google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
40-60 خطبه ها شرح ابن ابی الحدیدخطبه ها شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

خطبه 55 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

55 و من كلام له ع

وَ لَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص- نَقْتُلُ آبَاءَنَا وَ أَبْنَاءَنَا وَ إِخْوَانَنَا وَ أَعْمَامَنَا- مَا يَزِيدُنَا ذَلِكَ إِلَّا إِيمَاناً وَ تَسْلِيماً- وَ مُضِيّاً عَلَى اللَّقْمِ وَ صَبْراً عَلَى مَضَضِ الْأَلَمِ- وَ جِدّاً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ- وَ لَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا وَ الآْخَرُ مِنْ عَدُوِّنَا- يَتَصَاوَلَانِ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ يَتَخَالَسَانِ أَنْفُسَهُمَا- أَيُّهُمَا يَسْقِي صَاحِبَهُ كَأْسَ الْمَنُونِ- فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا وَ مَرَّةً لِعَدُوِّنَا مِنَّا- فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ- وَ أَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصْرَ- حَتَّى اسْتَقَرَّ الْإِسْلَامُ مُلْقِياً جِرَانَهُ وَ مُتَبَوِّئاً أَوْطَانَهُ- وَ لَعَمْرِي لَوْ كُنَّا نَأْتِي مَا أَتَيْتُمْ- مَا قَامَ لِلدِّينِ عَمُودٌ وَ لَا اخْضَرَّ لِلْإِيمَانِ عُودٌ- وَ ايْمُ اللَّهِ لَتَحْتَلِبُنَّهَا دَماً وَ لَتُتْبِعُنَّهَا نَدَماً لقم الطريق الجادة الواضحة منها- و المضض لذع الألم و برحاؤه- و التصاول أن يحمل كل واحد من القرنين على صاحبه- و التخالس التسالب و الانتهاب- و الكبت الإذلال و جران البعير مقدم عنقه- و تبوأت المنزل نزلته- و يقال لمن أسرف في الأمر لتحتلبن دما- و أصله الناقة يفرط في حلبها فيحلب الحالب الدم- .

و هذه ألفاظ مجازية من باب الاستعارة و هي- . قوله استقر الإسلام ملقيا جرانه أي ثابتا متمكنا- كالبعير يلقي جرانه على الأرض- . و قوله متبوئا أوطانه- جعله كالجسم المستقر في وطنه و مكانه- . و قوله ما قام للدين عمود- جعله كالبيت القائم على العمد- . و قوله و لا اخضر للإيمان عود- جعله كالشجرة ذات الفروع و الأغصان- . فأما قتلهم الأقارب في ذات الله فكثير- قتل علي ع الجم الغفير من بني عبد مناف- و بني عبد الدار في يوم بدر و أحد و هم عشيرته و بنو عمه- و قتل عمر بن الخطاب يوم بدر- خاله العاص بن هشام بن المغيرة- و قتل حمزة بن عبد المطلب شيبة بن ربيعة يوم بدر- و هو ابن عمه لأنهما ابنا عبد مناف- و مثل ذلك كثير مذكور في كتب السيرة- . و أما كون الرجل منهم و قرنه يتصاولان و يتخالسان- فإن الحال كذلك كانت- بارز علي ع الوليد بن عتبة- و بارز طلحة بن أبي طلحة و بارز عمرو بن عبد ود- و قتل هؤلاء الأقران مبارزة- و بارز كثيرا من الأبطال غيرهم و قتلهم- و بارز جماعة من شجعان الصحابة جماعة من المشركين- فمنهم من قتل و منهم من قتل- و كتب المغازي تتضمن تفصيل ذلك

فتنة عبد الله بن الحضرمي بالبصرة

و هذا الكلام قاله أمير المؤمنين ع في قصة ابن الحضرمي- حيث قدم البصرة من قبل معاوية- و استنهض أمير المؤمنين ع أصحابه إلى البصرة- فتقاعدوا- . قال أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال الثقفي- في كتاب الغارات‏حدثنا محمد بن يوسف قال- حدثنا الحسن بن علي الزعفراني- عن محمد بن عبد الله بن عثمان عن ابن أبي سيف- عن يزيد بن حارثة الأزدي عن عمرو بن محصن- أن معاوية لما أصاب محمد بن أبي بكر بمصر و ظهر عليها- دعا عبد الله بن عامر الحضرمي فقال له سر إلى البصرة- فإن جل أهلها يرون رأينا في عثمان و يعظمون قتله- و قد قتلوا في الطلب بدمه- فهم موتورون حنقون لما أصابهم- ودوا لو يجدون من يدعوهم و يجمعهم- و ينهض بهم في الطلب بدم عثمان- و احذر ربيعة و انزل في مضر و تودد الأزد- فإن الأزد كلها معك إلا قليلا منهم- و إنهم إن شاء الله غير مخالفيك- .

فقال عبد الله بن الحضرمي له إنا سهم في كنانتك- و أنا من قد جربت و عدو أهل حربك- و ظهيرك على قتلة عثمان فوجهني إليهم متى شئت- فقال اخرج غدا إن شاء الله فودعه و خرج من عنده- . فلما كان الليل جلس معاوية و أصحابه يتحدثون- فقال لهم معاوية في أي منزل ينزل القمر الليلة- فقالوا بسعد الذابح فكره معاوية ذلك- و أرسل إليه ألا تبرح حتى يأتيك أمري فأقام- . و رأى معاوية أن يكتب إلى عمرو بن العاص- و هو يومئذ بمصر عامله عليها- يستطلع رأيه في ذلك فكتب إليه- و قد كان تسمى بإمرة المؤمنين بعد يوم صفين- و بعد تحكيم الحكمين- من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص- سلام عليك أما بعد- فإني قد رأيت رأيا هممت بإمضائه- و لم يخذلني عنه إلا استطلاع رأيك- فإن توافقني أحمد الله و أمضه- و إن تخالفني فإني أستخير الله و أستهديه- إني نظرت في أمر أهل البصرة- فوجدت معظم أهلها لنا وليا و لعلي و شيعته عدوا- و قد أوقع بهم علي الوقعة التي علمت- فأحقاد تلك الدماء ثابتة في صدورهم لا تبرح و لا تريم- و قد علمت أن قتلنا ابن أبي بكر- و وقعتنا بأهل مصر قد أطفأت نيران أصحاب علي في الآفاق- و رفعت رءوس أشياعنا أينما كانوا من البلاد- و قد بلغ من كان بالبصرة- على مثل رأينا من ذلك ما بلغ الناس- و ليس أحد ممن يرى رأينا أكثر عددا- و لا أضر خلافا على علي من أولئك- فقد رأيت أن أبعث إليهم عبد الله بن عامر الحضرمي- فينزل في مضر و يتودد الأزد و يحذر ربيعة- و يبتغي دم ابن عفان و يذكرهم وقعة علي بهم- التي أهلكت صالحي إخوانهم و آبائهم و أبنائهم- فقد رجوت عند ذلك- أن يفسد على علي و شيعته ذلك الفرج من الأرض- و متى يؤتوا من خلفهم و أمامهم يضل سعيهم و يبطل كيدهم- فهذا رأيي فما رأيك- فلا تحبس رسولي إلا قدر مضي الساعة التي- ينتظر فيها جواب كتابي هذا- أرشدنا الله و إياك- و السلام عليك و رحمة الله و بركاته- .

فكتب عمرو بن العاص إلى معاوية- . أما بعد فقد بلغني رسولك و كتابك- فقرأته و فهمت رأيك الذي رأيته فعجبت له- و قلت إن الذي ألقاه في روعك- و جعله في نفسك هو الثائر بابن عفان و الطالب بدمه- و إنه لم يك منك و لا منا- منذ نهضنا في هذه الحروب و بادينا أهلها- و لا رأى الناس رأيا أضر على عدوك- و لا أسر لوليك من هذا الأمر الذي ألهمته- فامض رأيك مسددا- فقد وجهت الصليب الأريب الناصح غير الظنين و السلام- .

فلما جاءه كتاب عمرو دعا ابن الحضرمي- و قد كان ظن حين تركه معاوية أياما لا يأمره بالشخوص- أن معاوية قد رجع عن إشخاصه إلى ذلك الوجه فقال- يا ابن الحضرمي سر على بركة الله إلى أهل البصرة- فانزل في مضر و احذر ربيعة و تودد الأزد و انع ابن عفان- و ذكرهم الوقعة التي أهلكتهم- و من لمن سمع و أطاع دنيا لا تفنى- و أثرة لا يفقدها حتى يفقدنا أو نفقده- . فودعه ثم خرج من عنده و قد دفع إليه كتابا- و أمره إذا قدم أن يقرأه على الناس- . قال عمرو بن محصن فكنت معه حين خرج- فلما خرجنا سرنا ما شاء الله أن نسير- فسنح لنا ظبي أعضب عن شمائلنا فنظرت إليه- فو الله لرأيت الكراهية في وجهه- ثم مضينا حتى نزلنا البصرة في بني تميم- فسمع بقدومنا أهل البصرة- فجاءنا كل من يرى رأي عثمان- فاجتمع إلينا رءوس أهلها- فحمد الله ابن الحضرمي و أثنى عليه ثم قال- أما بعد أيها الناس- فإن إمامكم إمام الهدى عثمان بن عفان- قتله علي بن أبي طالب ظلما- فطلبتم بدمه و قاتلتم من قتله- فجزاكم الله من أهل مصر خيرا- و قد أصيب منكم الملأ الأخيار- و قد جاءكم الله بإخوان لكم- لهم بأس يتقى و عدد لا يحصى- فلقوا عدوكم الذين قتلوكم- فبلغوا الغاية التي أرادوا صابرين- و رجعوا و قد نالوا ما طلبوا فمالئوهم و ساعدوهم- و تذكروا ثاركم لتشفوا صدوركم من عدوكم- . فقام إليه الضحاك بن عبد الله الهلالي فقال- قبح الله ما جئتنا به و ما دعوتنا إليه- جئتنا و الله بمثل ما جاء به صاحباك طلحة و الزبير- أتيانا و قد بايعنا عليا و اجتمعنا له- فكلمتنا واحدة و نحن على سبيل مستقيم- فدعوانا إلى الفرقة و قاما فينا بزخرف القول- حتى ضربنا بعضنا ببعض عدوانا و ظلما- فاقتتلنا على ذلك و ايم الله- ما سلمنا من عظيم وبال‏ ذلك- و نحن الآن مجمعون على بيعة هذا العبد الصالح الذي- أقال العثرة و عفا عن المسي‏ء- و أخذ بيعة غائبنا و شاهدنا- أ فتأمرنا الآن أن نختلع أسيافنا من أغمادها- ثم يضرب بعضنا بعضا- ليكون معاوية أميرا و تكون له وزيرا- و نعدل بهذا الأمر عن علي- و الله ليوم من أيام علي مع رسول الله ص خير- من بلاء معاوية و آل معاوية لو بقوا في الدنيا- ما الدنيا باقية- .

فقام عبد الله بن خازم السلمي فقال للضحاك اسكت- فلست بأهل أن تتكلم في أمر العامة- ثم أقبل على ابن الحضرمي فقال نحن يدك و أنصارك- و القول ما قلت و قد فهمنا عنك فادعنا أنى شئت- فقال الضحاك لابن خازم يا ابن السوداء- و الله لا يعز من نصرت و لا يذل بخذلانك من خذلت فتشاتما- . قال صاحب كتاب الغارات- و الضحاك هذا هو الذي يقول-

يا أيهذا السائلي عن نسبي
بين ثقيف و هلال منصبي‏
أمي أسماء و ضحاك أبي‏

قال و هو القائل في بني العباس-

ما ولدت من ناقة لفحل
في جبل نعلمه و سهل‏

كستة من بطن أم الفضل‏
أكرم بها من كهلة و كهل‏

عم النبي المصطفى ذي الفضل
و خاتم الأنبياء بعد الرسل‏

قال فقام عبد الرحمن بن عمير بن عثمان القرشي- ثم التيمي فقال عباد الله- إنا لم ندعكم إلى الاختلاف و الفرقة- و لا نريد أن تقتتلوا و لا تتنابزوا- و لكنا إنما ندعوكم إلى أن تجمعوا كلمتكم- و توازروا إخوانكم الذين هم على رأيكم- و أن تلموا شعثكم‏ و تصلحوا ذات بينكم- فمهلا مهلا رحمكم الله- استمعوا لهذا الكتاب- و أطيعوا الذي يقرأ عليكم- . ففضوا كتاب معاوية و إذا فيه- من عبد الله معاوية أمير المؤمنين- إلى من قرئ كتاب هذا عليه من المؤمنين- و المسلمين من أهل البصرة- . سلام عليكم أما بعد- فإن سفك الدماء بغير حلها- و قتل النفوس التي حرم الله قتلها- هلاك موبق و خسران مبين- لا يقبل الله ممن سفكها صرفا و لا عدلا- و قد رأيتم رحمكم الله آثار ابن عفان و سيرته- و حبه للعافية و معدلته و سده للثغور- و إعطاءه في الحقوق و إنصافه للمظلوم و حبه الضعيف- حتى توثب عليه المتوثبون و تظاهر عليه الظالمون- فقتلوه مسلما محرما ظمآن صائما لم يسفك فيهم دما- و لم يقتل منهم أحدا و لا يطلبونه بضربة سيف و لا سوط- و إنما ندعوكم أيها المسلمون إلى الطلب بدمه- و إلى قتال من قتله- فإنا و إياكم على أمر هدى واضح و سبيل مستقيم- إنكم إن جامعتمونا طفئت النائرة- و اجتمعت الكلمة و استقام أمر هذه الأمة- و أقر الظالمون المتوثبون الذين قتلوا إمامهم بغير حق- فأخذوا بجرائرهم و ما قدمت أيديهم- إن لكم أن أعمل فيكم بالكتاب- و أن أعطيكم في السنة عطاءين- و لا أحتمل فضلا من فيئكم عنكم أبدا- .

فسارعوا إلى ما تدعون إليه رحمكم الله- و قد بعثت إليكم رجلا من الصالحين- كان من أمناء خليفتكم المظلوم ابن عفان و عماله- و أعوانه على الهدى و الحق- جعلنا الله و إياكم ممن يجيب إلى الحق و يعرفه- و ينكر الباطل و يجحده و السلام عليكم و رحمة الله- .

قال فلما قرئ عليهم الكتاب- قال معظمهم سمعنا و أطعنا- . قال و روى محمد بن عبد الله بن عثمان عن علي- عن أبي زهير عن أبي منقر الشيباني قال- قال الأحنف لما قرئ عليهم كتاب معاوية- أما أنا فلا ناقة لي في هذا و لا جمل و أعتزل أمرهم ذلك- .

و قال عمرو بن مرجوم من عبد القيس- أيها الناس الزموا طاعتكم و لا تنكثوا بيعتكم- فتقع بكم واقعة و تصيبكم قارعة- و لا يكن بعدها لكم بقية- ألا إني قد نصحت لكم و لكن لا تحبون الناصحين- . قال إبراهيم بن هلال و روى محمد بن عبد الله- عن ابن أبي سيف عن الأسود بن قيس عن ثعلبة بن عباد- أن الذي كان سدد لمعاوية رأيه- في تسريح ابن الحضرمي كتاب- كتبه إليه عباس بن ضحاك العبدي- و هو ممن كان يرى رأي عثمان- و يخالف قومه في حبهم عليا ع و نصرتهم إياه- و كان الكتاب- .

أما بعد فقد بلغنا وقعتك بأهل مصر- الذين بغوا على إمامهم و قتلوا خليفتهم طمعا و بغيا- فقرت بذلك العيون و شفيت بذلك النفوس- و بردت أفئدة أقوام كانوا لقتل عثمان كارهين- و لعدوه مفارقين و لكم موالين و بك راضين- فإن رأيت أن تبعث إلينا أميرا طيبا- ذكيا ذا عفاف و دين إلى الطلب بدم عثمان فعلت- فإني لا إخال الناس إلا مجمعين عليك- و إن ابن عباس غائب عن المصر و السلام- . قال فلما قرأ معاوية كتابه قال- لا عزمت رأيا سوى ما كتبت به إلي هذا و كتب إليه جوابه- . أما بعد فقد قرأت كتابك- فعرفت نصيحتك و قبلت مشورتك رحمك الله و سددك- اثبت هداك الله على رأيك الرشيد- فكأنك بالرجل الذي سألت قد أتاك- و كأنك بالجيش قد أطل عليك فسررت و حبيت و السلام- .

قال إبراهيم و حدثنا محمد بن عبد الله قال حدثني علي بن أبي سيف عن أبي زهيرقال- لما نزل ابن الحضرمي في بني تميم- أرسل إلى الرءوس فأتوه- فقال لهم أجيبوني إلى الحق و انصروني على هذا الأمر- . قال و إن الأمير بالبصرة يومئذ زياد بن عبيد- قد استخلفه عبد الله بن عباس- و قدم على علي ع إلى الكوفة يعزيه عن محمد بن أبي بكر- قال فقام إليه ابن ضحاك فقال- إي و الذي له أسعى و إياه أخشى- لننصرنك بأسيافنا و أيدينا- . و قام المثنى بن مخرمة العبدي فقال- لا و الذي لا إله إلا هو- لئن لم ترجع إلى مكانك الذي أقبلت منه- لنجاهدنك بأسيافنا و أيدينا و نبالنا و أسنة رماحنا- نحن ندع ابن عم رسول الله ص و سيد المسلمين- و ندخل في طاعة حزب من الأحزاب طاغ- و الله لا يكون ذلك أبدا حتى نسير كتيبة- و نفلق السيوف بالهام- . فأقبل ابن الحضرمي على صبرة بن شيمان الأزدي فقال- يا صبرة أنت رأس قومك و عظيم من عظماء العرب- و أحد الطلبة بدم عثمان رأينا رأيك و رأيك رأينا- و بلاء القوم عندك في نفسك و عشيرتك ما قد ذقت و رأيت- فانصرني و كن من دوني- فقال له إن أنت أتيتني فنزلت في داري نصرتك و منعتك-

فقال إن أمير المؤمنين معاوية أمرني- أن أنزل في قومه من مضر فقال اتبع ما أمرك به- . و انصرف من عنده و أقبل الناس إلى ابن الحضرمي- و كثر تبعه ففزع لذلك زياد و هاله و هو في دار الإمارة- فبعث إلى الحضين بن المنذر و مالك بن مسمع فدعاهما- فحمد الله و أثنى عليه ثم قال- أما بعد فإنكم أنصار أمير المؤمنين و شيعته و ثقته- و قد جاءكم هذا الرجل بما قد بلغكم- فأجيروني حتى يأتيني أمر أمير المؤمنين و رأيه- .

فأما مالك بن مسمع فقال هذا أمر فيه نظر- أرجع إلى من ورائي و أنظر و أستشير في ذلك- . و أما الحضين بن المنذر فقال نعم- نحن فاعلون و لن نخذلك و لن نسلمك- .فلم ير زياد من القوم ما يطمئن إليه- فبعث إلى صبرة بن شيمان الأزدي فقال- يا ابن شيمان أنت سيد قومك و أحد عظماء هذا المصر- فإن يكن فيه أحد هو أعظم أهله فأنت ذاك- أ فلا تجيرني و تمنعني و تمنع بيت مال المسلمين- فإنما أنا أمين عليه- فقال بلى إن تحملت حتى تنزل في داري منعتك- فقال إني فاعل- . فارتحل ليلا حتى نزل دار صبرة بن شيمان- و كتب إلى عبد الله بن عباس- و لم يكن معاوية ادعى زيادا بعد- لأنه إنما ادعاه بعد وفاة علي ع- . للأمير عبد الله بن عباس من زياد بن عبيد- .

سلام عليك أما بعد- فإن عبد الله بن عامر بن الحضرمي أقبل من قبل معاوية- حتى نزل في بني تميم و نعى ابن عفان و دعا إلى حرب- فبايعه جل أهل البصرة- فلما رأيت ذلك استجرت بالأزد بصبرة بن شيمان- و قومه لنفسي و لبيت مال المسلمين- و رحلت من قصر الإمارة فنزلت فيهم و إن الأزد معي- و شيعة أمير المؤمنين من فرسان القبائل تختلف إلي- و شيعة عثمان تختلف إلى ابن الحضرمي- و القصر خال منا و منهم- فارفع ذلك إلى أمير المؤمنين ليرى فيه رأيه- و أعجل إلي بالذي ترى أن يكون منه فيه- و السلام عليك و رحمة الله و بركاته- . قال فرفع ذلك ابن عباس إلى علي ع- و شاع في الناس بالكوفة ما كان من ذلك- و كانت بنو تميم و قيس و من يرى رأي عثمان- قد أمروا ابن الحضرمي- أن يسير إلى قصر الإمارة حين خلاه زياد- فلما تهيأ لذلك و دعا أصحابه- ركبت الأزد و بعثت إليه و إليهم- إنا و الله لا ندعكم تأتون القصر فتنزلون فيه من لا نرضى- و من نحن له كارهون حتى يأتي رجل لنا و لكم رضا- فأبى أصحاب ابن الحضرمي إلا أن يسيروا إلى القصر- و أبت الأزد إلا أن يمنعوهم- فركب الأحنف فقال لأصحاب ابن الحضرمي- إنكم و الله ما أنتم أحق بقصر الإمارة من القوم- و ما لكم أن تؤمروا عليهم من يكرهونه- فانصرفوا عنهم ففعلوا ثم جاء إلى الأزد فقال- إنه لم يكن ما تكرهون و لا يؤتى إلا ما تحبون- فانصرفوا رحمكم الله ففعلوا- .

قال إبراهيم و حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي سيف- عن الكلبي أن ابن الحضرمي لما أتى البصرة- و دخلها نزل في بني تميم في دار سنبيل- و دعا بني تميم و أخلاط مضر- فقال زياد لأبي الأسود الدؤلي- أ ما ترى ما صغى أهل البصرة إلى معاوية- و ما في الأزد لي مطمع فقال- إن كنت تركتهم لم ينصروك و إن أصبحت فيهم منعوك- .

فخرج زياد من ليلته- فأتى صبرة بن شيمان الحداني الأزدي فأجاره- و قال له حين أصبح يا زياد إنه ليس حسنا بنا- أن تقيم فينا مختفيا أكثر من يومك هذا- فأعد له منبرا و سريرا في مسجد الحدان و جعل له شرطا- و صلى بهم الجمعة في مسجد الحدان- . و غلب ابن الحضرمي على ما يليه من البصرة و جباها- و أجمعت الأزد على زياد- فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال- يا معشر الأزد- إنكم كنتم أعدائي فأصبحتم أوليائي و أولى الناس بي- و إني لو كنت في بني تميم و ابن الحضرمي فيكم- لم أطمع فيه أبدا و أنتم دونه- فلا يطمع ابن الحضرمي في و أنتم دوني- و ليس ابن آكلة الأكباد في بقية الأحزاب- و أولياء الشيطان بأدنى إلى الغلبة- من أمير المؤمنين في المهاجرين و الأنصار- و قد أصبحت فيكم مضمونا و أمانة مؤداة- و قد رأينا وقعتكم يوم الجمل- فاصبروا مع الحق صبركم مع الباطل- فإنكم لا تحمدون إلا على النجدة و لا تعذرون على الجبن- .

فقام شيمان أبو صبرة و لم يكن شهد يوم الجمل و كان غائبا- فقال يا معشر الأزد-ما أبقت عواقب الجمل عليكم إلا سوء الذكر- و قد كنتم أمس على علي ع فكونوا اليوم له- و اعلموا أن إسلامكم له ذل و خذلانكم إياه عار- و أنتم حي مضماركم الصبر و عاقبتكم الوفاء- فإن سار القوم بصاحبهم فسيروا بصاحبكم- و إن استمدوا معاوية فاستمدوا عليا ع- و إن وادعوكم فوادعوهم- . ثم قام صبرة ابنه فقال يا معشر الأزد- إنا قلنا يوم الجمل نمنع مصرنا و نطيع أمنا- نطلب دم خليفتنا المظلوم فجددنا في القتال- و أقمنا بعد انهزام الناس- حتى قتل منا من لا خير فينا بعده- و هذا زياد جاركم اليوم و الجار مضمون- و لسنا نخاف من علي ما نخاف من معاوية- فهبوا لنا أنفسكم و امنعوا جاركم أو فأبلغوه مأمنه- . فقالت الأزد إنما نحن لكم تبع فأجيروه- فضحك زياد و قال يا صبرة أ تخشون ألا تقوموا لبني تميم- فقال صبرة إن جاءونا بالأحنف جئناهم بأبي صبرة- و إن جاءونا بالحباب جئت أنا- و إن كان فيهم شباب كثير- فقال زياد إنما كنت مازحا- .

فلما رأت بنو تميم أن الأزد قد قامت دون زياد- بعثت إليهم أخرجوا صاحبكم و نحن نخرج صاحبنا- فأي الأميرين غلب علي أو معاوية دخلنا في طاعته- و لا نهلك عامتنا- . فبعث إليهم أبو صبرة- إنما كان هذا يرجى عندنا قبل أن نجيره- و لعمري ما قتل زياد و إخراجه إلا سواء- و إنكم لتعلمون أنا لم نجره إلا كرما فالهوا عن هذا- . قال و روى أبو الكنود- أن شبث بن ربعي قال لعلي ع- يا أمير المؤمنين ابعث إلى هذا الحي من تميم- فادعهم إلى طاعتك و لزوم بيعتك- و لا تسلط عليهم أزد عمان البعداء البغضاء- فإن واحدا من قومك خير لك من عشرة من غيرهم- .

فقال له مخنف بن سليم الأزدي- إن البعيد البغيض من عصى الله- و خالف أمير المؤمنين و هم قومك- و إن الحبيب القريب من أطاع الله- و نصر أمير المؤمنين و هم قومي- و أحدهم خير لأمير المؤمنين من عشرة من قومك- .

فقال أمير المؤمنين ع مه تناهوا أيها الناس- و ليردعكم الإسلام و وقاره عن التباغي و التهاذي- و لتجتمع كلمتكم- و الزموا دين الله الذي لا يقبل من أحد غيره- و كلمة الإخلاص التي هي قوام الدين- و حجة الله على الكافرين- و اذكروا إذ كنتم قليلا مشركين متباغضين متفرقين- فألف بينكم بالإسلام فكثرتم و اجتمعتم و تحاببتم- فلا تفرقوا بعد إذ اجتمعتم- و لا تتباغضوا بعد إذ تحاببتم- و إذا رأيتم الناس بينهم النائرة- و قد تداعوا إلى العشائر و القبائل- فاقصدوا لهامهم و وجوههم بالسيف حتى يفزعوا إلى الله- و إلى كتابه و سنة نبيه- فأما تلك الحمية من خطرات الشياطين فانتهوا عنها- لا أبا لكم تفلحوا و تنجحوا- ثم إنه ع دعا أعين بن ضبيعة المجاشعي- و قال يا أعين أ لم يبلغك أن قومك وثبوا على عاملي- مع ابن الحضرمي بالبصرة- يدعون إلى فراقي و شقاقي- و يساعدون الضلال القاسطين علي- فقال لا تسأ يا أمير المؤمنين- و لا يكن ما تكره ابعثني إليهم- فأنا لك زعيم بطاعتهم و تفريق جماعتهم- و نفي ابن الحضرمي من البصرة أو قتله- قال فاخرج الساعة- . فخرج من عنده و مضى حتى قدم البصرة- .هذه رواية ابن هلال صاحب كتاب الغارات- .

و روى الواقدي أن عليا ع استنفر بني تميم أياما- لينهض منهم إلى البصرة- من يكفيه أمر ابن الحضرمي- و يرد عادية بني تميم الذين أجاروه بها- فلم يجبه أحد فخطبهم و قال- أ ليس من العجب أن ينصرني الأزد و تخذلني مضر- و أعجب من ذلك تقاعد تميم الكوفة بي- و خلاف تميم البصرة علي- و أن أستنجد بطائفة منها- تشخص إلى إخوانها فتدعوهم إلى الرشاد- فإن أجابت و إلا فالمنابذة و الحرب- فكأني أخاطب صما بكما لا يفقهون حوارا و لا يجيبون نداء- كل هذا جبنا عن البأس و حبا للحياة- لقد كنا مع رسول الله ص نقتل آباءنا و أبناءنا- الفصل إلى آخره- .

قال فقام إليه أعين بن ضبيعة المجاشعي فقال- أنا إن شاء الله أكفيك يا أمير المؤمنين هذا الخطب- و أتكفل لك بقتل ابن الحضرمي أو إخراجه عن البصرة- فأمره بالتهيؤ للشخوص فشخص حتى قدم البصرة- . قال إبراهيم بن هلال- فلما قدمها دخل على زياد و هو بالأزد مقيم- فرحب به و أجلسه إلى جانبه- فأخبره بما قال له علي ع و ما رد عليه و ما الذي عليه رأيه- فإنه إذ يكلمه جاءه كتاب من علي ع فيه-من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى زياد بن عبيد سلام عليك أما بعد- فإني قد بعثت أعين بن ضبيعة- ليفرق قومه عن ابن الحضرمي فارقب ما يكون منه- فإن فعل و بلغ من ذلك ما يظن به- و كان في ذلك تفريق تلك الأوباش فهو ما نحب- و إن ترامت الأمور بالقوم إلى الشقاق و العصيان-فانبذ بمن أطاعك إلى من عصاك فجاهدهم- فإن ظهرت فهو ما ظننت و إلا فطاولهم و ماطلهم- فكان كتائب المسلمين قد أطلت عليك- فقتل الله المفسدين الظالمين- و نصر المؤمنين المحقين و السلام- .

فلما قرأه زياد أقرأه أعين بن ضبيعة فقال له- إني لأرجو أن يكفى هذا الأمر إن شاء الله- ثم خرج من عنده فأتى رحله- فجمع إليه رجالا من قومه فحمد الله و أثنى عليه ثم قال- يا قوم على ما ذا تقتلون أنفسكم- و تهريقون دماءكم على الباطل مع السفهاء الأشرار- و إني و الله ما جئتكم حتى عبيت إليكم الجنود- فإن تنيبوا إلى الحق يقبل منكم و يكف عنكم- و إن أبيتم فهو و الله استئصالكم و بواركم- . فقالوا بل نسمع و نطيع فقال- انهضوا الآن على بركة الله عز و جل- فنهض بهم إلى جماعة ابن الحضرمي- فخرجوا إليه مع ابن الحضرمي فصافوه- و واقفهم عامة يومه يناشدهم الله و يقول- يا قوم لا تنكثوا بيعتكم و لا تخالفوا إمامكم- و لا تجعلوا على أنفسكم سبيلا- فقد رأيتم و جربتم- كيف صنع الله بكم عند نكثكم بيعتكم و خلافكم- . فكفوا عنه و لم يكن بينه و بينهم قتال- و هم في ذلك يشتمونه و ينالون منه- فانصرف عنهم و هو منهم منتصف- فلما أوى إلى رحله تبعه عشرة نفر يظن الناس أنهم خوارج- فضربوه بأسيافهم و هو على فراشه- و لا يظن أن الذي كان يكون فخرج يشتد عريانا- فلحقوه في الطريق فقتلوه- فأراد زياد أن يناهض ابن الحضرمي حين قتل أعين- بجماعة من معه من الأزد و غيرهم من شيعة علي ع- فأرسل بنو تميم إلى الأزد- و الله ما عرضنا لجاركم إذ أجرتموه و لا لمال هو له- و لا لأحد ليس على رأينا- فما تريدون‏ إلى حربنا و إلى جارنا- فكان الأزد عند ذلك كرهت قتالهم- . فكتب زياد إلى علي ع أما بعد يا أمير المؤمنين- فإن أعين بن ضبيعة قدم علينا من قبلك- بجد و مناصحة و صدق و يقين- فجمع إليه من أطاعه من عشيرته- فحثهم على الطاعة و الجماعة و حذرهم الخلاف و الفرقة- ثم نهض بمن أقبل معه إلى من أدبر عنه- فواقفهم عامة النهار فهال أهل الخلاف تقدمه- و تصدع عن ابن الحضرمي كثير ممن كان يريد نصرته- فكان كذلك حتى أمسى- فأتى في رحله فبيته نفر من هذه الخارجة المارقة- فأصيب رحمه الله تعالى- فأردت أن أناهض ابن الحضرمي عند ذلك فحدث أمر- قد أمرت صاحب كتابي هذا أن يذكره لأمير المؤمنين- و قد رأيت إن رأى أمير المؤمنين ما رأيت- أن يبعث إليهم جارية بن قدامة فإنه نافذ البصيرة- و مطاع في العشيرة شديد على عدو أمير المؤمنين- فإن يقدم يفرق بينهم بإذن الله- و السلام على أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته- .

فلما جاء الكتاب دعا جارية بن قدامة- فقال له يا ابن قدامة تمنع الأزد عاملي و بيت مالي- و تشاقني مضر و تنابذني- و بنا ابتدأها الله تعالى بالكرامة و عرفها الهدى- و تداعوا إلى المعشر الذين حادوا الله و رسوله- و أرادوا إطفاء نور الله سبحانه- حتى علت كلمة الله و هلك الكافرون- .

فقال يا أمير المؤمنين- ابعثني إليهم و استعن بالله عليهم- قال قد بعثتك إليهم و استعنت بالله عليهم- . قال إبراهيم فحدثنا محمد بن عبد الله قال- حدثني ابن أبي السيف عن سليمان بن أبي راشد- عن كعب بن قعين قال- خرجت مع جارية من الكوفة إلى البصرة-في خمسين رجلا من بني تميم- ما كان فيهم يماني غيري و كنت شديد التشيع- فقلت لجارية إن شئت كنت معك- و إن شئت ملت إلى قومي- فقال بل معي- فو الله لوددت أن الطير و البهائم تنصرني عليهم- فضلا عن الإنس- .

قال و روى كعب بن قعين أن عليا ع كتب مع جارية كتابا- و قال أقرئه على أصحابك قال فمضينا معه- فلما دخلنا البصرة بدأ بزياد- فرحب به و أجلسه إلى جانبه- و ناجاه ساعة و ساءله- ثم خرج فكان أفضل ما أوصاه به أن قال- احذر على نفسك- و اتق أن تلقى ما لقي صاحبك القادم قبلك- . و خرج جارية من عنده فقام في الأزد فقال- جزاكم الله من حي خيرا- ما أعظم غناءكم و أحسن بلاءكم و أطوعكم لأميركم- لقد عرفتم الحق إذ ضيعه من أنكره- و دعوتم إلى الهدى إذ تركه من لم يعرفه- ثم قرأ عليهم و على من كان معه- من شيعة علي ع و غيرهم كتاب علي ع فإذا فيه-من عبد الله علي أمير المؤمنين- إلى من قرئ عليه كتابي هذا من ساكني البصرة- من المؤمنين و المسلمين- سلام عليكم أما بعد- فإن الله حليم ذو أناة- لا يعجل بالعقوبة قبل البينة- و لا يأخذ المذنب عند أول وهلة- و لكنه يقبل التوبة- و يستديم الأناة و يرضي بالإنابة- ليكون أعظم للحجة و أبلغ في المعذرة- و قد كان من شقاق جلكم- أيها الناس ما استحققتم أن تعاقبوا عليه- فعفوت عن مجرمكم- و رفعت السيف عن مدبركم- و قبلت من مقبلكم و أخذت بيعتكم- فإن تفوا ببيعتي و تقبلوا نصيحتي- و تستقيموا على طاعتي- أعمل‏ فيكم بالكتاب و السنة و قصد الحق- و أقم فيكم سبيل الهدى- فو الله ما أعلم أن واليا بعد محمد ص أعلم بذلك مني- و لا أعمل بقولي أقول قولي هذا صادقا- غير ذام لمن مضى و لا منتقصا لأعمالهم- و إن خبطت بكم الأهواء المردية- و سفه الرأي الجائر إلى منابذتي تريدون خلافي- فها أنا ذا قربت جيادي و رحلت ركابي و ايم الله- لئن ألجأتموني إلى المسير إليكم لأوقعن بكم وقعة- لا يكون يوم الجمل عندها إلا كلعقة لاعق- و إني لظان ألا تجعلوا إن شاء الله على أنفسكم سبيلا- و قد قدمت هذا الكتاب إليكم حجة عليكم- و لن أكتب إليكم من بعده كتابا- إن أنتم استغششتم نصيحتي و نابذتم رسولي- حتى أكون أنا الشاخص نحوكم إن شاء الله تعالى و السلام- .

قال فلما قرئ الكتاب على الناس- قام صبرة بن شيمان فقال سمعنا و أطعنا- و نحن لمن حارب أمير المؤمنين حرب و لمن سالم سلم- إن كفيت يا جارية قومك بقومك فذاك- و إن أحببت أن ننصرك نصرناك- . و قام وجوه الناس فتكلموا بمثل ذلك و نحوه- فلم يأذن لأحد منهم أن يسير معه و مضى نحو بني تميم- . فقام زياد في الأزد فقال- يا معشر الأزد- إن هؤلاء كانوا أمس سلما فأصبحوا اليوم حربا- و إنكم كنتم حربا فأصبحتم سلما- و إني و الله ما اخترتكم إلا على التجربة- و لا أقمت فيكم إلا على الأمل- فما رضيتم أن أجرتموني- حتى نصبتم لي منبرا و سريرا- و جعلتم لي شرطا و أعوانا و مناديا و جمعة- فما فقدت بحضرتكم شيئا إلا هذا الدرهم لا أجبيه اليوم- فإن لم أجبه اليوم أجبه غدا إن شاء الله- و اعلموا أن حربكم اليوم معاوية- أيسر عليكم في الدنيا و الدين من حربكم أمس عليا- و قد قدم عليكم جارية بن قدامة- و إنما أرسله علي‏ ليصدع أمر قومه و الله ما هو بالأمير المطاع- و لو أدرك أمله في قومه لرجع إلى أمير المؤمنين- أو لكان لي تبعا و أنتم الهامة العظمى- و الجمرة الحامية فقدموه إلى قومه- فإن اضطر إلى نصركم فسيروا إليه إن رأيتم ذلك- .

فقام أبو صبرة شيمان فقال يا زياد- إني و الله لو شهدت قومي يوم الجمل- رجوت ألا يقاتلوا عليا و قد مضى الأمر بما فيه- و هو يوم بيوم و أمر بأمر- و الله إلى الجزاء بالإحسان- أسرع منه إلى الجزاء بالسيئ- و التوبة مع الحق و العفو مع الندم- و لو كانت هذه فتنة لدعونا القوم إلى إبطال الدماء- و استئناف الأمور و لكنها جماعة دماؤها حرام- و جروحها قصاص و نحن معك نحب ما أحببت- .

فعجب زياد من كلامه و قال ما أظن في الناس مثل هذا- . ثم قام صبرة ابنه فقال- إنا و الله ما أصبنا بمصيبة في دين و لا دنيا- كما أصبنا أمس يوم الجمل و إنا لنرجو اليوم- أن نمحص ذلك بطاعة الله و طاعة أمير المؤمنين- و أما أنت يا زياد فو الله ما أدركت أملك فينا- و لا أدركنا أملنا فيك دون ردك إلى دارك- و نحن رادوك إليها غدا إن شاء الله تعالى- فإذا فعلنا فلا يكن أحد أولى بك منا- فإنك إلا تفعل لم تأت ما يشبهك- و إنا و الله نخاف من حرب علي في الآخرة- ما لا نخاف من حرب معاوية في الدنيا- فقدم هواك و أخر هوانا فنحن معك و طوعك- . ثم قام خنقر الحماني فقال أيها الأمير- إنك لو رضيت منا بما ترضى به من غيرنا- لم نرض ذلك لأنفسنا سر بنا إلى القوم إن شئت- و ايم الله ما لقينا قوما قط- إلا اكتفينا بعفونا دون جهدنا إلا ما كان أمس- .

قال إبراهيم فأما جارية فإنه كلم قومه فلم يجيبوه- و خرج إليه منهم أوباش- فناوشوه بعد أن شتموه و أسمعوه- فأرسل إلى زياد و الأزد- يستصرخهم و يأمرهم أن يسيروا إليه- فسارت الأزد بزياد و خرج إليهم ابن الحضرمي- و على خيله عبد الله بن خازم السلمي فاقتتلوا ساعة- و أقبل شريك بن الأعور الحارثي- و كان من شيعة علي ع و صديقا لجارية بن قدامة فقال- أ لا أقاتل معك عدوك فقال بلى- فما لبثت بنو تميم أن هزموهم- و اضطروهم إلى دار سنبيل السعدي- فحصروا ابن الحضرمي و حدوه- فأتى رجل من بني تميم و معه عبد الله بن خازم السلمي- فجاءت أمه و هي سوداء حبشية اسمها عجلى فنادته- فأشرف عليها فقالت يا بني انزل إلي- فأبى فكشفت رأسها و أبدت قناعها- و سألته النزول فأبى فقالت و الله لتنزلن أو لأتعرين- و أهوت بيدها إلى ثيابها- فلما رأى ذلك نزل فذهبت به- و أحاط جارية و زياد بالدار و قال جارية علي بالنار- فقالت الأزد لسنا من الحريق بالنار في شي‏ء- و هم قومك و أنت أعلم فحرق جارية الدار عليهم- فهلك ابن الحضرمي في سبعين رجلا- أحدهم عبد الرحمن بن عمير بن عثمان القرشي التيمي- و سمي جارية منذ ذلك اليوم محرقا- و سارت الأزد بزياد حتى أوطنوه قصر الإمارة- و معه بيت المال و قالت له- هل بقي علينا من جوارك شي‏ء قال لا قالوا فبرئنا منه- فقال نعم فانصرفوا عنه- و كتب زياد إلى أمير المؤمنين ع- أما بعد فإن جارية بن قدامة العبد الصالح قدم من عندك- فناهض جمع ابن الحضرمي بمن نصره و أعانه من الأزد- ففضه و اضطره إلى دار من دور البصرة في عدد كثير من أصحابه- فلم يخرج حتى حكم الله تعالى بينهما- فقتل ابن الحضرمي و أصحابه- منهم من أحرق بالنار و منهم من ألقي عليه جدار- و منهم من هدم عليه البيت من أعلاه- و منهم من قتل بالسيف- و سلم‏ منهم نفر أنابوا و تابوا- فصفح عنهم و بعدا لمن عصى و غوى- و السلام على أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته- . فلما وصل كتاب زياد قرأه علي ع على الناس- و كان زياد قد أنفذه مع ظبيان بن عمارة- فسر علي ع بذلك و سر أصحابه- و أثنى على جارية و على الأزد و ذم البصرة-فقال إنها أول القرى خرابا أما غرقا و أما حرقا- حتى يبقى مسجدها كجؤجؤ سفينة- ثم قال لظبيان أين منزلك منها فقال مكان كذا فقال- عليك بضواحيها- . و قال ابن العرندس الأزدي يذكر تحريق ابن الحضرمي- و يعير تميما بذلك-

رددنا زيادا إلى داره
و جار تميم ينادي الشجب‏

لحا الله قوما شووا جارهم‏
لعمري لبئس الشواء الشصب‏

ينادي الخناق و أبناءها
و قد شيطوا رأسها باللهب‏

و الخناق لقب قوم بني تميم

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن ‏أبي ‏الحديد) ج 4 

Show More

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

Back to top button
-+=