27 و من عهد له ع إلى محمد بن أبي بكر رضي الله عنه- حين قلده مصر
فَاخْفِضْ لَهُمْ جَنَاحَكَ وَ أَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ- وَ ابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ وَ آسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ وَ النَّظْرَةِ- حَتَّى لَا يَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِكَ لَهُمْ- وَ لَا يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ- فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُسَائِلُكُمْ مَعْشَرَ عِبَادِهِ- عَنِ الصَّغِيرَةِ مِنْ أَعْمَالِكُمْ وَ الْكَبِيرَةِ وَ الظَّاهِرَةِ وَ الْمَسْتُورَةِ- فَإِنْ يُعَذِّبْ فَأَنْتُمْ أَظْلَمُ وَ إِنْ يَعْفُ فَهُوَ أَكْرَمُ- وَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ- أَنَّ الْمُتَّقِينَ ذَهَبُوا بِعَاجِلِ الدُّنْيَا وَ آجِلِ الآْخِرَةِ- فَشَارَكُوا أَهْلَ الدُّنْيَا فِي دُنْيَاهُمْ- وَ لَمْ يُشَارِكْهُمْ أَهْلُ الدُّنْيَا فِي آخِرَتِهِمْ- سَكَنُوا الدُّنْيَا بِأَفْضَلِ مَا سُكِنَتْ وَ أَكَلُوهَا بِأَفْضَلِ مَا أُكِلَتْ- فَحَظُوا مِنَ الدُّنْيَا بِمَا حَظِيَ بِهِ الْمُتْرَفُونَ- وَ أَخَذُوا مِنْهَا مَا أَخَذَهُ الْجَبَابِرَةُ الْمُتَكَبِّرُونَ- ثُمَّ انْقَلَبُوا عَنْهَا بِالزَّادِ الْمُبَلِّغِ وَ الْمَتْجَرِ الرَّابِحِ- أَصَابُوا لَذَّةَ زُهْدِ الدُّنْيَا فِي دُنْيَاهُمْ- وَ تَيَقَّنُوا أَنَّهُمْ جِيرَانُ اللَّهِ غَداً فِي آخِرَتِهِمْ- لَا تُرَدُّ لَهُمْ دَعْوَةٌ وَ لَا يَنْقُفُ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ لَذَّةٍ- فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللَّهِ الْمَوْتَ وَ قُرْبَهُ- وَ أَعِدُّوا لَهُ عُدَّتَهُ- فَإِنَّهُ يَأْتِي بِأَمْرٍ عَظِيمٍ وَ خَطْبٍ جَلِيلٍ- بِخَيْرٍ لَا يَكُونُ مَعَهُ شَرٌّ أَبَداً- أَوْ شَرٍّ لَا يَكُونُ مَعَهُ خَيْرٌ أَبَداً- فَمَنْ أَقْرَبُ إِلَى الْجَنَّةِ مِنْ عَامِلِهَا- وَ مَنْ أَقْرَبُ إِلَى النَّارِ مِنْ عَامِلِهَا- وَ أَنْتُمْ طُرَدَاءُ الْمَوْتِ- إِنْ أَقَمْتُمْ لَهُ أَخَذَكُمْ وَ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنْهُ أَدْرَكَكُمْ- وَ هُوَ أَلْزَمُ لَكُمْ مِنْ ظِلِّكُمْ- الْمَوْتُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيكُمْ وَ الدُّنْيَا تُطْوَى مِنْ خَلْفِكُمْ-فَاحْذَرُوا نَاراً قَعْرُهَا بَعِيدٌ وَ حَرُّهَا شَدِيدٌ وَ عَذَابُهَا جَدِيدٌ- دَارٌ لَيْسَ فِيهَا رَحْمَةٌ- وَ لَا تَسْمَعُ فِيهَا دَعْوَةٌ وَ لَا تُفَرَّجُ فِيهَا كُرْبَةٌ- وَ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ يَشْتَدَّ خَوْفُكُمْ مِنَ اللَّهِ- وَ أَنْ يَحْسُنَ ظَنُّكُمْ بِهِ فَاجْمَعُوا بَيْنَهُمَا- فَإِنَّ الْعَبْدَ إِنَّمَا يَكُونُ حُسْنُ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ- عَلَى قَدْرِ خَوْفِهِ مِنْ رَبِّهِ- وَ إِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ ظَنّاً بِاللَّهِ أَشَدُّهُمْ خَوْفاً لِلَّهِ- وَ اعْلَمْ يَا مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ- أَنِّي قَدْ وَلَّيْتُكَ أَعْظَمَ أَجْنَادِي فِي نَفْسِي أَهْلَ مِصْرَ- فَأَنْتَ مَحْقُوقٌ أَنْ تُخَالِفَ عَلَى نَفْسِكَ- وَ أَنْ تُنَافِحَ عَنْ دِينِكَ- وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَكَ إِلَّا سَاعَةٌ مِنَ الدَّهْرِ- وَ لَا تُسْخِطِ اللَّهَ بِرِضَا أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ- فَإِنَّ فِي اللَّهِ خَلَفاً مِنْ غَيْرِهِ- وَ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ خَلَفٌ فِي غَيْرِهِ- صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا الْمُؤَقَّتِ لَهَا- وَ لَا تُعَجِّلْ وَقْتَهَا لِفَرَاغٍ- وَ لَا تُؤَخِّرْهَا عَنْ وَقْتِهَا لِاشْتِغَالٍ- وَ اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ عَمَلِكَ تَبَعٌ لِصَلَاتِكَ آس بينهم اجعلهم أسوة- لا تفضل بعضهم على بعض في اللحظة و النظرة- و نبه بذلك على وجوب أن يجعلهم أسوة في جميع ما عدا ذلك- من العطاء و الإنعام و التقريب- كقوله تعالى فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ- .
قوله حتى لا يطمع العظماء في حيفك لهم- الضمير في لهم راجع إلى الرعية لا إلى العظماء- و قد كان سبق ذكرهم في أول الخطبة- أي إذا سلكت هذا المسلك لم يطمع العظماء- في أن تحيف على الرعية و تظلمهم و تدفع أموالهم إليهم- فإن ولاة الجورهكذا يفعلون- يأخذون مال هذا فيعطونه هذا- و يجوز أن يرجع الضمير إلى العظماء- أي حتى لا يطمع العظماء في جورك- في القسم الذي إنما تفعله لهم و لأجلهم- فإن ولاة الجور يطمع العظماء فيهم- أن يحيفوا في القسمة في الفيء- و يخالفوا ما حده الله تعالى فيها- حفظا لقلوبهم و استمالة لهم- و هذا التفسير أليق بالخطابة- لأن الضمير في عليهم في الفقرة الثالثة- عائد إلى الضعفاء- فيجب أن يكون الضمير في لهم في الفقرة الثانية- عائدا إلى العظماء- .
قوله فإن يعذب فأنتم أظلم- أفعل هاهنا بمعنى الصفة لا بمعنى التفضيل- و إنما يراد فأنتم الظالمون- كقوله تعالى وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ- و كقولهم الله أكبر- . ثم ذكر حال الزهاد- فقال أخذوا من الدنيا بنصيب قوي و جعلت لهم الآخرة- و يروى- أن الفضيل بن عياض كان هو و رفيق له في بعض الصحاري- فأكلا كسرة يابسة- و اغترفا بأيديهما ماء من بعض الغدران- و قام الفضيل فحط رجليه في الماء- فوجد برده فالتذ به و بالحال التي هو فيها- فقال لرفيقه لو علم الملوك و أبناء الملوك ما نحن فيه- من العيش و اللذة لحسدونا- .
و روي و المتجر المربح- فالرابح فاعل من ربح ربحا- يقال بيع رابح أي يربح فيه- و المربح اسم فاعل قد عدي ماضيه بالهمزة- كقولك قام و أقمته- . قوله جيران الله غدا في آخرتهم- ظاهر اللفظ غير مراد- لأن البارئ تعالى ليس في مكان و جهة ليكونوا جيرانه- و لكن لما كان الجار يكرم جاره سماهم جيران الله- لإكرامه إياهم- و أيضا فإن الجنة إذا كانت في السماء- و العرش هو السماء العليا- كان في الكلام محذوف مقدر- أي جيران عرش الله غدا- .
قوله فإنه يأتي بأمر عظيم و خطب جليل- بخير لا يكون معه شر أبدا و شر لا يكون معه خير أبدا- نص صريح في مذهب أصحابنا في الوعيد- و أن من دخل النار من جميع المكلفين فليس بخارج- لأنه لو خرج منها لكان الموت قد جاءه بشر معه خير- و قد نفى نفيا عاما- أن يكون مع الشر المعقب للموت خير البتة- . قوله من عاملها أي من العامل لها- . قوله طرداء الموت جمع طريد- أي يطردكم عن أوطانكم و يخرجكم منها- لا بد من ذلك- إن أقمتم أخذكم و إن هربتم أدرككم- .
و قال الراوندي طرداء هاهنا جمع طريدة- و هي ما طردت من الصيد أو الوسيقة- و ليس بصحيح- لأن فعيلة بالتأنيث لا تجمع على فعلاء- و قال النحويون إن قوله تعالى وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ- جاء على خليف لا على خليفة- و أنشدوا لأوس بن حجر بيتا استعملها جميعا فيه- و هو إن من القوم موجودا خليفته و ما خليف أبي ليلى بموجود- .
قوله ألزم لكم من ظلكم- لأن الظل لا تصح مفارقته لذي الظل ما دام في الشمس- و هذا من الأمثال المشهورة- . قوله معقود بنواصيكم أي ملازم لكم- كالشيء المعقود بناصية الإنسان أين ذهب ذهب منه- . و قال الراوندي أي الموت غالب عليكم- قال تعالى فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَ الْأَقْدامِ- فإن الإنسان إذا أخذ بناصيته لا يمكنه الخلاص- و ليس بصحيح لأنه لم يقل أخذ بنواصيكم- . قوله و الدنيا تطوى من خلفكم- من كلام بعض الحكماء- الموت و الناس كسطورفي صحيفة- يقرؤها قارئ و يطوي ما يقرأ- فكلما ظهر سطر خفي سطر- . ثم أمره ع- بأن يجمع بين حسن الظن بالله و بين الخوف منه- و هذا مقام جليل لا يصل إليه إلا كل ضامر مهزول- و قد تقدم كلامنا فيه- و قال علي بن الحسين ع لو أنزل الله عز و جل كتابا أنه معذب رجلا واحدا- لرجوت أن أكونه- و أنه راحم رجلا واحدا لرجوت أن أكونه- أو أنه معذبي لا محالة ما ازددت إلا اجتهادا- لئلا أرجع إلى نفسي بلائمة – . ثم قال وليتك أعظم أجنادي- يقال للأقاليم و الأطراف أجناد- تقول ولي جند الشام و ولي جند الأردن- و ولي جند مصر- . قوله فأنت محقوق- كقولك حقيق و جدير و خليق- قال الشاعر
و إني لمحقوق بألا يطولني
نداه إذا طاولته بالقصائد
و تنافح تجالد نافحت بالسيف أي خاصمت به- . قوله و لو لم يكن إلا ساعة من النهار- المراد تأكيد الوصاة عليه أن يخالف على نفسه- و ألا يتبع هواها و أن يخاصم عن دينه- و أن ذلك لازم له و واجب عليه- و يلزم أن يفعله دائما- فإن لم يستطع فليفعله و لو ساعة من النهار- و ينبغي أن يكون هذا التقييد مصروفا إلى المنافحة عن الدين- لأن الخصام في الدين قد يمنعه عنه مانع- فأما أمره إياه أن يخالف على نفسه- فلا يجوز صرف التقييد إليه- لأنه يشعر بأنه مفسوح له أن يتبع هوى نفسه في بعض الحالات- و ذلك غير جائز- بخلاف المخاصمة و النضال عن المعتقد- .
قال و لا تسخط الله برضا أحد من خلقه- فإن في الله خلفا من غيره- و ليس من الله خلف في غيره- أخذه الحسن البصري- فقال لعمر بن هبيرة أمير العراق إن الله مانعك من يزيد- و لم يمنعك يزيد من الله يعني يزيد بن عبد الملك- . ثم أمره بأن يصلي الصلاة لوقتها أي في وقتها- و نهاه أن يحمله الفراغ من الشغل على أن يعجلها قبل وقتها- فإنها تكون غير مقبولة- أو أن يحمله الشغل على تأخيرها عن وقتها فيأثم- . و من كلام هشام بن عقبة أخي ذي الرمة- و كان من عقلاء الرجال- قال المبرد في الكامل- حدثني العباس بن الفرج الرياشي بإسناده- قال هشام لرجل أراد سفرا- اعلم أن لكل رفقة كلبا يشركهم في فضل الزاد- و يهر دونهم- فإن قدرت ألا تكون كلب الرفقة فافعل- و إياك و تأخير الصلاة عن وقتها- فإنك مصليها لا محالة- فصلها و هي تقبل منك- .
قوله و اعلم أن كل شيء من عملك تبع لصلاتك- فيه شبه من قول رسول الله ص الصلاة عماد الإيمان- و من تركها فقد هدم الإيمان
و قال ص أول ما يحاسب به العبد صلاته- فإن سهل عليه كان ما بعده أسهل- و إن اشتد عليه كان ما بعده أشد- . و مثل قوله و لا تسخط الله برضا أحد من خلقه- ما رواه المبرد في الكامل عن عائشة قالت- من أرضى الله بإسخاط الناس كفاه الله ما بينه و بين الناس- و من أرضى الناس بإسخاط الله وكله الله إلى الناس- . و مثل هذا ما رواه المبرد أيضا قال- لما ولي الحسن بن زيد بن الحسن المدينة- قال لابن هرمة إني لست كمن باع لك دينه- رجاء مدحك أو خوف ذمك- فقد رزقني الله عز و جل بولادة نبيه ص الممادح- و جنبني المقابح- و إن من حقه علي ألا أغضي على تقصير في حق الله- و أنا أقسم بالله- لئن أتيت بك سكران لأضربنك حدا للخمر و حدا للسكر- و لأزيدن لموضع حرمتك بي- فليكن تركك لها لله عز و جل تعن عليه- و لا تدعها للناس فتوكل إليهم- فقال ابن هرمة
نهاني ابن الرسول عن المدام
و أدبني بآداب الكرام
و قال لي اصطبر عنها و دعها
لخوف الله لا خوف الأنام
و كيف تصبري عنها و حبي
لها حب تمكن في عظامي
أرى طيب الحلال علي خبثا
و طيب النفس في خبث الحرام
وَ مِنْ هَذَا الْعَهْدِ- فَإِنَّهُ لَا سَوَاءَ إِمَامُ الْهُدَى وَ إِمَامُ الرَّدَى- وَ وَلِيُّ النَّبِيِّ وَ عَدُوُّ النَّبِيِّ- وَ لَقَدْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ص- إِنِّي لَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي مُؤْمِناً وَ لَا مُشْرِكاً- أَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَمْنَعُهُ اللَّهُ بِإِيمَانِهِ- وَ أَمَّا الْمُشْرِكُ فَيَقْمَعُهُ اللَّهُ بِشِرْكِهِ- وَ لَكِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ كُلَّ مُنَافِقِ الْجَنَانِ- عَالِمِ اللِّسَانِ- يَقُولُ مَا تَعْرِفُونَ وَ يَفْعَلُ مَا تُنْكِرُونَ الإشارة بإمام الهدى إليه نفسه- و بإمام الردى إلى معاوية- و سماه إماما كما سمى الله تعالى أهل الضلال أئمة- فقال وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ- ثم وصفه بصفة أخرى و هو أنه عدو النبي ص- ليس يعني بذلك أنه كان عدوا أيام حرب النبي ص لقريش- بل يريد أنه الآن عدو النبي ص- لقوله ص له ع و عدوك عدوي و عدوي عدو الله- و أول الخبر وليك وليي و وليي ولي الله – و تمامه مشهور- و لأن دلائل النفاق كانت ظاهرة عليه- من فلتات لسانه و من أفعاله- و قد قال أصحابنا في هذا المعنى أشياء كثيرة- فلتطلب من كتبهم- خصوصامن كتب شيخنا أبي عبد الله- و من كتب الشيخين أبي جعفر الإسكافي- و أبي القاسم البلخي- و قد ذكرنا بعض ذلك فيما تقدم- .
ثم قال ع إن رسول الله ص قال- إني لا أخاف على أمتي مؤمنا و لا مشركا- أي و لا مشركا يظهر الشرك- قال لأن المؤمن يمنعه الله بإيمانه أن يضل الناس- و المشرك مظهر الشرك يقمعه الله بإظهار شركه و يخذله- و يصرف قلوب الناس عن اتباعه- لأنهم ينفرون منه لإظهاره كلمة الكفر- فلا تطمئن قلوبهم إليه- و لا تسكن نفوسهم إلى مقالته- و لكني أخاف على أمتي المنافق- الذي يسر الكفر و الضلال- و يظهر الإيمان و الأفعال الصالحة- و يكون مع ذلك ذا لسن و فصاحة- يقول بلسانه ما تعرفون صوابه- و يفعل سرا ما تنكرونه لو اطلعتم عليه- و ذاك أن من هذه صفته تسكن نفوس الناس إليه- لأن الإنسان إنما يحكم بالظاهر فيقلده الناس- فيضلهم و يوقعهم في المفاسد كتاب المعتضد بالله و من الكتب المستحسنة الكتاب الذي كتبه المعتضد بالله- أبو العباس أحمد بن الموفق- أبي أحمد طلحة بن المتوكل على الله- في سنة أربع و ثمانين و مائتين- و وزيره حينئذ عبيد الله بن سليمان- و أنا أذكره مختصرا- من تاريخ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري- .
قال أبو جعفر و في هذه السنة عزم المعتضد- على لعن معاوية بن أبي سفيان على المنابر- و أمر بإنشاء كتاب يقرأ على الناس- فخوفه عبيد الله بن سليمان اضطراب العامة-و أنه لا يأمن أن تكون فتنة فلم يلتفت إليه- فكان أول شيء بدأ به المعتضد من ذلك- التقدم إلى العامة بلزوم أعمالهم- و ترك الاجتماع و العصبية- و الشهادات عند السلطان إلا أن يسألوا- و منع القصاص عن القعود على الطرقات- و أنشأ هذا الكتاب- و عملت به نسخ قرئت بالجانبين من مدينة السلام- في الأرباع و المحال و الأسواق يوم الأربعاء- لست بقين من جمادى الأولى من هذه السنة- ثم منع يوم الجمعة لأربع بقين منه- و منع القصاص من القعود في الجانبين- و منع أهل الحلق من القعود في المسجدين- و نودي في المسجد الجامع بنهي الناس عن الاجتماع و غيره- و بمنع القصاص و أهل الحلق من القعود- و نودي إن الذمة قد برئت ممن اجتمع من الناس- في مناظرة أو جدال- و تقدم إلى الشراب الذين يسقون الماء في الجامعين- ألا يترحموا على معاوية و لا يذكروه بخير- و كانت عادتهم جارية بالترحم عليه- و تحدث الناس- أن الكتاب الذي قد أمر المعتضد بإنشائه بلعن معاوية- يقرأ بعد صلاة الجمعة على المنبر- فلما صلى الناس بادروا إلى المقصورة- ليسمعوا قراءة الكتاب- فلم يقرأ و قيل إن عبيد الله بن سليمان صرفه عن قراءته- و أنه أحضر يوسف بن يعقوب القاضي- و أمره أن يعمل الحيلة في إبطال ما عزم المعتضد عليه- فمضى يوسف فكلم المعتضد في ذلك-
و قال له إني أخاف أن تضطرب العامة- و يكون منها عند سماعها هذا الكتاب حركة فقال إن تحركت العامة أو نطقت- وضعت السيف فيها- فقال يا أمير المؤمنين- فما تصنع بالطالبيين الذين يخرجون في كل ناحية- و يميل إليهم خلق كثير لقربتهم من رسول الله ص- و ما في هذا الكتاب من إطرائهم أو كما قال- و إذا سمع الناس هذا كانوا إليهم أميل- و كانوا هم أبسطألسنة و أثبت حجة منهم اليوم- فأمسك المعتضد فلم يرد إليه جوابا- و لم يأمر بعد ذلك في الكتاب بشيء- و كان من جملة الكتاب- بعد أن قدم حمد الله و الثناء عليه- و الصلاة على رسول الله ص- أما بعد- فقد انتهى إلى أمير المؤمنين ما عليه جماعة العامة- من شبهة قد دخلتهم في أديانهم- و فساد قد لحقهم في معتقدهم- و عصبية قد غلبت عليها أهواؤهم- و نطقت بها ألسنتهم على غير معرفة و لا روية- قد قلدوا فيها قادة الضلالة بلا بينة و لا بصيرة- و خالفوا السنن المتبعة إلى الأهواء المبتدعة-
قال الله تعالى- وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ- إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ- خروجا عن الجماعة و مسارعة إلى الفتنة- و إيثارا للفرقة و تشتيتا للكلمة- و إظهارا لموالاة من قطع الله عنه الموالاة- و بتر منه العصمة و أخرجه من الملة- و أوجب عليه اللعنة و تعظيما لمن صغر الله حقه- و أوهن أمره و أضعف ركنه- من بني أمية الشجرة الملعونة- و مخالفة لمن استنقذهم الله به من الهلكة- و أسبغ عليهم به النعمة من أهل بيت البركة و الرحمة- وَ اللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ- وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ- . فأعظم أمير المؤمنين ما انتهى إليه من ذلك- و رأى ترك إنكاره حرجا عليه في الدين- و فسادا لمن قلده الله أمره من المسلمين- و إهمالا لما أوجبه الله عليه من تقويم المخالفين- و تبصير الجاهلين و إقامة الحجة على الشاكين- و بسط اليد على المعاندين- و أمير المؤمنين يخبركم معاشر المسلمين- أن الله جل ثناؤه لما ابتعث محمدا ص بدينه- و أمره أن يصدع بأمره- بدأ بأهله و عشيرته فدعاهم إلى ربه- و أنذرهم و بشرهم-و نصح لهم و أرشدهم فكان من استجاب له- و صدق قوله- و اتبع أمره نفير يسير من بني أبيه- من بين مؤمن بما أتى به من ربه- و ناصر لكلمته و إن لم يتبع دينه إعزازا له و إشفاقا عليه- فمؤمنهم مجاهد ببصيرته- و كافرهم مجاهد بنصرته و حميته- يدفعون من نابذه و يقهرون من عازه و عانده- و يتوثقون له ممن كانفه و عاضده- و يبايعون من سمح بنصرته- و يتجسسون أخبار أعدائه- و يكيدون له بظهر الغيب كما يكيدون له برأي العين- حتى بلغ المدى و حان وقت الاهتداء- فدخلوا في دين الله و طاعته و تصديق رسوله- و الإيمان به بأثبت بصيرة- و أحسن هدى و رغبة- فجعلهم الله أهل بيت الرحمة و أهل بيت الذين- أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا- معدن الحكمة و ورثة النبوة- و موضع الخلافة- أوجب الله لهم الفضيلة و ألزم العباد لهم الطاعة- .
و كان ممن عانده و كذبه و حاربه من عشيرته- العدد الكثير و السواد الأعظم- يتلقونه بالضرر و التثريب- و يقصدونه بالأذى و التخويف و ينابذونه بالعداوة- و ينصبون له المحاربة و يصدون من قصده- و ينالون بالتعذيب من اتبعه- و كان أشدهم في ذلك عداوة و أعظمهم له مخالفة- أولهم في كل حرب و مناصبة- و رأسهم في كل إجلاب و فتنة- لا يرفع على الإسلام راية- إلا كان صاحبها و قائدها و رئيسها أبا سفيان بن حرب- صاحب أحد و الخندق و غيرهما- و أشياعه من بني أمية الملعونين في كتاب الله- ثم الملعونين على لسان رسول الله ص في مواطن عدة- لسابق علم الله فيهم- و ماضي حكمه في أمرهم و كفرهم و نفاقهم- فلم يزل لعنه الله يحارب مجاهدا- و يدافع مكايدا و يجلب منابذا- حتى قهره السيف و علا أمر الله و هم كارهون- فتعوذ بالإسلام غير منطو عليه- و أسر الكفر غير مقلع عنه- فقبله و قبل ولده على علم منه بحاله و حالهم- ثم أنزل الله تعالى كتابا فيما أنزله على رسوله- يذكر فيه شأنهم- و هو قوله تعالى وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ- و لا خلاف بين أحد- في أنه تعالى و تبارك أراد بها بني أمية- . و مما ورد من ذلك في السنة و رواه ثقات الأمة- قول رسول الله ص فيه و قد رآه مقبلا على حمار و معاوية يقوده و يزيد يسوقه- لعن الله الراكب و القائد و السائق – . و منه ما روته الرواة عنه من قوله يوم بيعة عثمان- تلقفوها يا بني عبد شمس تلقف الكرة- فو الله ما من جنة و لا نار- و هذا كفر صراح يلحقه اللعنة من الله- كما لحقت الذين كفروا من بني إسرائيل- على لسان داود و عيسى ابن مريم- ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون- .
و منه ما يروى من وقوفه على ثنية أحد من بعد ذهاب بصره- و قوله لقائده هاهنا رمينا محمدا و قتلنا أصحابه- . و منها الكلمة التي قالها للعباس قبل الفتح- و قد عرضت عليه الجنود- لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما- فقال له العباس ويحك إنه ليس بملك إنها النبوة- . و منها قوله يوم الفتح- و قد رأى بلالا على ظهر الكعبة يؤذن- و يقول أشهد أن محمدا رسول الله- لقد أسعد الله عتبة بن ربيعة إذ لم يشهد هذا المشهد- . و منه الرؤيا التي رآها رسول الله ص فوجم لها- قالوا فما رئي بعدها ضاحكا- رأى نفرا من بني أمية ينزون على منبره نزوة القردة- . و منها طرد رسول الله ص الحكم بن أبي العاص- لمحاكاته إياه في مشيته- و ألحقه الله بدعوة رسول الله ص آفة باقية- حين التفت إليه فرآه يتخلج يحكيه- فقال كن كما أنت فبقي على ذلك سائر عمره- .
هذا إلى ما كان من مروان ابنه- في افتتاحه أول فتنة كانت في الإسلام- و احتقابه كل حرام سفك فيها أو أريق بعدها- . و منها ما أنزل الله تعالى على نبيه ص- لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ- قالوا ملك بني أمية- . و منها أن رسول الله ص دعا معاوية ليكتب بين يديه- فدافع بأمره و اعتل بطعامه- فقال ص لا أشبع الله بطنه – فبقي لا يشبع- و هو يقول و الله ما أترك الطعام شبعا و لكن إعياء- .
و منها أن رسول الله ص قال يطلع من هذا الفج رجل من أمتي يحشر على غير ملتي – فطلع معاوية- . و منها أن رسول الله ص قال إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه – . و منها الحديث المشهور المرفوع أنه ص قال إن معاوية في تابوت من نار- في أسفل درك من جهنم ينادي يا حنان يا منان- فيقال له آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ- وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ- . و منها افتراؤه بالمحاربة لأفضل المسلمين في الإسلام مكانا- و أقدمهم إليه سبقا- و أحسنهم فيه أثرا و ذكرا علي بن أبي طالب- ينازعه حقه بباطله و يجاهد أنصاره بضلاله أعوانه- و يحاول ما لم يزل هو و أبوه يحاولانه- من إطفاء نور الله و جحود دينه-وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ- وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ- و يستهوي أهل الجهالة- و يموه لأهل الغباوة بمكره- و بغيه اللذين قدم رسول الله ص الخبر عنهما- فقال لعمار بن ياسر تقتلك الفئة الباغية – تدعوهم إلى الجنة و يدعونك إلى النار- مؤثرا للعاجلة كافرا بالآجلة- خارجا من ربقة الإسلام- مستحلا للدم الحرام حتى سفك في فتنته- و على سبيل غوايته و ضلالته- ما لا يحصى عدده من أخيار المسلمين- الذابين عن دين الله و الناصرين لحقه- مجاهدا في عداوة الله- مجتهدا في أن يعصى الله فلا يطاع- و تبطل أحكامه فلا تقام- و يخالف دينه فلا بد- و أن تعلو كلمة الضلال و ترتفع دعوة الباطل- و كلمة الله هي العليا و دينه المنصور- و حكمه النافذ و أمره الغالب- و كيد من عاداه و حاده المغلوب الداحض- حتى احتمل أوزار تلك الحروب و ما تبعها- و تطوق تلك الدماء و ما سفك بعدها- و سن سنن الفساد التي عليه إثمها و إثم من عمل بها- و أباح المحارم لمن ارتكبها و منع الحقوق أهلها- و غرته الآمال و استدرجه الإمهال- و كان مما أوجب الله عليه به اللعنة-
قتله من قتل صبرا من خيار الصحابة و التابعين- و أهل الفضل و الدين- مثل عمرو بن الحمق الخزاعي و حجر بن عدي الكندي- فيمن قتل من أمثالهم- على أن تكون له العزة و الملك و الغلبة- ثم ادعاؤه زياد بن سمية أخا- و نسبته إياه إلى أبيه- و الله تعالى يقول ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ و رسول الله ص يقول ملعون من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه و قال الولد للفراش و للعاهر الحجر – فخالف حكم الله تعالى و رسوله جهارا- و جعل الولد لغير الفراش و الحجر لغير العاهر- فأحل بهذه الدعوة من محارم الله و رسوله- في أم حبيبة أم المؤمنين- و في غيرها من النساء من شعور و وجوه قدحرمها الله- و أثبت بها من قربى قد أبعدها الله- ما لم يدخل الدين خلل مثله- و لم ينل الإسلام تبديل يشبهه- . و من ذلك إيثاره لخلافة الله على عباده ابنه يزيد- السكير الخمير صاحب الديكة و الفهود و القردة- و أخذ البيعة له على خيار المسلمين بالقهر و السطوة- و التوعد و الإخافة و التهديد و الرهبة- و هو يعلم سفهه و يطلع على رهقه و خبثه- و يعاين سكراته و فعلاته و فجوره و كفره- فلما تمكن قاتله الله فيما تمكن منه- طلب بثارات المشركين و طوائلهم عند المسلمين- فأوقع بأهل المدينة في وقعة الحرة- الوقعة التي لم يكن في الإسلام أشنع منها و لا أفحش- فشفى عند نفسه غليله- و ظن أنه قد انتقم من أولياء الله و بلغ الثأر لأعداء الله- فقال مجاهرا بكفره و مظهرا لشركه-ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل- .
قول من لا يرجع إلى الله و لا إلى دينه- و لا إلى رسوله و لا إلى كتابه- و لا يؤمن بالله و بما جاء من عنده- . ثم أغلظ ما انتهك- و أعظم ما اجترم سفكه دم الحسين بن علي ع- مع موقعه من رسول الله ص- و مكانه و منزلته من الدين و الفضل- و الشهادة له و لأخيه بسيادة شباب أهل الجنة- اجتراء على الله و كفرا بدينه- و عداوة لرسوله و مجاهرة لعترته و استهانة لحرمته- كأنما يقتل منه و من أهل بيته- قوما من كفره الترك و الديلم- و لا يخاف من الله نقمة و لا يراقب منه سطوة- فبتر الله عمره أخبث أصله و فرعه و سلبه ما تحت يده- و أعد له من عذابه و عقوبته ما استحقه من الله بمعصيته- . هذا إلى ما كان من بني مروان من تبديل كتاب الله- و تعطيل أحكام الله و اتخاذ مال الله بينهم دولا- و هدم بيت الله و استحلالهم حرمه- و نصبهم المجانيق عليه و رميهم بالنيران إياه- لا يألون له إحراقا و إخرابا- و لما حرم الله منه استباحة و انتهاكا- و لمن لجأ إليه قتلا و تنكيلا- و لمن أمنه الله به إخفاقة و تشريدا- حتى إذا حقت عليهم كلمة العذاب- و استحقوا من الله الانتقام- و ملئوا الأرض بالجور و العدوان- و عموا عباد بلاد الله بالظلم و الاقتسار- و حلت عليهم السخطة- و نزلت بهم من الله السطوة- أتاح الله لهم من عترة نبيه و أهل وراثته- و من استخلصه منهم لخلافته- مثل ما أتاح من أسلافهم المؤمنين- و آبائهم المجاهدين لأوائلهم الكافرين- فسفك الله به دماءهم و دماء آبائهم مرتدين- كما سفك بآبائهم مشركين- و قطع الله دابر الذين ظلموا- و الحمد لله رب العالمين- .
أيها الناس إن الله إنما أمر ليطاع- و مثل ليتمثل و حكم ليفعل- قال الله سبحانه و تعالى إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ- وَ أَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً- و قال أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ- . فالعنوا أيها الناس من لعنه الله و رسوله- و فارقوا من لا تنالون القربة من الله إلا بمفارقته- اللهم العن أبا سفيان بن حرب بن أمية- و معاوية بن أبي سفيان و يزيد بن معاوية- و مروان بن الحكم و ولده و ولد ولده- اللهم العن أئمة الكفر و قادة الضلال- و أعداء الدين و مجاهدي الرسول- و معطلي الأحكام و مبدلي الكتاب- و منتهكي الدم الحرام- اللهم إنا نبرأ إليك من موالاة أعدائك- و من الإغماض لأهل معصيتك-كما قلت لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ- يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ- . أيها الناس اعرفوا الحق تعرفوا أهله- و تأملوا سبل الضلالة تعرفوا سابلها- فقفوا عند ما وقفكم الله عليه- و انفذوا كما أمركم الله به- و أمير المؤمنين يستعصم بالله لكم- و يسأله توفيقكم و يرغب إليه في هدايتكم- و الله حسبه و عليه توكله- و لا قوة إلا بالله العلي العظيم- .
قلت هكذا ذكر الطبري الكتاب- و عندي أنه الخطبة- لأن كل ما يخطب به فهو خطبة و ليس بكتاب- و الكتاب ما يكتب إلى عامل أو أمير و نحوهما- و قد يقرأ الكتاب على المنبر فيكون كالخطبة- و لكن ليس بخطبة و لكنه كتاب قرئ على الناس- . و لعل هذا الكلام كان قد أنشئ ليكون كتابا- و يكتب به إلى الآفاق- و يؤمروا بقراءته على الناس- و ذلك بعد قراءته على أهل بغداد- و الذي يؤكد كونه كتابا و ينصر ما قاله الطبري- إن في آخره كتب عبيد الله بن سليمان في سنة أربع و ثمانين و مائتين- و هذا لا يكون في الخطب بل في الكتب- و لكن الطبري لم يذكر أنه أمر بأن يكتب إلى الآفاق- و لا قال وقع العزم على ذلك- و لم يذكر إلا وقوع العزم على أن يقرأ في الجوامع ببغداد
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 15