و من خطبة له عليه السّلام
بَعَثَهُ وَ النَّاسُ ضُلَّالٌ فِي حَيْرَةٍ- وَ حَاطِبُونَ فِي فِتْنَةٍ- قَدِ اسْتَهْوَتْهُمُ الْأَهْوَاءُ- وَ اسْتَزَلَّتْهُمُ الْكِبْرِيَاءُ- وَ اسْتَخَفَّتْهُمُ الْجَاهِلِيَّةُ الْجَهْلَاءُ- حَيَارَى فِي زَلْزَالٍ مِنَ الْأَمْرِ- وَ بَلَاءٍ مِنَ الْجَهْلِ- فَبَالَغَ ص فِي النَّصِيحَةِ- وَ مَضَى عَلَى الطَّرِيقَةِ- وَ دَعَا إِلَى الْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
أقول: الفصل لتقرير فضيلة الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلّم
و الواو في و الناس للحال: أى في حال ما هم ضالّون عن سبيل اللّه في حيرة من أمرهم ما ذا يتبعون. و خابطون في فتنة: أى كانت حركاتهم على غير نظام في ضلال البدع، و من روى حاطبون فهو استعارة، و وجهها كونهم يجمعون في ضلالهم و فتنتهم ما اتّفق من أقوال و أفعال كما يجمع الحاطب، و منه المثل: حاطب ليل. لمن جمع الغثّ و السمين، و الحقّ و الباطل في أقواله.
و قوله: قد استهوتهم الأهواء.
أى جذبتهم الآراء الباطلة إلى مهاوى الهلاك أو إلى نفسها، و استزلّتهم الكبرياء: أى قادتهم إلى الزلل و الخطل عن طريق العدل و اقتفاء آثار الأنبياء في التواضع و نحوه، و استخفّتهم الجاهليّة الجهلاء فطارت بهم إلى ما لا ينبغي من الغارات و الفساد في الأرض فكانوا ذوى خفّة و طيش، و لفظ الجهلاء تأكيد للأوّل كما يقال: ليل أليل و وتدواتد.
و قوله: حيارى في زلزال من الأمر و بلاء من الجهل.
أى لا يهتدون لجهلهم إلى مصالحهم فهو منشأ اضطراب امورهم و بلائهم بالغارات و سبى بعضهم بعضا و قتلهم.
و قوله: فبالغ. إلى آخره.
مضيّة على الطريقة سلوكه لسبيل اللّه من غير انحراف، و دعوته إلى الحكمة و الموعظة هى دعوته إلى سبيل اللّه بهما إمتثالا لقوله تعالى ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ«» فالدعوة بالحكمة الدعوة بالبرهان، و بالموعظة الدعوة بالخطابة، و قد سبقت الإشارة إلى ذلك في المقدّمات. و اللّه ولىّ التوفيق.
شرح نهج البلاغة(ابن ميثم بحراني)، ج 2 ، صفحهى 400