google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
80-100 خطبه ها شرح ابن ابی الحدیدخطبه ها شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

خطبه 92 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

92 و من خطبة له ع

أَمَّا بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ وَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ- أَيُّهَا النَّاسُ- فَإِنِّي فَقَأْتُ عَيْنَ الْفِتْنَةِ- وَ لَمْ يَكُنْ لِيَجْتَرِئَ عَلَيْهَا أَحَدٌ غَيْرِي- بَعْدَ أَنْ مَاجَ غَيْهَبُهَا- وَ اشْتَدَّ كَلَبُهَا- فَاسْأَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي- فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ- لَا تَسْأَلُونَنِي عَنْ شَيْ‏ءٍ- فِيمَا بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ السَّاعَةِ- وَ لَا عَنْ فِئَةٍ تَهْدِي مِائَةً وَ تُضِلُّ مِائَةً- إِلَّا أَنْبَأْتُكُمْ بِنَاعِقِهَا- وَ قَائِدِهَا وَ سَائِقِهَا وَ مُنَاخِ رِكَابِهَا- وَ مَحَطِّ رِحَالِهَا- وَ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَهْلِهَا قَتْلًا- وَ مَنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ مَوْتاً- وَ لَوْ قَدْ فَقَدْتُمُونِي- وَ نَزَلَتْ بِكُمْ كَرَائِهُ الْأُمُورِ- وَ حَوَازِبُ الْخُطُوبِ- لَأَطْرَقَ كَثِيرٌ مِنَ السَّائِلِينَ- وَ فَشِلَ كَثِيرٌ مِنَ الْمَسْئُولِينَ- وَ ذَلِكَ إِذَا قَلَّصَتْ حَرْبُكُمْ- وَ شَمَّرَتْ عَنْ سَاقٍ- وَ كَانَتِ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ ضِيقاً- تَسْتَطِيلُونَ أَيَّامَ الْبَلَاءِ عَلَيْكُمْ- حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ لِبَقِيَّةِ الْأَبْرَارِ مِنْكُمْ- إِنَّ الْفِتَنَ إِذَا أَقْبَلَتْ شَبَّهَتْ- وَ إِذَا أَدْبَرَتْ نَبَّهَتْ- يُنْكَرْنَ مُقْبِلَاتٍ- وَ يُعْرَفْنَ مُدْبِرَاتٍ- يَحُمْنَ حَوْمَ الرِّيَاحِ يُصِبْنَ بَلَداً- وَ يُخْطِئْنَ بَلَداً- أَلَا وَ إِنَّ أَخْوَفَ الْفِتَنِ عِنْدِي عَلَيْكُمْ فِتْنَةُ بَنِي أُمَيَّةَ- فَإِنَّهَا فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ مُظْلِمَةٌ عَمَّتْ خُطَّتُهَا- وَ خَصَّتْ بَلِيَّتُهَا- وَ أَصَابَ الْبَلَاءُ مَنْ أَبْصَرَ فِيهَا- وَ أَخْطَأَ الْبَلَاءُ مَنْ عَمِيَ عَنْهَا- وَ ايْمُ اللَّهِ لَتَجِدُنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَكُمْ- أَرْبَابَ سُوءٍ بَعْدِي كَالنَّابِ الضَّرُوسِ- تَعْذِمُ‏ بِفِيهَا وَ تَخْبِطُ بِيَدِهَا- وَ تَزْبِنُ بِرِجْلِهَا وَ تَمْنَعُ دَرَّهَا- لَا يَزَالُونَ بِكُمْ حَتَّى لَا يَتْرُكُوا مِنْكُمْ إِلَّا نَافِعاً لَهُمْ- أَوْ غَيْرَ ضَائِرٍ بِهِمْ- وَ لَا يَزَالُ بَلَاؤُهُمْ عَنْكُمْ- حَتَّى لَا يَكُونَ انْتِصَارُ أَحَدِكُمْ مِنْهُمْ- إِلَّا مِثْلَ انْتِصَارِ الْعَبْدِ مِنْ رَبِّهِ- وَ الصَّاحِبِ مِنْ مُسْتَصْحِبِهِ- تَرِدُ عَلَيْكُمْ فِتْنَتُهُمْ شَوْهاً مَخْشِيَّةً- وَ قِطَعاً جَاهِلِيَّةً- لَيْسَ فِيهَا مَنَارُ هُدًى وَ لَا عَلَمٌ يُرَى- نَحْنُ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْهَا بِنَجَاةٍ وَ لَسْنَا فِيهَا بِدُعَاةٍ- ثُمَّ يُفَرِّجُهَا اللَّهُ عَنْكُمْ كَتَفْرِيجِ الْأَدِيمِ- بِمَنْ يَسُومُهُمْ خَسْفاً وَ يَسُوقُهُمْ عُنْفاً- وَ يَسْقِيهِمْ بِكَأْسٍ مُصَبَّرَةٍ لَا يُعْطِيهِمْ إِلَّا السَّيْفَ- وَ لَا يُحْلِسُهُمْ إِلَّا الْخَوْفَ- فَعِنْدَ ذَلِكَ تَوَدُّ قُرَيْشٌ بِالدُّنْيَا- وَ مَا فِيهَا لَوْ يَرَوْنَنِي مَقَاماً وَاحِداً- وَ لَوْ قَدْرَ جَزْرِ جَزُورٍ- لِأَقْبَلَ مِنْهُمْ مَا أَطْلُبُ الْيَوْمَ بَعْضَهُ فَلَا يُعْطُونَنِيهِ فقأت عينه أي بخقتها- و تفقأت السحابة عن مائها- تشققت و تفقأ الدمل و القرح- و معنى فقئه ع عين الفتنة- إقدامه عليها حتى أطفأ نارها- كأنه جعل للفتنة عينا محدقة يهابها الناس- فأقدم هو عليها ففقأ عينها- فسكنت بعد حركتها و هيجانها- و هذا من باب الاستعارة- و إنما قال و لم يكن ليجترئ عليها أحد غيري- لأن الناس كلهم كانوا يهابون قتال أهل القبلة- و لا يعلمون كيف يقاتلونهم- هل يتبعون موليهم أم لا- و هل يجهزون على جريحهم أم لا- و هل يقسمون فيئهم أم لا- و كانوا يستعظمون قتال من يؤذن كأذاننا- و يصلي كصلاتنا- و استعظموا أيضا حرب عائشة- و حرب طلحة و الزبير- لمكانهم في الإسلام- و توقف جماعتهم عن الدخول في تلك الحرب- كالأحنف بن قيس و غيره- فلو لا أن عليا اجترأ على سل السيف فيها- ما أقدم أحد عليها- حتى‏ الحسن ع ابنه- أشار عليه ألا يبرح عرصة المدينة- و نهاه عن المسير إلى البصرة- حتى قال له منكرا عليه إنكاره- و لا تزال تخن خنين الأمة- و قد روى ابن هلال صاحب كتاب الغارات- أنه كلم أباه في قتال أهل البصرة بكلام أغضبه- فرماه ببيضة حديد عقرت ساقه- فعولج منها شهرين- . و الغيهب الظلمة و الجمع غياهب- و إنما قال بعد ما ماج غيهبها- لأنه أراد بعد ما عم ضلالها فشمل- فكنى عن الضلال بالغيهب- و كنى عن العموم و الشمول بالتموج- لأن الظلمة إذا تموجت شملت أماكن كثيرة- غير الأماكن التي تشملها لو كانت ساكنة- و اشتد كلبها أي شرها و أذاها- و يقال للقحط الشديد كلب- و كذلك للقر الشديد- .

ثم قال ع سلوني قبل أن تفقدوني- روى صاحب كتاب الإستيعاب- و هو أبو عمر محمد بن عبد البر- عن جماعة من الرواة و المحدثين- قالوا لم يقل أحد من الصحابة رضي الله عنهم- سلوني إلا علي بن أبي طالب- و روى شيخنا أبو جعفر الإسكافي- في كتاب نقض العثمانية- عن علي بن الجعد عن ابن شبرمة- قال ليس لأحد من الناس أن يقول على المنبر- سلوني إلا علي بن أبي طالب ع- . و الفئة الطائفة- و الهاء عوض من الياء التي نقصت من وسطه- و أصله في‏ء مثال فيع لأنه من فاء- و يجمع على فئات مثل شيات و هبات و لدات- . و ناعقها الداعي إليها من نعيق الراعي بغنمه- و هو صوته نعق ينعق بالكسر نعيقا و نعاقا- أي صاح بها و زجرها- قال الأخطل

فانعق بضأنك يا جرير فإنما
منتك نفسك في الخلاء ضلالا

فأما الغراب- فيقال نغق بالغين المعجمة ينغق بالكسر أيضا- و حكى ابن كيسان نعق الغراب أيضا بعين غير معجمه- . و الركاب الإبل واحدتها راحلة- و لا واحد لها من لفظها- و جمعها ركب مثل كتاب و كتب- و يقال زيت ركابي لأنه يحمل من الشام عليها- . و المناخ بضم الميم و محط بفتحها- يجوز أن يكونا مصدرين- و أن يكونا مكانين- أما كون المناخ مصدرا- فلأنه كالمقام الذي بمعنى الإقامة- و أما كون المحط مصدرا فلأنه كالمرد- في قوله سبحانه وَ أَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ- و أما كونهما موضعين فلأن المناخ من أنخت الجمل- لا من ناخ الجمل لأنه لم يأت- و الفعل إذا جاوز الثلاثة فالموضع منه يأتي مضموم الميم- لأنه مشبه ببنات الأربعة- نحو دحرج و هذا مدحرجنا- و من قال هذا مقام بني فلان- أي موضع مقامهم جعله كما جعلناه نحن- من أقام يقيم لا من قام يقوم- و أما المحط فإنه كالمقتل موضع القتل- يقال مقتل الرجل بين فكيه- و يقال للأعضاء التي إذا أصيب الإنسان فيها هلك مقاتل- و وجه المماثلة كونهما مضمومي العين
فصل في ذكر أمور غيبية أخبر بها الإمام ثم تحققت.

و اعلم أنه ع قد أقسم في هذا الفصل- بالله الذي نفسه بيده- أنهم لا يسألونه عن أمر يحدث بينهم- و بين القيامة إلا أخبرهم به- و أنه ما صح من طائفة من الناس- يهتدي بها مائة و تضل بها مائة إلا و هو مخبر لهم- إن سألوه برعاتها و قائدها و سائقها- و مواضع نزول ركابها و خيولها- و من يقتل منها قتلا- و من يموت منها موتا و هذه الدعوى ليست منه عليه ع ادعاء الربوبية- و لا ادعاء النبوة- و لكنه كان يقول إن رسول الله ص‏ أخبره بذلك- و لقد امتحنا إخباره فوجدناه موافقا- فاستدللنا بذلك على صدق الدعوى المذكورة- كإخباره عن الضربة يضرب بها في رأسه- فتخضب لحيته- و إخباره عن قتل الحسين ابنه ع- و ما قاله في كربلاء حيث مر بها- و إخباره بملك معاوية الأمر من بعده- و إخباره عن الحجاج و عن يوسف بن عمر- و ما أخبر به من أمر الخوارج بالنهروان- و ما قدمه إلى أصحابه من إخباره بقتل من يقتل منهم- و صلب من يصلب- و إخباره بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين-

و إخباره بعدة الجيش الوارد إليه من الكوفة- لما شخص ع إلى البصرة لحرب أهلها- و إخباره عن عبد الله بن الزبير- و قوله فيه خب ضب يروم أمرا و لا يدركه- ينصب حبالة الدين لاصطياد الدنيا- و هو بعد مصلوب قريش- و كإخباره عن هلاك البصرة بالغرق- و هلاكها تارة أخرى بالزنج- و هو الذي صحفه قوم فقالوا بالريح- و كإخباره عن ظهور الرايات السود من خراسان- و تنصيصه على قوم من أهلها- يعرفون ببني رزيق بتقديم المهملة و هم آل مصعب- الذين منهم طاهر بن الحسين و ولده و إسحاق بن إبراهيم- و كانوا هم و سلفهم دعاة الدولة العباسية- و كإخباره عن الأئمة الذين ظهروا من ولده بطبرستان- كالناصر و الداعي و غيرهما-في قوله ع و إن لآل محمد بالطالقان لكنزا- سيظهره الله إذا شاء دعاؤه حتى يقوم بإذن الله- فيدعو إلى دين الله- و كإخباره عن مقتل النفس الزكية بالمدينة- و قوله إنه يقتل عند أحجار الزيت- و كقوله عن أخيه إبراهيم المقتول بباب حمزة- يقتل بعد أن يظهر و يقهر بعد أن يقهر- و قوله فيه أيضا يأتيه سهم غرب يكون فيه منيته- فيا بؤسا للرامي شلت يده و وهن عضده- و كإخباره عن قتلى وج-

و قوله فيهم هم خير أهل الأرض- و كإخباره عن المملكة العلوية بالغرب- و تصريحه بذكر كتامة- و هم الذين نصروا أبا عبد الله الداعي المعلم- و كقوله و هو يشير إلى أبي عبد الله المهدي- و هو أولهم ثم يظهرصاحب القيروان الغض البض- ذو النسب المحض المنتجب من سلالة ذي البداء- المسجى بالرداء- و كان عبيد الله المهدي أبيض مترفا مشربا بحمرة- رخص البدن تار الأطراف- و ذو البداء إسماعيل بن جعفر بن محمد ع- و هو المسجى بالرداء- لأن أباه أبا عبد الله جعفرا سجاه بردائه لما مات- و أدخل إليه وجوه الشيعة يشاهدونه ليعلموا موته- و تزول عنهم الشبهة في أمره- . و كإخباره عن بني بويه- و قوله فيهم و يخرج من ديلمان بنو الصياد إشارة إليهم- و كان أبوهم صياد السمك- يصيد منه بيده ما يتقوت هو و عياله بثمنه- فأخرج الله تعالى من ولده لصلبه ملوكا ثلاثة و نشر ذريتهم حتى ضربت الأمثال بملكهم-و كقوله ع فيهم ثم يستشري أمرهم- حتى يملكوا الزوراء و يخلعوا الخلفاء-

فقال له قائل فكم مدتهم يا أمير المؤمنين فقال مائة أو تزيد قليلا- و كقوله فيهم- و المترف ابن الأجذم يقتله ابن عمه على دجلة- و هو إشارة إلى عز الدولة بختيار بن معز الدولة أبي الحسين- و كان معز الدولة أقطع اليد- قطعت يده للنكوص في الحرب- و كان ابنه عز الدول بختيار مترفا صاحب لهو و شرب- و قتله عضد الدولة فناخسرو- ابن عمه بقصر الجص على دجلة في الحرب و سلبه ملكه- فأما خلعهم للخلفاء- فإن معز الدولة خلع المستكفي- و رتب عوضه المطيع و بهاء الدولة أبا نصر بن عضد الدولة- خلع الطائع و رتب عوضه القادر- و كانت مدة ملكهم كما أخبر به ع- . و كإخباره ع لعبد الله بن العباس رحمه الله تعالى- عن انتقال الأمر إلى أولاده- فإن علي بن عبد الله لما ولد- أخرجه أبوه عبد الله إلى علي ع- فأخذه و تفل في فيه-و حنكه بتمرة قد لاكها- و دفعه إليه و قال خذ إليك أبا الأملاك- هكذا الرواية الصحيحة- و هي التي ذكرها أبو العباس المبرد في كتاب الكامل- و ليست الرواية التي يذكر فيها العدد- بصحيحة و لا منقولة من كتاب معتمد عليه- . و كم له من الأخبار عن الغيوب الجارية هذا المجرى- مما لو أردنا استقصاءه- لكسرنا له كراريس كثيرة- و كتب السير تشتمل عليها مشروحة- .

فإن قلت لما ذا غلا الناس في أمير المؤمنين ع- فادعوا فيه الإلهية- لإخباره عن الغيوب التي شاهدوا صدقها عيانا- و لم يغلوا في رسول الله ص فيدعوا له الإلهية- و أخباره عن الغيوب الصادقة- قد سمعوها و علموها يقينا- و هو كان أولى بذلك لأنه الأصل المتبوع- و معجزاته أعظم و أخباره عن الغيوب أكثر- قلت إن الذين صحبوا رسول الله ص- و شاهدوا معجزاته- و سمعوا أخباره عن الغيوب الصادقة عيانا- كانوا أشد آراء و أعظم أحلاما- و أوفر عقولا من تلك الطائفة الضعيفة العقول- السخيفة الأحلام- الذين رأوا أمير المؤمنين ع في آخر أيامه- كعبد الله بن سبإ و أصحابه- فإنهم كانوا من ركاكة البصائر- و ضعفها على حال مشهورة- فلا عجب عن مثلهم أن تستخفهم المعجزات- فيعتقدوا في صاحبها أن الجوهر الإلهي قد حله- لاعتقادهم أنه لا يصح من البشر هذا إلا بالحلول- و قد قيل- إن جماعة من هؤلاء كانوا من نسل النصارى و اليهود- و قد كانوا سمعوا من آبائهم و سلفهم القول بالحلول- في أنبيائهم و رؤسائهم- فاعتقدوا فيه ع مثل ذلك- و يجوز أن يكون أصل هذه المقالة من قوم ملحدين- أرادوا إدخال الإلحاد في دين الإسلام- فذهبوا إلى ذلك- و لو كانوا في أيام رسول الله ص- لقالوا فيه مثل هذه المقالة- إضلالا لأهلالإسلام- و قصدا لإيقاع الشبهة في قلوبهم- و لم يكن في الصحابة مثل هؤلاء- و لكن قد كان فيهم منافقون و زنادقة- و لم يهتدوا إلى هذه الفتنة- و لا خطر لهم مثل هذه المكيدة- .

و مما ينقدح لي من الفرق بين هؤلاء القوم- و بين العرب الذين عاصروا رسول الله ص- أن هؤلاء من العراق و ساكني الكوفة- و طينة العراق ما زالت تنبت أرباب الأهواء- و أصحاب النحل العجيبة و المذاهب البديعة- و أهل هذا الإقليم أهل بصر و تدقيق و نظر- و بحث عن الآراء و العقائد- و شبه معترضة في المذاهب- و قد كان منهم في أيام الأكاسرة- مثل ماني و ديصان و مزدك و غيرهم- و ليست طينة الحجاز هذه الطينة- و لا أذهان أهل الحجاز هذه الأذهان- و الغالب على أهل الحجاز الجفاء- و العجرفية و خشونة الطبع- و من سكن المدن منهم- كأهل مكة و المدينة و الطائف- فطباعهم قريبة من طباع أهل البادية بالمجاورة- و لم يكن فيهم من قبل حكيم- و لا فيلسوف و لا صاحب نظر و جدل- و لا موقع شبهة و لا مبتدع نحلة- و لهذا نجد مقالة الغلاة طارئة و ناشئة- من حيث سكن علي ع بالعراق و الكوفة- لا في أيام مقامه بالمدينة- و هي أكثر عمره- . فهذا ما لاح لي من الفرق- بين الرجلين في المعنى المقدم ذكره- .

فإن قلت لما ذا قال عن فئة تهدى مائة- و ما فائدة التقييد بهذا العدد- قلت لأن ما دون المائة حقير تافه- لا يعتد به ليذكر و يخبر عنه- فكأنه قال مائة فصاعدا- . قوله ع- كرائه الأمور جمع كريهة- و هي الشدة في الحرب- و حوازب الخطوب جمع حازب- و حزبه الأمر أي دهمه- .

و فشل جبن- فإن قلت أما فشل المسئول فمعلوم- فما الوجه في إطراق السائل- قلت لشدة الأمر و صعوبته- حتى أن السائل ليبهت و يدهش فيطرق- و لا يستطيع السؤال- . قوله ع- إذا قلصت حربكم يروى بالتشديد و بالتخفيف- و يروى عن حربكم- فمن رواه مشددا أراد انضمت و اجتمعت- و ذلك لأنه يكون أشد لها- و أصعب من أن تتفرق في مواطن متباعدة- أ لا ترى أن الجيوش إذا اجتمعت كلها- و اصطدم الفيلقان- كان الأمر أصعب و أفظع- من أن تكون كل كتيبة من تلك الجيوش- تحارب كتيبة أخرى في بلاد متفرقة متباعدة- و ذلك لأن اصطدام الفيلقين بأجمعهما- هو الاستئصال الذي لا شوى له و لا بقيا بعده- و من رواها بالتخفيف أراد كثرت و تزايدت- من قولهم قلصت البئر- أي ارتفع ماؤها إلى رأسها أو دونه- و هو ماء قالص و قليص-

و من روى إذا قلصت عن حربكم- أراد إذا قلصت كرائه الأمور- و حوازب الخطوب عن حربكم- أي انكشفت عنها- و المضارع من قلص يقلص بالكسر- . قوله و شمرت عن ساق استعارة و كناية- يقال للجاد في أمره قد شمر عن ساق- و ذلك لأن سبوغ الذيل معثرة- و يمكن أن يجري اللفظ على حقيقته- و ذلك أن قوله تعالى- يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ- فسروه فقالوا الساق الشدة- فيكون قد أراد بقوله- و شمرت عن ساق- أي كشفت عن شدة و مشقة- . ثم قال تستطيلون أيام البلاء- و ذلك لأن أيام البؤس طويلة- قال الشاعر

فأيام الهموم مقصصات
و أيام السرور تطير طيرا

و قال أبو تمام-

ثم انبرت أيام هجر أردفت
بجوى أسى فكأنها أعوام‏

قوله ع إن الفتن إذا أقبلت شبهت- معناه أن الفتن عند إقبالها و ابتداء حدوثها- يلتبس أمرها و لا يعلم الحق منها من الباطل- إلى أن تنقضي و تدبر- فحينئذ ينكشف حالها- و يعلم ما كان مشتبها منها- ثم أكد ع هذا المعنى- بقوله ينكرن مقبلات و يعرفن مدبرات- و مثال ذلك فتنة الجمل و فتنة الخوارج- كان كثير من الناس فيها في مبدإ الأمر متوقفين- و اشتبه عليهم الحال- و لم يعلموا موضع الحق إلى أن انقضت الفتنة- و وضعت الحرب أوزارها- و بان لهم صاحب الضلالة من صاحب الهداية- .

ثم وصف الفتن فقال إنها تحوم حوم الرياح- يصبن بلدا و يخطئن بلدا- حام الطائر و غيره حول الشي‏ء- يحوم حوما و حومانا أي دار- . ثم ذكر أن أخوف ما يخاف عليهم فتنة بني أمية- و معنى قوله عمت خطتها و خصت بليتها- أنها عمت الناس كافة- من حيث كانت رئاسة شاملة لكل أحد- و لكن حظ أهل البيت ع و شيعتهم من بليتها أعظم- و نصيبهم فيها أوفر- .

و معنى قوله و أصاب البلاء من أبصر فيها- و أخطأ البلاء من عمي عنها- أن العالم بارتكابهم المنكر مأثوم إذ لم ينكر- و الجاهل بذلك لا إثم عليه إذا لم ينههم عن المنكر- لأن من لا يعلم المنكر منكرا لا يلزمه إنكاره- و لا يعني بالمنكر هاهنا-ما كان منكرا من الاعتقادات- و لا ما يتعلق بالأمانة- بل الزنى و شرب الخمر و نحوهما من الأفعال القبيحة- . فإن قلت أي فرق بين الأمرين- قلت لأن تلك يلحق الإثم من لا يعلمها- إذا كان متمكنا من العلم بها- و هذه لا يجب إنكارها إلا مع العلم بها- و من لا يعلمها لا يلحقه الإثم- إذا كان متمكنا من العلم بها- فافترق الموضوعان- .

ثم أقسم ع فقال و ايم الله- و أصله و ايمن الله و اختلف النحويون في هذه الكلمة- فعند الأكثرين منهم أن ألفها ألف وصل- و أن أيمن اسم وضع للقسم هكذا بألف وصل- و بضم الميم و النون- قالوا و لم يأت في الأسماء ألف وصل مفتوحة غيرها- و تدخل عليها اللام لتأكيد الابتداء- فتقول ليمن الله فتذهب الألف- قال الشاعر

فقال فريق القوم لما نشدتهم
نعم و فريق ليمن الله ما ندري‏

و هذا الاسم مرفوع بالابتداء و خبره محذوف- و التقدير ليمن الله قسمي- فإذا خاطبت قلت ليمنك- و في حديث عروة بن الزبير- ليمنك لئن كنت ابتليت لقد عافيت- و لئن كنت أخذت لقد أبقيت- و تحذف نونه فيصير ايم الله بألف وصل مفتوحة- و قد تكسر- و ربما حذفوا الياء فقالوا ام الله- و ربما أبقوا الميم وحدها مضمومة- فقالوا م الله- و قد يكسرونها لما صارت حرفا شبهوها بالباء- و ربما قالوا من الله بضم الميم و النون- و من الله بكسرهما و من الله بفتحهما- و ذهب أبو عبيد و ابن كيسان و ابن درستويه- إلى أن أيمن جمع يمين- و الألف همزة قطع- و إنما خففت‏ و طرحت في الوصل لكثرة الاستعمال- قالوا و كانت العرب تحلف باليمين- فتقول يمين الله لا أفعل- قال إمرؤ القيس

فقلت يمين الله أبرح قاعدا
و لو قطعوا رأسي لديك و أوصالي‏

قالوا و اليمين تجمع على أيمن- قال زهير

فتجمع أيمن منا و منكم
بمقسمة تمور بها الدماء

ثم حلفوا به فقالوا أيمن الله- ثم كثر في كلامهم و خف على ألسنتهم- حتى حذفوا منه النون- كما حذفوا في قوله لم يكن فقالوا لم يك- فأقسم ع لأصحابه- أنهم سيجدون بني أمية بعده لهم أرباب سوء- و صدق ص فيما قال- فإنهم ساموهم سوء العذاب قتلا و صلبا- و حبسا و تشريدا في البلاد- . ثم شبه بني أمية بالناب الضروس- و الناب الناقة المسنة و الجمع نيب- تقول لا أفعله ما حنت النيب- و الضروس السيئة الخلق تعض حالبها- . و تعذم بفيها تكدم و العذم الأكل بجفاء- و فرس عذوم يعض بأسنانه- .

و الزبن الدفع- زبنت الناقة تزبن إذا ضربت بثفناتها عند الحلب- تدفع الحالب عنها و الدر اللبن- و في المثل لا در دره الأصل لبنه- ثم قيل لكل خير و ناقة درور أي كثيرة اللبن- . ثم قال لا يزالون بكم قتلا و إفناء لكم- حتى لا يتركوا منكم إلا من ينفعهم إبقاؤه- أو لا يضرهم و لا ينفعهم- قال حتى يكون انتصار أحدكم منهم- كانتصار العبد من مولاه- أي لا انتصار لكم منهم- لأن العبد لا ينتصر من مولاه أبدا- و قد جاء في كلامه‏ع- في غير هذا الموضع- تتمة هذا المعنى إن حضر أطاعه و إن غاب سبعه- أي ثلبه و شتمه و هذه أمارة الذل- كما قال أبو الطيب

أبدو فيسجد من بالسوء يذكرني
و لا أعاتبه صفحا و إهوانا

و هكذا كنت في أهلي و في وطني‏
إن النفيس نفيس أينما كانا

قال ع- و الصاحب من مستصحبه- أي و التابع من متبوعه- . و الشوه جمع شوهاء و هي القبيحة الوجه- شاهت الوجوه تشوه شوها قبحت- و شوهه الله فهو مشوه و هي شوهاء- و لا يقال للذكر أشوه و مخشية مخوفة- . و قطعا جاهلية- شبهها بقطع السحاب لتراكمها على الناس- و جعلها جاهلية لأنها كأفعال الجاهلية- الذين لم يكن لهم دين يردعهم- و يروى شوهاء و قطعاء أي نكراء كالمقطوعة اليد- . قوله نحن أهل البيت منها بمنجاة أي بمعزل- و النجاة و النجوة المكان المرتفع الذي تظن أنه نجاك- و لا يعلوه السيل- و لسنا فيها بدعاة- أي لسنا من أنصار تلك الدعوة- و أهل البيت منصوب على الاختصاص- كقولهم نحن معشر العرب نفعل كذا- و نحن آل فلان كرماء- . قوله كتفريج الأديم الأديم الجلد- و جمعه أدم مثل أفيق و أفق- و يجمع أيضا على آدمة كرغيف و أرغفة- و وجه التشبيه أن الجلد ينكشف عما تحته- فوعدهم ع بأن الله تعالى يكشف تلك الغماء- كانكشاف الجلد عن اللحم- بمن يسومهم خسفا و يوليهم ذلا- .

و العنف بالضم ضد الرفق- و كأس مصبرة ممزوجة بالصبر لهذا المر- و يجوز أن يكون مصبرة مملوءة إلى أصبارها و هي جوانبها- و في المثل أخذها بأصبارها أي تامة الواحد صبر بالضم- . و يحلسهم يلبسهم أحلست البعير ألبسته الحلس- و هو كساء رقيق يكون تحت البرذعة- يقال له حلس و حلس مثل شبه و شبه- . و الجزور من الإبل يقع على الذكر و الأنثى- و جزرها ذبحها- . و هذا الكلام إخبار عن ظهور المسودة- و انقراض ملك بني أمية- و وقع الأمر بموجب إخباره ص- حتى لقد صدق قوله لقد تود قريش الكلام إلى آخره- فإن أرباب السير كلهم نقلوا- أن مروان بن محمد قال يوم الزاب- لما شاهد عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس- بإزائه في صف خراسان- لوددت أن علي بن أبي طالب تحت هذه الراية- بدلا من هذا الفتى- و القصة طويلة و هي مشهورة- .

و هذه الخطبة ذكرها جماعة من أصحاب السير- و هي متداولة منقولة مستفيضة- خطب بها علي ع بعد انقضاء أمر النهروان- و فيها ألفاظ لم يوردها الرضي رحمه الله- من ذلكقوله ع و لم يكن ليجترئ عليها غيري- و لو لم أك فيكم ما قوتل أصحاب الجمل و النهروان- و ايم الله لو لا أن تتكلوا فتدعوا العمل- لحدثتكم بما قضى الله عز و جل على لسان نبيكم ص- لمن قاتلهم مبصرا لضلالتهم- عارفا للهدى الذي نحن عليه- سلوني قبل أن تفقدوني- فإني ميت عن قريب أو مقتول- بل قتلا ما ينتظر أشقاها أن يخضب هذه بدم و ضرب بيده إلى لحيته و منها في ذكر بني أمية يظهر أهل باطلها على أهل حقها- حتى تملأ الأرض عدوانا و ظلما و بدعا- إلى أن يضع الله عز و جل جبروتها- و يكسر عمدها و ينزع أوتادها- ألا و إنكم مدركوها فانصروا قوما- كانوا أصحاب رايات بدر و حنين- تؤجروا و لا تمالئوا عليهم عدوهم- فتصرعكم البلية- و تحل بكم النقمةو منها إلا مثل انتصار العبد من مولاه إذا رآه أطاعه- و إن توارى عنه شتمه- و ايم الله لو فرقوكم تحت كل حجر- لجمعكم الله لشر يوم لهمو منها فانظروا أهل بيت نبيكم- فإن لبدوا فالبدوا- و إن استنصروكم فانصروهم- فليفرجن الله الفتنة برجل منا أهل البيت- بأبي ابن خيرة الإماء- لا يعطيهم إلا السيف هرجا هرجا- موضوعا على عاتقه ثمانية أشهر- حتى تقول قريش لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا- يغريه الله ببني أمية حتى يجعلهم حطاما و رفاتا- مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلًا- سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ- وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا- .

فإن قيل لما ذا قال- و لو لم أك فيكم- لما قوتل أهل الجمل و أهل النهروان- و لم يذكر صفين- قيل لأن الشبهة كانت في أهل الجمل و أهل النهروان- ظاهرة الالتباس- لأن الزبير و طلحة موعودان بالجنة- و عائشة موعودة أن تكون زوجة رسول الله ص في الآخرة- كما هي زوجته في الدنيا- و حال طلحة و الزبير في السبق و الجهاد و الهجرة معلومة- و حال عائشة في محبة الرسول ص لها و ثنائه عليها- و نزول القرآن فيها معلومة- و أما أهل النهروان فكانوا أهل قرآن و عبادة و اجتهاد- و عزوف عن الدنيا و إقبال على أمور الآخرة- و هم كانوا قراء أهل العراق و زهادهم- و أما معاوية فكان فاسقا- مشهورا بقلة الدين و الانحراف عن الإسلام- و كذلك ناصره و مظاهره على أمره عمرو بن العاص- و من اتبعهما من طغام أهل الشام- و أجلافهم و جهال الأعراب- فلم يكن أمرهم خافيا في جواز محاربتهم- و استحلال قتالهم- بخلاف حال من تقدم ذكره- .

فإن قيل و من هذا الرجل الموعود به- الذي قال ع عنه بأبي ابن خيرة الإماء- قيل أما الإمامية فيزعمون أنه إمامهم الثاني عشر- و أنه ابن أمة اسمها نرجس- و أما أصحابنا فيزعمون أنه فاطمي- يولد في مستقبل الزمان لأم ولد- و ليس بموجود الآن- . فإن قيل فمن يكون من بني أمية في ذلك الوقت موجودا- حتى يقول ع في أمرهم ما قال- من انتقام هذا الرجل منهم- حتى يودوا لو أن عليا ع كان المتولي لأمرهم عوضا عنه- .

قيل أما الإمامية فيقولون بالرجعة- و يزعمون أنه سيعاد قوم بأعيانهم من بني أمية و غيرهم- إذا ظهر إمامهم المنتظر- و أنه يقطع أيدي أقوام و أرجلهم- و يسمل عيون بعضهم و يصلب قوما آخرين- و ينتقم من أعداء آل محمد ع المتقدمين و المتأخرين- و أما أصحابنا فيزعمون- أنه سيخلق الله تعالى في آخر الزمان رجلا- من ولد فاطمة ع ليس موجود الآن- و أنه يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا و ظلما- و ينتقم من الظالمين و ينكل بهم أشد النكال- و أنه لأم ولد- كما قد ورد في هذا الأثر و في غيره من الآثار- و أن اسمه محمد كاسم رسول الله ص- و أنه إنما يظهر بعد أن يستولي على كثير من الإسلام- ملك من أعقاب بني أمية- و هو السفياني الموعود به في الخبر الصحيح- من ولد أبي سفيان بن حرب بن أمية- و أن الإمام الفاطمي يقتله- و يقتل أشياعه من بني أمية و غيرهم- و حينئذ ينزل المسيح ع من السماء- و تبدو أشراط الساعة- و تظهر دابة الأرض و يبطل التكليف- و يتحقق قيام الأجساد عند نفخ الصور- كما نطق به الكتاب العزيز- .

فإن قيل فإنكم قلتم فيما تقدم- أن الوعد إنما هو بالسفاح- و بعمه عبد الله بن علي و المسودة- و ما قلتموه الآن مخالف لذلك- . قيل إن ذلك التفسير هو تفسير ما ذكره الرضي- رحمه الله تعالى من كلام أمير المؤمنين ع في نهج البلاغة- و هذا التفسير هو تفسير الزيادة التي لم يذكرها الرضي- و هي قوله بأبي ابن خيرة الإماء- و قوله لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا- فلا مناقضة بين التفسيرين

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن‏ أبي ‏الحديد) ج 7 

Show More

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

Back to top button
-+=