الجزء السادس عشر
تتمة باب الكتب و الرسائل
بسم الله الرحمن الرحيم- الحمد لله الواحد العدل
29 و من كتاب له ع إلى أهل البصرة
وَ قَدْ كَانَ مِنِ انْتِشَارِ حَبْلِكُمْ وَ شِقَاقِكُمْ- مَا لَمْ تَغْبَوْا عَنْهُ- فَعَفَوْتُ عَنْ مُجْرِمِكُمْ وَ رَفَعْتُ السَّيْفَ عَنْ مُدْبِرِكُمْ- وَ قَبِلْتُ مِنْ مُقْبِلِكُمْ- فَإِنْ خَطَتْ بِكُمُ الْأُمُورُ الْمُرْدِيَةُ- وَ سَفَهُ الآْرَاءِ الْجَائِرَةِ إِلَى مُنَابَذَتِي وَ خِلَافِي- فَهَأَنَذَا قَدْ قَرَّبْتُ جِيَادِي وَ رَحَلُتْ رِكَابِي- وَ لَئِنْ أَلْجَأْتُمُونِي إِلَى الْمَسِيرِ إِلَيْكُمْ- لَأُوقِعَنَّ بِكُمْ وَقْعَةً- لَا يَكُونُ يَوْمُ الْجَمَلِ إِلَيْهَا إِلَّا كَلَعْقَةِ لَاعِقٍ- مَعَ أَنِّي عَارِفٌ لِذِي الطَّاعَةِ مِنْكُمْ فَضْلَهُ- وَ لِذِي النَّصِيحَةِ حَقَّهُ- غَيْرُ مُتَجَاوِزٍ مُتَّهَماً إِلَى بَرِيٍّ وَ لَا نَاكِثاً إِلَى وَفِيٍّ ما لم تغبوا عنه أي لم تسهوا عنه و لم تغفلوا- يقال غبيت عن الشيء أغبي غباوة إذا لم يفطن- و غبي الشيء علي كذلك إذا لم تعرفه- و فلان غبي على فعيل أي قليل الفطنة- و قد تغابى أي تغافل- يقول لهم قد كان من خروجكم يوم الجمل عن الطاعة-و نشركم حبل الجماعة- و شقاقكم لي ما لستم أغبياء عنه- فغفرت و رفعت السيف و قبلت التوبة و الإنابة- . و المدبر هاهنا الهارب و المقبل الذي لم يفر- لكن جاءنا فاعتذر و تنصل- .
ثم قال فإن خطت بكم الأمور- خطا فلان خطوة يخطو و هو مقدار ما بين القدمين- فهذا لازم فإن عديته- قلت أخطيت بفلان و خطوت به و هاهنا قد عداه بالباء- . و المردية المهلكة و الجائرة العادلة عن الصواب- و المنابذة مفاعلة من نبذت إليه عهده- أي ألقيته و عدلت عن السلم إلى الحرب- أو من نبذت زيدا أي أطرحته و لم أحفل به- . قوله قربت جيادي- أي أمرت بتقريب خيلي إلى لأركب و أسير إليكم- . و رحلت ركابي الركاب الإبل- و رحلتها شددت على ظهورها الرحل- قال
رحلت سمية غدوة أجمالها
غضبى عليك فما تقول بدا لها
كلعقة لاعق مثل يضرب للشيء الحقير التافه- و يروى بضم اللام و هي ما تأخذه الملعقة- . ثم عاد فقال مازجا الخشونة باللين- مع أني عارف فضل ذي الطاعة منكم- و حق ذي النصيحة- و لو عاقبت لما عاقبت البريء بالسقيم- و لا أخذت الوفي بالناكث- . خطب زياد بالبصرة الخطبة الغراء المشهورة- و قال فيها و الله لآخذن البريء بالسقيم- و البر باللئيم و الوالد بالولد و الجار بالجار- أو تستقيم إلي قناتكم- فقام أبو بلال مرداسابن أدية يهمس- و هو حينئذ شيخ كبير- فقال أيها الأمير أنبأنا الله بخلاف ما قلت- و حكم بغير ما حكمت- قال سبحانه وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى- فقال زياد يا أبا بلال إني لم أجهل ما علمت- و لكنا لا نخلص إلى الحق منكم- حتى نخوض إليه الباطل خوضا- . و في رواية الرياشي لآخذن الولي بالولي- و المقيم بالظاعن و المقبل بالمدبر و الصحيح بالسقيم- حتى يلقى الرجل منكم أخاه- فيقول انج سعد فقد هلك سعيد- أو تستقيم لي قناتكم
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 16