50 و من كتاب له ع إلى أمرائه على الجيوش
مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ رَفَعَهُ إِلَى أَصْحَابِ الْمَسَالِحِ- أَمَّا بَعْدُ- فَإِنَّ حَقّاً عَلَى الْوَالِي أَلَّا يُغَيِّرَهُ عَلَى رَعِيَّتِهِ فَضْلٌ نَالَهُ- وَ لَا طَوْلٌ خُصَّ بِهِ- وَ أَنْ يَزِيدَهُ مَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ نِعَمِهِ دُنُوّاً مِنْ عِبَادِهِ- وَ عَطْفاً عَلَى إِخْوَانِهِ- أَلَا وَ إِنَّ لَكُمْ عِنْدِي أَلَّا أَحْتَجِزَ دُونَكُمْ سِرّاً إِلَّا فِي حَرْبٍ- وَ لَا أَطْوِيَ دُونَكُمْ أَمْراً إِلَّا فِي حُكْمٍ- وَ لَا أُؤَخِّرَ لَكُمْ حَقّاً عَنْ مَحَلِّهِ- وَ لَا أَقِفَ بِهِ دُونَ مَقْطَعِهِ- وَ أَنْ تَكُونُوا عِنْدِي فِي الْحَقِّ سَوَاءً- فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ وَجَبَتْ لِلَّهِ عَلَيْكُمُ النِّعْمَةُ- وَ لِي عَلَيْكُمُ الطَّاعَةُ- وَ أَلَّا تَنْكُصُوا عَنْ دَعْوَةٍ وَ لَا تُفَرِّطُوا فِي صَلَاحٍ- وَ أَنْ تَخُوضُوا الْغَمَرَاتِ إِلَى الْحَقِّ- فَإِنْ أَنْتُمْ لَمْ تَسْتَقِيمُوا لِي عَلَى ذَلِكَ- لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِمَّنِ اعْوَجَّ مِنْكُمْ- ثُمَّ أُعْظِمُ لَهُ الْعُقُوبَةَ وَ لَا يَجِدُ عِنْدِي فِيهَا رُخْصَةً- فَخُذُوا هَذَا مِنْ أُمَرَائِكُمْ- وَ أَعْطُوهُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ مَا يُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ أَمْرَكُمْ وَ السَّلَامُ
أصحاب المسالح جماعات تكون بالثغر يحمون البيضة- و المسلحة هي الثغر كالمرغبة- و في الحديث كان أدنى مسالح فارس إلى العرب العذيب- قال يجب على الوالي ألا يتطاول على الرعية بولايته- و ما خص به عليهم من الطول و هو الفضل- و أن تكون تلك الزيادة التي أعطيها- سببا لزيادة دنوه من الرعية و حنوه عليهم- . ثم قال لكم عندي ألا أحتجز دونكم بسر- أي لا أستتر- قال إلا في حرب و ذلك لأن الحرب- يحمد فيها طي الأسرار- و الحرب خدعة- . ثم قال و لا أطوي دونكم أمرا إلا في حكم- أي أظهركم على كل ما نفسي مما يحسن أن أظهركم عليه- فأما أحكام الشريعة و القضاء على أحد الخصمين- فإني لا أعلمكم به قبل وقوعه- كيلا تفسد القضية بأن يحتال ذلك الشخص لصرف الحكم عنه- . ثم ذكر أنه لا يؤخر لهم حقا عن محله- يعني العطاء و أنه لا يقف دون مقطعه- و الحق هاهنا غير العطاء بل الحكم- قال زهير
فإن الحق مقطعه ثلاث
يمين أو نفار أو جلاء
أي متى تعين الحكم حكمت به و قطعت و لا أقف و لا أتحبس- . و لما استوفى ما شرط لهم قال- فإذا أنا وفيت بما شرطت على نفسي- وجبت لله عليكم النعمة و لي عليكم الطاعة- . ثم أخذ في الاشتراط عليهم كما شرط لهم- فقال و لي عليكم ألا تنكصوا عن دعوة- أي لا تتقاعسوا عن الجهاد إذا دعوتكم إليه- و لا تفرطوا في صلاح أي إذا أمكنتكم فرصة- أو رأيتم مصلحة في حرب العدو أو حماية الثغر- فلا تفرطوا فيها فتفوت- و أن تخوضوا الغمرات إلى الحق أي تكابدوا المشاق العظيمة- و لا يهولنكم خوضها إلى الحق- . ثم توعدهم إن لم يفعلوا ذلك- ثم قال فخذوا هذا من أمرائكم- ليس يعني به أن على هؤلاء أصحاب المسالح أمراء من قبله ع- كالواسطة بينهم و بينه بل من أمرائكم- يعني مني و ممن يقوم في الخلافة مقامي بعدي- لأنه لو كان الغرض هو الأول لما كان محلهم عنده أن يقول- ألا أحتجز دونكم بسر و لا أطوي دونكم أمرا- لأن محل من كان بتلك الصفة دون هذا
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 17