعَبٌ مِنَ الْعُرْفِ- ثُمَّ تَفَقَّدْ مِنْ أُمُورِهِمْ مَا يَتَفَقَّدُ الْوَالِدَانِ مِنْ وَلَدِهِمَا- وَ لَا يَتَفَاقَمَنَّ فِي نَفْسِكَ شَيْ‏ءٌ قَوَّيْتَهُمْ بِهِ- وَ لَا تَحْقِرَنَّ لُطْفاً تَعَاهَدْتَهُمْ بِهِ وَ إِنْ قَلَّ- فَإِنَّهُ دَاعِيَةٌ لَهُمْ إِلَى بَذْلِ النَّصِيحَةِ لَكَ وَ حُسْنِ الظَّنِّ بِكَ- وَ لَا تَدَعْ تَفَقُّدَ لَطِيفِ أُمُورِهِمُ اتِّكَالًا عَلَى جَسِيمِهَا- فَإِنَّ لِلْيَسِيرِ مِنْ لُطْفِكَ مَوْضِعاً يَنْتَفِعُونَ بِهِ- وَ لِلْجَسِيمِ مَوْقِعاً لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ- وَ لْيَكُنْ آثَرُ رُءُوسِ جُنْدِكَ عِنْدَكَ مَنْ وَاسَاهُمْ فِي مَعُونَتِهِ- وَ أَفْضَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ جِدَتِهِ- بِمَا يَسَعُهُمْ وَ يَسَعُ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ خُلُوفِ أَهْلِيهِمْ- حَتَّى يَكُونَ هَمُّهُمْ هَمّاً وَاحِداً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ- فَإِنَّ عَطْفَكَ عَلَيْهِمْ يَعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَيْكَ- وَ إِنَّ أَفْضَلَ قُرَّةِ عَيْنِ الْوُلَاةِ اسْتِقَامَةُ الْعَدْلِ فِي الْبِلَادِ وَ ظُهُورُ مَوَدَّةِ الرَّعِيَّةِ و إِنَّهُ لَا تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إِلَّا بِسَلَامَةِ صُدُورِهِمْ وَ لَا تَصِحُّ نَصِيحَتُهُمْ إِلَّا بِحِيطَتِهِمْ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ- وَ قِلَّةِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهِمْ- وَ تَرْكِ اسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ- فَافْسَحْ فِي آمَالِهِمْ وَ وَاصِلْ فِي حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ- وَ تَعْدِيدِ مَا أَبْلَى ذَوُو الْبَلَاءِ مِنْهُمْ- فَإِنَّ كَثْرَةَ الذِّكْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ- وَ تُحَرِّضُ النَّاكِلَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ- ثُمَّ اعْرِفْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا أَبْلَى- وَ لَا تَضُمَّنَّ بَلَاءَ امْرِئٍ إِلَى غَيْرِهِ- وَ لَا تُقَصِّرَنَّ بِهِ دُونَ غَايَةِ بَلَائِهِ- وَ لَا يَدْعُوَنَّكَ شَرَفُ امْرِئٍ- إِلَى أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلَائِهِ مَا كَانَ صَغِيراً- وَ لَا ضَعَةُ امْرِئٍ إِلَى أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلَائِهِ مَا كَانَ عَظِيماً- وَ ارْدُدْ إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ مَا يُضْلِعُكَ مِنَ الْخُطُوبِ- وَ يَشْتَبِهُ عَلَيْكَ مِنَ الْأُمُورِ- فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِقَوْمٍ أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ- وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ- فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ- فَالرَّدُّ إِلَى اللَّهِ الْأَخْذُ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ- وَ الرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ الْأَخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعَةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ: ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ- مِمَّنْ لَا تَضِيقُ بِهِ الْأُمُورُ وَ لَا تُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ- وَ لَا يَتَمَادَى فِي الزَّلَّةِ- وَ لَا يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْ‏ءِ إِلَى الْحَقِّ إِذَا عَرَفَهُ- وَ لَا تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَعٍ- وَ لَا يَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْمٍ دُونَ أَقْصَاهُ- وَ أَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ وَ آخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ- وَ أَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ- وَ أَصْبَرَهُمْ عَلَى تَكَشُّفِ الْأُمُورِ- وَ أَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ- مِمَّنْ لَا يَزْدَهِيهِ إِطْرَاءٌ وَ لَا يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ- وَ أُولَئِكَ قَلِيلٌ- ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ- وَ افْسَحْ لَهُ فِي الْبَذْلِ مَا يُزِيلُ عِلَّتَهُ- وَ تَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَى النَّاسِ- وَ أَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا لَا يَطْمَعُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ- لِيَأْمَنَ بِذَلِكَ اغْتِيَالَ الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَكَ- فَانْظُرْ فِي ذَلِكَ نَظَراً بَلِيغاً- فَإِنَّ هَذَا الدِّينَ قَدْ كَانَ أَسِيراً فِي أَيْدِي الْأَشْرَارِ- يُعْمَلُ فِيهِ بِالْهَوَى وَ تُطْلَبُ بِهِ الدُّنْيَا: ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً- وَ لَا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَ أَثَرَةً- فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَ الْخِيَانَةِ- وَ تَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَ الْحَيَاءِ- مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَ الْقَدَمِ فِي الْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ- فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلَاقاً وَ أَصَحُّ أَعْرَاضاً- وَ أَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَافاً وَ أَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ نَظَراً- ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِمُ الْأَرْزَاقَ- فَإِنَّ ذَلِكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِصْلَاحِ أَنْفُسِهِمْ- وَ غِنًى لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ- وَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَكَ- ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ- وَ ابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَ الْوَفَاءِ عَلَيْهِمْ- فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لِأُمُورِهِمْ- حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْأَمَانَةِ وَ الرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ- وَ تَحَفَّظْ مِنَ الْأَعْوَانِ- فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَةٍ- اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ- اكْتَفَيْتَ بِذَلِكَ شَاهِداً- فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ- وَ أَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ- ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ وَ وَسَمْتَهُ بِالْخِيَانَةِ- وَ قَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَةِ: وَ تَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ- فَإِنَّ فِي صَلَاحِهِ وَ صَلَاحِهِمْ صَلَاحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ- وَ لَا صَلَاحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلَّا بِهِمْ- لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَ أَهْلِهِ- وَ لْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الْأَرْضِ- أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلَابِ الْخَرَاجِ- لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالْعِمَارَةِ- وَ مَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَةٍ أَخْرَبَ الْبِلَادَ- وَ أَهْلَكَ الْعِبَادَ وَ لَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلَّا قَلِيلًا- فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلًا أَوْ عِلَّةً أَوِ انْقِطَاعَ شِرْبٍ أَوْ بَالَّةٍ- أَوْ إِحَالَةَ أَرْضٍ اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ- أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ- خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِمَا تَرْجُو أَنْ يَصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ- وَ لَا يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْ‏ءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَئُونَةَ عَنْهُمْ- فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلَادِكَ- وَ تَزْيِينِ وِلَايَتِكَ مَعَ اسْتِجْلَابِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ- وَ تَبَجُّحِكَ بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ فِيهِمْ- مُعْتَمِداً فَضْلَ قُوَّتِهِمْ- بِمَا ذَخَرْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ لَهُمْ- وَ الثِّقَةَ مِنْهُمْ بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ وَ رِفْقِكَ بِهِمْ- فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الْأُمُورِ- مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِيهِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدُ احْتَمَلُوهُ- طَيِّبَةً أَنْفُسُهُمْ بِهِ- فَإِنَّ الْعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ مَا حَمَّلْتَهُ- وَ إِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الْأَرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا- وَ إِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لِإِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلَاةِ عَلَى الْجَمْعِ- وَ سُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ وَ قِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ: ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتَّابِكَ- فَوَلِّ عَلَى أُمُورِكَ خَيْرَهُمْ- وَ اخْصُصْ رَسَائِلَكَ الَّتِي تُدْخِلُ فِيهَا مَكَايِدَكَ وَ أَسْرَارَكَ- بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُوهِ صَالِحِ الْأَخْلَاقِ مِمَّنْ لَا تُبْطِرُهُ الْكَرَامَةُ- فَيَجْتَرِئَ بِهَا عَلَيْكَ فِي خِلَافٍ لَكَ بِحَضْرَةِ مَلَإٍ- وَ لَا تَقْصُرُ بِهِ الْغَفْلَةُ عَنْ إِيرَادِ مُكَاتَبَاتِ عُمِّالِكَ عَلَيْكَ- وَ إِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَى الصَّوَابِ عَنْكَ- فِيمَا يَأْخُذُ لَكَ وَ يُعْطِي مِنْكَ- وَ لَا يُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَكَ- وَ لَا يَعْجِزُ عَنْ إِطْلَاقِ مَا عُقِدَ عَلَيْكَ- وَ لَا يَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفْسِهِ فِي الْأُمُورِ- فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَكُونُ بِقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ- ثُمَّ لَا يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ- وَ اسْتِنَامَتِكَ وَ حُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ- فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّفُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلَاةِ- بِتَصَنُّعِهِمْ وَ حُسْنِ خِدْمَتِهِمْ- وَ لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ وَ الْأَمَانَةِ شَيْ‏ءٌ- وَ لَكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وُلُّوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَكَ- فَاعْمِدْ لِأَحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَراً- وَ أَعْرَفِهِمْ بِالْأَمَانَةِ وَجْهاً- فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى نَصِيحَتِكَ لِلَّهِ وَ لِمَنْ وُلِّيتَ أَمْرَهُ- وَ اجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ- لَا يَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا وَ لَا يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا- وَ مَهْمَا كَانَ فِي كُتَّابِكَ مِنْ عَيْبٍ فَتَغَابَيْتَ عَنْهُ أُلْزِمْتَهُ: ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَ ذَوِي الصِّنَاعَاتِ وَ أَوْصِ بِهِمْ خَيْراً- الْمُقِيمِ مِنْهُمْ‏

وَ الْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ وَ الْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ- فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ وَ أَسْبَابُ الْمَرَافِقِ- وَ جُلَّابُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ وَ الْمَطَارِحِ- فِي بَرِّكَ وَ بَحْرِكَ وَ سَهْلِكَ وَ جَبَلِكَ- وَ حَيْثُ لَا يَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا- وَ لَا يَجْتَرِءُونَ عَلَيْهَا- فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لَا تُخَافُ بَائِقَتُهُ- وَ صُلْحٌ لَا تُخْشَى غَائِلَتُهُ- وَ تَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ وَ فِي حَوَاشِي بِلَادِكَ- وَ اعْلَمْ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ ضِيقاً فَاحِشاً- وَ شُحّاً قَبِيحاً- وَ احْتِكَاراً لِلْمَنَافِعِ وَ تَحَكُّماً فِي الْبِيَاعَاتِ- وَ ذَلِكَ بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ- وَ عَيْبٌ عَلَى الْوُلَاةِ فَامْنَعْ مِنَ الِاحْتِكَارِ- فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص مَنَعَ مِنْهُ- وَ لْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً بِمَوَازِينِ عَدْلٍ- وَ أَسْعَارٍ لَا تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَ الْمُبْتَاعِ- فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاهُ فَنَكِّلْ بِهِ- وَ عَاقِبْهُ فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ: ثُمَّ اللَّهَ اللَّهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لَا حِيلَةَ لَهُمْ- مِنَ الْمَسَاكِينِ وَ الْمُحْتَاجِينَ وَ أَهْلِ الْبُؤْسَى وَ الزَّمْنَى- فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَ مُعْتَرّاً- وَ احْفَظِ لِلَّهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ- وَ اجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكِ- وَ قِسْماً مِنْ غَلَّاتِ صَوَافِي الْإِسْلَامِ فِي كُلِّ بَلَدٍ- فَإِنَّ لِلْأَقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلْأَدْنَى- وَ كُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ- وَ لَا يَشْغَلَنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ- فَإِنَّكَ لَا تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِكَ‏ التَّافِهَ لِإِحْكَامِكَ الْكَثِيرَ الْمُهِمَّ- فَلَا تُشْخِصْ هَمَّكَ عَنْهُمْ وَ لَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ- وَ تَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لَا يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ- مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُيُونُ وَ تَحْقِرُهُ الرِّجَالُ- فَفَرِّغْ لِأُولَئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ وَ التَّوَاضُعِ- فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ- ثُمَّ اعْمَلْ فِيهِمْ بِالْإِعْذَارِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ تَلْقَاهُ- فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى الْإِنْصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ- وَ كُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَى اللَّهِ فِي تَأْدِيَةِ حَقِّهِ إِلَيْهِ- وَ تَعَهَّدْ أَهْلَ الْيُتْمِ وَ ذَوِي الرِّقَّةِ فِي السِّنِّ- مِمَّنْ لَا حِيلَةَ لَهُ وَ لَا يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ- وَ ذَلِكَ عَلَى الْوُلَاةِ ثَقِيلٌ- وَ الْحَقُّ كُلُّهُ ثَقِيلٌ وَ قَدْ يُخَفِّفُهُ اللَّهُ عَلَى أَقْوَامٍ- طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ فَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ- وَ وَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اللَّهِ لَهُمْ

اللغة

أقول: المعاقد: جمع مقعد مصدرا. و المرافق: المنافع. و تفاقم الأمر: عظمه. و الخلوف: المتخلّفون جمع- خلف بالفتح- . و الحيطة: الشفقّة. و يضلعك: يثقلك. و المحك: اللجاج. و الحصر: العىّ و العجز. و التبرّم: التضجّر. و الازدهاء: افتعال من الزهو و هو الكبر. و الإطراء: كثرة المدح. و الاغتيال: الأخذ على غرّة. و المحاباة: المعاطاة و المقاربة فيها. و الأثرة: الاستبداد. و الجماع: الجمع. و التوخّى: التقصّد. و الحدوة: الحثّ. و الشرب: النصيب من الماء. و البالّه: القليل من الماء يبلّ به الأرض. و أحالت الأرض: تغيّرت عمّا كانت عليه من الاستواء فلم ينحبّ زرعها و لا أثمر نخلها. و الإجمام: الإراحة. و معتمد: قاصد. و الإعواز: الفقر. و استنام إلى كذا: سكن إليه. و المترفّق: طالب الرفق من التجارة. و المطارح: جمع مطرح و هى الأرض البعيدة. و البائقة الداهية. و الغائلة: الشرّ. و الاحتكار: حبس المنافع عن الناس عند الحاجة إليها. و البؤسى: الشدّة. و القانع: السائل. و المعترّ: الّذي يتعرّض للعطاء من غير سؤال. و الصوافي:- جمع صافية- و هي أرض الغنيمة. و التافه: الحقير. و أشخص همّه: رفعه. و تصعير الحذّ: إمالته كبرا. و تقتحمه: تزد ريه. و أعذر في الأمر: صار ذا عذر فيه.

و اعلم أنّ في الفصل أبحاثا:

الأوّل: أنّه قسّم أهل المدينة إلى سبع طبقات
و حكم بأنّه لا يصلح بعضها إلّا بالبعض على ما بيّنه. و قوله: من أهل الذمّة و مسلمة الناس. تفصيل للأهل الأوّل. فأهل الذمّة تفسير لأهل الجزية، و مسلمة الناس تفسير لأهل الخراج، و يجوز أن يكون تفسيرا لأهل الجزية و الخراج لأنّ للإمام أن يقبل أرض الخراج من سائر المسلمين و أهل الذمّة، و أراد بالسهم الّذي سمّاه اللّه لكلّ منهم الاستحقاق لكلّ من ذوى الاستحقاق في كتابه إجمالا من الصدقات كالفقراء و المساكين و عمّال الخراج و الصدقه و فصله في سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله. و حدّه الّذي وضع اللّه عليه عهدا منه عند أهل بيت نبيّه هو مرتبته و منزلته من أهل المدينة الّذين لا يقوم إلّا بهم فإنّ للجندىّ منزلة و حدّا محدودا لا يجوز له تعدّيه، و فريضته وقوفه عنده و العمل بما يلزم تلك المرتبة، و كذلك الكتّاب و العمّال و القضاة و غيرهم فإنّ لكلّ منهم حدّا يقف عنده، و فريضة يلزمها عليها عهد من اللّه محفوظ عند نبيّه و أهل بيته عليهم السّلام اشتملت عليها الشريعة.

البحث الثاني: أنّه نبّه بقوله: فالجنود بإذن اللّه. إلى قوله: معونتهم.
على أنّ لكلّ من الأصناف المذكورة تعلّق بالآخر بحيث لا يقوم إلّا به، و الحاجة إليه ضروريّة. و بمجموعهم يقوم صورة المدينة. فبدء بالجنود لأنّهم الأصل و ذكر وجه الحاجة إليهم في أربعة أوصاف:

أحدها: كونهم حصون الرعيّة، و استعار لهم لفظ الحصون باعتبار حفظهم للرعيّة و حياطتهم لهم كالحصن. الثاني: أنّهم زين الولاة فإنّ الوالي بلا جند كأحد الرعيّة لا يبالي به و لا يطاع له أمر. و المفسدة فيه ظاهرة.

الثالث: كونهم عزّ الدين، و أطلق لفظ العزّ عليهم إطلاقا لاسم اللازم على ملزومه إذ كان العزّ للدين لازما لوجودهم. الرابع: استعار لفظ الأمن لهم باعتبار لزوم الأمن لوجود الجند في الطرق و نحوها. و الكلام في قوّة صغرى ضمير تقدير كبراه: و كلّ من كان كذلك فليس يقوم الرعيّة إلّا به.
و قوله: و ليس يقوم الرعيّة إلّا بهم. نتيجة القياس المذكور. و قال: بإذن اللّه. لينبّه على أنّه أراد جنود الحقّ الّذين هم مقتضى الحكمة لا مطلق الجنود. الثاني: أهل الخراج و من يؤخذ منهم، و أشار إلى وجه استلزام الحاجة إلى الجند للحاجة إليهم بقوله: ثمّ لا قوام للجنود. إلى قوله: حاجتهم. فقوله: لا قوام. إلى قوله: الخراج. دعوى.

و قوله: الذين يقوون. إلى قوله: حاجتهم. في قوّة صغرى ضمير نبّه به عليها، و تقدير كبراه: و كلّ ما كان كذلك فلا قوام للجند إلّا به. فينتج لا قوام للجند إلّا بما يخرج اللّه لهم من الخراج، و لما كان الخراج إنّما يحصل من جماعة من الرعيّة و لا يقوم الجند إلّا بهم. الثالث: القضاة و العمّال و الكتّاب. و جمعهم. لأنّ وجه الحاجة إليهم واحدا، و أشار إليه بقوله: لما يحكمون به. إلى قوله: و عوامّها. فإنّهم امناء الوالي و الرعيّة على ما يعمّهم من الامور أو يخصّ كلّا منهم، و على أيديهم تكون أحكام العقود و جمع المنافع و هو في قوّة صغرى ضمير تقدير كبراه: و كلّ من كان كذلك فحاجة الجند و الرعيّة إليه ضروريّة. الرابع: التجّار و ذوى الصناعات و ادّعى أنّه لا قوام للأصناف السابقة إلّا بهم و نبّه على ذلك بقوله: فيما يجتمعون عليه من مرافقهم فإنّ كلّ ما يفعله التجّار من جلب الأمتعة و بيعها و شرائها و يقيمونه من الأسواق بذلك و ما يفعله الصنّاع من المنفعة بأيديهم ممّا لا يحصل من غيرهم الانتفاع به فهي مرافق و منافع للرعيّة في مقام‏ حاجتهم و ضرورتهم و هو في قوّة صغرى ضمير كبراه ما سبق. الخامس: الطبقة السفلى من أهل الحاجة و المسكنة، و نبّه على وجه الحاجة إليهم بقوله: الّذين يحقّ رفدهم و معونتهم. و بيان ذلك أنّ رفد هؤلاء و معونتهم يستلزم اجتماع هممهم و توافر دواعيهم لرافدهم و معينهم و بهم تستنزل الرحمة و تستدرّ البركة من اللّه تعالى لأهل المدينة و يدرك الثواب الاخرويّ. فكانت الحاجة إليهم داعية لذلك. و لمّا أشار إلى وجه الحاجة إلى جميعهم قال: و في اللّه لكلّ سعة: أي في وجود اللّه و عنايته. ليعتمد على اللّه في تدبير أمورهم. إذ هو تعالى ربّ العناية الأولى و قال: و لكلّ على الوالي حقّ بقدر ما يصلحه. ليعلم أنّ مراعاة كلّ منهم واجبة عليه فيشتمل عليها. و باللّه. التوفيق.

البحث الثالث: في أمره باستصلاح كلّ صنف بأوصاف يجب أن يكون عليها، و نصبه في مقامه:

فالصنف الأوّل: الجند
و أشار إلى تعيين من يصلح لهذه المرتبة بأوصاف، و أمره و نهاه فيهم بأوامر و نواهي أمّا الأوصاف: فأحدها: من كان أنصح في نفسه للّه و لرسوله و لإمامه جيبا أي أكثرهم أمانة في العمل بأوامر اللّه و رسوله و إمامه. و ناصح الجيب كناية عن الأمين. الثاني: أفضلهم حلما. ثمّ وصف ذلك الأفضل فقال: ممّن يبطى‏ء عن الغضب و يستريح إلى العذر فيقبله إذا وجده، و يرأف بالضعفاء فلا يغلظ عليهم، و ينبو على الأقوياء: أي يعلو عليهم و يتجنّب اميل إليهم على من دونهم، ممّن لا يثيره العنف: أي لا يكون له عنف فيثيره كقوله: و لا أري الضبّ بها فينحجر. و قيل: لا يهيّجه العنف و لا يزعجه إذا فعل، و لا يقعد به الضعف عن إقامة حدود اللّه و أخذ الحقوق من الظالمين أي لا يكون له ضعف فيقعده عن ذلك. الثالث: من كان من أهل الأحساب و البيوتات الصالحة و السوابق الحسنة من الأحوال و الأفعال و الأقوال الخيريّة. الرابع: من يكون من أهل النجدة و الشجاعة.

الخامس: من يكون من أهل السخاء و السماحة. و أمّا الأوامر: فأحدها: أن يولّى من الجند من كان بهذه الصفات. الثاني: أن يلصق بمن ذكر منهم: أي يلزمهم في هذه المرتبة. و رغّب فيهم بقوله: فإنّهم. إلى قوله: من العرف و وصفهم بكونهم جماع من الكرم و شعب من العرف إطلاقا لاسم اللازم على ملزومه. إذ كان الجماع من الكرم و هو الفضائل المذكورة لازمة لهم. و الأمانة و السخاء و السماحة فضائل تحت العفّة. و الحلم و النجدة فضيلتان تحت الشجاعة. و يحتمل أن يكون الضمير في قوله: فإنّهم.
عائدا إلى الفضائل المذكورة كقوله تعالى فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي يشير إلى الأصنام. الثالث: أن يتفقّد من أمورهم و مصالحهم ما يتفقّده الولدان، و هو كناية عن نهاية الشفقّة عليهم. الرابع: نهاه أن يعظم في نفسه شي‏ء يقوّيهم به من مال أو نفع فيدعوه إلى التقاصر في حقّهم. الخامس: و أن لا يحتقر لطفا يتعاهدهم به فيحمله احتقاره على تركه. و احتجّ لأولويّة فعله و إن قلّ بقوله: فإنّه داعية. إلى قوله: الظنّ بك. و تقدير كبرى هذا الضمير: و كلّما كان كذلك فالأولى بك فعله. السادس: نهاه أن يدع تفقّد الصغير من امورهم اعتمادا على تفقّد عظيمها و احتجّ لأولويّة فعله بقوله: فإنّ اليسير. إلى قوله: موقعا لا يستغنون عنه. و المعنى ظاهر. فإنّ موضع اليسير المنتفع به لا يستغنى فيه عن الجسيم. و تقدير كبرى هذا الضمير: و كلّما كان له موضعا ينتفع به فالأولى فعله في موضعه لينتفع به. السابع: أمره أن يكون آثر رءوس جنده عنده من كان بالصفات المذكورة و هو الّذي يواسي من تحت يده من الجند فيما يحصل له من المعونة، و يفضل عليهم ممّا في يده بما يسعهم و يسع من ورائهم من ضعفاء أهليهم و خلوفهم حتّى يكون بذلك همّهم واحدا فيكونوا بمنزلة رجل واحد في جهاد العدوّ. ثمّ رغّب في العطف عليهم‏

بما يستلزمه من عطف قلوبهم عليه و هو في قوّة صغرى ضمير تقدير كبراه: و كلّما كان مستلزما لعطف قلوبهم ففعله واجب و مصلحة. و أيضا لمّا كانت صحّة محبّتهم من أهمّ المطالب بيّن أنّها لا يتمّ إلّا بأمور ثلاثة: أحدها: حيطهم و محافظتهم ولاة أمورهم. الثاني: قلّة استثقال دولهم. الثالث: أن يتركوا استبطاء انقطاع مدّة دولهم، و ذلك في قوّة صغرى ضمير تقدير كبراه: و ما لا يتمّ أهمّ المطالب إلّا به كان من أهمّ المطالب. الثامن: أمره أن يفسح لهم: أى يجعل لهم من نفسه طمعا يفتسح به آمالهم فيه لأنّ ذلك ممّا لا يتمّ الأمور الثلاثة المذكورة إلّا به ولد لك رتّب هذا الأمر عليها بالفاء. التاسع: أمره أن يواصل من حسن الثناء عليهم و تعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم و احتجّ لوجوب ذلك بقوله: فإنّ كثرة الذكر. إلى قوله: إنشاء اللّه. و هو ظاهر و القضيّة في قوّة صغرى ضمير تقدير كبراه: و كلّما كان كذلك كان واجبا. العاشر: أمره أن يعرف لكلّ امرء ما أبلى و ينسبه إليه لأنّه يهزّ الشجاع و يشجّع الجبان. الحادي عشر: نهاه أن يضمّ بلاء امرء إلى غيره. الثاني عشر: و أن يقصر به دون غاية بلائه فيذكر بعضه أو يحقّره. الثالث عشر: و أن يدعوه شرف امرء إلى أن يعظم صغير بلائه، أو ضعة امرء أن يستصغر كثير بلائه فإنّ كلّ ذلك داعية الكسل و الفتور عن الجهاد. الرابع عشر: أمره أن يردّ إلى اللّه و رسوله ما يضلعه من الخطوب و يشتبه عليه من الامور محتجّا بالآية. ثمّ فسّر الردّ إلى اللّه بالأخذ بمحكم كتابه، و الردّ إلى الرسول بالأخذ بسنّته. و وصف السنة بكونها جامعة لأنّ مدارها على وجوب الألفة و اجتماع الخلق على طاعة اللّه و سلوك سلوكه.

الصنف الثاني: قضاة العدل
و عيّنهم له بأوصاف و أمره فيهم بأوامر:

أمّا التعين فأوجب أن يكون أفضل رعيّته في نفسه، و ميّز ذلك الأفضل بصفات: أحدها: أن يكون ممّن لا يضيق به الامور فيحار فيها حين تورد عليه. الثاني: و ممّن لا يمحكه الخصوم: أي يغلبه على الحقّ باللجاج. و قيل: ذلك كناية عن كونه ممّن يرتضيه الخصوم فلا تلاجّه و يقبل بأوّل قوله. الثالث: أن لا يتمادى في زلّته إذا زلّ فإنّ الرجوع إلى الحقّ خير من التمادي في الضلال. الرابع: أن لا يحصر من الرجوع إلى الحقّ إذا عرفه كما يفعله قضاة السوء حفظا للجاه و خوفا من شناعة الغلط. الخامس: أن لا يشرف نفسه على طمع فإنّ الطمع في الناس داعية الحاجة إليهم و الميل عن الحقّ. السادس: أن لا يكتفى بأدنى فهم دون أقصاه لأنّ ذلك مظنّة الغلط. السابع: أن يكون أوقف الناس عند الشبهات لأنّها مظنّة الوقوع في المئاثم. الثامن: و آخذهم بالحجج. التاسع: و أقلّهم تبرّما بمراجعة الخصم لما يستلزمه التبرّم من تضييع الحقوق. العاشر: و كذلك و أصبرهم على تكشّف الأمور. الحادي عشر: و أصرمهم عند اتّضاح الحقّ فإنّ في التأخير آفات. الثاني عشر: و ممّن لا يحدث له كثرة المدح كبرا. الثالث عشر: و ممّن لا يستميله إلى غير الحقّ إغراء به ثمّ حكم بقلّة من يجتمع فيه هذه الصفات تنبيها على أنّ فيها ما هو أولى دون أن يكون شرطا في القضاء. و أمّا الأوامر: فأحدها: أن يختار من كان بالصفات المذكورة. الثاني: أن يكثر تعاهد قضائه ليقطع طمعه في الانحراف عن الحقّ لو خطر بباله. الثالث: أن يفسح له في البذل ما يزيل علّته، و هو كناية عمّا يكفيه و يقلّ معه‏ حاجته إلى الناس فلا يميل إليهم، و- ما- يحتمل أن يكون بدلا من البذل، و أن يكون مفعولا لفعل محذوف دلّ عليه البذل كأنّه قال: فيبذل له ما يزيل علّته، و أن يكون مفعولا ليفسح: أي يوسّع له ما يكفيه من المال، و يحتمل أن يكون في معنى مصدر يفسح: أي يفسح له فسحا يزيل علّته. الرابع: أن يعطيه من المنزلة عنده ما لا يطمع فيه معها غيره من خاصّته ليأمن بذلك اغتيال الأعداء. و تقدير كبرى هذا الضمير: و كلّ ما كان كذلك فواجب بذله للقاضي. الخامس: أن ينظر في اختيار من كان بهذه الصفات و فيما أمره به نظرا بالغا ليعمل بأقصاه. و علّل ذلك بقوله: فإنّ هذا الدين. إلى قوله: الدنيا. و استعار لفظ الأسير باعتبار تصريفهم له كالأسير. و الكلام صغرى ضمير تقدير كبراه: و كلّما كان كذلك فيجب النظر في اختيار من يعمل بالحقّ و يخرجه من اسر الأشرار. و باللّه التوفيق.

الصنف الثالث: العمّال
و ميّزهم أيضا بأوصاف و أمره فيهم بأوامره مصلحيّة.
أمّا الأوصاف: فأحدها: أن يكون العامل من أهل التجربة للأعمال و الولايات على علم بقواعدها. و بدء بذلك لأنّه الأصل الأكبر للعمل. الثاني: أن يكون من أهل الحياء فلا ينتهي في الانفعال إلى حدّ الاستخدام و هو طرف التفريط فيضيّع به الحقوق و المصالح و لا يتجاوزه إلى حدّ القحة فيقع في طرف الإفراط و ما يلزمه من الجفاوة و نفرة القلوب عنه. الثالث: أن يكون من أهل البيوتات الصالحة و القدم السابقة في الإسلام، و هي كناية عن البيوت المتقدّمة في الدين و الخير، و لهم في ذلك أصل معرق. و أشار إلى وجه الحكمة في تولية من كان بهذه الصفات الثلاث بقوله: فإنّهم. إلى قوله: نظرا. و ذلك أنّ الحياء و صلاح البيوت و التقدّم في الإسلام يفيدهم كرم الأخلاق و محافظة على الأعراض من المطاعن و قلّة الإشراف و التطّلع إلى المطامع الدنيّة، و التجربة يفيدهم بلاغة النظر في عواقب الأمور. و الكلام في قوّة صغرى ضمير تقدير كبراه: و كلّ من كان كذلك فهو أولى أن يقصد بالتوليه و العمل. و أمّا الأوامر: فأوّلها: أن ينظر في امورهم فيستعملهم بعد التجربة و الاختبار و لا يولّيهم محاباة و أثرة كأن يعطونه شيئا على الولاية فيولّيهم و يستأثر بذلك دون مشاورة فيه فإنّهما: أى المحاباة و الأثرة- كما هو مصرّح به في بعض النسخ عوض الضمير- جماع من شعب الجور و الخيانة أمّا الجور فللخروج بهما عن واجب العدل المأمور به شرعا و أمّا الخيانة فلأنّ التحرّى في اختيارهم من الدين و هو أمانة في يد الناصب لهم فكان نصبهم من دون ذلك بمجرّد المحاباة و الأثرة خروجا عن الأمانة و نوعا من الخيابة. و ثانيها: أن يقصد بالعمل من كان بالصفات المذكورة للعلل المذكورة. الثالث: أن يسبغ عليهم الأرزاق. و بيّن المصلحة في ذلك من ثلاثة أوجه: أحدها: أنّ عمومهم بالأرزاق يكون قوّة لهم على استصلاح أنفسهم الّذي لا بدّ منه. الثاني: أنّه غنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم من مال المسلمين. الثالث: أنّه يكون حجّة له عليهم إن خالفوا أمره أو ثلموا أمانته. و استعار لفظ الثلم للخيانة. و الوجوه الثلاثة صغريات ضماير تقدير كبرياتها: و كلّما كان كذلك كان فعله مصلحة واجبة. الرابع: أن يتفقّد أعمالهم و يبعث العيون و الجواسيس من أهل الصدق و الوفاء عليهم، و أشار إلى وجه المصلحة في ذلك بقوله: فإنّ تعاهدك. إلى قوله: بالرعيّة. فإنّ تعهّده لامورهم مع علمهم بذلك منه يبعثهم على أداء الأمانة فيما ولّوا من الأعمال، و على الرفق بالرعيّة. و المذكور صغرى ضمير تقدير كبراه: و كلّما كان كذلك فيجب فعله. الخامس: أن يتحفّظ من خيانة الأعوان من العمّال. و أرشده بقوله: فإن أحد منهم بسط. إلى قوله: التهمة. إلى ما ينبغي من تأديبهم و إقامة سنّة اللّه فيهم. و استعار لفظ التقليد لتعليق نسبة التهمة إليه ملاحظة لشبهها بما يقلّد به من الشعار المحسوس‏ و اللفظ في غاية الفصاحة، و هذه العقوبة مقدّرة بحسب العرف و رأى الإمام أو من ارتضاه.

الصنف الرابع: أهل الخراج
و أمره فيهم بأوامر: أحدها: أن يتفقّد أمر خراجهم و يفعل فيه ما يصلح أهله مما سيشرحه. ثمّ أشار إلى وجه المصلحة فيه بضمير صغراه: قوله: فإنّ صلاحه. إلى قوله: إلّا بهم. و نبّه بقوله: لا صلاح لمن سواهم إلّا بهم على حصر صلاح الغير فيهم تأكيدا، و تقدير الكبرى: و كلّ من كان لاصلاح للناس إلّا به فيجب مراعاة اموره و تفقّد أحواله.
ثمّ بيّن الصغرى بقوله: لأنّ الناس كلّهم عيال على الخراج و أهله. و هو ظاهر في ذلك الوقت. الثاني: أن يكون نظره في عمارة الأرض أبلغ من نظره في طلب الخراج و استجلابه، و نبّه على وجه الحكمة فيه بقوله: لأنّ ذلك: أي الخراج لا يدرك إلّا بالعمارة. و هو في قوّة صغرى ضمير. ثمّ بيّنها بقوله: و من طلب إلى قوله: قليلا. و هو إشارة إلى ما يلزم نقيض المدّعى و هي مفاسد ثلاث أحدها: إخراب البلاد لعدم العمارة، و الثاني: إهلاك العباد لتكليفهم ما ليس في وسعهم، و الثالث: عدم استقامة أمر الطالب للخراج و الوالي على أهله. و هو لازم عن الأوّلين. و تقدير الكبرى: و كلّ ما لا يدرك إلّا بالعمارة وجب أن يكون النظر فيها أبلغ من النظر فيه فينتج أنّ النظر في العمارة يجب أن يكون أبلغ من النظر في الخراج. الثالث: أمره أن يخفّف عنهم من خراجهم ما يرجو أن يصلح به أمرهم على تقدير أن يشكوا من حالهم ما عساه يلحقهم من قبل أرضهم من ثقل خراج أو علّة سماويّة أو انقطاع نصيب كان لهم من الماء أو تغيّر أرض و فسادها بسبب غرق أو عطش، ثمّ نهاه يستثقل بما يخفّف عنهم به المئونة. و أشار إلى وجه الحكمة فيه بقوله: فإنّه ذخر.
إلى قوله: العدل فيهم. و معناه ظاهر.- و معتمدا- نصب على الحال و العامل خفّفت، و- فضل- نصب بالمفعول عن معتمدا، و قوله: و الثقة. عطف على المفعول المذكور، و نبّه على وجه المصلحة في اعتماد فضل قوّتهم بإراحتهم و الثقة بينهم بما عوّدهم من عدله‏ بقوله: فربّما حدث. إلى قوله: أنفسهم به. و تقدير الكلام خفّف عنهم معتمدا فضل قوّتهم فإنّ ذلك يستلزم احتمالهم لما عساه يحدث من الأمور فيحتملونه إذا عوّلت عليهم فيه بطيب نفس، و هو في قوّة صغرى ضمير تقدير كبراه: و كلّ من كان كذلك فواجب أن يخفّف عنهم و يعتمد فضل قوّتهم، و في قوله: فإنّ العمران محتمل ما حمّلته. بيان الصغرى لأنّ التخفيف عنهم يستلزم عمران أرضهم و هو يستلزم احتمالهم لما يرد عليهم من حوادث الامور. ثم نبّه بقوله: و إنّما يؤتى خراب الأرض. إلى قوله: أهلها. على سبب الخراب. و بقوله: و إنّما يعوز. إلى قوله: العبر. على ذلك السبب و هو مركّب من ثلاثة أجراء: أحدها: إشراف نفوس الولاة على الجمع، و الثاني: سوء ظنّ أحدهم أنّه لا يبقى في العمل، و الثالث: عدم انتفاعهم بالعبر لقلّة التفاتهم إليها. و ظاهر أنّ هذه الأمور إذا اجتمعت في الوالي استلزمت جمعه للمال و استقصائه على الرعيّة و استلزم ذلك إعوازهم و فقرهم فاستلزم ذلك خراب أرضهم و تعطيل عمارتها.

الصنف الخامس: الكتّاب
و أمره فيهم بأوامر: أحدها: أن يولّى أموره خيرهم، و تفسير الخير هنا هو من كان تقيّا قيّما بما يراد منه من مصالح العمل. الثاني: أن يخصّ رسائله و أسراره و مكائده بأجمعهم لصالح الأخلاق، و قد علمت أصولها غير مرّة و هي العلم بوجوه الآراء المصلحيّة و التهدّي إلى وضع كلّ شي‏ء موضعه ثمّ العفّة و الشجاعة و العدالة مع ما تحت الأربعة من الفضائل الخلقيّة ثمّ فسّر بعض الفضائل الّتي عساها أن يخفى، و ذكر منها خمسا: إحداها: عدم البطر، و هي فضيلة تلزم الشكر و هو فضيلة تحت العفّة. و نفّر عن صاحب البطر بقوله: فيجتزئ. إلى قوله: ملأ. و هو في قوّة صغرى ضمير تقدير كبراه: و كلّ من يجترء عليك كذلك فغير صالح لولاية أمرك. الثانية: الفطنة و الذكاء فيما هو بصدده من الأمور المذكورة، و كنّى عن ذلك بقوله: ممّن لا تقصر به الغفلة. إلى قوله: منك. و الذكاء: فضيلة تحت الحكمة. 168 الثالثة: أن لا يكون ممّن يضعّف عقدا يعتقده لك من الامور بل يجعله محكما. الرابعة: أن لا يعجز عن إطلاق ما اعتقده عليك خصومك من الامور بالحيلة و الخديعة، و هذان لازمان لأصالة الرأي و هو فضيلة تحت الحكمة. الخامسة: أن لا يجهل مبلغ قدر نفسه في الامور فيرفعها إلى فوق محلّها و مرتبتها و هي فضيلة تحت الحكمة الخلقيّة أيضا، و نبّه على اجتناب الجاهل بذلك بقوله: فإنّ الجاهل. إلى قوله: أجهل، و هي صغرى ضمير تقدير كبراه: و كلّ من كان كذلك فيجب اجتنابه. الثالث: نهاه أن يكون اختياره للعمّال تفرّسا منه و سكونا و حسن ظنّ بأحدهم، و أشار إلى وجه المفسدة في ذلك بقوله: فإنّ الرجال. إلى قوله: شي‏ء. و المعنى أنّ الرجال قد يتصنّعون بحسن الخدمة و يتعرّضون لأنّ يتفرّس فيهم الولاة فيعرفونهم بذلك مع أنّه ليس وراء ذلك التصنّع من النصيحة و الأمانة شي‏ء و هو صغرى ضمير تقدير كبراه: و كلّ من كان كذلك فينبغي أن لا يعتمد على اختياره بحسب الفراسة. الرابع: لمّا نهى أن يوقع اختيارهم كذلك أمره أن يختبرهم بولايتهم لمن كان قبله من الصالحين إرشادا إلى وجه الاختيار و يعضد إلى من كان بالصفات المذكورة و هو أن يكون أحسن أثرا في العامّة و أعرفهم بوجه الأمانة في الدين. و رغّبه في ذلك بضمير صغراه قوله: فإنّ ذلك. إلى قوله: أمره. و تقدير كبراه: و كلّما كان كذلك وجب فعله. الخامس: أمره أن يجعل لرأس كلّ أمر من اموره رأسا من الكتّاب الموصوفين بكونهم مناسبا له بحيث لا يكبر عليه كبيرة فيقهره و لا يكثر عليه كثيرة فيتشتّت عن ضبطه و يقصر دونه. السادس: نهاه أن يتغافل عمّا يكون في كتابه من عيب و نبّهه على ذلك بقوله: و مهما. إلى قوله: ألزمته. و هو صغرى ضمير تقديره: فإنّ كلّ ما يتغافل عنه من‏ ذلك تلزم به، و تقدير كبراه: و كلّ ما تلزم به فلا يجوز أن يتغافل عنه.

الصنف السادس: التجّار و ذوو الصناعات
و أمره فيهم بأوامر: أوّلها: أن يستوصى بهم خيرا. الثاني: أن يوصى بهم كذلك بأصنافهم المقيم منهم و المضطرب في تجارته بماله و المترفّق ببدنه و هم أهل الصنائع، و أشار إلى وجه الحكمة في الوصيّة بهم و العناية بحالهم من وجهين: أحدهما: منفعتهم، و ذلك قوله: فإنّهم. إلى قوله: عليها. و الضمير في قوله: مواضعها و عليها. يعود إلى المنافع و حيث: أي و من حيث كان لا يجتمع الناس لمواضع تلك المنافع منه و لا يجترءون عليها فيه و ذلك الحيث كالبحار و الجبال و نحوها. الثاني: أنّه لا مضرّة فيهم و ذلك قوله: فإنّهم. إلى قوله: غائلته. و تقدير كبرى الضميرين: و كلّ من كان كذلك فيجب الاستيصاء به و الوصيّة بالخير في حقّه. الثالث: أن يتفقّد امورهم بحضرته و في حواشي بلاده ما عساه يعرض لهم من المظالم و الموانع ليزيلها عنهم. الرابع: أن يعلم ما فيهم من المعائب المعدودة و هي الضيق الفاحش، و الشحّ. و الضيق هنا البخل، ثمّ الاحتكار للمنافع الّتي يعمّ نفعها و هى الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن و الملح، ثمّ التحكّم في البياعات و هو عبارة عن البيع على حكمه بالهوى المطلق من غير تقيّد بشريعة أو عرف فإنّ ذلك عدول عن العدل إلى رذيلة الجور. ثمّ نبّه على وجه المفسدة اللازمة لتلك المعايب بقوله: و ذلك. إلى قوله: الولاة: أمّا أنّه مضرّة فظاهر، و أمّا أنّه عيب على الولاة فلأنّ قانون العدل بأيديهم فإذا أهملوا بترك ردّ هؤلاء عن طرق الجور توجّهت اللائمة نحوهم و العيب عليهم و هو صغرى ضمير تقدير كبراه: و كلّما كان كذلك فيجب إنكاره و دفعه. الخامس: لمّا بين له وجه المفسدة في تلك المعايب أمره بمنع الاحتكار و احتجّ بمنع الرسول صلّى اللّه عليه و آله. السادس: أمره بكون البيع سهلا سمحا و أن يكون بموازين عدل و أسعار لا تجحف بالبايع فيذهب أصل مبيعه، و لا بالمشترى فيذهب رأس ماله. السابع: أمره بايقاع النكال على من احتكر بعد نهيه عن ذلك، و أن يعاقبه من غير إسراف.

الصنف السابع: الطبقة السفلى
و ميّزهم بأوصاف و أمر فيهم بأوامر و نواهي: أمّا تميّزهم فالعاجزون عن الحيلة و الاكتساب و المساكين و المحتاجون و أهل البؤسى و الزمنى، و هؤلاء كلّهم و إن دخل بعضهم في بعض إلّا أنّه عدّدهم بحسب تعدّد صفاتهم لمزيد العناية بهم كيلا يتغافل عن أحدهم و تثاقل فيه. و أمّا الأوامر: فأحدها: أنّه حذّر من اللّه فيهم، و أشار إلى وجه الحكمة في ذلك التحذير بقوله: فإنّ فيهم قانعا و معترّا، و هو صغرى ضمير تقدير كبراه: و كلّ من كان كذلك فيجب أن يحذّر اللّه فيه و يحفظ له ما استحفظ من حقّه فيه. الثاني: أن يجعل لهم قسما من بيت ماله و من صوافي الإسلام في كلّ بلد. و أضاف بيت المال إليه و أراد الّذي يليه. و نبّهه على ذلك بقوله: فإنّ للأقصى.

إلى قوله: حقّه. و تقدير كبرى هذا الضمير: و كلّ من كان كذلك وجب أن يحسن الرعاية في حقّه بأدائه إليه. الثالث: نهاه أن يشغله عنهم بطر. و نفّر عن الاشتغال عنهم بقوله: فإنّك لا تعذر. إلى قوله: المهمّ. و أراد بالتافه القليل من امورهم و أحوالهم و هو صغرى ضمير تقدير كبراه: و كلّ من لا يعذر بذلك فلا يجوز له الشغل عنه. الرابع: نهاه أن يشخص همّه عنهم: أي يرفعه حتّى لا يتناولهم. الخامس: نهاه أن يصعّر خدّه لهم، و هو كناية عن التكبّر عليهم. السادس: أمره أن يتفقّد امور من لا يمكنه الوصول إليه منهم لعجزه و حقارته في عيون الأعوان و الجند، و أن يفرّغ لهؤلاء ثقة له من أهل الخشية و التواضع و ينصبه لهم ليرفع إليه أمورهم. السابع أن يعمل فيهم بالأعذار إلى اللّه سبحانه يوم يلقاه: أي يعمل في حقّهم ما أمره اللّه به بحيث يعذر إليه: أي يكون ذا عذر عنده إذا سأله عن فعله بهم، و

نبّه على وجه الحكمة في مزيد العناية بهم بقوله: فإنّ هؤلاء. إلى قوله: غيرهم. الثامن: أكّد الأمر بالإعذار إلى اللّه في تأدية حقّ كلّ واحد من المذكوين إليه. التاسع: أمره أن يتعهّد الأيتام و ذوى الرقّة في السنّ: أي الّذين بلغوا في الشيخوخة إلى أن رقّ جلدهم و ضعف حالهم عن النهوض فلا حيلة لهم، و ممّن لا ينصب نفسه للمسألة حياء مع حاجته و فقره. ثمّ أشار إلى ثقل التكليف بمجموع الأوامر السابقة بقوله: و ذلك على الولاة ثقيل، و بقوله: و الحقّ كلّه ثقيل توطينا لنفسه على ذلك. ثمّ رغّب فيه بقوله: و قد يخفّف اللّه. إلى قوله: لهم. فنسب تخفيفه إلى اللّه ليرغب إليه، فيه و شجّعه على فعله و استسهاله بذكر صفات الصالحين و هم الّذين طلبوا العافية من بلاء اللّه في الآخرة فاستسهلوا ما صعب من التكاليف الدنيويّة بالقياس إليه و وثقوا بصدق موعود اللّه لهم في دار القرار. و باللّه التوفيق.

الفصل الرابع: في أوامر و نواهي مصلحيّة و آداب خلقيّة و سياسيّه بعضها عامّة و بعضها خاصّة

يتعلّق بعمّاله و بخاصّته و ببطانته و بنفسه و أحوال عبادته إلى غير ذلك، و هو قوله: وَ اجْعَلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ- وَ تَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً- فَتَتَوَاضَعُ فِيهِ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَكَ- وَ تُقْعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَ أَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَ شُرَطِكَ- حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ- فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ- لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لَا يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ- غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ- ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ مِنْهُمْ وَ الْعِيَّ- وَ نَحِّ عَنْهُمُ الضِّيقَ وَ الْأَنَفَ- يَبْسُطِ اللَّهُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ أَكْنَافَ‏ رَحْمَتِهِ- وَ يُوجِبْ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ- وَ أَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً وَ امْنَعْ فِي إِجْمَالٍ وَ إِعْذَارٍ- ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا- مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا عَنْهُ كُتَّابُكَ- وَ مِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ يَوْمَ وُرُودِهَا عَلَيْكَ- بِمَا تَحْرَجُ بِهِ صُدُورُ أَعْوَانِكَ- وَ أَمْضِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلَهُ فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا فِيهِ: وَ اجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اللَّهِ- أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ وَ أَجْزَلَ تِلْكَ الْأَقْسَامِ- وَ إِنْ كَانَتْ كُلُّهَا لِلَّهِ إِذَا صَلَحَتْ فِيهَا النِّيَّةُ- وَ سَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ- وَ لْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ بِهِ لِلَّهِ دِينَكَ إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ- الَّتِي هِيَ لَهُ خَاصَّةً- فَأَعْطِ اللَّهَ مِنْ بَدَنِكَ فِي لَيْلِكَ وَ نَهَارِكَ- وَ وَفِّ مَا تَقَرَّبْتَ بِهِ إِلَى اللَّهِ- مِنْ ذَلِكَ كَامِلًا غَيْرَ مَثْلُومٍ وَ لَا مَنْقُوصٍ- بَالِغاً مِنْ بَدَنِكَ مَا بَلَغَ- وَ إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ لِلنَّاسِ- فَلَا تَكُونَنَّ مُنَفِّراً وَ لَا مُضَيِّعاً- فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ بِهِ الْعِلَّةُ وَ لَهُ الْحَاجَةُ- وَ قَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص حِينَ وَجَّهَنِي إِلَى الْيَمَنِ- كَيْفَ أُصَلِّي بِهِمْ- فَقَالَ صَلِّ بِهِمْ كَصَلَاةِ أَضْعَفِهِمْ- وَ كُنْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً وَ أَمَّا بَعْدَ فَلَا تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ- فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلَاةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ- وَ قِلَّةُ عِلْمٍ بِالْأُمُورِ- وَ الِاحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دُونَهُ- فَيَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْكَبِيرُ وَ يَعْظُمُ الصَّغِيرُ- وَ يَقْبُحُ الْحَسَنُ وَ يَحْسُنُ الْقَبِيحُ- وَ يُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ- وَ إِنَّمَا الْوَالِي بَشَرٌ- لَا يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ- وَ لَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ- تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ- وَ إِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ- إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ فِي الْحَقِّ- فَفِيمَ احْتِجَابُكَ مِنْ وَاجِبِ حَقٍّ تُعْطِيهِ- أَوْ فِعْلٍ كَرِيمٍ تُسْدِيهِ أَوْ مُبْتَلًى بِالْمَنْعِ- فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ النَّاسِ عَنْ مَسْأَلَتِكَ- إِذَا أَيِسُوا مِنْ بَذْلِكَ- مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَيْكَ- مِمَّا لَا مَئُونَةَ فِيهِ عَلَيْكَ- مِنْ شَكَاةِ مَظْلِمَةٍ أَوْ طَلَبِ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وَ بِطَانَةً- فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ وَ تَطَاوُلٌ وَ قِلَّةُ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ- فَاحْسِمْ مَادَّةَ أُولَئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ- وَ لَا تُقْطِعَنَّ لِأَحَدٍ مِنْ حَاشِيَتِكَ وَ حَامَّتِكَ قَطِيعَةً- وَ لَا يَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِي اعْتِقَادِ عُقْدَةٍ- تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيهَا مِنَ النَّاسِ- فِي شِرْبٍ أَوْ عَمَلٍ مُشْتَرَكٍ- يَحْمِلُونَ مَئُونَتَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ- فَيَكُونَ مَهْنَأُ ذَلِكَ لَهُمْ دُونَكَ- وَ عَيْبُهُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ- وَ أَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ الْقَرِيبِ وَ الْبَعِيدِ- وَ كُنْ فِي ذَلِكَ صَابِراً مُحْتَسِباً- وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ وَ خَاصَّتِكَ حَيْثُ وَقَعَ- وَ ابْتَغِ عَاقِبَتَهُ بِمَا يَثْقُلُ عَلَيْكَ‏ مِنْهُ- فَإِنَّ مَغَبَّةَ ذَلِكَ مَحْمُودَةٌ- وَ إِنْ ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ- وَ اعْدِلْ عَنْكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ- فَإِنَّ فِي ذَلِكَ رِيَاضَةً مِنْكَ لِنَفْسِكَ وَ رِفْقاً بِرَعِيَّتِكَ وَ إِعْذَاراً- تَبْلُغُ بِهِ حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِيمِهِمْ عَلَى الْحَقِّ: وَ لَا تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّكَ و لِلَّهِ فِيهِ رِضًا- فَإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ- وَ رَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ وَ أَمْناً لِبِلَادِكَ- وَ لَكِنِ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكَ بَعْدَ صُلْحِهِ- فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ- فَخُذْ بِالْحَزْمِ وَ اتَّهِمْ فِي ذَلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ- وَ إِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ عَدُوِّكَ عُقْدَةً- أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً- فَحُطْ عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ وَ ارْعَ ذِمَّتَكَ بِالْأَمَانَةِ- وَ اجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دُونَ مَا أَعْطَيْتَ- فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ شَيْ‏ءٌ- النَّاسُ أَشَدُّ عَلَيْهِ اجْتِمَاعاً مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ- وَ تَشَتُّتِ آرَائِهِمْ- مِنْ تَعْظِيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ- وَ قَدْ لَزِمَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ- لِمَا اسْتَوْبَلُوا مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ- فَلَا تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ وَ لَا تَخِيسَنَّ بِعَهْدِكَ- وَ لَا تَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ- فَإِنَّهُ لَا يَجْتَرِئُ عَلَى اللَّهِ إِلَّا جَاهِلٌ شَقِيٌّ- وَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ عَهْدَهُ وَ ذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ بَيْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ وَ حَرِيماً يَسْكُنُونَ إِلَى مَنَعَتِهِ وَ يَسْتَفِيضُونَ إِلَى جِوَارِهِ- فَلَا إِدْغَالَ

وَ لَا مُدَالَسَةَ وَ لَا خِدَاعَ فِيهِ- وَ لَا تَعْقِدْ عَقْداً تُجَوِّزُ فِيهِ الْعِلَلَ- وَ لَا تُعَوِّلَنَّ عَلَى لَحْنِ قَوْلٍ بَعْدَ التَّأْكِيدِ وَ التَّوْثِقَةِ- وَ لَا يَدْعُوَنَّكَ ضِيقُ أَمْرٍ- لَزِمَكَ فِيهِ عَهْدُ اللَّهِ إِلَى طَلَبِ انْفِسَاخِهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ- فَإِنَّ صَبْرَكَ عَلَى ضِيقِ أَمْرٍ تَرْجُو انْفِرَاجَهُ وَ فَضْلَ عَاقِبَتِهِ- خَيْرٌ مِنْ غَدْرٍ تَخَافُ تَبِعَتَهُ- وَ أَنْ تُحِيطَ بِكَ مِنَ اللَّهِ فِيهِ طِلْبَةٌ- لَا تَسْتَقِيلُ فِيهَا دُنْيَاكَ وَ لَا آخِرَتَكَ: إِيَّاكَ وَ الدِّمَاءَ وَ سَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا- فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ أَدْعَى لِنِقْمَةٍ وَ لَا أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ- وَ لَا أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ وَ انْقِطَاعِ مُدَّةٍ- مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا- وَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِئٌ بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ- فِيمَا تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ- فَلَا تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَمٍ حَرَامٍ- فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُضْعِفُهُ وَ يُوهِنُهُ بَلْ يُزِيلُهُ وَ يَنْقُلُهُ- وَ لَا عُذْرَ لَكَ عِنْدَ اللَّهِ وَ لَا عِنْدِي فِي قَتْلِ الْعَمْدِ- لِأَنَّ فِيهِ قَوَدَ الْبَدَنِ- وَ إِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَإٍ- وَ أَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ أَوْ سَيْفُكَ أَوْ يَدُكَ بِالْعُقُوبَةِ- فَإِنَّ فِي الْوَكْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً- فَلَا تَطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ- عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ: وَ إِيَّاكَ وَ الْإِعْجَابَ بِنَفْسِكَ- وَ الثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا وَ حُبَّ الْإِطْرَاءِ- فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِهِ- لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ- وَ إِيَّاكَ وَ الْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ- أَوِ التَّزَيُّدَ فِيمَا كَانَ مِنْ فِعْلِكَ- أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ- فَإِنَّ الْمَنَّ يُبْطِلُ الْإِحْسَانَ وَ التَّزَيُّدَ يَذْهَبُ بِنُورِ الْحَقِّ- وَ الْخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْتَ عِنْدَ اللَّهِ وَ النَّاسِ- قَالَ اللَّهُ تَعَالَى- كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ وَ إِيَّاكَ وَ الْعَجَلَةَ بِالْأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا- أَوِ التَّسَقُّطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا- أَوِ اللَّجَاجَةَ فِيهَا إِذَا تَنَكَّرَتْ- أَوِ الْوَهْنَ عَنْهَا إِذَا اسْتَوْضَحَتْ- فَضَعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْضِعَهُ وَ أَوْقِعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْقِعَهُ- وَ إِيَّاكَ وَ الِاسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ- وَ التَّغَابِيَ عَمَّا تُعْنَى بِهِ مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ- فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْكَ لِغَيْرِكَ- وَ عَمَّا قَلِيلٍ تَنْكَشِفُ عَنْكَ أَغْطِيَةُ الْأُمُورِ- وَ يُنْتَصَفُ مِنْكَ لِلْمَظْلُومِ- امْلِكْ حَمِيَّةَ أَنْفِكَ وَ سَوْرَةَ حَدِّكَ- وَ سَطْوَةَ يَدِكَ وَ غَرْبَ لِسَانِكَ- وَ احْتَرِسْ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ بِكَفِّ الْبَادِرَةِ وَ تَأْخِيرِ السَّطْوَةِ- حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُكَ فَتَمْلِكَ الِاخْتِيَارَ- وَ لَنْ تَحْكُمَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِكَ- حَتَّى تُكْثِرَ هُمُومَكَ بِذِكْرِ الْمَعَادِ إِلَى رَبِّكَ- وَ الْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ مَا مَضَى لِمَنْ تَقَدَّمَكَ- مِنْ حُكُومَةٍ عَادِلَةٍ أَوْ سُنَّةٍ فَاضِلَةٍ- أَوْ أَثَرٍ عَنْ نَبِيِّنَا ص أَوْ فَرِيضَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ‏ فَتَقْتَدِيَ بِمَا شَاهَدْتَ مِمَّا عَمِلْنَا بِهِ فِيهَا- وَ تَجْتَهِدَ لِنَفْسِكَ فِي اتِّبَاعِ مَا عَهِدْتُ إِلَيْكَ فِي عَهْدِي هَذَا- وَ اسْتَوْثَقْتُ بِهِ مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِي عَلَيْكَ- لِكَيْلَا تَكُونَ لَكَ عِلَّةٌ عِنْدَ تَسَرُّعِ نَفْسِكَ إِلَى هَوَاهَا

اللغة

أقول: الشرط: قوم يعلمون أنفسهم بعلامات الخدمة يعرفون بها. و الخرق: ضدّ الرفق و الأنف: الأنفة و هى خصلة تلازم الكبر. و الأكناف: الجوانب. و الإسداء: الإعطاء. و الحامّة: القرابة. و العقدة: الضيعة، و العقدة أيضا: المكان كثير الشجر و النخل، و اعتقد الضيعة: اقتناها. و المغبّة: العاقبة. و أصحر: أى أظهر. و الدعة: الراحة. و استوبلوا الأمر: استثقلوه، و الوبال: الوخم، يقال: استوبلت البلد: استوخمت فلم يوافق ساكنها و خاس بالعهد: نقضه. و الختل: الخداع. و أفضاه: بسطه. و استفاض الماء: سال. و الإدغال: الإفساد. و الدغل: الفساد. و المدالسة: مفاعلة من التدليس في البيع و غيره كالمخادعة. و لحن القول: كالتورية و التعريض من الأمر. و الوكزة: الضربة و الدفعة، و قيل: هى بجمع اليد على الذقن و الفرصة: النوبة، و الممكن من الأمر. و سورة الرجل: سطوته و حدّة بأسه. و غرب اللسان: حدّته. و البادرة: سرعة السطوة و العقوبة.

المعنى أمّا الأمور الّتى تعمّ مصلحتها.
فأحدها: أن يجعل لذوى الحاجات نصيبا من نفسه
يفرّغ لهم فيه بدنه عن كلّ شاغل و يجلس لهم مجلسا عامّا في الأسبوع أو دونه أو فوقه حسب ما يمكن.

الثاني: أن يتواضع فيه للّه.
و رغّبه في التواضع بنسبته إلى اللّه باعتبار أنّه خالقه الّذي من شأنه أن يكون له التواضع.

الثالث: أن يعقد عنهم جنده و أعوانه.

و أبان وجه المصلحة في ذلك بقوله: حتّى يكلّمك متكلّمهم غير متتعتع، و أشار إلى علّة وجوبه بقوله: فإنّي سمعت. إلى قوله: القوىّ. و وجه الدليل من هذا الخبر أنّه لمّا دلّ بالمطابقة على و عيد الامّة الّتي‏ لا ينتصف فيها من قوىّ بعدم طهارتها المستلزم لعذابها الاخروى دلّ بالالتزام على وجوب أن يكون فيها ذلك. ثمّ لمّا كانت الامور المأمور بها ممّا لا يتمّ ذلك الواجب إلّا بها كانت بأسرها واجبة.

الرابع: أمور تلزمه مباشرتها
و إن عمّت مصلحتها. و أمور مبتدأ حذف خبره: أى و هناك امور. و نحوه. منها إجابة عمّاله بما يرى المصلحة في الجواب به فقد يعجز الكتّاب عن كثير من ذلك. و منها إصدار حوائج الناس الّتي يضيق منها صدور أعوانه عند ورورها عليه، و لا ينبغي له أن يكلها إليهم فإنّ غاية قضائهم لها إذا قضيت أن يكون على غير الوجه المرضىّ.
الخامس: أن يمضى لكلّ يوم عمله.
و نبّه على ذلك بقوله: فإنّ لكلّ يوم ما فيه. و هو صغرى ضمير تقدير كبراه: و إذا كان لكلّ يوم ما فيه وجب أن يقضى فيه ماله.

السادس: أن يجعل لنفسه في معاملته للّه أفضل تلك المواقيت
أى الأوقات المفروضة للأفعال، و أجزل أقسام الأفعال الموقّتة. فأفضلها أبعدها عن الشواغل الدنيويّة و أقربها إلى الخلوة باللّه سبحانه، و نبّه بقوله: و إن كانت. إلى قوله: الرعيّة على أن أصلح الأعمال أخلصها للّه.

السابع: أن يكون في خاصّة ما يخلصه للّه في دينه إقامة فرائضة فيخصّها
بمزيد عناية منه و رعاية.

الثامن: أن يعطي اللّه من بدنه في ليله و نهاره:
أي طاعة و عبادة فحذف المفعول الثاني للعلم به. و القرينة كون الليل و النهار محلّين للأفعال و القرينة ذكر البدن.

التاسع: أن يوفّى ما تقرّب به إلى اللّه من ذلك
و كاملا، و غير مثلوم، و بالغا أحوال. و ما نصب على المصدريّة بقوله: بالغا من بدنك ما بلغ من القوّة على الطاعة.

العاشر: من الآداب الراجعة إلى حال الإمامة بالناس في الصلاة أن يكون متوسّطا في صلاته
بين المطوّل المنفّر للناس بتطويله و بين المقصّر المضيّع لأركان الصلاة و فضيلتها، و احتجّ لنفى التثقيل و التطويل بالمعقول و المنقول: أمّا المعقول‏ فضمير صغراه: قوله: فإنّ في الناس. إلى قوله: الحاجة. و تقدير كبراه: و كلّ من كان فيه من ذكر فيجب أن يرفق به و يخفّف عنه، و أمّا المنقول فما رواه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من الخبر، و وجه التشبيه بصلاة الأضعف تخفيف الصلاة بعد حفظ أركانها و واجباتها.

الحادي عشر: من الآداب المصلحيّة لتدبير المدينة
النهي عن طول الاحتجاب عن الرعيّة. و رغّب في الانتهاء عنه من وجوه: أحدها: أنّه نوع من أنواع الضيق على الرعيّة. إذ كانت مشاهدتهم للوالي تفرّج عنهم ما يكرثهم من الأمور المهمّة لهم. الثاني: أنّه قلّة علم بالأمور: أي يلزمه ذلك فأطلق اسم اللازم على ملزومه و أكّد ذلك بقوله: و الاحتجاب عنهم يقطع منهم: أي من الولاة علم ما احتجبوا دونه من امور الرعيّة. ثمّ أشار إلى ما يلزم عدم علمهم من المفاسد و هو أن يصغر كبير الامور عندهم كأن يظلم بعض حاشية الأمير فتصغّر الأعوان جريمته عنده فيصغر و كذلك يعظم صغيرها لو وقع من ضعيف صغير ذنب في حقّ كبيره. و كذلك يقبح عندهم الحسن و يحسن القبيح، و يشاب الحقّ بالباطل و يلبس به، و ذلك قوله: فيصغر. إلى قوله: بالباطل. ثمّ نبّه على وجه لزوم قطع العلم بالأمور لطول الاحتجاب بقوله: و إنّما الوالى بشر. إلى قوله: الصدق و الكذب. و التقدير أنّه بشر و البشر من خاصّته أنّه لا يعرف ذلك إلّا بعلامة و ليس على الحقّ علامات يعرف بها ضروب صدق القول من كذبه. الثالث: أنّه رغّب في الانتهاء عنه بضمير صغراه شرطيّة منفصلة و هي قوله: و إنّما أنت. إلى قوله: بذلك. و تلخيصه أنّك إمّا أن تكون مطبوعا على السخاء بالبذل في الحقّ أو مبتلى بالمنع منه. و تقدير الكبرى. و كلّ من كان كذلك فلا يجوز له الاحتجاب. بيان الكبرى: أمّا إن كان سخيّا ببذل الحقّ فإنّه عند الطلب منه إمّا أن يعطي حقّا يجب عليه، أو يفعل فعل الكرماء و ذلك لا يجوز الاحتجاب منه، و أمّا إن كان مبتلى بالمنع فإذن يسرعون الكفّ عن مسئلته إذا أيسوا من بذله و حينئذ لا معنى‏ للاحتجاب عنهم. الرابع: قوله: مع أن أكثر. إلى قوله: معامله. و هو صغري ضمير تقدير كبراه: و كلّ من كان أكثر حاجات الناس إليه ما لا مئونة عليه فيه من الامور المذكورة فلا معنى لاحتجابه عنهم.

الثاني عشر: من الامور المصلحيّة المتعلّقة بخاصّته أن يحسم مئونتهم عن الرعيّة
فقوله: بقطع أسباب إلى قوله: مئونته. إرشاد إلى سبب قطعها، و أشار إلى وجه ذلك بذكر ما فيهم من الاستئثار على الرعيّة بالمنافع و التطاول عليهم بالأذى و قلّة الإنصاف و هو في قوّة صغرى ضمير تقدير كبراه: و كلّ من كان كذلك فيجب قطع مئونته عنهم.
و الأحوال الّتي أمر بقطع أسبابها هي وجوه المئونة المذكورة من الاستئثار و التطاول و قلّة الإنصاف. و قوله: و لا تقطعنّ. إلى قوله: مشترك. تفصيل لوجوه قطع الأسباب المذكورة فإنّ إقطاع أحدهم قطيعة و طمعه في اقتناء ضيعة تضرّ بمن يليها من الناس في ماء أو عمل مشترك يحمل مئونته على الناس كعمارة و نحوها هي أسباب الأحوال المذكورة من وجوه المئونة و قطع تلك الأحوال بقطع أسبابها. ثمّ نفّره عن أسباب المئونة على الناس بما يلزم تلك الأسباب من المفسدة في حقّه و هي كون مهنأ ذلك لهم دونه و عيبه عليه في الدنيا و الآخرة، و هو في قوّة صغرى ضمير تقدير كبراه: و كلّ ما كان مهنأه للغير و عيبه عليك فلا يجوز فعله.

الثالث عشر: أن يلزم الحقّ من يلزمه الحقّ من القريب و البعيد
و يكون في ذلك الإلزام صابرا لما عساه يلحق أقاربه من مرّ الحقّ، محتسبا له: أى مدخله في حساب ما يتقرّب به إلى اللّه تعالى و يعدّه خالصا لوجهه، واقعا ذلك الإلزام من قرابته و خواصّه حيث اتّفق وقوعه بمقتضى الشريعة، و الواو في قوله: و لكنّ. للحال، و واقعا أيضا حال و العامل قوله: و ألزم.
الرابع عشر: أن يبتغي عاقبة ذلك الإلزام بما يثقل عليه من فعله بخاصّته.

كأنّه يستفيض بفعله ما يلزمه في العاقبة من العافية من عيب الدنيا و عذاب الآخرة، و رغّب في ذلك بقوله: فإنّ مغبّة ذلك محمودة و هي تلك العافية و ما يلزمها من السعادة الباقية، و هو صغرى ضمير تقدير كبراه: و كلّ ما كانت مغبّته محمودة وجبت الرغبة في فعله.
الخامس عشر: أمره على تقدير أن تظنّ الرعيّة فيه حيفا أن يصحر لهم عذره فيما ظنّوا فيه الحيف
و يعدل عنه ظنونهم بإظهاره، و رغّب في ذلك بضمير صغراه قوله: فإنّ. إلى قوله: الحقّ: أي فإنّ في إظهار عذرك لهم أن تصير ذا عذر تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحقّ من معرفتهم أنّ فعلك حقّ لا حيف فيه، و تقدير كبراه: و كلّ ما كان كذلك فينبغي فعله.

السادس عشر: نهاه أن يدفع صلحا دعاه إليه عدوّه إذا كان صلحا يرضى اللّه
و نبّه على وجوه المصلحة فيه بضمير صغراه. قوله: فإنّ في الصلح. إلى قوله: لبلادك. و هي ثلاث مصالح ظاهرة اللزوم لصلح العدوّ، و تقدير كبراه: و كلّما كان فيه هذه المصالح فواجب قبوله.

السابع عشر: بالغ في تحذيره من العدوّ بعد صلحه
و أمره أن يأخذ بالحزم و يتّهم في الصلح حسن ظنّه الّذي عساه ينشأ عن صلحه. و نبّه على وجوب ذلك الحذر بضمير صغراه: قوله: فإنّ العدوّ ربّما قارب ليتغفّل: أي قارب عدوّه بصلحه ليطلب غفلته فيظفر به، و له عليه السّلام في ذلك شواهد التجربة. و حذف المفعولين للعلم بهما. و تقدير كبراه: و كلّ من كان كذلك فواجب أن يحذر منه.

الثامن عشر: أمره على تقدير أن يعقد بينه و بين عدوّه عهدا أن يحوطه بالوفاء
و يرعى ذمّته بالأمانة و يجعل نفسه جنّة دون ما أعطى: أي يحفظ ذلك بنفسه و لو أدّى إلى ضررها، و استعار لفظ اللبس لإدخاله في أمان الذمّة ملاحظة لشبهها بالقميص و نحوه. و كذلك لفظا الجنّة لنفسه ملاحظة لشبهها في الحفظ بالترس و نحوه.

و رغّب في ذلك بوجهين اشتمل عليهما قوله: فإنّه. إلى قوله: العذر: أحدهما: أنّ الناس أشدّ اجتماعا على ذلك من غيره من فرائض اللّه الواجبة عليهم مع تفرّق‏ أهوائهم و تشتّت آرائهم. الثاني: أنّ المشركين لزموا ذلك فيما بينهم و استثقلوا الغدر لما فيه من سوء العاقبة. و المذكوران صغريا ضمير تقدير الكبرى فيهما: و كلّما كان كذلك فيجب لزومه و المحافظة عليه. ثمّ أكّد ذلك بالنهى عن الغدر في العهد و نقض الذمّة و خداع العدوّ بمعاهدته ثمّ الغدر به، و نفّر عن ذلك بوجهين: أحدهما: قوله: فإنّه. إلى قوله: الأشقى. و هو صغرى ضمير تلخيصها: فإنّ المجترى على اللّه شقىّ، و تقدير كبراه: و ناقض العهد و المدغل فيه مجتر على اللّه، ينتج من الرابع فالشقىّ هو ناقض العهد و المدغل فيه. و يجوز أن يكون تقدير الصغرى: فإنّ ذلك جرأة على اللّه يستلزم الشقاوة، و تقدير الكبرى: و كلّما كان كذلك وجب اجتنابه لينتج من الأوّل المطلوب. الثاني: قوله: و قد جعل. إلى قوله: جواره. و أمنا: أي مأمنا و استعار لفظ الحريم للعهد، و رشّح بذكر السكون إلى منعته و الاستفاضة إلى جواره، و نبّه بذلك على وجه الاستعارة و هو الاطمينان إليه و الأمن من الفتنة بسببه فأشبه الحريم المانع، و الكلام صغرى ضمير تقدير كبراه: و كلّما كان كذلك فلا يجوز نقضه و الإدغال فيه.
التاسع عشر: نهاه أن يعقد عقدا يجوّز فيه العلل
أي الأحداث المفسدة له و هو كناية عن أمره بإحكام ما يعقد من الامور.

العشرون: نهاه أن يعتمد على لحن القول في الأيمان و العهود
بعد أن يؤكّدها و يتوثّق من غيره فيها أو يتوثّق غيره منه فيها و مثال لحن القول ما ادّعاه طلحة و الزبير من الوليجة و التورية في بيعتهما له عليه السّلام: أى لا تعتمد على ذلك من نفسك و لا تلتفت إليه من غير لو ادّعاه.

الحادي و العشرون: نهاه أن يدعوه ضيق أمر لزمه فيه عهد اللّه إلى أن يطلب إبطاله بغير حقّ،
و رغّب في الصبر عليه بقوله: فإنّ صبرك. إلى قوله: آخرتك. و هو صغرى ضمير، و أراد بتبعته ما يتبعه من العقوبة، و بالطلبة ما يطالب به يوم القيامة من لزوم العهد، و إحاطتها به كناية عن لزومها له، و بوصف الطلبة بقوله: لا تستقبل فيها دنياك و لا آخرتك. أراد أنّه لا يكون لك معها دنيا تستقبلها و تنتظر خيرها لعدم الدنيا هناك و لا آخرة تستقبلها إذ لا يستقبل في الآخرة إلّا الأمور الخيريّة. و من أحاطت به طلبته من اللّه فلا خير له في الآخرة يستقبله. و روى تستقبل بالياى: أي لا يكون لك من تلك الطلبة و التبعة إقالة في الدنيا و لا في الآخرة.

الثاني و العشرون: حذّرة من الدخول في الدماء و سفكها بغير حقّ
و هو كناية عن القتل، و نفّر عنه بوجهين: أحدهما: قوله: فإنّه. إلى قوله: حقّها، و هو صغرى ضمير تقديرها: فإنّ سفك الدماء بغير حقّ أدنى الأشياء لحلول نقمة اللّه، و أعظمها في لحوق التبعة منه، و أولاها بزوال النعمة و انقطاع مدّة الدولة و العمر. و ظاهر أنّها أقوى المعدّات للأمور الثلاثة لما يستلزمه من تطابق همم الخلق و دواعيهم على زوال القاتل و استنزال غضب اللّه عليه لكون القتل أعظم المصائب المنفور عنها و تقدير الكبرى: و كلّما كان كذلك فيجب أن يحذر فعله. الثاني: قوله: و اللّه سبحانه: إلى قوله: القيامة. و نبّه بابتدائه تعالى بالحكم بين العباد في القتل على أنّه أعظم عنده تعالى من سائر الكبائر، و هي صغرى ضمير تقدير كبراه: و كلّ ما ابتدء اللّه بالحكم فيه فيجب التحرّي فيه و اجتناب ما يكره منه.

الثالث و العشرون: نهاه أن يقوّى سلطانه و دولته بسفك الدم الحرام،
و نفّر عنه بقوله: فإنّ ذلك. إلى قوله: و ينقله. و هي صغرى ضمير بيانها ما سبق فإنّ سفك الدم الحرام لمّا استلزم الأمور الثلاثة المذكورة كان ذلك مضعفا للسلطان و مزيلا له، و تقدير الكبرى: و كلّما كان كذلك وجب اجتنابه.
الرابع و العشرون: نهاه عن قتل العمد حراما
و نفّر عنه بأمرين: أحدهما: أنّه لا عذر فيه عند اللّه و لا عنده. الثاني: أنّ فيه قود البدن. و هما صغريا ضمير تقدير الكبرى فيهما: و كلّ ما كان كذلك وجب اجتنابه.

الخامس و العشرون: نهاه أن يرتكب رذيلة الكبر عند أن يبتلى بقتل خطاء أو إفراط سوطه أو يده عليه في عقوبة
فيأخذه عزّة الملك و الكبر على أولياء المقتول فلا يؤدّى إليهم حقّهم، و نبّه بقوله: فإنّ. إلى قوله: مقتلة. على أنّ الضرب‏ باليد المسمّى وكزا قد يكون فيه القتل و هو مظنّة له.

السادس و العشرون: حذّره الإعجاب بنفسه، و الثقة بما يعجبه منها، و حبّ الإطراء.
و الأخيران سببان لدوام الإعجاب و مادّة له، و نفّر عن الثلاثة بقوله: فإنّ ذلك. إلى قوله: المحسنين. و في نفسه متعلّق بأوثق. و قوله: ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين. يحتمل وجهين: أحدهما: أنّه لمّا كان الإعجاب من الهلكات لم ينفع معه إحسان المحسن فإذا تمكّن الشيطان من الفرصة و زيّن الإعجاب للإنسان و ارتكبه محقّ لذلك ما يكون له من الإحسان. و الثاني: إنّ المعجب بنفسه لا يرى لأحد عنده إحسانا فيكون إعجابه ماحقا لإحسان من أحسن إليه. و لمّا كان مبدء الإعجاب هو الشيطان كان الماحق لإحسان المحسن أيضا هو الشيطان فلذلك نسبه إليه، و الكلام في قوّة صغرى ضمير تقدير كبراه: و كلّما كان أوثق فرص الشيطان في نفسه وجب الاحتراز عنه.

السابع و العشرون: حذّره رذائل ثلاثة.
أحدها: المنّ على الرعيّة بإحسانه إليهم. الثانية: التزيّد فيما فعله في حقّهم و هو أن ينسب إلى نفسه من الإحسان إليهم أزيد ممّا فعل. الثالثة: أن يخلف موعوده لهم. ثمّ نفّر عن المنّ بقوله: فإنّ المنّ يبطل الإحسان، و ذلك إشارة إلى قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذى‏«» و عن التزيّد بقوله: فإنّ التزيّد يذهب بنور الحقّ. و أراد بالحقّ هنا الإحسان إليهم، أو الصدق في ذكره في موضع يحتاج إليه فإنّ على ذلك نورا عقليّا ترتاح له النفوس و تلتذّ به. و لمّا كان التزيّد نوعا من الكذب و هو رذيلة عظيمة لا جرم كان ممّا يذهب نور ذلك الحقّ و يطفيه فلا يكون له وقع في نفوس الخلق. و نفّر عن الخلف بقوله يوجب: المقت عند اللّه و الناس: أمّا عند الناس فظاهر و أمّا عند اللّه فلقوله تعالى كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ«» الآية. و الثلاثة صغريّات ضماير تقدير كبرياتها: و كلّما كان كذلك وجب اجتنابه.

الثامن و العشرون: حذّره من إيقاع الامور
على أحد طرفي التفريط و الإفراط فطرف الإفراط في الطلب العجلة بها قبل أوانها أو اللجاجة فيها عند تنكّرها و تغيّر وجوه مأخذها و عدم اتّضاحها و تسهّلها، و طرف التفريط التساقط فيها و القعود عنها إذا أمكنت و هو يقابل العجلة فيها أو الضعف عنها إذا استوضحت و هو يقابل اللجاجة فيها عند تنكّرها. و استلزم النهى عن هذين الطرفين الأمر بإيقاعها على نقطة العدل و هي الحدّ الأوسط من الطرفين و موضعها الحقّ فلذلك قال: فيضع كلّ أمر موضعه و أوقع كلّ عمل موقعه.

التاسع و العشرون: حذّره من الاستئثار بما يجب تساوى الناس فيه
كالّذي يستحسن من مال المسلمين و نحوه.

الثلاثون. و عن التغافل عمّا يجب العلم و العناية به
من حقوق الناس المأخوذة ظلما ممّا قد وضح للعيون إهمالك له. و نفّر عن ذلك بقوله: التغابي. إلى قوله: للمظلوم، و أراد ما يستأثر به من حقوق الناس و يتغافل عنها، و ما في قوله: عمّا. زائدة، و أراد بالقليل مدّة الحياة الدنيا، و أشار بأغطية الامور إلى الهيئات البدنيّة الحاجبة لحقايق الامور من أن يدركها بصر بصيرته. و قد علمت أنّ انكشاف تلك الأغطية عنه بطرح بدنه و حينئذ يشاهد ما أعدّ له من خير أو شرّ كما قال تعالى يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً«» الآية.

الحادي و الثلاثون: أمره أن يملك حميّة أنفه:
أى أنفته ممّا يقع من الامور المكروهة، و سورة حدّه، و حدّة لسانه و ملكه لهذه الامور إنّما يكون بالاحتراس عن تعدّى قوّته الغضبيّة و وقوفه في فعلها على حاقّ الوسط بحيث لا يعبر فيها إلى حدّ الإفراط فيقع في رذيلة التهوّر و يلزمه في تلك الرذيلة الظلم.

الثاني و الثلاثون: أمره بالاحتراس من تلك الامور
و أرشده إلى أسبابه و هو كفّ البادرة و تأخير السطوة إلى حين سكون الغضب ليحصل له بذلك الاختيار في الفعل و الترك الّذي عساه مصلحة، و أشار إلى وجه إحكام تلك الأسباب بقوله: و لن تحكم ذلك. إلى قوله: عليك. و ذلك أنّ كثرة الهمّ عن ذكر المعاد و الفكر في أمور الآخرة ماح للرغبة في الامور الدنيويّة الّتي هى المشاجرات و ثوران الغضب.

الثالث و الثلاثون
أوجب عليه أمرين فيهما جماع ما أوصاه به في هذا العهد إجمالا: أحدهما: أن يتذّكر ما مضى لمن تقدّمه من الحكومات العادلة للولاة قبله، أو من الآثار المنقولة عن نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله، أو من فرائض اللّه ليقتدى بما شاهد من عمله عليه السّلام فيها. الثاني: أن يجتهد لنفسه في اتّباع ما عهد إليه في عهده هذا و استوثق به من الحجّة لنفسه عليه و هي الموعظة و التذكير بأوامر اللّه لكيلا يكون له عليه حجّة يحتجّ بها عند تسرّع نفسه إلى هواها كما قال تعالى لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ«».

و من هذا العهد ايضا

وَ أَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ بِسَعَةِ رَحْمَتِهِ- وَ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إِعْطَاءِ كُلِّ رَغْبَةٍ- أَنْ يُوَفِّقَنِي وَ إِيَّاكَ لِمَا فِيهِ رِضَاهُ- مِنَ الْإِقَامَةِ عَلَى الْعُذْرِ الْوَاضِحِ إِلَيْهِ وَ إِلَى خَلْقِهِ- مَعَ حُسْنِ الثَّنَاءِ فِي الْعِبَادِ وَ جَمِيلِ الْأَثَرِ فِي الْبِلَادِ- وَ تَمَامِ النِّعْمَةِ وَ تَضْعِيفِ الْكَرَامَةِ- وَ أَنْ يَخْتِمَ لِي وَ لَكَ بِالسَّعَادَةِ وَ الشَّهَادَةِ- إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ وَ السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَ عَلَى آلِهِ وَ سَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً

 

المعنى

أقول: ختم هذا العهد بسؤال اللّه عن يوفّقهما لما فيه رضاه، و أقسم عليه في إجابة سؤاله برحمته الّتي وسعت كلّ شي‏ء و بقدرته العظيمة على إعطاء كلّ رغبة. و ظاهر كونهما مبدءين لإجابة السائلين ثمّ فصّل ما سأله ممّا فيه رضا اللّه و هي امور: أحدها: الإقامة على العذر الواضح إلى اللّه و إلى خلقه. فإن قلت: العذر إنّما يكون عن ذنب فمن أقام على طاعة اللّه كيف يكون فعله عذرا قلت: يحتمل أن يكون العذر اسما من الإعذار إلى اللّه و هو المبالغة في الإتيان بأوامره فكأنّه قال: من الإقامة على المبالغة إليه في أداء أوامره. الثاني: حسن الثناء في العباد و جميل الأثر و هو ما يؤثر من الأفعال الحميدة في البلاد، و ذلك ممّا سأله الأنبياء كإبراهيم عليه السّلام وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ«» قيل هو الذكر الجميل في الناس. الثالث: أن يتمّ نعمته عليهما. الرابع: تضعيف كرامته لهما. الخامس: الخاتمة الحسنة بالسعادة و ما يوصل إليها من الشهادة، و نبّه بقوله: إنّا إليه راغبون. على صدق نيّته في سؤاله، ثمّ ختم بالسلام على رسول اللّه و الصلاة عليه و آله.

شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 5 ، صفحه‏ى 135

Show More

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

Back to top button
-+=