google-site-verification: googledc28cebad391242f.html
220-240 خطبه ها شرح ابن میثمخطبه ها شرح ابن میثم بحرانی(متن عربی)

خطبه 233 شرح ابن میثم بحرانی

و من خطبة له عليه السّلام
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْفَاشِي فِي الْخَلْقِ حَمْدُهُ- وَ الْغَالِبِ جُنْدُهُ وَ الْمُتَعَالِي جَدُّهُ- أَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ التُّؤَامِ وَ آلَائِهِ الْعِظَامِ- الَّذِي عَظُمَ حِلْمُهُ فَعَفَا وَ عَدَلَ فِي كُلِّ مَا قَضَى- وَ عَلِمَ مَا يَمْضِي وَ مَا مَضَى- مُبْتَدِعِ الْخَلَائِقِ بِعِلْمِهِ وَ مُنْشِئِهِمْ بِحُكْمِهِ- بِلَا اقْتِدَاءٍ وَ لَا تَعْلِيمٍ- وَ لَا احْتِذَاءٍ لِمِثَالِ صَانِعٍ حَكِيمٍ- وَ لَا إِصَابَةِ خَطَإٍ وَ لَا حَضْرَةِ مَلَإٍ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ- ابْتَعَثَهُ وَ النَّاسُ يَضْرِبُونَ فِي غَمْرَةٍ- وَ يَمُوجُونَ فِي حَيْرَةٍ قَدْ قَادَتْهُمْ أَزِمَّةُ الْحَيْنِ- وَ اسْتَغْلَقَتْ عَلَى‏ أَفْئِدَتِهِمْ أَقْفَالُ الرَّيْنِ أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ- فَإِنَّهَا حَقُّ اللَّهِ عَلَيْكُمْ- وَ الْمُوجِبَةُ عَلَى اللَّهِ حَقَّكُمْ وَ أَنْ تَسْتَعِينُوا عَلَيْهَا بِاللَّهِ- وَ تَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى اللَّهِ- فَإِنَّ التَّقْوَى فِي الْيَوْمِ الْحِرْزُ وَ الْجُنَّةُ- وَ فِي غَدٍ الطَّرِيقُ إِلَى الْجَنَّةِ- مَسْلَكُهَا وَاضِحٌ وَ سَالِكُهَا رَابِحٌ وَ مُسْتَوْدَعُهَا حَافِظٌ- لَمْ تَبْرَحْ عَارِضَةً نَفْسَهَا عَلَى الْأُمَمِ الْمَاضِينَ وَ الْغَابِرِينَ لِحَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا غَداً- إِذَا أَعَادَ اللَّهُ مَا أَبْدَى- وَ أَخَذَ مَا أَعْطَى وَ سَأَلَ عَمَّا أَسْدَى- فَمَا أَقَلَّ مَنْ قَبِلَهَا وَ حَمَلَهَا حَقَّ حَمْلِهَا- أُولَئِكَ الْأَقَلُّونَ عَدَداً- وَ هُمْ أَهْلُ صِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ إِذْ يَقُولُ- وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ- فَأَهْطِعُوا بِأَسْمَاعِكُمْ إِلَيْهَا وَ أَلِظُّوا بِجِدِّكُمْ عَلَيْهَا- وَ اعْتَاضُوهَا مِنْ كُلِّ سَلَفٍ خَلَفاً- وَ مِنْ كُلِّ مُخَالِفٍ مُوَافِقاً- أَيْقِظُوا بِهَا نَوْمَكُمْ وَ اقْطَعُوا بِهَا يَوْمَكُمْ- وَ أَشْعِرُوهَا قُلُوبَكُمْ وَ ارْحَضُوا بِهَا ذُنُوبَكُمْ- وَ دَاوُوا بِهَا الْأَسْقَامَ وَ بَادِرُوا بِهَا الْحِمَامَ- وَ اعْتَبِرُوا بِمَنْ أَضَاعَهَا وَ لَا يَعْتَبِرَنَّ بِكُمْ مَنْ أَطَاعَهَا- أَلَا وَ صُونُوهَا وَ تَصَوَّنُوا بِهَا- وَ كُونُوا عَنِ الدُّنْيَا نُزَّاهاً- وَ إِلَى الْآخِرَةِ وُلَّاهاً- وَ لَا تَضَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ التَّقْوَى- وَ لَا تَرْفَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ الدُّنْيَا- وَ لَا تَشِيمُوا بَارِقَهَا وَ لَا تَسْمَعُوا نَاطِقَهَا- وَ لَا تُجِيبُوا نَاعِقَهَا وَ لَا تَسْتَضِيئُوا بِإِشْرَاقِهَا- وَ لَا تُفْتَنُوابِأَعْلَاقِهَا- فَإِنَّ بَرْقَهَا خَالِبٌ وَ نُطْقَهَا كَاذِبٌ- وَ أَمْوَالَهَا مَحْرُوبَةٌ وَ أَعْلَاقَهَا مَسْلُوبَةٌ- أَلَا وَ هِيَ الْمُتَصَدِّيَةُ الْعَنُونُ وَ الْجَامِحَةُ الْحَرُونُ- وَ الْمَائِنَةُ الْخَئُونُ وَ الْجَحُودُ الْكَنُودُ- وَ الْعَنُودُ الصَّدُودُ وَ الْحَيُودُ الْمَيُودُ- حَالُهَا انْتِقَالٌ وَ وَطْأَتُهَا زِلْزَالٌ- وَ عِزُّهَا ذُلٌّ وَ جِدُّهَا هَزْلٌ وَ عُلْوُهَا سُفْلٌ- دَارُ حَرْبٍ وَ سَلَبٍ وَ نَهْبٍ وَ عَطَبٍ- أَهْلُهَا عَلَى سَاقٍ وَ سِيَاقٍ وَ لَحَاقٍ وَ فِرَاقٍ- قَدْ تَحَيَّرَتْ مَذَاهِبُهَا وَ أَعْجَزَتْ مَهَارِبُهَا- وَ خَابَتْ مَطَالِبُهَا فَأَسْلَمَتْهُمُ الْمَعَاقِلُ- وَ لَفَظَتْهُمُ الْمَنَازِلُ وَ أَعْيَتْهُمُ الْمَحَاوِلُ- فَمِنْ نَاجٍ مَعْقُورٍ وَ لَحْمٍ مَجْزُورٍ- وَ شِلْوٍ مَذْبُوحٍ وَ دَمٍ مَسْفُوحٍ- وَ عَاضٍّ عَلَى يَدَيْهِ وَ صَافِقٍ بِكَفَّيْهِ- وَ مُرْتَفِقٍ بِخَدَّيْهِ وَ زَارٍ عَلَى رَأْيِهِ- وَ رَاجِعٍ عَنْ عَزْمِهِ- وَ قَدْ أَدْبَرَتِ الْحِيلَةُ وَ أَقْبَلَتِ الْغِيلَةُ- وَ لَاتَ حِينَ مَنَاصٍ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ- قَدْ فَاتَ مَا فَاتَ وَ ذَهَبَ مَا ذَهَبَ- وَ مَضَتِ الدُّنْيَا لِحَالِ بَالِهَا- فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ

اللغة
أقول:

الفاشى: الذايع و المنتشر.

و الجدّ هاهنا: العظمة، و منه حديث أنس: كان أحدنا إذا قرء البقرة و آل عمران جدّ فينا: أى عظم.

و التؤام: جمع توأم، و حقيقته الولد يقارنه ولد آخر في بطن واحد. قال الخليل: أصله ووءم على وزن فوعل فابدلوا من إحدى الواوين تاء كما قالوا: تولج من و ولج.

و الآلاء: النعم‏

واحدتها ألى بالفتح، و قد يكسر كحرف الجرّ.

و الضرب: السير.

و الغمرة: ما يغمر العقل من الجهل، و الغمرة: الشدّة أيضا.

و الحين بالفتح: الهلاك.

و الرين: الطبع و غلبة الذنوب حتّى تتغطّى عن البصيرة.

و الغابر: الباقى و للماضى أيضا.

و أسدى: أرسل معروفه.

و أهطع: أسرع.

و واكظ على كذا: واظب عليه و داوم.

و المواكظة: المداومة.

و روى: كظّوا: أى ألزموا، و لزوم الشي‏ء في معنى المداومة عليه.

و الشعار: مايلى الجسد تحت الدثار، و هو العلامة أيضا.

و الرحض: الغسل.

و النزّاه: جمع نازه و هو المباعد عمّا يوجب الذمّ.

و الولّاه: جمع واله و هو المتحيّر من شدّة الوجد.

و الشيم: النظر إلى البرق أين تمطر سحائبه.

و الناعق: الصائح.

و أعلاقها: نفايسها، جمع علق و هو الشي‏ء النفيس، و برق خالب و خلب: لا مطر معه.

و مال محروب: مأخوذ بكلّيّته.

و المتصدّية: المتعرّضة.

و العنون: كثيرة العنن و هو الاعتراض.

و العنون أيضا: الدابّة المتقدّمة في السير.

و الجموح: الدابة الّتي تغلب الفارس فلا يملكها.

و الحرون: الّذي إذا اشتدّ به السوق وقف و المائنة: الكاذبة.

و الكنود: الكفور للنعمة و العنود: المائلة عن الطريق و عن المرعى.

و الصدود: المعرضة.

و الحيود: أيضا المائلة.

و الميود: المتمايلة.

و الحرب بفتح الحاء: سلب المال.

و السلب: ما يسلب من درع و نحوه في الحرب.

و العطب: الهلاك.

و الساق: الشدّة.

و السياق: نزع الروح، و السياق مصدر ساقه سوقا و سياقا.

و المعاقل: الحصون و ما يلجأ إليه.

و لفظتهم: ألقتهم و المحاول: جمع محاولة و هى الحيلة و معقور: مجروح.

و المجزور: المقطوع.

و الشلو: العضو من اللحم بعد الذبح، و أشلاء الإنسان: أعضاؤه المتفرّقة بعد البلى.

و مسفوح: مسفوك.

و الغيلة: الأخذ على غرّة.

و المناص: مصدر قولك ناص ينوص نوصا، أى فرّ و راغ.

و لات: حرف سلب، قال الأخفش: شبّهوها بليس و أضمروا فيها اسم الفاعل، قال: و لا يكون لات إلّا مع حين و قد تحذف حين كما حذفت في قول مازن بن مالك: حنت و لات حنت. فحذف حين و هو يريده، و قال: قرء بعضهم و لات حين مناص برفع حين و اضمر الخبر. و قال أبو عبيد: هى لا، و التاء إنّما زيدت في حين و إن كتب مفردة كما قال أبو وجرة: العاطفون تحين ما من عاطف. و قال المورّج: زيدت التاء في لات كما زيدت في ثمّت و ربّت.

و البال: الحال و الشأن و الأمر.

و البال أيضا: القلب.

المعنى
و قد حمد اللّه سبحانه باعتبارات لا ينبغي إلّا له:
أحدها: الفاشى حمده
أى في جميع خلقه و مخلوقاته. إذ كان شي‏ء منها لا يخلو من نعمة له أظهرها وجوده فلا يخلو من حمده بلسان الحال أو المقال. و له الحمد في السماوات و الأرض و عشيّا و حين تظهرون.
الثاني: الغالب جنده
و جند اللّه ملائكته و أعوان دينه من أهل الأرض كقوله تعالى وَ لِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ«» و قوله وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها«» و ظاهر كونه غالبا لقوله وَ إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ«» و قوله فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ«» و في هذه القرينة جذب للسامعين إلى نصرة اللّه ليكونوا من جنده و تثبيت لهم على ذلك.
الثالث: المتعالى جدّه
أى علاؤه و عظمته كقوله تعالى وَ أَنَّهُ تَعالى‏ جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَ لا وَلَداً«» و هذه القرينة تناسب ما قبلها لما في تلك من إيهام الحاجة إلى الجند و النصرة، و في الثانية تعاليه و عظمته عن كلّ حال يحكم بها في حقّه الرافع لذلك الإيهام، ثمّ عقّب بذكر سبب الحمد و هو نعمه التؤام و آلاؤه العظام، و معنى كونها توأما ترادفها على العبد و تواترها فإنّه ما من وقت يمرّ عليه إلّا و عنده أنواع من نعمة اللّه تعالى لا تكافؤ بحمد.
الرابع: من الاعتبارات الّذي عظم حلمه فعفا.
فالحلم في الإنسان فضيلة تحت الشجاعة يعسر معها انفعال النفس عن الواردات المكروهة الموذية له، و أمّا في حقّ اللّه تعالى فتعود إلى اعتبار عدم انفعاله عن مخالفة عبيده لأوامره و نواهيه، و كونه لا يستفزّه عند مشاهدة المنكرات منهم غضب و لا يحمله على المسارعة إلى‏ الانتقام منهم مع قدرته التامّة على كلّ مقدور غيظ و لا طيش. و الفرق بينه تعالى و بين العبد في هذا الوصف أنّ سلب الانفعال عنه سلب مطلق و سلبه عن العبد عمّا من شأنه أن يكون له ذلك الشي‏ء فكان عدم الانفعال عنه تعالى أبلغ و أتمّ من عدمه عن العبد، و بذلك الاعتبار كان أعظم، و لمّا كان الحلم يستلزم العفو عن الجرائم و الصفح عنها سمّى إمهاله تعالى للعبد و عدم مؤاخذته بجرائمه عفوا فلذلك أردف وصفه لعظمة الحلم بذكر العفو، و عطفه بالفاء لاستعقاب الملزوم لازمه بلا مهلة.
الخامس: و عدل في كلّ ما قضى
و لمّا كان العدل عبارة عن التوسّط في الأفعال و الأقوال بين طرفي التفريط و الإفراط، و كان كلّ ما قضاه تعالى و حكم عليه بوقوعه أو عدم وقوعه جاريا على وفق الحكمة و النظام الأكمل لما بيّن ذلك في مظانّه من العلم الإلهىّ لا جرم لم يكن أن يقع في الوجود شي‏ء من أفعاله أو أقواله منسوبا إلى أحد طرفي التفريط و الإفراط بل كان على حاقّ الوسط منهما و هو العدل. و قيل: قضى بمعنى أمر كقوله تعالى وَ قَضى‏ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ«» و هو داخل فيما قلناه فإنّ ما أمر بإيجاده أو نهى عنه داخل فيما حكم عليهم بوقوعه أو عدم وقوعه.
السادس: و علم ما يمضى و ما مضى.
إشارة إلى إحاطة علمه بكلّ الامور مستقبلها و ماضيها و كلّيّها و جزئيّها، و قد أشرنا إلى ذلك فيما قبل.
السابع: مبتدع الخلايق بعلمه
ظاهر كلامه عليه السّلام ناطق بأنّ العلم هنا سبب لما ابتدع من خلقه و لا شكّ أنّ السبب له تقدّم على المسبّب من جهة ما هو سبب و هذا هو مذهب جمهور الحكماء، و الخلاف فيه مع المتكلّمين. إذ قالوا: إنّ العلم تابع للمعلوم و التابع يمتنع أن يكون سببا. فالباء على رأيهم إذن للاستصحاب، و على الرأى الأوّل للتسبّب. و نحن إذا حقّقنا القول و قلنا: إنّه لا صفة له تعالى تزيد على ذاته و كانت ذاته و علمه و قدرته و إرادته شيئا واحدا و إنّما تختلف بحسب اعتبارات تحدثها عقولنا الضعيفة بالقياس إلى مخلوقاته كما سبق بيانه‏ في الخطبة الاولى لم يبق تفاوت في أن يستند المخلوقات إلى ذاته أو إلى علمه أو إلى قدرته أو غيرهما. و أمّا بيان أنّ العلم تابع للمعلوم حتّى يمتنع أن يكون سببا له أو متبوعا حتّى لا يمتنع ذلك فممّا حقّق في مظانّه. و المسألة ممّا طال الخبط فيها بينهم، و يحتمل أن يريد بالإبداع إحكام الأشياء و إتقانها بحيث يكون محلّ التعجّب يقال: هذا فعل بديع و منظر بديع: أى معجب حسن. فظاهر أنّ ذلك منسوب إلى العلم و لذلك يستدلّ بإحكام الفعل و إتقانه على علم فاعله.
الثامن: و منشئهم بحكمه
أى بحكمته و هو قريب من الّذي قبله، و يحتمل أن يريد حكم قدرته على الموجودات بالوجود. و هو ظاهر.
و قوله: بلا اقتداء و لا تعليم.
 أى لم يكن إبداعه و إنشاءه للخلق على وجه اقتدائه بغيره ممن سبقه إلى ذلك، و لا على وجه التعلّم منه. و الاقتداء أعمّ من التعلّم.
و قوله: و لا إصابة خطأ.
. أي لم يكن إنشاؤه للخلق أوّلا إتّفاقا على سبيل الاضطراب و الخطأ من غير علم منه ثمّ علمه بعد ذلك فاستدرك فعله و أحكمه فأصاب وجه المصلحة فيه. و الإضافة بمعنى اللام لما أنّ الإصابة من لواحق ذلك الخطأ. و بمثل هذا اعترض المتكلّمون على أنفسهم حيث استدلّوا على كونه تعالى عالما بكلّ معلوم فقالوا: إنّه تعالى علم بعض الأشياء لا من طريق أصلا لا من حسّ و لا نظر و استدلال فوجب أن يعلم سائرها كذلك لأنّه لا تخصيص، ثمّ سألوا أنفسهم فقالوا: لم زعمتم ذلك و لم لا يجوز أن يكون قد فعل أفعاله مضطربة ثمّ أدركها فعلم كيفيّة صنعها بطريق كونه مدركا لها فأحكمها بعد اختلافها و اضطرابها ثمّ أجابوا عن ذلك بأنّه لا بدّ أن يكون قبل ذلك عالما بمفرداتها من غير طريق فوجب أن يعلمها بأسرها كذلك لعدم التخصيص.
و هذا الجواب فاسد لأنّ مفرداتها إن لم تكن من فعله كالأجزاء الّتي لا يتجزّى على رأى المثبتين فليس كلامنا في علمه بها بل فيما كان من فعله و لا يلزم من العلم بمفردات الفعل العلم بالفعل، و إن كانت من فعله فقولكم: لا بدّ أن يكون عالما بمفرداتها قبل فعلها مصادرة على المطلوب. و الجواب الحقّ أنّه لو علمها بعد أن لم يعلمها لكان علمه بها حادثا في ذاته فكان محلّا للحوادث و هو محال لما سبق.
و قوله: و لا حضرة ملأ.
أي و لم يكن خلقه لما خلق بحضرة جماعة من العقلاء بحيث يشير كلّ منهم عليه برأى و يعينه بقول في كيفيّة خلقه حتّى يكون أقرب إلى الصواب لأنّ كلّ جماعة فرضت فهي من خلقه فلا بدّ أن تصدر عنه الامور لا بحضرة أحد، و لأنّ ذلك يستلزم حاجته إلى المعين و الظهير و الحاجة يستلزم الإمكان المنزّه قدسه عنه. و إليه الإشارة بقوله تعالى ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً«» و كلّ ذلك تنزيه لفعله عن كيفيّات أفعال عباده. ثمّ أردف ذلك باقتصاص أحوال الخلق حال انبعاث اللّه رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. و الواو في قوله: و الناس. للحال: أي و الناس يسيرون عند مقدمه في جهالة. و هو كناية عن تصرّفاتهم على جهل منهم بما ينبغي لهم من وجوه التصرّف، و يحتمل أن يريد و تسيرون في شدّة و ذلك أنّ العرب كانت حينئذ في شدائد من ضيق المعاش و النهب و الغارات و سفك الدماء كما قال عليه السّلام فيما قبل: إنّ اللّه بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نذيرا للعالمين، و أمينا على التنزيل، و أنتم معشر العرب على شرّ دين و في شرّ دار. الفصل. و كذلك قوله: و يموجون في حيرة. كناية عن تردّدهم في حيرة الضلال و الجهل أو في حيرة من الشدائد المذكورة.
و قوله: قد قادتهم أزمّة الحين.
 أي قد تداعوا للموت و الفناء من كثرة الغارات و شدائد سوء المعاش و ظلم بعضهم لبعض لأنّ الناس إذا لم يكن بينهم نظام عدليّ و لم يجر في امورهم قانون شرعيّ أسرع فيهم ظلم بعضهم البعض و استلزم ذلك فناؤهم، و لمّا استعار لفظ الأزمّة رشّح بذكر القود.
و قوله: و استغلقت. إلى قوله: الرين.
 أراد رين الجهل و تغطيته لقلوبهم عن أنوار اللّه تعالى و الاستضاء بأضواء الشريعة. و استعار لفظ الأقفال لغواشى الجهل و الهيئات الرديئة المكتسبة من الإقبال على الدنيا، و وجه المشابهة أنّ تلك مانعة للقلب و حاجبة له عن قبول الحقّ و الاهتداء به كما تمنع الأقفال ما يغلق عليه من التصرّف، و رشّح بذكر الاستغلاق و إنّما أتى بلفظ الاستفعال لأنّ ذلك الرين كان أخذ في الزيادة و منتقلا من حال إلى حال فكأنّ فيه معنى الطلب للتمام. ثمّ عقّب بالوصيّة بتقوى اللّه على جرى عادته لأنّها رأس كلّ مطلوب، و رغّب فيها بكونها حقّ اللّه عليهم: أي الأمر المطلوب له المستحقّ عليهم، و بكونها موجبة على اللّه حقّهم و هو جزاء طاعتهم له الّذي أوجبه على نفسه و لزم عن كمال ذاته الفيّاضة بالخيرات بحسب استعدادهم له بالتقوى. ثمّ أشار إلى ما ينبغي للمتصدّي إلى التقوى و هو أن يستعين على قطع عقباتها باللّه و الانقطاع إليه أن يعينه عليها و يوفّقه بها فإنّ الانقطاع إلى معونته و الالتفات إليه مادّة كلّ مطلوب. ثمّ إلى فائدتها و هي الاستعانة بها على اللّه تعالى. و لمّا كان المطلوب منه الوصول إلى ساحل عزّته و النظر إلى وجهه الكريم و السلامة من غضبه و نقاش حسابه إذ هو تعالى الحاكم الأوّل كانت التقوى أجلّ ما يستعدّ به لحصول تلك المطالب، و كان السعيد من استعان بها على دفع شدائده تعالى في الآخرة من المناقشة فإنّه لاخلاص منها إلّا بها. ثمّ عقّب ذكرها ببيان ما يستلزمه من الامور المرغوب فيها: منها كونها في اليوم: أي في مدّة الحياة حرزا و جنّة: أي من المكاره الدنيويّة لقوله تعالى وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ- من أمره- مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ«» و في غد: أي في يوم القيامة الطريق إلى الجنّة. و هو ظاهر، و منها كون مسلكها واضحا و ظاهر أنّ الشارع صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أوضح طرق التقوى و كشف سبلها حتّى لا يجهلها إلّا جاهل، و منها كون سالكها رابحا. و استعار لفظ الربح لما يحصل عليه المتّقى من ثمرات التقوى في الدنيا و الآخرة، و وجه الاستعارة أنّه بحركاته و تقواه الّتي يشبه رأس ماله يستفيد الثواب كما يستفيد التاجر مكاسبه، و منها كون مستودعها حافظا. و المستودع بالفتح قابل الوديعة و بكسرهافاعلها. و المراد على الرواية بالفتح كون قابلها حافظا لنفسه بها من عذاب اللّه أو يكون حافظ بمعنى محفوظ، و على الثانية فالمستودع لها إمّا اللّه سبحانه. إذ هي الأمانة الّتي عرضها على السماوات و الأرض فأبين أن يحملها و أشفقن منها و حملها الإنسان و ظاهر كونه تعالى حافظا على العبد المستودع أحواله فيها من تفريطه و تقصيره أو أمانته و محافظته عليها، و إمّا الملائكة الّتي هي وسائط بين اللّه تعالى و بين خلقه. و ظاهر كونهم حفظة كما قال تعالى وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً و قوله وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ«».
و قوله لم تبرح عارضة نفسها. إلى قوله الغابرين.
 كلام لطيف، و استعار وصف كونها عارضة نفسها. و وجه الاستعارة كونها مهيّئة لأن تقبل و بصدد أن ينتفع بها كالمرأة الصالحة الّتي تعرض نفسها للتزويج و الانتفاع بها. ثمّ علّل كونها لم تبرح كذلك لحاجة الخلق إليها غدا: أي يوم القيامة ترغيبا فيها بكونها محتاجا إليها، و يحتمل أن يدخل ذلك في وجه الشبه.
و قوله: إذا أعاد. إلى قوله: أسدى.
 كالقرينة المخرجة لغد عن حقيقته إلى مجازه و هو يوم القيامة، و تعيين له بأنّه الوقت الّذي يعيد اللّه فيه ما كان أبداه من الخلق و يأخذ فيه ما كان أعطاهم من الوجود الدنيويّ و لواحقه و يقول: لمن الملك اليوم للّه الواحد القهّار. و في الحديث: إنّ اللّه تعالى يجمع كلّ ما كان في الدنيا من الذهب و الفضّة فيجعله أمثال الجبال ثمّ يقول: هذا فتنة بني آدم. ثمّ يسوقه إلى جهنّم فيجعله مكاوى لجباه المجرمين و يسألهم فيه عمّا أسدى إليهم فيه من نعمه فيسأل من ادّخرها لم ادّخرها و لم ينفقها في وجوهها المطلوبة للّه، و يسأل من أنفقها في غيره وجهها فيقول. أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدنيا و استمتعتم بها. و يجازي الأوّلين بادّخارها كما قال وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمى‏ عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ«» الآية، و يجازي الآخرين بصرفها في غير وجهها كما قال فَالْيَوْمَ‏ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
و قوله: فما أقلّ من قبلها.
 تعجّب من قلّة من قبل التقوى بينهم و حملها حقّ حملها: أي أخذها و حفظها بشرائطها و استعدّ بها ليؤدّي أمانة اللّه فيها. إذ هي الأمانة المعروضة. ثمّ حكم بكون قابلها و حاكمها هم أقلّ الناس عددا، و أنّهم أهل صفة اللّه: أي الّذين وصفهم اللّه تعالى بقوله وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ.
ثمّ أمرهم فيها بأوامر:
أحدها: أن يهطعوا بأسماعهم إليها
أي يسرعوا إلى سماع وصفها و شرحها ليعرفوها فيعملوا على بصيرة.
الثاني: أن يواكظوا عليها بجدّهم
أي يداوموا عليها و يلازموها باجتهاد منهم، و روى و انقطعوا بأسماعكم إليها: أي انقطعوا عن علائق الدنيا و استصحبوا أسماعكم إلى سماع وصفها. فكأنّ أحد الروايتين تصحيف الاخرى لأنّ النون و القاف إذا تقارنا أشبها الهاء في الكتابة.
الثالث: أن يعتاضوها خلفا عن كلّ محبوب في الدنيا سلف لهم
و نعم الخلف ممّا سلف إذ كانت المطالب الحاصلة بها أنفس المطالب و هي السعادة الأبديّة.
و خلفا مصدر سدّ مسدّ الحال.
الرابع: أن يعتاضوها من كلّ مخالف لهم موافقا.
و المراد أنّ كلّ من كان موافقا لك ثمّ خالفك في أمر من الامور فينبغي أن يكون على طريق الحقّ و التقوى في ذلك الأمر و لا تميل ميل مخالفك فإنّ التقوى نعم العوض ممّن خالفك. و نحوه ما قال أفلاطون الحكيم: سقراط حبيبنا و الحقّ حبيبنا و إذا اختلفا كان الحقّ أحبّ إلينا.
الخامس: أن يوقظوا بها نومهم.
قال بعض الشارحين: أراد أن يوقظوا بها نوّامكم فأقام المصدر مقام اسم الفاعل مجازا لما فيه من التضادّ في القرينة. قلت: و يحتمل أن يريد بقوله: أيقظوا: أي اطردوا بتقوى اللّه و عبادته نومكم في ليلكم و أحيوه بها. فاستعمل لفظ الايقاظ لإفادته ذلك المعنى إذ كان الأمر بإيقاع أحد الضدّين في محلّ يستلزم الأمر بنفى الضدّ الآخر عن ذلك المحلّ مجازا من باب إطلاق اسم الملزوم على لازمه و لما فيه من التضادّ، و يحتمل أن يريد بالنوم نوم الغفلة و الجهل و بإيقاظ النائمين منها بها تنبيههم بها من مراقد الطبيعة و إعدادهم بأجراء العبادة و قوانينها لحصول الكمالات العلميّة و العمليّة على سبيل الاستعارة.
و وجهها ظاهر ممّا سبق.
السادس: و أن يقطعوا بها يومهم
أى يقطعوا بالاشتغال بها نهارهم.
السابع: أن يشعروها قلوبهم
أى يجعلوها شعارا لقلوبهم و يلبسوها إيّاه كما يلبس الشعار. و لفظ الشعار مستعار لها، و وجه الاستعارة كون التقوى الحقيقيّة تلازم النفس و تتّصل بالقلب كما يتّصل الشعار بالجسد، و يحتمل أن يريد اجعلوها لازمة لقلوبكم ليتميّز بها عن قلوب الظالمين، و يحتمل أن يريد أشعروها قلوبكم: أى أعلموها بها و اجعلوها شاعرة بتفاصيلها و لوازمها.
الثامن: أن يرحضوا بها ذنوبهم
أى يغسلوها بالاشتغال بالتقوى. و لفظ الرحض مستعار باعتبار كون التقوى ماحية لدرن الذنوب و الهيآت البدنيّة عن ألواح النفوس كما يمحق الغسل درن الثوب و أوساخه.
التاسع: أن يداووا بها الأسقام
أى أسقام الذنوب و أمراض القلوب كالجهل و الشكّ و النفاق و الرياء و الحسد و الكبر و البخل و جميع رذائل الأخلاق الّتي هى في الحقيقة الأسقام المهلكة، و لاشتمال التقوى على جميع الأعمال الجميلة و الملكات الفاضلة كانت دواء لهذه الأسقام و شفاء لا يعقبه داء.
العاشر: و أن يبادروا بها الحمام
أى يسارعوه و يسابقوه بها. و قد سبق بيانه في الخطبة السابقة.
الحادى عشر: أن يعتبروا بمن أضاعها
أى ينظروا إلى الامم السابقه قبلهم ممّن أضاع التقوى، و يتفكّروا في حاله كيف أضاعها لأمر لم يبق له ففاته ما طلب و لم يدرك ما فيه رغب ثمّ حصل بعد الهلاك على سوء المنقلب فيحصّلوا من ذلك عبرة لأنفسهم فيحملوها على التقوى خوفا ممّا نزل بمن أضاعها من الخيبة و الحرمان‏ و الرجوع إلى دار الهوان.
الثاني عشر: أن لا يجعلوا أنفسهم عبرة لمن أطاعها
أى انقاد للتقوى و دخل فيها أو أطاع موجبها فحذف المضاف، و المراد نهيهم أن يدخلوا في زمرة من أضاعها فيكونوا عبرة لمن أطاعها فنهى عن لازم الإضاعة و هو اعتبار غيرهم بهم. و صورة ذلك النهى و إن كانت متعلّقة بغيرهم إلّا أنّه كناية عن نهيهم عمّا يستلزم عبرة الغير بهم و هو إضاعة التقوى لأنّ النهى عن اللازم يستلزم النهى عن الملزوم، و هذا كما تقول لمن تنصحه: لا يضحك الناس منك: أى لا تفعل ما يستلزم ذلك و يوجبه منهم.
الثالث عشر: أن يصونوها.
و صيانتها شدّة التحفّظ فيها من خلطها برياء أو سمعة و مزجها بشي‏ء من الرذائل و المعاصى.
الرابع عشر: أن يتصوّنوا بها
أى يتحفّظوا بها عن الذنوب و الرذائل و ثمرتها و يتحرّزوا بالاستعداد لها من لحوق العذاب في الآخرة.
الخامس عشر: أن يكونوا عن الدنيا نزّاها
أى متنزّهين عمّا حرّم اللّه عليهم و كرهه ممّا يوجب لهم الذمّ عاجلا و العقاب آجلا و هو أمر بالتقوى أيضا.
السادس عشر: أن يكونوا إلى الآخرة ولّاها
أى متحيّرين من شدّة الشوق إليها و ذلك مستلزم للأمر بالتقوى و الانقطاع عن الدنيا إلى الأعمال الصالحة لأنّها هى السبب في محبّة الآخرة و الرغبة التامّة فيما عند اللّه.
السابع عشر: أن لا يضعوا من رفعته التقوى.
و وضعه إمّا بقول كذمّه و الاستهزاء به، أو بفعل كضربه، أو فعل ما يستلزم إهانته، أو ترك قول، أو ترك فعل يستلزم ذلك. و لمّا كان كلّ ذلك منافيا للتقوى و داخلا في أبواب الرذائل لا جرم نهى عن لازمه و هو وضع من رفعته التقوى لاستلزام رفع اللازم رفع الملزوم.
الثامن عشر: أن لا يرفعوا من رفعته الدنيا
و أراد من ارتفاعه وجاهته عند الخلق بسبب الدنيا و اقتناء شي‏ء منها. و التقدير: من رفعته أهل الدنيا. فحذف المضاف، أو اسند الرفع إلى الدنيا مجازا لأنّ الرافع و المعظم له هم الناس، و لمّا كان من رفعته الدنيا عادلا عن التقوى كان الميل إليه و احترامه و محبّته يستلزم المحبّة للدنيا و الميل إليها و كان منهيّا عنه، و كان الانحراف عنه و عدم توقيره زهدا في الدنيا و أهلها هو من جملة التقوى فكان مامورا به.
التاسع عشر: نهى عن شيم بارقها.
استعار لفظ البارق لما يلوح للناس في الدنيا من مطامعها و مطالبها، و وصف الشيم لتوقّع تلك المطالب و انتظارها و التطّلع إليها على سبيل الكناية عن كونها كالسحابة الّتي يلوح بارقها فيتوقّع منها المطر.
العشرون: و عن سماع ناطقها.
و كنّى بناطقها عن مادحها و ما كشف وصفها و زينها من القول أو فعل أو زينة أو متاع، و بسماعه عن الإصغاء و الميل إليه و تصديق مقاله و تصويب شهادته فإنّها هى الّتي ينبغي أن يقتنى و يدّخر و يعتنى بها إلى غير ذلك فإنّ كلّ ذلك سبب للعدول عن التقوى و طريق الآخرة إلى طرق الهلاك.
الحادى و العشرون: و عن إجابة ناعقها.
و كنّى بناعقها عن الداعى إليها و الجاذب ممّا ذكرنا، و بإجابته عن موافقته و متابعته.
الثاني و العشرون: و الاستضاءة بإشراقها.
و استعار لفظ الإشراق لوجوه المصالح الداعية إليها و الآراء الهادية إلى طرق تحصيلها و كيفيّة السعى فيها، و وصف الاستضاءة للاهتداء بتلك الآراء في طلبها، و وجه المشابهة أنّ تلك الآراء يهتدى بها في تحصيلها كما يهتدى بالإشراق المحسوس. و هذه القرينة قريبة المعنى من القرينتين قبلها، و يحتمل أن يريد بإشراقها ما يبتهج به من زينتها و أنوار جنابها، و بالاستضاءة ذلك الابتهاج و الالتذاذ على سبيل الاستعارة، و وجهها مشاركة زينتها للضياء في كونه سببا ممدّا للأرواح باسطا لها.
الثالث و العشرون: و من الفتنة بأعلاقها.
و أعلاقها ما يعدّ فيها نفيسا من قيناتها و متاعها، و هو مستلزم للنهى لهم عن محبّة الدنيا و الانهماك في لذّاتها لأنّ ذلك هو الفاتن لهم و المضلّ عن سبيل اللّه و هو سبب بلائهم و محنتهم و إليه‏ الإشارة بقوله تعالى أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ«» قال المفسّرون: بلاء و محنة و اشتغال عن الآخرة. و الإنسان بسبب المال و الولد يقع في العظائم و يتناول الحرام إلّا من عصمه اللّه، و عن أبي بريدة قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يخطبنا يوما فجاء الحسن و الحسين عليهما السّلام و عليهما قميصان أحمران يمشيان و يعثران فنزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثمّ قال: صدق اللّه عزّ و جلّ وَ اعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ نظرت إلى هذين الصبيّين يمشيان و يعثران فلم أصبر حتّى نزلت إليهما و رفعتهما. ثمّ أردف ذلك بتعداد معايب و أوصاف لها منفّرة عنها معلّلا بها ما سبق من نواهيه عنها.
فقوله: فإنّ برقها خالب.
 تعليل لنهيه عن شيم بارقها. و استعار وصف الخالب لما لاح من مطامعها، و وجه المشابهة كون مطامعها و آمالها غير مدركة و إن ادرك بعضها ففى معرض الزوال كأن لم يحصل فأشبهت البرق الّذي لا ماء فيه و إن حصل معه ضعيف فغير منتفع به فلذلك لا ينبغي أن يشام بارقها.
و قوله: و نطقها كاذب.
 تعليل لنهيه عن سماع نطقها: أى النطق الحاصل في معناها، و في مدحها، و أنّها ممّا ينبغي أن يطلب و يدّخر، و وصف نفسها و لذّاتها بلسان حالها الّذي تغرّبه الأوهام الفاسدة. و كونه كذبا كناية عن عدم مطابقة ذلك الوصف بحالها في نفس الأمر.
و قوله: و أموالها محروبة.
 كالتعليل لنهيه عن الاستضاءة بإشراقها: أى لا ينبغي أن تستعمل الآراء الحسنة و الحيل في تحصيل أموالها، أو لا ينبغي أن تحبّ زينتها و أموالها و يبتهج بها فإنّها مأخوذة.
و قوله: و أعلاقها مسلوبة.

تعليل لنهيه عن الافتنان بأعلاقها، و يحتمل أن تكون هذه القرينة مع الّتي قبلها تعليل للنهى عن الفتنة بأعلاقها.

ثمّ أردف تلك الأوصاف بالتنبيه على أوصاف اخرى و نقايض لها مستعارة نفّر بها عنها:
أحدها: أنّها المتصدّية العنون
قال بعض الشارحين: هو استعارة وصف المرأة الفاجرة الّتي من شأنها التعرّض للرجال لتخدعهم عن أنفسهم، و يحتمل أن يكون استعارة لوصف الفرس أو الناقة الّتي تمشي في الطريق معترضة خابطا.
و قوله: العنون. استعارة بوصف الدابّة المتقدّمة في السير. كنّى بهما عن لحوق الدنيا بالدابّة تكون كذلك. و وجه المشابهة في الوصف الأوّل أنّ الدنيا في تغيّراتها و أحوالها و حركاتها غير مضبوطة و لا جارية مع الإنسان على حال واحد فأشبهت الناقة الّتي تعترض في طريقها و تمشى على غير استقامة، و وجهها في الثاني أنّ مدّة الحياة الدنيا في غاية الإسراع و شدّة السير بأهلها إلى الآخرة فأشبهت السريعة من الدوابّ المتقدّمة في سيرها.
الثاني: الجامحة الحرون.
استعار وصف الجماح لها باعتبار كونها لا تملك لأهلها و لا ينقاد لهم كما لا ينقاد الحرون لراكبها، و كذلك وصف الحرون باعتبار عدم انقياده لأهلها و عدم قدرتهم على تصريفها و هم أحوج ما يكونون إليها.
الثالث: المائنة الخئون
فاستعار وصف الكاذبة لها باعتبار عدم مطابقة اغترارها للناس بزينتها و متاعها و توهّمهم عن ذلك بقاؤها و نفعها لما عليه الأمر في نفسه.
إذ كان عن قليل ينكشف كذبها فيما غرّتهم به و كذب أوهامهم فيها، و كذلك وصف الخئون باعتبار عدم وفائها لمن غرّته و خدعته عن نفسه بزينتها فكأنّها لذلك أعطته عهدا بدوامها له فخانته بزوالها عنه و لم تف بعهده.
الرابع: الجحود الكنود
و استعار لها هذين الوصفين ملاحظة لشبهها بالمرأة الّتي تكفر نعمة زوجها و تنكر صنيعه، و يكون من شأنها الغدر. و ذلك أنّ الدنيا من شأنها أن تنفر عمّن رغب فيها و سعى لها و اجتهد في عمارتها و إظهارزينتها، و يكون سبب هلاكه ثمّ ينتقل عنه إلى غيره.
الخامس: العنود الصدود
فاستعار وصف العنود لها باعتبار عدولها عن حال استقامتها على الأحوال المطلوبة للناس، و انحرافها عن سنن قصودهم منها كالناقة الّتي ينحرف عن المرعى المعتاد للإبل و ترعى جانبا. و كذلك الصدود باعتبار كثرة إعراضها عمّن طلبها و رغب فيها.
السادس: و الحيود الميود
فاستعارة وصف الحيود ظاهرة، و أمّا وصف الميود فباعتبار تردّدها في ميلها بالنسبة إلى بعض أشخاص الناس من حال إلى آخر فتارة لهم و تارة عليهم. و يحتمل أن لا يكون قد اعتبر قيد التردّد بل أراد مطلق الحركة استعارة لكثرة تغيّرها و انتقالها.
السابع: حالها انتقال.
إخبار عن حالها بأنّها انتقال: أى من شخص إلى آخر و من حال إلى حال. و ظاهر أنّها كذلك. قال بعض الشارحين: يجوز أن يريد به أنّ شيمتها و سجيّتها الانتقال و التغيّر. و يحتمل أن يعنى بالحال الحاضرة من الزمان و هو الآن. و يكون مراده أنّ الّذي يحكم عليه العقلاء بالحضور منها ليس بحاضر بل هو سيّال متغيّر لا ثبوت له في الحقيقة كما لا ثبوت للماضى و المستقبل.
الثامن: و وطأتها زلزال
استعار لفظ الوطأة لإصابتها ببعض شدائدها، و وجه الاستعارة استلزام إصابتها بذلك إهانة من أصابته و الثقل عليه كما يستلزم وطأة الثقيل من الحيوان ذلك، و استعار لفظ الزلزال لاضطراب أحوال من تصيبه بمكروهها كاضطراب الأرض بالزلزال.
التاسع: عزّها ذلّ
أى العزّ الحاصل عنها لأهلها بسبب كثرة قيناتها كعزّة ملوكها و منفعتهم ذلّ في الآخرة، و أطلق عليه لفظ الذلّ إطلاقا لاسم الملزوم على لازمه أو تسمية الشي‏ء باسم ما يؤول إليه. إذ كان العزّ بالدنيا و أموالها مستلزما للانحراف عن الدين و التقوى الحقّة، و ذلك مستلزم للذلّ الأكبر عند لقاء اللّه. و إليه الإشارة بقوله تعالى حكاية عن المنافقين لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ«» و نقل المفسّرون أنّ القائل لذلك عبد اللّه بن ابيّ، و الأعزّ يعنى نفسه و الأذلّ يعنى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فردّ اللّه تعالى عليه بقوله وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ«» الآية.
العاشر: و جدّها هزل.
استعار لفظ الجدّ و هو القيام في الأمر بعناية و اجتهاد لإقبالها على بعض أهلها بخيراتها كالصديق المعتنى بحال صديقه، و لإدبارها عن بعضهم و إصابتها له بمكروهها كالعدوّ القاصد لهلاك عدوّه. و استعار لجدّها لفظ الهزل الّذي هو ضدّه. و وجه الاستعارة كونها عند إقبالها على الإنسان كالمعتنية بحالها أو عند إعراضها عنه و رميه بالمصايب كالقاصدة لذلك ثمّ يسرع انتقالها عن تلك الحال إلى ضدّها فهى في ذلك كالهازل اللاعب. و يحتمل أن يريد جدّ أهلها هزل: أى عنايتهم بها و اجتهادهم في تحصيلها يشبه الهزل و اللعب في سرعة تغيّره و الانتقال عنه بزوالها فاستعار له لفظه.
الحادى عشر: و علوّها سفل
أى العلوّ الحاصل بسببها أو علوّ أهلها على تقدير حذف المضاف، و أخبر عنه بأنّه سفل لاستلزامه السفل و انحطاط المرتبة في الآخرة بين أهلها. و هو كقوله: و عزّها ذلّ.
الثاني عشر: كونها دار حرب
كقوله: أموالها محروبة. و أراد كونها مظنّة أن تسلب قيناتها عن أهلها بالموت و غيره. و استعار لفظ السلب لما فيها من القينات. و وجه المشابهة كون ما فيها يسلب عن أهلها في كلّ زمان و يصير إلى من بعدهم كدار حرب. و كذلك نهب و عطب.
الثالث عشر: كون أهلها على ساق
أى على شدّة. و هو ظاهر. إذ كلّ ما عدّد من أوصافها من الحرب و السلب و العطب شدائد عليها أهلها. و قال قطب الدين الراوندىّ: أراد بكونها على ساق أنّ بعضهم يتبع أثر بعض إلى الآخرة فأشبه ذلك قولهم: ولدت فلانة ثلاثة بنين على ساق: أى ليس بينهم انثى. و أنكره‏ ابن أبي الحديد. و كنّى بالساق عن الأمر الشديد. قال بعض الشارحين: و يحتمل أن يكون مصدر قولك ساقه سياقا: أى أنّهم مساقون إلى الآخرة، و لحاق- بفتح اللام- أى يلحق بعضهم بعضا في الوجود و العدم، و فراق يفارق بعضهم بعضا. و هو كقولهم: الدنيا مولود يولد و مفقود يفقد. و يحتمل أن يريد باللحاق لحاق الأحياء للموتى في العدم.
الرابع عشر: كونها قد تحيّرت مذاهبها،
و لم يرد بمذاهبها طرقها المحسوسة و لا الاعتقادات بل الطرق العقليّة في تحصيل خيرها و دفع شرّها. و أسند الحيرة إلى المذاهب مجازا إقامة للعلّة القابلة مقام العلّة الفاعلة. إذ الأصل تحيّر أهلها في مذاهبها.
الخامس عشر: و أعجزت مهاربها
أى و أعجزت من طلبها. فحذف المفعول لأنّ الغرض ذكر الإعجاز. و مهاربها مواضع الهرب من شرورها.
السادس عشر: و خابت مطالبها
استعار وصف الخيابة للمطالب، و وجه المشابهة عدم حصولها بعد ظهورها للأوهام و تعلّق الآمال بها فأشبهت من وعد بحصول شي‏ء لم يف به. ثمّ عقّب بذكر بعض لوازم خيابة مطالبها، و هى إسلام المعاقل لهم، و استعار لها لفظ الإسلام باعتبار كونها لا تحفظهم من الرزايا و لا تحصنهم من سهام المنايا فأشبهت في ذلك من أسلم الملتجى إليه و خلّى عنه لعدّوه. و لكون ذلك لازما عطفه بالفاء. و كذلك لفظ المنازل لهم مستعار باعتبار خروجهم منها بالموت فهى كاللافظة الملقية لهم.
ثمّ قسّمهم باعتبار لحوق شرّها لأحيائهم و أمواتهم إلى أصناف:
أحدها: ناج معقور
و أراد الباقين فيها، و كنّى بالمعقور عن من رمته بالمصائب فيها المشبهة للمعقور.
الثاني: و لحم مجزور،و أراد منهم من صار لحما مجزورا.
الثالث: و شلو مذبوح.
و أراد ذى شلو مذبوح: أى قد صار بعد الذبح أشلاء متفرّقه، و يحتمل أن يكون مذبوح صفة للشلو، و أراد بالذبح مطلق الشقّ كما هو في أصل اللغة.

الرابع: و دم مسفوح
أى و ذى دم مسفوح.
الخامس: و عاضّ على يديه،
و هو كناية عن ندم الظالمين بعد الموت على التفريط و التقصير. إذ كان من شأن النادم ذلك.
السادس: و صافق بكفّيه
أى ضارب إحداهما على الاخرى ندما.
السابع: و- كذلك- مرتفق لخدّيه
أى جاعل مرفقيه تحت خدّيه فعل النادم.
الثامن: و- كذلك- و زار على رأيه
أى رأيه الّذي اقتضى له السعى في جمع الدنيا و الالتفات إليها بكلّيّته حتّى لزم من ذلك إعراضه عن الآخرة فحاق به سيّى‏ء ما كسب فإذا انكشف له بعد الموت لزوم العقاب و ظهرت له سلاسل الهيئات البدنيّة و أغلالها في عنقه علم أنّ كلّ ذلك ثمرة ذلك الرأى الفاسد فأزرى عليه و عابه و أنكره.
التاسع: و راجع عن عزمه
أى ما كان عزم من عمارة الدنيا و السعى في تحصيلها، و بالموت تنجلى تلك العزوم و يرجع عنها.
و قوله: و قد أدبرت الحيلة.
 الواو للحال من الضمير في راجع: أى و راجع عن عزمه حال ما قد أدبرت حيلته و هذه الحال مفسّرة لمثلها عن الضمائر المرفوعة في عاضّ، و صافق، و مرتفق، و زار.
و قوله: و أقبلت الغيلة.
 أى أخذهم إلى جهنّم و إهلاكهم فيها على غرّة منهم بذلك الأخذ، و قال بعض الشارحين: يحتمل بالغيلة الشرّ بمعنى الغائلة.
و قوله: و لات حين مناص.
 في موضع الحال و العامل أقبلت: أى و أقبل الهلاك و الشرّ حال ما ليس لهم وقت فرار و لا تأخّر عنه كقوله تعالى كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ«» أى فنادوا مستغيثين حال ما ليس الوقت وقت مخلص و مفرّ.

و قوله: هيهات هيهات.
 أى بعد الخلاص و الفرار. و أتى به مكرّرا للتأكيد، و هو في مقابلة قول الكفّار المنكرين لأحوال المعاد هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ و كالجزاء له بعد الموت.
و قوله: و قد فات ما فات. إلى قوله: ذهب.
 أى فات ما كنتم فيه من أحوال الدنيا الّتي يتمنّون الرجعة إليها فلا رجوع لها. و نحوه قوله تعالى حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ«» الآية.
و قوله: و مضت الدنيا لحال بالها.
 كلمة يخبر بها عمّن مضى، أو يأمر بالمضىّ: أى و مضت عنهم الدنيا لحال بالها. و نحوه قوله عليه السّلام: حتّى إذا مضى الأوّل لسبيله. و قوله: امض لشأنك.
و اللام للغرض فكأنّه استعار لها لفظ البال بمعنى القلب ملاحظة لشبهها بمن يمضى لغرض نفسه و ما يهواه قلبه، و يحتمل أن يريد بالبال الحال أيضا و جواز الإضافة لاختلاف اللفظين، و قال بعض الشارحين: أراد بحال بالها ما كانت عليه من رخائها و سهولتها على أهلها.
و قوله: و أقبلت الآخرة.
 أى بشدّتها و صعوبتها. ثمّ ختم بالآية اقتباسا. و المعنى أنّهم لمّا ركنوا إلى الدنيا فعلت بهم ما فعلت، و حصلوا على ما حصلوا عليه من البداهة، و ولّت عنهم لشأنها فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ قال بعض المفسّرين: أراد أهل السماء و هم الملائكة و أهل الأرض فحذف المضاف. و هو كناية عن كونهم لا يستحقّون أن يتأسّف عليهم و لا أن يبكون، و قيل: أراد المبالغة في تحقير شأنهم لأنّ العرب كانت تقول في عظيم القدر يموت: بكته السماء و الأرض. فنفى عنهم ذلك، و أراد ليسوا ممّن يقال فيهم مثل هذا القول.
و عن ابن عبّاس- رضى اللّه عنه- لمّا قيل له: أ تبكي السماء و الأرض على أحد فقال: يبكيه مصلّاه في الأرض و مصعد عمله في السماء.

فيكون نفى البكاء عنهم كناية عن أنّه لم يكن لهم في الأرض موضع عمل صالح حتّى يكون له مصعد في السماء فلم تبك عليهم، و نحوه عن أنس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما من مسلم إلّا و له بابان: باب تصعد فيه عمله، و باب ينزل منه رزقه إلى الأرض فإذا مات بكيا عليه. فذلك قوله عزّ و جلّ فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ«» و اعلم أنّ إطلاق لفظ البكاء على السماء و الأرض مجاز في فقدهما لما ينبغي أن يكون فيهما من مساجد المؤمنين و مصاعد أعمالهم قياسا في ذلك من فقد شيئا يحبّه و يبكى له فاطلق عليه إطلاقا لاسم الملزوم على لازمه. و باللّه التوفيق.

شرح ‏نهج ‏البلاغة(ابن‏ ميثم بحرانی)، ج 4 ، صفحه‏ى 212

Show More

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

این سایت از اکیسمت برای کاهش هرزنامه استفاده می کند. بیاموزید که چگونه اطلاعات دیدگاه های شما پردازش می‌شوند.

Back to top button
-+=