6: و من كلام له لما أشير عليه بألا يتبع طلحة و الزبير- و لا يرصد لهما القتال
– وَ اللَّهِ لَا أَكُونُ كَالضَّبُعِ تَنَامُ عَلَى طُولِ اللَّدْمِ- حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهَا طَالِبُهَا وَ يَخْتِلَهَا رَاصِدُهَا- وَ لَكِنِّي أَضْرِبُ بِالْمُقْبِلِ إِلَى الْحَقِّ الْمُدْبِرَ عَنْهُ- وَ بِالسَّامِعِ الْمُطِيعِ الْعَاصِيَ الْمُرِيبَ أَبَداً- حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمِي- فَوَاللَّهِ مَا زِلْتُ مَدْفُوعاً عَنْ حَقِّي- مُسْتَأْثَراً عَلَيَّ مُنْذُ قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ- حَتَّى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا يقال أرصد له بشر أي أعد له و هيأه- و في الحديث إلا أن أرصده لدين علي- و اللدم صوت الحجر أو العصا أو غيرهما- تضرب به الأرض ضربا ليس بشديد- . و لما شرح الراوندي هذه اللفظات- قال و في الحديث و الله لا أكون مثل الضبع- تسمع اللدم حتى تخرج فتصاد- و قد كان سامحه الله وقت تصنيفه الشرح- ينظر في صحاح الجوهري و ينقل منها- فنقل هذا الحديث ظنا منه أنه حديث عن رسول الله ص- و ليس كما ظن- بل الحديث الذي أشار إليه الجوهري هو حديث علي ع- الذي نحن بصدد تفسيره- . و يختلها راصدها يخدعها مترقبها- ختلت فلانا خدعته و رصدته ترقبته- و مستأثرا علي أي مستبدا دوني بالأمر- و الاسم الأثرة و في الحديث أنه ص قال للأنصار- ستلقون بعدي أثرة- فإذا كان ذلك فاصبروا حتى تردوا علي الحوض – . و العرب تقول في رموزها و أمثالها أحمق من الضبع- و يزعمون أن الصائد يدخل عليها وجارها- فيقول لها أطرقي أم طريق خامري أم عامر- و يكرر ذلك عليها مرارا- معنى أطرقي أم طريق طأطئي رأسك- و كناها أم طريق لكثرة إطراقها- على فعيل كالقبيط للناطف و العليق لنبت- و معنى خامري الزمي وجارك و استتري فيه- خامر الرجل منزله إذا لزمه- قالوا فتلجأ إلى أقصى مغارها و تتقبض- فيقول أم عامر ليست في وجارها- أم عامر نائمة فتمد يديها و رجليها و تستلقي- فيدخل عليها فيوثقها و هو يقول لها- أبشري أم عامر بكم الرجال- أبشري أم عامر بشاء هزلى و جراد عظلى- أي يركب بعضه بعضا- فتشد عراقيبها فلا تتحرك- و لو شاءت أن تقتله لأمكنها- قال الكميت
فعل المقرة للمقالة
خامري يا أم عامر
و قال الشنفري-
لا تقبروني إن قبري محرم
عليكم و لكن خامري أم عامر
إذا ما مضى رأسي و في الرأس أكثري
و غودر عند الملتقى ثم سائري
هنا لك لا أرجو حياة تسرني
سجيس الليالي مبسلا بالجرائر
أوصاهم ألا يدفنوه إذا قتل- و قال اجعلوني أكلا للسباع- كالشيء الذي يرغب به الضبع في الخروج- و تقدير الكلام لا تقبروني- و لكن اجعلوني كالتي يقال لها- خامري أم عامر و هي الضبع فإنها لا تقبر- و يمكن أن يقال أيضا- أراد لا تقبروني و اجعلوني فريسة- للتي يقال لها خامري أم عامر- لأنها تأكل الجيف و أشلاء القتلى و الموتى- . و قال أبو عبيدة يأتي الصائد- فيضرب بعقبه الأرض عند باب مغارها ضربا خفيفا- و ذلك هو اللدم- و يقول خامري أم عامر مرارا- بصوت ليس بشديد فتنام على ذلك- فيدخل إليها فيجعل الحبل في عرقوبها- و يجرها فيخرجها- يقول لا أقعد عن الحرب و الانتصار لنفسي و سلطاني- فيكون حالي مع القوم المشار إليهم- حال الضبع مع صائدها- فأكون قد أسلمت نفسي فعل العاجز الأحمق- و لكني أحارب من عصاني بمن أطاعني حتى أموت- ثم عقب ذلك بقوله إن الاستئثار علي- و التغلب أمر لم يتجدد الآن- و لكنه كان منذ قبض رسول الله ص
طلحة و الزبير و نسبهما
و طلحة هو أبو محمد طلحة بن عبيد الله بن عثمان- بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة- أبوه ابن عم أبي بكر و أمه الصعبة بنت الحضرمي- و كانت قبل أن تكون عند عبيد الله- تحت أبي سفيان صخر بن حرب- فطلقها ثم تبعتها نفسه فقال فيها شعرا أوله-
و إني و صعبة فيما أرى
بعيدان و الود ود قريب
في أبيات مشهورة- و طلحة أحد العشرة المشهود لهم بالجنة- و أحد أصحاب الشورى- و كان له في الدفاع عن رسول الله ص يوم أحد أثر عظيم- و شلت بعض أصابعه يومئذ- وقى رسول الله ص بيده من سيوف المشركين- و قال رسول الله ص يومئذ اليوم أوجب طلحة الجنة – . و الزبير هو أبو عبد الله الزبير بن العوام- بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي- أمه صفية بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف- عمة رسول الله ص- و هو أحد العشرة أيضا و أحد الستة- و ممن ثبت مع رسول الله ص يوم أحد- و أبلى بلاء حسنا-
و قال النبي ص لكل نبي حواري و حواري الزبير – . و الحواري الخالصة تقول فلان خالصة فلان- و خلصانه و حواريه- أي شديد الاختصاص به و الاستخلاص له
خروج طارق بن شهاب لاستقبال علي بن أبي طالب
خرج طارق بن شهاب الأحمسي يستقبل عليا ع- و قد صار بالربذة طالبا عائشة و أصحابها- و كان طارق من صحابة علي ع و شيعته- قال فسألت عنه قبل أن ألقاه ما أقدمه- فقيل خالفه طلحة و الزبير و عائشة فأتوا البصرة- فقلت في نفسي إنها الحرب أ فأقاتل أم المؤمنين- و حواري رسول الله ص- إن هذا لعظيم ثم قلت أ أدع عليا- و هو أول المؤمنين إيمانا بالله- و ابن عم رسول الله ص و وصيه هذا أعظم- ثم أتيته فسلمت عليه ثم جلست إليه- فقص علي قصة القوم و قصته ثم صلى بنا الظهر- فلما انفتل جاءه الحسن ابنه ع- فبكى بين يديه قال ما بالك- قال أبكي لقتلك غدا بمضيعة و لا ناصر لك- أما إني أمرتك فعصيتني ثم أمرتك فعصيتني- فقال ع لا تزال تخن خنين الأمة- ما الذي أمرتني به فعصيتك- قال أمرتك حين أحاط الناس بعثمان أن تعتزل- فإن الناس إذا قتلوه طلبوك أينما كنت- حتى يبايعوك فلم تفعل- ثم أمرتك لما قتل عثمان ألا توافقهم على البيعة- حتى يجتمع الناس و يأتيك وفود العرب فلم تفعل- ثم خالفك هؤلاء القوم- فأمرتك ألا تخرج من المدينة و أن تدعهم و شأنهم- فإن اجتمعت عليك الأمة فذاك- و إلا رضيت بقضاء الله- فقال ع و الله لا أكون كالضبع تنام على اللدم- حتى يدخل إليها طالبها فيعلق الحبل برجلها- و يقول لها دباب دباب حتى يقطع عرقوبها- … و ذكر تمام الفصل- فكان طارق بن شهاب يبكي إذا ذكر هذا الحديث- دباب اسم الضبع- مبني على الكسر كبراح اسم للشمس