44 و من كلام له ع- لما هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية
و كان قد ابتاع سبي بني ناجية من عامل أمير المؤمنين ع- و أعتقه فلما طالبه بالمال خاس به و هرب إلى الشام- فقالقَبَحَ اللَّهُ مَصْقَلَةَ- فَعَلَ فِعْلَ السَّادَةِ وَ فَرَّ فِرَارَ الْعَبِيدِ- فَمَا أَنْطَقَ مَادِحَهُ حَتَّى أَسْكَتَهُ- وَ لَا صَدَّقَ وَاصِفَهُ حَتَّى بَكَّتَهُ- وَ لَوْ أَقَامَ لَأَخَذْنَا مَيْسُورَهُ- وَ انْتَظَرْنَا بِمَالِهِ وُفُورَهُ خاس به يخيس و يخوس أي غدر به- و خاس فلان بالعهد أي نكث- . و قبح الله فلانا أي نحاه عن الخير فهو مقبوح- . و التبكيت كالتقريع و التعنيف- و الوفور مصدر وفر المال أي تم و يجيء متعديا- و يروى موفوره و الموفور التام- و قد أخذ هذا المعنى بعض الشعراء فقال-
يا من مدحناه فأكذبنا
بفعاله و أثابنا خجلا
بردا قشيبا من مدائحنا
سربلت فاردده لنا سملا
إن التجارب تهتك المستور من
أبنائها و تبهرج الرجلا
نسب بني ناجية
فأما القول في نسب بني ناجية- فإنهم ينسبون أنفسهم إلى سامة بن لؤي بن غالب- بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة- بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر- بن نزار بن معد بن عدنان- و قريش تدفعهم عن هذا النسب- و يسمونهم بني ناجية و هي أمهم- و هي امرأة سامة بن لؤي بن غالب- و يقولون إن سامة خرج إلى ناحية البحرين- مغاضبا لأخيه كعب بن لؤي في مماظة كانت بينهما- فطأطأت ناقته رأسها لتأخذ العشب- فعلق بمشفرها أفعى- ثم عطفت على قتبها فحكته به- فدب الأفعى على القتب حتى نهش ساق سامة فقتله- فقال أخوه كعب بن لؤي يرثيه-
عين جودي لسامة بن لؤي
علقت ساق سامة العلاقه
رب كأس هرقتها ابن لؤي
حذر الموت لم تكن مهراقه
قالوا و كانت معه امرأته ناجية- فلما مات تزوجت رجلا في البحرين- فولدت منه الحارث و مات أبوه و هو صغير- فلما ترعرع طمعت أمه أن تلحقه بقريش- فأخبرته أنه ابن سامة بن لؤي بن غالب- فرحل من البحرين إلى مكة و معه أمه- فأخبر كعب بن لؤي أنه ابن أخيه سامة- فعرف كعب أمه ناجية- فظن أنه صادق في دعواه- فقبله و مكث عنده مدة- حتى قدم مكة ركب من البحرين- فرأوا الحارث فسلموا عليه و حادثوه- فسألهم كعب بن لؤي من أين يعرفونه- فقالوا هذا ابن رجل من بلدنا يعرف بفلان- و شرحوا له خبره- فنفاه كعب عن مكة و نفى أمه فرجعا إلى البحرين- فكانا هناك و تزوج الحارث فأعقب هذا العقب- .
و قال هؤلاء إنه روي عن رسول الله ص أنه قال عمي سامة لم يعقب – . و زعم ابن الكلبي أن سامة بن لؤي ولد غالب بن سامة- و الحارث بن سامة و أم غالب بن سامة ناجية ثم هلك سامة- فخلف عليها ابنه الحارث بن سامة نكاح مقت- ثم هلك ابنا سامة و لم يعقبا- و إن قوما من بني ناجية بن جرم بن ربان بن علاف- ادعوا أنهم بنو سامة بن لؤي و أن أمهم ناجية هذه- و نسبوها هذا النسب- و انتموا إلى الحارث بن سامة- و هم الذين باعهم علي ع على مصقلة بن هبيرة- و هذا هو قول الهيثم بن عدي- كل هذا ذكره أبو الفرج الأصفهاني- في كتاب الأغاني الكبير- . و وجدت أنا في جمهرة النسب لابن الكلبي كلاما- قد صرح فيه بأن سامة بن لؤي أعقب- فقال ولد سامة بن لؤي الحارث و أمه هند بنت تيم- و غالب بن سامة و أمه ناجية بنت جرم بن بابان من قضاعة- فهلك غالب بعد أبيه و هو ابن اثنتي عشرة سنة- فولد الحارث بن سامة لؤيا و عبيدة و ربيعة و سعدا- و أمهم سلمى بنت ثيم بن شيبان بن محارب بن فهر- و عبد البيت و أمه ناجية بنت جرم- خلف عليها الحارث بعد أبيه بنكاح مقت- فهم الذين قتلهم علي ع- .
قال أبو الفرج الأصفهاني أما الزبير بن بكار- فإنه أدخلهم في قريش و هم قريش العازبة- قال و إنما سموا العازبة لأنهم عزبوا عن قومهم- فنسبوا إلى أمهم ناجية بنت جرم بن ربان بن علاف- و هو أول من اتخذ الرحال العلافية فنسبت إليه-و اسم ناجية ليلى- و إنما سميت ناجية- لأنها سارت مع سامة في مفازة فعطشت فاستسقته- فقال لها الماء بين يديك و هو يريها السراب- حتى أتت إلى الماء فشربت فسميت ناجية- .
قال أبو الفرج- و للزبير بن بكار في إدخالهم في قريش مذهب- و هو مخالفة أمير المؤمنين علي ع- و ميله إليهم لإجماعهم على بغضه ع- حسب المشهور المأثور من مذهب الزبير في ذلك
نسب علي بن الجهم و ذكر طائفة من أخباره و شعره
و من المنتسبين إلى سامة بن لؤي علي بن الجهم الشاعر- و هو علي بن الجهم بن بدر- بن جهم بن مسعود بن أسيد بن أذينة بن كراز- بن كعب بن جابر بن مالك بن عتبة بن الحارث- بن عبد البيت بن سامة بن لؤي بن غالب- . هكذا ينسب نفسه و كان مبغضا لعلي ع- ينحو نحو مروان بن أبي حفصة- في هجاء الطالبيين و ذم الشيعة و هو القائل-
و رافضة تقول بشعب رضوى
إمام خاب ذلك من إمام
إمام من له عشرون ألفا
من الأتراك مشرعة السهام
و قد هجاه أبو عبادة البحتري فقال فيه-
إذا ما حصلت عليا قريش
فلا في العير أنت و لا النفير
و لو أعطاك ربك ما تمنى
لزاد الخلق في عظم الأيور
و ما الجهم بن بدر حين يعزى
من الأقمار ثم و لا البدور
علام هجوت مجتهدا عليا
بما لفقت من كذب و زور
أ ما لك في استك الوجعاء شغل
يكفك عن أذى أهل القبور
و سمع أبو العيناء علي بن الجهم يوما- يطعن على أمير المؤمنين- فقال له أنا أدري لم تطعن على أمير المؤمنين- فقال أ تعني قصة بيعة أهلي من مصقلة بن هبيرة- قال لا أنت أوضع من ذلك- و لكنه ع قتل الفاعل من قوم لوط و المفعول به- و أنت أسفلهما- و من شعر علي بن الجهم لما حبسه المتوكل-
أ لم تر مظهرين علي عتبا
و هم بالأمس إخوان الصفاء
فلما أن بليت غدوا و راحوا
علي أشد أسباب البلاء
أبت أخطارهم أن ينصروني
بمال أو بجاه أو ثراء
و خافوا أن يقال لهم خذلتم
صديقا فادعوا قدم الجفاء
تظافرت الروافض و النصارى
و أهل الاعتزال على هجائي
و عابوني و ما ذنبي إليهم
سوى علمي بأولاد الزناء
يعني بالروافض نجاح بن مسلمة و النصارى بختيشوع- و أهل الاعتزال علي بن يحيى بن المنجم- . قال أبو الفرج- و كان علي بن الجهم من الحشوية شديد النصب- عدوا للتوحيد و العدل- فلما سخط المتوكل على أحمد بن أبي دواد و كفاه- شمت به علي بن الجهم فهجاه و قال فيه-
يا أحمد بن أبي دواد دعوة
بعثت عليك جنادلا و حديدا
ما هذه البدع التي سميتها
بالجهل منك العدل و التوحيدا
أفسدت أمر الدين حين وليته
و رميته بأبي الوليد وليدا
أبو الوليد بن أحمد بن أبي دواد و كان رتبه قاضيا-
لا محكما جلدا و لا مستطرفا
كهلا و لا مستحدثا محمودا
شرها إذا ذكر المكارم و العلا
ذكر القلايا مبدئا و معيدا
و يود لو مسخت ربيعة كلها
و بنو أياد صحفة و ثريدا
و إذا تربع في المجالس خلته
ضبعا و خلت بني أبيه قرودا
و إذا تبسم ضاحكا شبهته
شرقا تعجل شربه مردودا
لا أصبحت بالخير عين أبصرت
تلك المناخر و الثنايا السودا
و قال يهجوه لما فلج-
لم يبق منك سوى خيالك لامعا
فوق الفراش ممهدا بوساد
فرحت بمصرعك البرية كلها
من كان منهم موقنا بمعاد
كم مجلس لله قد عطلته
كي لا يحدث فيه بالإسناد
و لكم مصابيح لنا أطفأتها
حتى تحيد عن الطريق الهادي
و لكم كريمة معشر أرملتها
و محدث أوثقت في الأقياد
إن الأسارى في السجون تفرجوا
لما أتتك مواكب العواد
و غدا لمصرعك الطبيب فلم يجد
لدواء دائك حيلة المرتاد
فذق الهوان معجلا و مؤجلا
و الله رب العرش بالمرصاد
لا زال فالجك الذي بك دائما
و فجعت قبل الموت بالأولاد
و روى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني- في ترجمة مروان بن أبي حفصة الأصغر- أن علي بن الجهم خطب امرأة من قريش- فلم يزوجوه و بلغ المتوكل ذلك- فسأل عن السبب فحدث بقصة بني سامة بن لؤي- و أن أبا بكر و عمر لم يدخلاهم في قريش- و أن عثمان أدخلهم فيها- و أن عليا ع أخرجهم منها فارتدوا- و أنه قتل من ارتد منهم و سبى بقيتهم- فباعهم من مصقلة بن هبيرة فضحك المتوكل- و بعث إلى علي بن الجهم فأحضره- و أخبره بما قال القوم- و كان فيهم مروان بن أبي حفصة المكنى أبا السمط- و هو مروان الأصغر- و كان المتوكل يغريه بعلي بن الجهم- و يضعه على هجائه و ثلبه فيضحك منهما- فقال مروان
إن جهما حين تنسبه
ليس من عجم و لا عرب
لج في شتمي بلا سبب
سارق للشعر و النسب
من أناس يدعون أبا
ما له في الناس من عقب
فغضب علي بن الجهم و لم يجبه لأنه كان يستحقره- فأومأ إليه المتوكل أن يزيده فقال-
أ أنتم يا ابن جهم من قريش
و قد باعوكم ممن تريد
أ ترجو أن تكاثرنا جهارا
بأصلكم و قد بيع الجدود
فلم يجبه ابن الجهم فقال فيه أيضا-
علي تعرضت لي ضله
لجهلك بالشعر يا مائق
تروم قريشا و أنسابها
و أنت لأنسابها سارق
فإن كان سامة جدا لكم
فأمك مني إذا طالق
نسب مصقلة بن هبيرة
فأما نسب مصقلة بن هبيرة- فإن ابن الكلبي قد ذكره في جمهرة النسب- فقال هو مصقلة بن هبيرة بن شبل بن يثربي- بن إمرئ القيس بن ربيعة بن مالك بن ثعلبة- بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب- بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب- بن أفصى بن دعمي بن جديلة- بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان
خبر بني ناجية مع علي
و أما خبر بني ناجية مع أمير المؤمنين ع- فقد ذكره إبراهيم بن هلال الثقفي في كتاب الغارات- قال حدثني محمد بن عبد الله بن عثمان عن نصر بن مزاحم- قال حدثني عمر بن سعد- عمن حدثه ممن أدرك أمر بني ناجية- قال لما بايع أهل البصرة عليا بعد الهزيمة- دخلوا في الطاعة غير بني ناجية فإنهم عسكروا- فبعث إليهم علي ع رجلا من أصحابه في خيل ليقاتلهم- فأتاهم فقال ما بالكم عسكرتم- و قد دخل الناس في الطاعة غيركم- فافترقوا ثلاث فرق- فرقه قالوا كنا نصارى فأسلمنا- و دخلنا فيما دخل الناس فيه من الفتنة- و نحن نبايع كما بايع الناس فأمرهم فاعتزلوا- و فرقة قالوا كنا نصارى فلم نسلم- و خرجنا مع القوم الذين كانوا خرجوا- قهرونا فاخرجونا كرها فخرجنا معهم فهزموا- فنحن ندخل فيما دخل الناس فيه- و نعطيكم الجزية كما أعطيناهم- فقال اعتزلوا فاعتزلوا- و فرقة قالوا كنا نصارى فأسلمنا فلم يعجبنا الإسلام- فرجعنا إلى النصرانية- فنحن نعطيكم الجزية كما أعطاكم النصارى- فقال لهم توبوا و ارجعوا إلى الإسلام فأبوا- فقتل مقاتلهم و سبى ذراريهم- و قدم بهم على علي ع
قصة الخريت بن راشد الناجي و خروجه على علي
قال ابن هلال الثقفي- و روى محمد بن عبد الله بن عثمان عن أبي سيف- عن الحارث بن كعب الأزدي- عن عمه عبد الله بن قعين الأزدي قال كان الخريت بن راشد الناجي أحد بني ناجية- قد شهد مع علي ع صفين- فجاء إلى علي ع بعد انقضاء صفين- و بعد تحكيم الحكمين في ثلاثين من أصحابه- يمشي بينهم حتى قام بين يديه- فقال لا و الله لا أطيع أمرك و لا أصلي خلفك- و إني غدا لمفارق لك- فقال له ثكلتك أمك- إذا تنقض عهدك و تعصي ربك- و لا تضر إلا نفسك أخبرني لم تفعل ذلك- قال لأنك حكمت في الكتاب- و ضعفت عن الحق إذ جد الجد- و ركنت إلى القوم الذين ظلموا أنفسهم- فأنا عليك راد و عليهم ناقم و لكم جميعا مباين- . فقال له علي ع ويحك- هلم إلي أدارسك و أناظرك في السنن- و أفاتحك أمورا من الحق أنا أعلم بها منك- فلعلك تعرف ما أنت الآن له منكر- و تبصر ما أنت الآن عنه عم و به جاهل- فقال الخريت فإني غاد عليك غدا- فقال علي ع اغد و لا يستهوينك الشيطان- و لا يتقحمن بك رأي السوء- و لا يستخفنك الجهلاء الذين لا يعلمون- فو الله إن استرشدتني و استنصحتني- و قبلت مني لأهدينك سبيل الرشاد- .
فخرج الخريت من عنده منصرفا إلى أهله- . قال عبد الله بن قعين فعجلت في أثره مسرعا- و كان لي من بني عمه صديق- فأردت أن ألقى ابن عمه في ذلك- فأعلمه بما كان من قوله لأمير المؤمنين- و آمر ابن عمه أن يشتد بلسانه عليه- و أن يأمره بطاعة أمير المؤمنين و مناصحته- و يخبره أن ذلك خير له في عاجل الدنيا و آجل الآخرة- . قال فخرجت حتى انتهيت إلى منزله و قد سبقني- فقمت عند باب دار فيها رجال من أصحابه- لم يكونوا شهدوا معه دخوله على أمير المؤمنين ع- فو الله ما رجع-و لا ندم على ما قال لأمير المؤمنين و ما رد عليه- و لكنه قال لهم يا هؤلاء- إني قد رأيت أن أفارق هذا الرجل- و قد فارقته على أن أرجع إليه من غد- و لا أرى إلا المفارقة- فقال له أكثر أصحابه لا تفعل حتى تأتيه- فإن أتاك بأمر تعرفه قبلت منه- و إن كانت الأخرى فما أقدرك على فراقه- قال لهم نعم ما رأيتم- قال فاستأذنت عليهم فأذنوا لي- فأقبلت على ابن عمه- و هو مدرك بن الريان الناجي و كان من كبراء العرب- فقلت له إن لك على حقا لإحسانك و ودك- و حق المسلم على المسلم- إن ابن عمك كان منه ما قد ذكر لك- فأخل به فاردد عليه رأيه و عظم عليه ما أتى- و اعلم أني خائف- إن فارق أمير المؤمنين أن يقتلك و نفسه و عشيرته-
فقال جزاك الله خيرا من أخ- إن أراد فراق أمير المؤمنين ع ففي ذلك هلاكه- و إن اختار مناصحته و الإقامة معه- ففي ذلك حظه و رشده- . قال فأردت الرجوع إلى علي ع لأعلمه الذي كان- ثم اطمأننت إلى قول صاحبي- فرجعت إلى منزلي فبت ثم أصبحت- فلما ارتفع النهار أتيت أمير المؤمنين ع- فجلست عنده ساعة- و أنا أريد أن أحدثه بالذي كان على خلوة- فأطلت الجلوس و لا يزداد الناس إلا كثرة- فدنوت منه فجلست وراءه فأصغى إلي برأسه- فأخبرته بما سمعته من الخريت- و ما قلت لابن عمه و ما رد علي- فقال ع دعه- فإن قبل الحق و رجع عرفنا له ذلك و قبلناه منه- فقلت يا أمير المؤمنين فلم لا تأخذه الآن فتستوثق منه- فقال إنا لو فعلنا هذا بكل من يتهم من الناس- ملأنا السجون منهم- و لا أراني يسعني الوثوب بالناس- و الحبس لهم و عقوبتهم حتى يظهروا لي الخلاف- . قال فسكت عنه و تنحيت فجلست مع أصحابي هنيهة-
فقال لي عادن مني فدنوت- فقال لي مسرا اذهب إلى منزل الرجل فاعلم ما فعل- فإنه قل يوم لم يكن يأتيني فيه قبل هذه الساعة- فأتيت إلى منزله فإذا ليس في منزله منهم ديار- فدرت على أبواب دور أخرى- كان فيها طائفة من أصحابه- فإذا ليس فيها داع و لا مجيب- فأقبلت إلى أمير المؤمنين ع فقال لي حين رآني- أ وطنوا فأقاموا أم جبنوا فظعنوا- قلت لا بل ظعنوا- فقال أبعدهم الله كما بعدت ثمود- أما و الله لو قد أشرعت لهم الأسنة- و صبت على هامهم السيوف لقد ندموا- إن الشيطان قد استهواهم و أضلهم- و هو غدا متبرئ منهم و مخل عنهم- فقام إليه زياد بن خصفة- فقال يا أمير المؤمنين- إنه لو لم يكن من مضرة هؤلاء إلا فراقهم إيانا- لم يعظم فقدهم علينا- فإنهم قلما يزيدون في عددنا لو أقاموا معنا- و قلما ينقصون من عددنا بخروجهم منا- و لكنا نخاف أن يفسدوا علينا جماعة كثيرة- ممن يقدمون عليهم من أهل طاعتك- فائذن لي في اتباعهم حتى أردهم عليك إن شاء الله- . فقال له ع فاخرج في آثارهم راشدا- فلما ذهب ليخرج قال له و هل تدري أين توجه القوم- قال لا و الله و لكني أخرج فأسأل و أتبع الأثر- فقال اخرج رحمك الله حتى تنزل دير أبي موسى- ثم لا تبرحه حتى يأتيك أمري- فإنهم إن كانوا خرجوا ظاهرين بارزين للناس في جماعة- فإن عمالي ستكتب إلي بذلك- و إن كانوا متفرقين مستخفين فذلك أخفى لهم- و سأكتب إلى من حولي من عمالي فيهم- .
فكتب نسخة واحدة و أخرجها إلى العمال من عبد الله علي أمير المؤمنين- إلى من قرئ عليه كتابي هذا من العمال- أما بعد فإن رجالا لنا عندهم تبعة- خرجوا هرابا نظنهم خرجوا نحو بلاد البصرة- فاسأل عنهم أهل بلادك- و اجعل عليهم العيون في كل ناحية من أرضك- ثم اكتب إلي بما ينتهي إليك عنهم و السلام
فخرج زياد بن خصفة حتى أتى داره- و جمع أصحابه فحمد الله و أثنى عليه- ثم قال يا معشر بكر بن وائل- إن أمير المؤمنين ندبني لأمر من أموره مهم له- و أمرني بالانكماش فيه بالعشيرة- حتى آتي أمره و أنتم شيعته و أنصاره- و أوثق حي من أحياء العرب في نفسه- فانتدبوا معي الساعة و عجلوا- فو الله ما كان إلا ساعة حتى اجتمع إليه مائة و ثلاثون رجلا- فقال اكتفينا لا نريد أكثر من هؤلاء- فخرج حتى قطع الجسر- ثم أتى دير أبي موسى فنزله- فأقام به بقية يومه ذلك- ينتظر أمر أمير المؤمنين ع- .
قال إبراهيم بن هلال- فحدثني محمد بن عبد الله- عن ابن أبي سيف- عن أبي الصلت التيمي- عن أبي سعيد- عن عبد الله بن وأل التيمي- قال إني لعند أمير المؤمنين إذا فيج- قد جاءه يسعى بكتاب- من قرظة بن كعب بن عمرو الأنصاري- و كان أحد عماله فيه- لعبد الله علي أمير المؤمنين من قرظة بن كعب- سلام عليك- فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو- أما بعد فإني أخبر أمير المؤمنين- أن خيلا مرت من قبل الكوفة متوجهة نحو نفر- و أن رجلا من دهاقين أسفل الفرات قد أسلم و صلى- يقال له زاذان فروخ أقبل من عند أخوال له فلقوه- فقالوا له أ مسلم أنت أم كافر- قال بل مسلم- قالوا فما تقول في علي- قال أقول فيه خيرا- أقول إنه أمير المؤمنين ع و سيد البشر- و وصي رسول الله ص- فقالوا كفرت يا عدو الله- ثم حملت عليه عصابة منهم فقطعوه بأسيافهم- و أخذوا معه رجلا من أهل الذمة يهوديا- فقالوا له ما دينك قال يهودي- فقالوا خلوا سبيل هذا لا سبيل لكم عليه- فأقبل إلينا ذلك الذمي فأخبرنا الخبر- و قد سألت عنهم فلم يخبرني أحد عنهم بشيء- فليكتب إلي أمير المؤمنين فيهم برأي أنته إليه- إن شاء الله- .
فكتب إليه أمير المؤمنين ع أما بعد- فقد فهمت ما ذكرت من أمر العصابة التي مرت بعملك- فقتلت البر المسلم- و أمن عندهم المخالف المشرك- و أن أولئك قوم استهواهم الشيطان فضلوا- كالذين حسبوا ألا تكون فتنة فعموا و صموا- فأسمع بهم و أبصر يوم تخبر أعمالهم- فالزم عملك و أقبل على خراجك- فإنك كما ذكرت في طاعتك و نصيحتك و السلام
قال فكتب علي ع إلى زياد بن خصفة- مع عبد الله بن وأل التيمي كتابا نسخته- أما بعد- فقد كنت أمرتك أن تنزل دير أبي موسى- حتى يأتيك أمري- و ذلك أني لم أكن علمت أين توجه القوم- و قد بلغني أنهم أخذوا نحو قرية من قرى السواد- فاتبع آثارهم و سل عنهم- فإنهم قد قتلوا رجلا من أهل السواد مسلما مصليا- فإذا أنت لحقت بهم فارددهم إلي- فإن أبوا فناجزهم- و استعن بالله عليهم- فإنهم قد فارقوا الحق- و سفكوا الدم الحرام- و أخافوا السبيل و السلام – .
قال عبد الله بن وأل- فأخذت الكتاب منه ع و أنا يومئذ شاب- فمضيت به غير بعيد ثم رجعت إليه- فقلت يا أمير المؤمنين- أ لا أمضي مع زياد بن خصفة إلى عدوك- إذا دفعت إليه كتابك- فقال يا ابن أخي افعل- فو الله إني لأرجو أن تكون من أعواني على الحق- و أنصاري على القوم الظالمين- قال فو الله ما أحب أن لي بمقالته تلك حمر النعم- فقلت له يا أمير المؤمنين- أنا و الله كذلك من أولئك- أنا و الله حيث تحب- . ثم مضيت إلى زياد بالكتاب- و أنا على فرس رائع كريم و على السلاح- فقال لي زياد يا ابن أخي و الله ما لي عنك من غنى- و إني أحب أن تكون معي في وجهي هذا- فقلت إني قد استأذنت أمير المؤمنين في ذلك- فأذن لي فسر بذلك- ثم خرجنا حتى أتينا الموضع الذي كانوا فيه- فسألنا عنهم فقيل أخذوا نحو المدائن فلحقناهم- و هم نزول بالمدائن و قد أقاموا بها يوما و ليلة- و قد استراحوا و علفوا خيولهم فهم جامون مريحون- و أتيناهم و قد تقطعنا و لغبنا و نصنا- فلما رأونا وثبوا على خيولهم- فاستووا عليها فجئنا حتى انتهينا إليهم- فنادى الخريت بن راشد يا عميان القلوب و الأبصار- أ مع الله و كتابه أنتم أم مع القوم الظالمين- فقال له زياد بن خصفة- بل مع الله و كتابه و سنة رسوله- و مع من الله و رسوله و كتابه آثر عنده من الدنيا ثوابا- و لو أنها منذ يوم خلقت إلى يوم تفنى لآثر الله عليها- أيها العمي الأبصار الصم الأسماع- . فقال الخريت فأخبرونا ما تريدون-
فقال له زياد و كان مجربا رفيقا- قد ترى ما بنا من النصب و اللغوب- و الذي جئنا له- لا يصلح فيه الكلام علانية على رءوس أصحابك- و لكن تنزلون و ننزل ثم نخلو جميعا- فنتذاكر أمرنا و ننظر فيه- فإن رأيت فيما جئنا له حظا لنفسك قبلته- و إن رأيت فيما أسمع منك أمرا- أرجو فيه العافية لنا و لك لم أرده عليك- .
فقال الخريت انزل فنزل فأقبل إلينا زياد- فقال انزلوا على هذا الماء- فأقبلنا حتى انتهينا إلى الماء فنزلنا به- فما هو إلا أن نزلنا فتفرقنا- فتحلقنا عشرة و تسعة و ثمانية و سبعة- تضع كل حلقة طعامها بين أيديها- لتأكل ثم تقوم إلى الماء فتشرب- .و قال لنا زياد علقوا على خيولكم فعلقنا عليها مخاليها- و وقف زياد في خمسة فوارس- أحدهم عبد الله بن وأل بيننا و بين القوم- و انطلق القوم فتنحوا فنزلوا و أقبل إلينا زياد- فلما رأى تفرقنا و تحلقنا- قال سبحان الله أنتم أصحاب حرب- و الله لو أن هؤلاء جاءوكم الساعة على هذه الحالة- ما أرادوا من غرتكم أفضل من أعمالكم التي أنتم عليها- عجلوا قوموا إلى خيولكم فأسرعنا- فمنا من يتوضأ و منا من يشرب و منا من يسقي فرسه- حتى إذا فرغنا من ذلك أتينا زيادا- و إن في يده لعرقا ينهسه فنهس منه نهستين أو ثلاثة- ثم أتى بإداوة فيها ماء فشرب ثم ألقى العرق من يده- و قال يا هؤلاء إنا قد لقينا العدو- و إن القوم لفي عدتكم- و لقد حزرتهم فما أظن أحد الفريقين- يزيد على الآخر خمسة نفر- فإني أرى أمركم و أمرهم سيصير إلى القتال- فإن كان ذلك فلا تكونوا أعجز الفريقين- .
ثم قال ليأخذ كل رجل منكم بعنان فرسه- فإذا دنوت منهم و كلمت صاحبهم- فإن تابعني على ما أريد- و إلا فإذا دعوتكم فاستووا على متون خيلكم- ثم أقبلوا معا غير متفرقين- ثم استقدم أمامنا و أنا معه- فسمعت رجلا من القوم يقول- جاءكم القوم و هم كالون معيون- و أنتم جامون مريحون- فتركتموهم حتى نزلوا فأكلوا و شربوا- و أراحوا دوابهم هذا و الله سوء الرأي- .
قال و دعا زياد صاحبهم الخريت- فقال له اعتزل ننظر في أمرنا- فأقبل إليه في خمسة نفر- فقلت لزياد أدعو لك ثلاثة نفر من أصحابنا- حتى نلقاهم في عددهم- فقال ادع من أحببت- فدعوت له ثلاثة فكنا خمسة و هم خمسة- . فقال له زياد- ما الذي نقمت على أمير المؤمنين و علينا حتى فارقتنا- فقال لم أرض صاحبكم إماما و لم أرض بسيرتكم سيرة- فرأيت أن أعتزل- و أكون مع من يدعو إلى الشورى بين الناس- فإذا اجتمع الناس على رجل- هو لجميع الأمة رضا كنت مع الناس- .
فقال زياد ويحك- و هل يجتمع الناس على رجل يداني عليا- عالما بالله و بكتابه و سنة رسوله- مع قرابته و سابقته في الإسلام- فقال الخريت هو ما أقول لك- فقال ففيم قتلتم الرجل المسلم- فقال الخريت ما أنا قتلته قتلته طائفة من أصحابي- قال فادفعهم إلينا قال ما إلي ذلك من سبيل- قال أو هكذا أنت فاعل قال هو ما تسمع- . قال فدعونا أصحابنا و دعا الخريت أصحابه ثم اقتتلنا- فو الله ما رأيت قتالا مثله منذ خلقني الله- لقد تطاعنا بالرماح حتى لم يبق في أيدينا رمح- ثم اضطربنا بالسيوف حتى انحنت- و عقرت عامه خيلنا و خيلهم- و كثرت الجراح فيما بيننا و بينهم- و قتل منا رجلان- مولى لزياد كانت معه رأيته يدعى سويدا- و رجل من الأبناء يدعى واقد بن بكر- و صرع منهم خمسة نفر- و حال الليل بيننا و بينهم- و قد و الله كرهونا و كرهناهم- و هرونا و هررناهم- و قد جرح زياد و جرحت- ثم إنا بتنا في جانب و تنحوا- فمكثوا ساعة من الليل ثم مضوا فذهبوا و أصبحنا- فوجدناهم قد ذهبوا فو الله ما كرهنا ذلك- فمضينا حتى أتينا البصرة- و بلغنا أنهم أتوا الأهواز فنزلوا في جانب منها- و تلاحق بهم ناس من أصحابهم نحو مائتين- كانوا معهم بالكوفة- لم يكن لهم من القوة ما ينهضون به معهم حين نهضوا- فاتبعوهم من بعد لحوقهم بالأهواز فأقاموا معهم- .
قال و كتب زياد بن خصفة إلى علي ع- أما بعد- فإنا لقينا عدو الله الناجي و أصحابه بالمدائن- فدعوناهم إلى الهدى و الحق و كلمةالسواء- فتولوا عن الحق و أخذتهم العزة بالإثم- و زين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل- فقصدونا و صمدنا صمدهم- فاقتتلنا قتالا شديدا- ما بين قائم الظهر إلى أن دلكت الشمس- و استشهد منا رجلان صالحان- و أصيب منهم خمسة نفر و خلوا لنا المعركة- و قد فشت فينا و فيهم الجراح- ثم إن القوم لما أدركوا الليل خرجوا من تحته- متنكرين إلى أرض الأهواز- و قد بلغني أنهم نزلوا من الأهواز جانبا- و نحن بالبصرة نداوي جراحنا- و ننتظر أمرك رحمك الله و السلام- . فلما أتاه الكتاب قرأه على الناس- فقام إليه معقل بن قيس الرياحي- فقال أصلحك الله يا أمير المؤمنين- إنما كان ينبغي أن يكون مكان كل رجل من هؤلاء- الذين بعثتهم في طلبهم عشرة من المسلمين- فإذا لحقوهم استأصلوا شأفتهم و قطعوا دابرهم- فأما أن تلقاهم بأعدادهم- فلعمري ليصبرن لهم- فإنهم قوم عرب و العدة تصبر للعدة- فيقاتلون كل القتال- .
قال فقال ع له تجهز يا معقل إليهم- و ندب معه ألفين من أهل الكوفة- فيهم يزيد بن معقل و كتب إلى عبد الله بن العباس بالبصرة رحمه الله تعالى أما بعد- فابعث رجلا من قبلك صليبا شجاعا- معروفا بالصلاح في ألفي رجل من أهل البصرة- فليتبع معقل بن قيس- فإذا خرج من أرض البصرة- فهو أمير أصحابه حتى يلقى معقلا- فإذا لقيه فمعقل أمير الفريقين- فليسمع منه و ليطعه و لا يخالفه- و مر زياد بن خصفة فليقبل إلينا- فنعم المرء زياد و نعم القبيل قبيله و السلام
قال و كتب ع إلى زياد بن خصفة- أما بعد فقد بلغني كتابك- و فهمت ما ذكرت به الناجي و أصحابه- الذين طبع الله على قلوبهم- و زين لهم الشيطان أعمالهم- فهم حيارى عمون- يحسبون أنهم يحسنون صنعا- و وصفت ما بلغ بك و بهم الأمر- فأما أنت و أصحابك فلله سعيكم و عليه جزاؤكم- و أيسر ثواب الله للمؤمن خير له من الدنيا- التي يقبل الجاهلون بأنفسهم عليها- فما عندكم ينفد و ما عند الله باق- و لنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون- و أما عدوكم الذين لقيتم فحسبهم خروجهم من الهدى- و ارتكاسهم في الضلالة و ردهم الحق و جماحهم في التيه- فذرهم و ما يفترون- و دعهم في طغيانهم يعمهون- فأسمع بهم و أبصر- فكأنك بهم عن قليل بين أسير و قتيل- فأقبل إلينا أنت و أصحابك مأجورين- فقد أطعتم و سمعتم و أحسنتم البلاء و السلام- .
قال و نزل الناجي جانبا من الأهواز- و اجتمع إليه علوج كثير من أهلها- ممن أراد كسر الخراج و من اللصوص- و طائفة أخرى من الأعراب ترى رأيه- . قال إبراهيم بن هلال- فحدثنا محمد بن عبد الله- قال حدثني ابن أبي سيف- عن الحارث بن كعب- عن عبد الله بن قعين- قال كنت أنا و أخي كعب بن قعين في ذلك الجيش- مع معقل بن قيس- فلما أراد الخروج أتى أمير المؤمنين ع يودعه- فقال يا معقل بن قيس اتق الله ما استطعت- فإنه وصية الله للمؤمنين- لا تبغ على أهل القبلة- و لا تظلم أهل الذمة و لا تتكبر- فإن الله لا يحب المتكبرين –
فقال معقل الله المستعان فقال خير مستعان- .ثم قام فخرج و خرجنا معه حتى نزل الأهواز- فأقمنا ننتظر بعث البصرة فأبطأ علينا فقام معقل- فقال أيها الناس إنا قد انتظرنا أهل البصرة- و قد أبطئوا علينا- و ليس بنا بحمد الله قلة و لا وحشة إلى الناس- فسيروا بنا إلى هذا العدو القليل الذليل- فإني أرجو أن ينصركم الله و يهلكهم- فقام إليه أخي كعب بن قعين- فقال أصبت إن شاء الله رأينا رأيك- و إني لأرجو أن ينصرنا الله عليهم- و إن كانت الأخرى- فإن في الموت على الحق لتعزية عن الدنيا- فقال سيروا على بركة الله فسرنا- فو الله ما زال معقل بن قيس لي و لأخي مكرما وادا- ما يعدل بنا أحدا من الجند- و لا يزال يقول لأخي- كيف قلت إن في الموت على الحق لتعزية عن الدنيا- صدقت و الله و أحسنت و وفقت وفقك الله- قال فو الله ما سرنا يوما- و إذا بفيج يشتد بصحيفة في يده- . من عبد الله بن عباس إلى معقل بن قيس- أما بعد فإن أدركك رسولي بالمكان الذي كنت مقيما به- أو أدركك و قد شخصت منه- فلا تبرحن من المكان الذي ينتهي إليك رسولي و أنت فيه- حتى يقدم عليك بعثنا الذي وجهناه إليك- فقد وجهت إليك خالد بن معدان الطائي- و هو من أهل الدين و الصلاح و النجدة- فاسمع منه و أعرف ذلك له إن شاء الله و السلام- .
قال فقرأه معقل بن قيس على أصحابه- فسروا به و حمدوا الله- و قد كان ذلك الوجه هالهم- و أقمنا حتى قدم علينا خالد بن معدان الطائي- و جاءنا حتى دخل على صاحبنا- فسلم عليه بالإمرة- و اجتمعنا جميعا في عسكر واحد- ثم خرجنا إلى الناجي و أصحابه- فأخذوا يرتفعون نحو جبال رامهرمز- يريدون قلعة حصينة و جاءنا أهل البلد- فأخبرونا بذلك فخرجنا في آثارهم فلحقناهم- و قد دنوا من الجبل فصففنا لهم ثم أقبلنا نحوهم- فجعل معقل على ميمنته يزيد بن المعقل الأزدي- و على ميسرته منجاب بن راشد الضبي- و وقف الخريت بن راشد الناجي بمن معه من العرب- فكانوا ميمنة- و جعل أهل البلد و العلوج- و من أراد كسر الخراج و جماعة من الأكراد ميسرة- . قال و سار فينا معقل يحرضنا- و يقول يا عباد الله لا تبدءوا القوم و غضوا الأبصار- و أقلوا الكلام- و وطنوا أنفسكم على الطعن و الضرب- و أبشروا في قتالهم بالأجر العظيم- إنما تقاتلون مارقة مرقت و علوجا منعوا الخراج- و لصوصا و أكرادا فما تنتظرون- فإذا حملت فشدوا شدة رجل واحد- . قال فمر في الصف يكلمهم يقول هذه المقالة- حتى إذا مر بالناس كلهم أقبل- فوقف وسط الصف في القلب- و نظرنا إليه ما يصنع- فحرك رأسه تحريكتين- ثم حمل في الثالثة و حملنا معه جميعا- فو الله ما صبروا لنا ساعة حتى ولوا و انهزموا- و قتلنا سبعين عربيا من بني ناجية- و من بعض من اتبعه من العرب- و نحو ثلاثمائة من العلوج و الأكراد- .
قال كعب و نظرت فإذا صديقي مدرك بن الريان قتيلا- و خرج الخريت منهزما- حتى لحق بسيف من أسياف البحر- و بها جماعة من قومه كثير- فما زال يسير فيهم و يدعوهم إلى خلاف علي ع- و يزين لهم فراقه و يخبرهم أن الهدى في حربه و مخالفته- حتى اتبعه منهم ناس كثير- . و أقام معقل بن قيس بأرض الأهواز- و كتب إلى أمير المؤمنين ع بالفتح- و كنت أنا الذي قدم بالكتاب عليه و كان في الكتاب- لعبد الله علي أمير المؤمنين من معقل بن قيس- سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو- أما بعد فإنا لقينا المارقين- و قد استظهروا علينا بالمشركين-فقتلنا منهم ناسا كثيرا و لم نعد فيهم سيرتك- فلم نقتل منهم مدبرا و لا أسيرا- و لم نذفف منهم على جريح- و قد نصرك الله و المسلمين- و الحمد لله رب العالمين- .
قال فلما قدمت بالكتاب على علي ع- قرأه على أصحابه و استشارهم في الرأي- فاجتمع رأي عامتهم على قول واحد- قالوا نرى أن تكتب إلى معقل بن قيس يتبع آثارهم- و لا يزال في طلبهم حتى يقتلهم- أو ينفيهم من أرض الإسلام- فإنا لا نأمن أن يفسدوا عليك الناس- . قال فردني إليه و كتب معي- أما بعد- فالحمد لله على تأييده أولياءه و خذله أعداءه- جزاك الله و المسلمين خيرا- فقد أحسنتم البلاء و قضيتم ما عليكم- فاسأل عن أخي بني ناجية- فإن بلغك أنه استقر في بلد من البلدان- فسر إليه حتى تقتله أو تنفيه- فإنه لم يزل للمسلمين عدوا- و للفاسقين وليا و السلام – .
قال فسأل معقل عن مسيره- و المكان الذي انتهى إليه- فنبئ بمكانه بسيف البحر بفارس- و أنه قد رد قومه عن طاعة علي ع- و أفسد من قبله من عبد القيس- و من والاهم من سائر العرب- و كان قومه قد منعوا الصدقة عام صفين- و منعوها في ذلك العام أيضا- فسار إليهم معقل بن قيس في ذلك الجيش- من أهل الكوفة و البصرة- فأخذوا على أرض فارس- حتى انتهوا إلى أسياف البحر- فلما سمع الخريت بن راشد بمسيره- أقبل على من كان معه من أصحابه- ممن يرى رأي الخوارج- فأسر إليهم إني أرى رأيكم- و أن عليا ما كان ينبغي له أن يحكم الرجال في دين الله- و قال لمن يرى رأي عثمان و أصحابه أنا على رأيكم- و إن عثمان قتل مظلوما معقولا- و قال لمن منع الصدقة-شدوا أيديكم على صدقاتكم- ثم صلوا بها أرحامكم- و عودوا إن شئتم على فقرائكم- فأرضى كل طائفة بضرب من القول- و كان فيهم نصارى كثير- و قد كانوا أسلموا- فلما رأوا ذلك الاختلاف- قالوا و الله لديننا الذي خرجنا منه خير- و أهدى من دين هؤلاء- الذين لا ينهاهم دينهم عن سفك الدماء- و إخافة السبل فرجعوا إلى دينهم- . فلقي الخريت أولئك فقال ويحكم- إنه لا ينجيكم من القتل- إلا الصبر لهؤلاء القوم و لقتالهم- أ تدرون ما حكم علي فيمن أسلم من النصارى- ثم رجع إلى النصرانية- لا و الله لا يسمع له قولا و لا يرى له عذرا- و لا يقبل منه توبة و لا يدعوه إليها- و إن حكمه فيه أن يضرب عنقه ساعة يستمكن منه- فما زال حتى خدعهم- و جاءهم من كان من بني ناجية في تلك الناحية و من غيرهم- فاجتمع إليه ناس كثير و كان منكرا داهيا- .
قال فلما رجع معقل- قرأ على أصحابه كتابا من علي ع-فيه من عبد الله علي أمير المؤمنين- إلى من قرئ عليه كتابي هذا- من المسلمين و المؤمنين- و المارقين و النصارى و المرتدين- سلام على من اتبع الهدى- و آمن بالله و رسوله و كتابه- و البعث بعد الموت وافيا بعهد الله- و لم يكن من الخائنين- أما بعد فإني أدعوكم إلى كتاب الله و سنة نبيه- و أن أعمل فيكم بالحق- و بما أمر الله تعالى في كتابه- فمن رجع منكم إلى رحله و كف يده- و اعتزل هذا المارق الهالك المحارب- الذي حارب الله و رسوله و المسلمين- و سعى في الأرض فسادا- فله الأمان على ماله و دمه- و من تابعه على حربنا و الخروج من طاعتنا- استعنا بالله عليه و جعلناه بيننا و بينه- و كفى بالله وليا و السلام.
قال فأخرج معقل راية أمان فنصبها- و قال من أتاها من الناس فهو آمن إلا الخريت- و أصحابه الذين نابذوا أول مرة- فتفرق عن الخريت كل من كان معه من غير قومه- و عبأ معقل بن قيس أصحابه- ثم زحف بهم نحوه- و قد حضر مع الخريت جميع قومه- مسلمهم و نصرانيهم و مانعي الصدقة منهم- فجعل مسلميهم يمنة- و النصارى و مانعي الصدقة يسرة- و جعل يقول لقومه امنعوا اليوم حريمكم- و قاتلوا عن نسائكم و أولادكم- و الله لئن ظهروا عليكم ليقتلنكم و ليسلبنكم- . فقال له رجل من قومه- هذا و الله ما جرته علينا يدك و لسانك- فقال لهم قاتلوا فقد سبق السيف العذل- . قال و سار معقل بن قيس يحرض أصحابه- فيما بين الميمنة و الميسرة- و يقول أيها الناس- ما تدرون ما سيق إليكم في هذا الموقف من الأجر العظيم- إن الله ساقكم إلى قوم منعوا الصدقة- و ارتدوا عن الإسلام- و نكثوا البيعة ظلما و عدوانا- إني شهيد لمن قتل منكم بالجنة- و من عاش بأن الله يقر عينه بالفتح و الغنيمة- ففعل ذلك حتى مر بالناس أجمعين- ثم وقف في القلب برايته- و بعث إلى يزيد بن المعقل الأزدي و هو في الميمنة- أن احمل عليهم فحمل فثبتوا له- فقاتل طويلا و قاتلوه- ثم رجع حتى وقف موقفه الذي كان فيه من الميمنة- ثم بعث إلى المنجاب بن راشد الضبي و هو في الميسرة- أن احمل عليهم فحمل فثبتوا له- فقاتل طويلا و قاتلوه- ثم رجع حتى وقف موقفه الذي كان في الميسرة- ثم بعث معقل إلى ميمنته و ميسرته- إذا حملت فاحملوا جميعا- ثم أجرى فرسه و ضربها و حمل أصحابه فصبروا لهم ساعة- .ثم إن النعمان بن صهبان الراسبي بصر بالخريت- فحمل عليه فصرعه عن فرسه- ثم نزل إليه و قد جرحه- فاختلفا بينهما ضربتين- فقتله النعمان و قتل معه في المعركة سبعون و مائة- و ذهب الباقون في الأرض يمينا و شمالا- و بعث معقل الخيل إلى رحالهم- فسبى من أدرك فيها رجالا و نساء و صبيانا ثم نظر فيهم- فمن كان مسلما خلاه و أخذ بيعته و خلى سبيل عياله- و من كان ارتد عن الإسلام- عرض عليه الرجوع إلى الإسلام و إلا القتل فأسلموا- فخلى سبيلهم و سبيل عيالاتهم إلا شيخا منهم نصرانيا- يقال له الرماحس بن منصور- فإنه قال و الله ما زلت مصيبا مذ عقلت- إلا في خروجي من ديني دين الصدق إلى دينكم دين السوء- لا و الله لا أدع ديني و لا أقرب دينكم ما حييت- . فقدمه معقل فضرب عنقه و جمع الناس- فقال أدوا ما عليكم في هذه السنين من الصدقة- فأخذ من المسلمين عقالين- و عمد إلى النصارى و عيالاتهم فاحتملهم معه- و أقبل المسلمون الذين كانوا معهم يشيعونهم- فأمر معقل بردهم- فلما ذهبوا لينصرفوا تصايحوا- و دعا الرجال و النساء بعضهم إلى بعض- .
قال فلقد رحمتهم رحمة ما رحمتها أحدا قبلهم و لا بعدهم- و كتب معقل إلى علي ع- أما بعد- فإني أخبر أمير المؤمنين عن جنده و عن عدوه- إنا دفعنا إلى عدونا بأسياف البحر- فوجدنا بها قبائل ذات حد و عدد و قد جمعوا لنا- فدعوناهم إلى الجماعة و الطاعة- و إلى حكم الكتاب و السنة- و قرأنا عليهم كتاب أمير المؤمنين ع- و رفعنا لهم راية أمان فمالت إلينا طائفة منهم- و ثبتت طائفة أخرى فقبلنا أمر التي أقبلت- و صمدنا إلى التي أدبرت- فضرب الله وجوههم و نصرنا عليهم- فأما من كان مسلما فإنا مننا عليه- و أخذنا بيعته لأمير المؤمنين- و أخذنا منهم الصدقة التي كانت عليهم- و أما من ارتد- فعرضنا عليهم الرجوع إلى الإسلام و إلا قتلناهم- فرجعوا إلى الإسلام غير رجل واحد فقتلناه- و أما النصارى فإنا سبيناهم و أقبلنا بهم- ليكونوا نكالا لمن بعدهم من أهل الذمة- كي لا يمنعوا الجزية- و لا يجترئوا على قتال أهل القبلة- و هم للصغار و الذلة أهل- رحمك الله يا أمير المؤمنين- و عليك الصلاة و السلام- و أوجب لك جنات النعيم و السلام- .
قال ثم أقبل بالأسارى- حتى مر على مصقلة بن هبيرة الشيباني- و هو عامل لعلي ع على أردشيرخرة و هم خمسمائة إنسان- فبكى إليه النساء و الصبيان و تصايح الرجال- يا أبا الفضل يا حامل الثقل- يا مؤي الضعيف و فكاك العصاة- امنن علينا فاشترنا و أعتقنا- فقال مصقلة أقسم بالله لأتصدقن عليهم- إن الله يجزي المتصدقين- فبلغ قوله معقل بن قيس- فقال و الله لو أعلمه قالها توجعا لهم- و إزراء علي لضربت عنقه- و إن كان في ذلك فناء بني تميم و بكر بن وائل- . ثم إن مصقلة بعث ذهل بن الحارث الذهلي إلى معقل- فقال بعني نصارى ناجية- فقال أبيعكهم بألف ألف درهم فأبى عليه- فلم يزل يراوده حتى باعه إياهم بخمسمائة ألف درهم- و دفعهم إليه- و قال عجل بالمال إلى أمير المؤمنين ع- فقال مصقلة أنا باعث الآن بصدر منه- ثم أتبعك بصدر آخر- ثم كذلك حتى لا يبقى منه شيء- و أقبل معقل إلى أمير المؤمنين ع- فأخبره بما كان من الأمر-
فقال له أحسنت و أصبت و وفقت- . و انتظر علي ع مصقلة أن يبعث بالمال فأبطأ به- و بلغ عليا ع أن مصقلة خلى الأسارى- و لم يسألهم أن يعينوه في فكاك أنفسهم بشيء- فقال ما أرى مصقلة إلا قد حمل حمالة- و لا أراكم إلا سترونه عن قريب مبلدحا- ثم كتب إليه أما بعد فإن من أعظم الخيانة خيانة الأمة- و أعظم الغش على أهل المصر غش الإمام- و عندك من حق المسلمين خمسمائة ألف درهم- فابعث بها إلى حين يأتيك رسولي- و إلا فأقبل إلي حين تنظر في كتابي- فإني قد تقدمت إلى رسولي ألا يدعك ساعة واحدة- تقيم بعد قدومه عليك- إلا أن تبعث بالمال و السلام- . و كان الرسول أبو جرة الحنفي- فقال له أبو جرة إن تبعث بهذا المال- و إلا فاشخص معي إلى أمير المؤمنين- فلما قرأ كتابه أقبل حتى نزل البصرة- و كان العمال يحملون المال من كور البصرة إلى ابن عباس- فيكون ابن عباس هو الذي يبعث به إلى أمير المؤمنين ع- ثم أقبل من البصرة حتى أتى عليا ع بالكوفة- فأقره أياما لم يذكر له شيئا ثم سأله المال- فأدى إليه مائتي ألف درهم و عجز عن الباقي- .
قال فروى ابن أبي سيف- عن أبي الصلت عن ذهل بن الحارث- قال دعاني مصقلة إلى رحله- فقدم عشاء فطعمنا منه- ثم قال و الله إن أمير المؤمنين ع يسألني هذا المال- و و الله ما أقدر عليه- فقلت له لو شئت لم يمض عليك جمعة حتى تجمع هذا المال- فقال ما كنت لأحملها قومي و لا أطلب فيها إلى أحد- . ثم قال و الله لو أن ابن هند مطالبي بها- أو ابن عفان لتركها لي- أ لم تر إلى عثمان كيف أعطى الأشعث مائة ألف درهم- من خراج آذربيجان في كل سنة- فقلت إن هذا لا يرى ذلك الرأي- و ما هو بتارك لك شيئا- فسكت ساعة و سكت عنه- فما مكث ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتى لحق بمعاوية- . فبلغ ذلك عليا ع- فقال ما له ترحه الله- فعل فعل السيد و فر فرار العبد- و خان خيانة الفاجر- أما إنه لو أقام فعجز ما زدنا على حبسه- فإن وجدنا له شيئا أخذناه-و إن لم نجد له مالا تركناه- ثم سار علي ع إلى داره فهدمها- . و كان أخوه نعيم بن هبيرة الشيباني شيعة لعلي ع مناصحا- فكتب إليه مصقلة من الشام مع رجل من نصارى تغلب- يقال له حلوان- أما بعد فإني كلمت معاوية فيك- فوعدك الكرامة و مناك الإمارة- فأقبل ساعة تلقى رسولي و السلام- . فأخذه مالك بن كعب الأرحبي فسرح به إلى علي ع- فأخذ كتابه فقرأه ثم قدمه فقطع يده فمات- و كتب نعيم إلى أخيه مصقلة شعرا لم يرده عليه-
لا ترمين هداك الله معترضا
بالظن منك فما بالي و حلوانا
ذاك الحريص على ما نال من طمع
و هو البعيد فلا يورثك أحزانا
ما ذا أردت إلى إرساله سفها
ترجو سقاط امرئ لم يلف وسنانا
عرضته لعلي إنه أسد
يمشي العرضنة من آساد خفانا
قد كنت في خير مصطاف و مرتبع
تحمي العراق و تدعى خير شيبانا
حتى تقحمت أمرا كنت تكرهه
للراكبين له سرا و إعلانا
لو كنت أديت مال الله مصطبرا
للحق زكيت أحيانا و موتانا
لكن لحقت بأهل الشام ملتمسا
فضل ابن هند فذاك الرأي أشجانا
فاليوم تقرع سن العجز من ندم
ما ذا تقول و قد كان الذي كانا
أصبحت تبغضك الأحياء قاطبة
لم يرفع الله بالعصيان إنسانا
فلما بلغ الكتاب إليه علم أن النصراني قد هلك- و لم يلبث التغلبيون إلا قليلا حتى بلغهم هلاك صاحبهم- فأتوا مصقلة فقالوا أنت أهلكت صاحبنا- فإما أن تجيئنا به و إما أن تديه- فقال أما أن أجيء به فلست أستطيع ذلك- و أما أن أديه فنعم فوداه- . قال إبراهيم و حدثني ابن أبي سيف- عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه- قال قيل لعلي ع حين هرب مصقلة- اردد الذين سبوا و لم تستوف أثمانهم في الرق- فقال ليس ذلك في القضاء بحق- قد عتقوا إذ أعتقهم الذي اشتراهم- و صار مالي دينا على الذي اشتراهم- . و روى إبراهيم أيضا عن إبراهيم بن ميمون- عن عمرو بن القاسم بن حبيب التمار عن عمار الدهني- قال لما هرب مصقلة- قال أصحاب علي ع له يا أمير المؤمنين فيئنا- قال إنه قد صار على غريم من الغرماء فاطلبوه- . و قال ظبيان بن عمارة- أحد بني سعد بن زيد مناة في بني ناجية-
هلا صبرت للقراع ناجيا
و المرهفات تختلي الهواديا
و الطعن في نحوركم تواليا
و صائبات الأسهم القواضيا
و قال ظبيان أيضا-
ألا فاصبروا للطعن و الضرب ناجيا
و للمرهفات يختلين الهواديا
فقد صب رب الناس خزيا عليكم
و صيركم من بعد عز مواليا
سما لكم بالخيل جردا عواديا
أخو ثقة لا يبرح الدهر غازيا
فصبحكم في رحلكم و خيولكم
بضرب يرى منه المدجج هاويا
فأصبحتم من بعد عز و كثرة
عبيد العصا لا تمنعون الذراريا
قال إبراهيم بن هلال و روى عبد الرحمن بن حبيب عن أبيه أنه لما بلغ عليا ع مصاب بني ناجية و قتل صاحبهم- قال هوت أمه ما كان أنقص عقله و أجرأه إنه جاءني مرة- فقال إن في أصحابك رجالا قد خشيت أن يفارقوك- فما ترى فيهم- فقلت إني لا آخذ على التهمة- و لا أعاقب على الظن- و لا أقاتل إلا من خالفني و ناصبني و أظهر العداوة لي- ثم لست مقاتله حتى أدعوه و أعذر إليه- فإن تاب و رجع قبلنا منه- و إن أبى إلا الاعتزام على حربنا استعنا بالله عليه- و ناجزناه فكف عني ما شاء الله- ثم جاءني مرة أخرى- فقال لي إني قد خشيت- أن يفسد عليك عبد الله بن وهب و زيد بن حصين الطائي- إني سمعتهما يذكرانك بأشياء لو سمعتهما- لم تفارقهما حتى تقتلهما أو توثقهما- فلا يزالان بمحبسك أبدا- فقلت له إني مستشيرك فيهما فما ذا تأمرني به- قال إني آمرك أن تدعو بهما فتضرب رقابهما- فعلمت أنه لا ورع له و لا عقل- فقلت له و الله ما أظن لك ورعا و لا عقلا- لقد كان ينبغي لك أن تعلم أني لا أقتل من لم يقاتلني- و لم يظهر لي عداوته للذي كنت أعلمتكه من رأيي- حيث جئتني في المرة الأولى- و لقد كان ينبغي لك لو أردت قتلهم- أن تقول لي اتق الله- بم تستحل قتلهم و لم يقتلوا أحدا- و لم ينابذوك و لم يخرجوا من طاعتك – .فأما ما يقوله الفقهاء في مثل هذا السبي- فقبل أن نذكر ذلك نقول- إن الرواية قد اختلفت في المرتدين من بني ناجية-
فالرواية الأولى التي رواها محمد بن عبد الله بن عثمان- عن نصر بن مزاحم- تتضمن أن الأمير الذي من قبل علي ع- قتل مقاتلة المرتدين منهم- بعد امتناعهم من العود إلى الإسلام و سبى ذراريهم- فقدم بها على علي ع- فعلى هذه الرواية- يكون الذين اشتراهم مصقلة- ذراري أهل الردة- . و الرواية الثانية التي رواها محمد بن عبد الله- عن ابن أبي سيف- تتضمن أن معقل بن قيس الأمير من قبل علي ع- لم يقتل من المرتدين من بني ناجية إلا رجلا واحدا- و أما الباقون فرجعوا إلى الإسلام- و الاسترقاق إنما كان للنصارى- الذين ساعدوا في الحرب- و شهروا السيف على جيش الإمام- و ليسوا مرتدين بل نصارى في الأصل- و هم الذين اشتراهم مصقلة- . فإن كانت الرواية الأولى هي الصحيحة ففيها إشكال- لأن المرتدين لا يجوز عند الفقهاء استرقاقهم- و لا أعرف خلافا في هذه المسألة- و لا أظن الإمامية أيضا تخالف فيها- و إنما ذهب أبو حنيفة- إلى أن المرأة المرتدة إذا لحقت بدار الحرب- جاز استرقاقها و سائر الفقهاء على خلافه- و لم يختلفوا في أن الذكور البالغين من المرتدين- لا يجوز استرقاقهم- فلا أعلم كيف وقع استرقاق المرتدين- من بني ناجية على هذه الرواية- على أني أرى أن الرواية المذكورة- لم يصرح فيها باسترقاقهم- و لا بأنهم بيعوا على مصقلة- لأن لفظ الراوي فأبوا فقتل مقاتلتهم و سبى ذراريهم- فقدم بهم على علي ع- و ليس في الرواية ذكر استرقاقهم و لا بيعهم على مصقلة- بل فيها ما ينافي بيعهم على مصقلة- و هو قوله فقدم بهم على علي ع- فإن مصقلة ابتاع السبي من الطريق في أردشيرخرة- قبل قدومه على علي ع- و لفظ الخبر فقدم بهم على علي ع- . و إنما يبقى الأشكال على هذه الرواية أن يقال- إذا كان قد قدم بهم على علي ع فمصقلة من اشترى- و لا يمكن دفع كون مصقلة اشترى قوما في الجملة- فإن الخبر بذلك مشهور جدا يكاد يكون متواترا- .
فإن قيل فما قولكم فيما إذا ارتد البالغون من الرجال و النساء- ثم أولدوا ذرية صغارا بعد الردة- هل يجوز استرقاق الأولاد- فإن كان يجوز فهلا حملتم الخبر عليه- قيل إذا ارتد الزوجان فحملت منه في حال الردة- و أتت بولد كان محكوما بكفره- لأنه ولد بين كافرين- . و هل يجوز استرقاقه فيه للشافعي قولان- و أما أبو حنيفة فقال- إن ولد في دار الإسلام لم يجز استرقاقه- و إن ولد في دار الحرب جاز استرقاقه- فإن كان استرقاق هؤلاء الذرية- موافقا لأحد قولي الشافعي فلعله ذاك- .
و أما الرواية الثانية- فإن كانت هي الصحيحة و هو الأولى- فالفقه في المسألة- أن الذمي إذا حارب المسلمين فقد نقض عهده- فصار كالمشركين الذين في دار الحرب- فإذا ظفر به الإمام جاز استرقاقه و بيعه- و كذلك إذا امتنع من أداء الجزية- أو امتنع من التزام أحكام الإسلام- . و اختلف الفقهاء في أمور سبعة- هل ينتقض بها عهدهم و يجوز استرقاقهم أم لا- و هي أن يزني الذمي بمسلمة- أو يصيبها باسم نكاح- أو يفتن مسلما عن دينه- أو يقطع الطريق على المسلمين- أو يؤوي للكفار عينا- أو يدل على عورات المسلمين أو يقتل مسلما- . فأصحاب الشافعي يقولون- إن شرط عليهم في عقد الذمة الكف عن ذلك- فهل ينقض عهدهم بفعله فيه وجهان- و إن لم يشترط ذلك في عقد الذمة- لم ينتقض عهدهم بذلك- .
و قال الطحاوي من أصحاب أبي حنيفة- ينتقض عهدهم بذلك- سواء شورطوا عنالكف عنه في عقد الذمة- أو لم يشارطوا عليه- . فنصارى بني ناجية على هذه الرواية- قد انتقض عهدهم بحرب المسلمين فأبيحت دماؤهم- و جاز للإمام قتلهم- و جاز له استرقاقهم كالمشركين الأصليين في دار الحرب- و أما استرقاق أبي بكر بن أبي قحافة لأهل الردة- و سبيه ذراريهم- فإن صح كان مخالفا لما يقول الفقهاء- من تحريم استرقاق المرتدين- إلا أن يقولوا إنه لم يسب المرتدين- و إنما سبى من ساعدهم- و أعانهم في الحرب من المشركين الأصليين- و في هذا الموضع نظر
شرح نهج البلاغة(ابن أبي الحديد) ج 3