google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
20-40 خطبه ها شرح ابن ابی الحدیدخطبه ها شرح ابن ابی الحدید(متن عربی)

خطبه 29 شرح ابن ابی الحدید (متن عربی)

29 و من خطبة له ع

أَيُّهَا النَّاسُ الْمُجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُمْ- الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ- كَلَامُكُمْ يُوهِي الصُّمَّ الصِّلَابَ- وَ فِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الْأَعْدَاءَ- تَقُولُونَ فِي الْمَجَالِسِ كَيْتَ وَ كَيْتَ- فَإِذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ حِيدِي حَيَادِ- مَا عَزَّتْ دَعْوَةُ مَنْ دَعَاكُمْ- وَ لَا اسْتَرَاحَ قَلْبُ مَنْ قَاسَاكُمْ- أَعَالِيلُ بِأَضَالِيلَ دِفَاعَ ذِي الدَّيْنِ الْمَطُولِ- لَا يَمْنَعُ الضَّيْمَ الذَّلِيلُ- وَ لَا يُدْرَكُ الْحَقُّ إِلَّا بِالْجِدِّ- أَيَّ دَارٍ بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ- وَ مَعَ أَيِّ إِمَامٍ بَعْدِي تُقَاتِلُونَ- الْمَغْرُورُ وَ اللَّهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ- وَ مَنْ فَازَ بِكُمْ فَقَدْ فَازَ وَ اللَّهِ بِالسَّهْمِ الْأَخْيَبِ- وَ مَنْ رَمَى بِكُمْ فَقَدْ رَمَى بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ- أَصْبَحْتُ وَ اللَّهِ لَا أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ- وَ لَا أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ- وَ لَا أُوعِدُ الْعَدُوَّ بِكُمْ- مَا بَالُكُمْ مَا دَوَاؤُكُمْ مَا طِبُّكُمْ- الْقَوْمُ رِجَالٌ أَمْثَالُكُمْ- أَ قَوْلًا بِغَيْرِ عِلْمٍ- وَ غَفْلَةٍ مِنْ غَيْرِ وَرَعٍ- وَ طَمَعاً فِي غَيْرِ حَقٍّ حيدي حياد كلمة يقولها الهارب الفار- و هي نظيرة قولهم فيحي فياح‏

أي اتسعي- و صمي صمام للداهية- و أصلها من حاد عن الشي‏ء أي انحرف- و حياد مبنية على الكسر- و كذلك ما كان من بابها- نحو قولهم بدار أي ليأخذ كل واحد قرنه- و قولهم خراج في لعبة للصبيان أي اخرجوا- . و الباء في قوله بأضاليل متعلقة بأعاليل نفسها- أي يتعللون بالأضاليل التي لا جدوى لها- . و السهم الأفوق المكسور الفوق- و هو مدخل الوتر- و الناصل الذي لا نصل فيه- يخاطبهم فيقول لهم أبدانكم مجتمعة و أهواؤكم مختلفة- متكلمون بما هو في الشدة و القوة يوهي الجبال الصم الصلبة- و عند الحرب يظهر أن ذلك الكلام لم يكن له ثمرة- . تقولون في المجالس كيت و كيت أي سنفعل و سنفعل- و كيت و كيت كناية عن الحديث- كما كني بفلان عن العلم و لا تستعمل إلا مكررة- و هما مخففان من كية و قد استعملت على الأصل- و هي مبنية على الفتح- و قد روى أئمة العربية فيها الضم و الكسر أيضا- . فإذا جاء القتال فررتم و قلتم الفرار الفرار- . ثم أخذ في الشكوى فقال من دعاكم لم تعز دعوته- و من قاساكم لم يسترح قلبه دأبكم التعلل بالأمور الباطلة- و الأماني الكاذبة- و سألتموني الإرجاء و تأخر الحرب كمن يمطل بدين لازم له- و الضيم لا يدفعه الذليل- و لا يدرك الحق إلا بالجد فيه- و الاجتهاد و عدم الانكماش- . و باقي الفصل ظاهر المعنى- .

 

و قوله القوم رجال أمثالكم مثل قول الشاعر-

 

قاتلوا القوم يا خزاع و لا
يدخلكم من قتالهم فشل‏

 

القوم أمثالكم لهم شعر
في الرأس لا ينشرون إن قتلوا

 
و هذه الخطبة خطب بها أمير المؤمنين ع- في غارة الضحاك بن قيس و نحن نقصها هنا

 

غارة الضحاك بن قيس و نتف من أخباره

 

روى إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال الثقفي- في كتاب الغارات- قال كانت غارة الضحاك بن قيس بعد الحكمين- و قبل قتال النهروان- و ذلك أن معاوية لما بلغه أن عليا ع بعد واقعة الحكمين- تحمل إليه مقبلا هاله ذلك- فخرج من دمشق معسكرا و بعث إلى كور الشام- فصاح بها أن عليا قد سار إليكم- و كتب إليهم نسخة واحدة فقرئت على الناس- . أما بعد فإنا كنا كتبنا كتابا بيننا و بين علي- و شرطنا فيه شروطا- و حكمنا رجلين يحكمان علينا و عليه- بحكم الكتاب لا يعدوانه- و جعلنا عهد الله و ميثاقه على من نكث العهد- و لم يمض الحكم- و إن حكمي الذي كنت حكمته أثبتني- و إن حكمه خلعه و قد أقبل إليكم ظالما- فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‏ نَفْسِهِ- تجهزوا للحرب بأحسن الجهاز- و أعدوا آلة القتال و أقبلوا خفافا و ثقالا- يسرنا الله و إياكم لصالح الأعمال-فاجتمع إليه الناس من كل كورة- و أرادوا المسير إلى صفين فاستشارهم- و قال إن عليا قد خرج من الكوفة- و عهد العاهد به أنه فارق النخيلة- . فقال حبيب بن مسلمة- فإني أرى أن نخرج حتى ننزل منزلنا الذي كنا فيه- فإنه منزل مبارك- و قد متعنا الله به و أعطانا من عدونا فيه النصف- .

و قال عمرو بن العاص- إني أرى لك أن تسير بالجنود- حتى توغلها في سلطانهم من أرض الجزيرة- فإن ذلك أقوى لجندك و أذل لأهل حربك- فقال معاوية و الله إني لأعرف أن الذي تقول كما تقول- و لكن الناس لا يطيقون ذلك- قال عمرو إنها أرض رفيقة- فقال معاوية- إن جهد الناس أن يبلغوا منزلهم- الذي كانوا به يعني صفين- . فمكثوا يجيلون الرأي يومين أو ثلاثة- حتى قدمت عليهم عيونهم أن عليا اختلف عليه أصحابه- ففارقته منهم فرقة أنكرت أمر الحكومة- و أنه قد رجع عنكم إليهم- . فكبر الناس سرورا لانصرافه عنهم- و ما ألقى الله عز و جل من الخلاف بينهم- فلم يزل معاوية معسكرا في مكانه- منتظرا لما يكون من علي و أصحابه- و هل يقبل بالناس أم لا- فما برح حتى جاء الخبر أن عليا قد قتل أولئك الخوارج- و أنه أراد بعد قتلهم أن يقبل بالناس- و أنهم استنظروه و دافعوه- فسر بذلك هو و من قبله من الناس- . قال و روى ابن أبي سيف- عن يزيد بن يزيد بن جابر- عن عبد الرحمن بن مسعدة الفزاري قال- جاءنا كتاب عمارة بن عقبة بن أبي معيط- و كان بالكوفة مقيما و نحن معسكرون مع معاوية- نتخوف أن يفرغ علي من الخوارج ثم يقبل إلينا- و نحن نقول إن أقبل إلينا- كان أفضل المكان الذي نستقبله به- المكان الذي لقيناه فيه العام الماضي- فكان في كتاب عمارة بن عقبة- أما بعد فإن عليا خرج عليه قراء أصحابه و نساكهم- فخرج إليهم فقتلهم- و قد فسد عليه جنده و أهل مصره- و وقعت بينهم العداوة و تفرقوا أشد الفرقة- و أحببت إعلامك لتحمد الله و السلام- . قال عبد الرحمن بن مسعدة- فقرأه معاوية على وجه أخيه عتبة- و على الوليد بن عقبة و على أبي الأعور السلمي- ثم نظر إلى أخيه عتبة و إلى الوليد بن عقبة- و قال للوليد لقد رضي أخوك أن يكون لنا عينا- فضحك الوليد و قال إن في ذلك أيضا لنفعا- . و روى أبو جعفر الطبري- قال كان عمارة مقيما بالكوفة بعد قتل عثمان- لم يهجه علي ع و لم يذعره- و كان يكتب إلى معاوية بالأخبار سرا- . و من شعر الوليد لأخيه عمارة يحرضه-

 

إن يك ظني في عمارة صادقا
ينم ثم لا يطلب بذحل و لا وتر

 

يبيت و أوتار ابن عفان عنده‏
مخيمة بين الخورنق فالقصر

 

تمشي رخي البال مستشزر القوى
كأنك لم تسمع بقتل أبي عمرو

 

ألا إن خير الناس بعد ثلاثة
قتيل التجيبي الذي جاء من مصر

 

قال فأجابه الفضل بن العباس بن عتبة-

 

أ تطلب ثأرا لست منه و لا له
و ما لابن ذكوان الصفوري و الوتر

 
كما افتخرت بنت الحمار بأمها
و تنسى أباها إذ تسامى أولو الفخر

 

ألا إن خير الناس بعد نبيهم‏
وصي النبي المصطفى عند ذي الذكر

 

و أول من صلى و صنو نبيه
و أول من أردى الغواة لدى بدر

 

أما معنى قوله و ما لابن ذكوان الصفوري- فإن الوليد هو ابن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو- و اسمه ذكوان بن أمية بن عبد شمس- و قد ذكر جماعة من النسابين- أن ذكوان كان مولى لأمية بن عبد شمس- فتبناه و كناه أبا عمرو فبنوه موال و ليسوا من بني أمية لصلبه- و الصفوري منسوب إلى صفورية قرية من قرى الروم- . قال إبراهيم بن هلال الثقفي- فعند ذلك دعا معاوية الضحاك بن قيس الفهري- و قال له سر حتى تمر بناحية الكوفة- و ترتفع عنها ما استطعت- فمن وجدته من الأعراب في طاعة علي فأغر عليه- و إن وجدت له مسلحة أو خيلا فأغر عليها- و إذا أصبحت في بلدة فأمس في أخرى- و لا تقيمن لخيل بلغك- أنها قد سرحت إليك لتلقاها فتقاتلها- فسرحه فيما بين ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف- . فأقبل الضحاك- فنهب الأموال و قتل من لقي من الأعراب- حتى مر بالثعلبية فأغار على الحاج فأخذ أمتعتهم- ثم أقبل فلقي عمرو بن عميس بن مسعود الهذلي- و هو ابن أخي عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله ص- فقتله في طريق الحاج عند القطقطانة و قتل معه ناسا من أصحابه- . قال فروى إبراهيم بن مبارك البجلي عن أبيه- عن بكر بن عيسى عن أبي روق- قال حدثني أبي- قال سمعت عليا ع- و قد خرج إلى الناس و هو يقول على المنبر- يا أهل الكوفة- اخرجوا إلى العبد الصالح عمرو بن عميس- و إلى جيوش لكم قد أصيب منهم طرف- اخرجوا فقاتلوا عدوكم- و امنعوا حريمكم إن كنتم فاعلين- . فردوا عليه ردا ضعيفا- و رأى منهم عجزا و فشلا- فقال و الله لوددت أن لي بكل ثمانية منكم رجلا منهم- ويحكم اخرجوا معي ثم فروا عني ما بدا لكم- فو الله ما أكره لقاء ربي على نيتي و بصيرتي- و في ذلك روح لي عظيم- و فرج من مناجاتكم و مقاساتكم ثم نزل- . فخرج يمشي حتى بلغ الغريين- ثم دعا حجر بن عدي الكندي- فعقد له على أربعة آلاف- . و روى محمد بن يعقوب الكليني- قال استصرخ أمير المؤمنين ع الناس- عقيب غارة الضحاك بن قيس الفهري على أطراف أعماله- فتقاعدوا عنه فخطبهم فقال-

 

ما عزت دعوة من دعاكم
و لا استراح قلب من قاساكم‏

 

– الفصل إلى آخره- . قال إبراهيم الثقفي- فخرج حجر بن عدي حتى مر بالسماوة- و هي أرض كلب-فلقي بها إمرأ القيس بن عدي بن أوس- بن جابر بن كعب بن عليم الكلبي- و هم أصهار الحسين بن علي بن أبي طالب ع- فكانوا أدلاءه في الطريق و على المياه- فلم يزل مغذا في أثر الضحاك حتى لقيه بناحية تدمر- فواقعه فاقتتلوا ساعة- فقتل من أصحاب الضحاك تسعة عشر رجلا- و قتل من أصحاب حجر رجلان و حجز الليل بينهم- فمضى الضحاك- فلما أصبحوا لم يجدوا له و لأصحابه أثرا- و كان الضحاك يقول بعد- أنا ابن قيس أنا أبو أنيس- أنا قاتل عمرو بن عميس- . قال و كتب في أثر هذه الوقعة عقيل بن أبي طالب- إلى أخيه أمير المؤمنين ع- حين بلغه خذلان أهل الكوفة و تقاعدهم به- . لعبد الله علي أمير المؤمنين ع من عقيل بن أبي طالب- سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو-

أما بعد فإن الله حارسك من كل سوء- و عاصمك من كل مكروه و على كل حال- إني قد خرجت إلى مكة معتمرا- فلقيت عبد الله بن سعد بن أبي سرح- في نحو من أربعين شابا من أبناء الطلقاء- فعرفت المنكر في وجوههم- فقلت إلى أين يا أبناء الشانئين- أ بمعاوية تلحقون عداوة و الله منكم قديما غير مستنكرة- تريدون بها إطفاء نور الله و تبديل أمره- فأسمعني القوم و أسمعتهم- فلما قدمت مكة سمعت أهلها يتحدثون- أن الضحاك بن قيس أغار على الحيرة- فاحتمل من أموالها ما شاء ثم انكفأ راجعا سالما- فأف لحياة في دهر جرأ عليك الضحاك- و ما الضحاك فقع بقرقر- و قد توهمت حيث بلغني ذلك- أن شيعتك و أنصارك خذلوك- فاكتب إلي يا ابن أمي برأيك- فإن كنت الموت تريد- تحملت إليك ببني أخيك و ولد أبيك- فعشنا معك ما عشت و متنا معك إذا مت- فو الله ما أحب أن أبقى في الدنيا بعدك فواقا- . و أقسم بالأعز الأجل- أن عيشا نعيشه بعدك في الحياة لغير هني‏ء- و لا مري‏ء و لا نجيع و السلام عليك و رحمة الله و بركاته-
فكتب إليه ع من عبد الله علي أمير المؤمنين- إلى عقيل بن أبي طالب سلام الله عليك- فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو- أما بعد كلأنا الله و إياك كلاءة من يخشاه بالغيب- إنه حميد مجيد- قد وصل إلي كتابك مع عبد الرحمن بن عبيد الأزدي- تذكر فيه أنك لقيت عبد الله بن سعد بن أبي سرح- مقبلا من قديد في نحو من أربعين فارسا من أبناء الطلقاء- متوجهين إلى جهة الغرب- و أن ابن أبي سرح طالما كاد الله و رسوله و كتابه- و صد عن سبيله و بغاها عوجا- فدع ابن أبي سرح و دع عنك قريشا- و خلهم و تركاضهم في الضلال و تجوالهم في الشقاق- ألا و إن العرب قد أجمعت على حرب أخيك اليوم- إجماعها على حرب رسول الله ص قبل اليوم- فأصبحوا قد جهلوا حقه و جحدوا فضله- و بادروه العداوة و نصبوا له الحرب- و جهدوا عليه كل الجهد و جروا إليه جيش الأحزاب- اللهم فاجز قريشا عني الجوازي- فقد قطعت رحمي و تظاهرت على- و دفعتني عن حقي و سلبتني سلطان ابن أمي- و سلمت ذلك إلى من ليس مثلي في قرابتي من الرسول- و سابقتي في الإسلام إلا أن يدعي مدع ما لا أعرفه- و لا أظن الله يعرفه و الحمد لله على كل حال- فأما ما ذكرته من غارة الضحاك على أهل الحيرة- فهو أقل و أزل من أن يلم بها أو يدنو منها- و لكنه قد كان أقبل في جريدة خيل- فأخذ على السماوة- حتى مر بواقصة و شراف و القطقطانة مما والى ذلك الصقع- فوجهت إليه جندا كثيفا من المسلمين- فلما بلغه ذلك فر هاربا- فاتبعوه فلحقوه ببعض الطريق و قد أمعن- و كان ذلك حين طفلت الشمس للإياب- فتناوشوا القتال قليلا كلا و لا- فلم يصبر لوقع المشرفية و ولى هاربا- و قتل من أصحابه بضعة عشر رجلا- و نجا جريضا بعد ما أخذ منه بالمخنق فلأيا بلأي ما نجا- فأما ما سألتني أن أكتب لك برأيي فيما أنا فيه- فإن رأيي جهاد المحلين حتى ألقى الله- لا يزيدني كثرة الناس معي عزة- و لا تفرقهم عني وحشة لأنني محق و الله مع المحق- و و الله ما أكره الموت على الحق- و ما الخير كله إلا بعد الموت لمن كان محقا- و أما ما عرضت به من مسيرك إلي- ببنيك و بني أبيك فلا حاجة لي في ذلك- فأقم راشدا محمودا- فو الله ما أحب أن تهلكوا معي إن هلكت- و لا تحسبن ابن أمك و لو أسلمه الناس متخشعا و لا متضرعا- إنه لكما قال أخو بني سليم-

 

فإن تسأليني كيف أنت فإنني
صبور على ريب الزمان صليب‏

 

يعز علي أن ترى بي كآبة
فيشمت عاد أو يساء حبيب‏

 
قال إبراهيم بن هلال الثقفي- و ذكر محمد بن مخنف- أنه سمع الضحاك بن قيس بعد ذلك بزمان- يخطب على منبر الكوفة و قد كان بلغه- أن قوما من أهلها يشتمون عثمان‏ و يبرءون منه- قال فسمعته يقول- بلغني أن رجالا منكم ضلالا يشتمون أئمة الهدى- و يعيبون أسلافنا الصالحين- أما و الذي ليس له ند و لا شريك- لئن لم تنتهوا عما يبلغني عنكم- لأضعن فيكم سيف زياد- ثم لا تجدونني ضعيف السورة و لا كليل الشفرة- أما إني لصاحبكم الذي أغرت على بلادكم- فكنت أول من غزاها في الإسلام- و شرب من ماء الثعلبية و من شاطئ الفرات- أعاقب من شئت و أعفو عمن شئت- لقد ذعرت المخدرات في خدورهن- و إن كانت المرأة ليبكي ابنها- فلا ترهبه و لا تسكته إلا بذكر اسمي- فاتقوا الله يا أهل العراق- أنا الضحاك بن قيس أنا أبو أنيس- أنا قاتل عمرو بن عميس-

فقام إليه عبد الرحمن بن عبيد- فقال صدق الأمير و أحسن القول- ما أعرفنا و الله بما ذكرت- و لقد لقيناك بغربي تدمر- فوجدناك شجاعا مجربا صبورا- ثم جلس و قال أ يفخر علينا بما صنع ببلادنا أول ما قدم- و ايم الله لأذكرنه أبغض مواطنه إليه- قال فسكت الضحاك قليلا- و كأنه خزي و استحيا ثم قال- نعم كان ذلك اليوم فأخذه بكلام ثقيل ثم نزل- . قال محمد بن مخنف فقلت لعبد الرحمن بن عبيد- أو قيل له لقد اجترأت حين تذكره هذا اليوم- و تخبره أنك كنت فيمن لقيه- فقال لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا- . قال- و سأل الضحاك عبد الرحمن بن عبيد حين قدم الكوفة- فقال لقد رأيت منكم بغربي- تدمر رجلا ما كنت أرى أن في الناس مثله حمل علينا- فما كذب حتى ضرب الكتيبة التي أنا فيها- فلما ذهب ليولي حملت عليه فطعنته- فوقع ثم قام‏ فلم يضره شيئا- ثم لم يلبث أن حمل علينا في الكتيبة التي أنا فيها- فصرع رجلا ثم ذهب لينصرف- فحملت عليه فضربته على رأسه بالسيف- فخيل إلي أن سيفي قد ثبت في عظم رأسه فضربني- فو الله ما صنع سيفه شيئا- ثم ذهب فظننت أنه لن يعود- فو الله ما راعني إلا و قد عصب رأسه بعمامة- ثم أقبل نحونا فقلت ثكلتك أمك- أ ما نهتك الأوليان عن الإقدام علينا- قال إنهما لم تنهياني-

إنما أحتسب هذا في سبيل الله ثم حمل ليطعنني- فطعنته و حمل أصحابه علينا- فانفصلنا و حال الليل بيننا- فقال له عبد الرحمن هذا يوم شهده هذا- يعني ربيعة بن ماجد و هو فارس الحي- و ما أظنه يخفى أمر هذا الرجل- فقال له أ تعرفه قال نعم- قال من هو قال أنا- قال فأرني الضربة التي برأسك- فأراه فإذا هي ضربة قد برت العظم منكرة- فقال له فما رأيك اليوم أ هو كرأيك يومئذ- قال رأيي اليوم رأي الجماعة- قال فما عليكم من بأس- أنتم آمنون ما لم تظهروا خلافا- و لكن العجب كيف نجوت من زياد- لم يقتلك فيمن قتل- أو يسيرك فيمن سير- فقال أما التسيير فقد سيرني- و أما القتل فقد عافانا الله منه- . قال إبراهيم الثقفي- و أصاب الضحاك في هربه من حجر عطش شديد- و ذلك لأن الجمل الذي كان عليه ماؤه ضل فعطش- و خفق برأسه خفقتين لنعاس أصابه- فترك الطريق و انتبه- و ليس معه إلا نفر يسير من أصحابه- و ليس منهم أحد معه ماء- فبعث رجالا منهم في جانب يلتمسون الماء و لا أنيس- فكان الضحاك بعد ذلك يحكي- قال فرأيت جادة فلزمتها فسمعت قائلا يقول-

 

دعاني الهوى فازددت شوقا و ربما
دعاني الهوى من ساعة فأجيب‏

 

و أرقني بعد المنام و ربما
أرقت لساري الهم حين يئوب‏

 
فإن أك قد أحببتكم و رأيتكم
فإني بداري عامر لغريب‏

 

قال و أشرف علي رجل فقلت يا عبد الله اسقني ماء- فقال لا و الله حتى تعطيني ثمنه- قلت و ما ثمنه قال ديتك- قلت أ ما ترى عليك من الحق أن تقري الضيف- فتطعمه و تسقيه قال ربما فعلنا و ربما بخلنا- قال فقلت و الله ما أراك فعلت خيرا قط اسقني- قال ما أطيق قلت فإني أحسن إليك و أكسوك- قال لا و الله لا أنقص شربة من مائة دينار- فقلت له ويحك اسقني فقال ويحك أعطني- قلت لا و الله ما هي معي و لكنك تسقيني- ثم تنطلق معي أعطيكها قال لا و الله- قلت اسقني و أرهنك فرسي حتى أوفيكها- قال نعم ثم خرج بين يدي و اتبعته- فأشرفنا على أخبية و ناس على ماء- فقال لي مكانك حتى آتيك- فقلت بل أجي‏ء معك- قال و ساءه حيث رأيت الناس و الماء- فذهب يشتد حتى دخل بيتا- ثم جاء بماء في إناء فقال اشرب- فقلت لا حاجة لي فيه- ثم دنوت من القوم فقلت اسقوني ماء- فقال شيخ لابنته اسقيه- فقامت ابنته فجاءت بماء و لبن-

فقال ذلك الرجل نجيتك من العطش و تذهب بحقي- و الله لا أفارقك حتى أستوفي منك حقي- فقلت اجلس حتى أوفيك- فجلس فنزلت فأخذت الماء و اللبن من يد الفتاة- فشربت و اجتمع إلي أهل الماء- فقلت لهم هذا ألأم الناس فعل بي كذا و كذا- و هذا الشيخ خير منه و أسدى- استسقيته فلم يكلمني و أمر ابنته فسقتني- و هو الآن يلزمني بمائة دينار- فشتمه أهل الحي و وقعوا به- و لم يكن بأسرع من أن لحقني قوم من أصحابي- فسلموا علي بالإمرة فارتاب الرجل و جزع- و ذهب يريد أن يقوم- فقلت و الله لا تبرح حتى أوفيك المائة- فجلس ما يدري ما الذي أريد به- فلما كثر جندي عندي سرحت إلى ثقلي- فأتيت به ثم أمرت بالرجل فجلد مائة جلدة- و دعوت الشيخ و ابنته فأمرت لهما بمائة دينار و كسوتهما- و كسوت أهل الماء ثوبا ثوبا و حرمته- فقال أهل الماء كان أيها الأمير أهلا لذلك- و كنت لما أتيت من خير أهلا- . فلما رجعت إلى معاوية و حدثته عجب- و قال لقد رأيت في سفرك هذا عجبا- . و يذكر أهل النسب أن قيسا أبا الضحاك بن قيس- كان يبيع عسب الفحول في الجاهلية-و رووا أن عقيلا رحمه الله تعالى قدم على أمير المؤمنين- فوجده جالسا في صحن المسجد بالكوفة- فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته- و كان عقيل قد كف بصره-

فقال و عليك السلام يا أبا يزيد- ثم التفت إلى ابنه الحسن ع فقال- قم فأنزل عمك فقام فأنزله- ثم عاد فقال اذهب فاشتر لعمك قميصا جديدا- و رداء جديدا و إزارا جديدا و نعلا جديدا- فذهب فاشترى له- فغدا عقيل على علي ع في الثياب- فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين- قال و عليك السلام يا أبا يزيد- قال يا أمير المؤمنين ما أراك أصبت من الدنيا شيئا- و إني لا ترضى نفسي من خلافتك بما رضيت به لنفسك- فقال يا أبا يزيد يخرج عطائي فأدفعه إليك – . فلما ارتحل عن أمير المؤمنين ع أتى معاوية- فنصبت له كراسيه و أجلس جلساءه حوله- فلما ورد عليه أمر له بمائة ألف فقبضها- ثم غدا عليه يوما بعد ذلك- و بعد وفاة أمير المؤمنين ع و بيعة الحسن لمعاوية- و جلساء معاوية حوله- فقال يا أبا يزيد أخبرني عن عسكري و عسكر أخيك- فقد وردت عليهما قال أخبرك- مررت و الله‏ بعسكر أخي- فإذا ليل كليل رسول الله ص و نهار كنهار رسول الله ص- إلا أن رسول الله ص ليس في القوم- ما رأيت إلا مصليا و لا سمعت إلا قارئا- و مررت بعسكرك فاستقبلني قوم من المنافقين- ممن نفر برسول الله ليلة العقبة- ثم قال من هذا عن يمينك يا معاوية- قال هذا عمرو بن العاص قال هذا الذي اختصم فيه ستة نفر- فغلب عليه جزار قريش فمن الآخر-

قال الضحاك بن قيس الفهري قال- أما و الله لقد كان أبوه جيد الأخذ لعسب التيوس- فمن هذا الآخر قال أبو موسى الأشعري- قال هذا ابن السراقة- فلما رأى معاوية أنه قد أغضب جلساءه- علم أنه إن استخبره عن نفسه قال فيه سوءا- فأحب أن يسأله ليقول فيه ما يعلمه من السوء- فيذهب بذلك غضب جلسائه- قال يا أبا يزيد فما تقول في قال دعني من هذا- قال لتقولن قال أ تعرف حمامة- قال و من حمامة يا أبا يزيد- قال قد أخبرتك ثم قام فمضى- فأرسل معاوية إلى النسابة فدعاه- فقال من حمامة قال و لي الأمان قال نعم- قال حمامة جدتك أم أبي سفيان- كانت بغيا في الجاهلية صاحبة راية- فقال معاوية لجلسائه- قد ساويتكم و زدت عليكم فلا تغضبوا

 

شرح‏ نهج ‏البلاغة(ابن ‏أبي ‏الحديد) ج 2

Show More

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

Back to top button
-+=