و من خطبة له عليه السّلام
اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لِأَمْرِهِمْ مِلَاكاً- وَ اتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْرَاكاً- فَبَاضَ وَ فَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ- وَ دَبَّ وَ دَرَجَ فِي حُجُورِهِمْ- فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ وَ نَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ-
فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ وَ زَيَّنَ لَهُمُ الْخَطَلَ- فِعْلَ مَنْ قَدْ شَرِكَهُ الشَّيْطَانُ فِي سُلْطَانِهِ- بئوَ نَطَقَ بِالْبَاطِلِ عَلَى لِسَانِهِ
اللغة
أقول: ملاك الأمر ما يقوم به و منه القلب ملاك الجسد، و الأشراك يجوز أن يكون جمع شريك كشريف و أشراف، و يجوز أن يكون جمع شرك و هو حبائل الصيد كحبل و أحبال، و الدبيب المشي الضعيف و المدرج أقوى منه، و الخطل من الفاسد من القول، و شركه بفتح الشين و كسر الراء شاركه،
المعنى
و هذا الفصل من باب المنافرة و هو ذمّ للمنابذين له و المخالفين له و المخالفين عليه فأشار أوّلا إلى انقياد نفوسهم لشياطينهم إلى حدّ جعلوها مدبّرة لامور فيها قوام أحوالهم و عزلوا عقولهم عن تلك المرتبة فهم أولياؤهم كما قال تعالى «إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ»«» ثمّ أردف ذلك بالإشارة إلى بعض لوازم تمليك الشيطان لأمورهم بقوله و اتّخذهم له أشراكا، و ذلك أنّه إذا ملك امورهم و كان قيامه بتدبيرها صرفهم كيف شاء، و استعمال الأشراك هاهنا على تقدير كونها جمع شرك استعارة حسنة، فإنّه لمّا كانت فائدة الشرك اصطياد ما يراد صيده و كان هؤلاء القوم بحسب ملك الشيطان لآرائهم و تصرّف فيهم على حسب حكمه أسبابا لدعوة الخلق إلى مخالفة الحقّ و منابذة إمام الوقت و خليفه اللّه في أرضه أشبهوا الأشراك لاصطيادهم الخلق بألسنتهم و أموالهم و جذبهم إلى الباطل بالأسباب الباطلة الّتي ألقاها إليهم الشيطان و نطق بها على ألسنتهم فاستعار لهم لفظ الأشراك و أمّا على التقدير الثاني فظاهر، ثمّ أردف ذلك ببيان ملازمته لهم فشبّهه بالطائر الّذي بنى عشّه في قلوبهم و صدورهم، و استعار لفظ البيض و الأفراخ، و وجه المشابهة أنّ الطائر لمّا كان يلازم عشّه فيبيض و يفرخ فيه أشبهه الشيطان في إقامته في صدورهم و ملازمته لهم، كذلك قوله و دبّ و درج في حجورهم استعارة كنّى بها أيضا عن تربيتهم للباطل و ملازما إبليس و عدم مفارقته لهم و نشوه معهم كما يتربّى الولد في حجر والديه، و راعى في هذا القرائن الأربع السجع ففي الاوليين السجع المسمّى مطرّفا و في الأخيرين المسمّى متوازيا، قوله فنظر بأعينهم و نطق بألسنتهم إشارة إلى وجود تصرّفه في أجزاء أبدانهم بعد إلقائهم مقاليد امورهم إليه و عزل عقولهم عن التصرّف فيها بدون مشاركته و متابعته. قوله فركب بهم الزلل و زيّن لهم الخطل. إشارة إلى ثمرة متابعته و هي إصابة مقاصده منهم من الخروج عن أوامر اللّه في الأفعال و هو المراد بارتكابه بهم الزلل، و في الأقوال و هو المشار إليه بتزيينه لهم الخطل. قوله فعل من قد شركه الشيطان في سلطانه و نطق بالباطل على لسانه. إشارة إلى أنّ الأفعال و الأقوال الصادرة عنهم على خلاف أو امر اللّه إنّما تصدر عن مشاركة الشيطان و متابعته، و الضمير في سلطانه يعود إلى من قد شاركه الشيطان في سلطانه الّذي جعله اللّه له على الأعمال و الأقوال، و انتصاب فعل على المصدر إمّا عن فعل محذوف تقديره فعلوا ذلك فعل، أو عن قوله اتّخذوا لأنّه في معنى فعلوا فهو مصدر له من غير لفظه، و راعى في هاتين القرينتين أيضا السجع المطرّ، و اللّه أعلم بالصواب،
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحرانی)، ج 1 ، صفحهى 283