30 و من كتاب له ع إلى معاوية
فَاتَّقِ اللَّهَ فِيمَا لَدَيْكَ- وَ انْظُرْ فِي حَقِّهِ عَلَيْكَ- وَ ارْجِعْ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا لَا تُعْذَرُ بِجَهَالَتِهِ- فَإِنَّ لِلطَّاعَةِ أَعْلَاماً وَاضِحَةً- وَ سُبُلًا نَيِّرَةً وَ مَحَجَّةً نَهْجَةً وَ غَايَةً مُطَّلَبَةً- يَرِدُهَا الْأَكْيَاسُ وَ يُخَالِفُهَا الْأَنْكَاسُ- مَنْ نَكَبَ عَنْهَا جَارَ عَنِ الْحَقِّ وَ خَبَطَ فِي التِّيهِ- وَ غَيَّرَ اللَّهُ نِعْمَتَهُ وَ أَحَلَّ بِهِ نِقْمَتَهُ- فَنَفْسَكَ نَفْسَكَ فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَكَ سَبِيلَكَ- وَ حَيْثُ تَنَاهَتْ بِكَ أُمُورُكَ- فَقَدْ أَجْرَيْتَ إِلَى غَايَةِ خُسْرٍ وَ مَحَلَّةِ كُفْرٍ- فَإِنَّ نَفْسَكَ قَدْ أَوْلَجَتْكَ شَرّاً وَ أَقْحَمَتْكَ غَيّاً- وَ أَوْرَدَتْكَ الْمَهَالِكَ وَ أَوْعَرَتْ عَلَيْكَ الْمَسَالِكَ قوله و غاية مطلبة أي مساعفة لطالبها بما يطلبه- تقول طلب فلان مني كذا فأطلبته أي أسعفت به- قال الراوندي مطلبة بمعنى متطلبة- يقال طلبت كذا و تطلبته- و هذا ليس بشيء- و يخرج الكلام عن أن يكون له معنى- . و الأكياس العقلاء و الأنكاس جمع نكس- و هو الدنيء من الرجال و نكب عنها عدل- . قوله و حيث تناهت بك أمورك- الأولى ألا يكون هذا معطوفا- و لا متصلابقوله فقد بين الله لك سبيلك- بل يكون كقولهم لمن يأمرونه بالوقوف حيث أنت- أي قف حيث أنت فلا يذكرون الفعل- و مثله قولهم مكانك أي قف مكانك- .
قوله فقد أجريت- يقال فلان قد أجرى بكلامه إلى كذا- أي الغاية التي يقصدها هي كذا- مأخوذ من إجراء الخيل للمسابقة- و كذلك قد أجرى بفعله إلى كذا- أي انتهى به إلى كذا- و يروى قد أوحلتك شرا أو أورطتك في الوحل- و الغي ضد الرشاد- . و أقحمتك غيا جعلتك مقتحما له- . و أوعرت عليك المسالك جعلتها وعرة- . وأول هذا الكتاب أما بعد- فقد بلغني كتابك تذكر مشاغبتي- و تستقبح موازرتي- و تزعمني متحيرا و عن الحق مقصرا- فسبحان الله كيف تستجيز الغيبة و تستحسن العضيهة- أي لم أشاغب إلا في أمر بمعروف أو نهي عن منكر- و لم أتجبر إلا على باغ مارق أو ملحد منافق- و لم آخذ في ذلك إلا بقول الله سبحانه- لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ- يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ- وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ- و أما التقصير في حق الله تعالى فمعاذ الله- و إنما المقصر في حق الله جل ثناؤه من عطل الحقوق المؤكدة- و ركن إلى الأهواء المبتدعة- و أخلد إلى الضلالة المحيرة- و من العجب أن تصف يا معاوية الإحسان و تخالف البرهان- و تنكث الوثائق التي هي لله عز و جل طلبة- و على عباده حجة- مع نبذ الإسلام و تضييع الأحكام و طمس الأعلام-و الجري في الهوى و التهوس في الردى- فاتق الله فيما لديك و انظر في حقه عليك- الفصل المذكور في الكتاب- .
و في الخطبة زيادات يسيرة لم يذكرها الرضي رحمه الله- منهاو إن للناس جماعة يد الله عليها- و غضب الله على من خالفها- فنفسك نفسك قبل حلول رمسك- فإنك إلى الله راجع و إلى حشره مهطع- و سيبهظك كربه و يحل بك غمه- في يوم لا يغني النادم ندمه و لا يبل من المعتذر عذره- يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 16