40 و من كتاب له ع إلى بعض عماله
أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ- إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ رَبَّكَ- وَ عَصَيْتَ إِمَامَكَ وَ أَخْزَيْتَ أَمَانَتَكَ- بَلَغَنِي أَنَّكَ جَرَّدْتَ الْأَرْضَ فَأَخَذْتَ مَا تَحْتَ قَدَمَيْكَ- وَ أَكَلْتَ مَا تَحْتَ يَدَيْكَ فَارْفَعْ إِلَيَّ حِسَابَكَ- وَ اعْلَمْ أَنَّ حِسَابَ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ حِسَابِ النَّاسِ وَ السَّلَامُ
أخزيت أمانتك أذللتها و أهنتها- و جردت الأرض قشرتها- و المعنى أنه نسبه إلى الخيانة في المال- و إلى إخراب الضياع- و في حكمة أبرويز أنه قال لخازن بيت المال- إني لا أحتملك على خيانة درهم- و لا أحمدك على حفظ عشرة آلاف ألف درهم- لأنك إنما تحقن بذلك دمك و تعمر به أمانتك- و إنك إن خنت قليلا خنت كثيرا- فاحترس من خصلتين- من النقصان فيما تأخذ و من الزيادة فيما تعطي-
و اعلم أني لم أجعلك على ذخائر الملك- و عمارة المملكة و العدة على العدو- إلا و أنت أمين عندي من الموضع الذي هي فيه- و من خواتمها التي هي عليها- فحقق ظني في اختياري إياك أحقق ظنك في رجائك لي- و لا تتعوض بخير شرا و لا برفعة ضعة- و لا بسلامة ندامة و لا بأمانة خيانة- .
و في الحديث المرفوع من ولي لنا عملا فليتزوج- و ليتخذ مسكنا و مركبا و خادما- فمن اتخذ سوى ذلك جاء يوم القيامة عادلا غالا سارقاو قال عمر في وصيته لابن مسعود- إياك و الهدية و ليست بحرام- و لكني أخاف عليك الدالة- . و أهدى رجل لعمر فخذ جزور فقبله- ثم ارتفع إليه بعد أيام مع خصم له- فجعل في أثناء الكلام يقول- يا أمير المؤمنين افصل القضاء بيني و بينه- كما يفصل فخذ الجزور- فقضى عمر عليه ثم قام فخطب الناس- و حرم الهدايا على الولاة و القضاة- . و أهدى إنسان إلى المغيرة سراجا من شبه- و أهدى آخر إليه بغلا- ثم اتفقت لهما خصومة في أمر فترافعا إليه- فجعل صاحب السراج يقول- إن أمري أضوأ من السراج- فلما أكثر قال المغيرة ويحك- إن البغل يرمح السراج فيكسره- . و مر عمر ببناء يبنى بآجر و جص لبعض عماله- فقال أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقها- و روي هذا الكلام عن علي ع- و كان عمر يقول على كل عامل أمينان الماء و الطين- . و لما قدم أبو هريرة من البحرين قال له عمر- يا عدو الله و عدو كتابه- أ سرقت مال الله تعالى-
قال أبو هريرة لست بعدو الله و لا عدو كتابه- و لكني عدو من عاداهما و لم أسرق مال الله- فضربه بجريدة على رأسه ثم ثناه بالدرة- و أغرمه عشرة آلاف درهم- ثم أحضره فقال يا أبا هريرة- من أين لك عشرة آلاف درهم- قال خيلي تناسلت و عطائي تلاحق و سهامي تتابعت- قال عمر كلا و الله ثم تركه أياما- ثم قال له أ لا تعمل قال لا- قال قد عمل من هو خير منك يا أبا هريرة- قال من هو قال يوسف الصديق- فقال أبو هريرة إن يوسف عمل لمن لم يضرب رأسهو ظهره- و لا شتم عرضه و لا نزع ماله- لا و الله لا أعمل لك أبدا- . و كان زياد إذا ولى رجلا قال له- خذ عهدك و سر إلى عملك-
و اعلم أنك محاسب رأس سنتك- و أنك ستصير إلى أربع خصال فاختر لنفسك- إنا إن وجدناك أمينا ضعيفا استبدلنا بك لضعفك- و سلمتك من معرتنا أمانتك- و إن وجدناك خائنا قويا استعنا بقوتك- و أحسنا أدبك على خيانتك و أوجعنا ظهرك- و أثقلنا غرمك- و إن جمعت علينا الجرمين جمعنا عليك المضرتين- و إن وجدناك أمينا قويا زدنا رزقك- و رفعنا ذكرك و كثرنا مالك- و أوطأنا الرجال عقبك- . و وصف أعرابي عاملا خائنا فقال- الناس يأكلون أماناتهم لقما- و هو يحسوها حسوا- . قال أنس بن أبي إياس الدؤلي لحارثة بن بدر الغداني- و قد ولي سرق- و يقال إنها لأبي الأسود-
أ حار بن بدر قد وليت ولاية
فكن جرذا فيها تخون و تسرق
و لا تحقرن يا حار شيئا أصبته
فحظك من ملك العراقين سرق
و باه تميما بالغنى إن للغني
لسانا به المرء الهيوبة ينطق
فإن جميع الناس إما مكذب
يقول بما تهوى و إما مصدق
يقولون أقوالا و لا يتبعونها
و إن قيل هاتوا حققوا لم يحققوا
فيقال إنها بلغت حارثة بن بدر فقال- أصاب الله به الرشاد- فلم يعد بإشارته ما في نفسي
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 16