google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
20-40 خطبه ها شرح ابن ابی الحدیدخطبه ها شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

خطبه 34 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)( استنفار الناس إلى أهل الشام)

34 و من خطبة له ع في استنفار الناس إلى أهل الشام

أُفٍّ لَكُمْ لَقَدْ سَئِمْتُ عِتَابَكُمْ- أَ رَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآْخِرَةِ عِوَضاً- وَ بِالذُّلِّ مِنَ الْعِزِّ خَلَفاً- إِذَا دَعَوْتُكُمْ إِلَى جِهَادِ عَدُوِّكُمْ دَارَتْ أَعْيُنُكُمْ- كَأَنَّكُمْ مِنَ الْمَوْتِ فِي غَمْرَةٍ- وَ مِنَ الذُّهُولِ فِي سَكْرَةٍ- يُرْتَجُ عَلَيْكُمْ حِوَارِي فَتَعْمَهُونَ- فَكَأَنَّ قُلُوبَكُمْ مَأْلُوسَةٌ فَأَنْتُمْ لَا تَعْقِلُونَ- مَا أَنْتُمْ لِي بِثِقَةٍ سَجِيسَ اللَّيَالِي- وَ مَا أَنْتُمْ بِرُكْنٍ يُمَالُ بِكُمْ- وَ لَا زَوَافِرَ عِزٍّ يُفْتَقَرُ إِلَيْكُمْ- مَا أَنْتُمْ إِلَّا كَإِبِلٍ ضَلَّ رُعَاتُهَا- فَكُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِبٍ انْتَشَرَتْ مِنْ آخَرَ- لَبِئْسَ لَعَمْرُ اللَّهِ سُعْرُ نَارِ الْحَرْبِ أَنْتُمْ- تُكَادُونَ وَ لَا تَكِيدُونَ- وَ تُنْتَقَصُ أَطْرَافُكُمْ فَلَا تَمْتَعِضُونَ- لَا يُنَامُ عَنْكُمْ وَ أَنْتُمْ فِي غَفْلَةٍ سَاهُونَ- غُلِبَ وَ اللَّهِ الْمُتَخَاذِلُونَ- وَ ايْمُ اللَّهِ- إِنِّي لَأَظُنُّ بِكُمْ أَنْ لَوْ حَمِسَ الْوَغَى- وَ اسْتَحَرَّ الْمَوْتُ- قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ انْفِرَاجَ الرَّأْسِ- وَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأً يُمَكِّنُ عَدُوَّهُ مِنْ نَفْسِهِ- يَعْرُقُ لَحْمَهُ وَ يَهْشِمُ عَظْمَهُ- وَ يَفْرِي جِلْدَهُ لَعَظِيمٌ عَجْزُهُ- ضَعِيفٌ مَا ضُمَّتْ عَلَيْهِ جَوَانِحُ صَدْرِهِ- أَنْتَ فَكُنْ ذَاكَ إِنْ شِئْتَ- فَأَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ دُونَ أَنْ أُعْطِيَ ذَلِكَ ضَرْبٌ بِالْمَشْرَفِيَّةِ- تَطِيرُ مِنْهُ فَرَاشُ الْهَامِ- وَ تَطِيحُ السَّوَاعِدُ وَ الْأَقْدَامُ- وَ يَفْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَشَاءُ- أَيُّهَا النَّاسُ- إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً وَ لَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ- فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ- وَ تَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ- وَ تَعْلِيمُكُمْ كَيْلَا تَجْهَلُوا وَ تَأْدِيبُكُمْ كَيْمَا تَعْلَمُوا- وَ أَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ فَالْوَفَاءُ بِالْبَيْعَةِ- وَ النَّصِيحَةُ فِي الْمَشْهَدِ وَ الْمَغِيبِ- وَ الْإِجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ وَ الطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُمْ أف لكم كلمة استقذار و مهانة و فيها لغات- و يرتج يغلق و الحوار المحاورة و المخاطبة- و تعمهون من العمه و هو التحير و التردد- الماضي عمه بالكسر- .

و قوله دارت أعينكم من قوله تعالى- يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ- و من قوله- تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى‏ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ- . و قلوبكم مألوسة من الألس بسكون اللام- و هو الجنون و اختلاط العقل- . قوله ما أنتم لي بثقة سجيس الليالي- كلمة تقال للأبد- تقول لا أفعله سجيس الليالي- و سجيس عجيس و سجيس الأوجس- معنى ذلك كله الدهر و الزمان و أبدا- . قوله ما أنتم بركن يمال بكم- أي لستم بركن يستند إليكم- و يمال على العدو بعزكم و قوتكم- .

قوله و لا زوافر عز- جمع زافرة- و زافرة الرجل أنصاره و عشيرته- و يجوز أن يكون زوافر عز أي حوامل عز- زفرت الجمل أزفره زفرا أي حملته- . قوله سعر نار الحرب جمع ساعر- كقولك قوم كظم للغيظ جمع كاظم-و تمتعضون تأنفون و تغضبون- و حمس الوغى اشتد و أصل الوغى الصوت و الجلبة- ثم سميت الحرب نفسها وغى- لما فيها من الأصوات و الجلبة- و استحر الموت أي اشتد- . و قوله انفرجتم انفراج الرأس- أي كما ينفلق الرأس- فيذهب نصفه يمنة و نصفه شامة- و المشرفية السيوف المنسوبة إلى مشارف- و هي قرى من أرض العرب تدنو من الريف- و لا يقال مشارفي كما لا يقال جعافري- لمن ينسب إلى جعافر- . و فراش الهام العظام الخفيفة تلي القحف- .

و قال الراوندي في تفسير قوله- انفراج الرأس- أراد به انفرجتم عني رأسا- أي قطعا و عرفه بالألف و اللام- و هذا غير صحيح لأن رأسا لا يعرف- قال و له تفسير آخر- أن يكون المعنى انفراج رأس- من أدنى رأسه إلى غيره- ثم حرف رأسه عنه- .و هذا أيضا غير صحيح- لأنه لا خصوصية للرأس في ذلك- فإن اليد و الرجل إذا أدنيتهما من شخص- ثم حرفتهما عنه- فقد انفرج ما بين ذلك العضو و بينه- فأي معنى لتخصيص الرأس بالذكر- . فأما قوله أنت فكن ذاك- فإنه إنما خاطب من يمكن عدوه من نفسه كائنا من كان- غير معين و لا مخصص- و لكن الرواية وردت بأنه خاطب بذلك الأشعث بن قيس- فإنه روي أنه قال له ع- و هو يخطب و يلوم الناس على تثبيطهم و تقاعدهم- هلا فعلت فعل ابن عفان- فقال له- إن فعل ابن عفان لمخزاة على من لا دين له- و لا وثيقة معه- إن امرأ أمكن عدوه من نفسه يهشم عظمه- و يفري جلده لضعيف رأيه مأفون عقله- أنت فكن ذاك إن أحببت- فأما أنا فدون أن أعطي ذاك ضرب بالمشرفية الفصل- .و يمكن أن تكون الرواية صحيحة- و الخطاب عام لكل من أمكن من نفسه- فلا منافاة بينهما- . و قد نظمت أنا هذه الألفاظ في أبيات- كتبتها إلى صاحب لي في ضمن مكتوب اقتضاها و هي

إن امرأ أمكن من نفسه
عدوه يجدع آرابه‏

لا يدفع الضيم و لا ينكر الذل‏
و لا يحصن جلبابه‏

لفائل الرأي ضعيف القوى
قد صرم الخذلان أسبابه‏

أنت فكن ذاك فإني امرؤ
لا يرهب الخطب إذا نابه‏

إن قال دهر لم يطع أو شحا
له فم أدرد أنيابه‏

أو سامه الخسف أبى و انتضى‏
دون مرام الخسف قرضابه‏

أخزر غضبان شديد السطا
يقدر أن يترك ما رابه‏

خطب أمير المؤمنين ع بهذه الخطبة- بعد فراغه من أمر الخوارج- و قد كان قام بالنهروان- فحمد الله و أثنى عليه و قال- أما بعد فإن الله قد أحسن نصركم- فتوجهوا من فوركم هذا إلى عدوكم من أهل الشام- . فقاموا إليه فقالوا يا أمير المؤمنين- نفدت نبالنا و كلت سيوفنا- و انصلتت أسنة رماحنا- و عاد أكثرها قصدا- ارجع بنا إلى مصرنا نستعد بأحسن عدتنا- و لعل أمير المؤمنين يزيد في عددنا- مثل من هلك منا- فإنه أقوى لنا على عدونا- .

فكان جوابه ع- يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم- و لا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين- . فتلكئوا عليه و قالوا إن البرد شديد- . فقال إنهم يجدون البرد كما تجدون- فتلكئوا و أبوا- فقال أف لكم إنها سنة جرت- ثم تلا قوله تعالى- قالُوا يا مُوسى‏ إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ- وَ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها- فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ- . فقام منهم ناس فقالوا يا أمير المؤمنين- الجراح فاشية في الناس- و كان أهل النهروان قد أكثروا الجراح- في عسكر أمير المؤمنين ع- فارجع إلى الكوفة فأقم بها أياما ثم اخرج- خار الله لك-

فرجع إلى الكوفة عن غير رضا
أمر الناس بعد وقعة النهروان

و روى نصر بن مزاحم- عن عمر بن سعد عن نمير بن وعلة- عن أبي وداك قال- لما كره القوم المسير إلى الشام- عقيب واقعة النهروان- أقبل بهم أمير المؤمنين فأنزلهم النخيلة- و أمر الناس أن يلزموا معسكرهم- و يوطنوا على الجهاد أنفسهم- و أن يقلوا زيارة النساء و أبنائهم- حتى يسير بهم إلى عدوهم- و كان ذلك هو الرأي لو فعلوه- لكنهم لم يفعلوا- و أقبلوا يتسللون و يدخلون الكوفة- فتركوه ع و ما معه من الناس إلا رجال من وجوههم قليل- و بقي المعسكر خاليا- فلا من دخل الكوفة خرج إليه و لا من أقام معه صبر- فلما رأى ذلك دخل الكوفة- 

قال نصر بن مزاحم فخطب الناس بالكوفة- و هي أول خطبة خطبها بعد قدومه من حرب الخوارج- فقال أيها الناس استعدوا لقتال عدو- في جهادهم القربة إلى الله عز و جل- و درك الوسيلة عنده- قوم حيارى عن الحق لا يبصرونه- موزعين بالجور و الظلم لا يعدلون به- جفاة عن الكتاب نكب عن الدين- يعمهون في الطغيان و يتسكعون في غمرة الضلال- ف أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ- و توكلوا على الله و كفى بالله وكيلا

قال فلم ينفروا و لم ينشروا- فتركهم أياما ثم خطبهم- فقال أف لكم لقد سئمت عتابكم- أ رضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة عوضا- الفصل الذي شرحناه آنفا إلى آخره- و زاد فيه أنتم أسود الشرى في الدعة- و ثعالب رواغة حين البأس- إن أخا الحرب اليقظان- ألا إن المغلوب مقهور و مسلوب- .

و روى الأعمش عن الحكم بن عتيبة عن قيس بن أبي حازم قال سمعت عليا ع على منبر الكوفة و هو يقول يا أبناء المهاجرين انفروا إلى أئمة الكفر- و بقية الأحزاب و أولياء الشيطان- انفروا إلى من يقاتل على دم حمال الخطايا- فو الله الذي فلق الحبة و برأ النسمة- إنه ليحمل خطاياهم إلى يوم القيامة- لا ينقص من أوزارهم شيئا
قلت هذا قيس بن أبي حازم- و هو الذي روى حديث- إنكم لترون ربكم يوم القيامة- كما ترون القمر ليلة البدر لا نضامون في رؤيته- و قد طعن مشايخنا المتكلمون فيه- و قالوا إنه فاسق و لا تقبل روايته- لأنه قال إني سمعت عليا يخطب على منبر الكوفة-

و يقول انفروا إلى بقية الأحزاب- فأبغضته و دخل بغضه في قلبي- و من يبغض عليا ع لا تقبل روايته- . فإن قيل- فما يقول مشايخكم في قوله ع- انفروا إلى من يقاتل على دم حمال الخطايا- أ ليس هذا طعنا منه ع في عثمان- قيل- الأشهر الأكثر في الرواية صدر الحديث- و أما عجز الحديث فليس بمشهور تلك الشهرة- و إن صح حملناه على أنه أراد به معاوية- و سمى ناصريه مقاتلين على دمه- لأنهم يحامون عن دمه- و من حامى عن دم إنسان فقد قاتل عليه- . و روى أبو نعيم الحافظ- قال حدثنا أبو عاصم الثقفي- قال جاءت امرأة من بني عبس إلى علي ع- و هو يخطب بهذه الخطبة على منبر الكوفة- فقالت يا أمير المؤمنين- ثلاث بلبلن القلوب عليك- قال و ما هن ويحك- قالت رضاك بالقضية- و أخذك بالدنية- و جزعك عند البلية- فقال إنما أنت امرأة- فاذهبي فاجلسي على ذيلك- فقالت لا و الله- ما من جلوس إلا تحت ظلال السيوف- .

و روى عمرو بن شمر الجعفي عن جابر عن رفيع بن فرقد البجلي قال سمعت عليا ع يقول يا أهل الكوفة- لقد ضربتكم بالدرة التي أعظ بها السفهاء- فما أراكم تنتهون- و لقد ضربتكم بالسياط التي أقيم بها الحدود- فما أراكم ترعوون- فلم يبق إلا أن أضربكم بسيفي- و إني لأعلم ما يقومكم- و لكني لا أحب أن ألي ذلك منكم- وا عجبا لكم و لأهل الشام- أميرهم يعصي الله و هم يطيعونه- و أميركم يطيع الله و أنتم تعصونه- و الله لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا- على أن يبغضني ما أبغضني- و لو سقت الدنيا بحذافيرها إلى الكافر لما أحبني- و ذلك أنه قضى ما قضى على لسان النبي الأمي- أنه لا يبغضني‏ مؤمن و لا يحبني كافر- و قد خاب من حمل ظلما- و الله لتصبرن يا أهل الكوفة على قتال عدوكم أو ليسلطن الله عليكم قوما- أنتم أولى بالحق منهم فليعذبنكم- أ فمن قتلة بالسيف تحيدون إلى موتة على الفراش- و الله لموتة على الفراش أشد من ضربة ألف سيف

قلت ما أحسن قول أبي العيناء- و قد قال له المتوكل- إلى متى تمدح الناس و تهجوهم- فقال ما أحسنوا و أساءوا- و هذا أمير المؤمنين ع- و هو سيد البشر بعد رسول الله ص- يمدح الكوفة و أهلها- عقيب الانتصار على أصحاب الجمل- بما قد ذكرنا بعضه و سنذكر باقيه- مدحا ليس باليسير و لا بالمستصغر- و يقول للكوفة عند نظره إليها- أهلا بك و بأهلك- ما أرادك جبار بكيد إلا قصمه الله- و يثني عليها و على أهلها- حسب ذمه للبصرة و عيبه لها- و دعائه عليها و على أهلها- فلما خذله أهل الكوفة يوم التحكيم- و تقاعدوا عن نصره على أهل الشام- و خرج منهم الخوارج و مرق منهم المراق- ثم استنفرهم بعد فلم ينفروا- و استصرخهم فلم يصرخوا- و رأى منهم دلائل الوهن و أمارات الفشل- انقلب ذلك المدح ذما- و ذلك الثناء استزادة و تقريعا و تهجينا- . و هذا أمر مركوز في طبيعة البشر- و قد كان رسول الله ص كذلك- و القرآن العزيز أيضا كذلك- أثنى على الأنصار لما نهضوا- و ذمهم لما قعدوا في غزاة تبوك فقال- فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ- وَ كَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الآيات- إلى أن رضي الله عنهم فقال- وَ عَلَى‏ الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا أي عن رسول الله- حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ الآية

مناقب علي و ذكر طرف من أخباره في عدله و زهده

روى علي بن محمد بن أبي سيف المدائني- عن فضيل بن الجعد- قال آكد الأسباب في تقاعد العرب- عن أمير المؤمنين ع أمر المال- فإنه لم يكن يفضل شريفا على مشروف- و لا عربيا على عجمي- و لا يصانع الرؤساء و أمراء القبائل- كما يصنع الملوك- و لا يستميل أحدا إلى نفسه- و كان معاوية بخلاف ذلك- فترك الناس عليا و التحقوا بمعاوية- فشكا علي ع إلى الأشتر تخاذل أصحابه- و فرار بعضهم إلى معاوية- فقال الأشتر يا أمير المؤمنين- إنا قاتلنا أهل البصرة- بأهل البصرة و أهل الكوفة- و رأي الناس واحد و قد اختلفوا بعد- و تعادوا و ضعفت النية- و قل العدد و أنت تأخذهم بالعدل- و تعمل فيهم بالحق- و تنصف الوضيع من الشريف- فليس للشريف عندك فضل منزلة على الوضيع- فضجت طائفة ممن معك- من الحق إذ عموا به- و اغتموا من العدل إذ صاروا فيه- و رأوا صنائع معاوية عند أهل الغناء و الشرف- فتاقت أنفس الناس إلى الدنيا- و قل من ليس للدنيا بصاحب- و أكثرهم يجتوي الحق و يشتري الباطل- و يؤثر الدنيا فإن تبذل المال يا أمير المؤمنين- تمل إليك أعناق الرجال- و تصف نصيحتهم لك- و تستخلص ودهم- صنع الله لك يا أمير المؤمنين- و كبت أعداءك و فض جمعهم- و أوهن كيدهم و شتت أمورهم- إنه بما يعملون خبير-

فقال علي ع: أما ما ذكرت من عملنا و سيرتنا بالعدل- فإن الله عز و جل يقول- مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْها- وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ- و أنا من أن أكون مقصرا فيما ذكرت أخوف- و أما ما ذكرت من أن الحق ثقل عليهم- ففارقونا لذلك- فقد علم الله أنهم لم يفارقونا من جور- و لا لجئوا إذ فارقونا إلى عدل- و لم يلتمسوا إلا دنيا زائلة عنهم كأن قد فارقوها- و ليسألن يوم القيامة- أ للدنيا أرادوا أم لله عملوا- و أما ما ذكرت- من بذل الأموال و اصطناع الرجال- فإنه لا يسعنا أن نؤتي امرأ من الفي‏ء أكثر من حقه- و قد قال الله سبحانه و تعالى و قوله الحق- كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ- وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ- و قد بعث الله محمدا ص وحده- فكثره بعد القلة و أعز فئته بعد الذلة- و إن يرد الله أن يولينا هذا الأمر يذلل لنا صعبه- و يسهل لنا حزنه- و أنا قابل من رأيك ما كان لله عز و جل رضا- و أنت من آمن الناس عندي- و أنصحهم لي و أوثقهم في نفسي إن شاء الله – . و ذكر الشعبي- قال دخلت الرحبة بالكوفة- و أنا غلام في غلمان- فإذا أنا بعلي ع قائما على صبرتين من ذهب و فضة- و معه مخفقة و هو يطرد الناس بمخفقته- ثم يرجع إلى المال فيقسمه بين الناس- حتى لم يبق منه شي‏ء- ثم انصرف و لم يحمل إلى بيته قليلا و لا كثيرا- فرجعت إلى أبي فقلت له- لقد رأيت اليوم خير الناس أو أحمق الناس- قال من هو يا بني- قلت علي بن أبي طالب أمير المؤمنين- رأيته يصنع كذا فقصصت عليه فبكى- و قال يا بني بل رأيت خير الناس- .

و روى محمد بن فضيل عن هارون بن عنترة عن زاذان قال انطلقت مع قنبر غلام علي ع- فإذا هو يقول قم يا أمير المؤمنين- فقد خبأت لك خبيئا- قال و ما هو ويحك- قال قم معي فانطلق به إلى بيته- و إذا بغرارة مملوءة من جامات ذهبا و فضة- فقال يا أمير المؤمنين- رأيتك لا تترك شيئا إلا قسمته- فادخرت لك هذا من بيت المال- فقال علي ع- ويحك يا قنبر- لقد أحببت أن تدخل بيتي نارا عظيمة- ثم سل سيفه و ضربه ضربات كثيرة- فانتثرت من بين إناء مقطوع نصفه- و آخر ثلثه و نحو ذلك- ثم دعا بالناس فقال اقسموه بالحصص- ثم قام إلى بيت المال- فقسم ما وجد فيه- ثم رأى في البيت إبرا و مسال- فقال و لتقسموا هذا- فقالوا لا حاجة لنا فيه- و قد كان علي ع- يأخذ من كل عامل مما يعمل فضحك- و قال ليؤخذن شره مع خيره – .

و روى عبد الرحمن بن عجلان- قال كان علي ع يقسم بين الناس- الأبزار و الحرف و الكمون و كذا و كذا- .
و روى مجمع التيمي قال كان علي ع يكنس بيت المال كل جمعة- و يصلي فيه ركعتين- و يقول ليشهد لي يوم القيامة
و روى بكر بن عيسى عن عاصم بن كليب الجرمي عن أبيه قال شهدت عليا ع و قد جاءه مال من الجبل- فقام و قمنا معه و جاء الناس يزدحمون- فأخذ حبالا فوصلها بيده- و عقد بعضها إلى بعض- ثم أدارها حول المال- و قال لا أحل لأحد أن يجاوز هذا الحبل- قال فقعد الناس كلهم من وراء الحبل- و دخل هو فقال أين رءوس الأسباع- و كانت الكوفة يومئذ أسباعا- فجعلوا يحملون هذه الجوالق إلى هذه الجوالق- و هذا إلى هذا- حتى استوت القسمة سبعة أجزاء- و وجد مع المتاع‏ رغيف- فقال اكسروه سبع كسر- و ضعوا على كل جزء كسرة- ثم قال

هذا جناي و خياره فيه
إذ كل جان يده إلى فيه‏

ثم أقرع عليها و دفعها إلى رءوس الأسباع- فجعل كل رجل منهم يدعو قومه- فيحملون الجواليق
و روى مجمع عن أبي رجاء قال أخرج علي ع سيفا إلى السوق- فقال من يشتري مني هذا- فو الذي نفس علي بيده- لو كان عندي ثمن إزار ما بعته- فقلت له أنا أبيعك إزارا- و أنسئك ثمنه إلى عطائك- فدفعت إليه إزارا إلى عطائه- فلما قبض عطاءه دفع إلي ثمن الإزار
و روى هارون بن سعيد قال قال عبد الله بن جعفر بن أبي طالب لعلي ع- يا أمير المؤمنين لو أمرت لي بمعونة أو نفقة- فو الله ما لي نفقة إلا أن أبيع دابتي- فقال لا و الله ما أجد لك شيئا- إلا أن تأمر عمك أن يسرق فيعطيك
و روى بكر بن عيسى قال كان علي ع يقول يا أهل الكوفة إذا أنا خرجت من عندكم- بغير راحلتي و رحلي و غلامي فلان فأنا خائن- فكانت نفقته تأتيه من غلته بالمدينة بينبع- و كان يطعم الناس منها الخبز و اللحم- و يأكل هو الثريد بالزيت
و روى أبو إسحاق الهمداني أن امرأتين أتتا عليا ع- إحداهما من العرب و الأخرى من الموالي- فسألتاه فدفع إليهما دراهم و طعاما بالسواء- فقالت إحداهما- إني امرأة من العرب و هذه من العجم- فقال إني و الله لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفي‏ء- فضلا على بني إسحاق

و روى معاوية بن عمار عن جعفر بن محمد ع قال ما اعتلج على علي ع أمران في ذات الله- إلا أخذ بأشدهما- و لقد علمتم أنه كان يأكل يا أهل الكوفة- عندكم من ماله بالمدينة- و أن كان ليأخذ السويق فيجعله في جراب- و يختم عليه مخافة أن يزاد عليه من غيره- و من كان أزهد في الدنيا من علي ع

و روى النضر بن منصور عن عقبة بن علقمة قال دخلت على علي ع فإذا بين يديه لبن حامض- آذتني حموضته و كسر يابسة- فقلت يا أمير المؤمنين أ تأكل مثل هذا- فقال لي يا أبا الجنوب- كان رسول الله يأكل أيبس من هذا- و يلبس أخشن من هذا- و أشار إلى ثيابه- فإن أنا لم آخذ بما أخذ به خفت ألا ألحق به

و روى عمران بن مسلمة عن سويد بن علقمة قال دخلت على علي ع بالكوفة- فإذا بين يديه قعب لبن- أجد ريحه من شدة حموضته- و في يده رغيف- ترى قشار الشعير على وجهه و هو يكسره- و يستعين أحيانا بركبته- و إذا جاريته فضة قائمة على رأسه- فقلت يا فضة- أ ما تتقون الله في هذا الشيخ- أ لا نخلتم دقيقه فقالت- إنا نكره أن نؤجر و يأثم- نحن قد أخذ علينا ألا ننخل له دقيقا ما صحبناه- قال و علي ع لا يسمع ما تقول- فالتفت إليها فقال ما تقولين- قالت سله فقال لي- ما قلت لها قال فقلت إني قلت لها- لو نخلتم دقيقه فبكى ثم قال- بأبي و أمي من لم يشبع ثلاثا متوالية- من خبز بر حتى فارق الدنيا- و لم ينخل دقيقه- قال يعني رسول الله ص

و روى يوسف بن يعقوب عن صالح بياع الأكسية أن جدته لقيت عليا ع بالكوفة- و معه تمر يحمله فسلمت عليه- و قالت له أعطني يا أمير المؤمنين هذا التمر- أحمله عنك إلى بيتك- فقال أبو العيال أحق بحمله- قالت ثم قال لي أ لا تأكلين منه- فقلت لا أريد- قالت فانطلق به إلى منزله- ثم رجع مرتديا بتلك الشملة- و فيها قشور التمر فصلى بالناس فيها الجمعة

و روى محمد بن فضيل بن غزوان قال قيل لعلي ع كم تتصدق- كم تخرج مالك أ لا تمسك- قال إني و الله لو أعلم أن الله تعالى- قبل مني فرضا واحدا لأمسكت- و لكني و الله ما أدري- أ قبل مني سبحانه شيئا أم لا

روى عنبسة العابد عن عبد الله بن الحسين بن الحسن قال أعتق علي ع في حياة رسول الله ص- ألف مملوك مما مجلت يداه- و عرق جبينه و لقد ولي الخلافة و أتته الأموال- فما كان حلواه إلا التمر و لا ثيابه إلا الكرابيس

و روى العوام بن حوشب عن أبي صادق قال تزوج علي ع ليلى بنت مسعود النهشلية- فضربت له في داره حجلة فجاء فهتكها- و قال حسب أهل علي ما هم فيه

و روى حاتم بن إسماعيل المدني عن جعفر بن محمد ع قال ابتاع علي ع في خلافته قميصا سملا بأربعة دراهم- ثم دعا الخياط فمد كم القميص- و أمره بقطع ما جاوز الأصابع

و إنما ذكرنا هذه الأخبار و الروايات- و إن كانت خارجة عن مقصد الفصل- لأن الحال اقتضى ذكرها- من حيث أردنا أن نبين أن أمير المؤمنين ع- لم يكن‏
يذهب في خلافته- مذهب الملوك الذين يصانعون بالأموال- و يصرفونها في مصالح ملكهم و ملاذ أنفسهم- و أنه لم يكن من أهل الدنيا- و إنما كان رجلا متألها صاحب حق- لا يريد بالله و رسوله بدلا- .

و روى علي بن محمد بن أبي يوسف المدائني أن طائفة من أصحاب علي ع مشوا إليه- فقالوا يا أمير المؤمنين أعط هذه الأموال- و فضل هؤلاء الأشراف من العرب و قريش- على الموالي و العجم- و استمل من تخاف خلافه من الناس و فراره- و إنما قالوا له ذلك لما كان معاوية يصنع في المال- فقال لهم أ تأمرونني أن أطلب النصر بالجور- لا و الله لا أفعل ما طلعت شمس- و ما لاح في السماء نجم- و الله لو كان المال لي لواسيت بينهم- فكيف و إنما هي أموالهم- ثم سكت طويلا واجما- ثم قال الأمر أسرع من ذلك قالها ثلاثا

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن‏ أبي ‏الحديد) ج 2 

نمایش بیشتر

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

دکمه بازگشت به بالا
-+=