و من كلام له عليه السّلام
وَ لَئِنْ أَمْهَلَ الظَّالِمَ- فَلَنْ يَفُوتَ أَخْذُهُ- وَ هُوَ لَهُ بِالْمِرْصَادِ عَلَى مَجَازِ طَرِيقِهِ وَ بِمَوْضِعِ الشَّجَا مِنْ مَسَاغِ رِيقِهِ- أَمَا وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ- لَيَظْهَرَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ عَلَيْكُمْ- لَيْسَ لِأَنَّهُمْ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْكُمْ- وَ لَكِنْ لِإِسْرَاعِهِمْ إِلَى بَاطِلِ صَاحِبِهِمْ وَ إِبْطَائِكُمْ عَنْ حَقِّي- وَ لَقَدْ أَصْبَحَتِ الْأُمَمُ تَخَافُ ظُلْمَ رُعَاتِهَا- وَ أَصْبَحْتُ أَخَافُ ظُلْمَ رَعِيَّتِي- اسْتَنْفَرْتُكُمْ لِلْجِهَادِ فَلَمْ تَنْفِرُوا- وَ أَسْمَعْتُكُمْ فَلَمْ تَسْمَعُوا- وَ دَعَوْتُكُمْ سِرّاً وَ جَهْراً فَلَمْ تَسْتَجِيبُوا- وَ نَصَحْتُ لَكُمْ فَلَمْ تَقْبَلُوا- أَ شُهُودٌ كَغُيَّابٍ وَ عَبِيدٌ كَأَرْبَابٍ- أَتْلُو عَلَيْكُمْ الْحِكَمَ فَتَنْفِرُونَ مِنْهَا- وَ أَعِظُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ الْبَالِغَةِ- فَتَتَفَرَّقُونَ عَنْهَا- وَ أَحُثُّكُمْ عَلَى جِهَادِ أَهْلِ الْبَغْيِ- فَمَا آتِي عَلَى آخِرِ قَوْلِي- حَتَّى أَرَاكُمْ مُتَفَرِّقِينَ أَيَادِيَ سَبَا تَرْجِعُونَ إِلَى مَجَالِسِكُمْ- وَ تَتَخَادَعُونَ عَنْ مَوَاعِظِكُمْ- أُقَوِّمُكُمْ غُدْوَةً وَ تَرْجِعُونَ إِلَيَّ عَشِيَّةً- كَظَهْرِ الْحَنِيَّةِ عَجَزَ الْمُقَوِّمُ وَ أَعْضَلَ الْمُقَوَّمُ- أَيُّهَا الشَّاهِدَةُ أَبْدَانُهُمْ- الْغَائِبَةُ عُقُولُهُمْ- الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ- الْمُبْتَلَى بِهِمْ أُمَرَاؤُهُمْ- صَاحِبُكُمْ يُطِيعُ اللَّهَ وَ أَنْتُمْ تَعْصُونَهُ- وَ صَاحِبُ أَهْلِ الشَّامِ يَعْصِي اللَّهَ- وَ هُمْ يُطِيعُونَهُ- لَوَدِدْتُ وَ اللَّهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَارَفَنِي بِكُمْ- صَرْفَ الدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ- فَأَخَذَ مِنِّي عَشَرَةَ مِنْكُمْ- وَ أَعْطَانِي رَجُلًا مِنْهُمْ- يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ- مُنِيتُ مِنْكُمْ بِثَلَاثٍ وَ اثْنَتَيْنِ- صُمٌّ ذَوُو أَسْمَاعٍ- وَ بُكْمٌ ذَوُو كَلَامٍ- وَ عُمْيٌ ذَوُو أَبْصَارٍ- لَا أَحْرَارُ صِدْقٍ عِنْدَ اللِّقَاءِ- وَ لَا إِخْوَانُ ثِقَةٍ عِنْدَ الْبَلَاءِ- يَا أَشْبَاهَ الْإِبِلِ غَابَ عَنْهَا رُعَاتُهَا- كُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِبٍ تَفَرَّقَتْ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ- وَ اللَّهِ لَكَأَنِّي بِكُمْ فِيمَا إِخَالُكُمْ- أَنْ لَوْ حَمِسَ الْوَغَى وَ حَمِيَ الضِّرَابُ- قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ- انْفِرَاجَ الْمَرْأَةِ عَنْ قُبُلِهَا- وَ إِنِّي لَعَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ مِنْهَاجٍ مِنْ نَبِيِّي- وَ إِنِّي لَعَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ- أَلْقُطُهُ لَقْطاً انْظُرُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ- فَالْزَمُوا سَمْتَهُمْ- وَ اتَّبِعُوا أَثَرَهُمْ- فَلَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ هُدًى- وَ لَنْ يُعِيدُوكُمْ فِي رَدًى- فَإِنْ لَبَدُوا فَالْبُدُوا- وَ إِنْ نَهَضُوا فَانْهَضُوا- وَ لَا تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا- وَ لَا تَتَأَخَّرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِكُوا- لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ص- فَمَا أَرَى أَحَداً يُشْبِهُهُمْ مِنْكُمْ- لَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ شُعْثاً غُبْراً- وَ قَدْ بَاتُوا سُجَّداً وَ قِيَاماً- يُرَاوِحُونَ بَيْنَ جِبَاهِهِمْ وَ خُدُودِهِمْ- وَ يَقِفُونَ عَلَى مِثْلِ الْجَمْرِ مِنْ ذِكْرِ مَعَادِهِمْ- كَأَنَّ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ رُكَبَ الْمِعْزَى- مِنْ طُولِ سُجُودِهِمْ- إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ هَمَلَتْ أَعْيُنُهُمْ- حَتَّى تَبُلَّ جُيُوبَهُمْ- وَ مَادُوا كَمَا يَمِيدُ الشَّجَرُ يَوْمَ الرِّيحِ الْعَاصِفِ- خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ وَ رَجَاءً لِلثَّوَابِ
اللغة
أقول: المرصاد: الطريق يرصد بها، و الرصد الراقب. و الشجى: الغصص بلقمة و غيرها. و الحثّ: السوق الشديد. و أعضل: أشكل. و الحيّةخ: القوسه. و منى: ابتلى. و تربت: أصابت التراب دون الخير. و أخال: أحسب. و الوغى: الحرب و أصله من الأصوات. و حمس: اشتدّ. و السمت: الطريقة. و لبد الطائر: لصق بالأرض.
المعنى
فقوله: و لئن أمهل اللّه الظالم. إلى قوله: ريقه. في معرض التهديد لأهل الشام بأخذ اللّه لهم و عدم قوّتهم. و أنّه لهم بالرصد على جميع حركاتهم و على مجاز طريقهم الّتى هم سالكوها ضلّالا و على موضع الشجى من مساغ ريقهم و هو الحق، و في ذكر الشجى و كون اللّه بالرصد تنبيه على أنّ اللّه تعالى في مظنّة أن يرمى الظالم بعقوباته عند اطّلاعه على ظلمه كما قال تعالى أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ«» ثمّ أردف ذلك بالقسم البارّ ليظهرنّ أصحاب معاوية عليهم تنفيرا لهم إلى مقاومتهم، ثمّ نفى ما عساه يتوهّمه أنّه علّة غلبهم لهم كيلا يتخاذلون بسبب ذلك و هو قوله: ليس لأنّهم أولى بالحقّ منكم، و أردفه بتعيين السبب الحقّ في ذلك و هو قوله: لكن لإسراعهم إلى باطل صاحبهم: أى أمره الباطل و إبطائكم عن حقّى إذ كانت النصرة باجتماع الكلمة و طاعة الإمام لا باعتقاد حقيّة إمرته مع التخاذل عنه، ثمّ أردف ذلك بتوبيخهم و تنفيرهم عمّا هم عليه من مخالفة أمره بقوله: و لقد أصبحت الامم. إلى قوله: رعيّتى. لأن شأن الرعيّة الخوف من سلطانها فإذا كان حاله مع رعيّته بالعكس كانت اللائمة عليهم بعصيانه دون حجّة لهم عليه، و أمّا التنفير فيذكر أنّهم في محلّ ظلم نفسه و لقد أشفق عليه السّلام منهم في مواطن كثيرة كيوم التحكيم إذ قالوا له: إن لم ترض فعلنا بك كما فعلنا بعثمان.
و نحو ذلك، ثمّ أردف وجوه تقصيرهم ببيان ما فعل في حقّهم من الأيادى الجميلة و الهداية إلى وجوه المصالح من استنفارهم لجهاد عدوّهم و حفظ بلادهم و إسماعهم الدعوة إلى مصالحهم سرّا و جهرا و نصيحته لهم بالوجوه الصائبة من الرأى و هو كقوله تعالى حكاية عن نوح عليه السّلام قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَ نَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً وَ إِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا إلى قوله ثُمَّ«» ثمّ شبّههم بالغياب مع شهادتهم و بالأرباب مع كونهم عبيدا، و وجه الشبه أنّ الفايدة في شاهد الموعظة دون الغايب عنها هى سماعها و الانتفاع بها فإذا ليسوا كذلك فهم كالغياب عنها في عدم الانتفاع بها، و أمّا الثانية فلأنّهم رعيّة من شأنهم التعبّد لأوامر امرائهم ثم إنّهم لتعزّزهم و شموخهم كبرا و عدم طاعتهم كالأرباب الّذين من شأنهم أن يأمروا و لا يأتمروا ثمّ وبّخهم بنفارهم عمّا يتلو عليهم من الحكم و تفرّقهم عن مواعظه البالغة. و أهل البغى إشارة إلى أهل الشام. و أيادى سبا: مثل يضرب في شدّة التفرّق و ضربه لتفرّقهم عن مجالس الذكر و هما لفظان جعلا اسما واحدا كمعدى كرب، و سبا قبيلة من أولاد سبا ابن يشحب بن يعرب بن قحطان، و أصل المثل أنّ هذه القبيلة كانت بمأرب فلمّا آن وقت انفتاح سدّ مأرب و رأت طريقة الكاهنة ذلك الأمر و عرفته ألقته إلى عمرو بن عامر الملقب بمزيقيا فباع أمواله بمأرب و ارتحل إلى مكّة فأصابت هولاء الحمى، و كانوا لا يعرفونها ففزعوا إلى الكاهنة فأخبرتهم بما سيقع، و قالت إنّه مفرّق بيننا فاستشارونها في أمرهم فقالت:
: من كان منكم ذاهمّ بعيد، و حمل شديد، و مراد حديد فليلحق بقصر عمّان المشيد، فكانت أزد عمّان، ثمّ قالت: و من كان منكم ذا جلد و قسر، و صبر على أزمات الدهر فعليه بالإدراك من بطن نمر.
فكانت خزاعة، ثمّ قالت: و من كان منكم يريد الراسيات في الوحل المطعمات في المحل فليلحق بيثرب ذات النخل فكانت الأوس و الخزرج، ثمّ قالت: و من كان منكم يريد الخمر و الخمير و الملك و التأمير و يلبس الديباج و الحرير فليلحق ببصرى و غوير، و هما من أرض الشام فكان الّذين يسكنونها آل جفنية من غسان، ثمّ قالت: و من كان منكم يريد الثياب الرقاق و الخيل العتاق و كنوز الأرزاق و الدم المهراق فليلحق بأرض العراق فكانت آل جذيمة الأبرش، و من كان بالحيرة و آل محرّق. فضربت العرب بتفرّقهم في البلاد هذا المثل و سار فيمن يتفرّق بعد اجتماع، ثمّ لمّا كانت المخادعة هى الاستغفال عن المصلحة قال: يتخادعون: أى أنّهم إذا رجعوا من مجلس وعظه أخذ كلّ منهم يستغفل صاحبه عن تذكّر الموعظة و يشغله بغير ذلك من الأحاديث و إن لم يكن عن قصد خداع بل تقع منهم صور المخادعة، و تقويمه لهم بالغدوة إصلاح أخلاقهم بالحكم و المواعظ و رجوعهم إليه عشيّة كظهر الحيّة: أى معوّجين كظهر القوس و هو تشبيه للمعقول من اعوجاجهم و انحرافهم عن جميل الأخلاق بالمحسوس. و قوله: عجز المقوّم. إشارة إلى نفسه و اعتراف بعجزه عن تقويمهم و أعضل المقوّم: أى أشكل أمرهم و أعيته إدواؤهم علاجا، ثمّ عاد إلى ندائهم و تنبيههم بذكر معايبهم لينفر عقولهم عنها فوصفهم بشهادة الأبدان مع غيبة العقول ثمّ باختلاف الأهواء ثمّ بكونهم ممّن ابتلى بهم أمراؤهم ثمّ نبّههم على رذيلتهم من مخالفة أمره مع كونه مطيعا للّه، و ما عليه خصومهم من فضيلة طاعة إمامهم مع كونه عاصيا للّه، و جعل ذلك مقايسة بينهم ليظهر الفرق فيدركهم الغيرة ثمّ أردفه بتحقيرهم و تفضيل عدوّهم عليهم في البأس و النجدة و استقامة الحال فأقسم أنّه ليودّ أن يصارفه معاوية بهم صرف الدينار بالدرهم و ذلك قوله: رجلا منهم. ثمّ أردف ذلك ببيان ما ابتلى به منهم، و أشار إلى خمس خصال، و إنّما قال بثلاث و اثنتين لتناسب الثلاث و كون الثنتين من نوع آخر فالثلاث: الصمم مع كونهم ذوى أسماع و البكم مع كونهم ذوى كلام و العمى مع كونهم ذوى أبصار، و جمعه لهذه الثلاث مع أضدادها هو سبب التعجّب منهم و التوبيخ لهم و أراد بها عدم انتفاعهم في مصالحهم الدينيّة و نظام امور دولتهم بآلة السمع و اللسان و العين فإنّ من لم يفده سمعه و بصره عبرة و من لم يكن كلامه فيما لا يعنيه كان كفاقد هذه الآلات في عدم الانتفاع بها بل كان فاقدها أحسن حالا منه لأنّ وجودها إذا لم يفد منفعة أكسب مضرّة قد أمنها عادمها، و أمّا الثنتان فكونهم لا أحرار صدق عند اللقاء: أى أنّهم عند اللقاء لا تصدق حريّتهم و لا تبقى نجدتهم من مخالطة الجبن و التخاذل و الفرار إذا الحرّ هو الخالص من شوب الرذائل و المطاعن، ثمّ كونهم غير أخوان ثقة عند البلاء: أى ليسوا ممّن يوثق باخوّتهم في الابتلاء بالنوازل، ثمّ عاد إلى الدعاء عليهم على وجه التضجّر منهم و تشبيههم بالنعم فقوله: تربت أيديكم دعاء بعدم إصابة الخير. و قوله: يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها كلما جمعت من جانب تفرّقت من جانب. ذكر للتشبيه و المشبّه به، و وجه الشبه أردفه بذكر رذيلة يظنّها منهم بإماراتها و هى تفرّقهم عنه على تقديره اشتباك الحرب، و شبّه انفراجهم عنه بانفراج المرأة عن قبلها ليرجعوا إلى الأنفة، و تسليم المرأة لقبلها و انفراجها عنه إمّا وقت الولادة أو وقت الطعان ثمّ عاد إلى ذكر فضيلته ليستثبت قلوبهم و يتألّفها و البيّنة الّتى هو عليها من ربّه آيات اللّه و براهينه الواضحة على وجوده و الثقة بما هو عليه من سلوك سبيله و هو كقوله تعالى قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي و المنهاج من نبيّه طريقه و سنّته، و الطريق الواضح الّذى هو عليه سبيل اللّه و شريعة دينه، و التقاطه له لقطا تتّبعه و تميّزه على طريق الضلال بالسلوك له ثمّ أردف فضيلته بالأمر باعتبار أهل البيت و لزوم سمتهم و اقتفاء أثرهم، و أشاره إلى جهة وجوب اتّباعهم بكونهم يسلكون بهم سبيل الهدى لا يخرجون عنه و لا يردونهم إلى ردى الجاهليّة و الضلال القديم، و فيه ايماء إلى أنّ اتّباع غيرهم يرد إلى ذلك و قوله: فإن لبدوا: أى إن سكنوا و أحبّوا لزوم البيوت على طلب أمر الخلافة و القيام فيه فتابعوهم في ذلك فإنّ سكونهم قد يكون لمصلحة يغيب علمها عن غيرهم و إن نهضوا في ذلك فانهضوا معهم، ثمّ نهاهم عن أن يسبقوا فيضلّوا: أى إلى أمر لم يتقدّموكم فيه فإنّ متقدّم الدليل شأنه الضلال عن القصد و أن لا يتأخّروا عنهم فيهلكوا: أى لا يتأخّروا عن متابعتهم في أوامرهم و أفعالهم بالمخالفة لهم فيكونوا من الهالكين في تيه الجهل و عذاب الآخرة. و الإماميّة تخصّ ذلك بالاثنى عشر من أهل البيت عليهم السّلام. و قوله: و لقد رأيت أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم. إلى آخره.
مدح لخواصّ الصحابة و ذكر مكانهم من خشية اللّه و دينه ترغيبا في مثل تلك الفضايل، و حرّك بقوله: فما أرى أحدا يشبههم. ما عساه يدرك السامعين من الغيرة على تلك الفضايل أن يختصّوا بها دونهم و ذكر من ممادحهم أوصافا: أحدها: الشعت و الاغبرار و هو إشارة إلى قشفهم و تركهم زينة الدنيا و لذّاتها. الثاني: بياتهم سجّدا و قياما، و أشار به إلى إحيائهم الليل بالصلاة و هو كقوله تعالى وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِياماً. الثالث: مراوحتهم بين جباههم و خدودهم، و قد كان أحدهم إذا تعبت جبهته من طول السجود راوح بينها و بين خدّيه. الرابع: وقوفهم على مثل الجمر من ذكر معادهم و أشار به قلقهم و وجدهم من ذكر المعاد و أهوال يوم القيامة كما يقلق الواقف على الجمر ممّا يجده من حرارته. الخامس: كأنّ بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، و وجه المشابهة أنّ محالّ سجودهم من جباههم كانت قد اسودّت و ماتت جلودها و قست كما أنّ ركب المعزى كذلك. السادس: أنّهم كانوا إذا ذكر اللّه هملت أعينهم حتّى تبلّ جيوبهم، و من روى جباههم فذلك في حال سجودهم ممكن. و مادوا كما تميد الشجر بالريح العاصف خوفا من عقاب ربّهم و رجاء لثوابه فتارة يكون ميدانهم و قلقهم عن خوف اللّه، و تارة يكون عن ارتياح و اشتياق إلى ما عنده من عظيم ثوابه و هو كقوله تعالى الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
و باللّه التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 2 ، صفحهى 403