99 و من خطبة له ع
الْحَمْدُ لِلَّهِ النَّاشِرِ فِي الْخَلْقِ فَضْلَهُ- وَ الْبَاسِطِ فِيهِمْ بِالْجُودِ يَدَهُ- نَحْمَدُهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ- وَ نَسْتَعِينُهُ عَلَى رِعَايَةِ حُقُوقِهِ- وَ نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ- وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ- أَرْسَلَهُ بِأَمْرِهِ صَادِعاً وَ بِذِكْرِهِ نَاطِقاً- فَأَدَّى أَمِيناً وَ مَضَى رَشِيداً- وَ خَلَّفَ فِينَا رَايَةَ الْحَقِّ- مَنْ تَقَدَّمَهَا مَرَقَ- وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا زَهَقَ- وَ مَنْ لَزِمَهَا لَحِقَ- دَلِيلُهَا مَكِيثُ الْكَلَامِ- بَطِيءُ الْقِيَامِ سَرِيعٌ إِذَا قَامَ- فَإِذَا أَنْتُمْ أَلَنْتُمْ لَهُ رِقَابَكُمْ- وَ أَشَرْتُمْ إِلَيْهِ بِأَصَابِعِكُمْ- جَاءَهُ الْمَوْتُ فَذَهَبَ بِهِ- فَلَبِثْتُمْ بَعْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ- حَتَّى يُطْلِعَ اللَّهُ لَكُمْ مَنْ يَجْمَعُكُمْ وَ يَضُمُّ نَشْرَكُمْ- فَلَا تَطْمَعُوا فِي غَيْرِ مُقْبِلٍ- وَ لَا تَيْأَسُوا مِنْ مُدْبِرٍ- فَإِنَّ الْمُدْبِرَ عَسَى أَنْ تَزِلَّ بِهِ إِحْدَى قَائِمَتَيْهِ- وَ تَثْبُتَ الْأُخْرَى فَتَرْجِعَا حَتَّى تَثْبُتَا جَمِيعاً- أَلَا إِنَّ مَثَلَ آلِ مُحَمَّدٍ ص كَمَثَلِ نُجُومِ السَّمَاءِ- إِذَا خَوَى نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ- فَكَأَنَّكُمْ قَدْ تَكَامَلَتْ مِنَ اللَّهِ فِيكُمُ الصَّنَائِعُ- وَ أَرَاكُمْ مَا كُنْتُمْ تَأْمُلُونَ يده هاهنا نعمته- يقال لفلان عندي يد أي نعمة و إحسان- قال الشاعر
فإن ترجع الأيام بيني و بينها
فإن لها عندي يدا لا أضيعها
و صادعا أي مظهرا و مجاهرا للمشركين- قال تعالى فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ- و راية الحق الثقلان المخلفان بعد رسول الله ص- و هما الكتاب و العترة- . و مرق خرج أي فارق الحق- و مزق السهم عن الرمية خرج من جانبها الآخر- و به سميت الخوارق مارقة- . و زهقت نفسه بالفتح زهوقا أي خرجت- قال تعالى وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كافِرُونَ- و زهقت الناقة- إذا سبقت و تقدمت أمام الركاب- و زهق الباطل اضمحل- يقول ع- من خالفها متقدما لها أو متأخرا عنها- فقد خرج عن الحق- و من لازمها فقد أصاب الحق- . ثم قال دليلها مكيث الكلام يعني نفسه ع- لأنه المشار إليه من العترة- و أعلم الناس بالكتاب- و مكيث الكلام بطيئه- و رجل مكيث أي رزين- و المكث اللبث و الانتظار- مكث و مكث بالفتح و الضم- و الاسم المكث و المكثة بالضم و كسرها- يعني أنه ذو أناة و تؤدة- ثم أكد ذلك بقوله بطيء القيام- ثم قال سريع إذا قام- أي هو متأن متثبت في أحواله- فإذا نهض جد و بالغ- و هذا المعنى كثير جدا قال أبو الطيب-
و ما قلت للبدر أنت اللجين
و لا قلت للشمس أنت الذهب
فيقلق منه البعيد الأناة
و يغضب منه البطيء الغضب
– يعني سيف الدولةأقوال مأثورة في مدح الأناة و ذم العجلة و من أمثالهم يريك الهوينى و الأمور تطير- يضرب لمن ظاهره الأناة- و باطنه إبرام الأمور و تنفيذها- و الحاضرون لا يشعرون- و يقولون لمن هو كذلك- وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً- وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ- . و وقع ذو الرئاستين إلى عامل له- أن أسرع النار التهابا أسرعها خمودا- فتأن في أمرك-و يقال إن آدم ع أوصى ولده عند موته- فقال كل عمل تريدون أن تعملوه- فتوقفوا فيه ساعة- فإني لو توقفت لم يصبني ما أصابني- . بعض الأعراب يوصي ولده- إياكم و العجلة- فإن أبي كان يكنيها أم الندم- . و كان يقال من ورد عجلا صدر خجلا- . و قال ابن هاني المغربي-
و كل أناة في المواطن سؤدد
و لا كأناة من قدير محكم
و من يتبين أن للصفح موضعا
من السيف يصفح عن كثير و يحلم
و ما الرأي إلا بعد طول تثبت
و لا الحزم إلا بعد طول تلوم
و قوله ع- بطيء القيام سريع إذا قام- فيه شبه من قول الشنفري-
مسبل في الحي أحوى رفل
و إذا يغزو فسمع أزل
و من أمثالهم في مدح الأناة و ذم العجلة- أخطأ مستعجل أو كاد- و أصاب متثبت أو كاد- .و منهاو قد يكون مع المستعجل الزلل- . و منها رب عجلة تهب ريثا- و قال البحتري-
حليم إذا القوم استخفت حلومهم
وقور إذا ما حادث الدهر أجلبا
قال الأحنف لرجل سبه فأفرط- يا هذا إنك منذ اليوم تحدو بجمل ثقال- . و قال الشاعر
أحلامنا تزن الجبال رجاحة
و تخالنا جنا إذا ما نجهل
فصل في مدح قلة الكلام و ذم كثرته
فأما قوله ع مكيث الكلام- فإن قلة الكلام من صفات المدح- و كثرته من صفات الذم- قالت جارية ابن السماك له- ما أحسن كلامك لو لا أنك تكثر ترداده- فقال أردده حتى يفهمه من لم يفهمه- قالت فإلى أن يفهمه من لم يفهمه قد مله من فهمه- . بعث عبد العزيز بن مروان بن الحكم- إلى ابن أخيه الوليد بن عبد الملك قطيفة حمراء- و كتب إليه أما بعد- فقد بعثت إليك بقطيفة حمراء حمراء حمراء- فكتب إليه الوليد أما بعد- فقد وصلت القطيفة و أنت يا عم أحمق أحمق أحمق- .
و قال المعتضد لأحمد بن الطيب السرخسي- طول لسانك دليل على قصر عقلك- . قيل للعتابي ما البلاغة- قال كل من أفهمك حاجته- من غير إعادة و لا خلسة و لا استعانة فهو بليغ- قيل له ما الاستعانة- قال أ لا ترى الرجل إذا حدث- قال يا هناه و استمع إلي و افهم و أ لست تفهم- هذا كله عي و فساد- . دخل على المأمون جماعة من بني العباس- فاستنطقهم فوجدهم لكنا مع يسار و هيئة- و من تكلم منهم أكثر و هذر- فكانت حاله أفحش من حال الساكتين- فقال ما أبين الخلة في هؤلاء- لا خلة الأيدي بل خلة الألسنة و الأحلام- .
و سئل علي ع عن اللسان- فقال معيار أطاشه الجهل- و أرجحه العقل- . سمع خالد بن صفوان مكثارا يتكلم- فقال له يا هذا ليست البلاغة بخفة اللسان- و لا بكثرة الهذيان- و لكنها إصابة المعنى و القصد إلى الحجة- . قال أبو سفيان بن حرب لعبد الله بن الزبعري- ما لك لا تسهب في شعرك- قال حسبك من الشعر غرة لائحة أو وصمة فاضحة- . و في خطبة كتاب البيان و التبيين- لشيخنا أبي عثمان- و نعوذ بك من شر السلاطة و الهذر- كما نعوذ بك من العي و الحصر- قال أحيحة بن الجلاح-
و الصمت أجمل بالفتى
ما لم يكن عي يشينه
و القول ذو خطل إذا
ما لم يكن لب يعينه
و قال الشاعر يرثي رجلا-
لقد وارى المقابر من شريك
كثير تحلم و قليل عاب
صموتا في المجالس غير عي
جديرا حين ينطق بالصواب
و كان رسول الله ص يكره التشادق و الإطالة و الهذر- و قال إياك و التشادقو قال ص أبغضكم إلي الثرثارون المتفيهقونو روى عمرو بن عبيد رحمه الله تعالى عن النبي ص أنا معاشر الأنبياء بكاءون قليلو الكلام- رجل بكيء على فعيل- . قال و كانوا يكرهون أن يزيد منطق الرجل على عقله- . و قيل للخليل و قد اجتمع بابن المقفع- كيف رأيته- فقال لسانه أرجح من عقله- و قيل لابن المقفع- كيف رأيت الخليل- قال عقله أرجح من لسانه- فكان عاقبتهما أن عاش الخليل مصونا مكرما- و قتل ابن المقفع تلك القتلة- .
و سأل حفص بن سالم عمرو بن عبيد عن البلاغة- فقال ما بلغك الجنة و باعدك عن النار- و بصرك مواقع رشدك و عواقب غيك- قال ليس عن هذا أسأل- فقال كانوا يخافون من فتنة القول- و من سقطات الكلام- و لا يخافون من فتنة السكوت و سقطات الصمت- . قال أبو عثمان الجاحظ- و كان عمرو بن عبيد رحمه الله تعالى- لا يكاد يتكلم- فإن تكلم لم يكد يطيل- و كان يقول لا خير في المتكلم- إذا كان كلامه لمن شهده دون نفسه- و إذا أطال المتكلم الكلام- عرضت له أسباب التكلف- و لا خير في شيء يأتيك بالتكلف- . و قال بعض الشعراء-
و إذا خطبت على الرجال فلا تكن
خطل الكلام تقوله مختالا
و اعلم بأن من السكوت إبانة
و من التكلف ما يكون خبالا
و كان يقال لسان العاقل من وراء قلبه- فإذا أراد الكلام تفكر- فإن كان له قال و إن كان عليه سكت- و قلب الجاهل من وراء لسانه- فإن هم بالكلام تكلم به- . و قال سعد بن أبي وقاص لعمرو ابنه- حين نطق مع القوم فبذهم- و قد كان غضب عليه فكلموه في الرضا عنه- هذا الذي أغضبني عليه سمعت رسول الله ص يقول يكون قوم يأكلون الدنيا بألسنتهم- كما تلحس الأرض البقر بألسنتها- .
و قال معاوية لعمرو بن العاص في أبي موسى- قد ضم إليك رجل طويل اللسان- قصير الرأي فأجد الحز- و طبق المفصل و لا تلقه برأيك كله- . و كان يقال لو كان الكلام من فضة- لكان السكوت من ذهب- . و كان يقال مقتل الرجل بين فكيه- و قيل بين لحييه- . و كان يقال- ما شيء بأحق بسجن من لسان- . و قالوا اللسان سبع عقور- . و أخذ أبو بكر بطرف لسانه- و قال هذا الذي أوردني الموارد- . لما أنكح ضرار بن عمرو ابنته من معبد بن زرارة- أوصاها حين أخرجها إليه- فقال أمسكي عليك الفضلين قالت و ما هما- قال فضل الغلمة و فضل الكلام- . و سئل أعرابي كان يجالس الشعبي عن طول صمته- فقال أسمع فأعلم و أسكت فأسلم- .
وقال النبي ص و هل يكب الناس في النار على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهمتكلم رجل في مجلس النبي ص فخطل في كلامه- فقال ع ما أعطي العبد شرا من ذلاقة لسان- . قال عمر بن عبد العزيز يوم بويع بالخلافة- خالد بن عبد الله القسري- و قد أنشده متمثلا-
و إذا الدر زان حسن نحور
كان للدر حسن نحرك زينا
إن صاحبكم أعطي مقولا و حرم معقولا- . و قيل لإياس بن عمر ادع لنا- فقال اللهم ارحمنا و عافنا و ارزقنا- فقالوا زدنا يا أبا الرحمن- فقال أعوذ بالله من الإسهاب- . و كان القباع- و هو الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي- مسهابا سريع الحديث كثيره- فقال فيه أبو الأسود الدؤلي-
أمير المؤمنين جزيت خيرا
أرحنا من قباع بني المغيرة
بلوناه و لمناه فأعيا
علينا ما يمر لنا مريره
على أن الفتى نكح أكول
و مسهاب مذاهبه كثيره
و قال أبو العتاهية-
كل امرئ في نفسه
أعلى و أشرف من قرينه
و الصمت أجمل بالفتى
من منطق في غير حينه
و قال الشاعر
و إياك إياك المراء فإنه
إلى الشر دعاء و للشر جالب
– و كان يقال العجلة قيد الكلام- .أطال خطيب بين يدي الإسكندر فزبره- قال ليس حسن الخطبة على حسب طاقة الخاطب- و لكن على حسب طاقة السامع- .محمد الباقر ع إني لأكره أن يكون مقدار لسان الرجل- فاضلا على مقدار علمه- كما أكره أن يكون مقدار علمه فاضلا على مقدار عقله- . أطال ربيعة الرأي الكلام- و عنده أعرابي- فلما فرغ من كلامه- قال للأعرابي ما تعدون العي و الفهاهة فيكم- قال ما كنت فيه أصلحك الله منذ اليوم- ومن كلام أمير المؤمنين ع إذا تم العقل نقص الكلام- .واصل بن عطاء- لأن يقول الله لي يوم القيامة- هلا قلت أحب إلي من أن يقول لي لم قلت- لأني إذا قلت طالبني بالبرهان- و إذا سكت لم يطالبني بشيء- . نزل النعمان بن المنذر برابية- فقال له رجل من أصحابه أبيت اللعن- لو ذبح رجل على رأس هذه الرابية- إلى أين كان يبلغ دمه- فقال النعمان المذبوح و الله أنت- و لأنظرن إلى أين يبلغ دمك فذبحه- فقال رجل رب كلمة تقول دعني- . أعرابي رب منطق صدع جمعا- و رب سكوت شعب صدعا- . قالت امرأة لبعلها- ما لك إذا خرجت تطلقت و تحدثت- و إذا دخلت قعدت و سكت- قال لأني أدق عن جليلك- و تجلين عن دقيقي- . النخعي- كانوا يتعلمون السكوت كما يتعلمون الكلام- . علي بن هشام-
لعمرك إن الحلم زين لأهله
و ما الحلم إلا عادة و تحلم
إذا لم يكن صمت الفتى من بلادة
و عي فإن الصمت أهدى و أسلم
وهيب بن الورد- إن الحكمة عشرة أجزاء- تسعة منها في الصمت- و العاشرة العزلة عن الناس- .مكث الربيع بن خثيم عشرين سنة- لا يتكلم إلى أن قتل الحسين ع- فسمعت منه كلمة واحدة- قال لما بلغه ذلك أ و قد فعلوها- ثم قال اللهم فاطر السماوات و الأرض- عالم الغيب و الشهادة- أنت تحكم بين عبادك- فيما كانوا فيه يختلفون- ثم عاد إلى السكوت حتى مات- . الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب-
زعم ابن سلمى أن حلمي ضرني
ما ضر قبلي أهله الحلم
إنا أناس من سجيتهم
صدق الحديث و رأيهم حتم
لبسوا الحياء فإن نظرت حسبتهم
سقموا و لم يمسسهم سقم
إني وجدت العدم أكبره
عدم العقول و ذلك العدم
و المرء أكثر عيبه ضررا
خطل اللسان و صمته حكم
جاء في الحديث المرفوع عن النبي ص إذا رأيتم المؤمن صموتا فادنوا منه- فإنه يلقى الحكمة- . سفيان بن عيينة من حرم العلم فليصمت- فإن حرمها فالموت خير له- . و كان يقال إذا طلبت صلاح قلبك- فاستعن عليه بحفظ لسانكو اعلم أن هذه الخطبة خطب بها أمير المؤمنين ع- في الجمعة الثالثة من خلافته- و كنى فيها عن حال نفسه- و أعلمهم فيها أنهم سيفارقونه- و يفقدونه بعد اجتماعهم عليه و طاعتهم له- و هكذا وقع الأمر- فإنه نقل أن أهل العراق- لم يكونوا أشد اجتماعا عليه- من الشهر الذي قتل فيه ع- . و جاء في الأخبار- أنه عقد للحسن ابنه ع على عشرة آلاف- و لأبي أيوبالأنصاري على عشرة آلاف- و لفلان و فلان حتى اجتمع له مائة ألف سيف- و أخرج مقدمته أمامه يريد الشام- فضربه اللعين ابن ملجم- و كان من أمره ما كان- و انفضت تلك الجموع و كانت كالغنم فقد راعيها- .
و معنى قوله ألنتم له رقابكم أطعتموه- و معنى أشرتم إليه بأصابعكم أعظمتموه و أجللتموه- كالملك الذي يشار إليه بالإصبع- و لا يخاطب باللسان- ثم أخبرهم أنهم يلبثون بعده ما شاء الله- و لم يحدد ذلك بوقت معين- ثم يطلع الله لهم من يجمعهم و يضمهم- يعني من أهل البيت ع- و هذا إشارة إلى المهدي الذي يظهر في آخر الوقت- و عند أصحابنا أنه غير موجود الآن و سيوجد- و عند الإمامية أنه موجود الآن- .
قوله ع فلا تطمعوا في غير مقبل- و لا تيأسوا من مدبر- ظاهر هذا الكلام متناقض- و تأويله أنه نهاهم عن أن يطمعوا في صلاح أمورهم- على يد رئيس غير مستأنف الرئاسة- و هو معنى مقبل أي قادم تقول سوف أفعل كذا في الشهر المقبل- و في السنة المقبلة أي القادمة- يقول كل الرئاسات التي تشاهدونها- فلا تطمعوا في صلاح أموركم بشيء منها- و لأن تنصلح أموركم على يد رئيس يقدم عليكم- مستأنف الرئاسة خامل الذكر- ليس أبوه بخليفة- و لا كان هو و لا أبوه مشهورين بينكم برئاسة- بل يتبع و يعلو أمره- و لم يكن قبل معروفا هو و لا أهله الأدنون- و هذه صفة المهدي الموعود به- .
و معنى قوله و لا تيأسوا من مدبر- أي و إذا مات هذا المهدي و خلفه بنوه بعده- فاضطرب أمر أحدهم فلا تيأسوا و تتشككوا- و تقولوا لعلنا أخطأنا في اتباع هؤلاء- فإن المضطرب الأمر منا ستثبت دعائمه- و تنتظم أموره- و إذا زلت إحدى رجليه- ثبتت الأخرى فثبتت الأولى أيضا- و يروى فلا تطعنوا في عين مقبل- أي لا تحاربوا أحدا منا- و لا تيأسوا من إقبال من يدبر أمره منا- .
ثم ذكر ع أنهم كنجوم السماء- كلما خوى نجم طلع نجم- خوى مال للمغيب- . ثم وعدهم بقرب الفرج- فقال إن تكامل صنائع الله عندكم- و رؤية ما تأملونه أمر قد قرب وقته- و كأنكم به و قد حضر و كان- و هذا على نمط المواعيد الإلهية بقيام الساعة- فإن الكتب المنزلة كلها صرحت بقربها- و إن كانت بعيدة عندنا لأن البعيد في معلوم الله قريب- و قد قال سبحانه- إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَ نَراهُ قَرِيباً
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 7