و من خطبة له عليه السّلام
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَطَنَ خَفِيَّاتِ الْأَمُوُرِ- وَ دَلَّتْ عَلَيْهِ أَعْلَامُ الظُّهُورِ-وَ امْتَنَعَ عَلَى عَيْنِ الْبَصِيرِ- فَلَا عَيْنُ مَنْ لَمْ يَرَهُ تُنْكِرُهُ- وَ لَا
قَلْبُ مَنْ أَثْبَتَهُ يُبْصِرُهُ- سَبَقَ فِي الْعُلُوِّ فَلَا شَيْءَ أَعْلَى مِنْهُ- وَ قَرُبَ فِي الدُّنُوِّ فَلَا شَيْءَ أَقْرَبُ مِنْهُ- فَلَا اسْتِعْلَاؤُهُ بَاعَدَهُ
عَنْ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ- وَ لَا قُرْبُهُ سَاوَاهُمْ فِي الْمَكَانِ بِهِ- لَمْ يُطْلِعِ الْعُقُولَ عَلَى تَحْدِيدِ صِفَتِهِ- وَ لَمْ يَحْجُبْهَا عَنْ وَاجِبِ
مَعْرِفَتِهِ- فَهُوَ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ أَعْلَامُ الْوُجُودِ- عَلَى إِقْرَارِ قَلْبِ ذِي الْجُحُودِ- تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُهُ الْمُشَبِّهُونَ بِهِ- وَ لْجَاحِدُونَ
لَهُ عُلُوّاً كَبِيراً
اللغة
أقول: يقال بطنت الوادى: دخلته.
و بطنت الأمر: علمت باطنه
. و في هذا الفصل مباحث جليلة من العلم الإلهىّ و جملة من صفات الربوبيّة:
أوّلها: كونه تعالى بطن خفيّات الامورو يفهم منه معنيان:
أحدهما: كونه داخلا في جملة الامور الخفيّة، و لمّا كان بواطن الامور الخفيّة أخفى من ظواهرها كان المفهوم من كونها بطنها أنّه أخفى منها عند العقول.
الثاني: أن يكون المعنى أنّه نفذ علمه في بواطن خفيّات الامور أمّا المعنى الأوّل فبرهانه أنّك علمت أنّ الإدراك إمّا حسىّ أو عقلىّ، و لمّا كان البارى تعالى مقدّسا عن الجسميّة منزّها عن الوضع و الجهة استحال أن يدركه شيء من الحواسّ الظاهرة و الباطنة، و لمّا كانت ذاته بريئة عن أنحاء التركيب استحال أن يكون للعقل اطّلاع عليها بالكنه فخفاؤه إذن على جميع الإدراكات ظاهر، و كونه أخفى الامور الخفيّة واضح.
و أمّا الثاني: فقد سبق منّا بيان أنّه عالم الخفيّات و السرائر.
و ثانيها: كونه تعالى قد دلّت عليه أعلام الظهور
و كنّى بأعلام الظهور عن آياته و آثاره في العالم الدالّة على وجوده الظاهر في كلّ صورة منها كما قال:
و في كلّ شيء له آية تدلّ على أنّه واحد.
و هى كناية بالمستعار، و وجه المشابهة ما بينهما من الاشتراك في الهداية. و إلى هذا الأعلام الإشارة بقوله تعالى سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ«». و أعلم أنّ هذا الطريق من الاستدلال هى طريق الملّيّين و سائر فرق المتكلّمين فإنّهم يستدلّون أوّلا على حدوث الأجسام و الأعراض، ثمّ يستدلّون بحدوثها و تغيّراتها على وجود الخالق، ثمّ بالنظر في أحوال المخلوقات على صفاته واحدة واحدة. مثلا بإحكامها و إتقانها على كون فاعلها عالما حكيما. و بتخصيص بعضها بأمر ليس للآخر على كونه مريدا. و نحو ذلك، و كذلك الحكماء الطبيّعيّون يستدلّون أيضا بوجود الحركة على محرّك، و بامتناع اتّصال المتحرّكات لا إلى أوّل على وجود محرّك أوّل غير متحرّك، ثمّ يستدلّون من ذلك على وجود مبدء أوّل، و أمّا الإلهيّون فلهم في الاستدلال طريق آخر و هو أنّهم ينظرون أوّلا في مطلق الوجود أ هو واجب أو ممكن، و يستدلّون من ذلك على إثبات واجب، ثمّ بالنظر في لوازم الوجوب من الوحدة الحقيقيّة على نفى الكثرة بوجه ما المستلزمة لعدم الجسميّة و العرضيّة و الجهة و غيرها، ثمّ يستدلّون بصفاته على على كيفيّة صدور أفعاله عنه واحدا بعد آخر، و ظاهر أنّ هذا الطريق أجلّ و أشرف من الطريق الاولى، و ذلك لأنّ الاستدلال بالعلّة على المعلول أولى البراهين بإعطاء اليقين لكون العلم بالعلّة المعيّنة مستلزما للعلم بالمعلول المعيّن من غير عكس.
و لمّا كان صدر الآية المذكورة إشارة إلى الطريقة الاولى فتمامها إشارة إلى هذه الطريقة و هو قوله تعالى أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ قال بعض العلماء: و إنّه طريق الصدّيقين الّذين يستشهدون به لا عليه: أى يستدلّون بوجوده على وجود كلّ شيء إذ هو منه، و لا يستدلّون عليه بوجود شيء، بل هو أظهر وجودا من كلّ شيء فإن خفى مع ظهوره فلشدّة ظهوره، و ظهوره سبب بطونه، و نوره هو حجاب نوره إذ كلّ ذرّة من ذرّات مبدعاته و مكوّناته فلها عدّة ألسنة تشهد بوجوده و بالحاجة إلى تدبيره و قدرته.
لا يخالف شيء من الموجودات شيئا في تلك الشهادات و لا يتخصّص أحدها بعدم الحاجات، و قد ضرب العلماء الشمس مثلا لنوره في شدّة ظهوره فقالوا: إنّ أظهر الإدراكات الّتي يساعد عليها الوهم إدراكات الحواسّ، و أظهرها إدراك البصر و أظهر مدرك للبصر نور الشمس المشرق على الأجسام، و قد اشكل ذلك على جماعة حتّى قالوا: الأشياء الملوّنة ليس فيها إلّا ألوانها فقط من سواد و نحوه فأمّا أنّ فيها مع ذلك ضوء يقارن اللون فلا.
فإذن اريد تنبيه هؤلاء على سهوهم. فطريقة التنبيه بالتفرقة الّتي يجدونها بين غيبة الشمس بالليل و احتجابها عن الملوّنات، و بين حضورها بالنهار و إشراقها عليها مع بقاء الألوان في الحالين. فإنّ التفرقة بين المستضيء بها و بين المظلم المحجوب عنها جليّة ظاهرة فيعرف وجود النور إذن بعدمه. و لو فرضت الشمس دائمة الإشراق على الجسم الملوّن لا تغيب عنه لتعذّر على هؤلاء معرفة كون النور شيئا موجودا زايدا على الألوان مع أنّه أظهر الأشياء و به ظهورها، و لو تصوّر للّه تعالى و تقدّس عدم أو غيبة لانهدمت السماوات و الأرض، و كلّ ما انقطع نوره عنه لادركت التفرقة بين الحالين و علم وجوده قطعا، و لكن لمّا كانت الأشياء كلّها في الشهادة به متّفقة، و الأحوال كلّها على نسق واحد مطّردة متّسقة كان ذلك سببا لخفائه. فسبحان من احتجب عن الخلق بنوره و خفى عليهم بشدّة ظهوره.
ثالثها: إشارة إلى سلوب توجب ملاحظة تركيبها تعظيمه تعالى.
أحدها: كونه ممتنعا على عين البصير: أى لا يصحّ أن يدرك بحاسّة البصر.
و صدق هذا السلب ظاهر بدليل. هكذا الباري تعالى هو غير جسم و غير ذى وضع، و كلّ ما كان كذلك فيمتنع رؤيته بحاسّة البصر فينتج أنّه تعالى ممتنع الرؤية بحاسّة البصر. و المقدّمة الاولى استدلاليّة، و الثانية ضروريّة، و ربّما استدلّ عليها. و المسألة مستقصاة في الكلام. و إلى ذلك أشار القرآن الكريم لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ«»
و ثانيها: قوله: فلا عين من لم يره تنكره: أى إنّه سبحانه مع كون البصر لا يدركه بحاسّة بصره لا ينكره من جهة أنّه لا يبصره. إذ كانت فطرته شاهدة بظهور وجوده في جميع آثاره و مع ذلك ليس له سبيل إلى إنكاره من جهة عدم إبصاره إذ كان حظّ العين أن يدرك بها ما صحّ إدراكه. فأمّا أن ينفى بها ما لا يدرك من جهتها فلا.
و ثالثها: قوله: و لا قلب من أثبته يبصره: أى من أثبته مع كونه مثبتا له بقلب لا يبصره، و إنّما أكّد عليه السّلام بهذين السلبين الأخيرين لأنّهما يشتملان عند الوهم في مبدء سماعها على منافات و كذب إلى أن يقهره العقل على التصديق بهما فكأنّ الوهم يقول في جواب قوله: فلا عين من لم يره تنكره: كيف لا تنكر العين شيئا لا تراه، و في جواب السلب الثاني: كيف يثبت بالقلب ما لم يبصر. فلمّا كان في صدق هذين السلبين إزعاج لأوهام السامعين مفرغ لهم إلى ملاحظة جلال اللّه و تنزيهه و عظمته عمّا لا يجوز عليه كان ذكرهما من أحسن الذكر، و يحتمل أن يريد بقوله: و لا قلب من أثبته يبصره: أى إنّه و إن أثبته من جهة وجوده فيستحيل أن يحيط به علما.
و رابعها: كونه تعالى قد سبق في العلوّ فلا شيء أعلى منه،
و تقريره أنّ العلوّ يقال بالاشتراك على معان ثلاثة: الأوّل: العلوّ الحسّى المكانىّ كارتفاع بعض الأجسام على بعض. الثاني: العلوّ التخيّلى كما يقال للملك الإنسانىّ: إنّه أعلى الناس: أى أعلاهم في الرتبة المتخيّلة كمالا. الثالث: العلوّ العقلىّ كما يقال في بعض الكمالات العقليّة الّتي بعضها أعلى من بعض، و كما يقال: السبب أعلى من المسبّب. إذا عرفت ذلك فنقول: يستحيل أن يكون علوّه تعالى بالمعنى الأوّل لاستحالة كونه في المكان، و يستحيل أن يكون بالمعنى الثاني لتنزّهه سبحانه عن الكمالات الخياليّة الّتي يصدق بها العلوّ الخيالىّ إذ هي كمالات إضافيّة تتغيّر و تتبدّل بحسب الأشخاص و الأوقات، و قد يكون كمالات عند بعض الناس و نقصانات عند آخرين كدول الدنيا بالنسبة إلى العالم الزاهد، و يتطرّق إليه الزيادة و النقصان و لا شيء من كمال الأوّل الواجب سبحانه كذلك لتنزّهه عن النقصان و التغيّر بوجه ما. فبقى أن يكون علوّه علوّا عقليّا مطلقا بمعنى أنّه لا رتبة فوق رتبته بل جميع المراتب العقليّة منحطّة عنه. و بيان ذلك أنّ أعلى مراتب الكمال العقلىّ هو مرتبة العلّيّة، و لمّا كانت ذاته المقدّسة هي مبدء كلّ موجود حسّى و عقلىّ و علّته التامّة المطلقة لا يتصوّر النقصان فيها بوجه ما لا جرم كانت مرتبته أعلى المراتب العقليّة مطلقا، و له الفوق المطلق في الوجود العارى عن الإضافة إلى شيء و عن إمكان أن يكون فوقه ما هو أعلى منه. و ذلك معنى قوله: سبق في العلوّ فلا شيء أعلى منه، فسبقه في علوّه تفرّده في العلوّ المطلق و فواته لغيره أن يلحقه فيه.
و خامسها: قربه في الدنوّ فلا شيء أدنى منه
و قد أورد عليه السّلام القرب هاهنا مقابلا للبعد اللازم عن السبق في العلوّ فإنّه مستلزم للبعد عن الغير فيه، و أورد الدنوّ مقابلا للعلوّ، و كما علمت أنّ العلوّ يقال على المعاني الثلاثة المذكورة بحسب الاشتراك فكذلك الدنوّ يقال على معان ثلاثة مقابلة لها. فيقال مكان فلان أدنى من مكان فلان إذا كان أسفل منه. و إن كان يقال بمعنى القرب أيضا، و يقال رتبة الملك الفلانىّ أدنى من رتبة السلطان الفلانىّ إذا كان في مرتبته أقلّ منه، و يقال رتبة المعلول أدنى من رتبة علّته.
و يقال على معنى رابع فيقال فلان أدنى إلى فلان و أقرب إليه إذا كان خصّيصا به مطّلعا على أحواله أكثر من غيره، و البارى تعالى منزّه عن أن يراد بدنوّه أحد المفهومات الثلاثة الاول بل المراد هو المفهوم الرابع فقربه في دنوّه إذن بحسب علمه الّذي لا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض و لا في السماء و لا أصغر من ذلك و لا أكبر، و بهذا الاعتبار هو أقرب كلّ قريب و أدنى كلّ دانى كما قال تعالى وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ و هو أدنى إلى العبد من نفسه إذ نفس كلّ إنسان لا تعرف نفسها، و هو سبحانه العالم بها الموجد لها فهو إذن القريب في دنوّه الّذي لا شيء أقرب منه، و إنّما أورده بلفظ الدنوّ لتحصل المقابلة فتنزعج النفوس السليمة عند إنكار الوهم لاجتماع القرب و البعد و العلوّ و الدنوّ في شيء واحد إلى توهّم [تفهّم خ]، المقاصد بها و تطّلع على عظمة الحقّ سبحانه منها. و قوله: فلا استعلاؤه باعده من شيء من خلقه، و لا قربه ساواهم في المكان به. تأكيد لردّ الأحكام الوهميّة بالأحكام العقليّة فإنّ الوهم يحكم بأنّ ما استعلى على الأشياء كان بعده عنها بقدر علوّه عليها. و ما قرب منها فقد ساواها في أمكنتها،و ذلك لكونه مقصورا لحكم على المحسوسات، و نحن لمّا بيّنا أنّ علوّه على خلقه و قربه منهم ليس علوّا و قربا مكانيّين بل بمعان اخرى لا جرم لم يكن استعلاؤه بذلك المعنى على مخلوقاته مباعدا له عن شيء منها و لم يكن منافيا لقربه بالمعنى الّذي ذكرناه بل كان الاستعلاء و القرب مجتمعين له، و لم يكن قربه منها أيضا موجبا لمساواته لها في المكان عنادا للوهم و ردّا لأحكامه الفاسدة في صفات الجلال و نعوت الكمال.
و سادسها: كونه لم تطّلع العقول على تحديد صفته و لم يحجبها عن واجب معرفته.
و يفهم من صفته معنيان: أحدهما شرح حقيقة ذاته، و الثاني شرح ما لها من صفات الكمال المطلق. و ظاهر أنّ العقول لم تطّلع على حصر صفته و تحديدها بالمعنى الأوّل إذ لا حدّ لحقيقته، و لا بالمعنى الثاني أيضا إذ ليس لما يعتبره العقول من كماله سبحانه نهاية يقف عندها فتكون حدّا له، و أمّا أنّه سبحانه مع ذلك لم يحجبها عن و أحب معرفته فلأنّه تعالى وهب لكلّ نفس قسطا من معرفته هو الواجب لها بحسب استعدادها لقبوله حتّى نفوس الجاحدين له فإنّها أيضا معترفة بوجوده لشهادة أعلام الوجود و آيات الصنع له على نفس كلّ جاحد بصدورها عنه بحيث يحكم صريح عقلها و بديهتها بالحاجة لما يشاهده من تلك الآيات إلى صانع حكيم فهو الّذي تشهد له أعلام الوجود على إقرار قلب كلّ من جحده بأنّ جحده له إنّما هو رأى اتّبع فيه وهمه مع إقرار قلبه بالتصديق به و شهادة آيات الصنع و شواهد الآثار على صحّة ذلك الإقرار.
و اعلم أنّ الجحود على نوعين: أحدهما جحود تشبيه إذا المشبّهون للّه بخلقه و إن اختلفوا في كيفيّة التشبيه بأسرهم جاحدون له في الحقيقة. و ذلك أنّ المعنى الّذي يتصوّرونه و يبتّتونه إلها ليس هو نفس الإله مع أنّهم ينفون ما سوى ذلك فكانوا نافين للإله الحقّ في المعنى الّذي يتصوّرونه، و الثاني جحود من لم يثبت صانعا. و كلا الفريقين جاحد له من وجه، مثبت له من وجه. أمّا المشبّهون فمثبتون له صريحا جاحدون له لزوما، و أمّا الآخرون فبالعكس إذ كانوا جاحدين له صريحا من الجهة الّتي تثبته العقلاء بها و مقرّون به التزاما و اضطرارا، و لذلك نزّهه عليه السّلام على أحوال الفريقين
فقال عليه السّلام: تعالى اللّه عمّا يقول المشبّهون به و الجاحدون له علوّا كبيرا، و حكى أنّ زنديقا دخل على الصادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام فسأله عن دليل إثبات الصانع فأعرض عليه السّلام عنه، ثمّ التفت إليه، و سأله من أين أقبلت و ما قصّتك. فقال الزنديق: إنّي كنت مسافرا في البحر فعصفت علينا الريح ذات يوم و تلعّبت بنا الأمواج من كلّ جانب فانكسرت سفينتنا فتعلّقت بخشبة منها و لم تزل الأمواج تقلّبها حتّى قذفت بها إلى الساحل و سلمت عليها. فقال له عليه السّلام: أرأيت الّذي كان قلبك إذا تكسّرت السفينة و تلاطمت عليكم أمواج البحر فزعا إليه مخلصا في التضرّع له طالبا للنجاة منه فهو إلهك، فاعترف الزنديق بذلك و حسن اعتقاده.
و بالجملة فاتّفاق العقول على الشهادة بوجود الصانع سبحانه أمر ظاهر و إن خالطها غواشى الأوهام و إليه الإشارة بقوله وَ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَ كانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً«» و قوله تعالى هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَ جَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَ فَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَ جاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا أَنْجاهُمْ«» و باللّه التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحرانی)، ج 2 ، صفحهى 128