google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
140-160 خطبه ها شرح ابن میثمخطبه ها شرح ابن میثم بحرانی(متن عربی)

خطبه152شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبة له عليه السّلام 

القسم الأول

وَ هُوَ فِي مُهْلَةٍ مِنَ اللَّهِ يَهْوِي مَعَ الْغَافِلِينَ- وَ يَغْدُو مَعَ الْمُذْنِبِينَ بِلَا سَبِيلٍ قَاصِدٍ وَ لَا إِمَامٍ قَائِدٍ

أقول: هذا الفصل يشتمل على صفة مطلق الضالّ
و أشار بالمهلة إلى مدّة عمره المضروبة له من اللّه تعالى، و يهويه مع الغافلين إلى سقوطه و انخراطه في سلكهم بسبب جهله و غفلته عمّا يراد به، و استعار لفظ الهوى لذلك الانخراط و تلك المتابعة، و وجه المشابهة أنّ المنهمك في مجارى الغفلة و مسالك الجهل ينحطّ بها عن درجة أهل السلامة، و يهوى في مهابط الهلاك و هي الرذائل المبعّدة عن اللّه تعالى كما أنّ الهاوى من علوّ كذلك، و يغدو مع المذنبين موافقته لهم فيما هم فيه، و مسارعته إلى المعاصى من غير أن يسلك سبيلا قاصدا للحقّ و يتّبع إماما يقوده إليه من استاد مرشد أو كتاب أو سنّة، و باللّه التوفيق.

القسم الثاني منها

حَتَّى إِذَا كَشَفَ لَهُمْ عَنْ جَزَاءِ مَعْصِيَتِهِمْ- وَ اسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ جَلَابِيبِ غَفْلَتِهِمُ- اسْتَقْبَلُوا مُدْبِراً وَ اسْتَدْبَرُوا مُقْبِلًا- فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِمَا أَدْرَكُوا مِنْ طَلِبَتِهِمْ- وَ لَا بِمَا قَضَوْا مِنْ وَطَرِهِمْ- إِنِّي أُحَذِّرُكُمْ وَ نَفْسِي هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ- فَلْيَنْتَفِعِ امْرُؤٌ بِنَفْسِهِ- فَإِنَّمَا الْبَصِيرُ مَنْ سَمِعَ فَتَفَكَّرَ- وَ نَظَرَ فَأَبْصَرَ وَ انْتَفَعَ بِالْعِبَرِ- ثُمَّ سَلَكَ جَدَداً وَاضِحاً يَتَجَنَّبُ فِيهِ الصَّرْعَةَ فِي الْمَهَاوِي- وَ الضَّلَالَ فِي الْمَغَاوِي- وَ لَا يُعِينُ عَلَى نَفْسِهِ الْغُوَاةَ بِتَعَسُّفٍ فِي حَقٍّ- أَوْ تَحْرِيفٍ فِي نُطْقٍ أَوْ تَخَوُّفٍ مِنْ صِدْقٍ فَأَفِقْ أَيُّهَا السَّامِعُ مِنْ سَكْرَتِكَ- وَ اسْتَيْقِظْ مِنْ غَفْلَتِكَ وَ اخْتَصِرْ مِنْ عَجَلَتِكَ- وَ أَنْعِمِ الْفِكْرَ فِيمَا جَاءَكَ- عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ ص مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ- وَ لَا مَحِيصَ عَنْهُ- وَ خَالِفْ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ- وَ دَعْهُ وَ مَا رَضِيَ لِنَفْسِهِ وَ ضَعْ فَخْرَكَ- وَ احْطُطْ كِبْرَكَ وَ اذْكُرْ قَبْرَكَ فَإِنَّ عَلَيْهِ مَمَرَّكَ- وَ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ وَ كَمَا تَزْرَعُ تَحْصُدُ- وَ مَا قَدَّمْتَ الْيَوْمَ تَقْدَمُ عَلَيْهِ غَداً- فَامْهَدْ لِقَدَمِكَ وَ قَدِّمْ لِيَوْمِكَ- فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ وَ الْجِدَّ الْجِدَّ أَيُّهَا الْغَافِلُ- وَ لا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ إِنَّ مِنْ عَزَائِمِ اللَّهِ فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ- الَّتِي عَلَيْهَا يُثِيبُ وَ يُعَاقِبُ وَ لَهَا يَرْضَى

اللغة

أقول: الجلباب: الملحفة.

و الوطر: الحاجة.

و الجدد: الطريق الواضح.

و استنجح الحاجة: استقضائها.

و صدر هذا الفصل صفة غاية الغافلين عن أحوال الآخرة المشمّرين في طلب الدنيا و فاعل كشف ضمير يعود إلى اسم اللّه تعالى فيما سبق من الكلام، و قد علمت أنّ النفس ذا جهتين: جهة تدبير أحوالها البدنيّة بما لها من القوّة العمليّة، و جهة استكمالها بقوّتهما النظريّة الّتي تتلقّى بها من العاليات كمالها، و علمت أنّ بقدر خروجها عن حدّ العدل في استكمال قوّتها العمليّة تنقطع عن الجهة الاخرى، و تكشفها الهيئات البدنيّة فتكون في أغطية منها و جلابيب من الغفلة عن الجهة الاخرى بالانصباب إلى ما يقتنيه ممّا يعدّ خيرا في الدنيا، و بحسب انصبابها في هذه الجهة، و تمكّن تلك الهيئات البدنيّة منها يكون بعدها عن بارئها و نزولها في دركات الجحيم عن درجات النعيم، و بالعكس كما قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الدنيا و الآخرة ضرّتان بقدر ما تقرب من إحداهما تبعد من الاخرى، و ظاهر أنّ بالموت تنقطع تلك الغفلة و تنكشف تلك الحجب فيومئذ يتذكّر الإنسان و أنّى له الذكرى، و يكون ما اثيبه يومئذ من تعلّق تلك الهيئات بنفسه و حطّها له عن درجات الكمال و ما شاهده من السلاسل و الأغلال هو جزاء معصيتهم المنكشف لهم، و لفظ الجلابيب استعارة لفظ المحسوس للمعقول، و وجه المشابهة حجب الغفلة لا غير يصائرهم عن التنوّر بأنوار اللّه كحجب الوجه بالجلباب، و المدبر الّذي استقبلوه هو العذاب الاخروىّ، و الأهوال الّتي كانت غائبة عنهم، و المقبل الّذي استدبروه هو ما كانوا فيه من مأمولاتهم و أحوالهم الدنيويّة، و ظاهر أنّهم لم ينفعوا إذن بما أدركوا من طلباتهم الدنيويّة، و لا بما قضوا من أوطارهم و حاجاتهم الحاضرة فيها. ثمّ عاد إلى التحذير من هذه المنزلة: أى الحالة الّتي هؤلاء الموصوفون عليها من الغفلة فإنّها مقام صعب و مزلّة قدم، و شرك نفسه في التحذير لأنّه أدخل في جذب نفوس السامعين إلى طاعته. ثمّ أمر كلّا بالانتفاع بنفسه، و شرح كيفيّة الانتفاع بشرح حال البصير لأنّه لا ينتفع بنفسه إلّا البصير، و ذكر امورا: فالأوّل، أن يتفكّر فيما يسمعه من كلام اللّه و رسوله و المواعظ البالغة فإنّه لا ينتفع بها بدون الفكر كما علمته. الثاني: أن ينظر بعين حسّه، و بصيرته فيتوخى المقاصد النافعة فيبصرها و يدرك بعقله منها العبر. الثالث: أن ينتفع بما يدركه من العبر و ذلك بالعمل على وفق ما علم و أدرك.

الرابع: أن يسلك الصراط المستقيم الّذي وردت به الشريعة و هو الجدد الواضح، و يتجنّب فيه العدول و الانحراف بأنّه من انحرف عنه و لو باليسير انصرع في مهراة و ضلّ في مغواة، و قد نبّهناك فيما سلف على ذلك بالمثل الّذي ضربه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حيث قال: ضرب اللّه مثلا مستقيما، و على جنبتي الصراط أبواب مفتّحة، و عليها ستور مرخاة، و على رأس الصراط داع يقول: جوزوا و لا تعرّجوا. قال: فالصراط هو الدين، و هو الجدد الواضح هنا، و الداعى هو القرآن، و الأبواب المفتّحة محارم اللّه، و هي المهاوي و المغاوي هنا، و الستور المرخاة هي حدود اللّه و نواهيه. ثمّ نهى أن يعين الإنسان على نفسه الغواة بأحد امور: أن يتعسّف في حقّ: أي لا يحملهم على مرّ الحقّ و صعبه فإنّ الحقّ له درجات بعضها أسهل من بعض فالاستقصاء فيه على غير أهله يوجب لهم النفرة عمّن يقوله و يأمره به، و العداوة له و القول فيه، و يحتمل أن يريد بالتعسّف في الحقّ التكلّف في العمل به مع نوع من التقصير فيه فإنّ الغواة هم تاركوا الحقّ فإذا وجدوا ركيكا فيه أو متكلّفا للعمل به مقصّرا طمعوا في الأبنة للباطل فكان قد أعانهم على نفسه بذلك، و كذلك إذا آنسوا منه الكذب و التحريف في القول أو التخوّف من الصدق كأن ادعى لهم من الطمع في انفعاله لباطلهم و إدخاله فيه فكان معينا لهم على إغواء نفسه بذلك. ثمّ عاد إلى أمر السامع بأوامر:

أحدها: الإفاقة من سكرة الجهل و التيقّظ من الغفلة في الدنيا، و لفظ السكرة مستعار، و وجه المشابهة كون الغفلة مستلزمة لترك إعمال العقل كما أنّ السكر كذلك.

الثاني: بالاختصار من العجلة، و أراد بالعجلة سرعة الحركة في طلب الدنيا و الاهتمام بها، و باختصارها تخفيف تلك الحركة و تقليلها.

الثالث: بانعام الفكر فيما دار على لسان الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كثر من ذكر الموت و عرض النفوس على ديّانها، و إنعام الفكر في ذلك تدقيق النظر في حال الموت و ما بعده، و الاعتبار بما لا بدّ منه و لا محيص عنه من ذلك.

الرابع: بمخالفة من خالف ذلك و نظر في غيره ممّا عنه بدّ من أحوال الدنيا و زينتها، و أن يدع ذلك المخالف، و ما رضى لنفسه من التعوّض بالامور الفانية عن الامور الباقية، و ما يستلزم ذلك من الشقاوة الاخرويّة.

الخامس: أن يضع الفخر و يحطّ الكبر، و قد سبق بيان ما في الكبر من الآفات، و الفخر مستلزم للكبر. إذ كلّ مفتخر متكبّر أو متلازمان.

السادس: أن يذكر قبره لأنّ في ذكره عبرة تامّة.

و قوله: فإنّ عليه ممرّك. تنبيه له على وجوب الذكر له فإنّ السالك لطريق لا بدّ من سلوكها إذا كان فيها منزل موحش مظلم وجب الاستعداد له بحمل الضوء للاستنارة فيه، و الإنسان في سلوكه لطريق الآخرة لا بدّ له من المرور بالقبر و أحكام الشارع أكثرية، ثمّ نبّهه بالمثلين المشهورين: كما تدين تدان على وجوب حسن المعاملة مع اللّه سبحانه. إذ كان حسن جزائه بقدر حسن معاملة العبد، و قبحه بقبحها، و كذلك قوله: كما تزرع تحصد، و لفظ الزرع مستعار لما يفعله الإنسان فيكسب نفسه ملكة خيريّة أو شرّيّة، و كذلك لفظ الحصد للحصول على ما تثمره تلك الآثار، و تستلزمه من ثواب أو عقاب، و وجه الاستعارتين ظاهر. و قوله: و كما قدّمت اليوم تقدم عليه غدا. ظاهر فإنّ الهيئات النفسانيّة الّتي هي ثمرات الأفعال المستلزمة للسعادة أو الشقاوة و إن كانت مستصحبة للنفس مدّة بقائها في الدنيا أيضا إلّا أنّها لا تنكشف لها إلّا بعد المفارقة كما سبق بيانه فتكون حينئذ حالة الانكشاف بمنزلة من قدم على أمر لم يكن معه، و إذا كان كذلك فينبغي للإنسان أن يمهّد لقدمه: أى يوطى‏ء موضع قدمه في الآخرة بطيب الأعمال، و يقدّم صالحها ليوم قيامته. ثمّ عاد إلى تحذيره من حيث هو مستمع للموعظة، و إلى أمره بالجدّ في العمل لما بعد الموت و اليقظة من الغفلة، و نبّهه باقتباس الآية على أنّ الواعظ له خبير بأحوال طريق الآخرة و أهوالها و لا يخبر بحقائق الامور كالعارف بها. ثمّ عاد إلى التحذير من‏ بعض الكبائر الّتي نصّ القرآن المجيد أنّها مستلزمة للعقاب لا محالة، و الذكر الحكيم هو القرآن، و قد سبق بيان معنى العزائم منه، و قيل: هو اللوح المحفوظ،

القسم الثالث

وَ يَسْخَطُ- أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ عَبْداً- وَ إِنْ أَجْهَدَ نَفْسَهُ وَ أَخْلَصَ فِعْلَهُ- أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا لَاقِياً رَبَّهُ- بِخَصْلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا- أَنْ يُشْرِكَ بِاللَّهِ فِيمَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَتِهِ- أَوْ يَشْفِيَ غَيْظَهُ بِهَلَاكِ نَفْسٍ- أَوْ يَعُرَّ بِأَمْرٍ فَعَلَهُ غَيْرُهُ- أَوْ يَسْتَنْجِحَ حَاجَةً إِلَى النَّاسِ بِإِظْهَارِ بِدْعَةٍ فِي دِينِهِ- أَوْ يَلْقَى النَّاسَ بِوَجْهَيْنِ أَوْ يَمْشِيَ فِيهِمْ بِلِسَانَيْنِ- اعْقِلْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمِثْلَ دَلِيلٌ عَلَى شِبْهِهِ- إِنَّ الْبَهَائِمَ هَمُّهَا بُطُونُهَا- وَ إِنَّ السِّبَاعَ هَمُّهَا الْعُدْوَانُ عَلَى غَيْرِهَا- وَ إِنَّ النِّسَاءَ هَمُّهُنَّ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ الْفَسَادُ فِيهَا- إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ مُسْتَكِينُونَ- إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ مُشْفِقُونَ إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ خَائِفُونَ

المعنى

اسم إنّ أنّه لا ينفع، و الضمير في أنّه ضمير الشأن، و فاعل ينفع أن يخرج، و لاقيا نصب على الحال، و أراد أنّ من جملة نصوص اللّه سبحانه الّتي هي في محكم كتابه العزيز الّتي باعتقادها و العمل على وفقها يثيت و يرضى، و بتركها يعاقب و يسخط أنّه لا ينفع عبدا خروجه من الدنيا لاقيا ربّه بأحد الخصال المذكورة و إن أجهد نفسه في العمل و أخلص فيه: أحدها: الشرك باللّه تعالى، و قد سبق منّا بيان درجات الشرك، و بقدر قوّته و ضعفه يكون قوّة العقاب و ضعفه، و النصّ الدالّ على مضرّته المستلزم لعدم نفعه قوله تعالى «إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ»«» و قوله: فيما افترض عليه من عبادته‏ يفهم منه أنّه أراد الشرك بالرياء في العبادة لا اتّخاذ إله ثان، و هذه الآية تلحق النفس تارة من غلبة الجهل عليها و استيلاء الغفلة و ترك النظر في المعرفة و التوحيد و تارة من غلبة الشهوة كما تلحق نفس المرائى بعبادته لطلب الدنيا. الثانية: أن يشفى غيظه بهلاك نفس، و في نسخة نفسه، و نفس أعمّ و ذلك الهلاك تارة في الدنيا كما يستلزمه السعى بالنميمة إلى الملوك و نحوه، و تارة في الآخرة باكتساب الآثام المستلزم لشفاء الغيظ، و النصّ فيه قوله تعالى «وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها»«» الآية، و هذه الآفة تلحقها بواسطة القوّة الغضبيّة. الثالثة: أن يقرّ بأمر فعله غيره: أي يتمّ على غيره بأمر فعله ذلك الغير فيستلزمه إهلاكه و أذاه فيدخل فيمن يسعى في الأرض فسادا، و النصّ عليه قوله «إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا»«» الآية، و روى الشارحين يعرّ بالعين المهملة.

قال: و معناه أن يقذف غيره بأمر قد فعله هو فيكون غيره منصوبا مفعولا به، و العامل يعرّ يقال عرّه يعرّه عرّا: أي غابه و لحظه (لطخه خ) فعلى هذا يكون داخلا في جملة الفاسقين و الكاذبين و الموذين للمؤمنين بغير ما اكتسبوا، و هذه الآفة تلحق النفس بشركة من الشهوة و الغضب. الرابعة: أن يستنجح حاجة إلى الناس بإظهار بدعة في دينه كشاهد الزور لغاية يصل إليها، و المرتشي في الحكم و القضاء. الخامسة: أن يلقى الناس بوجهين أو يمشي فيهم بلسانين: أى يلقى كلّا من الصديقين مثلا بغير ما يلقى به الآخر ليفرّق بينهما أو بين العدوّين ليضرى بينهما، و بالجملة أن يقول بلسانه ما ليس في‏ قلبه فيدخل في زمرة المنافقين، و وعيد المنافقين في القرآن «إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ»«» و مطابقة ذلك من العقل أنّ من انتقش لوح نفسه بهيئات السوء و لم يمحها بالتوبة ألحقه فهو من أصحاب النار. و قوله: اعقل ذلك.

أي اعقل ما أضربه لك من المثل، و احمل عليه ما يشبهه فإنّ المثل دليل على شبهه و ذلك المثل قوله: إنّ البهائم. إلى قوله: و الفساد فيها. فقوله: إنّ البهائم همّها بطونها. إشارة إلى أنّ الإنسان المتّبع لشهوته بمنزلة البهيمة في اتّباع قوّته الشهويّة، و الاهتمام بالطعام و الشراب دون المطالب الحقيقيّة. و قوله: إنّ السباع همّها العدوان على غيرها. إشارة إلى أنّ متّبع القوّة الغضبيّة بمنزلة السبع في اتّباعها و محبّة الانتقام و الغلبة على الغير. و قوله: و إنّ النساء همّهنّ زينة الحياة الدنيا و الفساد فيها. إشارة إلى أنّ النساء متّبعة للقوّتين: الشهويّة و لها كان همّهنّ زينة الحياة الدنيا، و الغضبيّة و لها كان همّهنّ الفساد في الدنيا فالتابع لشهوته و غضبه لاحق بالنساء في ذلك. ثمّ لمّا حصر متابع الشرّ في قوّتي الشهوة و الغضب ذكر المؤمنين بصفات ثلاث كلّ منها يستلزم كسر تينك القوّتين، و هي الاستكانة للّه و. الخضوع له. ثمّ الاشفاق من غضبه. ثمّ الخوف من عقابه، و ظاهر كون كلّ واحد من هذه الصفات جاذبا لهم عن طرف الافراط في القوّتين و الخروج عن حدّ العدل فيهما، و غاية هذا المثل التنفير عن طاعة الشهوة و الغضب بالتنبيه على أنّ الخارج فيهما عن حدّ العدل إلى ما لا ينبغي إمّا أن يشبه البهيمة أو السبع أو المرأة، و كلّ منها ممّا يرغب العاقل عنه، و هو الّذي أمر بعقليّته فانظر إلى ما اشتمل عليه هذا الكلام من الإشارة اللطيفة الّتي يشهد عليه عليه السّلام بمشاهدة الحقّ كما هو، و إذا اعتبرت ذلك و أمثاله من الحكم البالغة و نظرت إلى أنّه عليه السّلام لم يرجع فيه إلى مطالعة كتاب أو استفادة بحث علمت أنّه فيض ربّانيّ بواسطة إعداد سيّد البشر و الاستاد المرشد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال الشارح الفاضل عبد الحميد بن أبي الحديد- رحمه اللّه- إنّما رمز بباطن هذا الكلام إلى الرؤساء يوم الجمل لأنّهم حاولوا أن يشفوا غيظهم بإهلاكه و إهلاك غيره من المسلمين و عيّروه عليه السّلام بأمرهم فعلوه، و هو التأليب على عثمان و حصره و استنجحوا حوائجهم إلى أهل البصرة بإظهار البدعة و الفتنة و لقوا الناس بوجهين و لسانين لأنّهم بايعوه و أظهروا الرضا به. ثمّ نكثوا من وجه آخر فجعل ذنوبهم هذه بمنزلة الشرك في أنّها لا تغفر إلّا بالتوبة. قال: و هذا معنى قوله: اعقل ذلك فإنّ المثل دليل على شبهه. و باللّه التوفيق.

شرح‏ نهج ‏البلاغة(ابن ‏ميثم بحرانی)، ج 3 ، صفحه‏ى 240

 

 

Show More

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

Back to top button
-+=