8: و من كلام له ع يعني به الزبير في حال اقتضت ذلك
– يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ بَايَعَ بِيَدِهِ وَ لَمْ يُبَايِعْ بِقَلْبِهِ- فَقَدْ أَقَرَّ بِالْبَيْعَةِ وَ ادَّعَى الْوَلِيجَةَ- فَلْيَأْتِ عَلَيْهَا بِأَمْرٍ يُعْرَفُ- وَ إِلَّا فَلْيَدْخُلْ فِيمَا خَرَجَ مِنْهُ الوليجة البطانة و الأمر يسر و يكتم- قال الله سبحانه- وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً- كان الزبير يقول بايعت بيدي لا بقلبي- و كان يدعي تارة أنه أكره- و يدعي تارة أنه ورى في البيعة تورية- و نوى دخيلة و أتى بمعاريض لا تحمل على ظاهرها- فقال ع هذا الكلام إقرار منه بالبيعة- و ادعاء أمر آخر لم يقم عليه دليلا و لم ينصب له برهانا- فإما أن يقيم دليلا على فساد البيعة الظاهرة- و أنها غير لازمة له- و إما أن يعاود طاعته- .
قال علي ع للزبير يوم بايعه- إني لخائف أن تغدر بي و تنكث بيعتي- قال لا تخافن فإن ذلك لا يكون مني أبدا- فقال ع فلي الله عليك بذلك راع و كفيل- قال نعم الله لك علي بذلك راع و كفيل أمر طلحة و الزبير مع علي بن أبي طالب بعد بيعتهما له لما بويع علي ع كتب إلى معاوية- أما بعد فإن الناس قتلوا عثمان عن غير مشورة مني- و بايعوني عن مشورة منهم و اجتماع- فإذا أتاك كتابي فبايع لي- و أوفد إلي أشراف أهل الشام قبلك – فلما قدم رسوله على معاوية و قرأ كتابه- بعث رجلا من بني عميس- و كتب معه كتابا إلى الزبير بن العوام- و فيه بسم الله الرحمن الرحيم- لعبد الله الزبير أمير المؤمنين- من معاوية بن أبي سفيان- سلام عليك أما بعد فإني قد بايعت لك أهل الشام- فأجابوا و استوسقوا كما يستوسق الجلب- فدونك الكوفة و البصرة لا يسبقك إليها ابن أبي طالب- فإنه لا شيء بعد هذين المصرين- و قد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك- فأظهرا الطلب بدم عثمان و ادعوا الناس إلى ذلك- و ليكن منكما الجد و التشمير- أظفركما الله و خذل مناوئكما- . فلما وصل هذا الكتاب إلى الزبير سر به- و أعلم به طلحة و أقرأه إياه- فلم يشكا في النصح لهما من قبل معاوية- و أجمعا عند ذلك على خلاف علي ع- . جاء الزبير و طلحة إلى علي ع بعد البيعة بأيام- فقالا له يا أمير المؤمنين- قد رأيت ما كنا فيه من الجفوة في ولاية عثمان كلها- و علمت رأي عثمان كان في بني أمية- و قد ولاك الله الخلافة من بعده- فولنا بعض أعمالك- فقال لهما ارضيا بقسم الله لكما حتى أرى رأيي- و اعلما أني لا أشرك في أمانتي- إلا من أرضى بدينه و أمانته من أصحابي- و من قد عرفت دخيلته- . فانصرفا عنه و قد دخلهما اليأس فاستأذناه في العمرة- .
طلب طلحة و الزبير من علي ع أن يوليهما المصرين- البصرة و الكوفة- فقال حتى أنظر- ثم استشار المغيرة بن شعبة- فقال له أرى أن توليهما إلى أن يستقيم لك أمر الناس- فخلا بابن عباس و قال ما ترى- قال يا أمير المؤمنين إن الكوفة و البصرة عين الخلافة- و بهما كنوز الرجال- و مكان طلحة و الزبير من الإسلام ما قد علمت- و لست آمنهما إن وليتهما أن يحدثا أمرا- فأخذ علي ع برأي ابن عباس- و قد كان استشار المغيرة أيضا في أمر معاوية- فقال له أرى إقراره على الشام- و أن تبعث إليه بعده إلى أن يسكن شغب الناس- و لك بعد رأيك- فلم يأخذ برأيه- . فقال المغيرة بعد ذلك- و الله ما نصحته قبلها و لا أنصحه بعدها ما بقيت- .
دخل الزبير و طلحة على علي ع فاستأذناه في العمرة- فقال ما العمرة تريدان- فحلفا له بالله أنهما ما يريدان غير العمرة- فقال لهما ما العمرة تريدان- و إنما تريدان الغدرة و نكث البيعة- فحلفا بالله ما الخلاف عليه و لا نكث بيعة يريدان- و ما رأيهما غير العمرة- قال لهما فأعيدا البيعة لي ثانية- فأعاداها بأشد ما يكون من الإيمان و المواثيق فأذن لهما- فلما خرجا من عنده قال لمن كان حاضرا- و الله لا ترونهما إلا في فتنة يقتتلان فيها- قالوا يا أمير المؤمنين فمر بردهما عليك- قال ليقضي الله أمرا كان مفعولا- لما خرج الزبير و طلحة من المدينة إلى مكة- لم يلقيا أحدا إلا و قالا له ليس لعلي في أعناقنا بيعة- و إنما بايعناه مكرهين- فبلغ عليا ع قولهما- فقال أبعدهما الله و أغرب دارهما- أما و الله لقد علمت أنهما سيقتلان أنفسهما أخبث مقتل- و يأتيان من وردا عليه بأشأم يوم- و الله ما العمرة يريدان- و لقد أتياني بوجهي فاجرين- و رجعا بوجهي غادرين ناكثين- و الله لا يلقيانني بعد اليوم إلا في كتيبة خشناء- يقتلان فيها أنفسهما فبعدا لهما و سحقا و ذكر أبو مخنف في كتاب الجمل أن عليا ع خطب لما سار الزبير و طلحة من مكة- و معهما عائشة يريدون البصرة فقال أيها الناس- إن عائشة سارت إلى البصرة و معها طلحة و الزبير- و كل منهما يرى الأمر له دون صاحبه- أما طلحة فابن عمها و أما الزبير فختنها- و الله لو ظفروا بما أرادوا- و لن ينالوا ذلك أبدا- ليضربن أحدهما عنق صاحبه بعد تنازع منهما شديد- و الله إن راكبة الجمل الأحمر- ما تقطع عقبة و لا تحل عقدة- إلا في معصية الله و سخطه- حتى تورد نفسها و من معها موارد الهلكة- إي و الله ليقتلن ثلثهم و ليهربن ثلثهم- و ليتوبن ثلثهم- و إنها التي تنبحها كلاب الحوأب- و إنهما ليعلمان أنهما مخطئان- و رب عالم قتله جهله و معه علمه لا ينفعه- و حسبنا الله و نعم الوكيل- فقد قامت الفتنة فيها الفئة الباغية- أين المحتسبون أين المؤمنون ما لي و لقريش- أما و الله لقد قتلتهم كافرين و لأقتلنهم مفتونين- و ما لنا إلى عائشة من ذنب إلا أنا أدخلناها في حيزنا- و الله لأبقرن الباطل حتى يظهر الحق من خاصرته- فقل لقريش فلتضج ضجيجها ثم نزل برز علي ع يوم الجمل- و نادى بالزبير يا أبا عبد الله مرارا فخرج الزبير- فتقاربا حتى اختلفت أعناق خيلهما- فقال له علي ع إنما دعوتك لأذكرك حديثا- قاله لي و لك رسول الله ص- أ تذكر يوم رآك و أنت معتنقي فقال لك أ تحبه- قلت و ما لي لا أحبه و هو أخي و ابن خالي- فقال أما إنك ستحاربه و أنت ظالم له – فاسترجع الزبير- و قال أذكرتني ما أنسانيه الدهر و رجع إلى صفوفه- فقال له عبد الله ابنه- لقد رجعت إلينا بغير الوجه الذي فارقتنا به- فقال أذكرني علي حديثا أنسانيه الدهر فلا أحاربه أبدا- و إني لراجع و تارككم منذ اليوم- فقال له عبد الله- ما أراك إلا جبنت عن سيوف بني عبد المطلب- إنها لسيوف حداد تحملها فتية أنجاد- فقال الزبير ويلك أ تهيجني على حربه- أما إني قد حلفت ألا أحاربه- قال كفر عن يمينك- لا تتحدث نساء قريش أنك جبنت و ما كنت جبانا- فقال الزبير غلامي مكحول حر كفارة عن يميني- ثم أنصل سنان رمحه- و حمل على عسكر علي ع برمح لا سنان له- فقال علي ع أفرجوا له فإنه محرج- ثم عاد إلى أصحابه ثم حمل ثانية ثم ثالثة- ثم قال لابنه أ جبنا ويلك ترى فقال لقد أعذرت- . لما أذكر علي ع الزبير بما أذكره به و رجع الزبير قال-
نادى علي بأمر لست أنكره
و كان عمر أبيك الخير مذ حين
فقلت حسبك من عذل أبا حسن
بعض الذي قلت منذ اليوم يكفيني
ترك الأمور التي تخشى مغبتها
و الله أمثل في الدنيا و في الدين
فاخترت عارا على نار مؤججة
أنى يقوم لها خلق من الطين
لما خرج علي ع لطلب الزبير خرج حاسرا- و خرج إليه الزبير دارعا مدججا- فقال للزبير يا أبا عبد الله- قد لعمري أعددت سلاحا- و حبذا فهل أعددت عند الله عذرا- فقال الزبير إن مردنا إلى الله- قال علي ع- يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق- و يعلمون أن الله هو الحق المبين- ثم أذكره الخبر- فلما كر الزبير راجعا إلى أصحابه نادما واجما- رجع علي ع إلى أصحابه جذلا مسرورا- فقال له أصحابه يا أمير المؤمنين- تبرز إلى الزبير حاسرا و هو شاك في السلاح- و أنت تعرف شجاعته- قال إنه ليس بقاتلي- إنما يقتلني رجل خامل الذكر ضئيل النسب- غيلة في غير مأقط حرب و لا معركة رجال- ويلمه أشقى البشر- ليودن أن أمه هبلت به- أما إنه و أحمر ثمود لمقرونان في قرن- . لما انصرف الزبير عن حرب علي ع مر بوادي السباع- و الأحنف بن قيس هناك في جمع من بني تميم- قد اعتزل الفريقين- فأخبر الأحنف بمرور الزبير فقال رافعا صوته- ما أصنع بالزبير لف غارين من المسلمين- حتى أخذت السيوف منهما مأخذها انسل و تركهم- أما إنه لخليق بالقتل قتله الله- فاتبعه عمرو بن جرموز و كان فاتكا- فلما قرب منه وقف الزبير و قال ما شأنك- قال جئت لأسألك عن أمر الناس- قال الزبير إني تركتهم قياما في الركب- يضرب بعضهم وجه بعض بالسيف- فسار ابن جرموز معه و كل واحد منهما يتقي الآخر- فلما حضرت الصلاة قال الزبير يا هذا إنا نريد أن نصلي- . فقال ابن جرموز و أنا أريد ذلك- فقال الزبير فتؤمني و أؤمنك قال نعم- فثنى الزبير رجله و أخذ وضوءه- فلما قام إلى الصلاة شد ابن جرموز عليه فقتله- و أخذ رأسه و خاتمه و سيفه و حثا عليه ترابا يسيرا- و رجع إلى الأحنف فأخبره- فقال و الله ما أدري أسأت أم أحسنت- اذهب إلى علي ع فأخبره- فجاء إلى علي ع فقال للآذن قل له عمرو بن جرموز بالباب- و معه رأس الزبير و سيفه- فأدخله- و في كثير من الروايات أنه لم يأت بالرأس بل بالسيف- فقال له و أنت قتلته قال نعم- قال و الله ما كان ابن صفية جبانا و لا لئيما- و لكن الحين و مصارع السوء-
ثم قال ناولني سيفه فناوله فهزه- و قال سيف طالما جلى به الكرب عن وجه رسول الله ص- فقال ابن جرموز الجائزة يا أمير المؤمنين- فقال أما إني سمعت رسول الله ص يقول- بشر قاتل ابن صفية بالنار
– فخرج ابن جرموز خائبا و قال-
أتيت عليا برأس الزبير
أبغي به عنده الزلفه
فبشر بالنار يوم الحساب
فبئست بشارة ذي التحفه
فقلت له إن قتل الزبير
لو لا رضاك من الكلفه
فإن ترض ذاك فمنك الرضا
و إلا فدونك لي حلفه
و رب المحلين و المحرمين
و رب الجماعة و الألفه
لسيان عندي قتل الزبير
و ضرطة عنز بذي الجحفه
ثم خرج ابن جرموز على علي ع مع أهل النهر- فقتله معهم فيمن قتل