و من كتاب له عليه السّلام إلى عبد اللّه بن العباس، بعد مقتل محمد بن أبى بكر
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مِصْرَ قَدِ افْتُتِحَتْ- وَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدِ اسْتُشْهِدَ- فَعِنْدَ اللَّهِ نَحْتَسِبُهُ وَلَداً نَاصِحاً وَ عَامِلًا كَادِحاً- وَ سَيْفاً قَاطِعاً وَ رُكْناً دَافِعاً- وَ قَدْ كُنْتُ حَثَثْتُ النَّاسَ عَلَى لَحَاقِهِ- وَ أَمَرْتُهُمْ بِغِيَاثِهِ قَبْلَ الْوَقْعَةِ- وَ دَعَوْتُهُمْ سِرّاً وَ جَهْراً وَ عَوْداً وَ بَدْءاً- فَمِنْهُمُ الْآتِي كَارِهاً وَ مِنْهُمُ الْمُعْتَلُّ كَاذِباً- وَ مِنْهُمُ الْقَاعِدُ خَاذِلًا- أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ لِي مِنْهُمْ فَرَجاً عَاجِلًا- فَوَاللَّهِ لَوْ لَا طَمَعِي عِنْدَ لِقَائِي عَدُوِّي فِي الشَّهَادَةِ- وَ تَوْطِينِي نَفْسِي عَلَى الْمَنِيَّةِ- لَأَحْبَبْتُ أَلَّا أَبْقَى مَعَ هَؤُلَاءِ يَوْماً وَاحِداً- وَ لَا أَلْتَقِيَ بِهِمْ أَبَداً
اللغة
أقول: احتسبت كذا عند اللّه: أي طلبت به الحسبة بكسر الحاء و هي الأجر. و الشهادة: القتل في سبيل اللّه. و استشهد: كانّه استحضر إلى اللّه.
و مدار الكتاب على امور:
أحدها
إعلامه بفتح مصر.
الثاني: إخباره عن قتل محمّد بن أبي بكر
ليساهمه في الهمّ بهذه المصيبة، و مدحه في معرض التفجّع عليه و التوجّع له، و ولدا و عاملا و سيفا و ركنا أحوال، و تسميته ولدا مجاز باعتبار تربيته في حجره كالولد، و ذلك أنّه كان ربيبا له، و أمّه أسماء بنت عميس الخثعميّة كانت تحت جعفر بن أبي طالب و هاجرت معه إلى الحبشة فولدت له محمّدا و عونا و عبد اللّه بالحبشة، و لمّا قتل جعفر تزوّجها ابو بكر فولدت له محمّدا هذا. فلمّا توفّى عنها تزوّجها علي عليه السّلام فولدت له يحيى بن عليّ، و استعار له لفظ السيف باعتبار كونه يقمع به العدوّ و يصال به عليه، و رشّح بذكر القاطع، و كذلك لفظ الركن باعتبار كونه يستند إليه في الحوادث فتدفع به و رشّح بقوله: دافعا.
الثالث: إعلامه بحاله مع الناس في معرض التشكّى منهم
و أنّه قد حثّهم على لحاقه و إغاثته فلم يسمعوا، و أشار إلى وجه تقصير كلّ منهم، و قد كان حاله عليه السّلام مع الناس كحال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مع قومه فالآتون كارهين كأنّما يساقون إلى الموت و هم ينظرون، و المعتلّون كذبا كالّذين قالوا لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم و اللّه يعلم أنّهم لكاذبون، و من تأمّل حالهما و سيرتهما إلى أن قبضا تحقّق وجه الشبه بينهما في أكثر الأحوال. و هذه القسمة لهم بحسب ما وجدهم.
الرابع: سؤاله للّه تعالى أن يعجّل له منهم الفرج
و هو في معرض التشكّي أيضا و الإشارة إلى وجه عذره في المقام بينهم على هذه الحال و هو طلبه للشهادة و توطينه نفسه على الموت عند لقاء العدوّ، و لولا ذلك لفارقهم. و باللّه التوفيق.
شرحنهجالبلاغة(ابنميثم)، ج 5 ، صفحهى 77