37 و من كتاب له ع إلى معاوية
فَسُبْحَانَ اللَّهِ- مَا أَشَدَّ لُزُومَكَ لِلْأَهْوَاءَ الْمُبْتَدَعَةِ وَ الْحَيْرَةِ الْمُتَّبَعَةِ- مَعَ تَضْيِيعِ الْحَقَائِقِ وَ اطِّرَاحِ الْوَثَائِقِ- الَّتِي هِيَ لِلَّهِ تَعَالَى طِلْبَةٌ وَ عَلَى عِبَادِهِ حُجَّةٌ- فَأَمَّا إِكْثَارُكَ الْحِجَاجَ عَلَى عُثْمَانَ وَ قَتَلَتِهِ- فَإِنَّكَ إِنَّمَا نَصَرْتَ عُثْمَانَ حَيْثُ كَانَ النَّصْرُ لَكَ- وَ خَذَلْتَهُ حَيْثُ كَانَ النَّصْرُ لَهُ وَ السَّلَامُ أول هذا الكتاب
قوله أما بعد فإن الدنيا حلوة خضرة ذات زينة و بهجة- لم يصب إليها أحد إلا و شغلته بزينتها- عما هو أنفع له منها- و بالآخرة أمرنا و عليها حثثنا- فدع يا معاوية ما يفنى و اعمل لما يبقى- و احذر الموت الذي إليه مصيرك- و الحساب الذي إليه عاقبتك- و اعلم أن الله تعالى إذا أراد بعبد خيرا- حال بينه و بين ما يكره و وفقه لطاعته- و إذا أراد الله بعبد سوءا أغراه بالدنيا- و أنساه الآخرة و بسط له أمله- و عاقه عما فيه صلاحه- و قد وصلني كتابك فوجدتك ترمي غير غرضك- و تنشد غير ضالتك و تخبط في عماية-و تتيه في ضلالة و تعتصم بغير حجة- و تلوذ بأضعف شبهة- فأما سؤالك المتاركة و الإقرار لك على الشام- فلو كنت فاعلا ذلك اليوم لفعلته أمس- و أما قولك إن عمر ولاكه فقد عزل من كان ولاه صاحبه- و عزل عثمان من كان عمر ولاه- و لم ينصب للناس إمام- إلا ليرى من صلاح الأمة إماما قد كان ظهر لمن قبله- أو أخفى عنهم عيبه- و الأمر يحدث بعده الأمر و لكل وال رأي و اجتهاد- فسبحان الله ما أشد لزومك للأهواء المبتدعة- و الحيرة المتبعةإلى آخر الفصل- .
و أما قوله ع إنما نصرت عثمان حيث كان النصر لك- إلى آخره- فقد روى البلاذري قال- لما أرسل عثمان إلى معاوية يستمده- بعث يزيد بن أسد القسري- جد خالد بن عبد الله بن يزيد أمير العراق- و قال له إذا أتيت ذا خشب فأقم بها و لا تتجاوزها- و لا تقل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب- فإنني أنا الشاهد و أنت الغائب- . قال فأقام بذي خشب حتى قتل عثمان- فاستقدمه حينئذ معاوية- فعاد إلى الشام بالجيش الذي كان أرسل معه- و إنما صنع ذلك معاوية ليقتل عثمان فيدعو إلى نفسه- . و كتب معاوية إلى ابن عباس عند صلح الحسن ع له كتابا- يدعوه فيه إلى بيعته و يقول له فيه- و لعمري لو قتلتك بعثمان- رجوت أن يكون ذلك لله رضا- و أن يكون رأيا صوابا- فإنك من الساعين عليه و الخاذلين له- و السافكين دمه- و ما جرى بيني و بينك صلح فيمنعك مني- و لا بيدك أمان- .
فكتب إليه ابن عباس جوابا طويلا يقول فيه- و أما قولك إني من الساعين على عثمان- و الخاذلين له و السافكين دمه- و ما جرى بيني و بينك صلح فيمنعك مني- فأقسم بالله لأنت المتربص بقتله و المحب لهلاكه- و الحابس الناس قبلك عنه على بصيرة من أمره- و لقد أتاك كتابه و صريخه يستغيث بك و يستصرخ- فما حفلت به حتى بعثت إليه معذرا بأجرة- أنت تعلم إنهم لن يتركوه حتى يقتل- فقتل كما كنت أردت- ثم علمت عند ذلك أن الناس لن يعدلوا بيننا و بينك- فطفقت تنعى عثمان و تلزمنا دمه- و تقول قتل مظلوما- فإن يك قتل مظلوما فأنت أظلم الظالمين- ثم لم تزل مصوبا و مصعدا و جاثما و رابضا- تستغوي الجهال و تنازعنا حقنا بالسفهاء- حتى أدركت ما طلبت- وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ- وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 16