47 و من كلام له ع في ذكر الكوفة
كَأَنِّي بِكِ يَا كُوفَةُ تُمَدِّينَ مَدَّ الْأَدِيمِ الْعُكَاظِيِّ- تُعْرَكِينَ بِالنَّوَازِلِ- وَ تُرْكَبِينَ بِالزَّلَازِلِ- وَ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِكِ جَبَّارٌ سُوءاً- إِلَّا ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِشَاغِلٍ أَوْ رَمَاهُ بِقَاتِلٍ عكاظ اسم سوق للعرب بناحية مكة- كانوا يجتمعون بها في كل سنة- يقيمون شهرا و يتبايعون- و يتناشدون شعرا و يتفاخرون- قال أبو ذؤيب-
إذا بني القباب على عكاظ
و قام البيع و اجتمع الألوف
فلما جاء الإسلام هدم ذلك- و أكثر ما كان يباع الأديم بها فنسب إليها- . و الأديم واحد و الجمع أدم- كما قالوا أفيق للجلد الذي لم تتم دباغته و جمعه أفق- و قد يجمع أديم على آدمة- كما قالوا رغيف و أرغفة- . و الزلازل هاهنا الأمور المزعجة و الخطوب المحركة- .
و قوله ع تمدين مد الأديم- استعارة لما ينالها من العسف و الخبط- و قوله تعركين- من عركت القوم الحرب إذا مارستهم حتى أتعبتهم
فصل في ذكر فضل الكوفة
و قد جاء في فضل الكوفة عن أهل البيت ع شيء كثير- نحوقول أمير المؤمنين ع نعمت المدرةو قوله ع إنه يحشر من ظهرها يوم القيامة سبعون ألفا- وجوههم على صورة القمرو قوله ع هذه مدينتنا و محلتنا و مقر شيعتناو قول جعفر بن محمد ع اللهم ارم من رماها و عاد من عاداهاو قوله ع تربة تحبنا و نحبها- . فأما ما هم به الملوك و أرباب السلطان فيها من السوء- و دفاع الله تعالى عنها فكثير- .
قال المنصور لجعفر بن محمد ع- إني قد هممت أن أبعث إلى الكوفة من ينقض منازلها- و يجمر نخلها- و يستصفي أموالها- و يقتل أهل الريبة منها- فأشر علي- فقال يا أمير المؤمنين إن المرء ليقتدي بسلفه- و لك أسلاف ثلاثة سليمان أعطي فشكر- و أيوب ابتلي فصبر- و يوسف قدر فغفر- فاقتد بأيهم شئت- فصمت قليلا ثم قال قد غفرت.
و روى أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي- في كتاب المنتظم أن زيادا لما حصبه أهل الكوفة- و هو يخطب على المنبر- قطع أيدي ثمانين منهم- و هم أن يخرب دورهم و يجمر نخلهم- فجمعهم حتى ملأ بهم المسجد و الرحبة- يعرضهم على البراءة من علي ع- و علم أنهم سيمتنعون- فيحتج بذلك على استئصالهم- و إخراب بلدهم- . قال عبد الرحمن بن السائب الأنصاري- فإني لمع نفر من قومي- و الناس يومئذ في أمر عظيم- إذ هومت تهويمه- فرأيت شيئا أقبل طويل العنق- مثل عنق البعير أهدر أهدل- فقلت ما أنت- فقال أنا النقاد ذو الرقبة- بعثت إلى صاحب هذا القصر فاستيقظت فزعا- فقلت لأصحابي هل رأيتم ما رأيت- قالوا لا فأخبرتهم- و خرج علينا خارج من القصر- فقال انصرفوا- فإن الأمير يقول لكم إني عنكم اليوم مشغول- و إذا بالطاعون قد ضربه- فكان يقول إني لأجد في النصف من جسدي حر النار حتى مات- فقال عبد الرحمن بن السائب-
ما كان منتهيا عما أراد بنا
حتى تناوله النقاد ذو الرقبة
فاثبت الشق منه ضربة عظمت
كما تناول ظلما صاحب الرحبة
قلت قد يظن ظان أن قوله صاحب الرحبة- يمكن أن يحتج به من قال- إن قبر أمير المؤمنين ع في رحبة المسجد بالكوفة- و لا حجة في ذلك- لأن أمير المؤمنين كان يجلس معظم زمانه في رحبة المسجد- يحكم بين الناس فجاز أن ينسب إليه بهذا الاعتبار
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 3