و من خطبة له عليه السّلام
وَ إِنَّمَا سُمِّيَتِ الشُّبْهَةُ شُبْهَةً لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْحَقَّ- فَأَمَّا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فَضِيَاؤُهُمْ فِيهَا الْيَقِينُ- وَ دَلِيلُهُمْ سَمْتُ
الْهُدَى- وَ أَمَّا أَعْدَاءُ اللَّهِ فَدُعَاؤُهُمْ فِيهَا الضَّلَالُ- وَ دَلِيلُهُمُ الْعَمَى- فَمَا يَنْجُو مِنَ الْمَوْتِ مَنْ خَافَهُ وَ لَا يُعْطَى
الْبَقَاءَ مَنْ أَحَبَّهُ
المعنى
أقول: يحتمل أن يكون هذا الكلام فصلين:
أحدهما: قوله: و إنّما سمّيت الشبهة. إلى قوله: و دليلهم العمى
و الثاني: و الباقى.
فالفصل الأوّل إشارة إلى علّة تسمية الشبهة شبهة، ثمّ إلى بيان حال الناس فيها.
أمّا الأوّل: فالشبهة عباره عمّا يشبه الحقّ ممّا يحتجّ به إمّا في صورته أو في مادّته أو فيهما معا، و ظاهر أنّ علّة تسميتها شبهة هو ذلك الشبه. فلذلك حصرها فيه.
و أمّا الثاني: فلأنّ الناس إمّا أولياء اللّه أو أعداء له. أمّا أولياؤه فلمّا كانت نفوسهم مشرقة بنور اليقين مستضيئة بمصباح النبوّة في سلوك الصراط المستقيم كان بتلك الأنوار هدى أذهانهم في ظلمات الشبهات و حرزهم عن الهوى في مهاوى الجهالات كما قال تعالى يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ«» الآية. و هو الهدى المأمور بلزوم سمته و السلوك إلى المطالب الحقّة، و هو المراد بقوله: فضياؤهم فيها اليقين، و دليلهم سمت الهدى، و أمّا أعداؤه فليس دعاؤهم إلى ما يدعون إليه إلّا ضلالا عن القصد القويم، و إضلالا للخلق عن الطريق الحقّ و ليس ما يعتمدونه دليلا يزعمون أنّهم يهدون به السبيل إلّا شبهة هى في نفسها عمى لأبصارهم [لبصائرهم خ] عن مطالعة نور الحقّ و طمس لأذهان من استجاب لهم عند اهتداء سلوك سبيل اللّه وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ.
و أمّا الفصل الثاني: و هو قوله: فما ينجو. إلى آخره.
فصدق القضيّة الاولى قوله تعالى قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ«» و قوله أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ«» الآية. و حاصله التذكير بها دم اللذّات، و التخويف بذكره، و التنفير عن محبّة ما لا بدّ من زواله ليفرغ السامعون إلى العمل لما بعده إن أخذ التوفيق بأزمّة عقولهم فإنّ خوفه و محبّة ضدّه و هو البقاء لا ينفعان في الخلاص منه لكونه ضروريّا في الطبيعة، و يحتمل أن يكون الكلام متصّلا و يكون الفصل الثاني قد سبق له قبل الأوّل كلام يحسن تعلّقه به، و باللّه التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحرانی)، ج 2 ، صفحهى 99