و من كلام له عليه السّلام كلم به الخوارج
أَصَابَكُمْ حَاصِبٌ وَ لَا بَقِيَ مِنْكُمْ آبِرٌ- أَ بَعْدَ إِيمَانِي بِاللَّهِ وَ جِهَادِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص- أَشْهَدُ عَلَى نَفْسِي بِالْكُفْرِ- لَ قَدْ
ضَلَلْتُ إِذاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ- فَأُوبُوا شَرَّ مَآبٍ وَ ارْجِعُوا عَلَى أَثَرِ الْأَعْقَابِ- أَمَا إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي ذُلًّا شَامِلًا وَ سَيْفاً
قَاطِعاً- وَ أَثَرَةً يَتَّخِذُهَا الظَّالِمُونَ فِيكُمْ سُنَّةً
قال الشريف: قوله عليه السّلام «و لا بقى منكم آبر» يروى بالباء و الراء من قولهم للذى يأبر النخل- أى: يصلحه- و يروى «آثر» و هو الذى يأثر الحديث، أى: يرويه و يحكيه، و هو أصح الوجوه عندى، كأنه عليه السّلام قال: لا بقى منكم مخبر. و يروى «آبز»- بالزاى المعجمة- و هو الواثب.
و الهالك أيضا يقال له آبز
أقول: المروىّ في السبب أنّه لمّا كتب عهد التراضى بين الحكمين بين علىّ و معاوية اعتزلت الخوارج و تنادوا من كلّ ناحية لا حكم إلّا للّه، الحكم للّه يا على لا لك، إنّ اللّه قد أمضى حكمه في معاوية و أصحابه أن يدخلوا تحت حكمنا و قد كنّاز للنا و أخطأنا حين رضينا بالتحكيم و قد بان زللنا و خطأنا و رجعنا إلى اللّه و تبنا فارجع أنت كما رجعنا و تب إليه كما تبنا. و قال بعضهم: إنّك أخطأت فاشهد على نفسك بالكفر ثمّ تب منه حتّى نطيعك. فأجابهم بهذا الكلام.
اللغة
و الحاصب: ريح شديدة ترمى بالحصباء و هى صغار الحصى.
و الأثرة بالتحريك: الاستبداد.
المعنى
فدعا عليهم أوّلا بريح تحصبهم، ثمّ بالفناء غضبا من مقالتهم، ثمّ أخذ في تقريعهم و إنكار مقالتهم و طلبهم شهادته على نفسه بالكفر في صورة سؤال أعقبه تنبيههم على خطأهم في حقّه ببيان غلطه على نفسه لو أجابهم إلى ما سئلوا فإنّ شهادة الإنسان على نفسه بالكفر ضلال عن الحقّ و عدم اهتداء في سبيل اللّه. ثمّ أردف ذلك بأمرين:
أحدهما: جذبهم بالغضب و القهر و أمرهم بالرجوع إلى الحقّ على أعقابهم: أى من حيث خرجوا من الحقّ و فارقوه. الثاني: أخبارهم بما سيلقون بعده من الذلّ الشامل و السيف القاطع. و هو كناية عمّن تقتلهم بعده كالمهلّبّ بن أبي صفرة و غيره، و هذا الإخبار لغرض استفاءتهم إليه و جذب لهم برذيلة غيره. و الأثرة الّتي تتّخذها الظالمون فيهم سنّة. إشارة إلى ما يستأثر به الملوك و العمّال عليهم من الفىء و الغنايم و إهانتهم، و قد كانت دعوته عليه السّلام استجيبت فيهم فإنّهم لم يزالوا بعده في ذلّ شامل و قتل ذريع حتّى أفناهم اللّه تعالى. و أحوالهم في كيفيّة قتالهم و قتلهم من قتلهم مستوفى في كتاب الخوارج. و باللّه التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحرانی)، ج 2 ، صفحهى 153