و من كتاب له عليه السّلام إلى غيره
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا مَشْغَلَةٌ عَنْ غَيْرِهَا- وَ لَمْ يُصِبْ صَاحِبُهَا مِنْهَا شَيْئاً- إِلَّا فَتَحَتْ لَهُ حِرْصاً عَلَيْهَا وَ لَهَجاً بِهَا- وَ لَنْ يَسْتَغْنِيَ صَاحِبُهَا بِمَا نَالَ فِيهَا عَمَّا لَمْ يَبْلُغْهُ مِنْهَا- وَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ فِرَاقُ مَا جَمَعَ وَ نَقْضُ مَا أَبْرَمَ- وَ لَوِ اعْتَبَرْتَ بِمَا مَضَى حَفِظْتَ مَا بَقِيَ وَ السَّلَامُ
اللغة
أقول: اللهج: الحرص الشديد.
و صدّر الكتاب بالتنبيه على معايب الدنيا ليقلّ الرغبة فيها و ذكر منها أمور:
الأوّل: كونها مشغله عن غيرها:
أي عن الآخرة و هو ظاهر ممّا مرّ.
الثاني: كونها لم يصب صاحبها منها شيئا إلّا كان ذلك معدّا للحرص عليها و اللهج بها،
و إليه الإشارة بقوله صلّى اللّه عليه و آله: لو كان لابن آدم و اديين من ذهب لابتغى لهما ثالثا. و لا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب.
الثالث: كونها لا يستغنى صاحبها بما نال فيها عمّا لم يبلغه منها،
و ذلك من لوازم العيب. الثاني فإنّ حصول بعضها إذا كان معدّا للفقر إليها لم يستغن طالبها أبدا منها.
ثمّ أردف ذلك بذكر امور للتنفير عنها أيضا:
أحدها: استعقابها لفراق ما جمع منها. الثاني: نقض ما أحكم من امورها، ثم نبّه على وجوب الاعتبار بما مضى من العمر أو من أحوال الدنيا و القرون الماضية لغاية حفظ ما بقى من العمر أن يضيّع في الباطل أو حفظ ما يبقى من السعادة الاخرويّة بالسعى في تحصيلها. و باللّه التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 5 ، صفحهى 127