16 و كان يقول ع لأصحابه عند الحرب
لَا تَشْتَدَّنَّ عَلَيْكُمْ فَرَّةٌ بَعْدَهَا كَرَّةٌ- وَ لَا جَوْلَةٌ بَعْدَهَا حَمْلَةٌ- وَ أَعْطُوا السُّيُوفَ حُقُوقَهَا- وَ وَطِّنُوا لِلْجُنُوبِ مَصَارِعَهَا- وَ اذْمُرُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى الطَّعْنِ الدَّعْسِيِّ وَ الضَّرْبِ الطِّلَحْفِيِّ- وَ أَمِيتُوا الْأَصْوَاتَ فَإِنَّهُ أَطْرَدُ لِلْفَشَلِ- وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ- مَا أَسْلَمُوا وَ لَكِنِ اسْتَسْلَمُوا وَ أَسَرُّوا الْكُفْرَ- فَلَمَّا وَجَدُوا أَعْوَاناً عَلَيْهِ أَظْهَرُوهُ قال لا تستصعبوا فرة تفرونها بعدها كرة- تجبرون بها ما تكسر من حالكم- و إنما الذي ينبغي لكم أن تستصعبوه فرة لا كرة بعدها- و هذا حض لهم على أن يكروا- و يعودوا إلى الحرب إن وقعت عليهم كسرة- . و مثله قوله و لا جولة بعدها حملة- و الجولة هزيمة قريبة ليست بالممعنة- . و اذمروا أنفسكم من ذمره على كذا أي حضه عليه- و الطعن الدعسي الذي يحشى به أجواف الأعداء- و أصل الدعس الحشو دعست الوعاء حشوته- . و ضرب طلحفي بكسر الطاء و فتح اللام أي شديد- و اللام زائدة- .
ثم أمرهم بإماتة الأصوات- لأن شدة الضوضاء في الحرب أمارة الخوف و الوجل- . ثم أقسم أن معاوية و عمرا و من والاهما من قريش ما أسلموا- و لكن استسلموا خوفا من السيف و نافقوا- فلما قدروا على إظهار ما في أنفسهم أظهروه- و هذا يدل على أنه ع جعل محاربتهم له كفرا- . و قد تقدم في شرح حال معاوية و ما يذكره- كثير من أصحابنا من فساد عقيدته ما فيه كفاية
نبذ من الأقوال المتشابهة في الحرب
و أوصى أكثم بن صيفي قوما نهضوا إلى الحرب- فقال ابرزوا للحرب و ادرعوا الليل- فإنه أخفى للويل و لا جماعة لمن اختلف- و اعلموا أن كثرة الصياح من الفشل- و المرء يعجز لا محالة- . و سمعت عائشة يوم الجمل أصحابها يكبرون- فقالت لا تكبروا هاهنا- فإن كثرة التكبير عند القتال من الفشل- . و قال بعض السلف- قد جمع الله أدب الحرب في قوله تعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا الآيتين- . و قال عتبة بن ربيعة لقريش يوم بدر- أ لا ترونهم يعني أصحاب النبي ص جثيا على الركب- يتلمظون تلمظ الحيات- .
و أوصى عبد الملك بن صالح أمير سرية بعثها- فقال أنت تاجر الله لعباده- فكن كالمضارب الكيس الذي إن وجد ربحا تجر- و إلا احتفظ برأس المال- و لا تطلب الغنيمة حتى تحوز السلامة- و كن من احتيالك على عدوك- أشد حذرا من احتيال عدوك عليك- . و في الحديث المرفوع إنه ص قال لزيد بن حارثة لا تشق جيشك- فإن الله تعالى ينصر القوم بأضعفهم و قال ابن عباس و ذكر عليا ع ما رأيت رئيسا يوزن به لقد رأيته يوم صفين- و كأن عينيه سراجا سليط- و هو يحمس أصحابه إلى أن انتهى إلي و أنا في كنف- فقال يا معشر المسلمين استشعروا الخشية- و تجلببوا السكينة و أكملوا اللأمة – … الفصل المذكور فيما تقدم
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 15