95 و من خطبة له ع- :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْأَوَّلِ فَلَا شَيْءَ قَبْلَهُ- وَ الآْخِرِ فَلَا شَيْءَ بَعْدَهُ- وَ الظَّاهِرِ فَلَا شَيْءَ فَوْقَهُ- وَ الْبَاطِنِ فَلَا شَيْءَ دُونَهُ تقدير الكلام- و الظاهر فلا شيء أجلى منه- و الباطن فلا شيء أخفى منه- فلما كان الجلاء يستلزم العلو و الفوقية- و الخفاء يستلزم الانخفاض و التحتية- عبر عنهما بما يلازمهما- و قد تقدم الكلام في معنى الأول- و الآخر و الظاهر و الباطن- . و ذهب أكثر المتكلمين- إلى أن الله تعالى يعدم أجزاء العالم ثم يعيدها- و ذهب قوم منهم- إلى أن الإعادة إنما هي جمع الأجزاء- بعد تفريقها لا غير- . و احتج الأولون بقوله تعالى- هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ- قالوا لما كان أولا- بمعنى أنه الموجود و لا موجود معه- وجب أن يكون آخرا- بمعنى أنه سيئول الأمر إلى عدم كل شيء إلا ذاته تعالى- كما كان أولا- و البحث المستقصى في هذا الباب مشروح- في كتبنا الكلامية: وَ مِنْهَا فِي ذِكْرِ الرَّسُولِ ص- مُسْتَقَرُّهُ خَيْرُ مُسْتَقَرٍّ- وَ مَنْبِتُهُ أَشْرَفُ مَنْبِتٍ- فِي مَعَادِنِ الْكَرَامَةِ- وَ مَمَاهِدِ السَّلَامَةِ- قَدْ صُرِفَتْ نَحْوَهُ أَفْئِدَةُ الْأَبْرَارِ- وَ ثُنِيَتْ إِلَيْهِ أَزِمَّةُ الْأَبْصَارِ- دَفَنَ اللَّهُ بِهِ الضَّغَائِنَ- وَ أَطْفَأَ بِهِ النَّوَائِرَ أَلَّفَ بِهِ إِخْوَاناً- وَ فَرَّقَ بِهِ أَقْرَاناً- وَ أَعَزَّ بِهِ الذِّلَّةَ- وَ أَذَلَّ بِهِ الْعِزَّةَ- كَلَامُهُ بَيَانٌ وَ صَمْتُهُ لِسَانٌ المهاد الفراش- و لما قال في معادن و هي جمع معدن- قال بحكم القرينة و الازدواج- و مماهد و إن لم يكن الواحد منها ممهدا- كما قالوا الغدايا و العشايا- و مأجورات و مأزوات و نحو ذلك- و يعني بالسلامة هاهنا البراءة من العيوب- أي في نسب طاهر غير مأفون و لا معيب- .
ثم قال قد صرفت نحوه- أي نحو الرسول ص- و لم يقل من صرفها- بل جعله فعلا لم يسم فاعله- فإن شئت قلت- الصارف لها هو الله تعالى لا بالجبر- كما يقوله الأشعرية- بل بالتوفيق و اللطف كما يقوله أصحابنا- و إن شئت قلت صرفها أربابها- . و الضغائن جمع ضغينة و هي الحقد- ضغنت على فلان بالكسر ضغنا- و الضغن الاسم كالضغينة- و قد تضاغنوا و اضطغنوا انطووا على الأحقاد- و دفنها أكمنها و أخفاها و ألف به إخوانا- لأن الإسلام قد ألف بين المتباعدين- و فرق بين المتقاربين- و قال تعالى فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً- قطع ما بين حمزة و أبي لهب مع تقاربهما- و ألف بين علي ع و عمار مع تباعدهما- .
قوله ع و صمته لسان- لا يعني باللسان هاهنا الجارحة نفسها- بل الكلام الصادر عنها- كقول الأعشىإني أتتني لسان لا أسر بها- قالوا في تفسيره أراد الكلمة و جمعه على هذا ألسن- لأنه مؤنث كقولك ذراع و أذرع- فأما جمع لسان للجارحة فألسنة لأنه مذكر- كقولك حمار و أحمرة- يقول ع إن كلام الرسول ص بيان- و البيان إخراج الشيء من حيز الخفاء- إلى حيز الوضوح- و صمته ص كلام و قول مفيد- أي أن صمته لا يخلو من فائدة- فكأنه كلام- و هذا من باب التشبيه المحذوف الأداة- كقولهم يده بحر و وجهه بدر
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 7