google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
20-40 خطبه ها شرح ابن ابی الحدیدخطبه ها شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

خطبه 35 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

35 و من خطبة له ع بعد التحكيم

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ إِنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الْفَادِحِ- وَ الْحَدَثِ الْجَلِيلِ- وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ- لَيْسَ مَعَهُ إِلَهٌ غَيْرُهُ- وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ ص- أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَعْصِيَةَ النَّاصِحِ الشَّفِيقِ الْعَالِمِ الْمُجَرِّبِ- تُورِثُ الْحَسْرَةَ وَ تُعْقِبُ النَّدَامَةَ- وَ قَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ فِي هَذِهِ الْحُكُومَةِ أَمْرِي- وَ نَخَلْتُ لَكُمْ مَخْزُونَ رَأْيِي- لَوْ كَانَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ- فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُخَالِفِينَ الْجُفَاةِ وَ الْمُنَابِذِينَ الْعُصَاةِ- حَتَّى ارْتَابَ النَّاصِحُ بِنُصْحِهِ وَ ضَنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِهِ- فَكُنْتُ أَنَا وَ إِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ-

 

أَمَرْتُكُمْ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى
فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلَّا ضُحَى الْغَدِ

 

الخطب الفادح الثقيل- و نخلت لكم أي أخلصته من نخلت الدقيق بالمنخل- . و قوله الحمد لله و إن أتى الدهر- أي أحمده على كل حال من السراء و الضراء- . و قوله لو كان يطاع لقصير أمر- فهو قصير صاحب جذيمة- و حديثة مع جذيمة و مع الزباء مشهور- فضرب المثل لكل ناصح يعصى بقصير- .

 

و قوله حتى ارتاب الناصح بنصحه و ضن الزند بقدحه- يشير إلى نفسه- يقول- خالفتموني حتى ظننت أن النصح الذي نصحتكم به غير نصح- و لإطباقكم و إجماعكم على خلافي- و هذا حق لأن ذا الرأي الصواب- إذا كثر مخالفوه يشك في نفسه- . و أما ضن الزند بقدحه- فمعناه أنه لم يقدح لي بعد ذلك رأي صالح- لشدة ما لقيت منكم من الإباء و الخلاف و العصيان- و هذا أيضا حق- لأن المشير الناصح إذا اتهم و استغش- عمي قلبه و فسد رأيه- . و أخو هوازن صاحب الشعر هو دريد بن الصمة- و الأبيات مذكورة في الحماسة و أولها-

 

نصحت لعارض و أصحاب عارض
و رهط بني السوداء و القوم شهدي‏

 

فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج‏
سراتهم في الفارسي المسرد

 

أمرتهم أمري بمنعرج اللوى
فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد

 

فلما عصوني كنت منهم و قد أرى‏
غوايتهم و أنني غير مهتد

 

و ما أنا إلا من غزية إن غوت
غويت و إن ترشد غزية أرشد
و هذه الألفاظ من خطبة خطب بها ع- بعد خديعة ابن العاص لأبي موسى و افتراقهما- و قبل وقعة النهروان

 

قصة التحكيم ثم ظهور أمر الخوارج

 

و يجب أن نذكر في هذا الفصل أمر التحكيم كيف كان- و ما الذي دعا إليه- فنقول إن الذي دعا إليه طلب أهل الشام له- و اعتصامهم به من سيوف أهل العراق- فقد كانت أمارات القهر و الغلبة لاحت- و دلائل النصر و الظفر وضحت- فعدل أهل الشام عن القراع إلى الخداع- و كان ذلك برأي عمرو بن العاص- . و هذه الحال وقعت عقيب ليلة الهرير- و هي الليلة العظيمة التي يضرب بها المثل- . و نحن نذكر ما أورده نصر بن مزاحم- في كتاب صفين في هذا المعنى- فهو ثقة ثبت صحيح النقل- غير منسوب إلى هوى و لا إدغال- و هو من رجال أصحاب الحديث- قال نصر حدثنا عمرو بن شمر قال حدثني أبو ضرار- قال حدثني عمار بن ربيعة قال- غلس علي ع بالناس صلاة الغداة يوم الثلاثاء- عاشر شهر ربيع الأول سنة سبع و ثلاثين- و قيل عاشر شهر صفر- ثم زحف إلى أهل الشام بعسكر العراق- و الناس على راياتهم و أعلامهم- و زحف إليهم أهل الشام- و قد كانت الحرب أكلت الفريقين- و لكنها في أهل الشام أشد نكاية و أعظم وقعا- فقد ملوا الحرب و كرهوا القتال- و تضعضعت أركانهم- .

 

قال فخرج رجل من أهل العراق- على فرس كميت ذنوب- عليه السلاح لا يرى منه إلا عيناه و بيده الرمح- فجعل يضرب رءوس أهل العراق بالقناة- و يقول سووا صفوفكم رحمكم الله- حتى إذا عدل الصفوف و الرايات استقبلهم بوجهه- و ولى أهل الشام ظهره ثم حمد الله و أثنى عليه و قال- الحمد لله الذي جعل فينا ابن عم نبيه- أقدمهم هجرة و أولهم إسلاما- سيف من سيوف الله على أعدائه- فانظروا إذا حمي الوطيس و ثار القتام- و تكسر المران و جالت الخيل بالأبطال- فلا أسمع إلا غمغمة أو همهمة- فاتبعوني و كونوا في أثري- . ثم حمل على أهل الشام فكسر فيهم رمحه- ثم رجع فإذا هو الأشتر- .

 

قال و خرج رجل من أهل الشام- فنادى بين الصفين يا أبا الحسن يا علي ابرز إلي- فخرج إليه علي ع حتى اختلفت أعناق دابتيهما بين الصفين- فقال إن لك يا علي لقدما في الإسلام و الهجرة- فهل لك في أمر أعرضه عليك- يكون فيه حقن هذه الدماء و تأخر هذه الحروب- حتى ترى رأيك- قال و ما هو قال ترجع إلى‏ عراقك- فنخلي بينك و بين العراق- و نرجع نحن إلى شامنا فتخلي بيننا و بين الشام- فقال علي ع قد عرفت ما عرضت- إن هذه لنصيحة و شفقة- و لقد أهمني هذا الأمر و أسهرني- و ضربت أنفه و عينه- فلم أجد إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمد- إن الله تعالى ذكره لم يرض من أوليائه- أن يعصى في الأرض و هم سكوت مذعنون- لا يأمرون بمعروف و لا ينهون عن منكر- فوجدت القتال أهون علي من معالجة في الأغلال في جهنم-.

 

 قال فرجع الرجل و هو يسترجع- و زحف الناس بعضهم إلى بعض- فارتموا بالنبل و الحجارة حتى فنيت- ثم تطاعنوا بالرماح حتى تكسرت و اندقت- ثم مشى القوم بعضهم إلى بعض بالسيوف و عمد الحديد- فلم يسمع السامعون إلا وقع الحديد بعضه على بعض- لهو أشد هولا في صدور الرجال من الصواعق- و من جبال تهامة يدك بعضها بعضا- و انكسفت الشمس بالنقع و ثار القتام و القسطل- و ضلت الألوية و الرايات- و أخذ الأشتر يسير فيما بين الميمنة و الميسرة- فيأمر كل قبيلة أو كتيبة من القراء- بالإقدام على التي تليها- فاجتلدوا بالسيوف و عمد الحديد- من صلاة الغداة من اليوم المذكور إلى نصف الليل- لم يصلوا لله صلاة- فلم يزل الأشتر يفعل ذلك حتى أصبح و المعركة خلف ظهره- و افترقوا عن سبعين ألف قتيل في ذلك اليوم- و تلك الليلة و هي ليلة الهرير المشهورة- و كان الأشتر في ميمنة الناس و ابن عباس في الميسرة- و علي ع في القلب و الناس يقتتلون- . ثم استمر القتال من نصف الليل الثاني إلى ارتفاع الضحى- و الأشتر يقول لأصحابه-

 

و هو يزحف بهم نحو أهل الشام- ازحفوا قيد رمحي هذا و يلقي رمحه فإذا فعلوا ذلك- قال ازحفوا قاب هذا القوس- فإذا فعلوا ذلك سألهم مثل ذلك- حتى مل أكثر الناس من الإقدام- فلما رأى ذلك قال- أعيذكم بالله أن ترضعوا الغنم سائر اليوم- ثم دعا بفرسه و ركز رايته- و كانت مع حيان بن هوذة النخعي- و سار بين الكتائب و هو يقول- أ لا من يشتري نفسه لله و يقاتل مع الأشتر- حتى يظهر أو يلحق بالله- فلا يزال الرجل من الناس يخرج إليه فيقاتل معه- . قال نصر و حدثني عمرو قال حدثني أبو ضرار- قال حدثني عمار بن ربيعة قال- مر بي الأشتر فأقبلت معه- حتى رجع إلى المكان الذي كان به- فقام في أصحابه فقال شدوا فدا لكم عمي و خالي- شدة ترضون بها الله و تعرزون بها الدين- إذا أنا حملت فاحملوا ثم نزل- و ضرب وجه دابته و قال لصاحب رايته- أقدم فتقدم بها- ثم شد على القوم و شد معه أصحابه- فضرب أهل الشام حتى انتهى بهم إلى معسكرهم- فقاتلوا عند المعسكر قتالا شديدا- و قتل صاحب رايتهم- و أخذ علي ع لما رأى الظفر قد جاء من قبله يمده بالرجال- .

 

و روى نصر عن رجاله قال لما بلغ القوم إلى ما بلغوا إليه قام علي ع خطيبا- فحمد الله و أثنى عليه و قال-أيها الناس قد بلغ بكم الأمر و بعدوكم ما قد رأيتم- و لم يبق منهم إلا آخر نفس- و إن الأمور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأولها- و قد صبر لكم القوم على غير دين- حتى بلغنا منهم ما بلغنا- و أنا غاد عليهم بالغداة أحاكمهم إلى الله – . قال فبلغ ذلك معاوية فدعا عمرو بن العاص- و قال يا عمرو إنما هي الليلة- حتى يغدو علي علينا بالفيصل فما ترى- . قال إن رجالك لا يقومون لرجاله و لست مثله- هو يقاتلك على أمر و أنت تقاتله على غيره- أنت تريد البقاء و هو يريد الفناء- و أهل العراق يخافون منك إن ظفرت بهم- و أهل الشام لا يخافون عليا إن ظفر بهم- و لكن ألق إلى القوم أمرا إن قبلوه اختلفوا- و إن ردوه اختلفوا- ادعهم إلى كتاب الله حكما فيما بينك و بينهم- فإنك بالغ به حاجتك في القوم- و إني لم أزل أؤخر هذا الأمر لوقت حاجتك إليه- . فعرف معاوية ذلك و قال له صدقت- .

 

قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر بن عمير الأنصاري قال و الله لكأني أسمع عليا يوم الهرير- و ذلك بعد ما طحنت رحى مذحج- فيما بينها و بين عك و لخم و جذام و الأشعريين- بأمر عظيم تشيب منه النواصي- حتى استقلت الشمس و قام قائم الظهر- و علي ع قول لأصحابه- حتى متى نخلي بين هذين الحيين- قد فنيا و أنتم وقوف تنظرون- أ ما تخافون مقت الله ثم انفتل إلى القبلة- و رفع‏يديه إلى الله عز و جل و نادى- يا الله يا رحمان يا رحيم يا واحد يا أحد يا صمد- يا الله يا إله محمد اللهم إليك نقلت الأقدام- و أفضت القلوب و رفعت الأيدي- و مدت الأعناق و شخصت الأبصار- و طلبت الحوائج- اللهم إنا نشكو إليك غيبة نبينا- و كثرة عدونا و تشتت أهوائنا- ربنا افتح بيننا و بين قومنا بالحق- و أنت خير الفاتحين- سيروا على بركة الله- ثم نادى لا إله إلا الله و الله أكبر كلمة التقوى

 

قال فلا و الذي بعث محمدا بالحق نبيا- ما سمعنا رئيس قوم منذ خلق الله السموات و الأرض- أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب- إنه قتل فيما ذكر العادون- زيادة على خمسمائة من أعلام العرب- يخرج بسيفه منحنيا فيقول معذرة إلى الله و إليكم من هذا- لقد هممت أن أفلقه- و لكن يحجزني عنه أني سمعت رسول الله ص يقول لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي- و أنا أقاتل به دونه صقال فكنا نأخذه فنقومه- ثم يتناوله من أيدينا فيقتحم به في عرض الصف- فلا و الله ما ليث بأشد نكاية منه في عدوه ع- . قال نصر فحدثنا عمرو بن شمر عن جابر قال- سمعت تميم بن حذيم يقول لما أصبحنا من ليلة الهرير- نظرنا فإذا أشباه الرايات- أمام أهل الشام في وسط الفيلق-حيال موقف علي و معاوية- فلما أسفرنا إذا هي المصاحف- قد ربطت في أطراف الرماح- و هي عظام مصاحف العسكر- و قد شدوا ثلاثة أرماح جميعا- و ربطوا عليها مصحف المسجد الأعظم يمسكه عشرة رهط- .

 

قال نصر و قال أبو جعفر و أبو الطفيل- استقبلوا عليا بمائة مصحف- و وضعوا في كل مجنبة مائتي مصحف- فكان جميعها خمسمائة مصحف- . قال أبو جعفر ثم قام الطفيل بن أدهم حيال علي ع- و قام أبو شريح الجذامي حيال الميمنة- و قام ورقاء بن المعمر حيال الميسرة- ثم نادوا يا معشر العرب- الله الله في النساء و البنات و الأبناء من الروم- و الأتراك و أهل فارس غدا إذا فنيتم- الله الله في دينكم هذا كتاب الله بيننا و بينكم- .

 

فقال علي ع اللهم إنك تعلم أنهم ما الكتاب يريدون- فاحكم بيننا و بينهم إنك أنت الحكم الحق المبينفاختلف أصحاب علي ع في الرأي- فطائفة قالت القتال- و طائفة قالت المحاكمة إلى الكتاب و لا يحل لنا الحرب- و قد دعينا إلى حكم الكتاب- فعند ذلك بطلت الحرب و وضعت أوزارها- .

 

قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر قال حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين قال لما كان اليوم الأعظم قال أصحاب معاوية- و الله لا نبرح اليوم العرصة حتى نموت أو يفتح لنا- و قال أصحاب علي ع- لا نبرح اليوم العرصة حتى نموت أو يفتح لنا- فبادروا القتال غدوة في يوم من أيام الشعرى- طويل شديد الحر- فتراموا حتى فنيت النبال- و تطاعنوا حتى تقصفت الرماح- ثم نزل القوم عن خيولهم- و مشى بعضهم إلى بعض بالسيوف حتى كسرت جفونها- و قام الفرسان في الركب- ثم اضطربوا بالسيوف و بعمد الحديد- فلم يسمع السامعون إلا تغمغم القوم- و صليل الحديد في الهام- و تكادم الأفواه و كسفت الشمس- و ثار القتام و ضلت الألوية و الرايات- و مرت مواقيت أربع صلوات- ما يسجد فيهن لله إلا تكبيرا- و نادت المشيخة في تلك الغمرات- يا معشر العرب- الله الله في الحرمات من النساء و البنات- قال جابر فبكى أبو جعفر و هو يحدثنا بهذا الحديث – .

قال نصر و أقبل الأشتر على فرس كميت محذوف- و قد وضع مغفره على قربوس السرج- و هو ينادي اصبروا يا معشر المؤمنين- فقد حمي الوطيس و رجعت الشمس من الكسوف- و اشتد القتال و أخذت السباع بعضها بعضا- فهم كما قال الشاعر

 

مضت و استأخر القرعاء عنها
و خلي بينهم إلا الوريع‏

 

قال يقول واحد لصاحبه في تلك الحال- أي رجل هذا لو كانت له نية فيقول له صاحبه- و أي نية أعظم من هذه ثكلتك أمك و هبلتك- إن رجلا كما ترى قد سبح في الدم- و ما أضجرته الحرب و قد غلت هام الكماة من الحر- و بلغت القلوب الحناجر- و هو كما تراه جزعا يقول هذه المقالة- اللهم لا تبقنا بعد هذا- . قلت لله أم قامت عن الأشتر- لو أن إنسانا يقسم أن الله تعالى ما خلق في العرب-و لا في العجم أشجع منه إلا أستاذه ع- لما خشيت عليه الإثم و لله در القائل- و قد سئل عن الأشتر- ما أقول في رجل هزمت حياته أهل الشام- و هزم موته أهل العراق- . و بحق ماقال فيه أمير المؤمنين ع كان الأشتر لي كما كنت لرسول الله ص -.

 

قال نصر و روى الشعبي عن صعصعة قال- و قد كان الأشعث بن قيس بدر منه قول ليلة الهرير- نقله الناقلون إلى معاوية فاغتنمه و بنى عليه تدبيره- و ذلك أن الأشعث خطب أصحابه من كندة تلك الليلة- فقال الحمد لله أحمده و أستعينه- و أومن به و أتوكل عليه و أستنصره و أستغفره- و أستجيره و أستهديه و أستشيره و أستشهد به- فإن من هداه الله فلا مضل له- و من يضلل الله فلا هادي له- و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له- و أشهد أن محمدا عبده و رسوله ص- . ثم قال قد رأيتم يا معشر المسلمين- ما قد كان في يومكم هذا الماضي- و ما قد فني فيه من العرب- فو الله لقد بلغت من السن ما شاء الله أن أبلغ- فما رأيت مثل هذا اليوم قط- ألا فليبلغ الشاهد الغائب- إنا نحن إن تواقفنا غدا- إنه لفناء العرب و ضيعة الحرمات- أما و الله ما أقول هذه المقالة جزعا من الحرب- و لكني رجل مسن- أخاف على النساء و الذراري غدا إذا فنينا- اللهم إنك تعلم أني قد نظرت لقومي- و لأهل ديني فلم آل- و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب- و الرأي يخطئ و يصيب- و إذا قضى الله أمرا أمضاه على ما أحب العباد أو كرهوا- أقول قولي هذا و أستغفر الله العظيم لي و لكم- .

 

قال الشعبي قال صعصعة- فانطلقت عيون معاوية إليه بخطبة الأشعث- فقال أصاب و رب الكعبة- لئن نحن التقينا غدا- لتميلن على ذراري أهل الشام و نسائهم- و لتميلن فارس على ذراري أهل العراق و نسائهم- إنما يبصر هذا ذوو الأحلام و النهى- ثم قال لأصحابه اربطوا المصاحف على أطراف القنا- . فثار أهل الشام في سواد الليل- ينادون عن قول معاوية و أمره- يا أهل العراق من لذرارينا إن قتلتمونا- و من لذراريكم إذا قتلناكم- الله الله في البقية- و أصبحوا و قد رفعوا المصاحف على رءوس الرماح- و قد قلدوها الخيل- و الناس على الرايات قد اشتهوا ما دعوا إليه- و مصحف دمشق الأعظم- يحمله عشرة رجال على رءوس الرماح- و هم ينادون كتاب الله بيننا و بينكم- . و أقبل أبو الأعور السلمي على برذون أبيض- و قد وضع المصحف على رأسه ينادي- يا أهل العراق كتاب الله بيننا و بينكم- . قال فجاء عدي بن حاتم الطائي فقال يا أمير المؤمنين- إنه لم يصب منا عصبة إلا و قد أصيب منهم مثلها- و كل مقروح و لكنا أمثل بقية منهم- و قد جزع القوم- و ليس بعد الجزع إلا ما نحب فناجزهم- .

 

و قام الأشتر فقال يا أمير المؤمنين- إن معاوية لا خلف له من رجاله- و لكن‏ بحمد الله لك الخلف- و لو كان له مثل رجالك لم يكن له مثل صبرك و لا نصرك- فاقرع الحديد بالحديد و استعن بالله الحميد- . ثم قام عمرو بن الحمق فقال يا أمير المؤمنين- إنا و الله ما أجبناك و لا نصرناك على الباطل- و لا أجبنا إلا الله و لا طلبنا إلا الحق- و لو دعانا غيرك إلى ما دعوتنا إليه- لاستشرى فيه اللجاج و طالت فيه النجوى- و قد بلغ الحق مقطعه و ليس لنا معك رأي- . فقام الأشعث بن قيس مغضبا فقال يا أمير المؤمنين- إنا لك اليوم على ما كنا عليه أمس- و ليس آخر أمرنا كأوله- و ما من القوم أحد أحنى على أهل العراق- و لا أوتر لأهل الشام مني- فأجب القوم إلى كتاب الله عز و جل- فإنك أحق به منهم- و قد أحب الناس البقاء و كرهوا القتال- . فقال علي ع هذا أمر ينظر فيه- . فتنادى الناس من كل جانب الموادعة- .

 

فقال علي ع أيها الناس إني أحق من أجاب إلى كتاب الله- و لكن معاوية و عمرو بن العاص- و ابن أبي معيط و ابن أبي سرح و ابن مسلمة- ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن- إني أعرف بهم منكم صحبتهم صغارا و رجالا- فكانوا شر صغار و شر رجال- ويحكم إنها كلمة حق يراد بها باطل- إنهم ما رفعوها أنهم يعرفونها و يعملون بها- و لكنها الخديعة و الوهن و المكيدة- أعيروني سواعدكم و جماجمكم ساعة واحدة- فقد بلغ الحق مقطعه- و لم يبق إلا أن يقطع دابر الذين ظلموا – .

 

فجاءه من أصحابه زهاء عشرين ألفا- مقنعين في الحديد شاكي السلاح- سيوفهم على‏ عواتقهم- و قد اسودت جباههم من السجود- يتقدمهم مسعر بن فدكي و زيد بن حصين- و عصابة من القراء الذين صاروا خوارج من بعد- فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين يا علي- أجب القوم إلى كتاب الله إذ دعيت إليه- و إلا قتلناك كما قتلنا ابن عفان- فو الله لنفعلنها إن لم تجبهم- فقال لهم ويحكم أنا أول من دعا إلى كتاب الله- و أول من أجاب إليه و ليس يحل لي- و لا يسعني في ديني أن أدعى إلى كتاب الله فلا أقبله- إني إنما قاتلتهم ليدينوا بحكم القرآن- فإنهم قد عصوا الله فيما أمرهم- و نقضوا عهده و نبذوا كتابه- و لكني قد أعلمتكم أنهم قد كادوكم- و أنهم ليس العمل بالقرآن يريدون- قالوا فابعث إلى الأشتر ليأتينك- و قد كان الأشتر صبيحة ليلة الهرير- أشرف على عسكر معاوية ليدخله- .

 

قال نصر فحدثني فضيل بن خديج عن رجل من النخع- قال سأل مصعب إبراهيم بن الأشتر- عن الحال كيف كانت- فقال كنت عند علي ع حين بعث إلى الأشتر ليأتيه- و قد كان الأشتر أشرف على معسكر معاوية ليدخله- فأرسل إليه علي ع يزيد بن هانئ- أن ائتني فأتاه فأبلغه- فقال الأشتر ائته فقل له- ليس هذه بالساعة التي ينبغي لك أن تزيلني عن موقفي-إني قد رجوت الفتح فلا تعجلني- فرجع يزيد بن هانئ إلى علي ع فأخبره- فما هو إلا أن انتهى إلينا حتى ارتفع الرهج- و علت الأصوات من قبل الأشتر- و ظهرت دلائل الفتح و النصر لأهل العراق- و دلائل الخذلان و الإدبار على أهل الشام- فقال القوم لعلي و الله ما نراك أمرته إلا بالقتال-

 

قال أ رأيتموني ساررت رسولي إليه- أ ليس إنما كلمته على رءوسكم علانية و أنتم تسمعون- قالوا فابعث إليه فليأتك و إلا فو الله اعتزلناك- فقال ويحك يا يزيد- قل له أقبل إلي فإن الفتنة قد وقعت- فأتاه فأخبره- فقال الأشتر أ برفع هذه المصاحف قال نعم- قال أما و الله لقد ظننت أنها حين رفعت- ستوقع خلافا و فرقة- إنها مشورة ابن النابغة- ثم قال ليزيد بن هانئ ويحك أ لا ترى إلى الفتح- أ لا ترى إلى ما يلقون أ لا ترى الذي يصنع الله لنا- أ ينبغي أن ندع هذا و ننصرف عنه- فقال له يزيد أ تحب أنك ظفرت هاهنا- و أن أمير المؤمنين بمكانه الذي هو فيه يفرج عنه- و يسلم إلى عدوه-

 

قال سبحان الله لا و الله لا أحب ذلك- قال فإنهم قد قالوا له و حلفوا عليه- لترسلن إلى الأشتر فليأتينك- أو لنقتلنك بأسيافنا كما قتلنا عثمان- أو لنسلمنك إلى عدوك- .فأقبل الأشتر حتى انتهى إليهم- فصاح يا أهل الذل و الوهن- أ حين علوتم القوم و ظنوا أنكم لهم قاهرون- رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها- و قد و الله تركوا ما أمر الله به فيها- و تركوا سنة من أنزلت عليه- فلا تجيبوهم أمهلوني فواقا- فإني‏قد أحسست بالفتح- قالوا لا نمهلك- قال فأمهلوني عدوة الفرس- فإني قد طمعت في النصر- قالوا إذن ندخل معك في خطيئتك- . قال فحدثوني عنكم و قد قتل أماثلكم و بقي أراذلكم- متى كنتم محقين أ حين كنتم تقتلون أهل الشام- فأنتم الآن حين أمسكتم عن قتالهم مبطلون- أم أنتم الآن في إمساككم عن القتال محقون- فقتلاكم إذن الذين لا تنكرون فضلهم- و أنهم خير منكم في النار- قالوا دعنا منك يا أشتر- قاتلناهم في الله و ندع قتالهم في الله- إنا لسنا نطيعك فاجتنبنا-

 

فقال خدعتم و الله فانخدعتم- و دعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم- يا أصحاب الجباه السود- كنا نظن صلاتكم زهادة في الدنيا و شوقا إلى لقاء الله- فلا أرى فراركم إلا إلى الدنيا من الموت- ألا فقبحا يا أشباه النيب الجلالة- ما أنتم براءين بعدها عزا أبدا- فابعدوا كما بعد القوم الظالمون- . فسبوه و سبهم و ضربوا بسياطهم وجه دابته- و ضرب بسوطه وجوه دوابهم- و صاح بهم علي ع فكفوا- و قال الأشتر يا أمير المؤمنين- احمل الصف على الصف تصرع القوم- فتصايحوا أن أمير المؤمنين قد قبل الحكومة- و رضي بحكم القرآن- فقال الأشتر إن كان أمير المؤمنين قد قبل و رضي- فقد رضيت بما رضي به أمير المؤمنين- فأقبل الناس يقولون قد رضي أمير المؤمنين- قد قبل أمير المؤمنين- و هو ساكت لا يبض بكلمة مطرق إلى الأرض- . ثم قال فسكت الناس كلهم-
فقال أيها الناس إن أمري لم يزل معكم على ما أحب- إلى أن أخذت منكم الحرب- و قد و الله أخذت منكم و تركت- و أخذت من عدوكم فلم تترك- و إنها فيهم أنكى و أنهك- ألا إني كنت أمس أمير المؤمنين- فأصبحت اليوم‏ مأمورا- و كنت ناهيا فأصبحت منهيا و قد أحببتم البقاء- و ليس لي أن أحملكم على ما تكرهون- ثم قعد- .

 

قال نصر ثم تكلم رؤساء القبائل- فكل قال ما يراه و يهواه- إما من الحرب أو من السلم- فقام كردوس بن هانئ البكري فقال أيها الناس- إنا و الله ما تولينا معاوية منذ تبرأنا منه- و لا تبرأنا من علي منذ توليناه- و إن قتلانا لشهداء و إن أحياءنا لأبرار- و إن عليا لعلى بينة من ربه و ما أحدث إلا الإنصاف- فمن سلم له نجا و من خالفه هلك- ثم قام شقيق بن ثور البكري فقال أيها الناس- إنا دعونا أهل الشام إلى كتاب الله فردوه علينا- فقاتلناهم عليه و إنهم قد دعونا اليوم إليه- فإن رددناه عليهم حل لهم منا ما حل لنا منهم- و لسنا نخاف أن يحيف الله علينا و رسوله- ألا إن عليا ليس بالراجع الناكس و لا الشاك الواقف- و هو اليوم على ما كان عليه أمس- و قد أكلتنا هذه الحرب و لا نرى البقاء إلا في الموادعة- . قال نصر- ثم إن أهل الشام لما أبطأ عنهم علم حال أهل العراق- هل أجابوا إلى الموادعة أم لا- جزعوا فقالوا يا معاوية- ما نرى أهل العراق أجابوا إلى ما دعوناهم إليه- فأعدها جذعة- فإنك قد غمرت بدعائك القوم و أطمعتهم فيك- .

 

فدعا معاوية عبد الله بن عمرو بن العاص- فأمره أن يكلم أهل العراق و يستعلم له ما عندهم- فأقبل حتى إذا كان بين الصفين نادى يا أهل العراق- أنا عبد الله بن‏ عمرو بن العاص- إنه قد كانت بيننا و بينكم أمور للدين أو الدنيا- فإن تكن للدين فقد و الله أعذرنا و أعذرتم- و إن تكن للدنيا فقد و الله أسرفنا و أسرفتم- و قد دعوناكم إلى أمر لو دعوتمونا إليه لأجبناكم- فإن يجمعنا و إياكم الرضا فذاك من الله- فاغتنموا هذه الفرصة- عسى أن يعيش فيها المحترف و ينسى فيها القتيل- فإن بقاء المهلك بعد الهالك قليل- . فأجابه سعد بن قيس الهمداني- فقال أما بعد يا أهل الشام- إنه قد كانت بيننا و بينكم أمور- حامينا فيها على الدين و الدنيا- و سميتموها غدرا و سرفا- و قد دعوتمونا اليوم إلى ما قاتلناكم عليه أمس- و لم يكن ليرجع أهل العراق إلى عراقهم- و أهل الشام إلى شامهم- بأمر أجمل من أن يحكم فيه بما أنزل الله سبحانه- فالأمر في أيدينا دونكم و إلا فنحن نحن و أنتم أنتم- . فقام الناس إلى علي ع- فقالوا له أجب القوم إلى المحاكمة- قال و نادى إنسان من أهل الشام في جوف الليل- بشعر سمعه الناس و هو-

 

رءوس العراق أجيبوا الدعاء
فقد بلغت غاية الشده‏

 

و قد أودت الحرب بالعالمين‏
و أهل الحفائظ و النجده‏

 

فلسنا و لستم من المشركين
و لا المجمعين على الرده‏

 

و لكن أناس لقوا مثلهم‏
لنا عدة و لكم عده‏

 

فقاتل كل على وجهه
يقحمه الجد و الحده‏

 

فإن تقبلوها ففيها البقاء
و أمن الفريقين و البلده‏

 

و إن تدفعوها ففيها الفناء
و كل بلاء إلى مده‏

 

فحتى متى مخض هذا السقاء
و لا بد أن تخرج الزبده‏

 

ثلاثة رهط هم أهلها
و إن يسكتوا تخمد الوقده‏

 

سعيد بن قيس و كبش العراق‏
و ذاك المسود من كنده‏
قال فأما المسود من كندة و هو الأشعث- فإنه لم يرض بالسكوت- بل كان من أعظم الناس قولا في إطفاء الحرب- و الركون إلى الموادعة- و أما كبش العراق و هو الأشتر- فلم يكن يرى إلا الحرب و لكنه سكت على مضض- و أما سعيد بن قيس فكان تارة هكذا و تارة هكذا- . و ذكر ابن ديزيل الهمداني في كتاب صفين قال- خرج عبد الرحمن بن خالد بن الوليد و معه لواء معاوية- فارتجز فخرج إليه جارية بن قدامة السعدي- فارتجز أيضا مجيبا له ثم اطعنا فلم يصنعا شيئا- و انصرف كل واحد منهما عن صاحبه- فقال عمرو بن العاص لعبد الرحمن اقحم يا ابن سيف الله- فتقدم عبد الرحمن بلوائه و تقدم أصحابه- فأقبل علي ع على الأشتر- فقال له قد بلغ لواء معاوية حيث‏ ترى فدونك القوم- فأخذ الأشتر لواء علي ع و قال-

 

إني أنا الأشتر معروف الشتر
إني أنا الأفعى العراقي الذكر

 

لست ربيعيا و لست من مضر
لكنني من مذحج الشم الغرر

 

فضارب القوم حتى ردهم- فانتدب له همام بن قبيصة الطائي و كان مع معاوية- فشد عليه في مذحج- فانتصر عدي بن حاتم الطائي للأشتر- فحمل عليه في طي‏ء فاشتد القتال جدا- فدعا علي ببغلة رسول الله ص فركبها- ثم تعصب بعمامة رسول الله- و نادى أيها الناس من يشري نفسه لله- إن هذا يوم له ما بعده- فانتدب معه ما بين عشرة آلاف إلى اثني عشر ألفا- فتقدمهم علي ع و قال-

 

دبوا دبيب النمل لا تفوتوا
و أصبحوا أمركم أو بيتوا
حتى تنالوا الثأر أو تموتوا
 و حمل و حمل الناس كلهم حملة واحدة- فلم يبق لأهل الشام صف إلا أزالوه- حتى أفضوا إلى معاوية فدعا معاوية بفرسه ليفر عليه- . و كان معاوية بعد ذلك يحدث فيقول- لما وضعت رجلي في الركاب- ذكرت قول عمرو بن الإطنابة-

 

أبت لي عفتي و أبى بلائي
و أخذي الحمد بالثمن الربيح‏

 

و إقدامي على المكروه نفسي
و ضربي هامة البطل المشيح‏

 

و قولي كلما جشأت و جاشت‏
مكانك تحمدي أو تستريحي‏

 

 فأخرجت رجلي من الركاب و أقمت- و نظرت إلى عمرو فقلت له اليوم صبر و غدا فخر- فقال صدقت- . قال إبراهيم بن ديزيل- روى عبد الله بن أبي بكر عن عبد الرحمن بن حاطب- عن معاوية قال أخذت بمعرفة فرسي- و وضعت رجلي في الركاب للهرب- حتى ذكرت شعر ابن الإطنابة- فعدت إلى مقعدي فأصبت خير الدنيا- و إني لراج أن أصيب خير الآخرة- . قال إبراهيم بن ديزيل فكان ذلك يوم الهرير- ثم رفعت المصاحف بعده- . و روى إبراهيم عن ابن لهيعة- عن يزيد بن أبي حبيب عن ربيعة بن لقيط- قال شهدنا صفين فمطرت السماء علينا دما عبيطا- . و قال و في حديث الليث بن سعد- أن كانوا ليأخذونه بالصحاف و الآنية- و في حديث ابن لهيعة- حتى إن الصحاف و الآنية لتمتلئ و نهريقها- . قال إبراهيم و روى عبد الرحمن بن زياد- عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب- عمن حدثه ممن حضر صفين أنهم مطروا دما عبيطا- فتلقاه الناس بالقصاع و الآنية- و ذلك في يوم الهرير- و فزع أهل الشام و هموا أن يتفرقوا- فقام عمرو بن العاص فيهم- فقال أيها الناس إنما هذه آية من آيات الله- فأصلح امرؤ ما بينه و بين الله- ثم لا عليه أن ينتطح هذان الجبلان- فأخذوا في القتال-

 

قال إبراهيم و روى أبو عبد الله المكي- قال حدثنا سفيان بن عاصم بن كليب الحارثي عن أبيه- قال أخبرني ابن عباس قال لقد حدثني معاوية أنه كان يومئذ- قد قرب إليه فرسا له أنثى- بعيدة البطن من الأرض ليهرب عليها- حتى أتاه آت من أهل العراق- فقال له إني تركت أصحاب علي- في مثل ليلة الصدر من منى فأقمت- قال فقلنا له فأخبرنا من هو ذلك الرجل- فأبى و قال لا أخبركم من هو- . قال نصر و إبراهيم أيضا و كتب معاوية إلى علي ع- أما بعد فإن هذا الأمر قد طال بيننا و بينك- و كل واحد منا يرى أنه على الحق- فيما يطلب من صاحبه- و لن يعطي واحد منا الطاعة للآخر- و قد قتل فيما بيننا بشر كثير- و أنا أتخوف أن يكون ما بقي أشد مما مضى- و إنا سوف نسأل عن ذلك الموطن- و لا يحاسب به غيري و غيرك- و قد دعوتك إلى أمر لنا و لك فيه حياة و عذر- و براءة و صلاح للأمة و حقن للدماء و ألفة للدين- و ذهاب للضغائن و الفتن- أن نحكم بيني و بينكم حكمين مرضيين- أحدهما من أصحابي و الآخر من أصحابك- فيحكمان بيننا بما أنزل الله فهو خير لي و لك- و أقطع لهذه الفتن- فاتق الله فيما دعيت إليه- و ارض بحكم القرآن إن كنت من أهله و السلام- .
فكتب إليه علي ع من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان- أما بعد فإن أفضل ما شغل به المرء نفسه- اتباع ما حسن به فعله- و استوجب فضله و سلم من عيبه- و إن البغي و الزور يزريان بالمرء في دينه و دنياه- فاحذر الدنيا فإنه لا فرح في شي‏ء وصلت إليه منها- و لقد علمت أنك غير مدرك ما قضى فواته- و قد رام قوم أمرا بغير الحق- و تأولوه على الله جل و عز- فأكذبهم و متعهم قليلا- ثم اضطرهم إلى عذاب غليظ- فاحذر يوما يغتبط فيه من حمد عاقبة عمله- و يندم فيه من أمكن الشيطان من قياده و لم يحاده- و غرته الدنيا و اطمأن إليها- ثم إنك قد دعوتني إلى حكم القرآن- و لقد علمت أنك لست من أهل القرآن و لا حكمه تريد- و الله المستعان- فقد أجبنا القرآن إلى حكمه و لسنا إياك أجبنا- و من لم يرض بحكم القرآن فقد ضل ضلالا بعيدا

 

فكتب معاوية إلى علي ع- أما بعد عافانا الله و إياك- فقد آن لك أن تجيب إلى ما فيه صلاحنا و ألفة بيننا- و قد فعلت الذي فعلت و أنا أعرف حقي- و لكني اشتريت بالعفو صلاح الأمة- و لم أكثر فرحا بشي‏ء جاء و لا ذهب- و إنما أدخلني في هذا الأمر القيام بالحق- فيما بين الباغي و المبغي عليه- و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر- فدعوت إلى كتاب الله فيما بيننا و بينك- فإنه لا يجمعنا و إياك إلا هو- نحيي ما أحيا القرآن و نميت ما أمات القرآن و السلام- .

 

قال نصر فكتب علي ع إلى عمرو بن العاص يعظه و يرشده-أما بعد فإن الدنيا مشغلة عن غيرها- و لن يصيب صاحبها منها شيئا- إلا فتحت له حرصا يزيده فيها رغبة- و لن يستغني صاحبها بما نال عما لم يبلغ- و من وراء ذلك فراق ما جمع- و السعيد من وعظ بغيره- فلا تحبط أبا عبد الله أجرك- و لا تجار معاوية في باطله و السلام

 

فكتب إليه عمرو الجواب أما بعد أقول- فالذي فيه صلاحنا و ألفتنا الإنابة إلى الحق- و قد جعلنا القرآن بيننا حكما و أجبنا إليه- فصبر الرجل منا نفسه على ما حكم عليه القرآن- و عذره الناس بعد المحاجزة و السلام- .

 

فكتب إليه علي ع أما بعد- فإن الذي أعجبك من الدنيا مما نازعتك إليه نفسك- و وثقت به منها لمنقلب عنك و مفارق لك- فلا تطمئن إلى الدنيا فإنها غرارة- و لو اعتبرت بما مضى لحفظت ما بقي- و انتفعت منها بما وعظت به و السلام فأجابه عمرو أما بعد- فقد أنصف من جعل القرآن إماما- و دعا الناس إلى أحكامه- فاصبر أبا حسن- فإنا غير منيليك إلا ما أنالك القرآن و السلام- . قال نصر و جاء الأشعث إلى علي ع- فقال يا أمير المؤمنين ما أرى الناس إلا قد رضوا- و سرهم أن يجيبوا القوم- إلى ما دعوهم إليه من حكم القرآن-فإن شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد- و نظرت ما الذي يسأل- قال فأته إن شئت فأتاه- فسأله يا معاوية لأي شي‏ء رفعتم هذه المصاحف- قال لنرجع نحن و أنتم إلى ما أمر الله به فيها- فابعثوا رجلا منكم ترضون به- و نبعث منا رجلا- و نأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله و لا يعدوانه- ثم نتبع ما اتفقا عليه- فقال الأشعث هذا هو الحق- . و انصرف إلى علي ع فأخبره- فبعث علي ع قراء من أهل العراق- و بعث معاوية قراء من أهل الشام- فاجتمعوا بين الصفين و معهم المصحف- فنظروا فيه و تدارسوا- و اجتمعوا على أن يحيوا ما أحيا القرآن- و يميتوا ما أمات القرآن- و رجع كل فريق إلى صاحبه-

 

فقال أهل الشام إنا قد رضينا و اخترنا عمرو بن العاص- و قال الأشعث و القراء الذين صاروا خوارج فيما بعد- قد رضينا نحن و اخترنا أبا موسى الأشعري- فقال لهم علي ع فإني لا أرضى بأبي موسى و لا أرى أن أوليه- فقال الأشعث و زيد بن حصين و مسعر بن فدكي- في عصابة من القراء- إنا لا نرضى إلا به فإنه قد كان حذرنا ما وقعنا فيه- فقال علي ع فإنه ليس لي برضا- و قد فارقني و خذل الناس عني- و هرب مني حتى أمنته بعد أشهر- و لكن هذا ابن عباس أوليه ذلك- قالوا و الله ما نبالي أ كنت أنت أو ابن عباس- و لا نريد إلا رجلا هو منك و من معاوية سواء- ليس إلى واحد منكما بأدنى من الآخر- قال علي ع فإني أجعل الأشتر- فقال الأشعث و هل سعر الأرض علينا إلا الأشتر- و هل نحن إلا في حكم الأشتر- قال علي ع و ما حكمه- قال حكمه أن يضرب بعضنا بعضا بالسيف- حتى يكون ما أردت و ما أراد- .
قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر محمد بن علي قال لما أراد الناس عليا أن يضع الحكمين- قال لهم إن معاوية لم يكن ليضع لهذا الأمر أحدا- هو أوثق برأيه و نظره من عمرو بن العاص- و إنه لا يصلح للقرشي إلا مثله- فعليكم بعبد الله بن العباس فارموه به- فإن عمرا لا يعقد عقدة إلا حلها عبد الله- و لا يحل عقدة إلا عقدها- و لا يبرم أمرا إلا نقضه و لا ينقض أمرا إلا أبرمه- فقال الأشعث لا و الله- لا يحكم فينا مضريان حتى تقوم الساعة- و لكن اجعل رجلا من أهل اليمن- إذ جعلوا رجلا من مضر- فقال علي ع إني أخاف أن يخدع يمنيكم- فإن عمرا ليس من الله في شي‏ء إذا كان له في أمر هوى- فقال الأشعث- و الله لأن يحكما ببعض ما نكره و أحدهما من أهل اليمن- أحب إلينا من أن يكون بعض ما نحب في حكمهما- و هما مضريان- .

 

قال و ذكر الشعبي أيضا مثل ذلك- . قال نصر فقال علي ع قد أبيتم إلا أبا موسى قالوا نعم- قال فاصنعوا ما شئتم فبعثوا إلى أبي موسى- و هو بأرض من أرض الشام يقال لها عرض- قد اعتزل القتال- فأتاه مولى له فقال إن الناس قد اصطلحوا- فقال الحمد لله رب العالمين- قال و قد جعلوك حكما- فقال إنا لله و إنا إليه راجعون- . فجاء أبو موسى حتى دخل عسكر علي ع- و جاء الأشتر عليا فقال يا أمير المؤمنين- ألزني بعمرو بن العاص- فو الذي لا إله غيره لئن ملأت عيني منه لأقتلنه-

 

و جاء الأحنف بن قيس عليا فقال يا أمير المؤمنين- إنك قد رميت بحجر الأرض- و من حارب الله و رسوله أنف الإسلام- و إني قد عجمت هذا الرجل يعني أبا موسى- و حلبت أشطره فوجدته كليل الشفرة قريب القعر- و إنه لا يصلح لهؤلاء القوم- إلا رجل يدنو منهم حتى يكون في أكفهم- و يتباعد منهم حتى يكون بمنزلة النجم منهم- فإن شئت أن تجعلني حكما فاجعلني- و إن شئت أن تجعلني ثانيا أو ثالثا- فإن عمرا لا يعقد عقدة إلا حللتها- و لا يحل عقدة إلا عقدت لك أشد منها- . فعرض علي ع ذلك على الناس فأبوه- و قالوا لا يكون إلا أبا موسى- . قال نصر مال الأحنف إلى علي ع فقال يا أمير المؤمنين- إني خيرتك يوم الجمل أن آتيك فيمن أطاعني- أو أكف عنك بني سعد فقلت كف قومك- فكفى بكفك نصيرا فأقمت بأمرك- و إن عبد الله بن قيس رجل قد حلبت أشطره- فوجدته قريب القعر كليل المدية- و هو رجل يمان و قومه مع معاوية- و قد رميت بحجر الأرض و بمن حارب الله و رسوله- و إن صاحب القوم من ينأى حتى يكون مع النجم- و يدنو حتى يكون في أكفهم فابعثني- فو الله لا يحل عنك عقدة إلا عقدت لك أشد منها- فإن قلت إني لست من أصحاب رسول الله- فابعث رجلا من أصحاب رسول الله و ابعثني معه- .

 

فقال علي ع- إن القوم أتوني بعبد الله بن قيس مبرنسا- فقالوا ابعث هذا رضينا به و الله بالغ أمره- . قال نصر و روى أن ابن الكواء قام إلى علي ع فقال- هذا عبد الله بن قيس وافد أهل اليمن إلى رسول الله ص- و صاحب مقاسم أبي بكر و عامل عمر- و قد رضي به القوم و عرضنا عليهم ابن عباس- فزعموا أنه قريب القرابة منك ظنون في أمرك- . فبلغ ذلك أهل الشام- فبعث أيمن بن خزيم الأسدي- و كان معتزلا لمعاوية بهذه الأبيات- و كان هواه أن يكون الأمر لأهل العراق-

 

لو كان للقوم رأي يعصمون به
من الضلال رموكم بابن عباس‏

 

لله در أبيه أيما رجل‏
ما مثله لفصال الخطب في الناس‏

 

لكن رموكم بشيخ من ذوي يمن
لا يهتدي ضرب أخماس لأسداس‏

 

إن يخل عمرو به يقذفه في لجج‏
يهوي به النجم تيسا بين أتياس‏

 

أبلغ لديك عليا غير عاتبه
قول امرئ لا يرى بالحق من باس‏

 

ما الأشعري بمأمون أبا حسن‏
فاعلم هديت و ليس العجز كالرأس‏

 

فاصدم بصاحبك الأدنى زعيمهم
إن ابن عمك عباس هو الآسي‏
فلما بلغ الناس هذا الشعر- طارت أهواء قوم من أولياء علي ع و شيعته إلى ابن عباس- و أبت القراء إلا أبا موسى- .قال نصر و كان أيمن بن خزيم رجلا عابدا مجتهدا- و قد كان معاوية جعل له فلسطين- على أن يتابعه و يشايعه على قتال علي ع- فقال أيمن و بعث بها إليه-

 

و لست مقاتلا رجلا يصلي
على سلطان آخر من قريش‏

 

له سلطانه و علي إثمي‏
معاذ الله من سفه و طيش‏

 

أ أقتل مسلما في غير جرم
فليس بنافعي ما عشت عيشي‏

 

قال نصر فلما رضي أهل الشام بعمرو- و أهل العراق بأبي موسى- أخذوا في سطر كتاب الموادعة و كانت صورته- هذا ما تقاضى عليه علي أمير المؤمنين- و معاوية بن أبي سفيان- فقال معاوية بئس الرجل أنا- إن أقررت أنه أمير المؤمنين ثم قاتلته- و قال عمرو بل نكتب اسمه و اسم أبيه- إنما هو أميركم فأما أميرنا فلا- فلما أعيد إليه الكتاب أمر بمحوه- فقال الأحنف لا تمح اسم أمير المؤمنين عنك- فإني أتخوف إن محوتها ألا ترجع إليك أبدا فلا تمحها-

 

فقال علي ع إن هذا اليوم كيوم الحديبية- حين كتب الكتاب عن رسول الله ص- هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو- فقال سهيل- لو أعلم أنك رسول الله لم أقاتلك و لم أخالفك- إني إذا لظالم لك إن منعتك- أن تطوف ببيت الله الحرام و أنت رسوله- و لكن اكتب من محمد بن عبد الله- فقال لي رسول الله ص- يا علي إني لرسول الله و أنا محمد بن عبد الله- و لن يمحو عني الرسالة كتابي لهم من محمد بن عبد الله- فاكتبها و امح ما أراد محوه- أما إن لك مثلها ستعطيها و أنت مضطهد

قال نصر و قد روي أن عمرو بن العاص- عاد بالكتاب إلى علي ع- فطلب منه أن يمحو اسمه من إمرة المؤمنين- فقص عليه و على من حضر قصة صلح الحديبية-

 

قال إن ذلك الكتاب أنا كتبته بيننا و بين المشركين- و اليوم أكتبه إلى أبنائهم- كما كان رسول الله ص كتبه إلى آبائهم شبها و مثلا- فقال عمرو سبحان الله أ تشبهنا بالكفار و نحن مسلمون- فقال علي ع يا ابن النابغة- و متى لم تكن للكافرين وليا و للمسلمين عدوا- فقام عمرو و قال- و الله لا يجمع بيني و بينك مجلس بعد اليوم- فقال علي- أما و الله إني لأرجو أن يظهر الله عليك و على أصحابك – . و جاءت عصابة قد وضعت سيوفها على عواتقها- فقالوا يا أمير المؤمنين مرنا بما شئت- فقال لهم سهل بن حنيف أيها الناس اتهموا رأيكم- فلقد شهدنا صلح رسول الله ص يوم الحديبية- و لو نرى قتالا لقاتلنا- . و زاد إبراهيم بن ديزيل- لقد رأيتني يوم أبي جندل يعني الحديبية- و لو أستطيع أن أرد أمر رسول الله ص لرددته- ثم لم نر في ذلك الصلح إلا خيرا- . قال نصر و قد روى أبو إسحاق الشيباني قال- قرأت كتاب الصلح عند سعيد بن أبي بردة في صحيفة صفراء- عليها خاتمان خاتم من أسفلها و خاتم من أعلاها- على خاتم علي ع محمد رسول الله- و على خاتم معاوية محمد رسول الله- و قيل لعلي ع- حين أراد أن يكتب الكتاب- بينه و بين معاوية و أهل الشام- أ تقر أنهم مؤمنون مسلمون- فقال علي ع- ما أقر لمعاوية و لا لأصحابه أنهم مؤمنون و لا مسلمون- و لكن يكتب معاوية ما شاء بما شاء- و يقر بما شاء لنفسه و لأصحابه- و يسمي نفسه بما شاء و أصحابه- فكتبوا هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان- قاضى علي بن أبي طالب‏ على أهل العراق- و من كان معه من شيعته من المؤمنين و المسلمين- و قاضى معاوية بن أبي سفيان على أهل الشام- و من كان معه من شيعته من المؤمنين و المسلمين- إننا ننزل عند حكم الله تعالى و كتابه- و لا يجمع بيننا إلا إياه- و إن كتاب الله سبحانه و تعالى بيننا- من فاتحته إلى خاتمته- نحيي ما أحيا القرآن و نميت ما أمات القرآن- فإن وجد الحكمان ذلك في كتاب الله اتبعاه- و إن لم يجداه أخذا بالسنة العادلة غير المفرقة- و الحكمان عبد الله بن قيس و عمرو بن العاص- و قد أخذ الحكمان من علي و معاوية و من الجندين- أنهما آمنان على أنفسهما و أموالهما و أهلهما- و الأمة لهما أنصار- و على الذي يقضيان عليه- و على المؤمنين و المسلمين من الطائفتين عهد الله- أن يعملوا بما يقضيان عليه- مما وافق الكتاب و السنة- و إن الأمن و الموادعة و وضع السلاح- متفق عليه بين الطائفتين- إلى أن يقع الحكم- و على كل واحد من الحكمين عهد الله- ليحكمن بين الأمة بالحق لا بالهوى- و أجل الموادعة سنة كاملة- فإن أحب الحكمان أن يعجلا الحكم عجلاه- و إن توفي أحدهما فلأمير شيعته أن يختار مكانه رجلا- لا يألو الحق و العدل- و إن توفي أحد الأميرين- كان نصب غيره إلى أصحابه ممن يرضون أمره- و يحمدون طريقته- اللهم إنا نستنصرك على من ترك ما في هذه الصحيفة- و أراد فيها إلحادا و ظلما- .

قال نصر هذه رواية محمد بن علي بن الحسين و الشعبي- و روى جابر عن زيد بن الحسن بن الحسن زيادات على هذه النسخة- هذا ما تقاضى عليه ابن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان- و شيعتهما فيما تراضيا به من الحكم بكتاب الله و سنة رسوله- قضية علي على أهل العراق- و من كان من شيعته من شاهد أو غائب- و قضية معاوية على أهل الشام- و من كان من شيعته من شاهد أو غائب- إننا رضينا أن ننزل عند حكم القرآن فيما حكم- و أن نقف عند أمره فيما أمر- فإنه لا يجمع بيننا إلا ذلك- و إنا جعلنا كتاب الله سبحانه حكما بيننا فيما اختلفنا فيه- من فاتحته إلى‏ خاتمته- نحيي ما أحيا القرآن و نميت ما أماته- على ذلك تقاضينا و به تراضينا- و إن عليا و شيعته رضوا- أن يبعثوا عبد الله بن قيس ناظرا و محاكما- و رضي معاوية و شيعته- أن يبعثوا عمرو بن العاص ناظرا و محاكما- على أنهم أخذوا عليهما عهد الله و ميثاقه- و أعظم ما أخذ الله على أحد من خلقه- ليتخذان الكتاب إماما فيما بعثا إليه- لا يعدوانه إلى غيره ما وجداه فيه مسطورا- و ما لم يجداه مسمى في الكتاب- رداه إلى سنة رسول الله ص الجامعة- لا يتعمدان لها خلافا و لا يتبعان هوى- و لا يدخلان في شبهة- و قد أخذ عبد الله بن قيس و عمرو بن العاص- على علي و معاوية عهد الله و ميثاقه بالرضا بما حكما به- من كتاب الله و سنة نبيه- و ليس لهما أن ينقضا ذلك و لا يخالفاه إلى غيره- و أنهما آمنان في حكمهما- على دمائهما و أموالهما و أهلهما- ما لم يعدوا الحق- رضي بذلك راض أو أنكره منكر- و أن الأمة أنصار لهما على ما قضيا به من العدل- فإن توفي أحد الحكمين قبل انقضاء الحكومة- فأمير شيعته و أصحابه يختارون مكانه رجلا- لا يألون عن أهل المعدلة و الإقساط- على ما كان عليه صاحبه من العهد و الميثاق- و الحكم بكتاب الله و سنة رسوله- و له مثل شرط صاحبه- و إن مات أحد الأميرين قبل القضاء- فلشيعته أن يولوا مكانه رجلا يرضون عدله- و قد وقعت هذه القضية و معها الأمن و التفاوض- و وضع السلاح و السلام و الموادعة- و على الحكمين عهد الله و ميثاقه ألا يألوا اجتهادا- و لا يتعمدا جورا و لا يدخلا في شبهة- و لا يعدوا حكم الكتاب- فإن لم يقبلا برئت الأمة من حكمهما- و لا عهد لهما و لا ذمة- و قد وجبت القضية على ما قد سمي في هذا الكتاب- من مواقع الشروط على الحكمين- و الأميرين و الفريقين- و الله أقرب شهيدا و أدنى حفيظا- و الناس آمنون على أنفسهم و أهلهم و أموالهم- إلى انقضاء مدة الأجل- و السلاح موضوع و السبل مخلاة- و الشاهد و الغائب من الفريقين سواء في الأمن- و للحكمين أن ينزلا منزلا عدلا- بين أهل العراق و الشام- لا يحضرهما فيه إلا من أحبا عن ملإ منهما و تراض- و إن المسلمين قد أجلوا هذين القاضيين- إلى انسلاخ شهر رمضان- فإن رأيا تعجيل الحكومة فيما وجها له عجلاها- و إن أرادا تأخيرها بعد شهر رمضان إلى انقضاء الموسم- فذلك إليهما- و إن هما لم يحكما بكتاب الله و سنة نبيه إلى انقضاء الموسم- فالمسلمون على أمرهم الأول في الحرب- و لا شرط بين الفريقين- و على الأمة عهد الله و ميثاقه على التمام و الوفاء- بما في هذا الكتاب- و هم يد على من أراد فيه إلحادا و ظلما- أو حاول له نقضا- و شهد فيه من أصحاب علي عشرة- و من أصحاب معاوية عشرة- و تاريخ كتابته لليلة بقيت من صفر سنة سبع و ثلاثين- .

 

قال نصر و حدثنا عمرو بن سعيد قال- حدثني أبو جناب عن ربيعة الجرمي قال- لما كتبت الصحيفة دعي لها الأشتر- ليشهد مع الشهود عليه- فقال لا صحبتني يميني و لا نفعني بعدها الشمال- إن كتب لي في هذه الصحيفة اسم على صلح أو موادعة- أ و لست على بينة من أمري و يقين من ضلالة عدوي- أ و لستم قد رأيتم الظفر إن لم تجمعوا على الخور- فقال له رجل من الناس- و الله ما رأيت ظفرا و لا خورا- هلم فأشهد على نفسك- و أقرر بما كتب في هذه الصحيفة- فإنه لا رغبة لك عن الناس- فقال بلى و الله- إن لي لرغبة عنك في الدنيا للدنيا- و في الآخرة للآخرة- و لقد سفك الله بسيفي هذا دماء رجال- ما أنت عندي بخير منهم و لا أحرم دما- . قال نصر بن مزاحم الرجل هو الأشعث بن قيس- قال فكأنما قصع على أنه الحميم- ثم قال و لكني قد رضيت بما يرضى به أمير المؤمنين- و دخلت فيما دخل فيه و خرجت مما خرج منه- فإنه لا يدخل إلا في الهدى و الصواب- .

 

قال نصر فحدثنا عمر بن سعد- عن أبي جناب الكلبي عن إسماعيل بن شفيع- عن سفيان بن سلمة قال- فلما تم الكتاب و شهدت فيه الشهود- و تراضى الناس خرج الأشعث- و معه ناس بنسخة الكتاب يقرؤها على الناس- و يعرضها عليهم- فمر به على صفوف من أهل الشام- و هم على راياتهم فأسمعهم إياه فرضوا به- ثم مر به على صفوف من أهل العراق- و هم على راياتهم فأسمعهم إياه فرضوا به- حتى مر برايات عنزة- و كان مع علي ع من عنزة بصفين- أربعة آلاف مجفف- فلما مر بهم الأشعث يقرؤه عليهم- قال فتيان منهم لا حكم إلا لله- ثم حملا على أهل الشام بسيوفهما- فقاتلا حتى قتلا على باب رواق معاوية- فهما أول من حكم- و اسماهما جعد و معدان ثم مر بهما على مراد- فقال صالح بن شقيق و كان من رءوسهم-

 

ما لعلي في الدماء قد حكم
لو قاتل الأحزاب يوما ما ظلم‏

 

لا حكم إلا لله و لو كره المشركون- ثم مر على رايات بني راسب فقرأها عليهم- فقال رجل منهم لا حكم إلا لله- لا نرضى و لا نحكم الرجال في دين الله- ثم مر على رايات تميم فقرأها عليهم- فقال رجل منهم لا حكم إلا لله- يقضي بالحق و هو خير الفاصلين- فقال رجل منهم لآخر- أما هذا فقد طعن طعنة نافذة- و خرج عروة بن أدية أخو مرداس بن أدية التميمي- فقال أ تحكمون الرجال في أمر الله لا حكم إلا لله- فأين قتلانا يا أشعث- ثم شد بسيفه ليضرب به الأشعث فأخطأه- و ضرب عجز دابته ضربة خفيفة- فصاح به الناس أن أملك يدك- فكف و رجع الأشعث إلى قومه- فمشى الأحنف إليه و معقل بن قيس و مسعر بن فدكي- و رجال من بني تميم- فتنصلوا و اعتذروا- فقبل منهم ذلك و انطلق إلى علي ع- فقال يا أمير المؤمنين- إني‏ عرضت الحكومة- على صفوف أهل الشام و أهل العراق- فقالوا جميعا رضينا- حتى مررت برايات بني راسب- و نبذ من الناس سواهم- فقالوا لا نرضى لا حكم إلا لله- فمل بأهل العراق و أهل الشام عليهم حتى نقتلهم- فقال علي ع هل هي غير راية أو رايتين و نبذ من الناس- قال لا قال فدعهم- .

 

قال نصر فظن علي ع أنهم قليلون لا يعبأ بهم- فما راعه إلا نداء الناس من كل جهة و من كل ناحية- لا حكم إلا لله الحكم لله يا علي لا لك- لا نرضى بأن يحكم الرجال في دين الله- إن الله قد أمضى حكمه في معاوية و أصحابه- أن يقتلوا أو يدخلوا تحت حكمنا عليهم- و قد كنا زللنا و أخطأنا حين رضينا بالحكمين- و قد بان لنا زللنا و خطؤنا فرجعنا إلى الله و تبنا- فارجع أنت يا علي كما رجعنا- و تب إلى الله كما تبنا و إلا برئنا منك- فقال علي ع ويحكم- أ بعد الرضا و الميثاق و العهد نرجع- أ ليس الله تعالى قد قال أَوْفُوا بِالْعُقُودِ- و قال وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ- وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها- وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا- فأبى علي أن يرجع- و أبت الخوارج إلا تضليل التحكيم و الطعن فيه- فبرئت من علي ع و برئ علي ع منهم- .

قال نصر و قام إلى علي ع محمد بن جريش- فقال يا أمير المؤمنين- أ ما إلى الرجوع عن هذا الكتاب سبيل- فو الله إني لأخاف أن يورث ذلا- فقال علي ع‏ أ بعد أن كتبناه ننقضه إن هذا لا يحل قال نصر و حدثني عمر بن نمير بن وعلة عن أبي الوداك قال لما تداعى الناس إلى المصاحف- و كتبت صحيفة الصلح و التحكيم- قال علي ع إنما فعلت ما فعلت- لما بدا فيكم من الخور و الفشل عن الحرب- فجاءت إليه همدان كأنها ركن حصير- فيهم سعيد بن قيس و ابنه عبد الرحمن غلام له ذؤابة- فقال سعيد ها أنا ذا و قومي لا نرد أمرك- فقل ما شئت نعمله- فقال أما لو كان هذا قبل سطر الصحيفة- لأزلتهم عن عسكرهم- أو تنفرد سالفتي قبل ذلك- و لكن انصرفوا راشدين- فلعمري ما كنت لأعرض قبيلة واحدة للناس
قال نصر و روى الشعبي أن عليا ع- قال يوم صفين حين أقر الناس بالصلح- إن هؤلاء القوم لم يكونوا لينيبوا إلى الحق- و لا ليجيبوا إلى كلمة سواء- حتى يرموا بالمناسر تتبعها العساكر- و حتى يرجموا بالكتائب تقفوها الجلائب-و حتى يجر ببلادهم الخميس يتلوه الخميس- و حتى يدعوا الخيول في نواحي أرضهم- و بأحناء مساربهم و مسارحهم- و حتى تشن عليهم الغارات من كل فج- و حتى يلقاهم قوم صدق صبر- لا يزيدهم هلاك من هلك- من قتلاهم و موتاهم في سبيل الله- إلا جدا في طاعة الله و حرصا على لقاء الله- و لقد كنا مع رسول الله ص- نقتل آباءنا و أبناءنا و إخواننا و أخوالنا و أعمامنا- لا يزيدنا ذلك إلا إيمانا و تسليما- و مضيا على أمض الألم- و جدا على جهاد العدو و الاستقلال بمبارزة الأقران- و لقد كان الرجل منا و الآخر من عدونا- يتصاولان تصاول الفحلين- يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون- فمرة لنا من عدونا و مرة لعدونا منا- فلما رآنا الله صدقا صبرا أنزل بعدونا الكبت- و أنزل علينا النصر- و لعمري لو كنا نأتي مثل الذي أتيتم ما قام الدين و لا عز الإسلام- و ايم الله لتحلبنها دما فاحفظوا ما أقول لكم و روى نصر عن عمرو بن شمر عن فضيل بن خديج قال قيل لعلي ع لما كتبت الصحيفة- أن الأشتر لم يرض بما في الصحيفة- و لا يرى إلا قتال القوم- فقال علي ع بلى إن الأشتر ليرضى إذا رضيت- و قد رضيت و رضيتم- و لا يصلح الرجوع بعد الرضا- و لا التبديل بعد الإقرار- إلا أن يعصى الله أو يتعدى ما في كتابه- و أما الذي ذكرتم من تركه أمري و ما أنا عليه- فليس من أولئك و لا أعرفه على ذلك- و ليت فيكم مثله اثنين بل ليت فيكم مثله واحدا- يرى في عدوي مثل رأيه إذا لخفت مئونتكم علي- و رجوت أن يستقيم لي بعض أودكم
قال نصر و روى أبو عبد الله زيد الأودي- أن رجلا منهم يقال له عمرو بن أوس- قاتل مع علي ع يوم صفين- فأسره معاوية في أسرى كثيرة- فقال له عمرو بن العاص اقتلهم- فقال له عمرو بن أوس لا تقتلني يا معاوية فإنك خالي- فقامت إليه بنو أود فاستوهبوه- فقال دعوه- فلعمري إن كان صادقا فيما ادعاه من خئولتي إياه- ليستغنين عن شفاعتكم- و إلا فشفاعتكم من ورائه ثم استدناه- فقال من أين أنا خالك- فو الله ما بين بني عبد شمس و بين أود من مصاهرة- قال فإن أخبرتك فعرفت فهو أمان عندك قال نعم- قال أ ليست أم حبيبة أختك أم المؤمنين- فأنا ابنها و أنت أخوها فأنت إذا خالي- فقال معاوية لله أبوه- أ ما كان في هؤلاء الأسرى من يفطن إلى هذا غيره ثم خلى سبيله- . و روى إبراهيم بن الحسين بن علي الكسائي- المعروف بابن ديزيل الهمداني في كتاب صفين- قال حدثنا عبد الله بن عمر قال حدثنا عمرو بن محمد- قال دعا معاوية بن أبي سفيان عمرو بن العاص ليبعثه حكما- فجاء و هو متحزم عليه ثيابه و سيفه- و حوله أخوه و ناس من قريش-

 

فقال له معاوية يا عمرو- إن أهل الكوفة أكرهوا عليا على أبي موسى- و هو لا يريده و نحن بك راضون- و قد ضم إليك رجل طويل اللسان كليل المدية- و له بعد حظ من دين- فإذا قال فدعه يقل ثم قل فأوجز- و اقطع المفصل و لا تلقه بكل رأيك- و اعلم أن خب‏ء الرأي زيادة في العقل- فإن خوفك بأهل العراق فخوفه بأهل الشام- و إن خوفك بعلي فخوفه بمعاوية- و إن‏ خوفك بمصر فخوفه باليمن- و إن أتاك بالتفصيل فأته بالجمل- فقال له عمرو يا معاوية أنت و علي رجلا قريش- و لم تنل في حربك ما رجوت و لم تأمن ما خفت- ذكرت أن لعبد الله دينا و صاحب الدين منصور- و ايم الله لأفنين عليه علله و لأستخرجن خبأه- و لكن إذا جاءني بالإيمان و الهجرة و مناقب علي- ما عسيت أن أقول قال قل ما ترى- فقال عمرو و هل تدعني و ما أرى- و خرج مغضبا كأنه كره أن يوصى ثقة بنفسه- و قال لأصحابه حين خرج- إنما أراد معاوية أن يصغر أمر أبي موسى- لأنه علم أني خادعه غدا- فأحب أن يقول إن عمرا لم يخدع أريبا- فقد كدته بالخلاف عليه- و قال في ذلك-

 

يشجعني معاوية بن حرب
كأني للحوادث مستكين‏

 

و إني عن معاوية غني‏
بحمد الله و الله المعين‏

 

و هون أمر عبد الله عمدا
و قال له على ما كان دين‏

 

فقلت له و لم أردد عليه‏
مقالته و للشاكي أنين‏

 

ترى أهل العراق يذب عنهم
و عن جيرانهم رجل مهين‏

 

فلو جهلوه لم يجهل علي‏
و غث القول يحمله السمين‏

 

و لكن خطبه فيهم عظيم
و فضل المرء فيهم مستبين‏

 

فإن أظفر فلم أظفر بوغد
و إن يظفر فقد قطع الوتين‏

 

 فلما بلغ معاوية شعره غضب من ذلك- و قال لو لا مسيره لكان لي فيه رأي- فقال له عبد الرحمن بن أم الحكم- أما و الله إن أمثاله في قريش لكثير- و لكنك ألزمت نفسك الحاجة إليه- فألزمها الغناء عنه- فقال له معاوية فأجبه عن شعره- فقال عبد الرحمن يعيره بفراره من علي يوم صفين-

 

ألا يا عمرو عمرو قبيل سهم
أ من طب أصابك ذا الجنون‏

 

دع البغي الذي أصبحت فيه‏
فإن البغي صاحبه لعين‏

 

أ لم تهرب بنفسك من علي
بصفين و أنت بها ضنين‏

 

حذارا أن تلاقيك المنايا
و كل فتى سيدركه المنون‏

 

و لسنا عائبين عليك إلا
لقولك إنني لا أستكين‏

 

 قال نصر ثم إن الناس أقبلوا على قتلاهم فدفنوهم- قال و قد كان عمر بن الخطاب دعا في خلافته- حابس بن سعد الطائي- فقال له إني أريد أن أوليك قضاء حمص- فكيف أنت صانع- قال أجتهد رأيي و أستشير جلسائي- قال فانطلق إليها فلم يمش إلا يسيرا حتى رجع- فقال يا أمير المؤمنين- إني رأيت رؤيا أحببت أن أقصها عليك- قال هاتها- قال رأيت كأن الشمس أقبلت من المشرق- و معها جمع عظيم- و كأن القمر قد أقبل من المغرب و معه جمع عظيم-

 

فقال له عمر مع أيهما كنت- قال كنت مع القمر- قال كنت مع الآية الممحوة- اذهب فلا و الله لا تلي لي عملا و رده- فشهد مع معاوية صفين و كانت راية طي‏ء معه- فقتل يومئذ فمر به عدي بن حاتم- و معه ابنه زيد فرآه قتيلا- فقال له يا أبت هذا و الله خالي- قال نعم لعن الله خالك- فبئس و الله المصرع مصرعه- فوقف زيد و قال من قتل هذا الرجل مرارا- فخرج إليه رجل من بكر بن وائل طوال يخضب- فقال أنا قتلته- فقال له كيف صنعت به- فجعل يخبره فطعنه زيد بالرمح فقتله- و ذلك بعد أن وضعت الحرب أوزارها- فحمل عليه عدي أبوه يسبه و يشتم أمه- و يقول يا ابن المائقة لست على دين محمد إن لم أدفعك إليهم- فضرب‏ زيد فرسه فلحق بمعاوية- فأكرمه و حمله و أدنى مجلسه- فرفع عدي يديه فدعا عليه- و قال اللهم إن زيدا قد فارق المسلمين- و لحق بالملحدين- اللهم فارمه بسهم من سهامك لا يشوي- أو قال لا يخطئ فإن رميتك لا تنمي- و الله لا أكلمه من رأسي كلمة أبدا- و لا يظلني و إياه سقف أبدا- و قال زيد في قتل البكري-

 

من مبلغ أبناء طي بأنني
ثأرت بخالي ثم لم أتأثم‏

 

تركت أخا بكر ينوء بصدره‏
بصفين مخضوب الجبين من الدم‏

 

و ذكرني ثأري غداة رأيته
فأوجرته رمحي فخر على الفم‏

 

لقد غادرت أرماح بكر بن وائل‏
قتيلا عن الأهوال ليس بمحجم‏

 

قتيلا يظل الحي يثنون بعده
عليه بأيد من نداه و أنعم‏

 

لقد فجعت طي بحلم و نائل‏
و صاحب غارات و نهب مقسم‏

 

لقد كان خالي ليس خال كمثله
دفاعا لضيم و احتمالا لمغرم‏

 

قال نصر و روى الشعبي عن زياد بن النضر- أن عليا ع بعث أربعمائة- عليهم شريح بن هانئ الحارثي- و معه عبد الله بن عباس يصلي بهم و يلي أمورهم- و معهم أبو موسى الأشعري- و بعث معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة- ثم إنهم‏ خلوا بين الحكمين- فكان رأي عبد الله بن قيس أبو موسى- في عبد الله بن عمرو بن الخطاب- و كان يقول و الله إن استطعت لأحيين سنة عمر- . قال نصر و في حديث محمد بن عبيد الله عن الجرجاني

 

قال- لما أراد أبو موسى المسير قام إليه شريح بن هانئ- فأخذ بيده و قال يا أبا موسى- إنك قد نصبت لأمر عظيم- لا يجبر صدعه و لا تستقال فتنته- و مهما تقل من شي‏ء عليك أو لك- يثبت حقه و تر صحته و إن كان باطلا- و إنه لا بقاء لأهل العراق إن ملكهم معاوية- و لا بأس على أهل الشام إن ملكهم علي- و قد كانت منك تثبيطة أيام الكوفة و الجمل- فإن تشفعها بمثلها يكن الظن بك يقينا- و الرجاء منك يأسا- ثم قال له شريح في ذلك-

 

أبا موسى رميت بشر خصم
فلا تضع العراق فدتك نفسي‏

 

و أعط الحق شامهم و خذه‏
فإن اليوم في مهل كأمس‏

 

و إن غدا يجي‏ء بما عليه
كذاك الدهر من سعد و نحس‏

 

و لا يخدعك عمرو إن عمرا
عدو الله مطلع كل شمس‏

 

له خدع يحار العقل منها
مموهة مزخرفة بلبس‏

 

فلا تجعل معاوية بن حرب‏
كشيخ في الحوادث غير نكس‏

 

هداه الله للإسلام فردا
سوى عرس النبي و أي عرس‏

 

فقال أبو موسى- ما ينبغي لقوم اتهموني أن يرسلوني لأدفع عنهم باطلا- أو أجر إليهم حقا-و روى المدائني في كتاب صفين قال- لما أجمع أهل العراق على طلب أبي موسى- و أحضروه للتحكيم على كره من علي ع- أتاه عبد الله بن العباس و عنده وجوه الناس و أشرافهم- فقال له يا أبا موسى إن الناس لم يرضوا بك- و لم يجتمعوا عليك لفضل لا تشارك فيه- و ما أكثر أشباهك من المهاجرين و الأنصار- و المتقدمين قبلك- و لكن أهل العراق أبوا إلا أن يكون الحكم يمانيا- و رأوا أن معظم أهل الشام يمان- و ايم الله إني لأظن ذلك شرا لك و لنا- فإنه قد ضم إليك داهية العرب- و ليس في معاوية خلة يستحق بها الخلافة- فإن تقذف بحقك على باطله تدرك حاجتك منه- و إن يطمع باطله في حقك يدرك حاجته منك- و اعلم يا أبا موسى أن معاوية طليق الإسلام- و أن أباه رأس الأحزاب- و أنه يدعي الخلافة من غير مشورة و لا بيعة- فإن زعم لك أن عمر و عثمان استعملاه فلقد صدق استعمله عمر و هو الوالي عليه- بمنزلة الطبيب يحميه ما يشتهي- و يؤجره ما يكره- ثم استعمله عثمان برأي عمر- و ما أكثر من استعملا ممن لم يدع الخلافة- و اعلم أن لعمرو مع كل شي‏ء يسرك خبيئا يسوءك- و مهما نسيت فلا تنس أن عليا بايعه القوم- الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان- و أنها بيعة هدى و أنه لم يقاتل إلا العاصين و الناكثين- فقال أبو موسى رحمك الله- و الله ما لي إمام غير علي- و إني لواقف عند ما رأى- و إن حق الله أحب إلي من رضا معاوية و أهل الشام- و ما أنت و أنا إلا بالله- . و روى البلاذري في كتاب أنساب الأشراف- قال قيل لعبد الله بن عباس-ما منع عليا أن يبعثك مع عمرو يوم التحكيم-

 

فقال منعه حاجز القدر و محنة الابتلاء و قصر المدة- أما و الله لو كنت لقعدت على مدارج أنفاسه- ناقضا ما أبرم و مبرما ما نقض- أطير إذا أسف و أسف إذا طار- و لكن قد سبق قدر و بقي أسف- و مع اليوم غد و الآخرة خير لأمير المؤمنين- . و ذكر البلاذري أيضا قال- قام عمرو بن العاص بالموسم- فأطرى معاوية و بني أمية و تناول بني هاشم- و ذكر مشاهده بصفين و يوم أبي موسى- فقام إليه ابن عباس فقال يا عمرو- إنك بعت دينك من معاوية- فأعطيته ما في يدك و مناك ما في يد غيره- فكان الذي أخذه منك فوق الذي أعطاك- و كان الذي أخذت منه دون ما أعطيته- و كل راض بما أخذ و أعطى- فلما صارت مصر في يدك- تتبعك بالنقض عليك و التعقب لأمرك- ثم بالعزل لك- حتى لو أن نفسك في يدك لأرسلتها- و ذكرت يومك مع أبي موسى- فلا أراك فخرت إلا بالغدر- و لا منيت إلا بالفجور و الغش- و ذكرت مشاهدك بصفين- فو الله ما ثقلت علينا وطأتك- و لا نكأت فينا جرأتك- و لقد كنت فيها طويل اللسان قصير البنان- آخر الحرب إذا أقبلت و أولها إذا أدبرت- لك يدان يد لا تقبضها عن شر و يد لا تبسطها إلى خير- و وجهان وجه مؤنس و وجه موحش- و لعمري إن من باع دينه بدنيا غيره- لحري حزنه على ما باع و اشترى- أما إن لك بيانا و لكن فيك خطل- و إن لك لرأيا و لكن فيك فشل- و إن أصغر عيب فيك لأعظم عيب في غيرك- . قال نصر و كان النجاشي الشاعر صديقا لأبي موسى- فكتب إليه يحذره من عمرو بن العاص-

 

يؤمل أهل الشام عمرا و إنني
لآمل عبد الله عند الحقائق‏
و إن أبا موسى سيدرك حقنا
إذا ما رمى عمرا بإحدى البوائق‏

 

فلله ما يرمى العراق و أهله‏
به منه إن لم يرمه بالصواعق‏

 

فكتب إليه أبو موسى- إني لأرجو أن ينجلي هذا الأمر- و أنا فيه على رضا الله سبحانه- . قال نصر ثم إن شريح بن هانئ جهز أبا موسى جهازا حسنا- و عظم أمره في الناس ليشرف في قومه- فقال الأعور الشني في ذلك يخاطب شريحا- .

 

زففت ابن قيس زفاف العروس
شريح إلى دومة الجندل‏

 

و في زفك الأشعري البلاء
و ما يقض من حادث ينزل‏

 

و ما الأشعري بذي إربة
و لا صاحب الخطة الفيصل‏

 

و لا آخذا حظ أهل العراق‏
و لو قيل ها خذه لم يفعل‏

 

يحاول عمرا و عمرو له
خدائع يأتي بها من علي

 

فإن يحكما بالهدى يتبعا
و إن يحكما بالهوى الأميل‏

 

يكونا كتيسين في قفرة
أكيلي نقيف من الحنظل‏

 

فقال شريح- و الله لقد تعجلت رجال مساءتنا في أبي موسى- و طعنوا عليه بأسوإ الطعن- و ظنوا فيه ما الله عصمه منه إن شاء الله-قال- و سار مع عمرو بن العاص شرحبيل بن السمط في خيل عظيمة- حتى إذا أمن عليه خيل أهل العراق ودعه- ثم قال له يا عمرو إنك رجل قريش- و إن معاوية لم يبعثك- إلا لعلمه أنك لا تؤتى من عجز و لا مكيدة- و قد عرفت أني وطئت هذا الأمر لك و لصاحبك- فكن عند ظني بك- ثم انصرف و انصرف شريح بن هانئ- حين أمن خيل أهل الشام على أبي موسى و ودعه- . و كان آخر من ودع أبا موسى الأحنف بن قيس- أخذ بيده ثم قال له يا أبا موسى- اعرف خطب هذا الأمر و اعلم أن له ما بعده- و أنك إن أضعت العراق فلا عراق- اتق الله فإنها تجمع لك دنياك و آخرتك- و إذا لقيت غدا عمرا فلا تبدأه بالسلام- فإنها و إن كانت سنة إلا أنه ليس من أهلها- و لا تعطه يدك فإنها أمانة- و إياك أن يقعدك على صدر الفراش فإنها خدعة- و لا تلقه إلا وحده- و احذر أن يكلمك في بيت فيه مخدع- تخبأ لك فيه الرجال و الشهود- ثم أراد أن يثور ما في نفسه لعلي- فقال له فإن لم يستقم لك عمرو على الرضا بعلي- فليختر أهل العراق من قريش الشام من شاءوا- أو فليختر أهل الشام من قريش العراق من شاءوا- . فقال أبو موسى قد سمعت ما قلت- و لم ينكر ما قاله من زوال الأمر عن علي- . فرجع الأحنف إلى علي ع- فقال له أخرج أبو موسى و الله زبدة سقائه في أول مخضه- لا أرانا إلا بعثنا رجلا لا ينكر خلعك- فقال علي الله غالب على أمره- . قال نصر و شاع و فشا أمر الأحنف و أبي موسى في الناس- فبعث الصلتان العبدي- و هو بالكوفة إلى دومة الجندل بهذه الأبيات-
لعمرك لا ألفي مدى الدهر خالعا
عليا بقول الأشعري و لا عمرو

 

فإن يحكما بالحق نقبله منهما
و إلا أثرناها كراغية البكر

 

و لسنا نقول الدهر ذاك إليهما
و في ذاك لو قلناه قاصمة الظهر

 

و لكن نقول الأمر و النهي كله‏
إليه و في كفيه عاقبة الأمر

 

و ما اليوم إلا مثل أمس و إننا
لفي وشل الضحضاح أو لجة البحر

 

قال فلما سمع الناس قول الصلتان- شحذهم ذلك على أبي موسى- و استبطأه القوم و ظنوا به الظنون- و مكث الرجلان بدومة الجندل لا يقولان شيئا- و كان سعد بن أبي وقاص قد اعتزل عليا و معاوية- و نزل على ماء لبني سليم بأرض البادية- يتشوف الأخبار- و كان رجلا له بأس و رأي و مكان في قريش- و لم يكن له هوى في علي و لا في معاوية- فأقبل راكب يوضع من بعيد- فإذا هو ابنه عمر- فقال له أبوه مهيم- فقال التقى الناس بصفين- فكان بينهم ما قد بلغك حتى تفانوا- ثم حكموا عبد الله بن قيس و عمرو بن العاص- و قد حضر ناس من قريش عندهما- و أنت من أصحاب رسول الله ص و من أهل الشورى- و من قال له النبي ص اتقوا دعوته- و لم تدخل في شي‏ء مما تكره الأمة- فاحضر دومة الجندل فإنك صاحبها غدا- فقال مهلا يا عمر- إني سمعت رسول الله ص يقول تكون بعدي فتنة- خير الناس فيها التقي الخفي – و هذا أمر لم أشهد أوله فلا أشهد آخره-و لو كنت غامسا يدي في هذا الأمر- لغمستها مع علي بن أبي طالب- و قد رأيت أباك كيف وهب حقه من الشورى- و كره الدخول في الأمر- فارتحل عمر و قد استبان له أمر أبيه- .

 

قال نصر و قد كان الأجناد أبطأت على معاوية- فبعث إلى رجال من قريش كانوا كرهوا أن يعينوه في حربه- إن الحرب قد وضعت أوزارها- و التقى هذان الرجلان في دومة الجندل فاقدموا علي- . فأتاه عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عمر بن الخطاب- و أبو الجهم بن حذيفة العدوي- و عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث الزهري- و عبد الله بن صفوان الجمحي و أتاه المغيرة بن شعبة- و كان مقيما بالطائف لم يشهد الحرب- فقال له يا مغيرة ما ترى- قال يا معاوية لو وسعني أن أنصرك لنصرتك- و لكن علي أن آتيك بأمر الرجلين- فرحل حتى أتى دومة الجندل- فدخل على أبي موسى كالزائر له- فقال يا أبا موسى- ما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر و كره الدماء- قال أولئك خير الناس- خفت ظهورهم من دمائهم- و خمصت بطونهم من أموالهم- ثم أتى عمرا فقال يا أبا عبد الله- ما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر و كره الدماء- قال أولئك شرار الناس- لم يعرفوا حقا و لم ينكروا باطلا- فرجع المغيرة إلى معاوية- فقال له قد ذقت الرجلين- أما عبد الله‏ بن قيس فخالع صاحبه- و جاعلها لرجل لم يشهد هذا الأمر- و هواه في عبد الله بن عمر- و أما عمرو بن العاص فهو صاحب الذي تعرف- و قد ظن الناس أنه يرومها لنفسه- و أنه لا يرى أنك أحق بهذا الأمر منه-

 

قال نصر في حديث عمرو بن شمر قال- أقبل أبو موسى على عمرو فقال يا عمرو- هل لك في أمر هو للأمة صلاح و لصلحاء الناس رضا- نولي هذا الأمر عبد الله بن عمر بن الخطاب- الذي لم يدخل في شي‏ء من هذه الفتنة و لا هذه الفرقة- قال و كان عبد الله بن عمرو بن العاص- و عبد الله بن الزبير قريبين يسمعان هذا الكلام- فقال عمرو فأين أنت يا أبا موسى عن معاوية- فأبى عليه أبو موسى- قال و شهدهم عبد الله بن هشام- و عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث- و أبو الجهم بن حذيفة العدوي و المغيرة بن شعبة- فقال عمرو أ لست تعلم أن عثمان قتل مظلوما- قال بلى- قال اشهدوا- ثم قال فما يمنعك من معاوية و هو ولي عثمان- و قد قال الله تعالى- وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً- ثم إن بيت معاوية من قريش ما قد علمت- فإن خشيت أن يقول الناس- ولى معاوية و ليست له سابقة- فإن لك حجة أن تقول- وجدته ولي عثمان الخليفة المظلوم و الطالب بدمه- الحسن السياسة الحسن التدبير- و هو أخو أم حبيبة أم المؤمنين و زوج النبي ص- و قد صحبه و هو أحد الصحابة- ثم عرض له بالسلطان- فقال له إن هو ولي الأمر أكرمك كرامة- لم يكرمك أحد قط مثلها-

 

فقال أبو موسى اتق الله يا عمرو- أما ما ذكرت من شرف معاوية- فإن هذا الأمر ليس على الشرف يولاه أهله- لو كان على الشرف- كان أحق الناس بهذا الأمر أبرهة بن الصباح- إنما هو لأهل الدين و الفضل- مع أني لو كنت أعطيه أفضل قريش شرفا- لأعطيته علي بن أبي طالب- و أما قولك إن معاوية ولي عثمان فوله هذا الأمر- فإني لم أكن أوليه إياه لنسبته من عثمان- و أدع المهاجرين الأولين- و أما تعريضك لي بالإمرة و السلطان- فو الله لو خرج لي من سلطانه ما وليته- و ما كنت أرتشي في الله- و لكنك إن شئت أحيينا سنة عمر بن الخطاب- . قال نصر و حدثني عمر بن سعد عن أبي جناب- أن أبا موسى قال غير مرة- و الله إن استطعت لأحيين اسم عمر بن الخطاب- قال فقال عمرو بن العاص- إن كنت إنما تريد أن تبايع ابن عمر لدينه- فما يمنعك من ابني عبد الله- و أنت تعرف فضله و صلاحه- فقال إن ابنك لرجل صدق- و لكنك قد غمسته في هذه الفتنة- .

 

قال نصر و حدثنا عمر بن سعد- عن محمد بن إسحاق عن نافع قال- قال أبو موسى لعمرو يا عمرو- إن شئت ولينا هذا الأمر الطيب ابن الطيب- عبد الله بن عمر فقال له عمرو يا أبا موسى- إن هذا الأمر لا يصلح له إلا رجل له ضرس- يأكل و يطعم- و إن عبد الله ليس هناك- . قال نصر و قد كان في أبي موسى غفلة- فقال ابن الزبير لابن عمر- اذهب إلى عمرو بن العاص فارشه- فقال ابن عمر لا و الله لا أرشو عليها بشي‏ء أبدا ما عشت- و لكنه قال له- إن العرب قد أسندت إليك أمرها- بعد ما تقارعت بالسيوف- و تطاعنت بالرماح- فلا تردهم في فتنة و اتق الله- .

 

قال نصر و حدثنا عمر بن سعد- عن أزهر العبسي عن النضر بن صالح- قال كنت مع شريح بن هانئ في غزوة سجستان- فحدثني أن عليا ع- أوصاه بكلمات إلى عمرو بن العاص- و قال له قل لعمرو إذا لقيته- إن عليا يقول لك- إن أفضل الخلق عند الله- من كان العمل بالحق أحب إليه و إن نقصه- و إن أبعد الخلق من الله من كان العمل بالباطل- أحب إليه و إن زاده- و الله يا عمرو إنك لتعلم أين موضع الحق- فلم تتجاهل- أ بأن أوتيت طمعا يسيرا صرت لله و لأوليائه عدوا- فكان و الله ما قد أوتيت قد زال عنك- فلا تكن للخائنين خصيما و لا للظالمين ظهيرا- أما إني أعلم أن يومك الذي أنت فيه- نادم هو يوم وفاتك- و سوف تتمنى أنك لم تظهر لي عداوة- و لم تأخذ على حكم الله رشوة- قال شريح فأبلغته ذلك يوم لقيته- فتمعر وجهه و قال- متى كنت قابلا مشورة علي- أو منيبا إلى رأيه أو معتدا بأمره- فقلت و ما يمنعك يا ابن النابغة- أن تقبل من مولاك و سيد المسلمين بعد نبيهم مشورته- لقد كان من هو خير منك- أبو بكر و عمر يستشيرانه و يعملان برأيه- فقال إن مثلي لا يكلم مثلك- فقلت بأي أبويك ترغب عن كلامي- بأبيك الوشيظ أم بأمك النابغة- فقام من مكانه و قمت- .

 

قال نصر و روى أبو جناب الكلبي- أن عمرا و أبا موسى لما التقيا بدومة الجندل- أخذ عمرو يقدم أبا موسى في الكلام- و يقول إنك صحبت رسول الله ص قبلي- و أنت أكبر مني سنا- فتكلم أنت ثم أتكلم أنا- فجعل ذلك سنة و عادة بينهما-و إنما كان مكرا و خديعة و اغترارا له أن يقدمه- فيبدأ بخلع علي ثم يرى رأيه- . و قال ابن ديزيل في كتاب صفين- أعطاه عمرو صدر المجلس- و كان لا يتكلم قبله- و أعطاه التقدم في الصلاة و في الطعام- لا يأكل حتى يأكل- و إذا خاطبه فإنما يخاطبه بأجل الأسماء- و يقول له يا صاحب رسول الله- حتى اطمأن إليه و ظن أنه لا يغشه- .

 

قال نصر فلما انمخضت الزبدة بينهما- قال له عمرو أخبرني ما رأيك يا أبا موسى- قال أرى أن أنخلع هذين الرجلين- و نجعل الأمر شورى بين المسلمين- يختارون من شاءوا- فقال عمرو الرأي و الله ما رأيت- فأقبلا إلى الناس و هم مجتمعون- فتكلم أبو موسى فحمد الله و أثنى عليه- ثم قال إن رأيي و رأي عمرو قد اتفق على أمر- نرجو أن يصلح الله به شأن هذه الأمة- فقال عمرو صدق- ثم قال له تقدم يا أبا موسى فتكلم- فقام ليتكلم فدعاه ابن عباس- فقال له ويحك و الله إني لأظنه خدعك- إن كنتما قد اتفقتما على أمر- فقدمه قبلك ليتكلم به ثم تكلم أنت بعده- فإنه رجل غدار- و لا آمن أن يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك و بينه- فإذا قمت قمت به في الناس خالفك- و كان أبو موسى رجلا مغفلا فقال إيها عنك إنا قد اتفقنا- . فتقدم أبو موسى فحمد الله و أثنى عليه- ثم قال أيها الناس- إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة- فلم نر شيئا هو أصلح لأمرها- و لا ألم لشعثها من ألا تتباين أمورها- و قد أجمع رأيي و رأي صاحبي على خلع علي و معاوية- و أن يستقبل هذا الأمر- فيكون شورى بين المسلمين- يولون أمورهم من أحبوا- و إني قد خلعت عليا و معاوية- فاستقبلواأموركم و ولوا من رأيتموه لهذا الأمر أهلا- ثم تنحى- . فقام عمرو بن العاص في مقامه فحمد الله و أثنى عليه- ثم قال إن هذا قد قال ما سمعتم و خلع صاحبه- و أنا أخلع صاحبه كما خلعه- و أثبت صاحبي معاوية في الخلافة- فإنه ولي عثمان و الطالب بدمه- و أحق الناس بمقامه- . فقال له أبو موسى- ما لك لا وفقك الله قد غدرت و فجرت- إنما مثلك كمثل الكلب- إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث- فقال له عمرو- إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا- . و حمل شريح بن هانئ على عمرو فقنعه بالسوط- و حمل ابن عمرو على شريح فقنعه بالسوط- و قام الناس فحجزوا بينهما- فكان شريح يقول بعد ذلك- ما ندمت على شي‏ء ندامتي- ألا أكون ضربت عمرا بالسيف بدل السوط- أتى الدهر بما أتى به- . و التمس أصحاب علي ع أبا موسى- فركب ناقته و لحق بمكة- و كان ابن عباس يقول قبح الله أبا موسى- لقد حذرته و هديته إلى الرأي فما عقل- و كان أبو موسى يقول- لقد حذرني ابن عباس غدرة الفاسق- و لكني اطمأننت إليه- و ظننت أنه لا يؤثر شيئا على نصيحة الأمة- . قال نصر و رجع عمرو إلى منزله من دومة الجندل- فكتب إلى معاوية-

أتتك الخلافة مزفوفة
هنيئا مريئا تقر العيونا
تزف إليك زفاف العروس
بأهون من طعنك الدارعينا

 

و ما الأشعري بصلد الزناد
و لا خامل الذكر في الأشعرينا

 

و لكن أتيحت له حية
يظل الشجاع لها مستكينا

 

فقالوا و قلت و كنت امرأ
أجهجه بالخصم حتى يلينا

 

فخذها ابن هند على بعدها
فقد دافع الله ما تحذرونا

 

و قد صرف الله عن شامكم‏
عدوا مبينا و حربا زبونا

 

قال نصر فقام سعد بن قيس الهمداني- و قال و الله لو اجتمعتما على الهدى- ما زدتمانا على ما نحن الآن عليه- و ما ضلالكما بلازم لنا و ما رجعتما إلا بما بدأتما به- و إنا اليوم لعلى ما كنا عليه أمس- . و قام كردوس بن هانئ مغضبا فقال-

 

ألا ليت من يرضى من الناس كلهم
بعمرو و عبد الله في لجة البحر

 

رضينا بحكم الله لا حكم غيره‏
و بالله ربا و النبي و بالذكر

 

و بالأصلع الهادي علي إمامنا
رضينا بذاك الشيخ في العسر و اليسر

 

رضينا به حيا و ميتا و إنه‏
إمام هدى في الحكم و النهي و الأمر

 

فمن قال لا قلنا بلى إن أمره
لأفضل ما نعطاه في ليلة القدر

 

و ما لابن هند بيعة في رقابنا
و ما بيننا غير المثقفة السمر
و ضرب يزيل الهام عن مستقره
و هيهات هيهات الرضا آخر الدهر

 

أبت لي أشياخ الأراقم سبة
أسب بها حتى أغيب في القبر

 

و تكلم يزيد بن أسد القسري و هو من قواد معاوية- فقال يا أهل العراق اتقوا الله- فإن أهون ما تردنا و إياكم إليه الحرب- ما كنا عليه بالأمس و هو الفناء- و قد شخصت الأبصار إلى الصلح- و أشرفت الأنفس على الفناء- و أصبح كل امرئ يبكي على قتيل- ما لكم رضيتم بأول أمر صاحبكم و كرهتم آخره- إنه ليس لكم وحدكم الرضا- . قال و قال بعض الأشعريين لأبي موسى-

 

أبا موسى خدعت و كنت شيخا
قريب القعر مدهوش الجنان‏

رمى عمرو صفاتك يا ابن قيس‏
بأمر لا تنوء به اليدان‏

و قد كنا نجمجم عن ظنون
فصرحت الظنون عن العيان‏

فعض الكف من ندم و ما ذا
يرد عليك عضك بالبنان‏

 

قال و شمت أهل الشام بأهل العراق- و قال كعب بن جعيل شاعر معاوية-

 

كأن أبا موسى عشية أذرح
يطوف بلقمان الحكيم يواربه‏

و لما تلاقوا في تراث محمد
نمت بابن هند في قريش مناسبه‏

سعى بابن عفان ليدرك ثأره
و أولى عباد الله بالثأر طالبه‏

و قد غشيتنا في الزبير غضاضة
و طلحة إذ قامت عليه نوادبه‏

فرد ابن هند ملكه في نصابه‏
و من غالب الأقدار فالله غالبه‏

و ما لابن هند من لؤي بن غالب
نظير و إن جاشت عليه أقاربه‏

فهذاك ملك الشام واف سنامه‏
و هذاك ملك القوم قد جب غاربه‏

يحاول عبد الله عمرا و إنه
ليضرب في بحر عريض مذاهبه‏

دحا دحوة في صدره فهوت به‏
إلى أسفل الجب الظنون كواذبه‏

 

قال نصر و كان علي ع لما خدع عمرو أبا موسى بالكوفة- كان قد دخلها منتظرا ما يحكم به الحكمان- فلما تم على أبي موسى ما تم من الحيلة- غم ذلك عليا و ساءه و وجم له- و خطب الناس فقال- الحمد لله و إن أتى الدهر بالخطب الفادح- و الحدث الجليل…- الخطبة التي ذكرها الرضي رحمه الله تعالى- و هي التي نحن في شرحها- و زاد في آخرها بعد الاستشهاد ببيت دريد- ألا إن هذين الرجلين اللذين اخترتموهما- قد نبذا حكم الكتاب و أحييا ما أمات- و اتبع كل واحد منهما هواه- و حكم بغير حجة و لا بينة و لا سنة ماضية- و اختلفا فيما حكما- فكلاهما لم يرشد الله فاستعدوا للجهاد- و تأهبوا للمسير و أصبحوا في معسكركم يوم كذا

 

قال نصر فكان علي ع بعد الحكومة إذا صلى الغداة و المغرب- و فرغ من الصلاة و سلم قال- اللهم العن معاوية و عمرا و أبا موسى- و حبيب بن مسلمة و عبد الرحمن بن خالد- و الضحاك بن قيس و الوليد بن عقبة – فبلغ ذلك معاوية فكان إذا صلى لعن عليا- و حسنا و حسينا و ابن عباس- و قيس بن سعد بن عبادة و الأشتر- و زاد ابن ديزيل في أصحاب معاوية أبا الأعور السلمي- . و روى ابن ديزيل أيضا أن أبا موسى- كتب من مكة إلى علي ع أما بعد- فإني قد بلغني أنك تلعنني في الصلاة- و يؤمن خلفك الجاهلون- و إني أقول كما قال موسى ع- رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ- .

و روى ابن ديزيل عن وكيع عن فضل بن مرزوق عن عطية عن عبد الرحمن بن حبيب عن علي ع أنه قال يؤتى بي و بمعاوية يوم القيامة- فنجي‏ء و نختصم عند ذي العرش- فأينا فلج فلج أصحابه
و روى أيضا عن عبد الرحمن بن نافع القارئ عن أبيه قال سئل علي ع عن قتلى صفين- فقال إنما الحساب علي و على معاوية
و روي أيضا عن الأعمش عن موسى بن طريف عن عباية قال سمعت عليا ع و هو يقول أنا قسيم النار هذا لي و هذا لك
و روي أيضا عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ص لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان- دعوتهما واحدة- فبينما هم كذلك مرقت منهم مارقة- يقتلهم أولى الطائفتين بالحق

 

قال إبراهيم بن ديزيل و حدثنا سعيد بن كثير- عن عفير قال حدثنا ابن لهيعة- عن ابن هبيرة عن حنش الصنعاني- قال جئت إلى أبي سعيد الخدري و قد عمي- فقلت أخبرني عن هذه الخوارج- فقال تأتوننا فنخبركم- ثم ترفعون ذلك إلى معاوية- فيبعث إلينا بالكلام الشديد- قال قلت أنا حنش فقال مرحبا بك يا حنش المصري- سمعت رسول الله ص يقول يخرج ناس يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم- يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية- ينظر أحدكم في نصله فلا يرى شيئا- فينظر في قذذه فلا يرى شيئا- سبق الفرث و الدم- يصلى بقتالهم أولى الطائفتين بالله – فقال حنش فإن عليا صلي بقتالهم- فقال أبو سعيد- و ما يمنع عليا أن يكون أولى الطائفتين بالله- . و ذكر محمد بن القاسم بن بشار الأنباري في أماليه-

 

قال قال عبد الرحمن بن خالد بن الوليد- حضرت الحكومة- فلما كان يوم الفصل جاء عبد الله بن عباس- فقعد إلى جانب أبي موسى و قد نشر أذنيه- حتى كاد أن ينطق بهما- فعلمت أن الأمر لا يتم لنا ما دام هناك- و أنه سيفسد على عمرو حيلته- فأعملت المكيدة في أمره- فجئت حتى قعدت عنده- و قد شرع عمرو و أبو موسى في الكلام- فكلمت ابن عباس كلمة استطعمته جوابها فلم يجب- فكلمته أخرى فلم يجب- فكلمته ثالثة فقال إني لفي شغل عن حوارك الآن- فجبهته و قلت يا بني هاشم- لا تتركون بأوكم و كبركم أبدا- أما و الله لو لا مكان النبوة لكان لي و لك شأن- قال فحمي و غضب و اضطرب فكره و رأيه- و أسمعني كلاما يسوء سماعه- فأعرضت عنه و قمت- فقعدت إلى جانب عمرو بن العاص- فقلت قد كفيتك التقوالة- إني قد شغلت باله بما دار بيني و بينه- فأحكم أنت أمرك-

 

قال‏ فذهل- و الله ابن عباس عن الكلام الدائر بين الرجلين- حتى قام أبو موسى فخلع عليا- . و روى الزبير بن بكار في الموفقيات- و رواه جميع الناس ممن عني بنقل الآثار و السير- عن الحسن البصري قال- أربع خصال كن في معاوية- لو لم يكن فيه إلا واحدة منهن لكانت موبقة- انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء- حتى ابتزها أمرها بغير مشورة منهم- و فيهم بقايا الصحابة و ذوو الفضيلة- و استخلافه بعده ابنه يزيد سكيرا خميرا- يلبس الحرير و يضرب بالطنابير و ادعاؤه زيادا- و قد قال رسول الله ص الولد للفراش و للعاهر الحجر
– و قتله حجر بن عدي و أصحابه- فيا ويله من حجر و أصحاب حجر- . و روى في الموفقيات أيضا الخبر الذي رواه المدائني- و قد ذكرناه آنفا من كلام ابن عباس لأبي موسى- و قوله إن الناس لم يرتضوك لفضل عندك لم تشارك فيه- و ذكر في آخره فقال بعض شعراء قريش-

 

و الله ما كلم الأقوام من بشر
بعد الوصي علي كابن عباس‏

 

أوصى ابن قيس بأمر فيه عصمته‏
لو كان فيها أبو موسى من الناس‏

 

إني أخاف عليه مكر صاحبه
أرجو رجاء مخوف شيب بالياس‏

 

 و ذكر الزبير أيضا في الموفقيات- أن يزيد بن حجية التيمي- شهد الجمل و صفين و نهروان مع علي ع- ثم ولاه الري و دستبى- فسرق من أموالهما و لحق بمعاوية- و هجا عليا و أصحابه و مدح معاوية و أصحابه- فدعا عليه علي ع و رفع أصحابه أيديهم فأمنوا- و كتب إليه رجل من بني عمه كتابا يقبح إليه‏ ما صنع- و كان الكتاب شعرا- فكتب يزيد بن حجية إليه- لو كنت أقول شعرا لأجبتك- و لكن قد كان منكم خلال ثلاث- لا ترون معهن شيئا مما تحبون- أما الأولى فإنكم سرتم إلى أهل الشام- حتى إذا دخلتم بلادهم و طعنتموهم بالرماح- و أذقتموهم ألم الجراح- رفعوا المصاحف فسخروا منكم و ردوكم عنهم- فو الله و و الله- لا دخلتموها بمثل تلك الشوكة و الشدة أبدا- و الثانية أن القوم بعثوا حكما و بعثتم حكما- فأما حكمهم فأثبتهم و أما حكمكم فخلعكم- و رجع صاحبهم يدعي أمير المؤمنين و رجعتم متضاغنين- و الثالثة أن قراءكم و فقهاءكم و فرسانكم خالفوكم- فعدوتم عليهم فقتلتموهم- ثم كتب في آخر الكتاب- بيتين لعفان بن شرحبيل التميمي-

 

أحببت أهل الشام من بين الملا
و بكيت من أسف على عثمان‏

أرضا مقدسة و قوما منهم‏
أهل اليقين و تابعو الفرقان‏

 

 و ذكر أبو أحمد العسكري في كتاب الأمالي- أن سعد بن أبي وقاص دخل على معاوية عام الجماعة- فلم يسلم عليه بإمرة المؤمنين- فقال له معاوية لو شئت أن تقول في سلامك غير هذا لقلت- فقال سعد نحن المؤمنون و لم نؤمرك- كأنك قد بهجت بما أنت فيه يا معاوية- و الله ما يسرني ما أنت فيه و أني هرقت المحجمة دم- قال و لكني و ابن عمك عليا يا أبا إسحاق- قد هرقنا أكثر من محجمة و محجمتين- هلم فاجلس معي على السرير- فجلس معه فذكر له معاوية اعتزاله الحرب يعاتبه- فقال سعد- إنما كان مثلي و مثل الناس كقوم أصابتهم ظلمة- فقال واحد منهم لبعيره إخ فأناخ حتى أضاء له الطريق-

 

فقال معاوية و الله يا أبا إسحاق ما في كتاب الله إخ- و إنما فيه وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما- فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى‏ فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي- حَتَّى تَفِي‏ءَ إِلى‏ أَمْرِ اللَّهِ- فو الله ما قاتلت الباغية و لا المبغي عليها فأفحمه- . و زاد ابن ديزيل في هذا الخبر زيادة- ذكرها في كتاب صفين- قال فقال سعد أ تأمرني أن أقاتل رجلا قال له رسول الله ص- : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي – فقال معاوية من سمع هذا معك- قال فلان و فلان و أم سلمة- فقال معاوية لو كنت سمعت هذا لما قاتلته

 

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن ‏أبي ‏الحديد) ج 2

نمایش بیشتر

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

دکمه بازگشت به بالا
-+=