– و من كلام له عليه السّلام فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان
وَ اللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسَاءُ وَ مُلِكَ بِهِ الْإِمَاءُ- لَرَدَدْتُهُ- فَإِنَّ فِي الْعَدْلِ سَعَةً- وَ مَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ الْعَدْلُ فَالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضْيَقُ
أقول: هذا الفصل مع فصول بعده من خطبة خطبها بالمدينة لمّا قتل عثمان و بويع له، و قد ورد هنا بزيادة و نقصان، و أوّل هذا الفصل من الخطبة ألا و إنّ كلّ قطيعة قطعها عثمان أو مال أخذه من بيت مال المسلمين فمردود عليهم في بيت مالهم، و لو وجدته قد تزوّج به النساء و فرّق في البلدان فإنّه إن لم يسعه الحقّ فالباطل أضيق عنه. و سنورد الخطبة بتمامها في أحد الفصول الّتي يجيء منها إنشاء اللّه تعالى، و أعلم أنّه أشار إلى العزم الجازم المؤكّد بالقسم على ردّ القطائع الّتي كان عثمان أقطعها أقاربه ثمّ نبّه المقتطعين بقوله فإنّ في العدل سعة ألا إنّ عدل اللّه يسعهم في ردّ ما اقتطعوه، و كنّى بسعته عن اقتضاء أمر العدل ردّ ذلك و غيره من المظالم فعليهم أن يدخلوا في مقتضى أوامر اللّه و عدله، فإنّ فيه سعة لهم إذ به نظام العالم بأسره و هو محلّ لرضا المظلوم بإيصال حقّه إليه و لرضا الظالم لعلمه بأنّه عند الانتزاع منه أخذ لما ليس له، و تأكّد ذلك العلم بالوعيد الصادق فهو و إن قام شيطانه حال انتزاع الظلامة و ضاق عليه العدل فهو في محلّ الرضا فإن لم يرض لضيق العدل عليه فالجور عليه أضيق في الدنيا و الآخرة لأنّه ربّما انتزعت منه قهرا و كان جوره سببا للتضييق عليه في ذلك، و لأنّ الأوامر و النواهي الإلهيّة محيطة به سادّة عليه وجوه التصرّف الباطل، و لأنّه إذا نزل عليه عدل اعتقد أنّه قد اخذ منه ما ينبغي أخذه منه و إذا نزل عليه جور اعتقد أنّه اخد منه ما لا ينبغي أخذه، و لا شكّ أنّ أخذ ما لا ينبغي أخذه أصعب على النفس و أضيق من أخذ ما ينبغي و هو أمر وجدانيّ، و المعنى في الألفاظ الّتي أوردناها من الخطبة قريب ممّا ذكرناه هاهنا غير أنّ الضمائر في قوله فإنّه إن لم يسعه تعود إلى المال، و اعلم أنّه قد كان عثمان أقطع جماعة من بني اميّة و غيرهم من أصحابه كثيرا من أرض بيت المال، و كذلك فعل عمر ذلك مع قوم لهم وقائع مشهور، في الجهاد في سبيل اللّه و ترغيبا في الجهاد، لكن لمّا اختلف غرضا الإمامين لم يردّ عليّ عليه السّلام إلّا ما أقطعه عثمان، و باللّه التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحرانی)، ج 1 ، صفحهى 295