و من خطبة له عليه السّلام في طلحة بن عبيد اللّه
قَدْ كُنْتُ وَ مَا أُهَدَّدُ بِالْحَرْبِ- وَ لَا أُرَهَّبُ بِالضَّرْبِ- وَ أَنَا عَلَى مَا قَدْ وَعَدَنِي رَبِّي مِنَ النَّصْرِ- وَ اللَّهِ مَا اسْتَعْجَلَ مُتَجَرِّداً لِلطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ- إِلَّا خَوْفاً مِنْ أَنْ يُطَالَبَ بِدَمِهِ لِأَنَّهُ مَظِنَّتُهُ- وَ لَمْ يَكُنْ فِي الْقَوْمِ أَحْرَصُ عَلَيْهِ مِنْهُ- فَأَرَادَ أَنْ يُغَالِطَ بِمَا أَجْلَبَ فِيهِ- لِيَلْتَبِسَ الْأَمْرُ وَ يَقَعَ الشَّكُّ- . وَ وَ اللَّهِ مَا صَنَعَ فِي أَمْرِ عُثْمَانَ وَاحِدَةً مِنْ ثَلَاثٍ- لَئِنْ كَانَ ابْنُ عَفَّانَ ظَالِماً كَمَا كَانَ يَزْعُمُ- لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُوَازِرَ قَاتِلِيهِ- وَ أَنْ يُنَابِذَ نَاصِرِيهِ- . وَ لَئِنْ كَانَ مَظْلُوماً- لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُنَهْنِهِينَ عَنْهُ- وَ الْمُعَذِّرِينَ فِيهِ- وَ لَئِنْ كَانَ فِي شَكٍّ مِنَ الْخَصْلَتَيْنِ- لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْتَزِلَهُ- وَ يَرْكُدَ جَانِباً وَ يَدَعَ النَّاسَ مَعَهُ- فَمَا فَعَلَ وَاحِدَةً مِنَ الثَّلَاثِ- وَ جَاءَ بِأَمْرٍ لَمْ يُعْرَفْ بَابُهُ وَ لَمْ تَسْلَمْ مَعَاذِيرُهُ أقول: هذا الفصل من كلام قاله حين بلغه خروج طلحة و الزبير إلى البصرة.و تهديدهم بالحرب.
اللغة
و نهنه عنه: كفّ و زجر.
و المعذرين بالتخفيف: المتعذّرين عنه.
و بالتشديد المظهرين للعذر مع أنّه لا عذر.
و ركد: سكن.
المعنى
فقوله: و قد كنت. إلى قوله: النصر.
جواب لتهديدهم. و قد مرّت هذه الألفاظ بعينها مشروحة إلّا أنّ هناك: و إنّى على يقين من ربّى. و هنا: و أنا على ما قد وعدنى ربّى من النصر. و ذلك الّذي هو عليه هو اليقين بالنصر على لسان الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و الواو في قوله: و ما اهدّد للحال. و كان تامّة. و قوله: و اللّه ما استعجل. إلى قوله: و يقع الشكّ. إشارة إلى شبهتهم في الخروج إلى البصرة. و هي الطلب بدم عثمان، ثمّ إلى معارضة هذه الشبهة و هي أنّ خروجه ليس إلّا خوفا من أن يطلب بدمه لأنّه مظنّة ذلك. و قد سبقت منّا الإشارة إلى دخول طلحة في تحريص الناس على قتل عثمان و جمعه لهم في داره. و روى أنّه منع الناس من دفنه ثلاثة أيّام، و أنّ حكيم بن حزام و جبير بن مطعم استنجدا بعلىّ في دفنه فأقعد لهم طلحة في الطريق اناسا يرمونهم بالحجارة فخرج به نفر من أهله يريدون به حائطا في المدينة يعرف بحشّ كوكب كانت اليهود تدفن فيه موتاهم فلمّا صار هناك رجم سريره فهمّوا بطرحه فأرسل إليهم علىّ عليه السّلام فكفّهم عنه حتّى دفن بحشّ كوكب. و روى أنّه جادل في دفنه بمقابر المسلمين و قال: ينبغي أن يدفن بدير سلع يعني مقابر اليهود.
و بالجملة فهو كما قال عليه السّلام: لم يكن في القوم أحرص منه على قتله لكنّه أراد أن يغالط بما أجلب في الطلب بدمه ليلتبس الأمر و يقع الشكّ في دخوله في قتله. و قوله: و و اللّه ما صنع في أمر عثمان. إلى آخره. صورة احتجاج عليه و قطع لعذره في الخروج و الطلب بدمه بقياس شرطىّ منفصل، و تقريره أنّ حاله في أمر عثمان و خروجه في طلب دمه لا تخلو من امور ثلاثة فإنّه إمّا أن يعلم أنّه كان ظالما أو يعلم أنّه كان مظلوما أو يشكّ في الأمرين و يتوقّف فيهما فإن كان الأوّل فقد كان الواجب عليه أن يساعد قاتليه و يوازرهم و ينابذ ناصريه لوجوب إنكار المنكر عليه. و هو قد عكس الحال لأنّه نابذ قاتليه و ثار في طلب دمه مع ناصريه ممّن توهّم فيه ذلك، و إن كان الثاني فقد كان يجب عليه أن يكون ممّن يكفّ الناس عنه و يعتذر عنه فيما فعل لوجوب إنكار المنكر أيضا مع أنّه ممّن وازر عليه الناس و أظهر أحداثه و عظّمها كما هو المنقول المشهور عنه، و إن كان الثالث فقد كان الواجب عليه أن يعتزله و يسكن عن الخوض في أمره و لم يفعل ذلك بل ثار في طلب دمه. فكان في هذه الأحوال الثلاثة محجوجاً في خروجه و نكثه للبيعة. فإذن ما جاء به من ذلك أمر لا يعرف بابه: أى وجه دخوله فيه، و لم يسلّم فيه عذر. و باللّه التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 3 ، صفحهى 344