google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
60 نامه ها شرح ابن ابی الحدیدنامه ها شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

نامه 69 شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)( كتبه إلى الحارث الهمداني)

69 و من كتاب له ع كتبه إلى الحارث الهمداني

وَ تَمَسَّكْ بِحَبْلِ الْقُرْآنِ وَ انْتَصِحْهُ-  وَ أَحِلَّ حَلَالَهُ وَ حَرِّمْ حَرَامَهُ-  وَ صَدِّقْ بِمَا سَلَفَ مِنَ الْحَقِّ-  وَ اعْتَبِرْ بِمَا مَضَى مِنَ الدُّنْيَا لِمَا بَقِيَ مِنْهَا-  فَإِنَّ بَعْضَهَا يُشْبِهُ بَعْضاً-  وَ آخِرَهَا لَاحِقٌ بِأَوَّلِهَا-  وَ كُلُّهَا حَائِلٌ مُفَارِقٌ-  وَ عَظِّمِ اسْمَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرَهُ إِلَّا عَلَى حَقٍّ-  وَ أَكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ وَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ-  وَ لَا تَتَمَنَّ الْمَوْتَ إِلَّا بِشَرْطٍ وَثِيقٍ-  وَ احْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يَرْضَاهُ صَاحِبُهُ لِنَفْسِهِ-  وَ يَكْرَهُهُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ-  وَ احْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يُعْمَلُ بِهِ فِي السِّرِّ-  وَ يُسْتَحَى مِنْهُ فِي الْعَلَانِيَةِ-  وَ احْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ إِذَا سُئِلَ عَنْهُ صَاحِبُهُ أَنْكَرَهُ وَ اعْتَذَرَ مِنْهُ-  وَ لَا تَجْعَلْ عِرْضَكَ غَرَضاً لِنِبَالِ الْقَوْمِ-  وَ لَا تُحَدِّثِ النَّاسَ بِكُلِّ مَا سَمِعْتَ بِهِ-  فَكَفَى بِذَلِكَ كَذِباً-  وَ لَا تَرُدَّ عَلَى النَّاسِ كُلَّ مَا حَدَّثُوكَ بِهِ-  فَكَفَى بِذَلِكَ جَهْلًا-  وَ اكْظِمِ الْغَيْظَ وَ احْلُمْ عِنْدَ الْغَضَبِ-  وَ تَجَاوَزْ عِنْدَ الْمَقْدِرَةِ-  وَ اصْفَحْ مَعَ الدَّوْلَةِ تَكُنْ لَكَ الْعَاقِبَةُ-  وَ اسْتَصْلِحْ كُلَّ نِعْمَةٍ أَنْعَمَهَا اللَّهُ عَلَيْكَ-  وَ لَا تُضَيِّعَنَّ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عِنْدَكَ-  وَ لْيُرَ عَلَيْكَ أَثَرُ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكَ-  وَ اعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ الْمُؤْمِنِينَ-  أَفْضَلُهُمْ تَقْدِمَةً مِنْ نَفْسِهِ وَ أَهْلِهِ وَ مَالِهِ-  وَ إِنَّكَ مَا تُقَدِّمْ مِنْ خَيْرٍ يَبْقَ لَكَ ذُخْرُهُ-  وَ مَا تُؤَخِّرْهُ يَكُنْ لِغَيْرِكَ خَيْرُهُ-وَ احْذَرْ صَحَابَةَ مَنْ يَفِيلُ رَأْيُهُ-  وَ يُنْكَرُ عَمَلُهُ فَإِنَّ الصَّاحِبَ مُعْتَبَرٌ بِصَاحِبِهِ-  وَ اسْكُنِ الْأَمْصَارَ الْعِظَامَ فَإِنَّهَا جِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ-  وَ احْذَرْ مَنَازِلَ الْغَفْلَةِ وَ الْجَفَاءِ-  وَ قِلَّةَ الْأَعْوَانِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ-  وَ اقْصُرْ رَأْيَكَ عَلَى مَا يَعْنِيكَ-  وَ إِيَّاكَ وَ مَقَاعِدَ الْأَسْوَاقِ-  فَإِنَّهَا مَحَاضِرُ الشَّيْطَانِ وَ مَعَارِيضُ الْفِتَنِ-  وَ أَكْثِرْ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى مَنْ فُضِّلْتَ عَلَيْهِ-  فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الشُّكْرِ-  وَ لَا تُسَافِرْ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ حَتَّى تَشْهَدَ الصَّلَاةَ-  إِلَّا فَاصِلًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ فِي أَمْرٍ تُعْذَرُ بِهِ-  وَ أَطِعِ اللَّهَ فِي جُمَلِ أُمُورِكَ-  فَإِنَّ طَاعَةَ اللَّهِ فَاضِلَةٌ عَلَى مَا سِوَاهَا-  وَ خَادِعْ نَفْسَكَ فِي الْعِبَادَةِ وَ ارْفُقْ بِهَا وَ لَا تَقْهَرْهَا-  وَ خُذْ عَفْوَهَا وَ نَشَاطَهَا-  إِلَّا مَا كَانَ مَكْتُوباً عَلَيْكَ مِنَ الْفَرِيضَةِ-  فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَضَائِهَا وَ تَعَاهُدِهَا عِنْدَ مَحَلِّهَا-  وَ إِيَّاكَ أَنْ يَنْزِلَ بِكَ الْمَوْتُ-  وَ أَنْتَ آبِقٌ مِنْ رَبِّكَ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا-  وَ إِيَّاكَ وَ مُصَاحَبَةَ الْفُسَّاقِ-  فَإِنَّ الشَّرَّ بِالشَّرِّ مُلْحَقٌ-  وَ وَقِّرِ اللَّهَ وَ أَحْبِبْ أَحِبَّاءَهُ-  وَ احْذَرِ الْغَضَبَ فَإِنَّهُ جُنْدٌ مِنْ جُنُودِ إِبْلِيسَ-  وَ السَّلَامُ

الحارث الأعور و نسبه

هو الحارث الأعور صاحب أمير المؤمنين ع-  و هو الحارث بن عبد الله بن كعب بن أسد بن نخلة بن حرث-  بن سبع بن صعب بن معاوية الهمداني-  كان أحدالفقهاء له قول في الفتيا-  و كان صاحب علي ع-  و إليه تنسب الشيعة الخطاب الذي خاطبه به في قوله ع‏

  يا حار همدان من يمت يرني
من مؤمن أو منافق قبلا

 و هي أبيات مشهورة قد ذكرناها فيما تقدم

نبذ من الأقوال الحكيمة

و قد اشتمل هذا الفصل على وصايا جليلة الموقع-  منها قوله و تمسك بحبل القرآن-  جاء في الخبر المرفوع لما ذكر الثقلين-  فقال أحدهما كتاب الله-  حبل ممدود من السماء إلى الأرض-  طرف بيد الله و طرف بأيديكم- . و منها قوله انتصحه-  أي عده ناصحا لك فيما أمرك به و نهاك عنه- . و منها قوله و أحل حلاله و حرم حرامه-  أي احكم بين الناس في الحلال و الحرام بما نص عليه القرآن- . و منها قوله و صدق بما سلف من الحق-  أي صدق بما تضمنه القرآن من أيام الله-  و مثلاته في الأمم السالفة لما عصوا و كذبوا- . و منها قوله و اعتبر بما مضى من الدنيا لما بقي منها-  و في المثل إذا شئت أن تنظر الدنيا بعدك فانظرها بعد غيرك-  و قال الشاعر- 

و ما نحن إلا مثلهم غير أننا
أقمنا قليلا بعدهم ثم نرحل‏

 و يناسب قوله و آخرها لاحق بأولها-  و كلها حائل مفارق-  قوله أيضا ع‏في غير هذا الفصل الماضي- للمقيم عبرة و الميت للحي عظة-  و ليس لأمس عودة و لا المرء من غد على ثقة-  الأول للأوسط رائد و الأوسط للأخير قائد-  و كل بكل لاحق و الكل للكل مفارق- . و منها قوله و عظم اسم الله أن تذكره إلا على حق-  قال الله سبحانه وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ-  و قد نهى عن الحلف بالله في الكذب و الصدق-  أما في أحدهما فمحرم و أما في الآخر فمكروه-  و لذلك لا يجوز ذكر اسمه تعالى-  في لغو القول و الهزء و العبث- .

و منها قوله و أكثر ذكر الموت و ما بعد الموت-  جاء في الخبر المرفوع أكثروا ذكر هاذم اللذات-  و ما بعد الموت العقاب و الثواب في القبر و في الآخرة- . و منها قوله و لا تتمن الموت إلا بشرط وثيق-  هذه كلمة شريفة عظيمة القدر-  أي لا تتمن الموت إلا و أنت واثق من أعمالك الصالحة-  أنها تؤديك إلى الجنة و تنقذك من النار-  و هذا هو معنى قوله تعالى لليهود-  إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ-  فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ-  وَ لا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ-  وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ- . و منها قوله و احذر كل عمل يرضاه صاحبه لنفسه-  و يكرهه لعامة المسلمين-  و احذر كل عمل يعمل في السر-  و يستحيا منه في العلانية-  و احذر كل عمل إذا سئل عنه صاحبه أنكره و اعتذر منه-  و هذه الوصايا الثلاث متقاربة في المعنى-  و يشملها معنى قول الشاعر- 

  لا تنه عن خلق و تأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم‏

 و قال الله تعالى حاكيا عن نبي من أنبيائه-  وَ ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى‏ ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ- . و من كلام الجنيد الصوفي-  ليكن عملك من وراء سترك-  كعملك من وراء الزجاج الصافي-  و في المثل و هو منسوب إلى علي ع-  إياك و ما يعتذر منه- . و منها قوله و لا تجعل عرضك غرضا لنبال القوم-  قال الشاعر

  لا تستتر أبدا ما لا تقوم له
و لا تهيجن من عريسة الأسدا

إن الزنابير إن حركتها سفها
من كورها أوجعت من لسعها الجسدا

و قال

مقالة السوء إلى أهلها
أسرع من منحدر سائل‏

و من دعا الناس إلى ذمه‏
ذموه بالحق و بالباطل‏

 و منها قوله و لا تحدث الناس بكل ما سمعت-  فكفى بذلك كذبا-  قد نهى أن يحدث الإنسان بكل ما رأى من العجائب-  فضلا عما سمع-  لأن الحديث الغريب المعجب تسارع النفس إلى تكذيبه-  و إلى أن تقوم الدلالة على صدقه-  قد فرط من سوء الظن فيه ما فرط- . و يقال إن بعض العلوية- 

قال في حضرة عضد الدولة ببغداد-  عندنا في الكوفة نبق وزن كل نبقة مثقالان-  فاستطرف الملك ذلك و كاد يكذبه الحاضرون-  فلما قام ذكر ذلك لأبيه-  فأرسل حماما كان عنده في الحال إلى الكوفة-  يأمر وكلاءه بإرسال مائة حمامة-  في رجلي كل واحدة نبقتان من ذلك النبق-  فجاء النبق في بكرة الغد و حمل إلى عضد الدولة-  فاستحسنه و صدقه حينئذ-  ثم قال له لعمري لقد صدقت-و لكن لا تحدث فيما بعد بكل ما رأيت من الغرائب-  فليس كل وقت يتهيأ لك إرسال الحمام- . و كان يقال الناس يكتبون أحسن ما يسمعون-  و يحفظون أحسن ما يكتبون-  و يتحدثون بأحسن ما يحفظون-  و الأصدق نوع تحت جنس الأحسن و منها قوله و لا ترد على الناس كل ما حدثوك-  فكفى بذلك جهلا-  من الجهل المبادرة بإنكار ما يسمعه- 

و قال ابن سينا في آخر الإشارات-  إياك أن يكون تكيسك و تبرؤك من العامة-  هو أن تنبري منكرا لكل شي‏ء-  فلذلك عجز و طيش-  و ليس الخرق في تكذيبك ما لم يستبن لك بعد جليته-  دون الخرق في تصديقك بما لم تقم بين يديك بينة-  بل عليك الاعتصام بحبل التوقف-  و إن أزعجك استنكار ما يوعيه سمعك-  مما لم يبرهن على استحالته لك-  فالصواب أن تسرح أمثال ذلك إلى بقعة الإمكان-  ما لم يذدك عنها قائم البرهان- . و منها قوله و اكظم الغيظ-  قد مدح الله تعالى ذلك فقال-  وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ- 

و روي أن عبدا لموسى بن جعفر ع قدم إليه صحفة-  فيها طعام حار-  فعجل فصبها على رأسه و وجهه فغضب-  فقال له وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ قال قد كظمت-  قال وَ الْعافِينَ عَنِ النَّاسِ قال قد عفوت-  قال وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ-  قال أنت حر لوجه الله-  و قد نحلتك ضيعتي الفلانية- . و منها قوله و احلم عند الغضب-  هذه مناسبة الأولى-  و قد تقدم منا قول كثير في الحلم و فضله-  و كذلك القول في قوله ع-  و تجاوز عند القدرة-  و كان يقال القدرة تذهب الحفيظة- .

 

و منها قوله و اصفح مع الدولة تكن لك العاقبة-  هذه كانت شيمة رسول الله ص-  و شيمة علي ع-  أما شيمة رسول الله ص فظفر بمشركي مكة و عفا عنهم-  كما سبق القول فيه في عام الفتح-  و أما علي ع فظفر بأصحاب الجمل-  و قد شقوا عصا الإسلام عليه-  و طعنوا فيه و في خلافته فعفا عنهم-  مع علمه بأنهم يفسدون عليه أمره فيما بعد-  و يصيرون إلى معاوية-  إما بأنفسهم أو بآرائهم و مكتوباتهم-  و هذا أعظم من الصفح عن أهل مكة-  لأن أهل مكة لم يبق لهم لما فتحت فئة يتحيزون إليها-  و يفسدون الدين عندها- . و منها قوله و استصلح كل نعمة أنعمها الله عليك-  معنى استصلحها استدمها-  لأنه إذا استدامها فقد أصلحها-  فإن بقاءها صلاح لها و استدامتها بالشكر- . و منها قوله و لا تضيعن نعمة من نعم الله عندك-  أي واس الناس منها و أحسن إليهم-  و اجعل بعضها لنفسك و بعضها للصدقة و الإيثار-  فإنك إن لم تفعل ذلك تكن قد أضعتها- .

و منها قوله و لير عليك أثر النعمة-  قد أمر بأن يظهر الإنسان على نفسه-  آثار نعمة الله عليه-  و قال سبحانه وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ-  و قال الرشيد لجعفر قم بنا لنمضي إلى منزل الأصمعي-  فمضيا إليه خفية-  و معهما خادم معه ألف دينار ليدفع ذلك إليه-  فدخلا داره فوجدا كساء جرداء و بارية سملاء-  و حصيرا مقطوعا و خباء قديمة-  و أباريق من خزف و دواة من زجاج-  و دفاتر عليها التراب و حيطانا مملوءة من نسج العناكب-  فوجم الرشيد-  و سأله مسائل غشة لم تكن من غرضه-  و إنما قطع بها خجله-  و قال الرشيد لجعفر أ لا ترى إلى نفس هذا المهين-  قد بررناه بأكثر  من خمسين ألف دينار و هذه حاله-  لم تظهر عليه آثار نعمتنا-  و الله لا دفعت إليه شيئا-  و خرج و لم يعطه- .

و منها قوله و اعلم أن أفضل المؤمنين-  أفضلهم تقدمة من نفسه و أهله و ماله-  أي أفضلهم إنفاقا في البر و الخير من ماله-  و هي التقدمة-  قال الله تعالى وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ-  فأما النفس و الأهل فإن تقدمتهما في الجهاد-  و قد تكون التقدمة في النفس بأن يشفع شفاعة حسنة-  أو يحضر عند السلطان بكلام طيب و ثناء حسن-  و أن يصلح بين المتخاصمين و نحو ذلك-  و التقدمة في الأهل أن يحج بولده و زوجته-  و يكلفهما المشاق في طاعة الله-  و أن يؤدب ولده إن أذنب-  و أن يقيم عليه الحد و نحو ذلك- . و منها قوله و ما تقدم من خير يبق لك زخره-  و ما تؤخره يكن لغيرك خيره-  و قد سبق مثل هذا-  و أن ما يتركه الإنسان بعده فقد حرم نفعه-  و كأنما كان يكدح لغيره-  و ذلك من الشقاوة و قلة التوفيق- .

و منها قوله و احذر صحابة من يفيل رأيه-  الصحابة بفتح الصاد مصدر صحبت-  و الصحابة بالفتح أيضا جمع صاحب-  و المراد هاهنا الأول-  و فال رأيه فسد و هذا المعنى قد تكرر-  و قال طرفة

عن المرء لا تسأل و سل عن قرينه
فإن القرين بالمقارن يقتدي‏

 و منها قوله و اسكن الأمصار العظام-  قد قيل لا تسكن إلا في مصر فيه سوق قائمة-  و نهر جار و طبيب حاذق و سلطان عادل-  فأما منازل الغفلة و الجفاء-  فمثل قرى السواد الصغار-  فإن أهلها لا نور فيهم و لا ضوء عليهم-  و إنما هم كالدواب‏ و الأنعام-  همهم الحرث و الفلاحة-  و لا يفقهون شيئا أصلا-  فمجاورتهم تعمي القلب و تظلم الحس-  و إذا لم يجد الإنسان من يعينه على طاعة الله-  و على تعلم العلم قصر فيهما- . و منها قوله و اقصر رأيك على ما يعنيك-  كان يقال من دخل فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه- . و منها نهيه إياه عن القعود في الأسواق-  قد جاء في المثل السوق محل الفسوق- .

و جاء في الخبر المرفوع الأسواق مواطن إبليس و جنده-  و ذلك لأنها قلما تخلو عن الأيمان الكاذبة-  و البيوع الفاسدة-  و هي أيضا مجمع النساء المومسات و فجار الرجال-  و فيها اجتماع أرباب الأهواء و البدع-  فلا يخلو أن يتجادل اثنان منهم-  في المذاهب و النحل فيفضي إلى الفتن- .

و منها قوله و انظر إلى من فضلت عليه-  كان يقال انظر إلى من دونك-  و لا تنظر إلى من فوقك-  و قد بين ع السر فيه فقال-  إن ذلك من أبواب الشكر-  و صدق ع لأنك إذا رأيت جاهلا و أنت عالم-  أو عالما و أنت أعلم منه-  أو فقيرا و أنت أغنى منه-  أو مبتلى بسقم و أنت معافى عنه-  كان ذلك باعثا و داعيا لك إلى الشكر- . و منها نهيه عن السفر يوم الجمعة-  ينبغي أن يكون هذا النهي-  عن السفر يوم الجمعة قبل الصلاة-  و أما بعد الصلاة فلا بأس به-  و استثنى فقال إلا فاصلا في سبيل الله-  أي شاخصا إلى الجهاد- . قال أو في أمر تعذر به-  أي لضرورة دعتك إلى ذلك- .

 

و قد ورد نهي كثير عن السفر يوم الجمعة-  قبل أداء الفرض-  على أن من الناس من كره ذلك بعد الصلاة أيضا-  و هو قول شاذ- . و منها قوله و أطع الله في جمل أمورك-  أي في جملتها و فيها كلها-  و ليس يعني في جملتها دون تفاصيلها-  قال فإن طاعة الله فاضلة على غيرها-  و صدق ع لأنها توجب السعادة الدائمة-  و الخلاص من الشقاء الدائم-  و لا أفضل مما يؤدي إلى ذلك- . و منها قوله و خادع نفسك في العبادة-  أمره أن يتلطف بنفسه في النوافل-  و أن يخادعها و لا يقهرها فتمل و تضجر و تترك-  بل يأخذ عفوها و يتوخى أوقات النشاط-  و انشراح الصدر للعبادة- .

قال فأما الفرائض فحكمها غير هذا الحكم-  عليك أن تقوم بها كرهتها النفس أو لم تكرهها-  ثم أمره أن يقوم بالفريضة في وقتها-  و لا يؤخرها عنه فتصير قضاء- . و منها قوله و إياك أن ينزل بك المنون-  و أنت آبق من ربك في طلب الدنيا-  هذه وصية شريفة جدا-  جعل طالب الدنيا المعرض عن الله عند موته-  كالعبد الآبق يقدم به على مولاه أسيرا مكتوفا ناكس الرأس-  فما ظنك به حينئذ- . و منها قوله و إياك و مصاحبة الفساق-  فإن الشر بالشر ملحق-  يقول إن الطباع ينزع بعضها إلى بعض-  فلا تصحبن الفساق-  فإنه ينزع بك ما فيك من طبع الشر-  إلى مساعدتهم على الفسوق و المعصية-  و ما هو إلا كالنار تقوى بالنار-  فإذا لم تجاورها و تمازجها نار-  كانت إلى الانطفاء و الخمود أقرب- .

 

و روي ملحق بكسر الحاء-  و قد جاء ذلك في الخبر النبوي فإن عذابك بالكفار ملحقبالكسر- . و منها قوله و أحب أحباءه-  قد جاء في الخبر لا يكمل إيمان امرئ حتى يحب من أحب الله-  و يبغض من أبغض الله-  و منها قوله و احذر الغضب-  قد تقدم لنا كلام طويل في الغضب-  وقال إنسان للنبي ص أوصني-  قال لا تغضب-  فقال زدني فقال لا تغضب-  قال زدني قال لا أجد لك مزيدا-  و إنما جعله ع جندا عظيما من جنود إبليس-  لأنه أصل الظلم و القتل و إفساد كل أمر صالح-  و هو إحدى القوتين المشئومتين-  اللتين لم يخلق أضر منهما على الإنسان-  و هما منبع الشر الغضب و الشهوة

 شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن ‏أبي ‏الحديد) ج 18

Show More

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

Back to top button
-+=