72 و من كلام له ع قاله لمروان بن الحكم بالبصرة
قَالُوا: أُخِذَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ أَسِيراً يَوْمَ الْجَمَلِ- فَاسْتَشْفَعَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ ع إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع- فَكَلَّمَاهُ فِيهِ فَخَلَّى سَبِيلَهُ فَقَالَا لَهُ- يُبَايِعُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ ع- أَ وَ لَمْ يُبَايِعْنِي بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ- لَا حَاجَةَ لِي فِي بَيْعَتِهِ إِنَّهَا كَفٌ يَهُودِيَّةٌ- لَوْ بَايَعَنِي بِيَدِهِ لَغَدَرَ بِسَبَّتِهِ- أَمَا إِنَّ لَهُ إِمْرَةً كَلَعْقَةِ الْكَلْبِ أَنْفَهُ- وَ هُوَ أَبُو الْأَكْبَشِ الْأَرْبَعَةِ- وَ سَتَلْقَى الْأُمَّةُ مِنْهُ وَ مِنْ وُلْدِهِ يَوْماً أَحْمَرَ قد روي هذا الخبر من طرق كثيرة- و رويت فيه زيادة لم يذكرها صاحب نهج البلاغة-و هي قوله ع في مروان يحمل راية ضلالة بعد ما يشيب صدغاه- و إن له إمرة- إلى آخر الكلام- . و قوله فاستشفع الحسن و الحسين إلى أمير المؤمنين ع- هو الوجه يقال استشفعت فلانا إلى فلان- أي سألته أن يشفع لي إليه- و تشفعت إلى فلان في فلان- فشفعني فيه تشفيعا- و قول الناس استشفعت بفلان إلى فلان بالباء- ليس بذلك الجيد- . و قول أمير المؤمنين ع أ و لم يبايعني بعد قتل عثمان- أي و قد غدر و هكذا لو بايعني الآن- .
و معنى قوله إنها كف يهودية أي غادرة- و اليهود تنسب إلى الغدر و الخبث- و قال تعالى- لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ- . و السبة الاست بفتح السين- سبه يسبه أي طعنه في الموضع- و معنى الكلام محمول على وجهين- .
أحدهما أن يكون ذكر السبة إهانة له و غلظة عليه- و العرب تسلك مثل ذلك في خطبها و كلامها- قال المتوكل لأبي العيناء إلى متى تمدح الناس و تذمهم- فقال ما أحسنوا و أساءوا- ثم قال يا أمير المؤمنين- إن الله تعالى رضي عن واحد فمدحه- و سخط على آخر فهجاه و هجا أمه- قال نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ- و قال عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ- و الزنيم ولد الزنا- .
الوجه الثاني أن يريد بالكلام حقيقة لا مجازا- و ذلك لأن الغادر من العرب كان- إذا عزم على الغدر بعد عهد قد عاهده أو عقد قد عقده- حبق استهزاء بما كان- قد أظهره من اليمين و العهد و سخرية و تهكما- . و الإمرة الولاية بكسر الهمزة و قوله كلعقة الكلب أنفه يريد قصر المدة- و كذلك كانت مدة خلافة مروان فإنه ولي تسعة أشهر- . و الأكبش الأربعة بنو عبد الملك- الوليد و سليمان و يزيد و هشام- و لم يل الخلافة من بني أمية- و لا من غيرهم أربعة إخوة إلا هؤلاء- . و كل الناس فسروا الأكبش الأربعة بمن ذكرناه- و عندي أنه يجوز أن يعني بهبني مروان لصلبه- و هم عبد الملك و عبد العزيز و بشر و محمد- و كانوا كباشا أبطالا أنجادا- أما عبد الملك فولي الخلافة- و أما بشر فولي العراق- و أما محمد فولي الجزيرة- و أما عبد العزيز فولي مصر- و لكل منهم آثار مشهورة- و هذا التفسير أولى- لأن الوليد و إخوته أبناء ابنه و هؤلاء بنوه لصلبه- .
و يقال لليوم الشديد يوم أحمر- و للسنة ذات الجدب سنة حمراء- . و كل ما أخبر به أمير المؤمنين ع في هذا الكلام وقع- كما أخبر به- و كذلك قوله- يحمل راية ضلالة بعد ما يشيب صدغاه- فإنه ولي الخلافة- و هو ابن خمسة و ستين في أعدل الروايات
مروان بن الحكم و نسبه و أخباره
و نحن ذاكرون في هذا الموضع نسبه- و جملا من أمره و ولايته للخلافة و وفاته على سبيل الاختصار- . هو مروان بن الحكم بن أبي العاص- بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف- و أمه آمنة بنت علقمة بن صفوان بن أمية الكناني- يكنى أبا عبد الملك ولد على عهد رسول الله ص- منذ سنة اثنتين من الهجرة و قيل عام الخندق- و قيل يوم أحد و قيل غير ذلك- و قال قوم بل ولد بمكة و قيل ولد بالطائف- ذكر ذلك كله أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب- . قال أبو عمر و ممن قال بولادته يوم أحد مالك بن أنس- و على قوله يكون رسول الله ص قد توفي- و عمره ثمان سنين أو نحوها- .
و قيل إنه لما نفي مع أبيه إلى الطائف كان طفلا لا يعقل- و إنه لم ير رسول الله ص و كان الحكم أبوه قد طرده رسول الله عن المدينة- و سيره إلى الطائف فلم يزل بها حتى ولي عثمان- فرده إلى المدينة فقدمها هو و ولده في خلافة عثمان- و توفي فاستكتبه عثمان و ضمه إليه- فاستولى عليه إلى أن قتل- . و الحكم بن أبي العاص هو عم عثمان بن عفان- كان من مسلمة الفتح و من المؤلفة قلوبهم- و توفي الحكم في خلافة عثمان قبل قتله بشهور- .
و اختلف في السبب الموجب لنفي رسول الله ص- فقيل إنه كان يتحيل و يستخفي- و يتسمع ما يسره رسول الله ص إلى أكابر الصحابة- في مشركي قريش و سائر الكفار و المنافقين- و يفشي ذلك عنه حتى ظهر ذلك عنه- . و قيل كان يتجسس على رسول الله ص و هو عند نسائه- و يسترق السمع- و يصغي إلى ما يجري هناك- مما لا يجوز الاطلاع عليه- ثم يحدث به المنافقين على طريق الاستهزاء- .
و قيل كان يحكيه في بعض مشيته و بعض حركاته- فقد قيل إن النبي ص كان إذا مشى يتكفأ- و كان الحكم بن أبي العاص يحكيه- و كان شانئا له مبغضا حاسدا- فالتفت رسول الله ص يوما- فرآه يمشي خلفه يحكيه في مشيته-فقال له كذلك فلتكن يا حكم- فكان الحكم مختلجا يرتعش من يومئذ- فذكر ذلك عبد الرحمن بن حسان بن ثابت- فقال لعبد الرحمن بن الحكم يهجوه-
إن اللعين أبوك فارم عظامه
إن ترم ترم مخلجا مجنونا
يمشي خميص البطن من عمل التقى
و يظل من عمل الخبيث بطينا
قال صاحب الإستيعاب- أما قول عبد الرحمن بن حسان إن اللعين أبوك- فإنه روي عن عائشة من طرق ذكرها ابن أبي خيثمة و غيره- أنها قالت لمروان إذ قال في أخيها عبد الرحمن- إنه أنزل فيه وَ الَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما- أَ تَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَ قَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي- وَ هُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ- فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ- أما أنت يا مروان- فأشهد أن رسول الله ص لعن أباك و أنت في صلبه- .
و روى صاحب كتاب الإستيعاب بإسناد ذكره عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله ص قال يدخل عليكم رجل لعين- قال عبد الله و كنت قد رأيت أبي يلبس ثيابه- ليقبل إلى رسول الله ص- فلم أزل مشفقا أن يكون أول من يدخل- فدخل الحكم بن أبي العاصقال صاحب الإستيعاب و نظر علي ع يوما إلى مروان- فقال له ويل لك و ويل لأمة محمد منك- و من بنيك إذا شاب صدغاك- و كان مروان يدعىخيط باطل- قيل لأنه كان طويلا مضطربا- . و ضرب يوم الدار على قفاه فخر لفيه- فلما بويع له بالخلافة- قال فيه أخوه عبد الرحمن بن الحكم و كان ماجنا شاعرا محسنا و كان لا يرى رأي مروان-
فو الله ما أدري و إني لسائل
حليلة مضرب القفا كيف تصنع
لحا الله قوما أمروا خيط باطل
على الناس يعطي ما يشاء و يمنع
و قيل إنما قال له أخوه عبد الرحمن ذلك- حين ولاه معاوية إمرة المدينة- و كان كثيرا ما يهجوه و من شعره فيه-
وهبت نصيبي منك يا مرو كله
لعمرو و مروان الطويل و خالد
و رب ابن أم زائد غير ناقص
و أنت ابن أم ناقص غير زائد
و قال مالك بن الريب يهجو مروان بن الحكم-
لعمرك ما مروان يقضي أمورنا
و لكن ما يقضي لنا بنت جعفر
فيا ليتها كانت علينا أميره
و ليتك يا مروان أمسيت ذاحر
و من شعر أخيه عبد الرحمن فيه-
ألا من يبلغن مروان عني
رسولا و الرسول من البيان
بأنك لن ترى طردا لحر
كإلصاق به بعض الهوان
و هل حدثت قبلي عن كريم
معين في الحوادث أو معان
يقيم بدار مضيعة إذا لم
يكن حيران أو خفق الجنان
فلا تقذف بي الرجوين إني
أقل القوم من يغني مكاني
سأكفيك الذي استكفيت مني
بأمر لا تخالجه اليدان
فلو أنا بمنزلة جرينا
جريت و أنت مضطرب العنان
و لو لا أن أم أبيك أمي
و أن من قد هجاك فقد هجاني
لقد جاهرت بالبغضاء إني
إلى أمر الجهارة و العلان
و لما صار أمر الخلافة إلى معاوية ولى مروان المدينة- ثم جمع له إلى المدينة مكة و الطائف- ثم عزله و ولى سعيد بن العاص- فلما مات يزيد بن معاوية- و ولي ابنه أبو ليلى معاوية بن يزيد في سنة أربع و ستين- عاش في الخلافة أربعين يوما و مات- فقالت له أمه أم خالد بنت أبي هاشم- بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس- اجعل الخلافة من بعدك لأخيك فأبى و قال- لا يكون لي مرها و لكم حلوها- فوثب مروان عليها و أنشد-
إني أرى فتنة تغلي مراجلها
و الملك بعد أبي ليلى لمن غلبا
و ذكر أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني- في كتاب الأغاني- أن معاوية لما عزل مروان بن الحكم- عن إمرة المدينة و الحجاز و ولى مكانه سعيد بن العاص- وجه مروان أخاه عبد الرحمن بن الحكم أمامه إلى معاوية- و قال له ألقه قبلي فعاتبه لي و استصلحه- . قال أبو الفرج و قد روي أن عبد الرحمن كان بدمشق يومئذ- فلما بلغه خبر عزل مروان- و قدومه إلى الشام خرج و تلقاه- و قال له أقم حتى أدخل إلى أخيك- فإن كان عزلك عن موجدة دخلت إليه منفردا- و إن كان عن غير موجدة دخلت إليه مع الناس-فأقام مروان و مضى عبد الرحمن- فلما قدم على معاوية دخل إليه و هو يعشي الناس فأنشده-
أتتك العيس تنفخ في براها
تكشف عن مناكبها القطوع
بأبيض من أمية مضرحي
كأن جبينه سيف صنيع
فقال له معاوية أ زائرا جئت أم مفاخرا مكابرا- فقال أي ذلك شئت- فقال ما أشاء من ذلك شيئا- و أراد معاوية أن يقطعه عن كلامه الذي عن له- فقال له على أي ظهر جئتنا- فقال على فرس قال ما صفته قال أجش هزيم- يعرض بقول النجاشي في معاوية يوم صفين-
و نجا ابن حرب سابح ذو علالة
أجش هزيم و الرماح دوان
إذا قلت أطراف الرماح تناله
مرته له الساقان و القدمان
فغضب معاوية و قال- إلا أنه لا يركبه صاحبه في الظلم إلى الريب- و لا هو ممن يتسور على جاراته- و لا يتوثب بعد هجعة الناس على كنائنه- و كان عبد الرحمن يتهم بذلك في امرأة أخيه- فخجل عبد الرحمن و قال يا أمير المؤمنين- ما حملك على عزل ابن عمك الخيانة أوجبت ذلك- أم لرأي رأيته و تدبير استصلحته- قال بل لتدبير استصلحته قال فلا بأس بذلك- فخرج من عنده فلقي أخاه مروان- فأخبره بما دار بينه و بين معاوية- فاستشاط غيظا و قال لعبد الرحمن- قبحك الله ما أضعفك- عرضت للرجل بما أغضبه حتى إذا انتصر منك أحجمت عنه- ثم لبس حلته و ركب فرسه و تقلد سيفه و دخل على معاوية-
فقال له حين رآه و تبين الغضب في وجهه- مرحبا بأبي عبد الملك لقد زرتنا عند اشتياق منا إليك- فقال لا ها الله ما زرتك لذلك- و لا قدمت عليك فألفيتك إلا عاقا قاطعا- و الله ما أنصفتنا و لا جزيتنا جزاءنا- لقد كانت السابقة من بني عبد شمس لآل أبي العاص- و الصهر عن رسول الله ص لهم و الخلافة منهم- فوصلوكم يا بني حرب و شرفوكم و ولوكم- فما عزلوكم و لا آثروا عليكم- حتى إذا وليتم و أفضى الأمر إليكم أبيتم- إلا أثرة و سوء صنيعة و قبح قطيعة فرويدا رويدا- فقد بلغ بنو الحكم و بنو بنيه نيفا و عشرين- و إنما هي أيام قلائل حتى يكملوا أربعين- ثم يعلم امرؤ ما يكون منهم حينئذ- ثم هم للجزاء بالحسنى و السوء بالمرصاد- . قال أبو الفرج هذا رمز إلىقول رسول الله ص إذا بلغ بنو أبي العاص أربعين رجلا- اتخذوا مال الله دولا و عباد الله خولا- فكان بنو أبي العاص يذكرون- أنهم سيلون أمر الأمة إذا بلغوا هذه العدة- .
قال أبو الفرج فقال له معاوية مهلا أبا عبد الملك- إني لم أعزلك عن خيانة و إنما عزلتك لثلاثة- لو لم يكن منهن إلا واحدة لأوجبت عزلك- إحداهن أني أمرتك على عبد الله بن عامر- و بينكما ما بينكما فلن تستطيع أن تشتفي منه- و الثانية كراهيتك لإمرة زياد- و الثالثة أن ابنتي رملة- استعدتك على زوجها عمرو بن عثمان فلم تعدها- فقال مروان أما ابن عامر فإني لا أنتصر منه في سلطاني- و لكن إذا تساوت الأقدام علم أين موقعه- و أما كراهتي لإمرة زياد فإن سائر بني أمية كرهوه- و جعل الله لنا في ذلك الكره خيرا كثيرا- و أما استعداء رملة على عمرو- فو الله إنه ليأتي علي سنة أو أكثر و عندي بنت عثمان- فما أكشف لها ثوبا يعرض- بأن رملة إنما تستعدي على عمرو بن عثمان طلب النكاح- فغضب معاوية فقال يا ابن الوزغ لست هناك- فقال مروان هو ما قلت لك و إني الآن لأبو عشرة- و أخو عشرة و عم عشرة- و قد كاد ولد أبي أن يكملوا العدة يعني أربعين- و لو قد بلغوها لعلمت أين تقع مني فانخزل معاوية و قال-
فإن أك في شراركم قليلا
فإني في خياركم كثير
بغاث الطير أكثرها فراخا
و أم الصقر مقلات نزور
ثم استخذى معاوية في يد مروان و خضع- و قال لك العتبى و أنا رادك إلى عملك- فوثب مروان و قال كلا و عيشك لا رأيتني عائدا و خرج- . فقال الأحنف لمعاوية ما رأيت قط لك سقطة مثلها- ما هذا الخضوع لمروان- و أي شيء يكون منه و من بني أبيه إذا بلغوا أربعين- و ما الذي تخشاه منهم فقال- ادن مني أخبرك ذلك فدنا الأحنف منه فقال له- إن الحكم بن أبي العاص كان أحد من قدم مع أختي أم حبيبة- لما زفت إلى رسول الله ص و هو يتولى نقلها إليه- فجعل رسول الله ص يحد النظر إليه- فلما خرج من عنده- قيل يا رسول الله لقد أحددت النظر إلى الحكم- فقال ابن المخزومية- ذاك رجل إذا بلغ بنو أبيه ثلاثين أو أربعين- ملكوا الأمر من بعدي- فو الله لقد تلقاها مروان من عين صافية- فقال الأحنف رويدا يا أمير المؤمنين- لا يسمع هذا منك أحد- فإنك تضع من قدرك و قدر ولدك بعدك- و إن يقض الله أمرا يكن- فقالمعاوية اكتمها يا أبا بحر علي إذا- فقد لعمرك صدقت و نصحت- . و ذكر شيخنا أبو عثمان الجاحظ في كتاب- مفاخرة هاشم و عبد شمس- أن مروان كان يضعف- و أنه كان ينشد يوم مرج راهط و الرءوس تندر عن كواهلها-
و ما ضرهم غير حين النفوس
أي غلامي قريش غلب
قال و هذا حمق شديد و ضعف عظيم- قال و إنما ساد مروان و ذكر بابنه عبد الملك- كما ساد بنوه و لم يكن في نفسه هناك- . فأما خلافة مروان- فذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في التاريخ- أن عبد الله بن الزبير لما أخرج بني أمية- عن الحجاز إلى الشام في خلافة يزيد بن معاوية- خرجوا و فيهم مروان و ابنه عبد الملك- و لم تطل مدة يزيد فتوفي- و مات ابنه بعده بأيام يسيرة- و كان من رأي مروان أن يدخل إلى ابن الزبير بمكة- فيبايعه بالخلافة فقدم عبيد الله بن زياد- و قد أخرجه أهل البصرة عنها بعد وفاة يزيد- فاجتمع هو و بنو أمية و أخبروه بما قد أجمع عليه مروان- فجاء إليه و قال- استجبت لك يا أبا عبد الملك فما يريد- أنت كبير قريش و سيدها تصنع ما تصنع- و تشخص إلى أبي خبيب فتبايعه بالخلافة- فقال مروان ما فات شيء بعد فقام مروان- و اجتمع إليه بنو أمية و مواليهم- و عبيد الله بن زياد و كثير من أهل اليمن و كثير من كلب- فقدم دمشق و عليها الضحاك بن قيس الفهري- قد بايعه الناس على أن يصلي بهم و يقيم لهم أمرهم- حتى يجتمع الناس على إمام- و كان هوى الضحاك مع ابن الزبير إلا أنه لم يبايع له بعد- و كان زفر بن الحارث الكلابي بقنسرين- يخطب لابن الزبير- و النعمان بن بشير الأنصاري بحمص يخطب لابن الزبير- و كان حسان بن مالك بن بحدل الكلبي بفلسطين- يهوى هوى بني أمية- ثم من بينهم بني حرب لأنه كان عاملا لمعاوية- ثم ليزيد بن معاوية من بعده- و كان حسان بن مالك مطاعا في قومه عظيما عندهم- فخرج عن فلسطين يريد الأردن- و استخلف على فلسطين روح بن زنباع الجذامي- فوثب عليه بعد شخوص حسان بن مالك- و ناتل بن قيس الجذامي أيضا- فأخرجه عن فلسطين و خطب لابن الزبير و كان له فيه هوى- فاستوثقت الشام كلها لابن الزبير ما عدا الأردن- فإن حسان بن مالك الكلبي كان يهوى هوى بني أمية- و يدعو إليهم فقام في أهل الأردن فخطبهم و قال لهم- ما شهادتكم على ابن الزبير و قتلى المدينة بالحرة- قالوا نشهد أن ابن الزبير كان منافقا- و أن قتلى أهل المدينة بالحرة في النار- قال فما شهادتكم على يزيد بن معاوية و قتلاكم بالحرة- قالوا نشهد أن يزيد بن معاوية كان مؤمنا- و كان قتلانا بالحرة في الجنة- قال و أنا أشهد أنه إن كان دين يزيد بن معاوية و هو حي حقا- إنه اليوم لعلى حق هو و شيعته- و إن كان ابن الزبير يومئذ هو و شيعته على باطل- إنه اليوم و شيعته على باطل قالوا صدقت- نحن نبايعك على أن نقاتل معك من خالفك من الناس- و أطاع ابن الزبير على أن تجنبنا ولاية هذين الغلامين- ابني يزيد بن معاوية و هما خالد و عبد الله- فإنهما حديثة أسنانهما- و نحن نكره أن يأتينا الناس بشيخ و نأتيهم بصبي- .
قال و قد كان الضحاك بن قيس يوالي ابن الزبير باطنا- و يهوى هواه و يمنعه إظهار ذلك بدمشق و البيعة له- أن بني أمية و كلبا كانوا بحضرته- و كلب أخوال يزيد بن معاوية و بنيه و يطلبون الإمرة لهم- فكان الضحاك يعمل في ذلك سرا- و بلغ حسان بن مالك بن بحدل ما أجمع عليه الضحاك- فكتب إليه كتابا يعظم فيه حق بني أمية- و يذكر الطاعة و الجماعة- و حسن بلاء بني أمية عنده و صنيعهم إليه- و يدعوه إلى بيعتهم و طاعتهم- و يذكر ابن الزبير و يقع فيه و يشتمه- و يذكر أن منافق قد خلع خليفتين- و أمره أن يقرأ كتابه على الناس- ثم دعا رجلا من كلب يقال له ناغضة- فسرح بالكتاب معه إلى الضحاك بن قيس- و كتب حسان نسخة ذلك الكتاب و دفعه إلى ناغضة- و قال له إن قرأ الضحاك كتابي على الناس- و إلا فقم أنت و اقرأ هذا الكتاب عليهم- و كتب حسان إلى بني أمية يأمرهم أن يحضروا ذلك- فقدم ناغضة بالكتاب على الضحاك فدفعه إليه- و دفع كتاب بني أمية إليهم سرا- .
فلما كان يوم الجمعة و صعد الضحاك على المنبر- و قدم إليه ناغضة فقال أصلح الله الأمير- ادع بكتاب حسان فاقرأه على الناس- فقال له الضحاك اجلس فجلس- ثم قام ثانية فتكلم مثل ذلك فقال له اجلس فجلس- ثم قام ثالثة و كان كالثانية و الأولى- فلما رآه ناغضة لا يقرأ الكتاب أخرج الكتاب الذي معه- فقرأه على الناس فقام الوليد بن عتبة بن أبي سفيان- فصدق حسان و كذب ابن الزبير و شتمه- و قام يزيد بن أبي النمس الغساني- فصدق مقالة حسان و كتابه و شتم ابن الزبير- و قام سفيان بن أبرد الكلبي- فصدق مقالة حسان و شتم ابن الزبير- و قام عمر بن يزيد الحكمي فشتم حسان- و أثنى على ابن الزبير- فاضطرب الناس و نزل الضحاك بن قيس- فأمر بالوليد بن عتبة و سفيان بن الأبرد- و يزيد بن أبي النمس الذين كانوا صدقوا حسان- و شتموا ابن الزبير فحبسوا- و جال الناس بعضهم في بعض- و وثبت كلب على عمر بن يزيد الحكمي- فضربوه و خرقوا ثيابه- و قد كان قام خالد بن يزيد بن معاوية- فصعد مرقاتين من المنبر و هو يومئذ غلام- .و الضحاك بن قيس فوق المنبر- فتكلم بكلام أوجز فيه لم يسمع بمثله ثم نزل- .
فلما دخل الضحاك بن قيس داره- جاءت كلب إلى السجن فأخرجوا سفيان بن أبرد الكلبي- و جاءت غسان فأخرجوا يزيد بن أبي النمس- و قال الوليد بن عتبة لو كنت من كلب أو غسان لأخرجت- فجاء ابنا يزيد بن معاوية خالد و عبد الله- و معهما أخوالهما من كلب فأخرجوه من السجن- . ثم إن الضحاك بن قيس خرج إلى مسجد دمشق فجلس فيه- و ذكر يزيد بن معاوية فوقع فيه- فقام إليه سنان من كلب و معه عصا فضربه بها- و الناس جلوس حلقا متقلدي السيوف- فقام بعضهم إلى بعض في المسجد فاقتتلوا- فكانت قيس عيلان قاطبة تدعو- إلى ابن الزبير و معهما الضحاك- و كلب تدعو إلى بني أمية- ثم إلى خالد بن يزيد فيتعصبون له- فدخل الضحاك دار الإمارة و أصبح الناس- فلم يخرج الضحاك إلى صلاة الفجر- .
فلما ارتفع النهار بعث إلى بني أمية فدخلوا عليه- فاعتذر إليهم و ذكر حسن بلائهم عنده- و أنه ليس يهوى شيئا يكرهونه- ثم قال تكتبون إلى حسان و نكتب- و يسير حسان من الأردن حتى ينزل الجابية- و نسير نحن و أنتم حتى نوافيه بها- فيجتمع رأي الناس على رجل منكم- فرضيت بذلك بنو أمية- و كتبوا إلى حسان و هو بالأردن- و كتب إليه الضحاك يأمره بالموافاة في الجابية- و أخذ الناس في الجهاز للرحيل- . و خرج الضحاك بن قيس من دمشق- و خرج الناس و خرجت بنو أمية- و توجهت الرايات يريدون الجابية- فجاء ثور بن معن يزيد بن الأخنس السلمي إلى الضحاك- فقال دعوتنا إلى طاعة ابن الزبير فبايعناك على ذلك- ثم أنت الآن تسير إلى هذا الأعرابي من كلب- لتستخلف ابن أخته خالد بن يزيد بن معاوية- فقال الضحاك فما الرأي قال- الرأي أن نظهر ما كنا نسر- و ندعو إلى طاعة ابن الزبير و نقاتل عليها- فمال الضحاك بمن معه من الناس- و انخزل من بني أمية و من معهم من قبائل اليمن- فنزل مرج راهط- .
قال أبو جعفر- و اختلف في أي وقت كانت الوقعة بمرج راهط- فقال الواقدي كانت في سنة خمس و ستين- و قال غيره في سنة أربع و ستين- . قال أبو جعفر- و سارت بنو أمية و لفيفها حتى وافوا حسان بالجابية- فصلى بهم أربعين يوما و الناس يتشاورن- و كتب الضحاك بن قيس من مرج راهط- إلى النعمان بن بشير الأنصاري و هو على حمص يستنجده- و إلى زفر بن الحارث و هو في قنسرين- و إلى ناتل بن قيس و هو على فلسطين ليستمدهم- و كلهم على طاعة ابن الزبير فأمدوه- فاجتمعت الأجناد إليه بمرج راهط- و أما الذين بالجابية فكانت أهواؤهم مختلفة- فأما مالك بن هبيرة السكوني- فكان يهوى هوى يزيد بن معاوية- و يحب أن تكون الخلافة في ولده- و أما حصين بن نمير السكوني فكان يهوى هوى بني أمية- و يحب أن تكون الخلافة لمروان بن الحكم- فقال مالك بن هبيرة للحصين بن نمير- هلم فلنبايع لهذا الغلام الذي نحن ولدنا أباه- و هو ابن أختنا فقد عرفت منزلتنا التي كانت من أبيه- إنك إن تبايعه يحملك غدا على رقاب العرب- يعني خالد بن يزيد فقال الحصين لا لعمر الله- لا يأتينا العرب بشيخ و نأتيها بصبي- فقال مالك أظن هواك في مروان- و الله إن استخلفت مروان- ليحسدنك على سوطك و شراك نعلك- و ظل شجرة تستظل بها- إن مروان أبو عشرة و أخو عشرة و عم عشرة- فإن بايعتموه كنتم عبيدا لهم- و لكن عليكم بابن أختكم خالد بن يزيد فقال الحصين- إني رأيت في المنام قنديلا معلقا من السماء- و إنه جاء كل من يمد عنقه إلى الخلافة ليتناوله- فلم يصل إليه و جاء مروان فتناوله و الله لنستخلفنه- .
فلما اجتمع رأيهم على بيعته- و استمالوا حسان بن بحدل إليها- قام روح بن زنباع الجذامي فحمد الله و أثنى عليه فقال- أيها الناس- إنكم تذكرون لهذا الأمر عبد الله بن عمر بن الخطاب- و تذكرون صحبته لرسول الله ص و قدمه في الإسلام- و هو كما تذكرون لكنه رجل ضعيف- و ليس صاحب أمة محمد بالضعيف- و أما عبد الله بن الزبير و ما يذكر الناس من أمره- و أن أباه حواري رسول الله ص- و أمه أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين- فهو لعمري كما تذكرون- و لكنه منافق قد خلع خليفتين يزيد و أباه معاوية- و سفك الدماء و شق عصا المسلمين- و ليس صاحب أمة محمد ص بالمنافق- و أما مروان بن الحكم فو الله ما كان في الإسلام صدع قط- إلا كان مروان ممن يشعب ذلك الصدع- و هو الذي قاتل عن عثمان بن عفان يوم الدار- و الذي قاتل علي بن أبي طالب يوم الجمل- و إنا نرى للناس أن يبايعوا الكبير و يستشبوا الصغير- يعني بالكبير مروان و بالصغير خالد بن يزيد- .
فاجتمع رأي الناس على البيعة لمروان- ثم لخالد بن يزيد من بعده- ثم لعمرو بن سعيد بن العاص بعدهما- على أن تكون في أيام خلافة مروان- إمرة دمشق لعمرو بن سعيد- و إمرة حمص لخالد بن يزيد- فلما استقر الأمر على ذلك- دعا حسان بن بحدل خالد بن يزيد فقال يا ابن أختي إن الناس قد أبوك لحداثة سنك- و إني و الله ما أريد هذا الأمر إلا لك و لأهل بيتك- و ما أبايع مروان إلا نظرا لكم- فقال خالد بل عجزت عنا- فقال لا و الله لم أعجز عنك- و لكن الرأي لك ما رأيت- . ثم إن حسان دعا مروان بن الحكم فقال له يا مروان إن الناس كلهم لا يرضون بك فما ترى فقال مروان- إن يرد الله أن يعطينيها لم يمنعنها أحد من خلقه- و إن يرد أن يمنعنيها لا يعطينيها أحد من خلقه- فقال حسان صدقت- .
ثم صعد حسان المنبر فقال أيها الناس- إني مستخلف في غد أحدكم إن شاء الله- فاجتمع الناس بكرة الغد ينتظرون- فصعد حسان المنبر و بايع لمروان و بايع الناس- و سار من الجابية حتى نزل بمرج راهط- حيث الضحاك بن قيس نازل- فجعل مروان على ميمنته عمرو بن سعيد بن العاص- و على ميسرته عبيد الله بن زياد- و جعل الضحاك على ميمنته- زياد بن عمرو بن معاوية العتكي- و على ميسرته ثور بن معن السلمي- و كان يزيد بن أبي النمس الغساني بدمشق- لم يشهد الجابية و كان مريضا- فلما حصل الضحاك بمرج راهط- ثار بأهل دمشق في عبيده و أهله فغلب عليها- و أخرج عامل الضحاك منها- و غلب على الخزائن و بيت المال و بايع لمروان- و أمده من دمشق بالرجال و المال و السلاح- فكان ذلك أول فتح فتح لمروان- .
ثم وقعت الحرب بين مروان و الضحاك- فاقتتلوا بمرج راهط عشرين ليلة- فهزم أصحاب الضحاك و قتلوا- و قتل أشراف الناس من أهل الشام- و قتلت قيس مقتلة لم تقتل مثلها في موطن قط- و قتل ثور بن معن السلمي الذي رد الضحاك عن رأيه- . قال أبو جعفر- و روي أن بشير بن مروان كان صاحب الراية ذلك اليوم- و أنه كان ينشد
إن على الرئيس حقا حقا
أن يخضب الصعدة أو يندقا
و صرع ذلك اليوم عبد العزيز بن مروان ثم استنقذ- . قال و مر مروان برجل من محارب- و هو في نفر يسير من أصحاب مروان فقال له-لو انضممت إلى أصحابك رحمك الله فإني أراك في قلة- فقال إن معنا يا أمير المؤمنين من الملائكة مددا- أضعاف من تأمرنا بالانضمام إليهم قال- فضحك مروان و سر بذلك- و قال للناس ممن كان حوله أ لا تستمعون- قال أبو جعفر و كان قاتل الضحاك رجلا من كلب- يقال له زحنة بن عبد الله- فلما قتله و أحضر الرأس إلى مروان ظهرت عليه كآبة- و قال الآن حين كبرت سني و دق عظمي- و صرت في مثل ظمء الحمار- أقبلت أضرب الكتائب بعضها ببعض- . قال أبو جعفر- و روي أن مروان أنشد لما بويع و دعا إلى نفسه-
لما رأيت الأمر أمرا نهبا
سيرت غسان لهم و كلبا
و السكسكيين رجالا غلبا
و طيئا تأباه إلا ضربا
و القين تمشي في الحديد نكبا
و من تنوخ مشمخرا صعبا
لا يملكون الملك إلا غصبا
و إن دنت قيس فقل لا قربا
قال أبو جعفر و خرج الناس منهزمين بعد قتل الضحاك- فانتهى أهل حمص إلى حمص و عليها النعمان بن بشير- فلما عرف الخبر خرج هاربا و معه ثقله و ولده- و تحير ليلته كلها- و أصبح و هو بباب مدينة حمص فرآه أهل حمص فقتلوه- و خرج زفر بن الحارث الكلابي من قنسرين هاربا- فلحق بقرقيسياء و عليها عياض بن أسلم الجرشي- فلم يمكنه من دخولها- فحلف له زفر بالطلاق و العتاق- أنه إذا دخل حمامها خرج منها- و قال له إن لي حاجة إلى دخول الحمام- فلما دخلها لم يدخل حمامها و أقام بها- و أخرج عياضامنها و تحصن فيها و ثابت إليه قيس عيلان- و خرج ناتل بن قيس الجذامي من فلسطين هاربا- فالتحق بابن الزبير بمكة- و أطبق أهل الشام على مروان و استوثقوا له- و استعمل عليهم عماله ففي ذلك يقول زفر بن الحارث-
أريني سلاحي لا أبا لك إنني
أرى الحرب لا تزداد إلا تماديا
أتاني عن مروان بالغيب أنه
مريق دمي أو قاطع من لسانيا
و في العيس منجاة و في الأرض مهرب
إذا نحن رفعنا لهن المبانيا
فقد ينبت المرعى على دمن الثرى
و تبقى حزازات النفوس كما هيا
أ تذهب كلب لم تنلها رماحنا
و تترك قتلى راهط هي ما هيا
لعمري لقد أبقت وقيعة راهط
لحسان صدعا بينا متنائيا
أ بعد ابن عمرو و ابن معن تتايعا
و مقتل همام أمنى الأمانيا
و لم تر مني نبوة قبل هذه
فراري و تركي صاحبي ورائيا
أ يذهب يوم واحد إن أسأته
بصالح أيامي و حسن بلائيا
فلا صلح حتى تنحط الخيل بالقنا
و تثأر من نسوان كلب نسائيا
و قال زفر بن الحارث أيضا و هو من شعر الحماسة-
أ في الله أما بحدل و ابن بحدل
فيحيا و أما ابن الزبير فيقتل
كذبتم و بيت الله لا تقتلونه
و لما يكن يوم أغر محجل
و لما يكن للمشرفية فوقكم
شعاع كقرن الشمس حين ترجل
و أما وفاة مروان و السبب فيها أنه كان- قد استقر الأمر بعده لخالد بن يزيد بن معاوية- على ما قدمنا ذكره فلما استوثق له الأمر- أحب أن يبايع لعبد الملك و عبد العزيز ابنيه- فاستشار في ذلك- فأشير عليه أن يتزوج أم خالد بن يزيد- و هي ابنة أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة ليصغر شأنه- فلا يرشح للخلافة فتزوجها- ثم قال لخالد يوما في كلام- دار بينهما و المجلس غاص بأهله- اسكت يا ابن الرطبة فقال خالد أنت لعمري مؤتمن و خبير- .
ثم قام باكيا من مجلسه و كان غلاما حينئذ- فدخل على أمه فأخبرها فقالت له لا يعرفن ذلك فيك- و اسكت فأنا أكفيك أمره- فلما دخل عليها مروان قال لها ما قال لك خالد- قالت و ما عساه يقول قال أ لم يشكني إليك- قالت إن خالدا أشد إعظاما لك من أن يشتكيك- فصدقها ثم مكثت أياما- فنام عندها و قد واعدت جواريها- و قمن إليه فجعلن الوسائد و البراذع عليه- و جلسن عليه حتى خنقه و ذلك بدمشق في شهر رمضان- . و هو ابن ثلاث و ستين سنة في قول الواقدي- .
و أما هشام بن محمد الكلبي فقال ابن إحدى و ثمانين سنة- و قال كان ابن إحدى و ثمانين- عاش في الخلافة تسعة أشهر و قيل عشرة أشهر- و كان في أيام كتابته لعثمان بن عفان أكثر حكما- و أشد تلطفا و تسلطا منه في أيام خلافته- و كان ذلك من أعظم الأسباب- الداعية إلى خلع عثمان و قتله- . و قد قال قوم إن الضحاك بن قيس لما نزل مرج راهط- لم يدع إلى ابن الزبير و إنما دعا إلى نفسه- و بويع بالخلافة و كان قرشيا- و الأكثر الأشهر أنه كان يدعو إلى ابن الزبير
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 6