و من كلام له عليه السّلام فى ذكر الكوفة
كَأَنِّي بِكِ يَا كُوفَةُ تُمَدِّينَ مَدَّ الْأَدِيمِ الْعُكَاظِيِّ- تُعْرَكِينَ بِالنَّوَازِلِ- وَ تُرْكَبِينَ بِالزَّلَازِلِ- وَ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِكِ جَبَّارٌ سُوءاً-
إِلَّا ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِشَاغِلٍ وَ رَمَاهُ بِقَاتِلٍ
اللغة
أقول: عكاظ بالضمّ: اسم موضع بناحية مكّة كانت العرب تجتمع به في كلّ سنة و يقيمون به سوقا مدّة شهر، و يتبايعون و يتناشدون الأشعار، و يتفاخرون. و في ذلك قول أبي ذويب: إذا بنى القباب على عكاظ و قام البيع و اجتمع الالوف.
فلمّا جاء الإسلام رفع ذلك، و أديم عكاظىّ منسوب إليها لكثرة ما كان يباع منه بها.
و الأديم: واحد و جمعه أدم، و ربّما جمع على آدمة كرغيف و أرغفة. و العرك.
الدلك. و النوازل: المصائب
المعنى
و الخطاب هنا لشاهد حال المدينة الّتي هى الكوفة. و بك هو خبر كأنّ، و تمدّين و تعركين و تركبين في موضع النصب على الحال، و تقدير الخطاب كأنّى حاضر بك و مشاهد لحالك المستقبلة حال تجاذب أيدى الظالمين لأهلك بأنواع الظلم، و هو المكنّى عنه بمدّها. و شبّه ذلك بمدّ الأديم، و وجه الشبه شدّة ما يقع بهم من الظلم و البلاء كما أنّ الأديم مستحكم الدباغ يكون شديد المدّ. و استعار العرك ملاحظة لذلك الشبه، و لفظ الركوب ملاحظة لشبهها بشقىّ المطايا و كذلك لفظ الزلازل ملاحظة لشبهها فيما يقع لهم من الظلم الموجب لاضطراب الحال بالأرض ذات الزلازل.
ثمّ أشار إلى مشاهدة ثانية لما يقع لمن أراد بهم سوء و أوقع بهم ما أوقع من البلاء فأشار إلى كونهم جبابرة
ثمّ إلى ابتلاء اللّه بعضهم بشاغل في نفسه عمّا يريد من سوء أو يهمّ به من حادث خراب و رمى بعضهم بقاتل. فأمّا المصائب الّتي ابتلى بها أهل الكوفة و النوازل الّتي عركوا بها فكثيرة مشهورة في كتب التواريخ، و أمّا الجبابرة الّتي أرادوا بها سوءا و طغوا فيها فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ و أخذهم بِذُنُوبِهِمْ وَ ما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ فجماعة فممّن ابتلى بشاغل فيها زياد. روى أنّه كان قد جمع الناس في المسجد ليأمرهم بسبّ علىّ عليه السّلام و البراءة منه و يبتليهم بذلك فيقتل من يعصيه فيه فبيناهم مجتمعين إذ خرج حاجبه فأمرهم بالانصراف،
و قال: إنّ الأمير مشغول عنكم و كان في تلك الساعة قد رمى (أصاب خ) بالفالج، و منهم ابنه عبد اللّه و قد أصابه الجذام، و منهم الحجّاج. و قد تولّدت في بطنه الحيّات و احترق دبره حتّى هلك، و منهم عمرو بن هبيره و ابنه يوسف و قد أصابهما البرص، و منهم خالد القسرىّ و قد ضرب و حبس حتّى مات جوعا، و أمّا الّذين رماهم اللّه بقاتل فعبيد اللّه بن زياد،و مصعب بن الزبير، و المختار بن أبى عبيدة الثقفىّ، و يزيد بن المهلّب. و أحوالهم مشهورة من رامها طالع التاريخ.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحرانی)، ج 2 ، صفحهى 124