google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
20-40 خطبه ها شرح ابن ابی الحدیدخطبه ها شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

خطبه 36 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

36 و من خطبة له ع في تخويف أهل النهروان

 

فَأَنَا نَذِيرٌ لَكُمْ أَنْ تُصْبِحُوا صَرْعَى بِأَثْنَاءِ هَذَا النَّهَرِ- وَ بِأَهْضَامِ هَذَا الْغَائِطِ عَلَى غَيْرِ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ- وَ لَا سُلْطَانٍ مُبِينٍ مَعَكُمْ- قَدْ طَوَّحَتْ بِكُمُ الدَّارُ وَ احْتَبَلَكُمُ الْمِقْدَارُ- وَ قَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ هَذِهِ الْحُكُومَةِ- فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُخَالِفِينَ- حَتَّى صَرَفْتُ رَأْيِي إِلَى هَوَاكُمْ- وَ أَنْتُمْ مَعَاشِرُ أَخِفَّاءُ الْهَامِ- سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ وَ لَمْ آتِ لَا أَبَا لَكُمْ بُجْراً- وَ لَا أَرَدْتُ بِكُمْ ضُرّاً الأهضام جمع هضم و هو المطمئن من الوادي- و الغائط ما سفل من الأرض- . و احتبلكم المقدار أوقعكم في الحبالة- . و البجر الداهية و الأمر العظيم- و يروى هجرا و هو المستقبح من القول- و يروى عرا- و العر قروح في مشافر الإبل و يستعار للداهية

 

أخبار الخوارج

 

قد تظافرت الأخبار حتى بلغت حد التواتر- بما وعد الله تعالى قاتلي الخوارج من الثواب- على لسان رسوله ص- و في الصحاح المتفق عليها: أن‏ رسول الله ص بينا هو يقسم قسما- جاء رجل من بني تميم يدعى ذا الخويصرة- فقال اعدل يا محمد- فقال ع قد عدلت- فقال له ثانية اعدل يا محمد فإنك لم تعدل- فقال ص ويلك و من يعدل إذا لم أعدل- فقام عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله- ائذن لي أضرب عنقه- فقال دعه فسيخرج من ضئضئ هذا- قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية- ينظر أحدكم إلى نصله فلا يجد شيئا- فينظر إلى نضيه فلا يجد شيئا- ثم ينظر إلى القذذ فكذلك- سبق الفرث و الدم- يخرجون على حين فرقة من الناس- تحتقر صلاتكم في جنب صلاتهم و صومكم عند صومهم- يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم- آيتهم رجل أسود- أو قال أدعج مخدج اليد- إحدى يديه كأنها ثدي امرأة أو بضعة تدردر و في بعض الصحاح: أن رسول الله ص قال لأبي بكر- و قد غاب الرجل‏ عن عينه- قم إلى هذا فاقتله فقام ثم عاد و قال وجدته يصلي- فقال لعمر مثل ذلك فعاد و قال وجدته يصلي- فقال لعلي ع مثل ذلك فعاد فقال لم أجده- فقال رسول الله ص لو قتل هذا لكان أول فتنة و آخرها- أما إنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم الحديث- . و في بعض الصحاح يقتلهم أولى الفريقين بالحق- .

 

و في مسند أحمد بن حنبل عن مسروق قال: قالت لي عائشة إنك من ولدي و من أحبهم إلي- فهل عندك علم من المخدج فقلت نعم- قتله علي بن أبي طالب على نهر- يقال لأعلاه تامرا و لأسفله النهروان- بين لخاقيق و طرفاء- قالت ابغني على ذلك بينة- فأقمت رجالا شهدوا عندها بذلك- قال فقلت لها سألتك بصاحب القبر- ما الذي سمعت من رسول الله ص فيهم- فقالت نعم سمعته يقول- إنهم شر الخلق و الخليقة- يقتلهم خير الخلق و الخليقة و أقربهم عند الله وسيلة و في كتاب صفين للواقدي عن علي ع: لو لا أن تبطروا فتدعوا العمل- لحدثتكم بما سبق على لسان رسول الله ص لمن قتل هؤلاء و فيه قال علي ع: إذا حدثتكم عن رسول الله ص- فلأن أخر من السماء أحب إلي- من أن أكذب على رسول الله ص- و إذا حدثتكم فيما بيننا عن نفسي- فإن الحرب خدعة و إنما أنا رجل محارب- سمعت رسول الله ص يقول- يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام- قولهم من خير أقوال أهل البرية- صلاتهم أكثر من صلاتكم و قراءتهم أكثر من قراءتكم- لا يجاوز إيمانهم تراقيهم أو قال حناجرهم- يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية- فاقتلوهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة – و في كتاب صفين أيضا للمدائني عن مسروق- أن عائشة قالت له لما عرفت أن عليا ع قتل ذا الثدية- لعن الله عمرو بن العاص- فإنه كتب إلي يخبرني أنه قتله بالإسكندرية- ألا إنه ليس يمنعني ما في نفسي- أن أقول ما سمعته من رسول الله ص- يقول
: يقتله خير أمتي من بعدي و ذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في التاريخ- أن عليا ع لما دخل الكوفة- دخلها معه كثير من الخوارج و تخلف منهم بالنخيلة- و غيرها خلق كثير لم يدخلوها- فدخل حرقوص بن زهير السعدي- و زرعة بن البرج الطائي- و هما من رءوس الخوارج على علي ع-

 

فقال له حرقوص تب من خطيئتك- و اخرج بنا إلى معاوية نجاهده- فقال له علي ع إني كنت نهيتكم عن الحكومة فأبيتم- ثم الآن تجعلونها ذنبا- أما إنها ليست بمعصية- و لكنها عجز من الرأي و ضعف في التدبير- و قد نهيتكم عنه- فقال زرعة- أما و الله لئن لم تتب من تحكيمك الرجال لأقتلنك- أطلب بذلك وجه الله و رضوانه- فقال علي ع بؤسا لك ما أشقاك- كأني بك قتيلا تسفي عليك الرياح- قال زرعة وددت أنه كان ذلك- . قال و خرج علي ع يخطب الناس- فصاحوا به من جوانب المسجد لا حكم إلا لله- و صاح به رجل منهم واضع إصبعه في أذنيه- فقال و لقد أوحي إليك و إلى الذين من قبلك- لئن أشركت ليحبطن عملك- و لتكونن من الخاسرين- فقال له علي ع فاصبر إن وعد الله حق- و لا يستخفنك الذين لا يوقنون- .

 

و روى ابن ديزيل في كتاب صفين قال- كانت الخوارج في أول ما انصرفت عن رايات علي ع- تهدد الناس قتلا- قال فأتت طائفة منهم على النهر إلى جانب قرية- فخرج منها رجل مذعورا آخذا بثيابه- فأدركوه فقالوا له رعبناك قال أجل- فقالوا له قد عرفناك- أنت عبد الله بن خباب صاحب رسول الله ص قال نعم- قالوا فما سمعت من أبيك يحدث عن رسول الله ص- . قال ابن ديزيل فحدثهم أن رسول الله ص قال: إن فتنة جائية القاعد فيها خير من القائم الحديث- .و قال غيره بل حدثهم: أن طائفة تمرق من الدين كما يمرق السهم من الرمية- يقرءون القرآن صلاتهم أكثر من صلاتكم الحديث- فضربوا رأسه فسال دمه في النهر- ما امذقر أي ما اختلط بالماء كأنه شراك- ثم دعوا بجارية له حبلى فبقروا عما في بطنها- .

 

و روى ابن ديزيل قال: عزم علي ع على الخروج من الكوفة إلى الحرورية- و كان في أصحابه منجم فقال له يا أمير المؤمنين- لا تسر في هذه الساعة-و سر على ثلاث ساعات مضين من النهار- فإنك إن سرت في هذه الساعة- أصابك و أصحابك أذى و ضر شديد- و إن سرت في الساعة التي أمرتك بها- ظفرت و ظهرت و أصبت ما طلبت- فقال له علي ع أ تدري ما في بطن فرسي هذه- أ ذكر هو أم أنثى- قال إن حسبت علمت- فقال علي ع من صدقك بهذا فقد كذب بالقرآن- قال الله تعالى إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ- وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ الآية- ثم قال ع- إن محمدا ص ما كان يدعي علم ما ادعيت علمه- أ تزعم أنك تهدي إلى الساعة- التي يصيب النفع من سار فيها- و تصرف عن الساعة التي يحيق السوء بمن سار فيها- فمن صدقك بهذا- فقد استغنى عن الاستعانة بالله جل ذكره- في صرف المكروه عنه- و ينبغي للموقن بأمرك- أن يوليك الحمد دون الله جل جلاله- لأنك بزعمك هديته إلى الساعة- التي يصيب النفع من سار فيها- و صرفته عن الساعة التي يحيق السوء بمن سار فيها- فمن آمن بك في هذا- لم آمن عليه أن يكون كمن اتخذ من دون الله ضدا و ندا- اللهم لا طير إلا طيرك و لا ضر إلا ضرك و لا إله غيرك- ثم قال نخالف و نسير في الساعة التي نهيتنا عنها- ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس- إياكم و التعلم للنجوم- إلا ما يهتدى به في ظلمات البر و البحر-

 

إنما المنجم كالكاهن- و الكاهن كالكافر و الكافر في النار- أما و الله لئن بلغني أنك تعمل بالنجوم- لأخلدنك السجن أبدا ما بقيت- و لأحرمنك العطاء ما كان لي من سلطان- ثم سار في الساعة التي نهاه عنها المنجم- فظفر بأهل النهر و ظهر عليهم- ثم قال لو سرنا في الساعة التي أمرنا بها المنجم- لقال الناس سار في الساعة التي أمر بها المنجم- فظفر و ظهر- أما إنه ما كان لمحمد ص منجم و لا لنا من بعده- حتى فتح الله علينا بلاد كسرى و قيصر- أيها الناس توكلوا على الله و ثقوا به- فإنه يكفي ممن سواه قال فروى مسلم الضبي عن حبة العرني قال- لما انتهينا إليهم رمونا فقلنا لعلي ع- يا أمير المؤمنين قد رمونا فقال لنا كفوا- ثم رمونا فقال لنا ع كفوا- ثم الثالثة فقال الآن طاب القتال احملوا عليهم- .

 

و روى أيضا عن قيس بن سعد بن عبادة- أن عليا ع لما انتهى إليهم- قال لهم أقيدونا بدم عبد الله بن خباب- فقالوا كلنا قتله فقال احملوا عليهم- و ذكر أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل- أن أول من قال لا حكم إلا لله عروة بن حدير قالها بصفين- و قيل زيد بن عاصم المحاربي- قال و كان أميرهم أول ما اعتزلوا ابن الكواء- ثم بايعوا لعبد الله بن وهب الراسبي- و كان أحد الخطباء- فقال لهم عند بيعتهم إياه إياكم و الرأي الفطير- و الكلام الفضيب دعوا لرأي يغب- فإن غبوبه يكشف للمرء عن قضته- و ازدحام الجواب مضلة للصواب- و ليس الرأي بالارتجال و لا الحزم بالاقتضاب- فلا تدعونكم السلامة من خطأ موبق- و غنيمة نلتموها من غير صواب- إلى معاودته و التماس الربح من جهته- إن الرأي ليس بنهنهي و لا هو ما أعطتك البديهة- و إن خمير الرأي خير من فطيره- و رب شي‏ء غابه خير من طريئه و تأخيره خير من تقديمه- . و ذكر المدائني في كتاب الخوارج قال- لما خرج علي ع إلى أهل النهر- أقبل رجل من أصحابه ممن كان على مقدمته يركض حتى انتهى إلى علي ع-

 

فقال البشرى يا أمير المؤمنين- قال ما بشراك- قال إن القوم عبروا النهر لما بلغهم وصولك- فأبشر فقد منحك الله أكتافهم- فقال له آلله أنت رأيتهم قد عبروا قال نعم- فأحلفه ثلاث مرات في كلها يقول نعم- فقال علي ع و الله ما عبروه و لن يعبروه- و إن مصارعهم لدون النطفة- و الذي فلق الحبة و برأ النسمة- لن يبلغوا الأثلاث و لا قصر بوازن- حتى يقتلهم الله و قد خاب من افترى- قال ثم أقبل فارس آخر يركض- فقال كقول الأول- فلم يكترث علي ع بقوله- و جاءت الفرسان تركض كلها تقول مثل ذلك- فقام علي ع فجال في متن فرسه- قال فيقول شاب من الناس- و الله لأكونن قريبا منه- فإن كانوا عبروا النهر لأجعلن سنان هذا الرمح في عينه- أ يدعي علم الغيب- فلما انتهى ع إلى النهر- وجد القوم قد كسروا جفون سيوفهم- و عرقبوا خيلهم و جثوا على ركبهم- و حكموا تحكيمة واحدة بصوت عظيم له زجل- فنزل ذلك الشاب فقال يا أمير المؤمنين- إني كنت شككتك فيك آنفا- و إني تائب إلى الله و إليك فاغفر لي- فقال علي ع إن الله هو الذي يغفر الذنوب فاستغفره- . و ذكر أبو العباس محمد بن يزيد المبرد في الكامل قال- لما واقفهم علي ع بالنهروان قال- لا تبدءوهم بقتال حتى يبدءوكم- فحمل منهم رجل على صف علي ع فقتل منهم ثلاثة- ثم قال

 

أقتلهم و لا أرى عليا
و لو بدا أوجرته الخطيا

 

 فخرج إليه علي ع فضربه فقتله- فلما خالطه سيفه قال- يا حبذا الروحة إلى الجنة- فقال عبد الله بن وهب- و الله ما أدري إلى الجنة أم إلى النار- فقال رجل منهم‏ من بني سعد- إنما حضرت اغترارا بهذا الرجل يعني عبد الله- و أراه قد شك و اعتزل عن الحرب بجماعة من الناس- و مال ألف منهم إلى جهة أبي أيوب الأنصاري- و كان على ميمنة علي ع- فقال علي ع لأصحابه احملوا عليهم- فو الله لا يقتل منكم عشرة و لا يسلم منهم عشرة- فحمل عليهم فطحنهم طحنا- قتل من أصحابه ع تسعة و أفلت من الخوارج ثمانية- و ذكر أبو العباس و ذكر غيره أيضا- أن أمير المؤمنين ع- لما وجه إليهم عبد الله بن عباس ليناظرهم- قال لهم ما الذي نقمتم على أمير المؤمنين- قالوا له قد كان للمؤمنين أميرا- فلما حكم في دين الله خرج من الإيمان- فليتب بعد إقراره بالكفر نعد إليه- قال ابن عباس ما ينبغي لمؤمن لم يشب إيمانه بشك- أن يقر على نفسه بالكفر- قالوا إنه حكم قال إن الله أمر بالتحكيم في قتل صيد- فقال يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ- فكيف في إمامة قد أشكلت على المسلمين- فقالوا إنه حكم عليه فلم يرض- فقال إن الحكومة كالإمامة- و متى فسق الإمام وجبت معصيته- و كذلك الحكمان لما خالفا نبذت أقاويلهما- فقال بعضهم لبعض- اجعلوا احتجاج قريش حجة عليهم- فإن هذا من الذين قال الله فيهم بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ- و قال جل ثناؤه وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا- .

 

قال أبو العباس- و يقال إن أول من حكم عروة بن أدية- و أدية جدة له جاهلية- و هو عروة بن حدير أحد بني ربيعة بن حنظلة- و قال قوم أول من حكم رجل من بني محارب- بن خصفة بن قيس بن عيلان- يقال له سعيد- و لم يختلفوا في اجتماعهم- على عبد الله بن وهب الراسبي- و أنه امتنع عليهم و أومأ إلى غيره فلم يقنعوا إلا به- فكان إمام القوم و كان يوصف برأي- فأما أول سيف سل من سيوف الخوارج- فسيف عروة بن أدية- و ذاك أنه أقبل على الأشعث- فقال له ما هذه الدنية يا أشعث و ما هذا التحكيم- أ شرط أوثق من شرط الله عز و جل- ثم شهر عليه السيف- و الأشعث مول فضرب به عجز بغلته- .

 

قال أبو العباس- و عروة بن حدير هذا- من النفر الذين نجوا من حرب النهروان- فلم يزل باقيا مدة من أيام معاوية- ثم أتي به زياد و معه مولى له- فسأله عن أبي بكر و عمر فقال خيرا- فقال له فما تقول في أمير المؤمنين عثمان- و في أبي تراب- فتولى عثمان ست سنين من خلافته- ثم شهد عليه بالكفر- و فعل في أمر علي ع مثل ذلك- إلى أن حكم ثم شهد عليه بالكفر- ثم سأله عن معاوية فسبه سبا قبيحا- ثم سأله عن نفسه- فقال له أولك لزنية و آخرك لدعوة- و أنت بعد عاص لربك- فأمر به فضربت عنقه- ثم دعا مولاه فقال له صف لي أموره- قال أ أطنب أم أختصر قال بل اختصر- قال ما أتيته بطعام بنهار قط- و لا فرشت له فراشا بليل قط- .

 

قال أبو العباس و سبب تسميتهم الحرورية- أن عليا ع لما ناظرهم بعد مناظرة ابن عباس إياهم- كان فيما قال لهم- أ لا تعلمون أن هؤلاء القوم لما رفعوا المصاحف- قلت لكم إن هذه مكيدة و وهن- و إنهم لو قصدوا إلى حكم المصاحف لأتوني- و سألوني التحكيم- أ فتعلمون أن أحدا كان أكره للتحكيم مني قالوا صدقت- قال فهل تعلمون أنكم استكرهتموني على ذلك- حتى أجبتكم إليه- فاشترطت أن حكمهما نافذ ما حكما بحكم الله- فمتى خالفاه فأنا و أنتم من ذلك برآء- و أنتم تعلمون أن حكم الله لا يعدوني- قالوا اللهم نعم- قال و كان معهم في ذلك الوقت ابن الكواء- قال و هذا من قبل أن يذبحوا عبد الله بن خباب- و إنما ذبحوه في الفرقة الثانية بكسكر- فقالوا له حكمت في دين الله برأينا- و نحن مقرون بأنا كنا كفرنا- و لكنا الآن تائبون فأقر بمثل ما أقررنا به- و تب ننهض معك إلى الشام- فقال أ ما تعلمون أن الله تعالى قد أمر بالتحكيم- في شقاق بين الرجل و امرأته-

 

فقال سبحانه فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها- و في صيد أصيب كأرنب يساوي نصف درهم- فقال يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ- فقالوا له فإن عمرا لما أبى عليك أن تقول في كتابك- هذا ما كتبه عبد الله علي أمير المؤمنين- محوت اسمك من الخلافة- و كتبت علي بن أبي طالب- فقد خلعت نفسك- فقال لي في رسول الله ص عليه أسوة- حين أبى عليه سهيل بن عمرو أن يكتب- هذا كتاب كتبه محمد رسول الله ص و سهيل بن عمرو- و قال له لو أقررت بأنك رسول الله ما خالفتك- و لكني أقدمك لفضلك- فاكتب محمد بن عبد الله- فقال لي يا علي امح رسول الله- فقلت يا رسول الله- لا تشجعني نفسي على محو اسمك من النبوة- قال فقضى عليه فمحاه بيده- ثم قال اكتب محمد بن عبد الله- ثم تبسم إلي و قال يا علي- أما إنك ستسام مثلها فتعطي- فرجع معه منهم ألفان من حروراء و قد كانوا تجمعوا بها- فقال لهم علي ما نسميكم- ثم قال أنتم الحرورية لاجتماعكم بحروراء-

 

و روى جميع أهل السير كافة- أن عليا ع لما طحن القوم طلب ذا الثدية طلباشديدا- و قلب القتلى ظهرا لبطن فلم يقدر عليه- فساءه ذلك و جعل يقول و الله ما كذبت و لا كذبت- اطلبوا الرجل و إنه لفي القوم- فلم يزل يتطلبه حتى وجده- و هو رجل مخدج اليد كأنها ثدي في صدره- . و روى إبراهيم بن ديزيل في كتاب صفين- عن الأعمش عن زيد بن وهب- قال لما شجرهم علي ع بالرماح قال اطلبوا ذا الثدية- فطلبوه طلبا شديدا- حتى وجدوه في وهدة من الأرض تحت ناس من القتلى- فأتي به و إذا رجل على ثديه مثل سبلات السنور- فكبر علي ع و كبر الناس معه سرورا بذلك- . و روى أيضا عن مسلم الضبي عن حبة العرني- قال كان رجلا أسود منتن الريح- له ثدي كثدي المرأة- إذا مدت كانت بطول اليد الأخرى- و إذا تركت اجتمعت و تقلصت و صارت كثدي المرأة- عليها شعرات مثل شوارب الهرة- فلما وجدوه قطعوا يده و نصبوها على رمح- ثم جعل علي ع ينادي صدق الله و بلغ رسوله- لم يزل يقول ذلك هو و أصحابه بعد العصر- إلى أن غربت الشمس أو كادت- .

 

و روى ابن ديزيل أيضا قال- لما عيل صبر علي ع في طلب المخدج- قال ائتوني ببغلة رسول الله ص فركبها و اتبعه الناس- فرأى القتلى و يقول اقلبوا- فيقلبون قتيلا عن قتيل حتى استخرجوه- فسجد علي ع- . و روى كثير من الناس أنه لما دعا بالبغلة ليركبها قال- ائتوني بها فإنها هادئة- فوقفت به على المخدج فأخرجه من تحت قتلى كثيرين- . و روى العوام بن حوشب عن أبيه عن جده يزيد بن رويم- قال قال علي ع- يقتل اليوم أربعة آلاف من الخوارج أحدهم ذو الثدية- فلما طحن القوم و رام استخراج ذي الثدية فأتبعه- أمرني أن أقطع له أربعة آلاف قصبة- و ركب بغلة رسول الله ص و قال- اطرح على كل قتيل منهم قصبة- فلم أزل كذلك و أنا بين يديه- و هو راكب خلفي و الناس يتبعونه- حتى بقيت في يدي واحدة- فنظرت إليه و إذا وجهه أربد- و إذا هو يقول و الله ما كذبت و لا كذبت- فإذا خرير ماء عند موضع دالية- فقال فتش هذا ففتشته- فإذا قتيل قد صار في الماء- و إذا رجله في يدي فجذبتها- و قلت هذه رجل إنسان- فنزل عن البغلة مسرعا فجذب الرجل الأخرى- و جررناه حتى صار على التراب فإذا هو المخدج- فكبر علي ع بأعلى صوته ثم سجد- فكبر الناس كلهم- .

 

و قد روى كثير من المحدثين أن النبي ص قال لأصحابه يوما- إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن- كما قاتلت على تنزيله- فقال أبو بكر أنا يا رسول الله فقال لا- فقال عمر أنا يا رسول الله فقال لا- بل خاصف النعل و أشار إلى علي عو قال أبو العباس في الكامل- يقال إن أول من لفظ بالحكومة- و لم يشد بها رجل من بني سعد بن زيد مناة بن تميم بن مر- من بني صريم يقال له الحجاج بن عبد الله- و يعرف بالبرك- و هو الذي ضرب آخرا معاوية على أليته- يقال إنه لما سمع بذكر الحكمين- قال أ يحكم أمير المؤمنين الرجال في دين الله- لا حكم إلا لله فسمعه سامع فقال طعن و الله فأنفذ- . قال أبو العباس- و أول من حكم بين الصفين رجل من بني يشكر- بن بكربن وائل- كان من أصحاب علي ع- فحمل على رجل منهم فقتله غيلة- ثم مرق بين الصفين يحكم- و حمل على أصحاب معاوية فكثروه- فرجع إلى ناحية علي ع- فخرج إليه رجل من همدان فقتله- فقال شاعر همدان-

 

و ما كان أغنى اليشكري عن التي
تصلى بها جمرا من النار حاميا

 

غداة ينادي و الرماح تنوشه‏
خلعت عليا بادئا و معاويا

 

 قال أبو العباس و قد روى المحدثون أن رجلا تلا بحضرة علي ع- قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا- الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا- وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً- فقال علي ع أهل حروراء منهم

قال أبو العباس و من شعر أمير المؤمنين ع الذي لا اختلاف فيه أنه قاله- و كان يردده- أنهم لما ساموه أنه يقر بالكفر و يتوب- حتى يسيروا معه إلى الشام فقال- أ بعد صحبة رسول الله ص و التفقه في الدين- أرجع كافرا ثم قال-

 

يا شاهد الله علي فاشهد
أني على دين النبي أحمد
من شك في الله فإني مهتد

 

و ذكر أبو العباس أيضا في الكامل- أن عليا ع في أول خروج القوم عليه- دعا صعصعة بن صوحان العبدي و قد كان وجهه إليهم- و زياد بن النضر الحارثي مع عبد الله بن عباس- فقال لصعصعة بأي القوم رأيتهم أشد إطافة- قال بيزيد بن قيس الأرحبي- فركب علي ع إلى حروراء- فجعل يتخللهم حتى صار إلى مضرب يزيد بن قيس- فصلى فيه ركعتين ثم خرج فاتكأ على قوسه- و أقبل‏ على الناس فقال- هذا مقام من فلج فيه فلج يوم القيامة- ثم كلمهم و ناشدهم- فقالوا إنا أذنبنا ذنبا عظيما بالتحكيم- و قد تبنا فتب إلى الله كما تبنا نعد لك- فقال علي ع أنا أستغفر الله من كل ذنب- فرجعوا معه و هم ستة آلاف- فلما استقروا بالكوفة أشاعوا أن عليا ع رجع عن التحكيم- و رآه ضلالا- و قالوا إنما ينتظر أمير المؤمنين أن يسمن الكراع- و تجبى الأموال- ثم ينهض بنا إلى الشام- فأتى الأشعث عليا ع فقال يا أمير المؤمنين- إن الناس قد تحدثوا أنك رأيت الحكومة ضلالا- و الإقامة عليها كفرا- فقام علي ع يخطب فقال- من زعم أني رجعت عن الحكومة فقد كذب- و من رآها ضلالا فقد ضل- فخرجت حينئذ الخوارج من المسجد فحكمت- . قلت كل فساد كان في خلافة علي ع- و كل اضطراب حدث فأصله الأشعث- و لو لا محاقته أمير المؤمنين ع- في معنى الحكومة في هذه المرة- لم تكن حرب النهروان- و لكان أمير المؤمنين ع ينهض بهم إلى معاوية- و يملك الشام فإنه ص حاول- أن يسلك معهم مسلك التعريض و المواربة-  و في المثل النبوي صلوات الله على قائله الحرب خدعة – و ذاك أنهم قالوا له تب إلى الله‏ مما فعلت- كما تبنا ننهض معك إلى حرب أهل الشام-

 

فقال لهم كلمة مجملة مرسلة يقولها الأنبياء و المعصومون- و هي قوله أستغفر الله من كل ذنب- فرضوا بها و عدوها إجابة لهم إلى سؤلهم- وصفت له ع نياتهم و استخلص بها ضمائرهم- من غير أن تتضمن تلك الكلمة اعترافا بكفر أو ذنب- فلم يتركه الأشعث- و جاء إليه مستفسرا و كاشفا عن الحال- و هاتكا ستر التورية و الكناية- و مخرجا لها من ظلمة الإجمال- و ستر الحيلة إلى تفسيرها بما يفسد التدبير- و يوغر الصدور و يعيد الفتنة- و لم يستفسره ع عنها- إلا بحضور من لا يمكنه أن يجعلها معه هدنة على دخن- و لا ترقيقا عن صبوح- و ألجأه بتضييق الخناق عليه إلى أن يكشف ما في نفسه- و لا يترك الكلمة على احتمالها- و لا يطويها على غرها- فخطب بما صدع به عن صورة ما عنده مجاهرة- فانتقض ما دبره- و عادت الخوارج إلى شبهتها الأولى- و راجعوا التحكيم و المروق- و هكذا الدول- التي تظهر فيها أمارات الانقضاء و الزوال- يتاح لها أمثال الأشعث من أولي الفساد في الأرض- سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ- وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا- قال أبو العباس ثم مضى القوم إلى النهروان- و قد كانوا أرادوا المضي إلى المدائن- فمن طريف أخبارهم- أنهم أصابوا في طريقهم مسلما و نصرانيا- فقتلوا المسلم لأنه عندهم كافر- إذ كان على خلاف معتقدهم- و استوصوا بالنصراني و قالوا احفظوا ذمة نبيكم-
قال أبو العباس- و نحو ذلك أن واصل بن عطاء رحمه الله تعالى- أقبل في رفقة فأحسوا بالخوارج- فقال واصل لأهل الرفقة إن هذا ليس من شأنكم- فاعتزلوا و دعوني و إياهم- و كانوا قد أشرفوا على العطب- فقالوا شأنك فخرج إليهم- فقالوا ما أنت و أصحابك-

 

فقال قوم مشركون مستجيرون بكم- ليسمعوا كلام الله و يفهموا حدوده- قالوا قد أجرناكم قال فعلمونا- فجعلوا يعلمونهم أحكامهم- و يقول واصل قد قبلت أنا و من معي- قالوا فامضوا مصاحبين فقد صرتم إخواننا- فقال بل تبلغوننا مأمننا لأن الله تعالى يقول- وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ- حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ- قال فينظر بعضهم إلى بعض- ثم قالوا ذاك لكم فساروا معهم بجمعهم حتى أبلغوهم المأمن- . قال أبو العباس- و لقيهم عبد الله بن خباب في عنقه مصحف على حمار- و معه امرأته و هي حامل- فقالوا له إن هذا الذي في عنقك ليأمرنا بقتلك- فقال لهم ما أحياه القرآن فأحيوه و ما أماته فأميتوه- فوثب رجل منهم على رطبة سقطت من نخلة- فوضعها في فيه فصاحوا به فلفظها تورعا- و عرض لرجل منهم خنزير فضربه فقتله- فقالوا هذا فساد في الأرض و أنكروا قتل الخنزير- ثم قالوا لابن خباب حدثنا عن أبيك- فقال إني سمعت أبي يقول سمعت رسول الله ص يقول ستكون بعدي فتنةيموت فيها قلب الرجل- كما يموت بدنه- يمسي مؤمنا و يصبح كافرا- فكن عبد الله المقتول و لا تكن القاتل – قالوا فما تقول في أبي بكر و عمر فأثنى خيرا- قالوا فما تقول في علي قبل التحكيم- و في عثمان في السنين الست الأخيرة فأثنى خيرا- قالوا فما تقول في علي بعد التحكيم و الحكومة- قال إن عليا أعلم بالله و أشد توقيا على دينه- و أنفذ بصيرة- فقالوا إنك لست تتبع الهدى- إنما تتبع الرجال على أسمائهم- ثم قربوه إلى شاطئ النهر فأضجعوه فذبحوه- . قال أبو العباس و ساوموا رجلا نصرانيا بنخلة له- فقال هي لكم- فقالوا ما كنا لنأخذها إلا بثمن- فقال وا عجباه أ تقتلون مثل عبد الله بن خباب- و لا تقبلون جنا نخلة إلا بثمن- .

 

و روى أبو عبيدة معمر بن المثنى قال- طعن واحد من الخوارج يوم النهروان- فمشى في الرمح و هو شاهر سيفه- إلى أن وصل إلى طاعنه فضربه فقتله- و هو يقرأ وَ عَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى‏- . و روى أبو عبيدة أيضا قال- استنطقهم علي ع بقتل عبد الله بن خباب فأقروا به- فقال انفردوا كتائب لأسمع قولكم كتيبة كتيبة- فتكتبوا كتائب- و أقرت كل كتيبة بمثل ما أقرت به الأخرى- من قتل ابن خباب- و قالوا و لنقتلنك كما قتلناه- فقال علي و الله لو أقر أهل الدنيا كلهم بقتله هكذا- و أنا أقدر على قتلهم به لقتلتهم- ثم التفت إلى أصحابه- فقال لهم شدوا عليهم فأنا أول من يشد عليهم- و حمل‏ بذي الفقار حملة منكرة ثلاث مرات- كل حملة يضرب به حتى يعوج متنه- ثم يخرج فيسويه بركبتيه ثم يحمل به حتى أفناهم- .

و روى محمد بن حبيب قال خطب علي ع الخوارج يوم النهر- فقال لهم نحن أهل بيت النبوة- و موضع الرسالة و مختلف الملائكة- و عنصر الرحمة و معدن العلم و الحكمة- نحن أفق الحجاز بنا يلحق البطي‏ء- و إلينا يرجع التائب- أيها القوم- إني نذير لكم أن تصبحوا صرعى بأهضام هذا الوادي- إلى آخر الفصل‏

 

شرح ‏نهج‏ البلاغة(ابن ‏أبي ‏الحديد) ج 2 

نمایش بیشتر

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

دکمه بازگشت به بالا
-+=